السرقه بين الازواج و الاصول و الفروع
نصت المادة 312 ع المعدلة بالقانون رقم 64 لسنة 1947 الصادر فى 14 يونيه 1947 على أنه " لا تجوز محاكمة من يرتكب سرقة إضرارا بزوجة أو زوجته أو أصوله أو فروعه إلا بناء على طلب المجنى عليه ، و للمجنى عليه أن يتنازل عن دعواه بذلك فى أية حالة كانت عليها ، كما له أن يقف تنفيذ الحكم النهائى على الجانى فى أى وقت شاء " .
وكان نص هذه المادة قبل تعديلها كالآتى " لا يحكم بعقوبة ما على من يرتكب سرقة إضرارا بزوجه أو زوجته أو أصوله أو فروعه " وهذا النص القديم كان يقابل المادة 380 ع . ف .
ووضع أحكام خاصة للسرقة بين الأقارب أمر قديم يرجع إلى أيام القانون الرومانى حيث كانت الزوجة والفروع معفيين من عقوبة السرقة بسبب نظام الملكية المشتركة ، والسلطة الأبوية وما يتفرع عنهما ، وتعرف الشريعة الإسلامية نظاما مماثلا له ، إذ لا يجوز فيها توقيع الحد على السارق إذا كان زوجا أو أصلا أو فرعا لشبهة الملك بين أفراد الأسرة الواحدة ، ولكن يجوز مع ذلك التعزير .
وكانت الحكمة من النص القديم أنه " رأى أن يغفر ما يقع بين أفراد الأسرة الواحدة من عدوان بعضهم على مال البعض الآخر ، وذلك حرصا على سمعة الأسرة واستبقاء لصلات الود القائم بين أفرادها " ( 1 ) إلا أنه تبين أنه قد أسئ استعمال هذا الإعفاء من الأولاد العاقين ، ومن بعض الأزواج خصوصا فى ظروف الطلاق ، ولذا تدخل الشارع فى عام 1947 بوضع النص الجديد الذى ألغى العذر المعفى من العقاب واضعا محله مجرد قيد على حق النيابة فى تحريك الدعوى العمومية ، وجعلها متوقفة على شكوى من المجنى عليه . ( 2 )
وسنبين فيما يلى نطاق هذا القيد بالنسبة للجرائم التى يشملها ، ثم للأشخاص الذين يسرى عليهم ، ثم القواعد التى تحكمه .
نطاق المادة 312 من حيث الجرائم :
تسرى المادة 312 على جميع جرائم السرقة والشروع فيها سواء أكانت جنحا أم جنايات ، فهى عامة لم تحدد نوعا معينا ، ولكن إذا كانت الواقعة سرقة بالإكراه ، فإن فعل العنف يخضع للقاعدة العامة فى تحريك الدعوى من النيابة بكامل حريتها . ( 3 )
وقد اختلفت الآراء اختلافا بينا فيما إذا كان نص المادة 312 مقصور على السرقة وحدها ، أم أنه ينصرف أيضا إلى جرائم المال الأخرى التى تقع بين الأزواج والأصول والفروع كالنصب ( م 336 ) وخيانة الأمانة ( م 341 ) فذهب الرأى السائد بين شراح القانون المصرى إلى أنه نص استثنائى لا يجوز التوسع فيه ، ومن ثم فهو مقصور على السرقة دون غيرها . ( 4 )
إلا أن الرأى السائد بين شراح يميل إلى عكس ذلك والقول بأن قاعدة الإعفاء عامة تسرى على السرقة كما تسـرى على النصب وخيانة الأمانة ، ( 5 ) ، ويستند فى ذلك إلى الأصل التاريخى لها ، حيث كانت هذه القاعدة معمولا بها ، ولم تكن التفرقة بين السرقة والنصب وخيانة الأمانة قد ظهرت إلى عالم الوجود بعد ، هذا إلى أن الأعمال التحضيرية للقانون الفرنسى تشير إلى أن المقصود بالنص هو أن ينصرف أثره إلى جرائم سلب مال الغير بوجه عام ، وأخيرا إلى أنه ليس هناك أى مبرر - من وجهة منطقية - إلى التفرقة بين السرقة من جانب والنصب وخيانة الأمانة من جانب آخر فى الأمر الذى نحن بصدده .
وقد أخذت محكمة النقض بهذا الرأى الأخير دون الأول ، فعممت القاعدة على النصب وخيانة الأمانة من باب القياس ( 6 ) ، ويبدو أن الوضع لا ينبغى أن يختلف عن ذلك شيئا فيما يتعلق بابتزاز المال ذكرتها المادة مع العلم بذلك ( م 44 مكررة ) طالما أنها جرائم الغرض منها هو سلب المال ، وطالما كانت رغبة الشارع فى هذا النوع من الجرائم هى صيانة العلاقات العائلية على قدر الإمكان ، بجعل تحريك الدعوى متوقفا على رغبة المجنى عليه دون غيره حيث قد يكون للاعتبارات المعنوية الأسبقية فى نظر هذا الأخير على الاعتبارات المادية .
ولكن يجب أن يقف التوسع عند هذا الحد ، فلا يسرى النص على جرائم الإتلاف أو التخريب أو التغييب أو الحريق العمد ، لأن باعثها الانتقام لا مجرد الطمع فى مال المجنى عليه ، وقد حكمت محكمة النقض أكثر من مرة بعدم خضوع جرائم التزوير لهذه القاعدة ( 7 ) ، وقد نص القانون صراحة على أن المادة 312 لا تسرى على اختلاس الأشياء المحجوز عليها من مالكها ( م 323 ) ولا الأشياء المرهونة ممن رهنها 323 مكررة بمعنى أن حق النيابة العمومية فى تحريك الدعوى يكون طليقا من كل قيد ، ولو كان مختلس المال المحجوز عليه أو المرهون هو زوج مالك هذا المال أو أصله أو فرعه ( 8 ) .
وهو حكم بديهى لأن حق النيابة طليق من كل قيد ولو كان المختلس هو نفس مالك المال المحجوز عليه أو المرهون ، فمن باب أولى إذا كان المختلس هو زوجه أو أصله أو فرعه ، ولأن المجنى عليه الفعلى هنا هو الدائن الحاجز أو الدائن المرتهن والفرض أنه أجنبى عن المختلس ، ولذلك فإنه إذا اختلس المتهم منقولا رهنه بنفسه إلى الأصل أو الفرع أو الزوج فيسرى قيد المادة 312 ، أما إذا اختلس منقولا محجوزا عليه من الأصل أو الفرع أو الزوج فلا يكون هناك وجه لانطباق النص .
لما تنطوى عليه هذه الجريمة من معنى انتهاك الحجز والاعتداء المباشر على الصالح العام ، بعدم احترام الأمر الصادر من السلطة المختصة بتوقيعه .
 
نطاق المادة 312 من حيث الأشخاص :
ينبغى أن تكون السرقة قد وقعت على الزوجة أو الزوج أو الأصل أو الفرع ، أو من أحد من هؤلاء ، فلا يسرى النص على من عداهم وقد قضى بذلك مرارا عندما كان النص يقرر إعفاء من العقوبة ولا ينبغى أن يتغير الوضع بعد إذ أصبح يقرر مجرد قيد على تحريك الدعوى الجنائية ، ومن قضاء المحاكم فى هذا الشأن أنه لا يسرى إذا كانت السرقة واقعة على منقولات مملوكة لوالد المتهم بالاشتراك مع عمه (9) ، أو مع آخرين (10) أو لابن زوجة المتهم (11) أو لزوجة الأب (12) ، ومن باب أولى إذا كان السارق وصيا مختارا بالنسبة لأموال القاصر المشمول بالوصاية (13) .
والعبرة هى بقيام الزوجية فى وقت السرقة ، أما إذا وقعت السرقة قبلها أو بعدها فإن النيابة تسترد حريتها كاملة فى تحريك الدعوى ويرى الرأى السائد أن يجعل العبرة كذلك بوقت صدور الحكم ، فإذا سرق خطيب من خطيبته ثم تزوجها قبل صدور الحكم انطبق النص لتحقق حكمته .
وفيما يتعلق بتحديد قيام الزوجية أو البنوة أو الأبوة ينبغى الرجوع إلى قوانين الأحوال الشخصية التابع لها المتهم ، فمثلا تعتبر الزوجية قائمة حكما بالنسبة للمسلم أثناء العدة فى الطلاق الرجعى ، ومثلا قد يعترف قانون الأحوال الشخصية الخاصة بالمتهم بالنبوة غير الشرعية أو بالنبوة بالتبنى ويعطيها نفس الأثر الذى للنبوة غير الشرعية فى بعض الأمور ، وحينئذ ينبغى القول بأن المتهم يستفيد من هذا الوضع ويكون للأب أو للأم الحق فى جعل تحريك الدعوى رهنا بإرادتهما .
وإذا أثير خلاف جدى حول أمر من هذه الأمور فيجوز للقاضى الجنائى كما هى القاعدة فى أمور الأحوال الشخصية أن يوقف الفصل فى الدعوى ، وحينئذ يحدد للمتهم أو للمجنى عليه أجلا لرفع الأمر إلى الجهة ذات الاختصاص ( م 223 إجراءات ) وإذا انقضى الأجل ولم ترفع الدعوى يجوز للمحكمة أن تصرف النظر عن وقف الدعوى وتفصل فيها ( م 224 إجراءات ) .
ولا يتصور أن يكون الخلاف فى هذه الأمور بين المتهم والمجنى عليه بعد إذ علقت المادة 312 تحريك الدعوى على شكوى من هذا الأخير ، وإن كان من المتصور أن يثار الخلاف بين المتهم وسلطة الاتهام ، أو بينها وبين المجنى عليه ، إذا لم تر مثلا قيام الزوجية أو ثبوت النسب فحركت الدعوى دون شكوى من هذا الأخير ، وقيد المادة 312 لا يترتب عليه المساس بالصفة الإجرامية للفعل ، ويستفيد منه من أشارت إليهم المادة سواء أكانوا فاعلين أصليين أم مجرد شركاء دون من عداهم ممن يكونون قد ساهموا معهم فى الجريمة (14) .
وتسرى على سرقات الأزواج والأصول والفروع جميع القواعد العامة المنظمة لأحكام الشكوى كما نص عليها قانون الإجراءات الجنائية ، والتى تتبع دراستها هذا القانون ، إلا أن المادة 312 قد أضافت حكما خاصا بها ، وهو أن للمجنى عليه أن يوقف تنفيذ الحكم النهائى على الجانى فى أى وقت شاء ، وهو حكم نراه شاذا منتقدا ، إذ أنه ينتهى إلى جعل الكلمة الأخيرة فى تحديد مقدار العقوبة إلى المجنى عليه دون القاضى ، مع أن دور الأول ينبغى أن ينتهى عند صدور الحكم النهائى .
 ___________________________
( 1 )  نقض 27/6/1932 القواعد القانونية ج 2 رقم 362 صـ596 .
( 2 ) راجع د / رؤوف عبيد - المرجع السابق - ص 408 .
( 3 ) راجع د / أحمد أمين - المرجع السابق - ص 650 .
( 4 ) راجع د / محمود مصطفى - المرجع السابق - ص 382 .
( 5 ) راجع د / عمر السعيد - المرجع السابق - ص 477 .
( 6 ) نقض و 16/6/1974 س 25 رقم 127 صـ596 .
( 7 ) نقض 19/2/1934 القواعد القانونية ج 2 رقم 209 صـ272
( 8 ) نقض 7/12/1945 القواعد القانونية ج 7 رقم 27 صـ23
(9)  نقض 22/2/1931 رقم 4643 س 8 ق
(10)  نقض 15/4/1916 مج س 17 صـ167 و 22/4/1917 الشرائع س 5 صـ27
(11)  نقض 8/2/1896 القضاء س 3 صـ148
(12)  نقض 26/11/1898 الحقوق س 14 صـ130
(13)  نقض 11/5/1918 مج س 19 صـ125
(14)  نقض 8/10/1956 أحكام النقض س 7 رقم 273 صـ1001