تنص المادة(80 " أ ") من قانون العقوبات على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه كل من :
1) حصل بأية وسيلة غير مشروعة على سر من أسرار الدفاع عن البلاد ولم يقصد تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها .
2) أذاع بأية طريقة سرا من أسرار الدفاع عن البلاد .
3) نظم أو أستعمل أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته .
وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب" .
وهذه الجريمة وهي جنحة إذا وقعت في زمن السلم وجناية إذا وقعت في زمن الحرب ، يتخذ ركنها المادي إحدى صور ثلاثة :
1 – الحصول على سر من أسرار الدفاع وهي تلك التي عددتها المادة 85 السابق لنا الكلام عليها ، أي على معلومات أو أشياء من أسرار الدولة (فقرة 1 ، 2 من المادة 85) أو على أخبار متكتمة (فقرة 3) أو على أخبار ضبط أو تحقيق أو محاكمة قضائية في صدد جريمة عدوان على أمن الدولة الخارجي (فقرة 4) .
واستخدام تعبير "الحصول" على السر في شأن هذه الجنحة ، يترادف مع ذات التعبير المستخدم في المادة 80 بشأن الجناية وهو "التوصل إلى الحصول" على السر ذاته .
2 – إذاعة سر من أسرار الدفاع بأية طريقة ، واستخدام تعبير "إذاعة" السر في صدد هذه الجنحة ، يترادف هو الأخر بدوره مع التعبير المستخدم في المادة 80 بصدد الجناية في إحدى صورها ، وهو "تسليم أو إفشاء السر" ، فالتسليم أو الإفشاء هو بعينه الإذاعة .
3 – تنظيم أو استعمال أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع أو تسليمه أو إذاعته . وهذه الصورة من السلوك لم يرد ذكرها في وصف الجناية المنصوص عليها بالمادة 80 ، لأن هذه الجناية لا تتوافر بمجرد السعي إلى السر إذا لم يعقب هذا السعي توصل إلى السر فعلا .
فإذا كان كل من التوصل إلى السر وإفشاءه قاسما مشتركا بين جناية المادة 80 وجنحة المادة 80(أ) التي نحن بصددها ، فإنه يحق التساؤل عن الفرق بين هاتين الجريمتين ، ما دام موضوعهما واحدا وهو سر من أسرار الدفاع ، وما دام السلوك الوارد فيهما على هذا الموضع واحدا وهو التوصل إلى السر أو إفشاءه .
والواقع أن الفرق بين الجريمتين في هذا المجال المشترك بينهما ، لا يوجد في الركن المادي وإنما في الركن المعنوي ذلك لأنه بينما التوصل إلى السر في جناية المادة 80 يتم بقصد إفشاءه إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، فإنه في جنحة المادة 80 (أ) لا يتم بهذا القصد وإنما بدافع الاستفادة الفكرية والتزود بالمعرفة ومحض الرغبة في العلم بأمر من جانب شخص ليس من واجبه ولا من حقه أن يعلم هذا الأمر . وبينما إذاعة السر أي تسليمه أو إفشاءه تحدث في جناية المادة 80 إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، فإنها في جنحة المادة 80 (أ) تحدث لفرد أو لجميع أفراد ممن لا يصدق عليهم أنهم يمثلون دولة أجنبية أو يعلمون لمصلحتها ، وإنما ليس واجبا عليهم ولاحقا لهم أن يحيطوا بالسر .
ولذا يخلع على الجنحة في صورة التوصل إلى السر من جانب غير المرخص له بأن يعلم السر ، وصف الجنحة التشوقية أو الاستطلاعية délit de curiosité ورغم أن هذه الجنحة لا تنم عن خيانة للوطن كما في الجناية ، إلا أن العقاب عليها كان لازما في سبيل الحفاظ على أمن الدولة الخارجي ، لأن من يتوصل إلى السر بدافع برئ ، يخشى بعدئذ أن يطرأ عليه الدافع السيئ فيسلمه أو يفشيه إلى دولة أجنبية واحدة أو أحد ممن يعملون لمصلحتها . ومن ثم يعتبر العقاب على محض التوصل إلى السر حالة وجود التزام بجهله ، من أوضح الأمثلة لما سميناه بالتجريم التحوطي السباق .
ويلاحظ أن الجنحة التي نحن بصددها تتوافر كما قلنا على صورة تنظيم أو استعمال أية للتراسل في سبيل الحصول على سر من أسرار الدفاع أو في سبيل تسليمه أو إفشائه . فمجرد أن يعد الجاني حماما زاجلا أو جهازا تليفونيا أو تلفزيونيا أو جهاز للتلقي أو الإرسال باللاسلكي كي يتلقى عن طريق هذا الحمام أو الجهاز معلومات تعتبر أسرارا ، وذلك بطريق التراسل بينه وبين مكامن الأسرار أو مجرد استعمال حمام أو جهاز من هذا القبيل أو مجرد التراسل بالبريد ، يحقق الجنحة طبقا للفقرة (3) من المادة 80 (أ) ، بشرط ألا يكون استعمال الجهاز أو الحمام أو البريد قد تحقق فعلا الوقوف على السر من جانب غير المرخص له في العلم به ، بأن يضبط الطلب المتضمن سؤالا عن المعلومات قبل أن يلقي هذا الطلب جوابا متضمنا إياها أو قبل أن يصل الجواب عليه إلى السائل ، وإلا توافرت الصورة الأولى من الجنحة وهي الحصول بأية وسيلة غير مشروعة على السر فعلا .
وليس التراسل بمثابة الوسيلة الوحيدة غير المشروعة الممكن أن يتم عن طريقها التوصل إلى السر . فقد ضربنا أمثلة لوسائل أخرى غير مشروعة في هذا الصدد ، وذلك بمناسبة كلامنا على جناية المادة 80 (مثل التزيي بزي عسكري أو التستر وراء صفة كاذبة لاجتياز طريق الوصول إلى السر) .
ونضرب الآن أمثلة لما تنطبق عليه جنحة المادة 80 (أ) التي نحن بصددها . فقد سبق لنا أن أشرنا إلى نوع خاص من البارود يكفل إحكام وسرعة الطلقات من بندقية ذات نوع خاص وقلنا أن هذا البارود من الأشياء التي تعتبر سرا من أسرار الدفاع . وقد تقرر هذا في فرنسا بمناسبة الإدانة على جنحة من قبيل ما تعالجه الآن حكم فيها بعقاب صاحب فندق بفرنسا لأنه حصل من جنود فرنسيين استضاف في فندقه على كمية من ذلك البارود ، فكان هذا بمثابة توصل منه إلى سر .
ورأينا أن محاميه في قضية عدوان على أمن الدولة الخارجي حكم عليه بالعقاب لأنه أفضى إلى شقيق المتهم في تلك القضية بمعلومات عن مجريات المحاكمة فيها وهي تعتبر من أسرار الدفاع الوطني ، فكان هذا الإفضاء منه بها إذاعة لسر من هذه الأسرار ، تمت لفرد واحد هو شقيق المتهم .
وأشرنا كذلك إلى مادة شديدة التفجر تستخدم في حشو الرصاص نشر عنها الكيميائي صاحب الفضل في تكوينها كتابا مشتملا نهايته على خمس لوحات مصورة وقلنا أن هذا الكيميائي اعتبر بذلك مرتكبا جنحة إذاعة سر من أسرار الدفاع وقد كانت هذه الإذاعة لجمع غير محدود من الأشخاص هم أفراد الجمهور.
فيستوي في الإذاعة أن تكون لفرد واحد أو لعدد من الأفراد لأنهم وسيلتنا ، فكما تكون بالمشافهة قد تكون بالطباعة والنشر .
ونضيف الآن إلى تلك الأمثلة مثالين آخرين أحدهما لجنحة التوصل إلى السر والأخر إلى جنحة إذاعته . فقد حكم في فرنسا بإدانة مهندس في إحدى المؤسسات رئيسا لقسم تصميم هياكل الطائرات ولو يكن له اختصاص ما في قسم آخر محدد لقسمه هو قسم تصميم محركات الطائرات ، غير أنه حصل من أرشيف هذا السر الأخر على رسوم لمحركات الطائرات ، ولم يقبل منه دفاعه بأنه كان ينفي خطر تعزيز لمعلوماته الشخصية . فهذا مثال لجنحة التوصل إلى سر .
والمثال الأخر حكم فيه بإدانة ناشر لمقالة في صحيفة فرنسية تحدث في مقالته عن زحف المارشال ما كما هون صوب شرق فرنسا ، ونقلت عنه مقالته جريدة التايمز البريطانية ووصل إلى الألمان أمر الخير الوارد في تلك المقالة . ويلاحظ هنا أن السر موضوع الإذاعة في الصحيفة ينتمي إلى دائرة الأخبار المتكتمة المشار إليها في الفقرة (3) للمادة 85 من قانون العقوبات المصري . وكان أسلوب الإذاعة هو الصحافة .
ويلاحظ أن البوح بالسر غير جائز حتى بمناسبة أداء الشهادة أمام المحاكم .
أما عن الركن المعنوي للجنحة ، فهو القصد الجنائي أي انصراف الإرادة إلى السلوك المكون للركن المادي بصورة من صوره الثلاثة ، على ألا تقترن بذلك القصد غاية معينة هي إبلاغ السر إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، وإلا توافرت بوجود هذه الغاية في حالة التوصل إلى السر أو في حالة إذاعته ، الجناية المنصوص عليها في المادة 80 وتحقق في حالة استعمال وسيلة للتراسل بغية الحصول على السر شروع في جناية التوصل إليه المنصوص عليها في ذات المادة لا محض الجنحة التي نحن بصددها ، ما لم تتخذ الواقعة صورة تنظيم أسلوب التراسل توصلا إلى السر دون أن يكون هذا الأسلوب قد استعمل فعلا ، لأنه عندئذ تظل الواقعة جنحة .
وإذا اقتصر الجاني في البداية على التوصل إلى السر بدون غاية تسليمه أو إفشاءه فيما بعد إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، غير أنه طرأت عليه هذه النية بعد حصوله على السر مباشرة فسلمه أو إفشاءه إلى تلك الدولة أو إلى عامل لمصلحتها ، تحققت في الواقعة ظاهرة التدرج الإجرامي وسرت عليه القاعدة المعروفة في فض التضارب الظاهري للقواعد الجنائية وهي استبعاد النص الاحتياطي إذ يغني عنه النص الأصلي ، وطبقت المادة 80 وحدها الخاصة بجناية تسليم أو إفشاء السر إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، على اعتبار أنها هي التي تطاول السلوك إلى الحد الممثل لغايته ومنتهاه .
وإذا تحققت في حق الجاني الصورة الأولى والثانية من السلوك المكون للجنحة بأن توصل إلى السر ، ثم أذاعه على غير من يجوز له أن يعلمه ، اعتبرت الواقعة تبعا للتعدد في صورة السلوك والتغاير في القرار الإرادي تعددا ماديا في الجريمة مقترنا بوحدة الغاية وعدم القابلية للتجزئة ، ووقعت عقوبة واحدة هي عقاب الوصف الأشد . ولما كنا في صدد الوصف وذات العقاب ، فإنه تسري العقوبة المنصوص عليها مرة واحدة دون تعدد . ومن المتصور على أية حال أن من يذيع السر يكون شخصا تلقاه بغير أن يسعى إلى الحصول عليه ، فتنطبق عليه بالتالي الفقرة الثانية من المادة 80 (أ) دون فقرتها الأولى .
فإذا تم التوصل إلى السر في زمن السلم بقصد إفشائه ووقعت إذاعته في زمن الحرب من ذات الجاني الذي كان قد توصل إليه ، فإنه في تلك الحالة يعتبر التوصل جنحة وتعتبر الإذاعة جناية لحدوثها في زمن حرب ، ويوقع على الجاني في هذا التعدد المادي المرتبط بوحدة الغاية وعدم القابلية للتجزئة عقاب الوصف الأشد الذي يكون عندئذ الجناية .
أما إذا نظمت وسيلة للتراسل أو استخدمت هذه الوسيلة فعلا للتوصل إلى السر ، ثم تحقق للجاني ذاته التوصل إليه ، اعتبرت الواقعة في جملتها ، جريمة متدرجة ،ينطبق عليها وصف التوصل إلى السر لأنه يمثل أقصى مرحلة بلغها سلوك الجاني . (انظر تفصيل ما تقدم الدكتور رمسيس بهنام ، مرجع سابق)
1) حصل بأية وسيلة غير مشروعة على سر من أسرار الدفاع عن البلاد ولم يقصد تسليمه أو إفشاءه لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها .
2) أذاع بأية طريقة سرا من أسرار الدفاع عن البلاد .
3) نظم أو أستعمل أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع عن البلاد أو تسليمه أو إذاعته .
وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب" .
وهذه الجريمة وهي جنحة إذا وقعت في زمن السلم وجناية إذا وقعت في زمن الحرب ، يتخذ ركنها المادي إحدى صور ثلاثة :
1 – الحصول على سر من أسرار الدفاع وهي تلك التي عددتها المادة 85 السابق لنا الكلام عليها ، أي على معلومات أو أشياء من أسرار الدولة (فقرة 1 ، 2 من المادة 85) أو على أخبار متكتمة (فقرة 3) أو على أخبار ضبط أو تحقيق أو محاكمة قضائية في صدد جريمة عدوان على أمن الدولة الخارجي (فقرة 4) .
واستخدام تعبير "الحصول" على السر في شأن هذه الجنحة ، يترادف مع ذات التعبير المستخدم في المادة 80 بشأن الجناية وهو "التوصل إلى الحصول" على السر ذاته .
2 – إذاعة سر من أسرار الدفاع بأية طريقة ، واستخدام تعبير "إذاعة" السر في صدد هذه الجنحة ، يترادف هو الأخر بدوره مع التعبير المستخدم في المادة 80 بصدد الجناية في إحدى صورها ، وهو "تسليم أو إفشاء السر" ، فالتسليم أو الإفشاء هو بعينه الإذاعة .
3 – تنظيم أو استعمال أية وسيلة من وسائل التراسل بقصد الحصول على سر من أسرار الدفاع أو تسليمه أو إذاعته . وهذه الصورة من السلوك لم يرد ذكرها في وصف الجناية المنصوص عليها بالمادة 80 ، لأن هذه الجناية لا تتوافر بمجرد السعي إلى السر إذا لم يعقب هذا السعي توصل إلى السر فعلا .
فإذا كان كل من التوصل إلى السر وإفشاءه قاسما مشتركا بين جناية المادة 80 وجنحة المادة 80(أ) التي نحن بصددها ، فإنه يحق التساؤل عن الفرق بين هاتين الجريمتين ، ما دام موضوعهما واحدا وهو سر من أسرار الدفاع ، وما دام السلوك الوارد فيهما على هذا الموضع واحدا وهو التوصل إلى السر أو إفشاءه .
والواقع أن الفرق بين الجريمتين في هذا المجال المشترك بينهما ، لا يوجد في الركن المادي وإنما في الركن المعنوي ذلك لأنه بينما التوصل إلى السر في جناية المادة 80 يتم بقصد إفشاءه إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، فإنه في جنحة المادة 80 (أ) لا يتم بهذا القصد وإنما بدافع الاستفادة الفكرية والتزود بالمعرفة ومحض الرغبة في العلم بأمر من جانب شخص ليس من واجبه ولا من حقه أن يعلم هذا الأمر . وبينما إذاعة السر أي تسليمه أو إفشاءه تحدث في جناية المادة 80 إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، فإنها في جنحة المادة 80 (أ) تحدث لفرد أو لجميع أفراد ممن لا يصدق عليهم أنهم يمثلون دولة أجنبية أو يعلمون لمصلحتها ، وإنما ليس واجبا عليهم ولاحقا لهم أن يحيطوا بالسر .
ولذا يخلع على الجنحة في صورة التوصل إلى السر من جانب غير المرخص له بأن يعلم السر ، وصف الجنحة التشوقية أو الاستطلاعية délit de curiosité ورغم أن هذه الجنحة لا تنم عن خيانة للوطن كما في الجناية ، إلا أن العقاب عليها كان لازما في سبيل الحفاظ على أمن الدولة الخارجي ، لأن من يتوصل إلى السر بدافع برئ ، يخشى بعدئذ أن يطرأ عليه الدافع السيئ فيسلمه أو يفشيه إلى دولة أجنبية واحدة أو أحد ممن يعملون لمصلحتها . ومن ثم يعتبر العقاب على محض التوصل إلى السر حالة وجود التزام بجهله ، من أوضح الأمثلة لما سميناه بالتجريم التحوطي السباق .
ويلاحظ أن الجنحة التي نحن بصددها تتوافر كما قلنا على صورة تنظيم أو استعمال أية للتراسل في سبيل الحصول على سر من أسرار الدفاع أو في سبيل تسليمه أو إفشائه . فمجرد أن يعد الجاني حماما زاجلا أو جهازا تليفونيا أو تلفزيونيا أو جهاز للتلقي أو الإرسال باللاسلكي كي يتلقى عن طريق هذا الحمام أو الجهاز معلومات تعتبر أسرارا ، وذلك بطريق التراسل بينه وبين مكامن الأسرار أو مجرد استعمال حمام أو جهاز من هذا القبيل أو مجرد التراسل بالبريد ، يحقق الجنحة طبقا للفقرة (3) من المادة 80 (أ) ، بشرط ألا يكون استعمال الجهاز أو الحمام أو البريد قد تحقق فعلا الوقوف على السر من جانب غير المرخص له في العلم به ، بأن يضبط الطلب المتضمن سؤالا عن المعلومات قبل أن يلقي هذا الطلب جوابا متضمنا إياها أو قبل أن يصل الجواب عليه إلى السائل ، وإلا توافرت الصورة الأولى من الجنحة وهي الحصول بأية وسيلة غير مشروعة على السر فعلا .
وليس التراسل بمثابة الوسيلة الوحيدة غير المشروعة الممكن أن يتم عن طريقها التوصل إلى السر . فقد ضربنا أمثلة لوسائل أخرى غير مشروعة في هذا الصدد ، وذلك بمناسبة كلامنا على جناية المادة 80 (مثل التزيي بزي عسكري أو التستر وراء صفة كاذبة لاجتياز طريق الوصول إلى السر) .
ونضرب الآن أمثلة لما تنطبق عليه جنحة المادة 80 (أ) التي نحن بصددها . فقد سبق لنا أن أشرنا إلى نوع خاص من البارود يكفل إحكام وسرعة الطلقات من بندقية ذات نوع خاص وقلنا أن هذا البارود من الأشياء التي تعتبر سرا من أسرار الدفاع . وقد تقرر هذا في فرنسا بمناسبة الإدانة على جنحة من قبيل ما تعالجه الآن حكم فيها بعقاب صاحب فندق بفرنسا لأنه حصل من جنود فرنسيين استضاف في فندقه على كمية من ذلك البارود ، فكان هذا بمثابة توصل منه إلى سر .
ورأينا أن محاميه في قضية عدوان على أمن الدولة الخارجي حكم عليه بالعقاب لأنه أفضى إلى شقيق المتهم في تلك القضية بمعلومات عن مجريات المحاكمة فيها وهي تعتبر من أسرار الدفاع الوطني ، فكان هذا الإفضاء منه بها إذاعة لسر من هذه الأسرار ، تمت لفرد واحد هو شقيق المتهم .
وأشرنا كذلك إلى مادة شديدة التفجر تستخدم في حشو الرصاص نشر عنها الكيميائي صاحب الفضل في تكوينها كتابا مشتملا نهايته على خمس لوحات مصورة وقلنا أن هذا الكيميائي اعتبر بذلك مرتكبا جنحة إذاعة سر من أسرار الدفاع وقد كانت هذه الإذاعة لجمع غير محدود من الأشخاص هم أفراد الجمهور.
فيستوي في الإذاعة أن تكون لفرد واحد أو لعدد من الأفراد لأنهم وسيلتنا ، فكما تكون بالمشافهة قد تكون بالطباعة والنشر .
ونضيف الآن إلى تلك الأمثلة مثالين آخرين أحدهما لجنحة التوصل إلى السر والأخر إلى جنحة إذاعته . فقد حكم في فرنسا بإدانة مهندس في إحدى المؤسسات رئيسا لقسم تصميم هياكل الطائرات ولو يكن له اختصاص ما في قسم آخر محدد لقسمه هو قسم تصميم محركات الطائرات ، غير أنه حصل من أرشيف هذا السر الأخر على رسوم لمحركات الطائرات ، ولم يقبل منه دفاعه بأنه كان ينفي خطر تعزيز لمعلوماته الشخصية . فهذا مثال لجنحة التوصل إلى سر .
والمثال الأخر حكم فيه بإدانة ناشر لمقالة في صحيفة فرنسية تحدث في مقالته عن زحف المارشال ما كما هون صوب شرق فرنسا ، ونقلت عنه مقالته جريدة التايمز البريطانية ووصل إلى الألمان أمر الخير الوارد في تلك المقالة . ويلاحظ هنا أن السر موضوع الإذاعة في الصحيفة ينتمي إلى دائرة الأخبار المتكتمة المشار إليها في الفقرة (3) للمادة 85 من قانون العقوبات المصري . وكان أسلوب الإذاعة هو الصحافة .
ويلاحظ أن البوح بالسر غير جائز حتى بمناسبة أداء الشهادة أمام المحاكم .
أما عن الركن المعنوي للجنحة ، فهو القصد الجنائي أي انصراف الإرادة إلى السلوك المكون للركن المادي بصورة من صوره الثلاثة ، على ألا تقترن بذلك القصد غاية معينة هي إبلاغ السر إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، وإلا توافرت بوجود هذه الغاية في حالة التوصل إلى السر أو في حالة إذاعته ، الجناية المنصوص عليها في المادة 80 وتحقق في حالة استعمال وسيلة للتراسل بغية الحصول على السر شروع في جناية التوصل إليه المنصوص عليها في ذات المادة لا محض الجنحة التي نحن بصددها ، ما لم تتخذ الواقعة صورة تنظيم أسلوب التراسل توصلا إلى السر دون أن يكون هذا الأسلوب قد استعمل فعلا ، لأنه عندئذ تظل الواقعة جنحة .
وإذا اقتصر الجاني في البداية على التوصل إلى السر بدون غاية تسليمه أو إفشاءه فيما بعد إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، غير أنه طرأت عليه هذه النية بعد حصوله على السر مباشرة فسلمه أو إفشاءه إلى تلك الدولة أو إلى عامل لمصلحتها ، تحققت في الواقعة ظاهرة التدرج الإجرامي وسرت عليه القاعدة المعروفة في فض التضارب الظاهري للقواعد الجنائية وهي استبعاد النص الاحتياطي إذ يغني عنه النص الأصلي ، وطبقت المادة 80 وحدها الخاصة بجناية تسليم أو إفشاء السر إلى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها ، على اعتبار أنها هي التي تطاول السلوك إلى الحد الممثل لغايته ومنتهاه .
وإذا تحققت في حق الجاني الصورة الأولى والثانية من السلوك المكون للجنحة بأن توصل إلى السر ، ثم أذاعه على غير من يجوز له أن يعلمه ، اعتبرت الواقعة تبعا للتعدد في صورة السلوك والتغاير في القرار الإرادي تعددا ماديا في الجريمة مقترنا بوحدة الغاية وعدم القابلية للتجزئة ، ووقعت عقوبة واحدة هي عقاب الوصف الأشد . ولما كنا في صدد الوصف وذات العقاب ، فإنه تسري العقوبة المنصوص عليها مرة واحدة دون تعدد . ومن المتصور على أية حال أن من يذيع السر يكون شخصا تلقاه بغير أن يسعى إلى الحصول عليه ، فتنطبق عليه بالتالي الفقرة الثانية من المادة 80 (أ) دون فقرتها الأولى .
فإذا تم التوصل إلى السر في زمن السلم بقصد إفشائه ووقعت إذاعته في زمن الحرب من ذات الجاني الذي كان قد توصل إليه ، فإنه في تلك الحالة يعتبر التوصل جنحة وتعتبر الإذاعة جناية لحدوثها في زمن حرب ، ويوقع على الجاني في هذا التعدد المادي المرتبط بوحدة الغاية وعدم القابلية للتجزئة عقاب الوصف الأشد الذي يكون عندئذ الجناية .
أما إذا نظمت وسيلة للتراسل أو استخدمت هذه الوسيلة فعلا للتوصل إلى السر ، ثم تحقق للجاني ذاته التوصل إليه ، اعتبرت الواقعة في جملتها ، جريمة متدرجة ،ينطبق عليها وصف التوصل إلى السر لأنه يمثل أقصى مرحلة بلغها سلوك الجاني . (انظر تفصيل ما تقدم الدكتور رمسيس بهنام ، مرجع سابق)