شروط  العذرالموجب للتخفيف
تخضع جناية القتل لحكم الأعذار القانونية المخففة التى يترتب عليها أن تحل عقوبة الجنحة فيها - وجوبا أو جوازا - محل عقوبة الجناية ، مثل عذر صغر السن ( من 15- 18 سنة ) ، وتجاوز حدود حق الدفاع الشرعى بنية سليمة ( م 251 ) وعذر الاستفزاز أو مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ( م 227 ) .
والأول والثانى هما من الأعذار العامة التى ينصرف أثرها إلى كافة الجنايات دون أن يحدد المشرع نطاقا معينا لها ، إلا ما قد تتطلبه طبيعة العذر نفسه من نطاق معين ، كتجاوز حدود حق الدفاع الشرعى عندما يتطلب أن يكون الدفاع بجريمة تنطوى على استعمال القوة أو العنف ، وتدخل دراسة هذين العذرين بسبب هذه العمومية ذاتها فى القسم العام من القانون الجنائى .
أما عذر الاستفزاز الذى نصت عليه المادة 237 ، فهو تطبيق قائم بذاته وفى نطاق معين لفكرة العذر القانونى ، فهو عذر خاص لا يسرى إلا على جرائم عينها المشرع بذاتها ، وهى جرائم القتل العمد والضرب المفضى إلى الموت ، كما لا يتحقق إلا فى ظروف معينة وبالنسبة إلى شخص عينه بذاته وهو الزوج ، ولما كان الفعل الذى ينصرف إليه التخفيف هو فى الأصل القتل العمد .
ماهية عذر الاستفزاز أو مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا
نصت المادة 237ع أن : من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة فى المادتين 234 ، 236
والقانون المصرى لا يعرف الاستفزاز كعذر قانونى مخفف إلا فى هذه الحالة دون غيرها ، حين يجعل بعض الشرائع الأجنبية من استثارة المجنى عليه للجانى عذرا مخففا عاما على جرائم القتل .
وحكمة التخفيف فى عذر المادة 237 هى حالة الانفعال الطبيعية التى يحدثها فى نفس الزوج المخدوع مشهد تلبس زوجته بالزنا ، بحيث قد يقدم على جريمته فى غير ترو ولا تدبر للعواقب .
وسنعالجه فى مبحثين مخصص أولهما لأركانه ، وثانيهما لتكييف طبيعته القانونية .
 
شروط العذر الموجب للتخفيف
 
البين من نص المادة 237 أن انطباقها يتطلب تحقق أركان ثلاثة :
أولا : مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا
ثانيا : أن يقع عليها أو على شريكها جناية اعتداء فى الحال
ثالثا : أن يقع الاعتداء من الزوج
وسنعالجها فيما يلى على التوالى :
أولاً : مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا
تنبغى مفاجأة الزوجة متلبسة بالزنا ، فلا يكفى مجرد كونها سيئة السلوك ولو باعترافها ، ويتحقق التلبس هنا ابتداء إذا كان مما تنطبق عليه المادة 30 إجراءات ، كما يتحقق كذلك إذا وجدت الزوجة فى حالة لا تدع مجالا للشك فى أن الفعل قد ارتكب ، وكذلك إذا وجدت قرائن قوية تحمل الزوج على الاعتقاد بذلك ، ولو لم يكن الفعل قد وقع أو مقدرا له أن يقع ، وذلك لتوافر حكمة التشديد فى الحالتين .
وقد ساقت المادة 276ع أدلة معينة على سبيل الحصر وجعلتها مقبولة وحدها فى إثبات جريمة الزنا ، فإذا توافرت هذه الأدلة أو بعضها بالفعل كان للزوج أن يستفيد منها فى بناء اقتناعه بزنا زوجته ، إلا أن من المتفق عليه أن هذه الأدلة وضعت لتقييد القاضى فى بناء اقتناعه بقيام جريمة الزنا قبل شريك الزوجة الزانية ، وأنها لا تقيد الزوج فى نطاق عذر الاستفزاز ، بل أن من حق هذا الأخير أن يقتنع بتلبس زوجته بالزنا بأية قرائن مقبولة ومؤدية إلى الاقتناع وهى أمور تخضع لقاضى الموضوع فى تقديرها ( 1 ).
وتقضى المادة 273ع بأنه إذا زنى الـزوج فى مسكن الزوجية ( م 277 ) لا تسمع دعواه على الزوجة بعدئذ إذا ارتكبت نفس الذنب ، وطبقا للراجح أن إدانة الزوج فى جريمة زنا تحرمه من سماع دعواه على زوجته كما تحرمه كذلك من التمسك بعذر الاستفزاز إذا ما فاجأها متلبسة بها ، إذ على الزوج أن يكون قدوة حسنة لزوجته فإذا سبقها إلى ارتكاب نفس الجريمة فلا يلومن إلا نفسه .
أما مفاجأة الزوجة لزوجها متلبسا بالزنا فلا تعطيها الحق فى عذر قانونى مخفف إذا ما قتلته أو من يزنى بها ، وهى تفرقة ظالمة منتقدة تعلل بالمصدر التاريخى للعذر ، ولكن يخفف من آثارها أن تحقق هذا الفرض الأخير يعد بطبيعة الحال ظرفا قضائيا مخففا ، ولذا فلم يعد للتفرقة بين جريمة الزوج وجريمة الزوجة من أثر فى بعض الشرائع الحديثة .
ثانيا : وقوع جناية إعتداء على الزوجة أو شريكها فوراً
خصت المادة 237 بالذكر الاعتداء الذى يتخذ صورة جناية قتل أو ضرب مفض إلى الموت ، إلا أن العذر يقوم من باب أولى إذا كان الاعتداء بجناية ضرب أفضى إلى عاهة مستديمة ، أما إذا كان الاعتداء بجنحة جرح أو ضرب فإن الجنح لا تعرف نظام الأعذار القانونية المخففة
وينبغى أن تقع جناية الاعتداء فور المفاجأة ، فإذا تراخى وقوعها إلى ما بعد استرداد الزوج هدوءه واحتماله هول المفاجأة ، فتكون انتقاما منه غير معذور فيه ، أما إحضار السلاح من غرفة مجاورة فلا يحول دون قيام العذر
ثالثا : وقوع الجناية من الزوج
هذا العذر شخصى بحت يستفيد منه الزوج دون غيره ، كالأب ، أو الشقيق أو أقارب الزوج أو أصدقائه ، كما لا يستفيد منه الخطيب أو المطلق ، وتعتبر الزوجية للمسلم قائمة حكما أثناء الطلاق الرجعى والعدة ( 2 ).
__________________________
( 1 )  روؤف عبيد - المرجع السابق ص 87 .
( 2 )  د/ مصطفى القللى - أصول تحقيق الجنايات ص 42 .