جرائم الـمادة (82 عقوبات)
 
تنص المادة (82) من قانون العقوبات على أنه "يعاقب باعتباره شريكا في الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب :
1)كل من كان عالما بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكن أو مأوى أو مكانا للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له البحث موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه .
2)كل من أخفى أشياء استعملت أ أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك .
3)كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمدا مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها .
          ويجوز للمحكمة في هذه الأحوال أن تعفي من العقوبة أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة إذا لم يكونوا معاقبين بنص آخر في القانون ".
هذه المادة تقابل المادة 83 من القانون الحالي وقد أضيف بالنص المقترح إلى الأفعال الجنائية التي تحكمها المادة المذكورة فعل جنائي أخر تتمثل صورته في الإتلاف أو الاختلاس أو التزوير أو الإخفاء الذي يقع عمدا على مستند من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها إذا رؤى تسوية هذا الفعل من تلك الأفعال باعتباره شريكا في الجريمة الأصلية دون الحاجة إلى التزام قواعد القانون العام المتعلقة بالاشتراك في الجرائم بالنظر إلى ما تتسم به الجرائم المنصوص عليها في الباب من أهمية وخطر وقد أجيز للمحكمة أن تقضي بالإعفاء من العقاب المقرر بالمادة المقترحة لصلة القربى أو المصاهرة حتى الدرجة الرابعة إذا وجدت من ظروف الدعوى ما تبرر الإعفاء . (المذكرة الإيضاحية)
وهذه المادة تنص على ثلاث جرائم سوف نقوم بإلقاء الضوء عليهم كما يلي : 
•        الجريمة الأولى :
تنص المادة 82 على ما يلي :
1)      كل من كان عالما بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكنى أو مأوى أو مكانا للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه .
•        وأركان الجريمة ثلاثة :
1)وجود شخص أو أكثر لديه نية ارتكاب جريمة من جرائم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي .
2)أن يقدم إلى هذا الشخص أو الأشخاص إعانة أو وسيلة للتعيش أو السكنى أو مأوى أو مكان للاجتماع ، أو حمل رسائله أو تسهيل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه .
3)القصد الجنائي .
•        الجريمة الثانية :
تنص المادة 82/2 على ما يأتي " كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك .
ولهذه الجريمة ثلاثة أركان :
1 – فعل الإخفاء (الركن المادي) .
2 – أن يقع الإخفاء على شيء استعمل أو أعد للاستعمال في ارتكاب الجريمة .
3 – القصد الجنائي العام . (راجع في كل ما سبق المستشار محمود إسماعيل ، مرجع سابق)
•        الجريمة الثالثة :
تنص الفقرة 3 من المادة 82 على ما يأتي : " كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمدا مستندا من شأنه كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها .
وأركان هذه الجريمة ثلاثة هي :
1 – فعل من الأفعال الواردة في النص وهي الإتلاف أو الاختلاس أو الإخفاء أو التغير .
2 – أن يقع هذا الفعل على مستند من شأنه أن يسهل كشف جريمة وأدلتها وعقاب مرتكبيها .
3 – القصد الجنائي .
•        ونتناول الجرائم الثلاث السابق بيانها بالشرح كالتالي :
تضمن باب الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أحكاما تسري في كافة جرائمه وهي تتعلق بالاشتراك فيها ، وبالاتفاق الجنائي ، والتحريض عليها ، وبتسهيل ارتكاب هذه الجرائم بإهمال ، وبعد التبليغ عنها ؛ وأخيرا بالإعفاء من عقابها . وندرس هذه الأحكام في إيجاز :
الاشتراك : من الثابت أنه إذا تحققت صورة الاشتراك في هذه الجرائم وفقا للقواعد العامة ، فإن الشريك يعاقب بالعقوبة المقرة للفاعل (المادة41 عقوبات) . بمعنى أنه يجب أن يحصل من الشريك " تحريض " أو " اتفاق " أو " مساعدة " في ارتكاب إحدى هذه الجرائم ، فتقع الجريمة إما تامة أو في حالة شروع ، بناء على التحريض أو الاتفاق أو المساعدة التي حصلت (المادة 40 عقوبات) .
وقد خشي المشرع أن تتخلف ثغرات عن تطبيق القواعد العامة في الاشتراك فيفلت بعض الأشخاص من العقاب ، على الرغم من دورهم في إعانة الجاني ، أو تسهيل الجريمة ، أو تضييع أدلتها . ولذلك نص في المادة 82 على حالات خاصة للاشتراك يؤاخذ بمقتضاها في جرائم هذا الباب من يعلم بنوايا الجاني ويقدم له مالا أو سكنا أو غير ذلك ، ومن يخفي أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في الجريمة ؛ وكذلك من يتلف أو يختلس أو يخفي أو يزور مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة أو أدلتها .
والأفعال المنصوص عليها في هذه المادة تكاد تشبه الاشتراك في عموم الجرائم ، وقد تبلغ مبلغه في بعض الصور ، وإنما تختلف عنده عند التشابه في أنه لا حاجة إلى إثبات أن الجريمة الأصلية لم تكن لتقع لولا التسهيلات أو الإخفاء أو ما إليه ؛ ثم أنه في كثير من الأحوال تباشر هذه الأفعال بعد ارتكاب الجريمة . والعلة في عاقبة من يرتكب فعلا من تلك الأفعال باعتباره " شريكا " في الجريمة الأصلية ، دون حاجة إلى التزام قواعد القانون العام المتعلقة بالاشتراك ؛ ترجع إلى ما تتسم به جرائم أمن الدولة الخارجي من أهمية وخطر ، مما اقتضى تجريم إعانة الجاني أو تعويق الإثبات . أما حالات الاشتراك أو صوره الخاصة وفقا للمادة 82 عقوبات فهي ثلاثة :
الصورة الأولى : بينتها الفقرة الأولى من المادة 82 ، وتنص على أنه يعد شريكا في جرائم الباب : " كل من كان عالما بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش السكني أو مأوى أو مكانا للاجتماع أو غير ذلك من التسهيلات ؛ وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه " . وهذه الفقرة تتطلب لانطباقه شروطا ثلاثة :
الأول أن يوجد شخص أو أكثر " انتوى " ارتكاب إحدى جرائم الأمن الخارجي للدولة . فلا يشترط إذن وقوع الجريمة تامة أو شروعا فيها ؛ وإنما يكفي أن يكون لدى الشخص أو الأشخاص نية ارتكاب الجريمة بعبارة أكثر وضوحا : فإن النص ينطبق إذا وقعت الجريمة ، أو إذا لم تكن وقعت وكان لدى الشخص نية ارتكابها . ومن البديهي أنه إذا كانت المعاونة قدمت لمؤازرة الجاني وتأييده في أغراضه الإجرامية ، ثم وقعت الجريمة بناء عليها ، فإن ذلك يعد اشتراكا في نفس الوقت تطبيقا للقواعد العامة ولكن المادة 82 (في فقراتها الثلاثة) تخرج على قواعد الاشتراك العامة في حالتي عدم وقوع الجريمة على الإطلاق ، وعند وقوع الأفعال المذكورة فيها لاحقة للجريمة الأصلية ، فإن الاشتراك لا يكون إلا في فعل معاقب عليه ، ولا تعتبر المساعدة أو المعاونة اللاحقة على تمام الجريمة من وسائلة وفقا للمادة 40 عقوبات ؛ وبالتالي فإنه لم يكن بالإمكان اعتبار هاتين الحالتين من قبيل الاشتراك لولا وجود النص  .
والثاني : أن يقدم الشخص إلى من انتوى إحدى هذه الجرائم إعانة مالية أو وسيلة للتعيش ، أو للسكنى ، أو مأوى ، أو مكانا للاجتماع بغيره من أعوانه ، أو أي تسهيل أخر ، مثل تقديم الملابس أو الأدوات ولا يشترط أن تتعدد الإعانات المالية أن تكون ذات شأن ، ولا أن تقد عدة أمكنة للسكنى أو الاجتماع أو الإيواء ؛ فالسائد أن مرة واحدة تكفي في تقديم الإعانة أو مكان الاجتماع ، كما يكفي أن تقدم غرفة للإيواء غرفة واحدة ؛ لأن هذه الجريمة ليست من جرائم الاعتياد . وإنما يراعى أن تكون الإعانة وما إليها من التسهيلات منطوية على عمل " إيجابي " يخرج عن المألوف " عرفا " في صلات مقدم هذه الأشياء بالشخص الأخر ؛ فلا يدخل في ذلك الحالات التي يشترك فيها شخص مع أخر في المعيشة أو السكنى ، كحال الزوجة مع زوجها ، أو الولد مع أبيه .
وقد تناول النص ، فضلا عما تقدم ، " كل من حمل رسائل  الجاني أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه " والسائد في الفقه الفرنسي أن هذه الأفعال تختلف عن سابقتها من حيث أنها تتطلب " وقوع الجريمة الأصلية " ، فلا يكفي لاعتبارها صورة خاطئة للاشتراك أن يكون من حملت رسائله .... الخ قد " انتوى " ارتكاب إحدى جرائم الأمن الخارجي ، وإنما ينبغي أن تكون الجريمة قد وقعت بالفعل ولكن النص ينطبق سواء حصل الفعل قبل وقوع الجريمة أو بعده ، بل إن فائدته التشريعية تبدو في نظر (جارسون) أكثر أهمية عند تناول هذه الأفعال في حالة وقوعها " لاحقة " على الجريمة ، لأنها إن كانت سابقة فمن الغالب أن تعد من قبيل الاشتراك وفقا للقواعد العامة ؛ أما كونها لاحقة فلا يمكن أن تعد اشتراكا لولا وجود هذا النص إلا أن الظاهر من وضع هذه الأفعال في النص المصري أنه لا يلزم أن تكون الجريمة الأصلية قد وقعت ، وإنما يكفي أن يكون الشخص الذي حملت رسائله أو قدم له التسهيل في البحث عن موضوع الجريمة ، قد " انتوى " ارتكابها ؛ والاكتفاء بهذا القدر لا يمنع من انطباق النص إذا كانت الأفعال لاحقة على وقوع الجريمة ، وهو ما تقدم إيضاحه .
ويراد بحمل الرسائل حفظها أو نقلها ، سواء أكانت صادرة من الجاني أم موجهه إليه وليس من اللازم أن تكون هذه الرسائل متعلقة بالجريمة ؛ فالنص ينطبق ولو كانت متعلقة بالشئون الشخصية للجاني وتسهيل البحث عن موضوع الجريمة يعني المعاونة في تذليل العقبات التي تقف دون الوصول إليه وقد يحدث ذلك بنشاط " إيجابي " ، وهو الغالب ؛ لكنه يقع أيضا باتخاذ" موقف سلبي " ، إذ كان من شأنه أن يتيح للجاني التوصل إلى موضوع الجريمة ، وكان على متخذه التزام خاص بالتدخل ويقصد بتسهيل " إخفاء " موضوع الجريمة : حيازته إذا كان له كيان مادي ملموس ، أو جعل الغير يحوزه أو إرشاد الجاني إلى موضع يخفيه فيه . أما تسهيل " نقل " موضوعها أو (إبلاغه) فيراد به تيسير نقله من مكان إلى أخر ، أو إحاطة الآخرين علما به ، أيا ما كانت الوسيلة المتبعة في ذلك . فقد يسهل له نقله في عربه أو طائرة أو باخرة ، بنفسه أو بواسطة غيره ، وقد يسهل له إبلاغه بخطاب يكتبه ، وقد يحصل تسهيل النقل والإبلاغ معا عن طريق البرق أو اللاسلكي .
ومن البديهي أن ارتكاب أحد الأفعال المتقدمة يكفي لانطباق النص ، وأنه يجب أن يكون الفعل " إراديا " ، فإذا كان قيام الشخص به نتيجة إكراه مادي أو معنوي فإنه لا تصح مساءلته (راجع المادة 61 ع.م)
والثالث : هو توفر القصد لدى مقدم المعونة أو المأوى ... أو من يحمل رسائل الجاني ، أو يسهل له نقل موضوع الجريمة أو إخفائه أو إبلاغه وذلك بأن يكون عالما بالجريمة الأصلية التي يعدها الجاني ، أي عالما بقصده ارتكابها وهذه ما عبر عنه النص بقوله : " كل من كان عالما بنيات الجاني " وليس من الضروري أن يكون عالما " بوقوعها " إذا كانت قد وقعت ؛ فالقدر الأدنى في الجانب المادي هو أن يوجد شخص يعد لارتكاب إحدى جرائم هذه الباب وأن يعاونه المتهم بأحد الأفعال المذكورة في النص ؛ ويكفي إذن في الجانب المعنوي أن يكون مقدم العون أو ما إليه " عالما " بأعداد الشخص للجريمة ، أي بقصده أو بعزمه على مقارفتها ، حتى ولو كانت الجريمة عند تقديم العون أو ما إليه قد وقعت فعلا دون علمه فإذا توافر العلم بارتكاب الجاني للجريمة ، عند مقارفة أحد الأفعال السابقة ، فإن ذلك يعني بدون شك توفر القصد الجنائي وتحقق الاشتراك .
الصورة الثانية : بينت الفقرة الثانية من المادة 82 عقوبات أنه يعتبر شريكا في جرائم أمن الدولة الخارجي : "كل من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة ، أو تحصلت منها ، وهو عالم بذلك "
وهذه الفقرة تتضمن حالة إخفاء الأشياء ، وتقابل ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 85 عقوبات فرنسي ، مع بعض الفروق ، فالمادة 85 فرنسي أشارت إلى أن هذه الفقرة تعتبر " احتياطية إلى جانب المادة 360ع.ف الخاصة بإخفاء الأشياء المسروقة أو المتحصلة من جناية أو جنحة ، وإلى أن الجاني يعاقب ، عند توافر شروط انطباق هذه الفقرة ، بعقوبة الإخفاء ذاتها أما المادة 82 عقوبات مصري فيبدو أنها مستقلة ، وأن لها صفة " أساسية " في شأن هذه الجرائم ، وذلك حين نصت على اعتبار إخفاء الأشياء المتحصلة من الجريمة في حكم " الاشتراك " فيها خروجا على ما تقرره المادة 44 من عقاب ، وحين أضافت إليها إخفاء الأشياء التي استعملت أو أعدت للاستعمال في الجريمة وإذن ، في تنازع بين حكم هذه الفقرة والمادة 44ع ؛ ومن اللازم أن تطبق أحكام العقاب بموجب هذه الفقرة وحدها على الوقائع التي تقع تحت طائلتها ولو كانت في نفس الوقت تدل في نطاق المادة 44 عقوبات ، فيعتبر المخفي (شريكا) سواء أكانت عقوبته حينئذ أشد أم أخف من عقوبة المادة 44 ولا يصح أن يقال بتطبيق العقوبة الأشد في أي النصين ، كما اعتقد البعض ؛ لأن هذه الفترة (خاص) ونص المادة 44 (عام) ، والثابت أن للنص الخاص أولوية مطلقة في التطبيق عند التعارض بينه وبين الأحكام العامة ، فهذا النص هو الذي يطبق وحده في هذه الحالة ، أخذا بقاعدة أصولية مؤداها أن الخاص يقيد العام ، أو بعبارة أخرى يلغى من مجال تطبيق النص العم مما يسمح بأعمال الحكم الخاص وإنما تطبق القواعد العامة إذ انتفى النص الخاص وتطبيق هذه الفقرة لازم سواء وقعت الجريمة الأصلية وكانت الأشياء التي أخفيت قد استعملت فيها ، أو تحصلت منها ، أم لم تقع وكانت الأشياء قد أعدت للاستعمال لكن ذلك يتطلب وجود عناصر ثلاثة : الأول فعل الإخفاء ؛ والثاني أن يكون محل الإخفاء شيئا مما جاء في النص ؛ والثالث القصد الجنائي .
فعل الإخفاء : يتحقق فعل الإخفاء بتسلم الجاني الشيء وجعله في حيازته فلابد فيه من فعل إيجابي ، أو اتصال فعلي بالشيء ، مهما كان سببه أو غرضه أو ظروف زمانه أو مكانه ، ما دام الجاني قد أدخل به الشيء في حيازته وعلى ذلك ، فإن مجرد وجود الشخص في مكان الإخفاء أو في محل دخله المخفي وضبطه فيه لا يكفي لاعتباره مخفيا لشيء يحوزه غيره دون أن تصل يده إليه . ومتى حاز الشخص الشيء ، فلا يشترط لتحقق معنى الإخفاء في القانون أن يكون قد وضعه في مكان بعيد عن الأنظار وعن متناول الناس كما أنه لا أهمية لما إذا كان قد حازه باعتباره ملكا له ، أو كان قد حازه على سبيل الوديعة أو الإيجارة أو العارية . ويظل فعل الإخفاء قائما ما بقي الشيء في حيازة الجاني ، فالإخفاء جريمة مستمرة ، ولا تنتهي حالة الاستمرار إلا بخروج الشيء من حيازة مخفية ، ومن ذلك الوقت تبدأ المدة المقررة لانقضاء الدعوى بالتقادم.
موضوع الإخفاء : يجب أن يقع الإخفاء على شيء استعمل ، أو أعد للاستعمال ، في إحدى جرائم هذا الباب ، أو على شيء تحصل منها ، ومن أمثلة الأشياء التي تستعمل : العربات التي تنقل المؤن أو الذخائر أو الرجال لمعاونة العدو (المادة 78) وأدت الإتلاف أو التعيب للسفن أو المهمات أو المنشآت أو وسائل الاتصالات أو المرافق العامة أو غير ذلك مما أعد للدفاع عن البلاد (المادة 78ج) وأدوات التخفي للدخول في المعسكرات أو منشآت الدفاع وأدوات التصوير ونحوها مما يستخدم الحصول على صور أو خرائط لأماكن على خلاف الحظر من السلطات (المادة 80) وأجهزة التراسل للتخابر مع العدو (المادة 77ب ، ج) ومن أمثلة الأشياء التي تتحصل من هذه الجرائم بقصد ارتكاب أي عمل ضار بمصلحة قومية (المادة 78) .
وإنما تثور الصعوبة أحيانا في إثبات أن الشيء قد أعد للاستعمال في الجريمة ، لأنه إذا كان من الأشياء ما تنم طبيعته عن إعداده للاستعمال في ارتكاب الجرائم ، مثل : أدوات التخريب والإتلاف لمعدات الدفاع ، ووسائل الإرسال للتخابر عن بعد ، فإن منها ما يستخدم في الشئون العادية للحياة ، كالعربات وأدوات التصوير وعلى العموم ، إذا ثار الشك في إعداد هذه الأشياء لارتكاب إحدى الجرائم فإنه يجب تأويله لمصلحة المتهم ، لأن الأحكام الجنائية لا تبنى إلا على اليقين .
•        القصد الجنائي :
يجب أن يكون المخفي (عالما) بأنه يحوز أشياء معدة للاستعمال ، أو سبق استعمالها ، في ارتكاب إحدى جرائم الأمن الخارجي أو أنها قد تحصلت منها ، وليس من الضروري أن يحيط علمه بمكان الجريمة وكيفية ارتكابها ، وإنما يكفي أن يحيط بنوعها ، وعلى أساس من هذه العلم يتحدد النص القانوني الواجب تطبيق عقابه وليس معنى ذلك أن يكون الجاني عالما بالنص الجنائي ؛ وإنما المراد أن اشتراكه يكون في الوصف القانوني للوقائع التي يعلم بها ، ما لم تكن الجريمة " الأصلية " التي انتواها الجاني أو ارتكبها فعلا أخف ، فعندئذ يؤاخذ عن عقابها فقط ؛ وإن كان دون الجريمة التي اعتمد هو أن الأشياء قد أعدت لارتكابها أو تحصلت عنها والعلم على هذا النحو كاف دون اعتداد بالباعث وإنما يلاحظ أنه قد يتأتى العلم بعد دخول الشيء في حيازة الجاني ؛ فإن استمر حائزا له بعد علمه بأمه معد للاستعمال أو استعمل أو تحصل عن إحدى هذه الجرائم ، فإن القصد الجنائي يوجد ، ويتعاصر مع فعل الإخفاء المستمر ، ومن ثم تترتب مساءلة الجاني .
الصورة الثانية : نصت المادة 28/3 عقوبات على أنه يعتبر شريكا في جرائم هذا الباب : " كل من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمدا مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها " .
وهذه الفقرة مستحدثة في القانون رقم 112 لسنة 1957 وهي مأخوذة عن المادة 85/4 عقوبات فرنس مع فارق يتعلق بوصف الفعل ، فقد اعتبره المشرع الفرنسي " إخفاء " بينما هو في حكم النص المصري " اشتراك " وقد أريد بتناول هذه الأفعال صيانة المستندات التي تيسر كشف جرائم الأمن الخارجي أو عقاب مرتكبيها .
وإنما يلزم لتحقيق الاشتراك في الجريمة الأصلية وفقا لهذا النص أن توجد شروط ثلاثة : الأول ، وقوع فعل من الأفعال المذكورة ، وهي الإتلاف أو الاختلاس أو الإخفاء أو التغيير . والثاني ، أن يكون محل الفعل مستندا من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها والثالث ، القصد الجنائي.
الأفعال المادية : تناول المشرع أفعالا أربعة كل منها على حدة يكفي لانطباق النص وهذه الأفعال هي (1) الإتلاف ويراد به إعدام ذاتية المحرر بأية وسيلة ؛ فقد يتم ذلك بتمزيقه كله بحيث لا يمكن الاستفادة من بعضه أو بإحراقه ، أو بإلقائه في الماء ، أو بمحوه كله بمادة كيميائية (2) الاختلاس : وهو سلب حيازة المستند بعنصريها المادي والمعنوي بنية تملكه والاختصاص به دون رضا صاحبه أو حائزه السابق . (3) الإخفاء : وهو إدخال الجاني الشيء في حيازته بفعل إيجابي ، سواء أكان بنية تملكه ، أم على سبيل الوديعة بل أن الإخفاء يمتد إلى نقل الشيء من موضعه إلى موضع أخر ، حتى لا يمكن ضبطه أو العثور عند البحث عنه ، فالواقع أن المشرع المصري وجد في التعبير بلفظ (إخفاء) ما يكفي مقابل لفظي الموجودين بالمادة (85) عقوبات فرنسي . (4) التغيير : ويراد به إبدال الحقيقة الثابتة في المستند بما يخالفها ، أي تحريفها ؛ إما بالحذف أو بالإضافة أو التعديل أو بأية طريقة أخرى ؛ وهو يختلف عن إتلاف المستند ، في أن الإتلاف يعدم ذاتية المحرر كله بحيث لا يمكن الاستفادة من بعضه ؛ أما التغيير فإنه حتى لو حصل بالقطع أو التمزيق أو المحو لبعض أجزاء المحرر إلا أنه يفترض وجود أجزاء أخرى لا تعبر عن الحقيقة الكاملة .
محل الأفعال :  يجب أن يقع أحد هذه الأفعال على مستند ، أي على محو به كتابة بأي لغة ، أو به رسوم أو صور أو خرائط ، ويكون من شأنه تسهيل كشف إحدى جرائم الأمن الخارجي وأدلتها أو عقاب مرتكبيها . يستوي أن يكون المستند عاما " رسميا " ، أو من محررات الأفراد ومن أمثلة ذلك : الأوراق التي يمكن منها معرفة ماضي المتهم ، أو معرفة شركائه في الجريمة أو محل إقامتهم ، والأوراق التي تحمل وعاء الجريمة وتكون في حوزة المتهم (راجع المادة 78) فيخفيها غيره أو يختلسها من الحارس قبل فحصها ، أو يغير فيها ، أو يتلفها ، وليس بشرط أن يكون المستند بذاته دليلا " تاما " أو " كافيا " ؛ إذ يكفي أن يقتصر على معلومات أو بيانات تسهل الكشف عن الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها .
القصد الجنائي : وهو علم مرتكب أحد هذه الأفعال بأنه فعله الإرادي يتعلق بمستند من شأنه تسهيل كشف جريمة مما يخل بالأمن الخارجي للدولة أو عقاب الجناة فيها ولا عبرة بعد ذلك بباعثه على الفعل أو غايته منه وقد اعتقد البعض أنه لا بد في " التغيير " من أن تكون غاية الجاني استعمال المحرر فيما زور من أجله ، وأنه يجب أن يتضمن نشاط المتهم الذهني هذه الغاية.
ولكن المفهوم أن النص يتناول " التغيير " في هذا المجال بأي أسلوب وقع ، باعتباره يؤدي إلى نفس نتيجة الإتلاف أو الإخفاء ، وهي تضيع أدلة الجريمة ؛ ومن ثم يكفي حصوله مع علم الجاني بأنه يغير الحقيقة في مستند من شأنه أن يحقق الأغراض التي تحدث عنها النص ، ولو لم تكن غاية الجاني استعمال المستند ؛ فقد تكون غايته على العكس منع استعماله وهو الغالب .
الإعفاء من العقاب في الصور الثلاث : نصت الفقرة الأخيرة من المادة 82 عقوبات على أنه  " يجوز للمحكمة في هذه الأحوال أن تعفي من العقوبات أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة إذا لم يكونوا معاقبين بنص آخر في القانون " .
وقد أخذت هذه الفقرة عن المادة 85/5ع فرنسي ؛ مع فارق لا اعتقد أن المشرع المصري حين أخذ النص قد فطن إليه فإن الحكم المقرر في النص المصري يجوز تطبيقه في جميع الأحوال ، أي في صور الاشتراك الثلاثة المتقدمة أما النص الفرنسي فالمفهوم في الفقه أنه خاص بالفقرة الأولى دون غيرها ، وهي التي يمكن تبرير جاز الإعفاء فيها بعاطفة القرابة التي تدفع الإنسان إلى تقديم المعونة أو الطعام أو المأوى لقريبه ، لأنها احتياجات إنسانية بحتة ؛ خلافا للحالات الأخرى التي يجب ألا يعتد فيها بصلة ، مثل تسهيل الوصول إلى موضوع الجريمة أو نقله أو إبلاغه .
والإعفاء الوارد بهذه الفقرة " جوازي " أي متروك لتقدير المحكمة ، ولكنها لا تستطيع أن تقرره بشرطين : الأول ، أن يكون المتهم أحد الأشخاص الذين ذكرهم النص وهم أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة . والثاني ، ألا يكون المتهم معاقبا بنص أخر في القانون ، لأن أفعاله قد تصل إلى حد الاشتراك وفقا للقواعد العامة ، أو قد تنطوي على جريمة أخرى ، وعندئذ يتعين توقيع العقاب الذي يستأهله تبعا للظروف . (راجع في كل ما سبق الدكتور عبد المهيمن بكر ، مرجع سابق والمستشار محمود إسماعيل ، مرجع سابق)