محـل السـرقة
يشترط أن يقع السرقة على مال منقول مملوك للغير طبقا لنص المادة 311 ، وهو ما يمكن تجزئته إلى عنصرين :
1- أن يكون المال منقولا ، 2- أن يكون مملوكا للغير ،
وسنعالج كل عنصر منهما فى مطلب على حدة .
المطلب الأول : المال المنقول
ينبغى أن يكون محل السرقة مالا منقولا لأن العقار لا يمكن نقله من مكانه ، وأما انتزاعه بالعنف من وضع يد المجنى عليه أو التعرض له فى حيازته فيكون جريمة أخرى .
وكل مال يمكن نقله من مكان إلى آخر يعد منقولا من الوجهة الجنائية ، حتى وإن كان من الوجهة المدنية يعد عقارا بالتخصيص مثل " المنقول الذى يضعه صاحبه فى عقار يملكه رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله " ( م 82/2 من القانون المدنى ) ومثله العقار بالاتصال كنوافذ المنزل ، بل حتى العقار بطبيعته ، أى ولو كان " مستقرا بحيزه ثابتا فيه لا يمكن نقله منه دون تلف " ( 82/1 مدنى ) يمكن مع ذلك اعتباره منقولا فى حكم القانون الجنائى ، بالنسبة للأجزاء التى يمكن انتزاعها منه ولو تعرضت للتلف ، كسرقة شجرة بقطعها ، أو أحجار من جدار بإخراجها منه
وينبغى أن يكون المال المسروق ماديا لا معنويا ، فالأفكار والابتكارات والحقوق العينية والشخصية لا تكون محلا للسرقة ، ولكن المحررات المثبتة لها هى التى يجوز أن تكون محلا للسرقة ، ولا أهمية لكون المال صلبا أو سائلا كالمياه ، وغازيا كغاز الاستصباح ، كما حكم مرارا بأن التيار الكهربائى مما تجوز فيه السرقة لأنه قابل للتملك والحيازة والنقل .
وفى هذا الشأن يلاحظ الدكتور عبد الفتاح الصيفى على أساس من الصواب أنه " لو كانت الكهرباء مجرد طاقة لا شيئا منقولا لأفلت مختلسها من أن يعتبر سارقا إذ أن الطاقة منفعة ولا ترد السرقة على المنفعة ، ولكن الكهرباء تعتبر حقيقة شيئا منقولا ، ففى أسلاكها تنتقل جسيمات يمكن قياس كل وحدة منها ، ولا يقف كنه الكهرباء لدى مجرد كونها حالة تعترى الأسلاك التى تحملها إلى كونها أشياء تنتقل فعلا فى هذه الأسلاك "
كما يقول أنه أمكن للمفسرين سحب أحكام جريمة السرقة على اختلاس التبريد الصناعى ، مما جعل الفقيه الإيطالى مانزينى يتكهن بالمستقبل فيعلن أنه سيأتى يوم يتم نقل الكهرباء فيه عن طريق الأثير دون حاجة إلى أسلاك أو بطاريات ، وطرح هذا الفقيه السؤال الآتى : هل نتصور جريمة السرقة بالنسبة للتيار الكهربائى آنئذ أم لا ؟ ويجيب على هذا السؤال بالإيجاب ، فوسيلة نقل الكهرباء لا تغير من كونها شيئا ماديا منقولا .
ويتساءل نفس المؤلف قائلا " هل يصلح الإرسال الإذاعى أو التليفزيونى لأن يكون محلا لجريمة السرقة أم لا ؟ الإرسال الإذاعى أو للتليفزيونى موجات كهرو - مغناطيسية يتحول إليها الصوت والصورة فيحملها الأثير فيتم الإرسال والراجح فى الفقه الإيطالى ألا سرقة إلا إذا تمكن الجانى من السيطرة الفعلية على الإرسال ، أى إذا تمكن من حيازته بحيث يحرم الكافة من الإفادة منه ، وبغير هذا ينتفى عنصر من عناصر الركن المادى للسرقة ، وهو إنهاء حيازة وإنشاء حيازة جديدة " .
وينبغى فى أمر سرقة المياه والكهرباء وغاز الاستصباح أن يكون ذلك عن طريق توصيل ماسورة أو سلك كهرباء لسحب هذه الأشياء خفية عن غير طريق العداد إضرارا بالشركة ، أو عن طريق عداد شخص معين دون علمه ، أو عن طريق منع العداد من السير أو إبطاء سيره أما مجرد تلاعب المستهلك المتعاقد مع الشركة أو مع شخص معين فى إبرة العداد بتأخيرها - بعد تسجيله الرقم الحقيقى - فلا يعد سرقة ، إذ يكون الجانى قد حصل على هذه الأشياء برضاء المجنى عليه ولكنه عمد بعدئذ إلى العبث فى الدليل المثبت للثمن ، وهو ما يعد غشا مدنيا لا سرقة
ولا أهمية لكون الشئ المسروق تافه القيمة ، كدفتر شيكات غير موقع عليه ، أو كطوابع دمغة مستعملة لأنها تعتبر مالا فى نظر القانون ، أو أن تكون له قيمة أدبية فحسب كخطاب عادى أو برقية أو صورة فوتوغرافية ، ومما قضى به أنه لا سرقة إذا كانت الورقة المسروقة ليست ورقة جدية ذات حرمة ، ولا يمكن اعتبارها متاعا يحرص عليه صاحبه ، كتقرير جزبى أنشئ لغرض خاص لا صلة له بنشاط الحزب ، وكان الاستيلاء عليه أثر خدعة ونتيجة غش ألبسه ثوب ورقة ذاته شأن .
ولا أهمية لكون حيازة الشئ مشروعة من عدمه ، فقد تقع السرقة على مادة مخدرة ، كما قد تقع على مال مسروق بدوره من آخر ، أو على سلاح غير مرخص به ، أو على مسكوكات مزيفة أو آلات لتزييفها .
وطبقا لمبدأ العقاب على الجريمة المستحيلة استحالة نسبية لا ينفى الجريمة ألا يوجد المال المسروق مادامت نية الجانى قد اتجهت إلى ارتكاب السرقة ، وتعد الواقعة مجرد شروع فى سرقة .
ولا سرقة إذا لم يكن الشئ المستولى عليه مالا على الإطلاق ، مثل قوى الطبيعة المختلفة التى ليس لها كيان مادى يمكن من حيازتها كالضوء والحرارة والصوت ، فلا يعد سرقة أن يسترق فضولى السمع إلى محادثة تليفونية .
وكذلك فإن اختطاف الناس جرائم خاصة ( راجع م 280 وما بعدها ) وليس كذلك اختطاف الحيوان لأن الحيوان مال .
المطلب الثانى : المال المملوك للغير
ينبغى أن يكون محل السرقة مالا مملوكا للغير ، وهو ما يقتضى أولا بحث ما يعد من المال مملوكا للغير ، ثم ما لا يعد منه كذلك ، وهو ما سنقوم به فى فرعين :
الفرع الأول : ما يعد من المال مملوكا للغير
يمكن فى كلمة القول بأن كل ما لا يملكه الجانى يعد ملكا للغير ، ويرجع فى تحديد الملكية إلى قواعد القانون المدنى ، ولا أهمية لعدم الاهتداء أصلا إلى صاحب المال المسروق ، وإذا ادعى المتهم ملكية الشئ المسندة إليه سرقته ، ولكنه عجز عن إثبات مصدره فلا يكون هذا العجز دليلا على السرقة لأنه بمقتضى قواعد القانون المدنى تثبت ملكية المنقولات لحائزها ، إلا إذا ثبت عكس ذلك ، ومن ثم يكون على النيابة عبء إثبات ذلك العكس ، خصوصا إذا كان الشئ المضبوط من الأشياء التى يستعملها مثل المتهم .
ولا يؤثر فى قيام جريمة السرقة عدم الاهتداء إلى معرفة شخص المالك للمسروقات متى كانت ظروف الواقعة تشير بذاتها إلى أنها غير مملوكة للمتهم .
كما لا يؤثر فى حكم الإدانة خطأ الحكم فى ذكر اسم مالك الشئ المسروق .
ويعد مملوكا للغير بغير شبهة المال المفقود من صاحبه ، والمال الذى له صفة الكنز أو الأثر التاريخى ، وذلك على التفصيل الآتى :
المال المفقود .
هو مال مملوك للغير ، ألا أنه خرج ماديا من حيازة صاحبه بدون رضائه ، سقط منه أو تركه سهوا فى مكان ما أو انتزاعته منه قوة قاهرة ، ولكنه لم يتنازل عن الحيازة برضائه ولا يزال يسعى إلى استردادها ولا يزال باقيا له منها جانبها المعنوى إذا صح هذا التعبير .
والمال المفقود يظل مملوكا لصاحبه حتى لو عثر عليه آخر ووضع يده عليه بنية تملكه ، وقد حفظت المادة 977 من القانون المدنى له الحق فى استرداده فى أية لحظة يعثر عليه فيها ، وتحت أية يد كان ، فنصت على أنه
1- يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله إذا فقده أو سرق منه أن يسترده ممن يكون حائزا له بحسن نية وذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة .
2- فإذا كان من يوجد الشئ المسروق أو الضائع فى حيازته قد اشتراه بحسن نية فى سوق أو مزاد علنى أو اشتراه ممن يتجر فى مثله فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشئ أن يعجل له الثمن الذى دفعه " .
وقد كانت المادة الأولى من الأمر العالى الصادر فى 21 مايو سنة 1898 تنص أن " كل من يعثر على شئ أو حيوان ضائع ولم يتيسر له رده إلى صاحبه فى الحال يجب أن يسلمه أو أن يبلغ عنه إلى أقرب نقطة بوليس فى المدن أو إلى العمد فى القرى
ومتى وضحت نية التملك لدى الملتقط كانت الواقعة سرقة فى جميع الأحوال ، حتى ولو لم تمض المدة المحددة للتسليم أو للتبليغ كما كان يحددها الدكريتو آنف الذكر ، بل حكم بأن قصر الفترة بين العثور على الشئ المفقود وبين ضبطه أمر لا يتعارض مع القول بتوافر نية التملك .
ويعد فى حكم الأموال المفقودة الأشياء التى يقذفها البحر وتكثر أثناء الحروب بسبب غرق سفن المتحاربين ، وتعتبر السلطات العسكرية فى البلاد التنى وجدت فيها هذه الأشياء هى المالكة لها ، واستيلاء الأفراد على شئ منها يعد سرقة متى قامت نية التملك ، كما يعد فى حكمها كذلك السفن الغارقة ، فإنها تظل على ملكية أصحابها ما لم تقطع ظروف الحال بأنهم قد تخلوا عن ملكيتها نهائيا فأصبحت فى حكم المال المتروك
هل تلزم معاصرة نية التملك لوقت التقاط الشئ المفقود ؟
يميل جانب كبير من الرأى إلى الإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب ، وذلك على اعتبار أنه إذا انتفت نية التملك فى لحظة الالتقاط ، فإن حيازة الملتقط الشئ المفقود تكون نوعا من الحيازة المؤقتة النافية للاختلاس ، ويكون شأن الملتقط شأن الحارس للشئ أو المودع لديه ، أما طروء نية الاختلاس فيما بعد فلا يغير شيئا من انتفاء فعل الاختلاس أى الركن المادى للجريمة . ( 2 )
إلا أن جانبا آخر لا يرى وجها لاستلزام معاصرة نية التملك للحظة التقاط الشئ المفقود ومن ثم تكون للنية اللاحقة نفس الأثر ( 3 )وقد أخذت محكمة النقض بهذا الرأى الأخير فى أكثر من حكم لها دون الأول .
ويبدو هذا الرأى الثانى أولى بالاتباع ؛ لأن التقاط الشئ المفقود لا يمنح الملتقط أكثر من اليد العارضة عليه ؛ أما الحيازة المؤقتة فيلزم لقيامها عقد يتضمن الاعتراف بالملكية لغير الجائز ، ولا محل للقول بحصول تعاقد صريح ولا ضمنى فى هذه الصورة ، وسبق أن عرفنا أن اليد العارضة لا تحول دون القول بالاختلاس ، يستوى فى ذلك أن تظهر نية التملك عند بدء هذه اليد العارضة ، أم بعد استمرارها لفترة من الزمن سواء طالت أم قصرت .
كما أنه لا محل للقول بأنه توجد هنا حيازة مؤقتة تستند إلى نص القانون فهو يوجب التسليم فورا بحسب الأصل ، وأما المهلة التى منحها فهى من باب التيسير فحسب عند تعذر التسليم الفورى ، فجعل عدم مضيها قرينة غير قاطعة على انتفاء نية التملك فحسب ، بحيث إذا ثبت توافرها وجب العقاب ، ولو لم تمض أية مدة من وقت العثور على الشئ المفقود إلى حين ضبطه .
والواقع أن هذا الموضوع متصل أوثق الصلة ببحث ما إذا كان يلزم فى السرقة - بوجه عام - أن تكون نية التملك معاصرة لفعل الاختلاس أم لا يلزم ذلك ، ولنا عودة إلى بحث هذا الموضوع بطريقة أكثر تفصيلا عند الكلام فى القصد الجنائى فى السرقة .
الكنوز والآثار .
كان القانون المدنى القديم ينص فى المادة 58/1 منه على أن الكنز يكون ملكا لصاحب الأرض ، وتنص المادة 872 من القانون المدنى الحالى على أن "
1- الكنز المدفون أو المخبوء الذى لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له يكون لمالك العقار الذى وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته .
2- والكنز الذى يعثر عليه فى عين موقوفة يكون ملكا خاصا للواقف ولورثته "
وينبنى على هذا النص أنه إذا استولى شخص - غير مالك الأرض - على كنز فيها يكون سارقا إياه ، ولا يغير من ذلك شيئا أن يكون مستأجرا الأرض أو مرتهنها أو منتفعا بها ، لأن التسليم فى هذه الأحوال يكون قد انصب على الأرض ، لا على الكنز الذى بداخلها .
وإذا كان العثور على الكنز فى أرض موقوفة فهو مملوك للواقف ولورثته كنص المادة ، وقد فقدت هذه الفقرة قيمتها بالنسبة للوقف الأهلى ، أما بالنسبة للوقف الخيرى فلا يزال حكمها قائما ، وهى لم تفرق بين النوعين
أم الآثار فهى مملوكة للحكومة دائما سواء أكانت مكتشفة أم لم تكتشف بعد ، ومن ثم يعد الاستيلاء عليها سرقة فى جميع الأحوال ، وكان ينظم قواعدها تنظيما خاصا القانون رقم 14 لسنة 1913 ، وكذلك القانون رقم 8 لسنة 1918 فيما يتعلق بالآثار العربية ثم ألغيت أحكامهما بالقانون رقم 215 لسنة 1951 الخاص بحماية الآثار .
الفرع الثانى : ما لا يعد من المال مملوكا للغير
لا يعد مملوكا للغير ، ولا يكون بالتالى محلا للاختلاس استيلاء الإنسان على مال مملوك لنفسه ، وكذلك على مال مباح أو متروك ، وذلك على التفصيل الآتى :
المال المملوك لنفس من استولى عليه .
لا يعد سارقا من يستولى على مال مملوك لنفسه ، ولو كان معتقدا خطأ أنه مملوك لغيره ، كمن يستولى على منقول عند صديق له يكون هذا الصديق قد اختلسه منه فيما مضى وهو لا يدرى ، أو كمن يستولى على سلعة فى حيازة شخص ما ، وتكون هذه السلعة قد آلت إليه بالميراث وهو لا يعلم ، فحينئذ تتحقق صورة من الاستحالة المطلقة التى ترجع إلى انعدام موضوع الجريمة ، وكذلك من الاستحالة التى ترجع إلى فقدان ركن من أركانها .
كما لا يعد سارقا من يستولى على شئ مملوك لنفسه وهو يعلم ذلك ، ولو كان هذا الشئ فى حيازة شخص آخر ، كمن يسترد حيازة وديعة من المودع لديه أو شئ مؤجر من المستأجر دون رضائهما ، ولذا قضى بأنه إذا ضبطت كمية مخدرات مع متهم بإحرازها ، فإن ملكيتها تظل مع ذلك خالصة له حتى يقضى بمصادرتها لجانب الحكومة ، فلا يعد سارقا من ينتزعها من بين أيدى رجال الحفظ لتخليص المتهم من تهمة إحرازها ، ومثلها استرداد أسلحة بالقوة أو العنف بوساطة صاحبها بعد ضبطها ، فهو لا يكون جريمة سرقة بل تعد على رجال الحفظ .
إنما ينبغى أن يكون الشئ الذى استرده المجنى عليه فى السرقة من القيميات لا المثليات ، ولذا فأنه إذا سرق أ من ب عشرة جنيهات فلا يسوغ أن يسترد ب هذا المبلغ عن طريق اختلاس مبلغ آخر مساو له من مال أ ، وإذا فعل ب ذلك عد سارقا ، إذ النقود من المثليات لا القيميات .
والعبرة فى التمييز بين القيميات والمثليات هى بظروف الحال ، فخلط الأشياء المثلية بمثلها يفقدها ذاتيتها ، أما وضع مقدار معين منها فى حرز مستقل بنية الاحتفاظ به مفروزا فيعطيه فى السرقة حكم القيميات ، ولذا فأنه إذا كان المال المسروق عبارة عن نقود داخل حافظة فإن للمجنى عليه أن يسترد من السارق نفس الحافظة بما فيها من نقود عن طريق انتزاع حيازتها دون أن يعد فعله سرقة ، لأن فعل انتزاع الحيازة يكون قد وقع حينئذ على نفس مال المجنى عليه دون غيره .
ولا يعد سارقا كذلك من يختلس منقولا متنازعا عليه من بين يدى حائزه متى ثبت - ولو فيما بعد - أنه كان مالكه وقت الاستيلاء عليه .
أما إذا كان المال المسروق مملوكا للسارق بالاشتراك مع غيره فاستيلاؤه عليه يعد سرقة ، مهما كان مصدر الشيوع ، ميراثا أم عقد شركة ، ولذا قضى بعقاب الشريك فى آلة بخارية لرفع المياه إذا سرق مياها مما ترفعه الآلة المشتركة ، على أنه ينبغى ألا يكون المال المشترك فى حيازة الشريك السارق ، لأنه إذا كان فى حيازته لوجب عد الواقعة خيانة أمانة لا سرقة .
ويرى البعض أنه لا يغير من هذا الوضع شيئا حصول قسمة لاحقة للسرقة رغم أن القانون المدنى يجعل للقسمة أثرا رجعيا ويفترض فى المتقاسم الملكية من يوم قيام الشيوع ولكن ذلك أمر افتراضى لا يؤثر فى واقع الحال الذى ينبغى أن تؤسس عليه الأحكام الجنائية كقاعدة عامة .( 4 )
وذلك حين يرى شراح آخرون - ورأيهم فيما يبدو لنا أولى بالاتباع أنه ينبغى التعويل فى هذا الشأن على الطبيعة الكاشفة للقسمة التى يسلم بها القانون المدنى لأنه " إذا كانت فكرة الأثر الرجعى - للقسمة أداة قانونية حقيقية كانت أم محض افتراض ومجاز - نستخدمها لتحديد مدى صحة تصرفات الشركاء قبل القسمة ، فتكييفنا الجنائى لهذه التصرفات ينبغى أن يؤسس على الحكم الذى نخلص إليه من تطبيق هذه الفكرة ، والقول بغير هذا يصل بنا إلى تعارض بين فرعين من فروع القانون ينتميان إلى نظام قانونى واحد ، أحدهما يجيز التصرف ويعتبره ثمرة من ثمار الحق ، والآخر يحظره بل ويجرمه ، ومثل هذا التعارض ينبغى ألا يكون " . ( 5 )
وينبغى دائما فى تحديد الملكية الرجوع إلى قواعد القانون المدنى ، فمثلا فى بيع المثليات لا تنتقل ملكيتها إلى المشترى إلا بفرزها بالكيل أو الوزن ، وكذلك البيع بشرط التجربة ( م 421 من القانون المدنى ) وبشرط المذاق ( م 422 مدنى ) فهما لا ينعقدان إلا من وقت تحقق شرط التجربة أو المذاق ، فإذا اختلس المشترى الشئ المبيع قبل تحققه كان مختلسا ملك غيره لا ملك نفسه ، وإن كانت محكمة النقض قد اعتبرت أن وجود المبيع عند المشترى فى فترة التجربة يكون على سبيل الوديعة ، فاختلاسه يكون خيانة أمانة لا سرقة .
والقاعدة أن المحكمة الجنائية تختص بالفصل فى الملكية باعتبارها من " المسائل التى يتوقف عليها الحكم فى الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " طبقا للمادة 221 إجراءات .
استثناءات .
استثنى القانون من قاعدة عدم اختلاس الإنسان ملك نفسه اختلاس الأشياء المحجوز عليها قضائيا أو إداريا ، فنص فى المادة 323ع على أنه : " يعتبر فى حكم السرقة ولو كان حاصلا من مالكها " وكذلك اختلاس الأشياء المنقولة الواقع ممن رهنها ضمانا لدين عليه أو على آخر ، فنص فى المادة 323 مكررة التى أضيفت بالقانون رقم 39 لسنة 1939 على أنه يعتبر فى حكم السرقة ، وأيضا نص فى المادة 343 على أن " كل من قدم أو سلم للمحكمة فى أثناء تحقيق قضية بها سندا أو ورقة ثم سرق ذلك بأية طريقة كانت يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة شهور أو بغرامة لا تزيد على ثلاثين جنيها مصريا " .
وهذه صور استثنائية تعتبر كل منها جريمة قائمة بذاتها لا تشترك مع السرقة فى طبيعتها الفعلية لأن الاختلاس فيها يقع على مال مملوك لنفس المختلس لا للغير ، ولنا عودة فى باب مستقل إلى جرائم الاعتداء على الحجوز فيما بعد ، بصورتيها الوادتين فى المادتين 323 ، 342ع .
المال المباح .
المال المباح هو ما لم يكن مملوكا لأحد مطلقا ، ويمكن أن يكون ملكا لأول واضع يد عليه كالطيور البرية والحيوانات غير المستأنسة كالثعالب والغزلان فى مراتعها ، والأسماك والآلىء فى مياها وغيرها ...
وقد نصت المادة 870 من القانون المدنى على أن " من وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه ، ملكه " وإذا ملكه مالك فتزول عنه بداهة صفة المال المباح ويجوز أن يصبح محلا للسرقة .
وسبيل الملكية الحيازة الفعلية لا الحكمية ، فالأسماك تصبح مالا مملوكا بانتزاعها من المياه بالفعل ، أما مجرد الحصول على امتياز أو احتكار بالصيد فى بحيرة أو جزء من نهر فإنه لا يجعل صاحبه مالكا ما فيهما من أسماك ، ( 6 ) وقد نصت المادة 783 مدنى على أن " الحق فى صيد البحر والبر واللقطة ، تنظمه لوائح خاصة " ومخالفة هذه اللوائح وما يعطى بناء عليها من تراخيص بالصيد لا تعد سرقة ، فمن يزاحم صاحب الترخيص أو الامتياز بالصيد فى منطقة معينة فى الترخيص لا يعتبر سارقا ، وإن جازت مقاضاته مدنيا ، أما من يختلس أسماكا من شباك غيره ، حتى ولو كانت ملقاة فى مياه بحيرة أو نهر فيعد سارقا ، لأنها تكون عندئذ قد دخلت فى حيازة صاحبها الفعلية .
والاستيلاء على الزلط والرمال من الجبال والصحارى لا يعد سرقة ، ولا الأحجار من المحاجر ، وكان هناك رأى يقول بأن أراضى المحاجر تعتبر ملكا للحكومة ما لم تثبت ملكيتها لشخص معين ، وذلك استنادا إلى ما ورد بالمادة 57 من القانون المدنى القديم من " أن الأراضى الغير المزروعة المملوكة شرعا للميرى لا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن الحكومة " وهى تقابل المادة 874/1 من القانون الجديد وتنص على أن " الأراضى غير المزروعة التى لا مالك لها تكون ملكا للدولة
ولكن المستقر عليه الآن هو أن ملكية الدولة لهذه المحاجر ملكية حكمية تستند إلى اعتبارات سياسية ، وأن المعول عليه هو الملكية الفعلية ، التى يكون مظهرها حيازة علنية واضحة بالمقاس والتحديد ، ولذا قضى بأن الزبرجد الموجود فى باطن جزيرة الزبرجد ملك للحكومة التى لم تهمل مطلقا فى حقها فيه ، ولم تتركه لأى طارق فى الجزيرة ، بل حافظت عليه ، واتخذ ذلك مظاهر خارجية .
إلا أنه ينبغى أن يلاحظ أن القانون رقم 136 لسنة 1949 كان ينص فى المادة الأولى منه على أن من أملاك الدولة جميع الخامات المعدنية والمعادن والعناصر الكيميائية والأحجار الكريمة التى توجد على سطح الأرض أو بباطنها الواقعة فى حدود الأرض المصرية أو فى المياه الإقليمية المصرية ، ثم حظر فى المادة الرابعة البحث عن المعادن بأنواعها سواء أكان ذلك فى أملاك الحكومة العامة أم الخاصة ، أم فى أملاك الأفراد أم فى المياه الإقليمية إلا بترخيص خاص يعطى بقانون والى زمن محدود ، ثم أخضعت المادة الثامنة مالك الأرض - إذا أراد استغلال منجم فى أرضه - لتلك الشروط ، حين نص فى المادة الثامنة عشرة على اعتبار المحاجر الموجودة فى الأرض المملوكة للأفراد ملكا لصاحب الأرض .
وتفريغا على ذلك نص فى الفقرة الأولى من المادة 24 على أنه يعد فى حكم السرقة استخراج أى معدن بدون ترخيص من وزارة التجارة والصناعة ، سواء أكان ذلك من الأرض المملوكة للحكومة أم للأفراد ، ولو كان من مالكها ونص فى الفقرة الثنية منها على أنه " يعد كذلك فى حكم السرقة واستخراج أية مادة من مواد المحاجر بدون ترخيص من مصلحة المناجم والمحاجر سواء أكان ذلك من الأرض المملوكة للحكومة أم للغير " .
وهذه الجرائم كلها تعد " فى حكم السرقة " ولكنها ليست سرقة بالمعنى الصحيح ، لأنها لا تقع على مال مملوك للغير . ( 7 )
وقد أكدت ذلك المادة 64 من القانون رقم 66 لسنة 1953 الذى ألغى القانون رقم 136 لسنة 1948 عندما نصت على أنه " يعاقب بعقوبة السرقة والشروع فيها كل من استخرج أو شرع فى استخراج المواد المعدنية من المناجم أو المحاجر بدون ترخيص "
وقد ذهبت محكمة النقض إلى أن : الشارع قد قص بهذا النص أن يجعل هذه الجريمة من نوع خاص قوامها العبث بتلك المحاجر واستغلالها خفية ، ويتحقق القصد الجنائى فيها بمجرد علم الجانى بأنه لم يحص على الترخيص وقت استخراج الرمال .
ثم أكدته من جديد نصوص القانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر وقد نصت المادة الأولى منه على أن جميع الأراضى التى تحتوى على مادة أو أكثر من الخامات التى نصت عليها يعتبر فى حكم هذا القانون محاجر ، وفى ظله أيضا ذهبت محكمة النقض إلى أن القصد الجنائى فى جريمة أخذ رمال من هذه المحاجر يتحقق بمجرد علم الجانى بأنه لم يحصل على الترخيص وقت استخراج الرمال ، كما أن القانون لم يفرق فى المادة 32 منه بين مالك الأرض وغيره بالنسبة للحصول على الترخيص اللازم للاستغلال .
ويكفى لتحقق الجريمة طبقا لأحكام هذا القانون أن يستخرج الجانى المواد المطلوبة من المناجم أو المحاجر قبل الحصول على الترخيص بغض النظر عما إذا كان قد تقدم للحصول على الترخيص قبل وقوع الفعل أم لا ، أو بعبارة أخرى لا يكفى لانتفاء القصد المطلوب فى هذا النوع من الجرائم أن يحيط الجانى مصلحة المناجم والمحاجر علما بما يفعل لأن القانون لا يعتد إلا بالترخيص كصورة للرضاء الذى يحول دون وقوع الجريمة .
وبحسب عبارة محكمة النقض أن المشرع فى هذا النوع من الجرائم لا يعنى بالتأثيم مجرد نقل مواد المناجم والمحاجر من مكانها بحيث يكون هذا النقل رهنا بالحصول على ترخيص ، وإنما يعنى استخراج تلك المواد من مكانها بما يؤدى إليه لفظ الاستخراج من معنى لغوى ومدلول اصطلاحى - هو استنباط ما فى المناجم والمحاجر من مواد بقصد استعمالها استعمالا مغايرا لمجرد بقائها فى الأرض .
ويشهد على هذا النظر ما أورده القانون من أحكام لاستغلال المناجم والمحاجر وما وضعه من تنظيم لهذا الاستغلال بناء على أن ما يوجد فيها من هذه المواد - فيما عدا مواد البناء ومنها الرمال التى توجد فى المحاجر التى ثبتت ملكيتها للغير والتى يجوز الترخيص لمالكها بقصد استعماله الخاص دون استغلالها - هو من أموال الدولة يجرى استغلاله الخاص تحت رقابتها وإشرافها بترخيص منها يمنح متى توافرت الشروط والأوضاع التى نص عليها القانون .
ومن ثم فلا عقاب على الشروع فى جنحة الاستيلاء على شئ من مواد المناجم أو المحاجر لانتفاء النص ولأنه لا محل لتطبيق أحكام الشروع فى السرقة فى هذا المجال ، والماء يعد مالا مباحا سواء فى ذلك ماء البحار أم الأنهار أم الآبار طالما كان فى مستقره الطبيعى ، إنما إذا وضع فى حرز كالخزانات والمواسير صار مالا مملوكا للغير قابلا للسرقة .
وغنى عن البيان أنه لا يعد مالا مباحا أموال الدولة سواء أكانت من الدومين العام كاختلاس أتربة أو أشجار من الطرق العمومية ، أم من الدومين الخاص كاختلاس منقولات من مبنى حكومى .
المال المتروك .
هو المال الذى كان فى الأصل مملوكا لشخص ما ثم رأى أن يتخلى عنه كالملابس البالية والأمتعة والحيوانات المستأنسة التى يستغنى عنها أصحابها ، وفضلات الأكل والأوراق وغيرها . ( 8 )
وقد وضعت المادة 871 من القانون المدنى بعض قواعد منظمة لحالة هذه الأموال فنصت على أنه : " 1- يصبح المنقول لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته ، 2- وتعتبر الحيوانات غير الأليفة لا مالك لها مادامت طليقة ، وإذا اعتقل حيوان منها ثم أطلق عاد لا مالك له إذا لم يتبعه المالك فورا ، أو إذا كف عن تتبعه وما روض من الحيوانات وألف الرجوع إلى المكان المخصص له ، ثم فقد هذه العادة يرجع لا مالك له " .
هذا وقد عرفت محكمة النقض الشئ المتروك - على ما أشارت إليه المادة 871 هذه - بأنه هو الذى يستغنى صاحبه عنه بإسقاط حيازته وبنية إنهاء ما كان له من ملكية عليه فيغدو بذلك ولا مالك له ، فإذا استولى عليه أحد فلا يعد سارقا لأنه أصبح غير مملوك لأحد ، والعبرة فى ذلك بواقع الأمر من جهة المتخلى وليس بما يدور فى خلد الجانى ، وهذا الواقع يدخل تحريه واستقصاء حقيقته فى سلطة قاضى الموضوع الذى له أن يبحث فى الظروف التى يستفاد منها أن الشئ يستفاد منها أن الشئ متروك أو مفقود وبالتالى أنه لا يكفى لاعتبار الشئ متروكا أن يسكت المالك عن المطالبة به ، أو يقعد عن السعى لاسترداده ، بل لابد أن يكون تخليه واضحا من عمل إيجابي يقوم به مقرونا بقصد النزول عنه .
وقد قضى بأنه : يعد مالا متروكا مما لا يكون الاستيلاء عليه سرقة جثث الحيوانات الميتة لأخذ جلودها وعظامها ، وكناسة الشوارع حتى لو كان المجلس البلدى قد تعاقد مع بعض الأفراد على بيعه إياها ، وحتى إذا صدرت لائحة تمنع الاستيلاء عليها ، فإن مخالفة ذلك تكون مخالفة للائحة لا سرقة .
ولا يشترط أن يكون المال المتروك عديم القيمة أو تافهها ، بل أنه يعد كذلك حتى ولو كانت له قيمة تذكر ، وأمكن من يلتقطه أن يستفيد منه بصورة من الصور ، ولذلك لا يبدو لنا فى محله ما قضى به من أنه يعد سرقة الاستيلاء على إيصال فى سلة المهملات بعد أن مزقه صاحبه وألقاه فيها ، ولم تأخذ المحكمة بدفاع المتهم من أن الإيصال يكون قد أعدم على هذا النحو ، وأصبح فى حكم المال المتروك ، قائلة فى الرد على هذا الدفاع أنه مردود بأن المتهم قد وفق إلى الانتفاع بالإيصال وهو ممزق .
وذلك لأن القدرة على الانتفاع بالمال المتروك لا تنفى مطلقا عنه صفته هذه ، فكل من يستولى على مال متروك إنما يبغى تحقيق منفعة معينة من هذا الاستيلاء ، فإذا ألقى الإنسان ورقة ولو كانت ذات قيمة فى الطريق بنية التخلى عنها لأنه يجهل قيمتها ثم عثر عليها آخر واستفاد منها ، إنما يكون هذا الأخير قد استولى على مال متروك لا شبهة فى ذلك ، ولا يختلف الوضع عن ذلك فى شئ إذا كان الإلقاء فى سلة للمهملات لا فى الطريق العام ، وقد تكون الاستفادة من الورقة حينئذ غشا مدنيا يبيح التعويض ، كما قد تكون جريمة نصب إذا توافرت لها أركان النصب الأخرى ، ولكن التقاطها على أية حال لا يعد سرقة فى تقديرنا .
الجثث والأكفان .
من الأمور التى تتصل بهذا البحث الاستيلاء على جثث الموتى ، وسرقة الأكفان وما قد يوضع مع الموتى من أشياء مختلفة ، والقاعدة أنه لا يعد سرقة أخذ جثة إنسان ، وإن كان يصح أن يكون الفعل جريمة انتهاك حرمة القبور ( م 160/3ع ) أو إخفاء جثة قتيل ( م 239 ) بحسب الأحوال ، وإذا كانت للجثة قيمة تاريخية أو علمية استدعت وضعها فى متحف أو معهد ، كمومياء فرعونية مثلا فتكون مما يقبل السرقة .
أما أكفان الموتى وما قد يوضع عليهم أو معهم من أشياء فإنها لا تعد مالا متروكا طبقا للرأى السائد ، لأنها موضوعة لغرض خاص ولم يكن فى نية واضعها التخلى عنها لمن يريدها لنفسه ، ( 9 ) وقد أخذت بهذا الرأى محكمة النقض قائلة " إن الأكفان والملابس والحلى وغيرها من الأشياء التى اعتاد الناس إيداعها القبور مع الموتى إنما هى مملوكة لورثة هؤلاء ، وقد خصصوها لتبقى مع جثث أهليهم لما قر فى نفوسهم واستقر فى ضمائرهم من وجوب إكرامهم فى أجداثهم على هذا النحو الذى رأوه موقنين بأن لا حق لأحد فى العبث بشئ مما أودع " .
____________________________
( 1 )راجع د / مصطفى القللى - جرائم الأموال - ص 48
( 2 ) راجع د / أحمد فتحى سرور - قانون العقوبات - ص 641
( 3 ) راجع د / أحمد فتحى سرور - قانون العقوبات - ص 644
( 4 ) راجع د / عبد الفتاح الصيفى - قانون العقوبات - ص 215
( 5 ) راجع د / روؤف عبيد - المرجع السابق - ص 344
( 6 ) راجع د / روؤف عبيد - المرجع السابق - ص 346
( 7 ) راجع د / روؤف عبيد - المرجع السابق - ص 348
( 9 ) راجع د / مصطفى القللى - المرجع السابق - ص 45
يشترط أن يقع السرقة على مال منقول مملوك للغير طبقا لنص المادة 311 ، وهو ما يمكن تجزئته إلى عنصرين :
1- أن يكون المال منقولا ، 2- أن يكون مملوكا للغير ،
وسنعالج كل عنصر منهما فى مطلب على حدة .
المطلب الأول : المال المنقول
ينبغى أن يكون محل السرقة مالا منقولا لأن العقار لا يمكن نقله من مكانه ، وأما انتزاعه بالعنف من وضع يد المجنى عليه أو التعرض له فى حيازته فيكون جريمة أخرى .
وكل مال يمكن نقله من مكان إلى آخر يعد منقولا من الوجهة الجنائية ، حتى وإن كان من الوجهة المدنية يعد عقارا بالتخصيص مثل " المنقول الذى يضعه صاحبه فى عقار يملكه رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله " ( م 82/2 من القانون المدنى ) ومثله العقار بالاتصال كنوافذ المنزل ، بل حتى العقار بطبيعته ، أى ولو كان " مستقرا بحيزه ثابتا فيه لا يمكن نقله منه دون تلف " ( 82/1 مدنى ) يمكن مع ذلك اعتباره منقولا فى حكم القانون الجنائى ، بالنسبة للأجزاء التى يمكن انتزاعها منه ولو تعرضت للتلف ، كسرقة شجرة بقطعها ، أو أحجار من جدار بإخراجها منه
وينبغى أن يكون المال المسروق ماديا لا معنويا ، فالأفكار والابتكارات والحقوق العينية والشخصية لا تكون محلا للسرقة ، ولكن المحررات المثبتة لها هى التى يجوز أن تكون محلا للسرقة ، ولا أهمية لكون المال صلبا أو سائلا كالمياه ، وغازيا كغاز الاستصباح ، كما حكم مرارا بأن التيار الكهربائى مما تجوز فيه السرقة لأنه قابل للتملك والحيازة والنقل .
وفى هذا الشأن يلاحظ الدكتور عبد الفتاح الصيفى على أساس من الصواب أنه " لو كانت الكهرباء مجرد طاقة لا شيئا منقولا لأفلت مختلسها من أن يعتبر سارقا إذ أن الطاقة منفعة ولا ترد السرقة على المنفعة ، ولكن الكهرباء تعتبر حقيقة شيئا منقولا ، ففى أسلاكها تنتقل جسيمات يمكن قياس كل وحدة منها ، ولا يقف كنه الكهرباء لدى مجرد كونها حالة تعترى الأسلاك التى تحملها إلى كونها أشياء تنتقل فعلا فى هذه الأسلاك "
كما يقول أنه أمكن للمفسرين سحب أحكام جريمة السرقة على اختلاس التبريد الصناعى ، مما جعل الفقيه الإيطالى مانزينى يتكهن بالمستقبل فيعلن أنه سيأتى يوم يتم نقل الكهرباء فيه عن طريق الأثير دون حاجة إلى أسلاك أو بطاريات ، وطرح هذا الفقيه السؤال الآتى : هل نتصور جريمة السرقة بالنسبة للتيار الكهربائى آنئذ أم لا ؟ ويجيب على هذا السؤال بالإيجاب ، فوسيلة نقل الكهرباء لا تغير من كونها شيئا ماديا منقولا .
ويتساءل نفس المؤلف قائلا " هل يصلح الإرسال الإذاعى أو التليفزيونى لأن يكون محلا لجريمة السرقة أم لا ؟ الإرسال الإذاعى أو للتليفزيونى موجات كهرو - مغناطيسية يتحول إليها الصوت والصورة فيحملها الأثير فيتم الإرسال والراجح فى الفقه الإيطالى ألا سرقة إلا إذا تمكن الجانى من السيطرة الفعلية على الإرسال ، أى إذا تمكن من حيازته بحيث يحرم الكافة من الإفادة منه ، وبغير هذا ينتفى عنصر من عناصر الركن المادى للسرقة ، وهو إنهاء حيازة وإنشاء حيازة جديدة " .
وينبغى فى أمر سرقة المياه والكهرباء وغاز الاستصباح أن يكون ذلك عن طريق توصيل ماسورة أو سلك كهرباء لسحب هذه الأشياء خفية عن غير طريق العداد إضرارا بالشركة ، أو عن طريق عداد شخص معين دون علمه ، أو عن طريق منع العداد من السير أو إبطاء سيره أما مجرد تلاعب المستهلك المتعاقد مع الشركة أو مع شخص معين فى إبرة العداد بتأخيرها - بعد تسجيله الرقم الحقيقى - فلا يعد سرقة ، إذ يكون الجانى قد حصل على هذه الأشياء برضاء المجنى عليه ولكنه عمد بعدئذ إلى العبث فى الدليل المثبت للثمن ، وهو ما يعد غشا مدنيا لا سرقة
ولا أهمية لكون الشئ المسروق تافه القيمة ، كدفتر شيكات غير موقع عليه ، أو كطوابع دمغة مستعملة لأنها تعتبر مالا فى نظر القانون ، أو أن تكون له قيمة أدبية فحسب كخطاب عادى أو برقية أو صورة فوتوغرافية ، ومما قضى به أنه لا سرقة إذا كانت الورقة المسروقة ليست ورقة جدية ذات حرمة ، ولا يمكن اعتبارها متاعا يحرص عليه صاحبه ، كتقرير جزبى أنشئ لغرض خاص لا صلة له بنشاط الحزب ، وكان الاستيلاء عليه أثر خدعة ونتيجة غش ألبسه ثوب ورقة ذاته شأن .
ولا أهمية لكون حيازة الشئ مشروعة من عدمه ، فقد تقع السرقة على مادة مخدرة ، كما قد تقع على مال مسروق بدوره من آخر ، أو على سلاح غير مرخص به ، أو على مسكوكات مزيفة أو آلات لتزييفها .
وطبقا لمبدأ العقاب على الجريمة المستحيلة استحالة نسبية لا ينفى الجريمة ألا يوجد المال المسروق مادامت نية الجانى قد اتجهت إلى ارتكاب السرقة ، وتعد الواقعة مجرد شروع فى سرقة .
ولا سرقة إذا لم يكن الشئ المستولى عليه مالا على الإطلاق ، مثل قوى الطبيعة المختلفة التى ليس لها كيان مادى يمكن من حيازتها كالضوء والحرارة والصوت ، فلا يعد سرقة أن يسترق فضولى السمع إلى محادثة تليفونية .
وكذلك فإن اختطاف الناس جرائم خاصة ( راجع م 280 وما بعدها ) وليس كذلك اختطاف الحيوان لأن الحيوان مال .
المطلب الثانى : المال المملوك للغير
ينبغى أن يكون محل السرقة مالا مملوكا للغير ، وهو ما يقتضى أولا بحث ما يعد من المال مملوكا للغير ، ثم ما لا يعد منه كذلك ، وهو ما سنقوم به فى فرعين :
الفرع الأول : ما يعد من المال مملوكا للغير
يمكن فى كلمة القول بأن كل ما لا يملكه الجانى يعد ملكا للغير ، ويرجع فى تحديد الملكية إلى قواعد القانون المدنى ، ولا أهمية لعدم الاهتداء أصلا إلى صاحب المال المسروق ، وإذا ادعى المتهم ملكية الشئ المسندة إليه سرقته ، ولكنه عجز عن إثبات مصدره فلا يكون هذا العجز دليلا على السرقة لأنه بمقتضى قواعد القانون المدنى تثبت ملكية المنقولات لحائزها ، إلا إذا ثبت عكس ذلك ، ومن ثم يكون على النيابة عبء إثبات ذلك العكس ، خصوصا إذا كان الشئ المضبوط من الأشياء التى يستعملها مثل المتهم .
ولا يؤثر فى قيام جريمة السرقة عدم الاهتداء إلى معرفة شخص المالك للمسروقات متى كانت ظروف الواقعة تشير بذاتها إلى أنها غير مملوكة للمتهم .
كما لا يؤثر فى حكم الإدانة خطأ الحكم فى ذكر اسم مالك الشئ المسروق .
ويعد مملوكا للغير بغير شبهة المال المفقود من صاحبه ، والمال الذى له صفة الكنز أو الأثر التاريخى ، وذلك على التفصيل الآتى :
المال المفقود .
هو مال مملوك للغير ، ألا أنه خرج ماديا من حيازة صاحبه بدون رضائه ، سقط منه أو تركه سهوا فى مكان ما أو انتزاعته منه قوة قاهرة ، ولكنه لم يتنازل عن الحيازة برضائه ولا يزال يسعى إلى استردادها ولا يزال باقيا له منها جانبها المعنوى إذا صح هذا التعبير .
والمال المفقود يظل مملوكا لصاحبه حتى لو عثر عليه آخر ووضع يده عليه بنية تملكه ، وقد حفظت المادة 977 من القانون المدنى له الحق فى استرداده فى أية لحظة يعثر عليه فيها ، وتحت أية يد كان ، فنصت على أنه
1- يجوز لمالك المنقول أو السند لحامله إذا فقده أو سرق منه أن يسترده ممن يكون حائزا له بحسن نية وذلك خلال ثلاث سنوات من وقت الضياع أو السرقة .
2- فإذا كان من يوجد الشئ المسروق أو الضائع فى حيازته قد اشتراه بحسن نية فى سوق أو مزاد علنى أو اشتراه ممن يتجر فى مثله فإن له أن يطلب ممن يسترد هذا الشئ أن يعجل له الثمن الذى دفعه " .
وقد كانت المادة الأولى من الأمر العالى الصادر فى 21 مايو سنة 1898 تنص أن " كل من يعثر على شئ أو حيوان ضائع ولم يتيسر له رده إلى صاحبه فى الحال يجب أن يسلمه أو أن يبلغ عنه إلى أقرب نقطة بوليس فى المدن أو إلى العمد فى القرى
ومتى وضحت نية التملك لدى الملتقط كانت الواقعة سرقة فى جميع الأحوال ، حتى ولو لم تمض المدة المحددة للتسليم أو للتبليغ كما كان يحددها الدكريتو آنف الذكر ، بل حكم بأن قصر الفترة بين العثور على الشئ المفقود وبين ضبطه أمر لا يتعارض مع القول بتوافر نية التملك .
ويعد فى حكم الأموال المفقودة الأشياء التى يقذفها البحر وتكثر أثناء الحروب بسبب غرق سفن المتحاربين ، وتعتبر السلطات العسكرية فى البلاد التنى وجدت فيها هذه الأشياء هى المالكة لها ، واستيلاء الأفراد على شئ منها يعد سرقة متى قامت نية التملك ، كما يعد فى حكمها كذلك السفن الغارقة ، فإنها تظل على ملكية أصحابها ما لم تقطع ظروف الحال بأنهم قد تخلوا عن ملكيتها نهائيا فأصبحت فى حكم المال المتروك
هل تلزم معاصرة نية التملك لوقت التقاط الشئ المفقود ؟
يميل جانب كبير من الرأى إلى الإجابة على هذا التساؤل بالإيجاب ، وذلك على اعتبار أنه إذا انتفت نية التملك فى لحظة الالتقاط ، فإن حيازة الملتقط الشئ المفقود تكون نوعا من الحيازة المؤقتة النافية للاختلاس ، ويكون شأن الملتقط شأن الحارس للشئ أو المودع لديه ، أما طروء نية الاختلاس فيما بعد فلا يغير شيئا من انتفاء فعل الاختلاس أى الركن المادى للجريمة . ( 2 )
إلا أن جانبا آخر لا يرى وجها لاستلزام معاصرة نية التملك للحظة التقاط الشئ المفقود ومن ثم تكون للنية اللاحقة نفس الأثر ( 3 )وقد أخذت محكمة النقض بهذا الرأى الأخير فى أكثر من حكم لها دون الأول .
ويبدو هذا الرأى الثانى أولى بالاتباع ؛ لأن التقاط الشئ المفقود لا يمنح الملتقط أكثر من اليد العارضة عليه ؛ أما الحيازة المؤقتة فيلزم لقيامها عقد يتضمن الاعتراف بالملكية لغير الجائز ، ولا محل للقول بحصول تعاقد صريح ولا ضمنى فى هذه الصورة ، وسبق أن عرفنا أن اليد العارضة لا تحول دون القول بالاختلاس ، يستوى فى ذلك أن تظهر نية التملك عند بدء هذه اليد العارضة ، أم بعد استمرارها لفترة من الزمن سواء طالت أم قصرت .
كما أنه لا محل للقول بأنه توجد هنا حيازة مؤقتة تستند إلى نص القانون فهو يوجب التسليم فورا بحسب الأصل ، وأما المهلة التى منحها فهى من باب التيسير فحسب عند تعذر التسليم الفورى ، فجعل عدم مضيها قرينة غير قاطعة على انتفاء نية التملك فحسب ، بحيث إذا ثبت توافرها وجب العقاب ، ولو لم تمض أية مدة من وقت العثور على الشئ المفقود إلى حين ضبطه .
والواقع أن هذا الموضوع متصل أوثق الصلة ببحث ما إذا كان يلزم فى السرقة - بوجه عام - أن تكون نية التملك معاصرة لفعل الاختلاس أم لا يلزم ذلك ، ولنا عودة إلى بحث هذا الموضوع بطريقة أكثر تفصيلا عند الكلام فى القصد الجنائى فى السرقة .
الكنوز والآثار .
كان القانون المدنى القديم ينص فى المادة 58/1 منه على أن الكنز يكون ملكا لصاحب الأرض ، وتنص المادة 872 من القانون المدنى الحالى على أن "
1- الكنز المدفون أو المخبوء الذى لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له يكون لمالك العقار الذى وجد فيه الكنز أو لمالك رقبته .
2- والكنز الذى يعثر عليه فى عين موقوفة يكون ملكا خاصا للواقف ولورثته "
وينبنى على هذا النص أنه إذا استولى شخص - غير مالك الأرض - على كنز فيها يكون سارقا إياه ، ولا يغير من ذلك شيئا أن يكون مستأجرا الأرض أو مرتهنها أو منتفعا بها ، لأن التسليم فى هذه الأحوال يكون قد انصب على الأرض ، لا على الكنز الذى بداخلها .
وإذا كان العثور على الكنز فى أرض موقوفة فهو مملوك للواقف ولورثته كنص المادة ، وقد فقدت هذه الفقرة قيمتها بالنسبة للوقف الأهلى ، أما بالنسبة للوقف الخيرى فلا يزال حكمها قائما ، وهى لم تفرق بين النوعين
أم الآثار فهى مملوكة للحكومة دائما سواء أكانت مكتشفة أم لم تكتشف بعد ، ومن ثم يعد الاستيلاء عليها سرقة فى جميع الأحوال ، وكان ينظم قواعدها تنظيما خاصا القانون رقم 14 لسنة 1913 ، وكذلك القانون رقم 8 لسنة 1918 فيما يتعلق بالآثار العربية ثم ألغيت أحكامهما بالقانون رقم 215 لسنة 1951 الخاص بحماية الآثار .
الفرع الثانى : ما لا يعد من المال مملوكا للغير
لا يعد مملوكا للغير ، ولا يكون بالتالى محلا للاختلاس استيلاء الإنسان على مال مملوك لنفسه ، وكذلك على مال مباح أو متروك ، وذلك على التفصيل الآتى :
المال المملوك لنفس من استولى عليه .
لا يعد سارقا من يستولى على مال مملوك لنفسه ، ولو كان معتقدا خطأ أنه مملوك لغيره ، كمن يستولى على منقول عند صديق له يكون هذا الصديق قد اختلسه منه فيما مضى وهو لا يدرى ، أو كمن يستولى على سلعة فى حيازة شخص ما ، وتكون هذه السلعة قد آلت إليه بالميراث وهو لا يعلم ، فحينئذ تتحقق صورة من الاستحالة المطلقة التى ترجع إلى انعدام موضوع الجريمة ، وكذلك من الاستحالة التى ترجع إلى فقدان ركن من أركانها .
كما لا يعد سارقا من يستولى على شئ مملوك لنفسه وهو يعلم ذلك ، ولو كان هذا الشئ فى حيازة شخص آخر ، كمن يسترد حيازة وديعة من المودع لديه أو شئ مؤجر من المستأجر دون رضائهما ، ولذا قضى بأنه إذا ضبطت كمية مخدرات مع متهم بإحرازها ، فإن ملكيتها تظل مع ذلك خالصة له حتى يقضى بمصادرتها لجانب الحكومة ، فلا يعد سارقا من ينتزعها من بين أيدى رجال الحفظ لتخليص المتهم من تهمة إحرازها ، ومثلها استرداد أسلحة بالقوة أو العنف بوساطة صاحبها بعد ضبطها ، فهو لا يكون جريمة سرقة بل تعد على رجال الحفظ .
إنما ينبغى أن يكون الشئ الذى استرده المجنى عليه فى السرقة من القيميات لا المثليات ، ولذا فأنه إذا سرق أ من ب عشرة جنيهات فلا يسوغ أن يسترد ب هذا المبلغ عن طريق اختلاس مبلغ آخر مساو له من مال أ ، وإذا فعل ب ذلك عد سارقا ، إذ النقود من المثليات لا القيميات .
والعبرة فى التمييز بين القيميات والمثليات هى بظروف الحال ، فخلط الأشياء المثلية بمثلها يفقدها ذاتيتها ، أما وضع مقدار معين منها فى حرز مستقل بنية الاحتفاظ به مفروزا فيعطيه فى السرقة حكم القيميات ، ولذا فأنه إذا كان المال المسروق عبارة عن نقود داخل حافظة فإن للمجنى عليه أن يسترد من السارق نفس الحافظة بما فيها من نقود عن طريق انتزاع حيازتها دون أن يعد فعله سرقة ، لأن فعل انتزاع الحيازة يكون قد وقع حينئذ على نفس مال المجنى عليه دون غيره .
ولا يعد سارقا كذلك من يختلس منقولا متنازعا عليه من بين يدى حائزه متى ثبت - ولو فيما بعد - أنه كان مالكه وقت الاستيلاء عليه .
أما إذا كان المال المسروق مملوكا للسارق بالاشتراك مع غيره فاستيلاؤه عليه يعد سرقة ، مهما كان مصدر الشيوع ، ميراثا أم عقد شركة ، ولذا قضى بعقاب الشريك فى آلة بخارية لرفع المياه إذا سرق مياها مما ترفعه الآلة المشتركة ، على أنه ينبغى ألا يكون المال المشترك فى حيازة الشريك السارق ، لأنه إذا كان فى حيازته لوجب عد الواقعة خيانة أمانة لا سرقة .
ويرى البعض أنه لا يغير من هذا الوضع شيئا حصول قسمة لاحقة للسرقة رغم أن القانون المدنى يجعل للقسمة أثرا رجعيا ويفترض فى المتقاسم الملكية من يوم قيام الشيوع ولكن ذلك أمر افتراضى لا يؤثر فى واقع الحال الذى ينبغى أن تؤسس عليه الأحكام الجنائية كقاعدة عامة .( 4 )
وذلك حين يرى شراح آخرون - ورأيهم فيما يبدو لنا أولى بالاتباع أنه ينبغى التعويل فى هذا الشأن على الطبيعة الكاشفة للقسمة التى يسلم بها القانون المدنى لأنه " إذا كانت فكرة الأثر الرجعى - للقسمة أداة قانونية حقيقية كانت أم محض افتراض ومجاز - نستخدمها لتحديد مدى صحة تصرفات الشركاء قبل القسمة ، فتكييفنا الجنائى لهذه التصرفات ينبغى أن يؤسس على الحكم الذى نخلص إليه من تطبيق هذه الفكرة ، والقول بغير هذا يصل بنا إلى تعارض بين فرعين من فروع القانون ينتميان إلى نظام قانونى واحد ، أحدهما يجيز التصرف ويعتبره ثمرة من ثمار الحق ، والآخر يحظره بل ويجرمه ، ومثل هذا التعارض ينبغى ألا يكون " . ( 5 )
وينبغى دائما فى تحديد الملكية الرجوع إلى قواعد القانون المدنى ، فمثلا فى بيع المثليات لا تنتقل ملكيتها إلى المشترى إلا بفرزها بالكيل أو الوزن ، وكذلك البيع بشرط التجربة ( م 421 من القانون المدنى ) وبشرط المذاق ( م 422 مدنى ) فهما لا ينعقدان إلا من وقت تحقق شرط التجربة أو المذاق ، فإذا اختلس المشترى الشئ المبيع قبل تحققه كان مختلسا ملك غيره لا ملك نفسه ، وإن كانت محكمة النقض قد اعتبرت أن وجود المبيع عند المشترى فى فترة التجربة يكون على سبيل الوديعة ، فاختلاسه يكون خيانة أمانة لا سرقة .
والقاعدة أن المحكمة الجنائية تختص بالفصل فى الملكية باعتبارها من " المسائل التى يتوقف عليها الحكم فى الدعوى الجنائية المرفوعة أمامها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " طبقا للمادة 221 إجراءات .
استثناءات .
استثنى القانون من قاعدة عدم اختلاس الإنسان ملك نفسه اختلاس الأشياء المحجوز عليها قضائيا أو إداريا ، فنص فى المادة 323ع على أنه : " يعتبر فى حكم السرقة ولو كان حاصلا من مالكها " وكذلك اختلاس الأشياء المنقولة الواقع ممن رهنها ضمانا لدين عليه أو على آخر ، فنص فى المادة 323 مكررة التى أضيفت بالقانون رقم 39 لسنة 1939 على أنه يعتبر فى حكم السرقة ، وأيضا نص فى المادة 343 على أن " كل من قدم أو سلم للمحكمة فى أثناء تحقيق قضية بها سندا أو ورقة ثم سرق ذلك بأية طريقة كانت يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة شهور أو بغرامة لا تزيد على ثلاثين جنيها مصريا " .
وهذه صور استثنائية تعتبر كل منها جريمة قائمة بذاتها لا تشترك مع السرقة فى طبيعتها الفعلية لأن الاختلاس فيها يقع على مال مملوك لنفس المختلس لا للغير ، ولنا عودة فى باب مستقل إلى جرائم الاعتداء على الحجوز فيما بعد ، بصورتيها الوادتين فى المادتين 323 ، 342ع .
المال المباح .
المال المباح هو ما لم يكن مملوكا لأحد مطلقا ، ويمكن أن يكون ملكا لأول واضع يد عليه كالطيور البرية والحيوانات غير المستأنسة كالثعالب والغزلان فى مراتعها ، والأسماك والآلىء فى مياها وغيرها ...
وقد نصت المادة 870 من القانون المدنى على أن " من وضع يده على منقول لا مالك له بنية تملكه ، ملكه " وإذا ملكه مالك فتزول عنه بداهة صفة المال المباح ويجوز أن يصبح محلا للسرقة .
وسبيل الملكية الحيازة الفعلية لا الحكمية ، فالأسماك تصبح مالا مملوكا بانتزاعها من المياه بالفعل ، أما مجرد الحصول على امتياز أو احتكار بالصيد فى بحيرة أو جزء من نهر فإنه لا يجعل صاحبه مالكا ما فيهما من أسماك ، ( 6 ) وقد نصت المادة 783 مدنى على أن " الحق فى صيد البحر والبر واللقطة ، تنظمه لوائح خاصة " ومخالفة هذه اللوائح وما يعطى بناء عليها من تراخيص بالصيد لا تعد سرقة ، فمن يزاحم صاحب الترخيص أو الامتياز بالصيد فى منطقة معينة فى الترخيص لا يعتبر سارقا ، وإن جازت مقاضاته مدنيا ، أما من يختلس أسماكا من شباك غيره ، حتى ولو كانت ملقاة فى مياه بحيرة أو نهر فيعد سارقا ، لأنها تكون عندئذ قد دخلت فى حيازة صاحبها الفعلية .
والاستيلاء على الزلط والرمال من الجبال والصحارى لا يعد سرقة ، ولا الأحجار من المحاجر ، وكان هناك رأى يقول بأن أراضى المحاجر تعتبر ملكا للحكومة ما لم تثبت ملكيتها لشخص معين ، وذلك استنادا إلى ما ورد بالمادة 57 من القانون المدنى القديم من " أن الأراضى الغير المزروعة المملوكة شرعا للميرى لا يجوز وضع اليد عليها إلا بإذن الحكومة " وهى تقابل المادة 874/1 من القانون الجديد وتنص على أن " الأراضى غير المزروعة التى لا مالك لها تكون ملكا للدولة
ولكن المستقر عليه الآن هو أن ملكية الدولة لهذه المحاجر ملكية حكمية تستند إلى اعتبارات سياسية ، وأن المعول عليه هو الملكية الفعلية ، التى يكون مظهرها حيازة علنية واضحة بالمقاس والتحديد ، ولذا قضى بأن الزبرجد الموجود فى باطن جزيرة الزبرجد ملك للحكومة التى لم تهمل مطلقا فى حقها فيه ، ولم تتركه لأى طارق فى الجزيرة ، بل حافظت عليه ، واتخذ ذلك مظاهر خارجية .
إلا أنه ينبغى أن يلاحظ أن القانون رقم 136 لسنة 1949 كان ينص فى المادة الأولى منه على أن من أملاك الدولة جميع الخامات المعدنية والمعادن والعناصر الكيميائية والأحجار الكريمة التى توجد على سطح الأرض أو بباطنها الواقعة فى حدود الأرض المصرية أو فى المياه الإقليمية المصرية ، ثم حظر فى المادة الرابعة البحث عن المعادن بأنواعها سواء أكان ذلك فى أملاك الحكومة العامة أم الخاصة ، أم فى أملاك الأفراد أم فى المياه الإقليمية إلا بترخيص خاص يعطى بقانون والى زمن محدود ، ثم أخضعت المادة الثامنة مالك الأرض - إذا أراد استغلال منجم فى أرضه - لتلك الشروط ، حين نص فى المادة الثامنة عشرة على اعتبار المحاجر الموجودة فى الأرض المملوكة للأفراد ملكا لصاحب الأرض .
وتفريغا على ذلك نص فى الفقرة الأولى من المادة 24 على أنه يعد فى حكم السرقة استخراج أى معدن بدون ترخيص من وزارة التجارة والصناعة ، سواء أكان ذلك من الأرض المملوكة للحكومة أم للأفراد ، ولو كان من مالكها ونص فى الفقرة الثنية منها على أنه " يعد كذلك فى حكم السرقة واستخراج أية مادة من مواد المحاجر بدون ترخيص من مصلحة المناجم والمحاجر سواء أكان ذلك من الأرض المملوكة للحكومة أم للغير " .
وهذه الجرائم كلها تعد " فى حكم السرقة " ولكنها ليست سرقة بالمعنى الصحيح ، لأنها لا تقع على مال مملوك للغير . ( 7 )
وقد أكدت ذلك المادة 64 من القانون رقم 66 لسنة 1953 الذى ألغى القانون رقم 136 لسنة 1948 عندما نصت على أنه " يعاقب بعقوبة السرقة والشروع فيها كل من استخرج أو شرع فى استخراج المواد المعدنية من المناجم أو المحاجر بدون ترخيص "
وقد ذهبت محكمة النقض إلى أن : الشارع قد قص بهذا النص أن يجعل هذه الجريمة من نوع خاص قوامها العبث بتلك المحاجر واستغلالها خفية ، ويتحقق القصد الجنائى فيها بمجرد علم الجانى بأنه لم يحص على الترخيص وقت استخراج الرمال .
ثم أكدته من جديد نصوص القانون رقم 86 لسنة 1956 الخاص بالمناجم والمحاجر وقد نصت المادة الأولى منه على أن جميع الأراضى التى تحتوى على مادة أو أكثر من الخامات التى نصت عليها يعتبر فى حكم هذا القانون محاجر ، وفى ظله أيضا ذهبت محكمة النقض إلى أن القصد الجنائى فى جريمة أخذ رمال من هذه المحاجر يتحقق بمجرد علم الجانى بأنه لم يحصل على الترخيص وقت استخراج الرمال ، كما أن القانون لم يفرق فى المادة 32 منه بين مالك الأرض وغيره بالنسبة للحصول على الترخيص اللازم للاستغلال .
ويكفى لتحقق الجريمة طبقا لأحكام هذا القانون أن يستخرج الجانى المواد المطلوبة من المناجم أو المحاجر قبل الحصول على الترخيص بغض النظر عما إذا كان قد تقدم للحصول على الترخيص قبل وقوع الفعل أم لا ، أو بعبارة أخرى لا يكفى لانتفاء القصد المطلوب فى هذا النوع من الجرائم أن يحيط الجانى مصلحة المناجم والمحاجر علما بما يفعل لأن القانون لا يعتد إلا بالترخيص كصورة للرضاء الذى يحول دون وقوع الجريمة .
وبحسب عبارة محكمة النقض أن المشرع فى هذا النوع من الجرائم لا يعنى بالتأثيم مجرد نقل مواد المناجم والمحاجر من مكانها بحيث يكون هذا النقل رهنا بالحصول على ترخيص ، وإنما يعنى استخراج تلك المواد من مكانها بما يؤدى إليه لفظ الاستخراج من معنى لغوى ومدلول اصطلاحى - هو استنباط ما فى المناجم والمحاجر من مواد بقصد استعمالها استعمالا مغايرا لمجرد بقائها فى الأرض .
ويشهد على هذا النظر ما أورده القانون من أحكام لاستغلال المناجم والمحاجر وما وضعه من تنظيم لهذا الاستغلال بناء على أن ما يوجد فيها من هذه المواد - فيما عدا مواد البناء ومنها الرمال التى توجد فى المحاجر التى ثبتت ملكيتها للغير والتى يجوز الترخيص لمالكها بقصد استعماله الخاص دون استغلالها - هو من أموال الدولة يجرى استغلاله الخاص تحت رقابتها وإشرافها بترخيص منها يمنح متى توافرت الشروط والأوضاع التى نص عليها القانون .
ومن ثم فلا عقاب على الشروع فى جنحة الاستيلاء على شئ من مواد المناجم أو المحاجر لانتفاء النص ولأنه لا محل لتطبيق أحكام الشروع فى السرقة فى هذا المجال ، والماء يعد مالا مباحا سواء فى ذلك ماء البحار أم الأنهار أم الآبار طالما كان فى مستقره الطبيعى ، إنما إذا وضع فى حرز كالخزانات والمواسير صار مالا مملوكا للغير قابلا للسرقة .
وغنى عن البيان أنه لا يعد مالا مباحا أموال الدولة سواء أكانت من الدومين العام كاختلاس أتربة أو أشجار من الطرق العمومية ، أم من الدومين الخاص كاختلاس منقولات من مبنى حكومى .
المال المتروك .
هو المال الذى كان فى الأصل مملوكا لشخص ما ثم رأى أن يتخلى عنه كالملابس البالية والأمتعة والحيوانات المستأنسة التى يستغنى عنها أصحابها ، وفضلات الأكل والأوراق وغيرها . ( 8 )
وقد وضعت المادة 871 من القانون المدنى بعض قواعد منظمة لحالة هذه الأموال فنصت على أنه : " 1- يصبح المنقول لا مالك له إذا تخلى عنه مالكه بقصد النزول عن ملكيته ، 2- وتعتبر الحيوانات غير الأليفة لا مالك لها مادامت طليقة ، وإذا اعتقل حيوان منها ثم أطلق عاد لا مالك له إذا لم يتبعه المالك فورا ، أو إذا كف عن تتبعه وما روض من الحيوانات وألف الرجوع إلى المكان المخصص له ، ثم فقد هذه العادة يرجع لا مالك له " .
هذا وقد عرفت محكمة النقض الشئ المتروك - على ما أشارت إليه المادة 871 هذه - بأنه هو الذى يستغنى صاحبه عنه بإسقاط حيازته وبنية إنهاء ما كان له من ملكية عليه فيغدو بذلك ولا مالك له ، فإذا استولى عليه أحد فلا يعد سارقا لأنه أصبح غير مملوك لأحد ، والعبرة فى ذلك بواقع الأمر من جهة المتخلى وليس بما يدور فى خلد الجانى ، وهذا الواقع يدخل تحريه واستقصاء حقيقته فى سلطة قاضى الموضوع الذى له أن يبحث فى الظروف التى يستفاد منها أن الشئ يستفاد منها أن الشئ متروك أو مفقود وبالتالى أنه لا يكفى لاعتبار الشئ متروكا أن يسكت المالك عن المطالبة به ، أو يقعد عن السعى لاسترداده ، بل لابد أن يكون تخليه واضحا من عمل إيجابي يقوم به مقرونا بقصد النزول عنه .
وقد قضى بأنه : يعد مالا متروكا مما لا يكون الاستيلاء عليه سرقة جثث الحيوانات الميتة لأخذ جلودها وعظامها ، وكناسة الشوارع حتى لو كان المجلس البلدى قد تعاقد مع بعض الأفراد على بيعه إياها ، وحتى إذا صدرت لائحة تمنع الاستيلاء عليها ، فإن مخالفة ذلك تكون مخالفة للائحة لا سرقة .
ولا يشترط أن يكون المال المتروك عديم القيمة أو تافهها ، بل أنه يعد كذلك حتى ولو كانت له قيمة تذكر ، وأمكن من يلتقطه أن يستفيد منه بصورة من الصور ، ولذلك لا يبدو لنا فى محله ما قضى به من أنه يعد سرقة الاستيلاء على إيصال فى سلة المهملات بعد أن مزقه صاحبه وألقاه فيها ، ولم تأخذ المحكمة بدفاع المتهم من أن الإيصال يكون قد أعدم على هذا النحو ، وأصبح فى حكم المال المتروك ، قائلة فى الرد على هذا الدفاع أنه مردود بأن المتهم قد وفق إلى الانتفاع بالإيصال وهو ممزق .
وذلك لأن القدرة على الانتفاع بالمال المتروك لا تنفى مطلقا عنه صفته هذه ، فكل من يستولى على مال متروك إنما يبغى تحقيق منفعة معينة من هذا الاستيلاء ، فإذا ألقى الإنسان ورقة ولو كانت ذات قيمة فى الطريق بنية التخلى عنها لأنه يجهل قيمتها ثم عثر عليها آخر واستفاد منها ، إنما يكون هذا الأخير قد استولى على مال متروك لا شبهة فى ذلك ، ولا يختلف الوضع عن ذلك فى شئ إذا كان الإلقاء فى سلة للمهملات لا فى الطريق العام ، وقد تكون الاستفادة من الورقة حينئذ غشا مدنيا يبيح التعويض ، كما قد تكون جريمة نصب إذا توافرت لها أركان النصب الأخرى ، ولكن التقاطها على أية حال لا يعد سرقة فى تقديرنا .
الجثث والأكفان .
من الأمور التى تتصل بهذا البحث الاستيلاء على جثث الموتى ، وسرقة الأكفان وما قد يوضع مع الموتى من أشياء مختلفة ، والقاعدة أنه لا يعد سرقة أخذ جثة إنسان ، وإن كان يصح أن يكون الفعل جريمة انتهاك حرمة القبور ( م 160/3ع ) أو إخفاء جثة قتيل ( م 239 ) بحسب الأحوال ، وإذا كانت للجثة قيمة تاريخية أو علمية استدعت وضعها فى متحف أو معهد ، كمومياء فرعونية مثلا فتكون مما يقبل السرقة .
أما أكفان الموتى وما قد يوضع عليهم أو معهم من أشياء فإنها لا تعد مالا متروكا طبقا للرأى السائد ، لأنها موضوعة لغرض خاص ولم يكن فى نية واضعها التخلى عنها لمن يريدها لنفسه ، ( 9 ) وقد أخذت بهذا الرأى محكمة النقض قائلة " إن الأكفان والملابس والحلى وغيرها من الأشياء التى اعتاد الناس إيداعها القبور مع الموتى إنما هى مملوكة لورثة هؤلاء ، وقد خصصوها لتبقى مع جثث أهليهم لما قر فى نفوسهم واستقر فى ضمائرهم من وجوب إكرامهم فى أجداثهم على هذا النحو الذى رأوه موقنين بأن لا حق لأحد فى العبث بشئ مما أودع " .
____________________________
( 1 )راجع د / مصطفى القللى - جرائم الأموال - ص 48
( 2 ) راجع د / أحمد فتحى سرور - قانون العقوبات - ص 641
( 3 ) راجع د / أحمد فتحى سرور - قانون العقوبات - ص 644
( 4 ) راجع د / عبد الفتاح الصيفى - قانون العقوبات - ص 215
( 5 ) راجع د / روؤف عبيد - المرجع السابق - ص 344
( 6 ) راجع د / روؤف عبيد - المرجع السابق - ص 346
( 7 ) راجع د / روؤف عبيد - المرجع السابق - ص 348
( 9 ) راجع د / مصطفى القللى - المرجع السابق - ص 45