الفعل الفاضح
يعرف الفعل الفاضح بأنه سلوك عمدي يخل بحياء الغير . ويتسع هذا المعني ليشمل صورتين ، الأولي - جريمة الفعل الفاضح العلني المنصوص عليها في المادة 278 عقوبات ، والثانية جريمة الفعل الفاضح غير العلني المنصوص عليها في المادة 289 عقوبات . وترجع العلة في تجريم الفعل الفاضح العلني الي حماية الشعور العام بالحياء ، هذا الشعور واجب حمايته ليس لتعلقه بالآداب العامة فحسب ، بل لكونه يمس شعور أفراد شاهدوا الفعل عرضا واضطرارا (1).
ولا يحمي الشارع بهذه النصوص الفضيلة والأخلاق ، وذلك لأن العقاب يشمل الفعل الفاضح حتي لو وقع مع زوجين تربطها صلة شرعية ، كما لم يراعي في تجريم هذا الفعل المحافظة علي نقاء الأماكن العامة من أن تجري فيها هذه الأفعال (2) ، ذلك لأن الجريمة تقع حتي لو كان الفعل قد تم في مكان خاص إذا كان في استطاعة من هو بخارجه أن يلمسه بحواسه (3).
أما في الفعل الفاضح غير العلني فإن العلة في التجريم ترجع الي حماية الحرية الجنسية للمجني عليها من أن تمس بأي فعل يؤذي مشاعرها ، أو يوحي لها بفعل له دلالة جنسية تكون في حكم المكرهة علي رؤيته (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر
Chaveau (Adophe) & helie (Faustin) : Op . Cit.,T.2, No. 468.
(2) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2075.
(3) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 32.
(4) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : شرح فانون العقوبات “ القسم الخاص” . المرجع السابق ، بند 776 ، ص 575 .
التمييز بين الفعل الفاضح وهتك العرض :
لايكمن الفرق بين الفعل الفاضح وهتك العرض في مجرد مادية الفعل ولا في جسامته، ولا في العنصر المعنوي وهو العمد ولا في كون الفعل بطبيعته واضح الأخلال بالحياء ، وإنما يقوم الفارق بين الجريمتين علي أساس ما إذا كان الفعل الذي وقع يخدش عاطفة الحياء العرضي للمجني عليه من ناحية المساس بعوراته ، تلك العورات التي لايجوز العبث بحرمتها والتي لا يدخر أي امرئ وسعا في صونها من الأفعال التي تمسها مهما قل الفعل أو كبر ، فإن كان الفعل كذلك أعتبر
هتك عرض و ألا فهو فعل فاضح . وبناء علي هذا يكون هتك عرض كل فعل عمدي مخل بالحياء يستطيل الي جسم المرء وعوراته ويخدش الحياء عنده من هذه الناحية ، أما الفعل العمد المخل بالحياء والذي يخدش في المجني عليه حياء العين والاذن ليس ألا فهو فعل فاضح .
وتأسيسا علي ذلك فإنه يمكن القول بأن الفعل الفاضح يتميز عن هتك العرض فيما يلي :
أ - تقع جريمة هتك العرض علي شخص المجني عليه دائما ، بينما يمكن ان تقع جريمة الفعل الفاضح علي جسم الجاني نفسه.
ب - تقوم جريمة الفعل الفاضح علي الأفعال التي تخل بحياء الغير أخلال غير جسيم ، بينما تقوم جريمة هتك العرض علي الأخلال الجسيم بحياء الغير.
ج - يمكن أن يقع الفعل الفاضح حتي في ظل علاقة مشروعة بين رجل وزوجته ، بينما لا تقع جريمة هتك العرض ألا في ظل علاقة غير مشروعة غالبا.
التمييز بين جريمة الفعل الفاضح وجريمة االتعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية:
يمكن التمييز بين هاتين الجريمتين من عدة وجوه أهمها :
أ - يتحقق الفعل الفاضح بسلوك مخل بالحياء ، ويتخذ عادة صورة الفعل ، بينما التعرض لأنثي قد يقع في صورة القول أو الفعل أو الإشارة .
ب - يقع الفعل في جريمة الفعل الفاضح العلني علي جسم الجاني أو المجني عليه ، بينما يكفي في جريمة التعرض لأنثي أن يستبين من القول أو الفعل أنه يخدش حياء الغير دون أن يستطيل ذلك الي جسم المجني عليه.
ج - يقع الفعل الفاضح سواء علانية (المادة 278 عقوبات) ، أو في غير علانية (المادة 279 عقوبات) . بينما يقع فعل التعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية في في مكان عام أو خاص أو مطروق.
التمييز بين الفعـل الفاضح العلنى والفعل الفاضح غير العلنى :
يمكن التمييز بين هاتين الجريمتين من عدة وجوه :
أ - تعتبر العلانية ركنا في جريمة الفعل الفاضح العلني ، بينما لا يشترط ذلك في جريمة الفعل الفاضح غير العلني.
ب - تقع جريمة الفعل العلني علي ذكر أو أنثي ، بينما لا تقع جريمة الفعل الفاضح غير العلني ألا علي أنثي.
ج - تقع جريمة الفعل الفاضح العلني سواء كان المجني عليه راضيا عن الفعل أم غير راض عنه ، بينما لا تقع جريمة الفعل الفاضح غير العلني ألا إذا كان المجني عليها غير راضية عن الفعل.
د - تقع جريمة الفعل الفاضح العلني سواء كان الفعل في ذاته مشروعا كالصلة بين الزوجين أو كان غير مشروعا. بينما لا تقع جريمة الفعل الفاضح غير العلني ألا إذا كان الفعل في ذاته غير مشروع.
هـ - يخل الفعل في جريمة الفعل الفاضح العلني بحياء جمهور الناس ، بينما يقتصر في الفعل الفاضح غير العلني علي الأخلال بحياء أنثي معينة.
*-*الفعل الفاضح العلنى
نص قانوني :
تنص المادة 278 من قانون العقوبات علي أن " كل من فعل علانية فعلاً فاضحاً مخلا بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي سنة أو غرامة لا تتجاوز ثلاثمائه جنيه مصري " (1) .
وفقا لهذا النص فإن هذه الجريمة لا تقوم ألا بتوافر أركان ثلاثة :
الأول : الركن المادي" فعل مخل بالحياء العام ".
الثاني : العلانية .
الثالث : الركن المعنوي .
وسوف نتناول فيما يلي أركان الجريمة ثم العقوبة المقررة لها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) عدلت عقوبة الغرامة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 ، وكانت قبل التعديل (لاتتجاوز خمسين جنيهاً) .
أنظر الجريدة الرسمية - العدد 16 الصادر فى 23 أبريل سنة 1982 .
الركن المادى
فعل مخل بالحياء
مدلوله :
يتحقق الفعل الفاضح بكل فعل بدني أو جسدي يقع من الجاني في صورة عمل (2) ، أو حركة ، أو اشارة ويكون من شأنه الأخلال بالحياء العام (3). وبذلك فإنه يخرج من نطاق الجريمة القول المجرد والكتابة ، فلا يعد فعلاً فاضحاً توجيه أقوال بذيئة مهما كانت درجة فحشها (4).
كما لا يعتبر فعلاً فاضحاً عرض صورة عارية أو رسوم أو تماثيل أو أفلام سينمائية أو تليفزيونية ، أو شرائط فيديو أو شرائط تسجيل كاسيت ، مهما تضمنت من أفعال هابطة أو بذيئة أو مناظر فاحشة أو مخلة بالآداب العامة ، وذلك لأن هذه الأفعال مؤثمة بمقتضي نصوص أخري في قانون العقوبات ، وحتي يكون هناك تنسيق بين النصوص بما يسمح بأن يكون لكل جريمة نطاقها الخاص دون تداخل بين بعضها وبعض (5).
ـــــــــــــــــــــــ
(2) وقد حكم فى فرنسا بأنه يعتبر فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء قيام الجانى بدس يده تحت ثوب امرأة حال تواجدهما بأحد البارات .
أنظر
Crim 30 octo 1957 , D . 1958. 1. 337.
(3) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2077.
(4) فالأقوال مهما كانت درجة بذائتها لاتشكل جريمة فعل فاضح ، ولذلك فقد قضت محكمة النقض بأنه “ يشترط لتوافر جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء وقوع فعل مادى يخدش فى المرء حياء العين أو الأذن . أما مجرد الأقوال مهما بلغت من درجة البذاءة والفحش فلا تعتبر إلا سباً . و إذن فإذا كان الحكم قد إعتبر أن ما وقع من الطاعن من قوله بصوت مسموع لسيدتين يتعقبهما " تعرفوا إنكم ظراف تحبوا نروح أى سينما " جريمة فعل فاضح مخل بالحياء فإنه يكون قد أخطأ . والوصف القانونى الصحيح لهذه الواقعة أنها سب منطبق على المادتين 306 و 171 من قانون العقوبات .
أنظر نقض 16 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام محكمة النقض س 4 رقم 355 ص 996 .
(5) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : المرجع السابق ، بند 779 ، ص 576 .
صور الأخلال بالحياء :
يتحقق الأخلال بالحياء أما بفعل يقع علي جسم الغير ، أو بفعل يقع علي جسم الجاني نفسه.
(أ) الأفعال التي تقع علي جسم الغير :
وتشمل هذه الأفعال ما يقع علي جسم الغير برضائه ، أو بدون رضائه .
أولاً - الأفعال التي تقع علي جسم الغير برضائه :
ويدخل فيها كافة أفعال التمازج الجنسي ، طبيعية أو غير طبيعية . وكافة الأفعال الأخري الخادشة للحياء ، والتي لا تصل لدرجة هتك العرض ، فيعاقب عليها بوصف الفعل الفاضح إذا ارتكبت علنا برضاء من وقعت عليه. ومن ذلك ما يأتيه الزوجان من أفعال الأتصال الجنسي ، أو ما دونه من أفعال جنسية أخري.
كما يدخل ضمن ذلك ما يأتيه الرجل والمرأة غير المتزوجين من أفعال مخلة بالحياء بالرضاء فيما بينهما (6) ، وذلك كأفعال التقبيل أو العناق ، أو ما دونهما من الأفعال كتطويق رقبة الأنثي في الطريق العام ، أو التربيت علي خدها ، أو ملاحقتها في الطريق العام وقرص ذراعها (7) ، ويدخل ضمن هذه الصور ما قد يأتيه ذوي الشذوذ الجنسي من أفعال بالرضاء فيما بينهما.
ــــــــــــــــــــــــــ
(6) وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن مداعبة الطاعن لسيدة بالطريق العام واحتضانه لها من الخلف ، هو مما يثير شعور المارة وينطوى فى ذاته على الفعل الفاضح العلنى .
أنظر نقض 29 ديسمبر سنة 1975 مجموعة أحكام محكمة النقض س 26 رقم 196 ص 891 .
(7) أنظر نقض 10 نوفمبر سنة 1958 مجموعـة أحكـــام محكمة النقض س 9 رقم 223 ص 913 .
ثانياً - الأفعال التي تقع علي جسم الغير بدون رضائه :
من هذه الأفعال ما ينطوي علي جريمة أخري كالإغتصاب أو هتك العرض أو الزنا متي وقعت بدون رضاء المجني عليه ، وكانت تشكل نفس الوقت فعلاً فاضحا علنيا لحصوله في غير ستر وايذائه للحياء العام(.
وفي هذه الحالة يسأل الفاعل عن جريمتين أولاهما الفعـل الفاضح ، والثانية الإغتصاب أو هتك العرض (9) ، ويجب في هذه الحالة تطبيق عقوبة الجريمة الأشد والحكم بعقوبتها دون غيرها تطبيقا للمادة 32 /1 عقوبات ، وفي هذه الحالة لا تطبق عقوبة الفعل الفاضح لأن الجرائم الأخري عقوبتها أشد.
ــــــــــــــــــ
( أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330, No. 15.
(9) أنظر
Merle (Roger) & Vitu (Andre) : Traite de droit criminel - Droit penal special . Paris, Cujas, T.3, 1e ed, 1982, No. 1876 , P.1521.
(ب) الأفعال التي تقع علي جسم الجاني نفسه :
من الأفعال المخلة بالحياء العام ما يأتيه الجاني علي جسمه هو فيثير بسلوكه الشعور بالخجل والحياء لدي الناس.
ويدخل في هذه الصورة من يكشف عن أعضائه التناسلية علنا في الطريق العام أو في محل عمومي بحيث يمكن للمارة من الجمهور أن يشاهدوه ، أو من يمشي عاريا في الطريق العام (10) ، أو من يأتي بحركات أو أشارات مخلة بالحياء العام ، كأشارة شخص الي مكان عضوه التناسلي (11) .
وتطبيقا لذلك فقد حكم بأن من يدخل دكان حلاق ويبول في الحوض الموجود فيه معرضا نفسه للأنظار يعد مرتكبا للفعل الفاضح بالحياء (12) ، كما حكم بأنه مما يجرح شعور الحياء علي وجه العموم أن تأتي المرأة بحركات بدنية تثير فكرة التمازج الجنسي (13) .
ـــــــــــــــــــــ
(10) وقد قضى فى فرنسا بأن المرأة التى تظهر فى الطريق العام عارية الصدر تكون قد ارتكبت جريمة الفعل الفاضح العلنى .
أنظر
Crim 23 Dece 1965 , D . 1965. 1. 348.
(11) وقد قضى فى فرنسا بأن من ينادى على امرأة فى الطريق العام لتلتفت اليه وهو يشير بيده الى موضع عضوه التناسلى يكون قد ارتكب جريمة الفعل الفاضح العلنى .
أنظر
Crim 4 Mars 1898 , D . 1899. 1. 59.
(12) أنظر نقض 3 مايو سنة 1943 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 174 ص 242 .
(13) قالت محكمة النقض “ القانون يعاقب على كل فعل فاضح مخل بالحياء . وتقدير الأفعال التى من هذا القبيل يختلف بإختلاف الأوساط و البيئات وإستعداد أنفس أهليهما و عاطفة الحياء عندهم للتأثر . و يعتبر فعلاً مخلاً بالحياء ما تأتى به المرأة فى محل عمومى من الحركات البدنية التى تثير فكرة التمازج الجنسى " كترقيص البطن " . و هذا الفعل يقع تحت نص المادة 240 عقوبات و المواد 15 مكررة و 27 و 29 من لائحة المحلات العمومية “.
أنظر نقض 18 أبريل سنة 1929 مجموعة القواعد القانونية ج 1 رقم 231 ص 270 .
- معيار الإخلال بالحياء :
يتحقق الأخلال بالحياء بكال ما من شأنه المساس بعاطفة الحياء عند الناس ، ولا يعتد بمعني الحياء لدي من شاهد الفعل من الناس ، فالحياء لدي راقصة تعمل في ملهي ، يختلف عنه بالنسبة لراهبة في دير. ومن ثم فإن معيار الأخلال بالحياء يستمد من الشعور العام السائد في المكان والزمان اللذان ارتكب فيهما الفعل . فلكل مجتمع قيمه وتقاليده التي تكون فكرة الحياء عنده .
ولذلك فإن معايير الأخلال بالحياء تختلف من القرية للمدينة ، ومن بلد لآخر ، فما يعد من قبيل الأخلال بالحياء دولة تتبع النظام الاسلامي كالمملكة العربية السعودية ، يختلف في دولة كتركيا. وما تأخذ به هذا البلدان يختلف بالقطع عما هو سائد في فرنسا أو السويد. ولذلك فإنه علي قاضي الموضوع وهو بصدد تحديد فكرة الحياء العام ، أن يتوغل في الكشف عن القيم والعادات السائدة في المجتمع الذي حدثت به الواقعة ، وعليه أن يعرف أن هذه الفكرة متغيرة بإختلاف المكان والزمان ، ومن ثم فإنه لا يجوز له أن يستعين بمبادئ القضاء الأجنبي ألا بما يتفق مع تقاليد وآداب البيئة التي حدثت الواقعة بها (14).
كما يجب علي قاضي الموضوع أن يراعي أن الفعل نفسه قد يشكل في
مناسبة ما فعل فاضح علني كتقبيل الزوج لزوجته في الطريق العام بدون مناسبة ، بينما لا يكون هذا الفعل جريمة إذا كان تقبيلها أثناء وداعها تمهيدا لسفرها سواء
ـــــــــــــــــــــــــ
(14) أنظر نقض 18 أبريل سنة 1929 سالف الذكر .
مدلول العلانية في جريمة الفعل الفاضح العلني :
لم يضح المشرع قواعد عامة تسري علي كل الجرائم التي يتطلب بها القانون توافر ركن العلانية ، ويستدل علي ذلك مما نص عليه الشارع بشأن وسائل العلانية في جرائم الأعتبار ، إذ أحال الي طرق العلانية المبينة بالمادة 171 من قانون العقوبات بينما اكتفي المشرع بوصف الفعل الفاضح بأنه علني دون أن يبين طرق العلانية في هذه الجريمة ، ويرجع ذلك الي أن المشرع يؤثر أن يكون نطاق العلانية محددا وفقا للغرض الذي أراد القانون تحقيقه في الجريمـة (16).
ومقتضي ذلك أن العلانية في جرائم الاعتبار أن يتاح للأسناد الماس بالشرف والاعتبار القدر من الذيوع في المجتمع بحيث يتعرض شرف المجني عليه لما يمسه ، بينما في جريمة الفعل الفاضح فيكفي أن يكون في استطاعة أي شخص مشاهدة الفعل فيكون معرضا لخدش حيائه (17).
وتأسيسا علي ذلك فإن دلالة العلانية في جرائم الفعل الفاضح أكثر اتساعا منها في جرائم الاعتبار ، ولذلك فلا يشترط لتوافر العلانية أن يشاهد الغير عمل الجاني فعلاً بل يكفي أن تكون المشاهدة محتملة. وهذه المشاهدة كما تكون بالرؤية قد تكون بالسمع ، إذا دل صوت الجاني علي الفعل (18).
وتطبيقا لذلك فقد قالت محكمة النقض أن " الفعل العمد المخل بالحياء الذي يخدش في المجني عليه حياء العين والاذن ليس ألا هو فعل فاضح " . كما قالت أن الشخص الأعمي الأصم تماما يمكن هتك عرضه ولكن لا يصلح قانونا أن يكون مجنيا عليه في جريمة الفعل الفاضح (19).
وهذا القضاء يصدق علي إحدي صورتي الفعل الفاضح ، وهي الصورة التي
يقع فيها الفعل علي جسم الجاني ، ولكن وقوع الفعل الفاضح علي اصم اعمي جائز في الصورة الأخري أي إذا مس جسمه بفعل يخدش حياءه ولا يصل في جسامته الي مرتبة هتك العرض. وبذلك فإنه يمكن القول أن العلانية قد تكون حقيقية وتتمثل في حالة اتصال الفعل بعلم المجني عليه ، يستوي في ذلك أن يلمسه بأيه جلسه من حواسه ، سواء بالنظر أو بالسمع أو باللمس ، وقد تكون حكميه وذلك إذا ما كان في استطاعته أن يتصل بهذا الفعل(20).
ــــــــــــــــــــــــ
(16) أنظر الدكتور محمد محى الدين عوض : العلانية فى قانون العقوبات “دراسة مقارنة ” . القاهرة ، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق جامعة القاهرة ، 1954 ، ص 341 .
(17) أنظر الدكتور محمد محى الدين عوض : المرجع السابق ، ص 341 .
(18) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 32.
(19) أنظر نقض 22 نوفمبر سنة 1928 مجموعة القواعد القانونية ج 1 رقم 17 ص 232 .
(20) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 33.
العلانية في الأماكن العامة :
ان مجرد ارتكاب الفعل الفاضح في المكان العام يعني علانيته حتي لو لم يره أحد ، لأن العلانية مفترضة في هذا المكان (21). والأماكن العامة أنواع ثلاثة : أماكن عامة بطبيعتها ، وأماكن عامة بالتخصيص ، وأماكن عامة بالمصادفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2078, p.459.
(أولاً) الأماكن العامة بطبيعتها :
وهي الأماكن المفتوحة للجمهور علي نحو دائم ومطلق ويجوز له أن يطرقها في كل وقت سواء ليلا أو نهارا ، ودون قيود ولا يخل بذلك أن يكون ارتياد المكان نظير رسم أو بعد استيفاء شروط معينة . وتأسيسا علي ذلك تعتبر أماكن عامة بطبيعتها الطرق العمومية والميادين والمنتزهات ، والسكك الزراعية والطرق المائية كالبحار الاقليمية والأنهـار والترع والقنوات والصحاري والغابـات (22).
وتأخذ الأماكن الواقعة علي جوانب الطرق العمومية المعرضة لأنظار الجمهور ولو لم تكن هي في ذاتها أماكن عمومية كالبساتين والحدائق المجاورة للطرق العمومية حكم الأماكن العمومية بطبيعتها (23)، كما يعتبر المكان عأما إذا اعتاد جمهور الناس المرور فيه حتي لو كان يخترق ملكية خاصة (24).
وعلي ذلك فمن يرتكب فعلاً فاضحاً في أحد هذه الأماكن تتوافر له العلانية ، حتي لو كان الجاني قد ارتكبه في الظلام والمكان غير مطروق ، وقد انتحي منه ناحية ليختبئ فيها ولم يره أحد بالفعل ، إذ ينبغي دائما تمكين الناس من المرور أو الوقوف في المكان العام بطبيعته دون أن يكون في ذلك أدني احتمال لتعرضهم لرؤية الأفعال المخلة بالحياء التي يمكن أن تخدش حيائهم(25).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) وقد حكم بأنه “ إذا كانت الأفعال المنافية للآداب العامة التى أتاها المتهم قد صدرت منه فى الترام وفى الطريق العام وفى أحدى المتنزهات ، وهى أماكن عامة بطبيعتها ويحتمل مشاهدة ما يقع فيها فأن ذلك يتحقق به ركن العلانية .
(23) أنظر نقض 29 يناير سنة 1963 مجموعة أحكام محكمة النقض س 14 رقم 13 ص 58 .
(24) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 42.
(25) أنظر
(ثانيا) الأماكن العامة بالتخصيص :
وهي الأماكن التي يسمح للجمهور بدخولها في أوقات معينة ، سواء كان ذلك بشروط محددة أو نظير أجر ، وذلك كدور السينما والمسارح والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ، والمحاكم وغيرها من المرافق العامة ودواوين الحكومة ، والتي يسمح للجمهور بأرتيادها ثناء فترات العمل(26).
وتأخذ هذه الأماكن حكم المكان العمومي بطبيعته في الأوقات التي تكون مفتوحة فيها ، فإذا ارتكب شخص فعلاً فاضحاً في الوقت الذي تكون فيه مفتوحة فإنه يعد حاصلا في علانية ، ولو لم يره أحد في الواقع . أما في غير هذه الاوقـات فإنها تأخذ حكم الأمـاكن الخاصة ، فلا يعد الفعل حاصلا في علانية إلا إذا رأه أو امكن أن يراه الغير بسبب عدم احتياط مرتكبه(27).
وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة النقض بأن العلانية تتحقق في الفعل الفاضح المخل بالحياء في الوقت المحدد لإجتماع جمهور بالمكان ولو لم يره أحد ، أما في غير هذا الوقت فإنه يأخذ حكم الأماكن الخاصة بحيث تتوافر العلانية متي شاهد الفعل الفاضح أحد أصحاب المكان أو نزلائه ، أو كان من المستطاع رؤيته بسبب عدم احتياط الفاعل ، فإذا اتخذ الفاعل كافة الاحتياطات اللازمة لمنع الاطلاع علي ما يدور بالداخل انتفي تحقق العلانية ولو افتضح الفعل نتيجة حادث قهري أو بسبب غير مشروع(28).
ــــــــــــــــــــــــ
(26) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2078, p.460.
(27) أنظر
Crim 1 Mai 1863 , D . 1864. 1. 147.
(28) أنظر نقض 30 ديسمبر سنة 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 رقم 29 ص 1121 .
(ثالثا) الأماكن العامة بالمصادفة :
وهي أماكن خاصة بحسب الأصل ، وذلك لأنها مقصورة علي عدد معين من الناس أو طوائف معينة منهم ، ولكنها تكتسب العلانية من وجود عدد من الجمهور بها بطريق المصادفة ، وذلك كالسجون والنوادي وسيارات النقل العام وعربات السكك الحديدية ، فإذا ارتكب فيها فعل فاضح في الوقت الذي يوجد به جمهور الناس أعتبر علنيا ، حتي لو لم يره احد(29).
وتطبيقا لذلك فقد حكمت محكمة النقض بأن المقابر هي من الأماكن العامة بالمصادفة ، ولما كان المطعون فيه قد استند في توافر ركن العلانية الي أن باب المكان الذي ارتكب فيه الفعل لم يكن موصدا بمزلاج يمنع من يريد الدخول اليه ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا علي واقعه الدعوي واقام قضاءه علي ما يحمله(30).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) وقد حكم بأن وجود عدد من الأشخاص فى السجن كان يمكنهم رؤية الفعل وقت ارتكابه يجعلـه علنياً ، لافرق بين أن يكون الموجودون مستيقظين أو نائمين .
أنظر قاضى إحالة قنا فى 16 أبريل سنة 1908 - المجموعة الرسمية س 9 رقم 81 .
(30) أنظر نقض 14 أكتوبر سنة 1973 مجموعــــــــة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 175 ص 847 .
العلانية في الأماكن الخاصة :
الأماكن الخاصة هي التي يقتصر الدخول فيها علي أشخاص معينين ، ولا يجوز لغيرهم دخولها ألا بأذن منهم. وتتحقق العلانية إذا وقع الفعل المخل بالحياء في مكان خاص كمنزل أو غرفه في فندق أو فناء أو حديقة ، متي كان في استطاعة أي من الجمهور مشاهدة ما يقع في المكان الخاص(31).
وتنقسم الأماكن الخاصة في هذا الصدد الي أنواع ثلاثة :
ـــــــــــــــــــــــ
(31) أنظر الدكتور أحمد فتحى سرور : المرجع السابق ، بند 445 ، ص631 .
(أ) أماكن خاصة يستطيع من كان في مكان عام أن يشاهد ما يقع فيها :
ومثال ذلك الغرف التي تطل بمنافذها المفتوحة علي الشارع ، أو السيارات الخاصة أثناء وقوفها أو سيرها بالطريق العام (32) ، وتعتبر العلانية متوفرة فيها مادام كل عابر أو واقف بالطريق يستطيع أن يشاهد ما يجري فيها (33). ويشترط لتوافر العلانية أن تكون النافذة مفتوحة ، فإذا كانت مغلقة ، أو كان عليها أستار تحجب ما خلفها عن أنظار الجمهور فالعلانية منعدمة ، ويعتبر الظلام في هذه الحالة حائلا دون العلانية ، ولو كانت النوافذ مفتوحة بشرط أن يحل الظلام دائما(34).
ـــــــــــــــــــــــ
(32) أنظر
Crim 19 Juill 1932 , D . 1935. 1. 528.
(33) وقد حكم القضاء الفرنسى بتوافر الفعل الفاضح العلنى فى واقعة ارتكاب شاب أفعالاً مخلة بالحياء مع شابة ، حـــال تواجدهما فى حديقة مجاورة للطريق العام .
Crim 18 Juill 1930 , S . 1930. 1. 395.
(34) أنظر الأستاذ أحمد أمين : المرجع السابق ، ص 478 .
(ب) أماكن خاصة يستطيع من كان في مكان خاص أن يشاهد ما يقع فيها :
ومثال ذلك الفناء المشترك ، وسلالم المنزل الذي يقطنه عدد من العائلات ، والغرف المفتوح نوافذها علي السلالم أو علي الفناء أو علي حديقة مشتركة . فمتي ارتكب الفعل الفاضح في أي جزء من هذه الأماكن ، وكان هناك احتمال رؤية الفعل الفاضح من أحد المترددين علي المنزل ، أو أي شخص يطرق المكان مصادفة ، فإن العلانية تتوافر في هذا الفعل (35). وقد يغني السماع في مثل هذه الأحوال عن المشاهدة متي كان كافيا للدلالة علي الفعل الفاضح ، وكان فيه ما يخدش أحساس السامع(36).
ــــــــــــــــــــــــــ
(35) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : المرجع السابق ، بند 793 ، ص 584 .
(36) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى : المرجع السابق ، بند 293 ، ص 329 .
(ج) أماكن خاصة لا يستطيع من كان في خارجها أن يشاهد ما يقع بداخلها :
اذا ارتكب الفعل الفاضح في مكان مغلق بحيث لا يستطيع الخارج عنه أن يشاهد ما يجري فيه ، فالأصل عدم توافر العلانية ، والمسكن الخاص هو خير مثال ، فما يجري فيـه من أفعـال مشروعة أو غير مشروعـة لا يحقق العلانية.
بيد أن هذه القاعدة يرد عليها قيدان :
أولاً - ان يكون الفاعل قد اتخذ الأحتياط الكافي لحجب الفعل عن مشاهدة الغير له :
فإذا ارتكب الفاعل الفعل الفاضح في مسكنه وترك النافذة مفتوحة ، أو ترك الباب دون أن يغلقه ، فاستطاع الغير أن يشاهد ما يجري من أفعال بطريق المصادفة ، فإن العلانية تتحقق في هذا الفعل ، ويمكن مؤاخذه الفاعل بالمادة 278 عقوبات ، ولا يكفي في ذلك أن يكون من المستطاع مشاهدة الفعل ، بل يجب أن يشاهد أحد ما يجري في هذا فعلاً ، ذلك أن حرمة المكان الخاص تأبي في هذا الفرض القول بأن إمكانية المشاهدة تكفي لتوافر ركن العلانية (37).
وتأسيسا علي ذلك فإذا اتخذ الفاعل كافة الاحتياطات الكافية لحجب فعله عن أطلاع الغير ، ولكن أمكن للغير بطريق غير مشروع من ثقب المفتاح أو نتيجة حادث فجائي كرياح شديدة أدت لفتح الباب وكشف عما يجري بداخله من أفعال تشكل فعل فاضح فإن ركن العلانية لا يتحقق(38).
ثانيا - ألا يرتكب الفعل أمام شهود اضطراريين :
اذا حدث الفعل الفاضح داخل مكان خاص وكان هناك أشخاص غير من وقع الفعل الفاضح عليه ، فلا يخرج الأمر عن احد فرضين :
الأول : أن يكون من شهدوا الفعل الفاضح قد حضروا بإختيارهم رغبة في مشاهدة الفعل أو الأشتراك فيه ، وفي هذه الحالة لا يتحقق ركن العلانية في الفعل لأنه لا يمكن القول بأن الفعل قد خدش حياءهم حضروا بمحض اختيارهم لمشاهدته أو الأشتراك فيه(39).
الثاني : إذا كان الشهود قد حضروا لغرض آخر ثم فوجئو بمشاهده الفعل اضطراراً ، فإن العلانية تتحقق (40) ، ولا يقدح في ذلك أن يكون من شهد الفعل صبي صغير متي كان في امكانه ادراك الدلالة العامة للفعل ، ويكفي في ذلك حضور شاهد واحد ، ولكن لا نزاع في أن وجود المجني عليه وحده في المكان المغلق لا يوفر ركن العلانية (41).
ـــــــــــــــــــــــــ
(37) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : المرجع السابق ، بند 795 ، ص 585 .
(38) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2078, p. 464.
(39) أنظر الدكتور أحمد فتحى سرور : المرجع السابق ، بند 445 ، ص 632 .
(40) وقد حكم القضاء الفرنسى بأن ركن العلانية يتحقق فى جرىمة الفعل الفاضح العلنى إذا وقع الفعل فى حجرة صغيرة أمام صغير فى سن العاشرة .
أنظر
(41) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 121.
بيان العلانية في الحكم :
طالما كانت العلانية عنصرا جوهريا من عناصر الركن المادي لجريمة الفعل الفاضح العلني ، لذا فقد وجب علي قاضي الموضوع أن يبين بطريقة واضحة في
الحكم الصادر بالأدانة أن الفعل الفاضح قد ارتكب عنا ، وأن يستظهر كافة الظروف التي تدل بطبيعتها علي تحقق هذه العلانية ، و ألا كان الحكم ناقص البيان ، ويعتبر استخلاص القاضي لهذا الركن من ظروف الواقعة فصلا في مسألة قانونية ، يخضع فيها لرقابة محكمة النقض .
صورة الركن المعنوي لجريمة الفعل الفاضح العلني :
اختلف الفقه والقضاء في صدد الركن المعنوي في جريمة الفعل الفاضح العلني ، فذهب جانب من الفقه في فرنسا (42) ، وفي مصر صوب عدم اشتراط توافر القصد الجنائي في هذه الجريمة ، أكتفاء بتوافر الأهمال أو عدم الاحتياط في اتخاذ اللازم لستر فعل الجاني عن الغير (43) .
وعلي ذلك فإنه يجب مؤاخذة الجاني حتي لو تبين أنه لم يكن يقصد أن يطلع الناس علي فعله . وحجة هذا الرأي أن علة التجريم وهي حماية الشعور العام بالحياء تتحقق سواء تطلب الشارع القصد الجنائي أم مجرد الخطأ ، كما أن اشتراط وجود القصد الجنائي يؤدي الي تضيق نطاق تطبيق نص الجريمة (44).
وخلص هذا الرأي الي أن الركن المعنوي في هذه الجريمة يتخذ صورة
الخطأ غير العمدي المتمثل في توقع الجاني مشاهدة الغير له ، وعدم اتخاذه الإجراءات من شأنها أن تحول دون ذلك ، وقد اخذت محكمة النقض الفرنسية بهذا الرأي في بعض أحكامها(45).
بينما يذهب الرأي السائد فقها وقضاء صوب ضروره توافر القصد الجنائي لقيام جريمة الفعل الفاضح العلني ، وذلك لأن الأصل في الجرائم أن تكون عمدية ، والأستثناء أن تكون غير عمدية ، والقاعدة أنه إذا سكت الشارع عن بيان صورة الركن المعنوي في إحدي الجرائم كان معني ذلك أنه قد اشترط توافر القصد الجنائي فيها ، ولا يستعاض عن توافر القصد الجنائي بالخطأ غير العمدي ألا بنص صريح . وبتطبيق القاعدة سالفة الذكر علي جريمة الفعل الفاضح العلني في قانون العقوبات المصري (المادة 278 عقوبات) أو قانون العقوبات الفرنسي (المادة 33) يتبين أن المشرع في كلا القانونين لم يفصح عن ارادته بنص خاص بالاكتفاء بالخطأ غير العمدي كصورة للركن المعنوي(46).
ــــــــــــــــــــ
(42) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 153.
(43) أنظر الأستاذ أحمد أمين : المرجع السابق ، ص 478 .
(44) أنظر
Goyet (F.) : Op . Cit., p. 560.
(45) أنظر تطبيفات فى القضاء الفرنسى للأكتفاء بمجرد الأهمال دون توافر القصد الجنائى فى جرىمة الفعل الفاضح العلنى
Crim 28 Apr 1881 , S . 1881. 1. 389; 20 oct 1955 , D . 1956. 1. 177; 7 Dec 1960 , Bull . No.573.
(46) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى : المرجع السابق ، بند 295 ، ص 331 .
عناصر القصد الجنائي في جريمة الفعل الفاضح العلني :
يقوم القصد الجنائي في هذه الجريمة علي عنصرين العلم والإرادة وسوف نتناول كلا منهما فيما يلي
أولاً - العلم :
يتعين أن يعلم الجاني بعناصر النشاط المادي المؤثم في جريمة الفعل الفاضح العلني ، ومن ثم أن يحيط علم الجاني بأن فعله يخدش الحياء العام ، أي يخدش حياء العين أو الاذن (47).
كما يتعين أن يتجه علم الجاني صوب إتيان الفعل الفاضح علنا . ولما كان الشارع لم يتطلب في العلانية أن يشاهد الغير الفعل بل يكفي أن يكون ذلك أمرا مستطاعا ، فإن القصد يتحقق بالنسبة الي العلانية طالما كان هناك احتمال في مشاهدة الفعل الفاضح . وعلي ذلك فإنه يكفي أن يتوقع الجاني أمكان مشاهدة الفعل . ويتصور ذلك في كل حالة يقع فيها الفعل في مكان عام .
كما يكون أمر مشاهدة الفعــل محتمـلا إذا وقع في مكــان خــاص ولم يتخذ الفاعــل الاحتياطات اللازمة التي من شأنها أن تحول دون أمكان مشاهدة الغير للفعل الفاضح . أما إذا اتخذ كافة الاحتياطات اللازمة ولكن استطاع الغير مشاهدة الفعل الفاضح نتيجة تلصصه علي الجاني ، فأن القصد لا يتوافر لديه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(47) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2079, p. 460.
ثانيا - الإرادة :
يتعين أن تكون إرادة الجاني معتبرة قانونا ، أي أن تتجه صوب مقارفة
النشاط المادي المكون لجريمة الفعل الفاضح العلني .
وقد ذهب جانب من الفقه صوب اشتراط أن تتجه إرادة الجاني الي "الأخلال بالحياء العام" (48) ، وقد اخذت بعض الأحكام في فرنسا (49)، وفي مصر بهذا الرأي (50).
بينما يذهب الرأي الراجح صوب عدم الخلط بين الباعث والقصد ، فيكفي لكي يتحقق القصد بأن تتجه إرادة الجاني صوب تعريض نفسه للأنظار دون مقتض ، ولو لم يكن مدفوعا أو مستهدفا تحدي الشعور العام بالحياء (51) ، وقد أخذت محكمة النقض الفرنسيه بهذا الأتجاه في بعض أحكامها(52).
كما يتعين أن تتجه إرادة الجاني صوب مقارفة الفعل الفاضح علنا . ولا يؤثر في قيام القصد الجنائي الباعث علي ارتكاب الجريمة ، فهو ليس عنصرا من عناصر القصد ، فإذا كان الباعث نزوة ألمت بالجاني ، أو رغبة في الشهوة كمن خلع ملابسه ويسير عاريا بالطريق العام ، أو بقصد لفت أنظار الناس اليه نظرا لمشاكله الأجتماعية وفقره ، أو بقصد اقتناعه بمبدأ معين كالعراه الذين يرون في مسلكهم هذا اتباعا لفكرة يؤمنون بها ، فإنه لا يصح الاعتماد علي هذا الباعث لدحض المسئوليه الجنائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) أنظر
Chaveau (Adophe) & helie (Faustin) : Op . Cit.,T.4, No.1514.
(49) أنظر
Crim 6 oct 1870 , D . 1870. 1. 433.
(50) أنظر 7 ديسمبر سنة 1926 - المحاماة س 7 رقم 456 .
(51) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى : المرجع السابق ، بند 295 ، ص 331 .
وفى الفقه الفرنسى
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2079, p. 461.
(52)
Cass 3 mars 1898 , Bull . No .92.
يعرف الفعل الفاضح بأنه سلوك عمدي يخل بحياء الغير . ويتسع هذا المعني ليشمل صورتين ، الأولي - جريمة الفعل الفاضح العلني المنصوص عليها في المادة 278 عقوبات ، والثانية جريمة الفعل الفاضح غير العلني المنصوص عليها في المادة 289 عقوبات . وترجع العلة في تجريم الفعل الفاضح العلني الي حماية الشعور العام بالحياء ، هذا الشعور واجب حمايته ليس لتعلقه بالآداب العامة فحسب ، بل لكونه يمس شعور أفراد شاهدوا الفعل عرضا واضطرارا (1).
ولا يحمي الشارع بهذه النصوص الفضيلة والأخلاق ، وذلك لأن العقاب يشمل الفعل الفاضح حتي لو وقع مع زوجين تربطها صلة شرعية ، كما لم يراعي في تجريم هذا الفعل المحافظة علي نقاء الأماكن العامة من أن تجري فيها هذه الأفعال (2) ، ذلك لأن الجريمة تقع حتي لو كان الفعل قد تم في مكان خاص إذا كان في استطاعة من هو بخارجه أن يلمسه بحواسه (3).
أما في الفعل الفاضح غير العلني فإن العلة في التجريم ترجع الي حماية الحرية الجنسية للمجني عليها من أن تمس بأي فعل يؤذي مشاعرها ، أو يوحي لها بفعل له دلالة جنسية تكون في حكم المكرهة علي رؤيته (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر
Chaveau (Adophe) & helie (Faustin) : Op . Cit.,T.2, No. 468.
(2) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2075.
(3) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 32.
(4) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : شرح فانون العقوبات “ القسم الخاص” . المرجع السابق ، بند 776 ، ص 575 .
التمييز بين الفعل الفاضح وهتك العرض :
لايكمن الفرق بين الفعل الفاضح وهتك العرض في مجرد مادية الفعل ولا في جسامته، ولا في العنصر المعنوي وهو العمد ولا في كون الفعل بطبيعته واضح الأخلال بالحياء ، وإنما يقوم الفارق بين الجريمتين علي أساس ما إذا كان الفعل الذي وقع يخدش عاطفة الحياء العرضي للمجني عليه من ناحية المساس بعوراته ، تلك العورات التي لايجوز العبث بحرمتها والتي لا يدخر أي امرئ وسعا في صونها من الأفعال التي تمسها مهما قل الفعل أو كبر ، فإن كان الفعل كذلك أعتبر
هتك عرض و ألا فهو فعل فاضح . وبناء علي هذا يكون هتك عرض كل فعل عمدي مخل بالحياء يستطيل الي جسم المرء وعوراته ويخدش الحياء عنده من هذه الناحية ، أما الفعل العمد المخل بالحياء والذي يخدش في المجني عليه حياء العين والاذن ليس ألا فهو فعل فاضح .
وتأسيسا علي ذلك فإنه يمكن القول بأن الفعل الفاضح يتميز عن هتك العرض فيما يلي :
أ - تقع جريمة هتك العرض علي شخص المجني عليه دائما ، بينما يمكن ان تقع جريمة الفعل الفاضح علي جسم الجاني نفسه.
ب - تقوم جريمة الفعل الفاضح علي الأفعال التي تخل بحياء الغير أخلال غير جسيم ، بينما تقوم جريمة هتك العرض علي الأخلال الجسيم بحياء الغير.
ج - يمكن أن يقع الفعل الفاضح حتي في ظل علاقة مشروعة بين رجل وزوجته ، بينما لا تقع جريمة هتك العرض ألا في ظل علاقة غير مشروعة غالبا.
التمييز بين جريمة الفعل الفاضح وجريمة االتعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية:
يمكن التمييز بين هاتين الجريمتين من عدة وجوه أهمها :
أ - يتحقق الفعل الفاضح بسلوك مخل بالحياء ، ويتخذ عادة صورة الفعل ، بينما التعرض لأنثي قد يقع في صورة القول أو الفعل أو الإشارة .
ب - يقع الفعل في جريمة الفعل الفاضح العلني علي جسم الجاني أو المجني عليه ، بينما يكفي في جريمة التعرض لأنثي أن يستبين من القول أو الفعل أنه يخدش حياء الغير دون أن يستطيل ذلك الي جسم المجني عليه.
ج - يقع الفعل الفاضح سواء علانية (المادة 278 عقوبات) ، أو في غير علانية (المادة 279 عقوبات) . بينما يقع فعل التعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية في في مكان عام أو خاص أو مطروق.
التمييز بين الفعـل الفاضح العلنى والفعل الفاضح غير العلنى :
يمكن التمييز بين هاتين الجريمتين من عدة وجوه :
أ - تعتبر العلانية ركنا في جريمة الفعل الفاضح العلني ، بينما لا يشترط ذلك في جريمة الفعل الفاضح غير العلني.
ب - تقع جريمة الفعل العلني علي ذكر أو أنثي ، بينما لا تقع جريمة الفعل الفاضح غير العلني ألا علي أنثي.
ج - تقع جريمة الفعل الفاضح العلني سواء كان المجني عليه راضيا عن الفعل أم غير راض عنه ، بينما لا تقع جريمة الفعل الفاضح غير العلني ألا إذا كان المجني عليها غير راضية عن الفعل.
د - تقع جريمة الفعل الفاضح العلني سواء كان الفعل في ذاته مشروعا كالصلة بين الزوجين أو كان غير مشروعا. بينما لا تقع جريمة الفعل الفاضح غير العلني ألا إذا كان الفعل في ذاته غير مشروع.
هـ - يخل الفعل في جريمة الفعل الفاضح العلني بحياء جمهور الناس ، بينما يقتصر في الفعل الفاضح غير العلني علي الأخلال بحياء أنثي معينة.
*-*الفعل الفاضح العلنى
نص قانوني :
تنص المادة 278 من قانون العقوبات علي أن " كل من فعل علانية فعلاً فاضحاً مخلا بالحياء يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي سنة أو غرامة لا تتجاوز ثلاثمائه جنيه مصري " (1) .
وفقا لهذا النص فإن هذه الجريمة لا تقوم ألا بتوافر أركان ثلاثة :
الأول : الركن المادي" فعل مخل بالحياء العام ".
الثاني : العلانية .
الثالث : الركن المعنوي .
وسوف نتناول فيما يلي أركان الجريمة ثم العقوبة المقررة لها.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) عدلت عقوبة الغرامة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 ، وكانت قبل التعديل (لاتتجاوز خمسين جنيهاً) .
أنظر الجريدة الرسمية - العدد 16 الصادر فى 23 أبريل سنة 1982 .
الركن المادى
فعل مخل بالحياء
مدلوله :
يتحقق الفعل الفاضح بكل فعل بدني أو جسدي يقع من الجاني في صورة عمل (2) ، أو حركة ، أو اشارة ويكون من شأنه الأخلال بالحياء العام (3). وبذلك فإنه يخرج من نطاق الجريمة القول المجرد والكتابة ، فلا يعد فعلاً فاضحاً توجيه أقوال بذيئة مهما كانت درجة فحشها (4).
كما لا يعتبر فعلاً فاضحاً عرض صورة عارية أو رسوم أو تماثيل أو أفلام سينمائية أو تليفزيونية ، أو شرائط فيديو أو شرائط تسجيل كاسيت ، مهما تضمنت من أفعال هابطة أو بذيئة أو مناظر فاحشة أو مخلة بالآداب العامة ، وذلك لأن هذه الأفعال مؤثمة بمقتضي نصوص أخري في قانون العقوبات ، وحتي يكون هناك تنسيق بين النصوص بما يسمح بأن يكون لكل جريمة نطاقها الخاص دون تداخل بين بعضها وبعض (5).
ـــــــــــــــــــــــ
(2) وقد حكم فى فرنسا بأنه يعتبر فعلاً فاضحاً مخلاً بالحياء قيام الجانى بدس يده تحت ثوب امرأة حال تواجدهما بأحد البارات .
أنظر
Crim 30 octo 1957 , D . 1958. 1. 337.
(3) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2077.
(4) فالأقوال مهما كانت درجة بذائتها لاتشكل جريمة فعل فاضح ، ولذلك فقد قضت محكمة النقض بأنه “ يشترط لتوافر جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء وقوع فعل مادى يخدش فى المرء حياء العين أو الأذن . أما مجرد الأقوال مهما بلغت من درجة البذاءة والفحش فلا تعتبر إلا سباً . و إذن فإذا كان الحكم قد إعتبر أن ما وقع من الطاعن من قوله بصوت مسموع لسيدتين يتعقبهما " تعرفوا إنكم ظراف تحبوا نروح أى سينما " جريمة فعل فاضح مخل بالحياء فإنه يكون قد أخطأ . والوصف القانونى الصحيح لهذه الواقعة أنها سب منطبق على المادتين 306 و 171 من قانون العقوبات .
أنظر نقض 16 يونية سنة 1953 مجموعة أحكام محكمة النقض س 4 رقم 355 ص 996 .
(5) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : المرجع السابق ، بند 779 ، ص 576 .
صور الأخلال بالحياء :
يتحقق الأخلال بالحياء أما بفعل يقع علي جسم الغير ، أو بفعل يقع علي جسم الجاني نفسه.
(أ) الأفعال التي تقع علي جسم الغير :
وتشمل هذه الأفعال ما يقع علي جسم الغير برضائه ، أو بدون رضائه .
أولاً - الأفعال التي تقع علي جسم الغير برضائه :
ويدخل فيها كافة أفعال التمازج الجنسي ، طبيعية أو غير طبيعية . وكافة الأفعال الأخري الخادشة للحياء ، والتي لا تصل لدرجة هتك العرض ، فيعاقب عليها بوصف الفعل الفاضح إذا ارتكبت علنا برضاء من وقعت عليه. ومن ذلك ما يأتيه الزوجان من أفعال الأتصال الجنسي ، أو ما دونه من أفعال جنسية أخري.
كما يدخل ضمن ذلك ما يأتيه الرجل والمرأة غير المتزوجين من أفعال مخلة بالحياء بالرضاء فيما بينهما (6) ، وذلك كأفعال التقبيل أو العناق ، أو ما دونهما من الأفعال كتطويق رقبة الأنثي في الطريق العام ، أو التربيت علي خدها ، أو ملاحقتها في الطريق العام وقرص ذراعها (7) ، ويدخل ضمن هذه الصور ما قد يأتيه ذوي الشذوذ الجنسي من أفعال بالرضاء فيما بينهما.
ــــــــــــــــــــــــــ
(6) وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأن مداعبة الطاعن لسيدة بالطريق العام واحتضانه لها من الخلف ، هو مما يثير شعور المارة وينطوى فى ذاته على الفعل الفاضح العلنى .
أنظر نقض 29 ديسمبر سنة 1975 مجموعة أحكام محكمة النقض س 26 رقم 196 ص 891 .
(7) أنظر نقض 10 نوفمبر سنة 1958 مجموعـة أحكـــام محكمة النقض س 9 رقم 223 ص 913 .
ثانياً - الأفعال التي تقع علي جسم الغير بدون رضائه :
من هذه الأفعال ما ينطوي علي جريمة أخري كالإغتصاب أو هتك العرض أو الزنا متي وقعت بدون رضاء المجني عليه ، وكانت تشكل نفس الوقت فعلاً فاضحا علنيا لحصوله في غير ستر وايذائه للحياء العام(.
وفي هذه الحالة يسأل الفاعل عن جريمتين أولاهما الفعـل الفاضح ، والثانية الإغتصاب أو هتك العرض (9) ، ويجب في هذه الحالة تطبيق عقوبة الجريمة الأشد والحكم بعقوبتها دون غيرها تطبيقا للمادة 32 /1 عقوبات ، وفي هذه الحالة لا تطبق عقوبة الفعل الفاضح لأن الجرائم الأخري عقوبتها أشد.
ــــــــــــــــــ
( أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330, No. 15.
(9) أنظر
Merle (Roger) & Vitu (Andre) : Traite de droit criminel - Droit penal special . Paris, Cujas, T.3, 1e ed, 1982, No. 1876 , P.1521.
(ب) الأفعال التي تقع علي جسم الجاني نفسه :
من الأفعال المخلة بالحياء العام ما يأتيه الجاني علي جسمه هو فيثير بسلوكه الشعور بالخجل والحياء لدي الناس.
ويدخل في هذه الصورة من يكشف عن أعضائه التناسلية علنا في الطريق العام أو في محل عمومي بحيث يمكن للمارة من الجمهور أن يشاهدوه ، أو من يمشي عاريا في الطريق العام (10) ، أو من يأتي بحركات أو أشارات مخلة بالحياء العام ، كأشارة شخص الي مكان عضوه التناسلي (11) .
وتطبيقا لذلك فقد حكم بأن من يدخل دكان حلاق ويبول في الحوض الموجود فيه معرضا نفسه للأنظار يعد مرتكبا للفعل الفاضح بالحياء (12) ، كما حكم بأنه مما يجرح شعور الحياء علي وجه العموم أن تأتي المرأة بحركات بدنية تثير فكرة التمازج الجنسي (13) .
ـــــــــــــــــــــ
(10) وقد قضى فى فرنسا بأن المرأة التى تظهر فى الطريق العام عارية الصدر تكون قد ارتكبت جريمة الفعل الفاضح العلنى .
أنظر
Crim 23 Dece 1965 , D . 1965. 1. 348.
(11) وقد قضى فى فرنسا بأن من ينادى على امرأة فى الطريق العام لتلتفت اليه وهو يشير بيده الى موضع عضوه التناسلى يكون قد ارتكب جريمة الفعل الفاضح العلنى .
أنظر
Crim 4 Mars 1898 , D . 1899. 1. 59.
(12) أنظر نقض 3 مايو سنة 1943 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 174 ص 242 .
(13) قالت محكمة النقض “ القانون يعاقب على كل فعل فاضح مخل بالحياء . وتقدير الأفعال التى من هذا القبيل يختلف بإختلاف الأوساط و البيئات وإستعداد أنفس أهليهما و عاطفة الحياء عندهم للتأثر . و يعتبر فعلاً مخلاً بالحياء ما تأتى به المرأة فى محل عمومى من الحركات البدنية التى تثير فكرة التمازج الجنسى " كترقيص البطن " . و هذا الفعل يقع تحت نص المادة 240 عقوبات و المواد 15 مكررة و 27 و 29 من لائحة المحلات العمومية “.
أنظر نقض 18 أبريل سنة 1929 مجموعة القواعد القانونية ج 1 رقم 231 ص 270 .
- معيار الإخلال بالحياء :
يتحقق الأخلال بالحياء بكال ما من شأنه المساس بعاطفة الحياء عند الناس ، ولا يعتد بمعني الحياء لدي من شاهد الفعل من الناس ، فالحياء لدي راقصة تعمل في ملهي ، يختلف عنه بالنسبة لراهبة في دير. ومن ثم فإن معيار الأخلال بالحياء يستمد من الشعور العام السائد في المكان والزمان اللذان ارتكب فيهما الفعل . فلكل مجتمع قيمه وتقاليده التي تكون فكرة الحياء عنده .
ولذلك فإن معايير الأخلال بالحياء تختلف من القرية للمدينة ، ومن بلد لآخر ، فما يعد من قبيل الأخلال بالحياء دولة تتبع النظام الاسلامي كالمملكة العربية السعودية ، يختلف في دولة كتركيا. وما تأخذ به هذا البلدان يختلف بالقطع عما هو سائد في فرنسا أو السويد. ولذلك فإنه علي قاضي الموضوع وهو بصدد تحديد فكرة الحياء العام ، أن يتوغل في الكشف عن القيم والعادات السائدة في المجتمع الذي حدثت به الواقعة ، وعليه أن يعرف أن هذه الفكرة متغيرة بإختلاف المكان والزمان ، ومن ثم فإنه لا يجوز له أن يستعين بمبادئ القضاء الأجنبي ألا بما يتفق مع تقاليد وآداب البيئة التي حدثت الواقعة بها (14).
كما يجب علي قاضي الموضوع أن يراعي أن الفعل نفسه قد يشكل في
مناسبة ما فعل فاضح علني كتقبيل الزوج لزوجته في الطريق العام بدون مناسبة ، بينما لا يكون هذا الفعل جريمة إذا كان تقبيلها أثناء وداعها تمهيدا لسفرها سواء
ـــــــــــــــــــــــــ
(14) أنظر نقض 18 أبريل سنة 1929 سالف الذكر .
مدلول العلانية في جريمة الفعل الفاضح العلني :
لم يضح المشرع قواعد عامة تسري علي كل الجرائم التي يتطلب بها القانون توافر ركن العلانية ، ويستدل علي ذلك مما نص عليه الشارع بشأن وسائل العلانية في جرائم الأعتبار ، إذ أحال الي طرق العلانية المبينة بالمادة 171 من قانون العقوبات بينما اكتفي المشرع بوصف الفعل الفاضح بأنه علني دون أن يبين طرق العلانية في هذه الجريمة ، ويرجع ذلك الي أن المشرع يؤثر أن يكون نطاق العلانية محددا وفقا للغرض الذي أراد القانون تحقيقه في الجريمـة (16).
ومقتضي ذلك أن العلانية في جرائم الاعتبار أن يتاح للأسناد الماس بالشرف والاعتبار القدر من الذيوع في المجتمع بحيث يتعرض شرف المجني عليه لما يمسه ، بينما في جريمة الفعل الفاضح فيكفي أن يكون في استطاعة أي شخص مشاهدة الفعل فيكون معرضا لخدش حيائه (17).
وتأسيسا علي ذلك فإن دلالة العلانية في جرائم الفعل الفاضح أكثر اتساعا منها في جرائم الاعتبار ، ولذلك فلا يشترط لتوافر العلانية أن يشاهد الغير عمل الجاني فعلاً بل يكفي أن تكون المشاهدة محتملة. وهذه المشاهدة كما تكون بالرؤية قد تكون بالسمع ، إذا دل صوت الجاني علي الفعل (18).
وتطبيقا لذلك فقد قالت محكمة النقض أن " الفعل العمد المخل بالحياء الذي يخدش في المجني عليه حياء العين والاذن ليس ألا هو فعل فاضح " . كما قالت أن الشخص الأعمي الأصم تماما يمكن هتك عرضه ولكن لا يصلح قانونا أن يكون مجنيا عليه في جريمة الفعل الفاضح (19).
وهذا القضاء يصدق علي إحدي صورتي الفعل الفاضح ، وهي الصورة التي
يقع فيها الفعل علي جسم الجاني ، ولكن وقوع الفعل الفاضح علي اصم اعمي جائز في الصورة الأخري أي إذا مس جسمه بفعل يخدش حياءه ولا يصل في جسامته الي مرتبة هتك العرض. وبذلك فإنه يمكن القول أن العلانية قد تكون حقيقية وتتمثل في حالة اتصال الفعل بعلم المجني عليه ، يستوي في ذلك أن يلمسه بأيه جلسه من حواسه ، سواء بالنظر أو بالسمع أو باللمس ، وقد تكون حكميه وذلك إذا ما كان في استطاعته أن يتصل بهذا الفعل(20).
ــــــــــــــــــــــــ
(16) أنظر الدكتور محمد محى الدين عوض : العلانية فى قانون العقوبات “دراسة مقارنة ” . القاهرة ، رسالة دكتوراه مقدمة لكلية الحقوق جامعة القاهرة ، 1954 ، ص 341 .
(17) أنظر الدكتور محمد محى الدين عوض : المرجع السابق ، ص 341 .
(18) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 32.
(19) أنظر نقض 22 نوفمبر سنة 1928 مجموعة القواعد القانونية ج 1 رقم 17 ص 232 .
(20) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 33.
العلانية في الأماكن العامة :
ان مجرد ارتكاب الفعل الفاضح في المكان العام يعني علانيته حتي لو لم يره أحد ، لأن العلانية مفترضة في هذا المكان (21). والأماكن العامة أنواع ثلاثة : أماكن عامة بطبيعتها ، وأماكن عامة بالتخصيص ، وأماكن عامة بالمصادفة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(21) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2078, p.459.
(أولاً) الأماكن العامة بطبيعتها :
وهي الأماكن المفتوحة للجمهور علي نحو دائم ومطلق ويجوز له أن يطرقها في كل وقت سواء ليلا أو نهارا ، ودون قيود ولا يخل بذلك أن يكون ارتياد المكان نظير رسم أو بعد استيفاء شروط معينة . وتأسيسا علي ذلك تعتبر أماكن عامة بطبيعتها الطرق العمومية والميادين والمنتزهات ، والسكك الزراعية والطرق المائية كالبحار الاقليمية والأنهـار والترع والقنوات والصحاري والغابـات (22).
وتأخذ الأماكن الواقعة علي جوانب الطرق العمومية المعرضة لأنظار الجمهور ولو لم تكن هي في ذاتها أماكن عمومية كالبساتين والحدائق المجاورة للطرق العمومية حكم الأماكن العمومية بطبيعتها (23)، كما يعتبر المكان عأما إذا اعتاد جمهور الناس المرور فيه حتي لو كان يخترق ملكية خاصة (24).
وعلي ذلك فمن يرتكب فعلاً فاضحاً في أحد هذه الأماكن تتوافر له العلانية ، حتي لو كان الجاني قد ارتكبه في الظلام والمكان غير مطروق ، وقد انتحي منه ناحية ليختبئ فيها ولم يره أحد بالفعل ، إذ ينبغي دائما تمكين الناس من المرور أو الوقوف في المكان العام بطبيعته دون أن يكون في ذلك أدني احتمال لتعرضهم لرؤية الأفعال المخلة بالحياء التي يمكن أن تخدش حيائهم(25).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(22) وقد حكم بأنه “ إذا كانت الأفعال المنافية للآداب العامة التى أتاها المتهم قد صدرت منه فى الترام وفى الطريق العام وفى أحدى المتنزهات ، وهى أماكن عامة بطبيعتها ويحتمل مشاهدة ما يقع فيها فأن ذلك يتحقق به ركن العلانية .
(23) أنظر نقض 29 يناير سنة 1963 مجموعة أحكام محكمة النقض س 14 رقم 13 ص 58 .
(24) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 42.
(25) أنظر
(ثانيا) الأماكن العامة بالتخصيص :
وهي الأماكن التي يسمح للجمهور بدخولها في أوقات معينة ، سواء كان ذلك بشروط محددة أو نظير أجر ، وذلك كدور السينما والمسارح والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس ، والمحاكم وغيرها من المرافق العامة ودواوين الحكومة ، والتي يسمح للجمهور بأرتيادها ثناء فترات العمل(26).
وتأخذ هذه الأماكن حكم المكان العمومي بطبيعته في الأوقات التي تكون مفتوحة فيها ، فإذا ارتكب شخص فعلاً فاضحاً في الوقت الذي تكون فيه مفتوحة فإنه يعد حاصلا في علانية ، ولو لم يره أحد في الواقع . أما في غير هذه الاوقـات فإنها تأخذ حكم الأمـاكن الخاصة ، فلا يعد الفعل حاصلا في علانية إلا إذا رأه أو امكن أن يراه الغير بسبب عدم احتياط مرتكبه(27).
وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة النقض بأن العلانية تتحقق في الفعل الفاضح المخل بالحياء في الوقت المحدد لإجتماع جمهور بالمكان ولو لم يره أحد ، أما في غير هذا الوقت فإنه يأخذ حكم الأماكن الخاصة بحيث تتوافر العلانية متي شاهد الفعل الفاضح أحد أصحاب المكان أو نزلائه ، أو كان من المستطاع رؤيته بسبب عدم احتياط الفاعل ، فإذا اتخذ الفاعل كافة الاحتياطات اللازمة لمنع الاطلاع علي ما يدور بالداخل انتفي تحقق العلانية ولو افتضح الفعل نتيجة حادث قهري أو بسبب غير مشروع(28).
ــــــــــــــــــــــــ
(26) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2078, p.460.
(27) أنظر
Crim 1 Mai 1863 , D . 1864. 1. 147.
(28) أنظر نقض 30 ديسمبر سنة 1968 مجموعة أحكام محكمة النقض س 19 رقم 29 ص 1121 .
(ثالثا) الأماكن العامة بالمصادفة :
وهي أماكن خاصة بحسب الأصل ، وذلك لأنها مقصورة علي عدد معين من الناس أو طوائف معينة منهم ، ولكنها تكتسب العلانية من وجود عدد من الجمهور بها بطريق المصادفة ، وذلك كالسجون والنوادي وسيارات النقل العام وعربات السكك الحديدية ، فإذا ارتكب فيها فعل فاضح في الوقت الذي يوجد به جمهور الناس أعتبر علنيا ، حتي لو لم يره احد(29).
وتطبيقا لذلك فقد حكمت محكمة النقض بأن المقابر هي من الأماكن العامة بالمصادفة ، ولما كان المطعون فيه قد استند في توافر ركن العلانية الي أن باب المكان الذي ارتكب فيه الفعل لم يكن موصدا بمزلاج يمنع من يريد الدخول اليه ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحا علي واقعه الدعوي واقام قضاءه علي ما يحمله(30).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(29) وقد حكم بأن وجود عدد من الأشخاص فى السجن كان يمكنهم رؤية الفعل وقت ارتكابه يجعلـه علنياً ، لافرق بين أن يكون الموجودون مستيقظين أو نائمين .
أنظر قاضى إحالة قنا فى 16 أبريل سنة 1908 - المجموعة الرسمية س 9 رقم 81 .
(30) أنظر نقض 14 أكتوبر سنة 1973 مجموعــــــــة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 175 ص 847 .
العلانية في الأماكن الخاصة :
الأماكن الخاصة هي التي يقتصر الدخول فيها علي أشخاص معينين ، ولا يجوز لغيرهم دخولها ألا بأذن منهم. وتتحقق العلانية إذا وقع الفعل المخل بالحياء في مكان خاص كمنزل أو غرفه في فندق أو فناء أو حديقة ، متي كان في استطاعة أي من الجمهور مشاهدة ما يقع في المكان الخاص(31).
وتنقسم الأماكن الخاصة في هذا الصدد الي أنواع ثلاثة :
ـــــــــــــــــــــــ
(31) أنظر الدكتور أحمد فتحى سرور : المرجع السابق ، بند 445 ، ص631 .
(أ) أماكن خاصة يستطيع من كان في مكان عام أن يشاهد ما يقع فيها :
ومثال ذلك الغرف التي تطل بمنافذها المفتوحة علي الشارع ، أو السيارات الخاصة أثناء وقوفها أو سيرها بالطريق العام (32) ، وتعتبر العلانية متوفرة فيها مادام كل عابر أو واقف بالطريق يستطيع أن يشاهد ما يجري فيها (33). ويشترط لتوافر العلانية أن تكون النافذة مفتوحة ، فإذا كانت مغلقة ، أو كان عليها أستار تحجب ما خلفها عن أنظار الجمهور فالعلانية منعدمة ، ويعتبر الظلام في هذه الحالة حائلا دون العلانية ، ولو كانت النوافذ مفتوحة بشرط أن يحل الظلام دائما(34).
ـــــــــــــــــــــــ
(32) أنظر
Crim 19 Juill 1932 , D . 1935. 1. 528.
(33) وقد حكم القضاء الفرنسى بتوافر الفعل الفاضح العلنى فى واقعة ارتكاب شاب أفعالاً مخلة بالحياء مع شابة ، حـــال تواجدهما فى حديقة مجاورة للطريق العام .
Crim 18 Juill 1930 , S . 1930. 1. 395.
(34) أنظر الأستاذ أحمد أمين : المرجع السابق ، ص 478 .
(ب) أماكن خاصة يستطيع من كان في مكان خاص أن يشاهد ما يقع فيها :
ومثال ذلك الفناء المشترك ، وسلالم المنزل الذي يقطنه عدد من العائلات ، والغرف المفتوح نوافذها علي السلالم أو علي الفناء أو علي حديقة مشتركة . فمتي ارتكب الفعل الفاضح في أي جزء من هذه الأماكن ، وكان هناك احتمال رؤية الفعل الفاضح من أحد المترددين علي المنزل ، أو أي شخص يطرق المكان مصادفة ، فإن العلانية تتوافر في هذا الفعل (35). وقد يغني السماع في مثل هذه الأحوال عن المشاهدة متي كان كافيا للدلالة علي الفعل الفاضح ، وكان فيه ما يخدش أحساس السامع(36).
ــــــــــــــــــــــــــ
(35) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : المرجع السابق ، بند 793 ، ص 584 .
(36) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى : المرجع السابق ، بند 293 ، ص 329 .
(ج) أماكن خاصة لا يستطيع من كان في خارجها أن يشاهد ما يقع بداخلها :
اذا ارتكب الفعل الفاضح في مكان مغلق بحيث لا يستطيع الخارج عنه أن يشاهد ما يجري فيه ، فالأصل عدم توافر العلانية ، والمسكن الخاص هو خير مثال ، فما يجري فيـه من أفعـال مشروعة أو غير مشروعـة لا يحقق العلانية.
بيد أن هذه القاعدة يرد عليها قيدان :
أولاً - ان يكون الفاعل قد اتخذ الأحتياط الكافي لحجب الفعل عن مشاهدة الغير له :
فإذا ارتكب الفاعل الفعل الفاضح في مسكنه وترك النافذة مفتوحة ، أو ترك الباب دون أن يغلقه ، فاستطاع الغير أن يشاهد ما يجري من أفعال بطريق المصادفة ، فإن العلانية تتحقق في هذا الفعل ، ويمكن مؤاخذه الفاعل بالمادة 278 عقوبات ، ولا يكفي في ذلك أن يكون من المستطاع مشاهدة الفعل ، بل يجب أن يشاهد أحد ما يجري في هذا فعلاً ، ذلك أن حرمة المكان الخاص تأبي في هذا الفرض القول بأن إمكانية المشاهدة تكفي لتوافر ركن العلانية (37).
وتأسيسا علي ذلك فإذا اتخذ الفاعل كافة الاحتياطات الكافية لحجب فعله عن أطلاع الغير ، ولكن أمكن للغير بطريق غير مشروع من ثقب المفتاح أو نتيجة حادث فجائي كرياح شديدة أدت لفتح الباب وكشف عما يجري بداخله من أفعال تشكل فعل فاضح فإن ركن العلانية لا يتحقق(38).
ثانيا - ألا يرتكب الفعل أمام شهود اضطراريين :
اذا حدث الفعل الفاضح داخل مكان خاص وكان هناك أشخاص غير من وقع الفعل الفاضح عليه ، فلا يخرج الأمر عن احد فرضين :
الأول : أن يكون من شهدوا الفعل الفاضح قد حضروا بإختيارهم رغبة في مشاهدة الفعل أو الأشتراك فيه ، وفي هذه الحالة لا يتحقق ركن العلانية في الفعل لأنه لا يمكن القول بأن الفعل قد خدش حياءهم حضروا بمحض اختيارهم لمشاهدته أو الأشتراك فيه(39).
الثاني : إذا كان الشهود قد حضروا لغرض آخر ثم فوجئو بمشاهده الفعل اضطراراً ، فإن العلانية تتحقق (40) ، ولا يقدح في ذلك أن يكون من شهد الفعل صبي صغير متي كان في امكانه ادراك الدلالة العامة للفعل ، ويكفي في ذلك حضور شاهد واحد ، ولكن لا نزاع في أن وجود المجني عليه وحده في المكان المغلق لا يوفر ركن العلانية (41).
ـــــــــــــــــــــــــ
(37) أنظر الدكتور محمود نجيب حسنى : المرجع السابق ، بند 795 ، ص 585 .
(38) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2078, p. 464.
(39) أنظر الدكتور أحمد فتحى سرور : المرجع السابق ، بند 445 ، ص 632 .
(40) وقد حكم القضاء الفرنسى بأن ركن العلانية يتحقق فى جرىمة الفعل الفاضح العلنى إذا وقع الفعل فى حجرة صغيرة أمام صغير فى سن العاشرة .
أنظر
(41) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 121.
بيان العلانية في الحكم :
طالما كانت العلانية عنصرا جوهريا من عناصر الركن المادي لجريمة الفعل الفاضح العلني ، لذا فقد وجب علي قاضي الموضوع أن يبين بطريقة واضحة في
الحكم الصادر بالأدانة أن الفعل الفاضح قد ارتكب عنا ، وأن يستظهر كافة الظروف التي تدل بطبيعتها علي تحقق هذه العلانية ، و ألا كان الحكم ناقص البيان ، ويعتبر استخلاص القاضي لهذا الركن من ظروف الواقعة فصلا في مسألة قانونية ، يخضع فيها لرقابة محكمة النقض .
صورة الركن المعنوي لجريمة الفعل الفاضح العلني :
اختلف الفقه والقضاء في صدد الركن المعنوي في جريمة الفعل الفاضح العلني ، فذهب جانب من الفقه في فرنسا (42) ، وفي مصر صوب عدم اشتراط توافر القصد الجنائي في هذه الجريمة ، أكتفاء بتوافر الأهمال أو عدم الاحتياط في اتخاذ اللازم لستر فعل الجاني عن الغير (43) .
وعلي ذلك فإنه يجب مؤاخذة الجاني حتي لو تبين أنه لم يكن يقصد أن يطلع الناس علي فعله . وحجة هذا الرأي أن علة التجريم وهي حماية الشعور العام بالحياء تتحقق سواء تطلب الشارع القصد الجنائي أم مجرد الخطأ ، كما أن اشتراط وجود القصد الجنائي يؤدي الي تضيق نطاق تطبيق نص الجريمة (44).
وخلص هذا الرأي الي أن الركن المعنوي في هذه الجريمة يتخذ صورة
الخطأ غير العمدي المتمثل في توقع الجاني مشاهدة الغير له ، وعدم اتخاذه الإجراءات من شأنها أن تحول دون ذلك ، وقد اخذت محكمة النقض الفرنسية بهذا الرأي في بعض أحكامها(45).
بينما يذهب الرأي السائد فقها وقضاء صوب ضروره توافر القصد الجنائي لقيام جريمة الفعل الفاضح العلني ، وذلك لأن الأصل في الجرائم أن تكون عمدية ، والأستثناء أن تكون غير عمدية ، والقاعدة أنه إذا سكت الشارع عن بيان صورة الركن المعنوي في إحدي الجرائم كان معني ذلك أنه قد اشترط توافر القصد الجنائي فيها ، ولا يستعاض عن توافر القصد الجنائي بالخطأ غير العمدي ألا بنص صريح . وبتطبيق القاعدة سالفة الذكر علي جريمة الفعل الفاضح العلني في قانون العقوبات المصري (المادة 278 عقوبات) أو قانون العقوبات الفرنسي (المادة 33) يتبين أن المشرع في كلا القانونين لم يفصح عن ارادته بنص خاص بالاكتفاء بالخطأ غير العمدي كصورة للركن المعنوي(46).
ــــــــــــــــــــ
(42) أنظر
Garcon (Emile) : Op . Cit., Art 330 , No. 153.
(43) أنظر الأستاذ أحمد أمين : المرجع السابق ، ص 478 .
(44) أنظر
Goyet (F.) : Op . Cit., p. 560.
(45) أنظر تطبيفات فى القضاء الفرنسى للأكتفاء بمجرد الأهمال دون توافر القصد الجنائى فى جرىمة الفعل الفاضح العلنى
Crim 28 Apr 1881 , S . 1881. 1. 389; 20 oct 1955 , D . 1956. 1. 177; 7 Dec 1960 , Bull . No.573.
(46) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى : المرجع السابق ، بند 295 ، ص 331 .
عناصر القصد الجنائي في جريمة الفعل الفاضح العلني :
يقوم القصد الجنائي في هذه الجريمة علي عنصرين العلم والإرادة وسوف نتناول كلا منهما فيما يلي
أولاً - العلم :
يتعين أن يعلم الجاني بعناصر النشاط المادي المؤثم في جريمة الفعل الفاضح العلني ، ومن ثم أن يحيط علم الجاني بأن فعله يخدش الحياء العام ، أي يخدش حياء العين أو الاذن (47).
كما يتعين أن يتجه علم الجاني صوب إتيان الفعل الفاضح علنا . ولما كان الشارع لم يتطلب في العلانية أن يشاهد الغير الفعل بل يكفي أن يكون ذلك أمرا مستطاعا ، فإن القصد يتحقق بالنسبة الي العلانية طالما كان هناك احتمال في مشاهدة الفعل الفاضح . وعلي ذلك فإنه يكفي أن يتوقع الجاني أمكان مشاهدة الفعل . ويتصور ذلك في كل حالة يقع فيها الفعل في مكان عام .
كما يكون أمر مشاهدة الفعــل محتمـلا إذا وقع في مكــان خــاص ولم يتخذ الفاعــل الاحتياطات اللازمة التي من شأنها أن تحول دون أمكان مشاهدة الغير للفعل الفاضح . أما إذا اتخذ كافة الاحتياطات اللازمة ولكن استطاع الغير مشاهدة الفعل الفاضح نتيجة تلصصه علي الجاني ، فأن القصد لا يتوافر لديه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(47) أنظر
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2079, p. 460.
ثانيا - الإرادة :
يتعين أن تكون إرادة الجاني معتبرة قانونا ، أي أن تتجه صوب مقارفة
النشاط المادي المكون لجريمة الفعل الفاضح العلني .
وقد ذهب جانب من الفقه صوب اشتراط أن تتجه إرادة الجاني الي "الأخلال بالحياء العام" (48) ، وقد اخذت بعض الأحكام في فرنسا (49)، وفي مصر بهذا الرأي (50).
بينما يذهب الرأي الراجح صوب عدم الخلط بين الباعث والقصد ، فيكفي لكي يتحقق القصد بأن تتجه إرادة الجاني صوب تعريض نفسه للأنظار دون مقتض ، ولو لم يكن مدفوعا أو مستهدفا تحدي الشعور العام بالحياء (51) ، وقد أخذت محكمة النقض الفرنسيه بهذا الأتجاه في بعض أحكامها(52).
كما يتعين أن تتجه إرادة الجاني صوب مقارفة الفعل الفاضح علنا . ولا يؤثر في قيام القصد الجنائي الباعث علي ارتكاب الجريمة ، فهو ليس عنصرا من عناصر القصد ، فإذا كان الباعث نزوة ألمت بالجاني ، أو رغبة في الشهوة كمن خلع ملابسه ويسير عاريا بالطريق العام ، أو بقصد لفت أنظار الناس اليه نظرا لمشاكله الأجتماعية وفقره ، أو بقصد اقتناعه بمبدأ معين كالعراه الذين يرون في مسلكهم هذا اتباعا لفكرة يؤمنون بها ، فإنه لا يصح الاعتماد علي هذا الباعث لدحض المسئوليه الجنائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(48) أنظر
Chaveau (Adophe) & helie (Faustin) : Op . Cit.,T.4, No.1514.
(49) أنظر
Crim 6 oct 1870 , D . 1870. 1. 433.
(50) أنظر 7 ديسمبر سنة 1926 - المحاماة س 7 رقم 456 .
(51) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفى : المرجع السابق ، بند 295 ، ص 331 .
وفى الفقه الفرنسى
Garraud (Rene) : Op . Cit.,T.5, No.2079, p. 461.
(52)
Cass 3 mars 1898 , Bull . No .92.