جنايات السرقه / السرقه بالاكراه
نصت المواد من 313 إلى 316 على ظروف معينة إذا لحقت السرقة جعلتها جناية لا مجرد جنحة ، وأغلب هذه الجنايات يتطلب اجتماع جملة ظروف مشددة من نوع ما مر بنا ، وذلك على التفصيل الذى سنبينه فيما بعد
ومن بين هذه الظروف يعد الإكراه ظرفا قائما بذاته ، يستحق أن نبدأ به دراسة جنايات السرقة ، فهو ظرف مشترك بين جنايات سرقة متعددة ، فالمادة 312 تتطلب توافر خمسة ظروف من بينها الإكراه ، والمادة 315 تتطلب توافر ثلاثة ظروف من بينها الإكراه ، والمادة 314 تكتفى بالإكراه وحده لكى يجعل الواقعة جناية .
وبعد ذلك سنعالج جنايات السرقة فى الطرق العمومية ( م 315 ) ، ثم السرقة ليلا من شخصين فأكثر مع حمل سلاح ( 316 ) ثم سطو العصابات ( م 313 ) كلا منها فى مطلب على حدة .
المطلب الأول : السرقة بالإكراه
نصت المادة 314ع على أنه " يعاقب بالسجن المشدد من ارتكب سرقة بإكراه ، فإذا ترك الإكراه أثر جروح تكون العقوبة السجن المؤبدة أو السجن المشدد " .
ولم يضع القانون تعريفا للإكراه ، وقد عرفته محكمة النقض بأنه : " كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلا للسرقة "
والتشديد فيه مرجعه إلى أنه يجمع إلى الاعتداء على المال اعتداء على شخص أو أكثر لشل مقاومته وإرغام إرادته على الإذعان ، فهو على هذا النحو اعتداء مزدوج يشير إلى نفسية شريرة مستهترة لدى المعتدى .
عناصره .
يتطلب الإكراه توافر ثلاثة عناصر وهى :
- وقوع فعل إكراه مادى أو تهديد باستعمال سلاح .
- أن يكون معاصرا فعل الاختلاس .
- أن يكون بقصد الاختلاس .
وسنعالجها على التوالى :
أولا : فعل الإكراه المادى أو التهديد باستعمال سلاح .
يتطلب الإكراه وقوع فعل من أفعال العنف والقوة على جسم إنسان ، قد يكون المجنى عليه نفسه كما هو الغالب ، وقد يكون غيره كشخص موجود فى مكان الحادث أو عابر سبيل فى الطريق لا تربطه به أية علاقة فيتقدم للدفاع عنه ، أو حتى شخص موجود فى مكان الحادث يعتقد الجانى عن غلط أنه سيستغيث أو سيتقدم للدفاع عن المجنى عليه .
ولا أهمية لكون المجنى عليه فى الإكراه أو فى السرقة يعلم بأن نية الجانى هى السرقة ، أو بحصول السرقة من الجانى أو من مساهم معه ، بل كل ما ينبغى توافره هو أن تكون نية الجانى هى السرقة ، كما سنوضحها فيما بعد ، وأن تتوافر رابطة السببية بين الأمرين الإكراه والسرقة .
ولا يشترط لاعتبار الفعل إكراها أن يكون على أية درجة من الجسامة أو أن يجعل حياة المعتدى عليه فى خطر ، وقد قضى باعتبار الإكراه قائما ، إذا تنبهت المجنى عليها عند اختطاف حقيبة يدها فقاومت الجانى ، ولكنه تغلب عليها وأخذ الحقيبة وهرب ، ومن باب أولى اعتبر إكراها القبض على عنق المجنى عليها بإحدى اليدين وانتزاع حقيبتها بالأخرى ، وكذلك ضرب المجنى عليه بالكف أثناء السرقة ، ومحاولة انتزاع الشئ المراد سرقته منه عنوة رغم مقاومته ، ومن باب أولى إمساك الجانى بيد المجنى عليه وثنيها عنوة وانتزاع الساعة كرها من يده رغم مقاومته بما ترتب عليه جرح يده ، وكذلك إمساك أحد المتهمين بذراع المجنى عليه مع الضغط عليه ثم اشهار الثانى مدية حتى تمكن الأول من وضع يده فى جيبه وسرقة نقوده ، وإعطاؤه مواد مخدرة أو حرقها بالقرب منه لنفس الغرض مادامت تفقده شعوره وتعدم مقاومته أو تعطلها ، وضرب أحد المجنى عليهم وشد وثاق آخر ، ومن باب أولى طعن المتهم المجنى عليه بمطواة لتعطيل مقاومته وليتمكن من الفرار بالقطن المسروق
ومن الإكراه أيضا دفع المجنى عليه أو طرحه أرضا أو عصب عينيه ، أو حجزه أثناء ارتكاب السرقة فى غرفة رغم إرادته ، أما السرقة من نائم فلا تعد سرقة بإكراه ، لأن السارق لم يقم بأى عمل يعدم به مقاومة المجنى عليه ، وفى هذا تختلف السرقة عن هتك العرض حيث يعتبر الإكراه متوافرا فيه بنوم المجنى عليه ، وذلك لاختلاف طبيعة الجريمة فى كل من الحالين ، فالإكراه فى السرقة يتطلب اعتداء على الجسم كما قلنا ، ومجرد النوم لا يتضمن هذا الاعتداء ، أما الإكراه فى هتك العرض فلا يتطلب سوى عدم رضاء المجنى عليه بالفعل المادى .
ولا يعد إكراها وقوف الجانى بجانب المجنى عليه النائم ، ولو كان ذلك أثناء السرقة لتعطيل مقاومته إذا ما استيقظ ، وذلك لاحتمال عدول السارق عن الإكراه أو هروبه إذا ما استيقظ المجنى عليه بالفعل .
كما لا يعد إكراها كذلك إطفاء النور الموجود بمحل السرقة وغلق هذا المحل على المجنى عليه بعد وقوعها ، لأنه لم يحصل تعطيل لمقاومة المجنى عليه أثناء وقوع السرقة ، ولا مجرد اختطاف الشئ المسروق من المجنى عليه والهروب به ، وغنى عن القول أنه لا يعد إكراها أعمال العنف المختلفة التى قد تقع على الجماد أو الحيوان ، كتحطيم دولاب أو قتل كلب .
التهديد باستعمال السلاح .
يجب فى الإكراه ، كقاعدة عامة ، أن يكون ماديا ولا يغنى عنه الإكراه الأدبى ، فلا يعد إكراها تهديد المجنى عليه فى السرقة أو من معه بارتكاب أمور معينة مهما كانت عنيفة كالاختطاف أو هتك العرض ، ومن باب أولى التهديد بإفشاء أمور مخدشة بالشرف أو نسبتها مهما بلغ من تأثيرها ، وهذه القاعدة مستفادة من نص المادة 314 التى ميزت بين الإكراه الذى لا يترك أثرا والإكراه الذى يترك أثر جروح ، وهى غير متصورة إلا فى الإكراه المادى .
وإنما جرى الرأى استثناء على القول بأن القول الإكراه المعنوى بالتهديد باستعمال سلاح يعد مساويا الإكراه المادى ، فهو مثله ينال من مقاومة المجنى عليه ، بل قد يقضى عليها ويسهل للمجرم سبيل جريمته ، كما أن ذلك مستفاد من نص المادتين 313/5 ، 315/3 اللتين نصتا على التهديد باستعمال السلاح بوصفه ظرفا مشددا للعقوبة ومساويا للإكراه المادى ، فقالت الأولى : " أن يفعلوا الجناية المذكورة بطريقة الإكراه ، أو التهديد باستعمال أسلحتهم " وقالت الثانية " إذا حصلت السرقة ولو من شخص واحد حامل سلاحا وكان ذلك ليلا أو بإكراه أو تهديد باستعمال السلاح " .
وذلك هو ما ذهب إليه الفقه السائد ، فقد قضى بأنه يعد سرقة بإكراه رفع سكين فى وجه زوجة المجنى عليه أثناء ارتكابها لمتعها من الاستغاثة ، وكذلك تهديد المجنى عليه بحربة كانت مع الجانى ، وإطلاق السلاح النارى فى أثناء السرقة للإرهاب ، وبأنه لا يشترط أن يكون التهديد باستعمال سلاح بطبيعته ، بل يكفى التهديد باستعمال أداة من الأدوات العادية التى تصلح للاعتداء مثل فأس أو قضيت حديدى أو نحوهما ، أو بمطواة مفتوحة يشرعها أحد الجناة فى وجه المجنى عليها .
ولا يعد تهديدا باستعمال السلاح مجرد حمله بطريقة ظاهرة ، أو إمساكه باليد دون التلويح ولو ضمنيا باستعماله ، وتقدير ذلك من الأمور الموضوعية ، كما لا يعد كذلك التلويح بقبضة اليد أو التهديد باستعمال القوة البدنية بوجه عام .
ثانيا : معاصرته للسرقة .
لا يتحقق ظرف الإكراه إلا إذا كان معاصرا للسرقة فى مرحلة ارتكابها ، أى من وقت الشروع فيها حتى إتمامها ، وقد سبق بيان الآراء المختلفة فى تحديد متى تبدأ السرقة ومتى يتم تنفيذها .
فأعمال العنف على شخص من الأشخاص ، التى تقع أثناء الأفعال التحضيرية لا تصلح سببا فى التشديد ، كذلك الذى يقع منها فى مرحلة أعداد المفاتيح المصطنعة أو آلة الكسر أو شراء السلاح أو معاينة المكان المزمع سرقته ، أو الاتصال ببعض المحيطين بالمجنى عليه لإقناعهم بتقديم المساعدة المطلوبة ، بل تكون هذه جرائم جرح وضرب عادية يعاقب فاعلها بحسب جسامة النتائج .
وفيما يتعلق بلحظة تمام السرقة قلنا أن الرأى المعمول به هو أن السرقة تتم بخروج المال المسروق من حيازة صاحبه إلى حيازة الجانى بتمام نقله من المكان الموضوع فيه ، ولو لم يكن السارق قد أودعه بعد فى المكان المعد له ، وتأسيسا على هذا الرأى ينبغى القول بأنه يشترط فى الإكراه أن يقع قبل خروج السارق بما سرق من مكان السرقة ، لأنه بهذا الخروج يكون الشئ عادة قد انتقل من حيازة المجنى عليه إلى حيازته ، أما الإكراه اللاحق لذلك فلا ينبغى أن يعتد به .
وهذه النتيجة سليمة فى جوهرها ، وإن كان ينبغى أن يراعى هنا أيضا التحفظ الذى سبق أن أشرنا إليه بخصوص حالة التلبس وأثرها فى وجوب اعتبار مرحلة الشروع لا تزال قائمة بقيامها ، ومن ثم يعتبر الإكراه المعاصر للتلبس معاصرا للجريمة لا لاحقا لها .
وقد أخذت بذلك محكمة النقض فى أحكام متعددة لها ، فهى تقضى دائما بأن أعمال العنف التى تقع من الجانى أثناء قيام حالة التلبس يتوافر بها ظرف الإكراه المشدد فى جميع الأحوال ، على أن قضاءها فى هذا الصدد قد لحقه بعض التطور ، فقديما كانت ترى توافر ظرف الإكراه بالاعتداء الواقع حال التلبس ، سواء أوقع بغية هروب الجانى بالمال المسروق أم هروبه بنفسه بعد التخلى عنه أو قبل الإمساك به ، ومن ذلك ما قضت به من أن الإكراه يعد متوافرا من استعمال الجانى العنف مع امرأة حاولت القبض عليه داخل الدار ، واعتداء سارق أدوات خاصة بماكينة على خفيرها بالضرب عند مفاجأته له فى مكان الحادث ، ولم يظهر من ظروف الحال فى الدعويين أن نية الجانى كانت منصرفة إلى الفرار بالمسروقات .
ولكن القضاء الحديث قد استقر بشكل واضح على القول بأن اعتداء الجانى حال التلبس ، وإن كان يقوم به الإكراه ، إلا أن ينبغى أن يقع بغية الفرار بالمال المسروق ، وقد عبرت عن هذا المعنى بقولها أنه لا يشترط فى الاعتداء الذى تتوافر به جريمة السرقة بإكراه أن يكون سابقا أو مقارنا لفعل الاختلاس ، بل أنه يكفى أن يكون كذلك ولو أعقب فعل الاختلاس متى كان قد تلاه مباشرة وكان الغرض منه النجاة بالشئ المختلس ، وكل من يساهم فى هذه الحركة المكونة للجريمة وهى عبارة عن فعلين : السرقة والاعتداء فهو فاعل فى الجريمة الأصلية الناتجة عن ارتباطهما .
أما الاعتداء الذى يقع من الجانى بعد التخلى عن المال المسروق ، أو قبل التمكن من نقله بغية الفرار بنفسه فحسب فلا يعد إكراها ، ولا يقوم به الظرف المشدد ، وإن جاز أن يعد جريمة جرح أو ضرب قائمة بذاتها ، إذ يتنفى فيه بطبيعة الحال القصد الجنائى المطلوب فى الإكراه وهو نية ارتكاب السرقة .
ثالثا : القصد الجنائى فيه .
يتطلب الإكراه أن يقع بنية ارتكاب السرقة ، أى أن تقوم بين الأمرين رابطة السببية ، فلا إكراه إذا انتفت هذه الرابطة ، ولو كانا متعاصرين ، فمن يتشاجر مع آخر لسبب ما ، ثم تسقط من غريمه حافظة نقوده أثناء التماسك فيلتقطها بفكرة طارئة ليستولى عليها ، رغبة فى المزيد من الانتقام من المجنى عليه والنكاية فيه ، يرتكب جريمتين مستقلتين - جنحة ضرب ثم جنحة سرقة - لا جناية سرقة بإكراه .
ولا إكراه كذلك إذا انتفى قيام السرقة أصلا ، كمن ينتزع بالإكراه مالا مملوكا لنفسه ، أو ينتزع بالعنف مالا بغير نية تملكه ، فلا يرتكب سرقة بإكراه من ينتزع ملابس المجنى عليه كرها عنه فى الطريق العام بنية التشهير به وجعله أضحوكة بين الناس لعداوة انتخابية ، لا بنية تملك هذه الملابس ، ومثله من ينتزع " طبنجة " عنوة من كونستابل لا لسرقتها بل لتعجيزه عن مطاردته ومنعه من القبض عليه .
ولا إكراه كذلك إذا كان العنف قد وقع بقصد ارتكاب أعمال تحضيرية للسرقة أو ارتكاب أعمال لاحقة لها ، على ما أوضحناه عند الكلام فى معاصرة أفعال العنف للسرقة .
طبيعته القانونية .
الإكراه ظرف عينى يستتبع التشديد على جميع من قارف السرقة ولو كان وقوعه من أحدهم فقط دون الباقين ، سواء أكان هؤلاء فاعلين أصليين أم مجرد شركاء وسواء أعلموا به أم لم يعملوا .
ويراعى أن كل من تصدر منه أفعال الإكراه فى السرقة أثناء ارتكابها ينبغى أن يعد فاعلا أصليا فى السرقة وليس مجرد شريك ، حتى وإن لم يتصل مباشرة بالمال المسروق ، أو بالمال المراد سرقته ، وذلك على اعتبار أن هذه الأفعال تعتبر بالأقل بدءا فى تنفيذ السرقة ، وأفعال البدء فى التنفيذ إذا وقعت فى حالة مساهمة جنائية تجعل صاحبها دائما فاعلا أصليا فى المشروع الإجرامي المشترك .
العقوبة : من شأن الإكراه أن تجعل الواقعة جناية عقوبتها السجن المشدد ، فإذا ترك أثر جروح كانت عقوبتها السجن المشدد أو السجن المؤبدة
نصت المواد من 313 إلى 316 على ظروف معينة إذا لحقت السرقة جعلتها جناية لا مجرد جنحة ، وأغلب هذه الجنايات يتطلب اجتماع جملة ظروف مشددة من نوع ما مر بنا ، وذلك على التفصيل الذى سنبينه فيما بعد
ومن بين هذه الظروف يعد الإكراه ظرفا قائما بذاته ، يستحق أن نبدأ به دراسة جنايات السرقة ، فهو ظرف مشترك بين جنايات سرقة متعددة ، فالمادة 312 تتطلب توافر خمسة ظروف من بينها الإكراه ، والمادة 315 تتطلب توافر ثلاثة ظروف من بينها الإكراه ، والمادة 314 تكتفى بالإكراه وحده لكى يجعل الواقعة جناية .
وبعد ذلك سنعالج جنايات السرقة فى الطرق العمومية ( م 315 ) ، ثم السرقة ليلا من شخصين فأكثر مع حمل سلاح ( 316 ) ثم سطو العصابات ( م 313 ) كلا منها فى مطلب على حدة .
المطلب الأول : السرقة بالإكراه
نصت المادة 314ع على أنه " يعاقب بالسجن المشدد من ارتكب سرقة بإكراه ، فإذا ترك الإكراه أثر جروح تكون العقوبة السجن المؤبدة أو السجن المشدد " .
ولم يضع القانون تعريفا للإكراه ، وقد عرفته محكمة النقض بأنه : " كل وسيلة قسرية تقع على الأشخاص لتعطيل قوة المقاومة أو إعدامها عندهم تسهيلا للسرقة "
والتشديد فيه مرجعه إلى أنه يجمع إلى الاعتداء على المال اعتداء على شخص أو أكثر لشل مقاومته وإرغام إرادته على الإذعان ، فهو على هذا النحو اعتداء مزدوج يشير إلى نفسية شريرة مستهترة لدى المعتدى .
عناصره .
يتطلب الإكراه توافر ثلاثة عناصر وهى :
- وقوع فعل إكراه مادى أو تهديد باستعمال سلاح .
- أن يكون معاصرا فعل الاختلاس .
- أن يكون بقصد الاختلاس .
وسنعالجها على التوالى :
أولا : فعل الإكراه المادى أو التهديد باستعمال سلاح .
يتطلب الإكراه وقوع فعل من أفعال العنف والقوة على جسم إنسان ، قد يكون المجنى عليه نفسه كما هو الغالب ، وقد يكون غيره كشخص موجود فى مكان الحادث أو عابر سبيل فى الطريق لا تربطه به أية علاقة فيتقدم للدفاع عنه ، أو حتى شخص موجود فى مكان الحادث يعتقد الجانى عن غلط أنه سيستغيث أو سيتقدم للدفاع عن المجنى عليه .
ولا أهمية لكون المجنى عليه فى الإكراه أو فى السرقة يعلم بأن نية الجانى هى السرقة ، أو بحصول السرقة من الجانى أو من مساهم معه ، بل كل ما ينبغى توافره هو أن تكون نية الجانى هى السرقة ، كما سنوضحها فيما بعد ، وأن تتوافر رابطة السببية بين الأمرين الإكراه والسرقة .
ولا يشترط لاعتبار الفعل إكراها أن يكون على أية درجة من الجسامة أو أن يجعل حياة المعتدى عليه فى خطر ، وقد قضى باعتبار الإكراه قائما ، إذا تنبهت المجنى عليها عند اختطاف حقيبة يدها فقاومت الجانى ، ولكنه تغلب عليها وأخذ الحقيبة وهرب ، ومن باب أولى اعتبر إكراها القبض على عنق المجنى عليها بإحدى اليدين وانتزاع حقيبتها بالأخرى ، وكذلك ضرب المجنى عليه بالكف أثناء السرقة ، ومحاولة انتزاع الشئ المراد سرقته منه عنوة رغم مقاومته ، ومن باب أولى إمساك الجانى بيد المجنى عليه وثنيها عنوة وانتزاع الساعة كرها من يده رغم مقاومته بما ترتب عليه جرح يده ، وكذلك إمساك أحد المتهمين بذراع المجنى عليه مع الضغط عليه ثم اشهار الثانى مدية حتى تمكن الأول من وضع يده فى جيبه وسرقة نقوده ، وإعطاؤه مواد مخدرة أو حرقها بالقرب منه لنفس الغرض مادامت تفقده شعوره وتعدم مقاومته أو تعطلها ، وضرب أحد المجنى عليهم وشد وثاق آخر ، ومن باب أولى طعن المتهم المجنى عليه بمطواة لتعطيل مقاومته وليتمكن من الفرار بالقطن المسروق
ومن الإكراه أيضا دفع المجنى عليه أو طرحه أرضا أو عصب عينيه ، أو حجزه أثناء ارتكاب السرقة فى غرفة رغم إرادته ، أما السرقة من نائم فلا تعد سرقة بإكراه ، لأن السارق لم يقم بأى عمل يعدم به مقاومة المجنى عليه ، وفى هذا تختلف السرقة عن هتك العرض حيث يعتبر الإكراه متوافرا فيه بنوم المجنى عليه ، وذلك لاختلاف طبيعة الجريمة فى كل من الحالين ، فالإكراه فى السرقة يتطلب اعتداء على الجسم كما قلنا ، ومجرد النوم لا يتضمن هذا الاعتداء ، أما الإكراه فى هتك العرض فلا يتطلب سوى عدم رضاء المجنى عليه بالفعل المادى .
ولا يعد إكراها وقوف الجانى بجانب المجنى عليه النائم ، ولو كان ذلك أثناء السرقة لتعطيل مقاومته إذا ما استيقظ ، وذلك لاحتمال عدول السارق عن الإكراه أو هروبه إذا ما استيقظ المجنى عليه بالفعل .
كما لا يعد إكراها كذلك إطفاء النور الموجود بمحل السرقة وغلق هذا المحل على المجنى عليه بعد وقوعها ، لأنه لم يحصل تعطيل لمقاومة المجنى عليه أثناء وقوع السرقة ، ولا مجرد اختطاف الشئ المسروق من المجنى عليه والهروب به ، وغنى عن القول أنه لا يعد إكراها أعمال العنف المختلفة التى قد تقع على الجماد أو الحيوان ، كتحطيم دولاب أو قتل كلب .
التهديد باستعمال السلاح .
يجب فى الإكراه ، كقاعدة عامة ، أن يكون ماديا ولا يغنى عنه الإكراه الأدبى ، فلا يعد إكراها تهديد المجنى عليه فى السرقة أو من معه بارتكاب أمور معينة مهما كانت عنيفة كالاختطاف أو هتك العرض ، ومن باب أولى التهديد بإفشاء أمور مخدشة بالشرف أو نسبتها مهما بلغ من تأثيرها ، وهذه القاعدة مستفادة من نص المادة 314 التى ميزت بين الإكراه الذى لا يترك أثرا والإكراه الذى يترك أثر جروح ، وهى غير متصورة إلا فى الإكراه المادى .
وإنما جرى الرأى استثناء على القول بأن القول الإكراه المعنوى بالتهديد باستعمال سلاح يعد مساويا الإكراه المادى ، فهو مثله ينال من مقاومة المجنى عليه ، بل قد يقضى عليها ويسهل للمجرم سبيل جريمته ، كما أن ذلك مستفاد من نص المادتين 313/5 ، 315/3 اللتين نصتا على التهديد باستعمال السلاح بوصفه ظرفا مشددا للعقوبة ومساويا للإكراه المادى ، فقالت الأولى : " أن يفعلوا الجناية المذكورة بطريقة الإكراه ، أو التهديد باستعمال أسلحتهم " وقالت الثانية " إذا حصلت السرقة ولو من شخص واحد حامل سلاحا وكان ذلك ليلا أو بإكراه أو تهديد باستعمال السلاح " .
وذلك هو ما ذهب إليه الفقه السائد ، فقد قضى بأنه يعد سرقة بإكراه رفع سكين فى وجه زوجة المجنى عليه أثناء ارتكابها لمتعها من الاستغاثة ، وكذلك تهديد المجنى عليه بحربة كانت مع الجانى ، وإطلاق السلاح النارى فى أثناء السرقة للإرهاب ، وبأنه لا يشترط أن يكون التهديد باستعمال سلاح بطبيعته ، بل يكفى التهديد باستعمال أداة من الأدوات العادية التى تصلح للاعتداء مثل فأس أو قضيت حديدى أو نحوهما ، أو بمطواة مفتوحة يشرعها أحد الجناة فى وجه المجنى عليها .
ولا يعد تهديدا باستعمال السلاح مجرد حمله بطريقة ظاهرة ، أو إمساكه باليد دون التلويح ولو ضمنيا باستعماله ، وتقدير ذلك من الأمور الموضوعية ، كما لا يعد كذلك التلويح بقبضة اليد أو التهديد باستعمال القوة البدنية بوجه عام .
ثانيا : معاصرته للسرقة .
لا يتحقق ظرف الإكراه إلا إذا كان معاصرا للسرقة فى مرحلة ارتكابها ، أى من وقت الشروع فيها حتى إتمامها ، وقد سبق بيان الآراء المختلفة فى تحديد متى تبدأ السرقة ومتى يتم تنفيذها .
فأعمال العنف على شخص من الأشخاص ، التى تقع أثناء الأفعال التحضيرية لا تصلح سببا فى التشديد ، كذلك الذى يقع منها فى مرحلة أعداد المفاتيح المصطنعة أو آلة الكسر أو شراء السلاح أو معاينة المكان المزمع سرقته ، أو الاتصال ببعض المحيطين بالمجنى عليه لإقناعهم بتقديم المساعدة المطلوبة ، بل تكون هذه جرائم جرح وضرب عادية يعاقب فاعلها بحسب جسامة النتائج .
وفيما يتعلق بلحظة تمام السرقة قلنا أن الرأى المعمول به هو أن السرقة تتم بخروج المال المسروق من حيازة صاحبه إلى حيازة الجانى بتمام نقله من المكان الموضوع فيه ، ولو لم يكن السارق قد أودعه بعد فى المكان المعد له ، وتأسيسا على هذا الرأى ينبغى القول بأنه يشترط فى الإكراه أن يقع قبل خروج السارق بما سرق من مكان السرقة ، لأنه بهذا الخروج يكون الشئ عادة قد انتقل من حيازة المجنى عليه إلى حيازته ، أما الإكراه اللاحق لذلك فلا ينبغى أن يعتد به .
وهذه النتيجة سليمة فى جوهرها ، وإن كان ينبغى أن يراعى هنا أيضا التحفظ الذى سبق أن أشرنا إليه بخصوص حالة التلبس وأثرها فى وجوب اعتبار مرحلة الشروع لا تزال قائمة بقيامها ، ومن ثم يعتبر الإكراه المعاصر للتلبس معاصرا للجريمة لا لاحقا لها .
وقد أخذت بذلك محكمة النقض فى أحكام متعددة لها ، فهى تقضى دائما بأن أعمال العنف التى تقع من الجانى أثناء قيام حالة التلبس يتوافر بها ظرف الإكراه المشدد فى جميع الأحوال ، على أن قضاءها فى هذا الصدد قد لحقه بعض التطور ، فقديما كانت ترى توافر ظرف الإكراه بالاعتداء الواقع حال التلبس ، سواء أوقع بغية هروب الجانى بالمال المسروق أم هروبه بنفسه بعد التخلى عنه أو قبل الإمساك به ، ومن ذلك ما قضت به من أن الإكراه يعد متوافرا من استعمال الجانى العنف مع امرأة حاولت القبض عليه داخل الدار ، واعتداء سارق أدوات خاصة بماكينة على خفيرها بالضرب عند مفاجأته له فى مكان الحادث ، ولم يظهر من ظروف الحال فى الدعويين أن نية الجانى كانت منصرفة إلى الفرار بالمسروقات .
ولكن القضاء الحديث قد استقر بشكل واضح على القول بأن اعتداء الجانى حال التلبس ، وإن كان يقوم به الإكراه ، إلا أن ينبغى أن يقع بغية الفرار بالمال المسروق ، وقد عبرت عن هذا المعنى بقولها أنه لا يشترط فى الاعتداء الذى تتوافر به جريمة السرقة بإكراه أن يكون سابقا أو مقارنا لفعل الاختلاس ، بل أنه يكفى أن يكون كذلك ولو أعقب فعل الاختلاس متى كان قد تلاه مباشرة وكان الغرض منه النجاة بالشئ المختلس ، وكل من يساهم فى هذه الحركة المكونة للجريمة وهى عبارة عن فعلين : السرقة والاعتداء فهو فاعل فى الجريمة الأصلية الناتجة عن ارتباطهما .
أما الاعتداء الذى يقع من الجانى بعد التخلى عن المال المسروق ، أو قبل التمكن من نقله بغية الفرار بنفسه فحسب فلا يعد إكراها ، ولا يقوم به الظرف المشدد ، وإن جاز أن يعد جريمة جرح أو ضرب قائمة بذاتها ، إذ يتنفى فيه بطبيعة الحال القصد الجنائى المطلوب فى الإكراه وهو نية ارتكاب السرقة .
ثالثا : القصد الجنائى فيه .
يتطلب الإكراه أن يقع بنية ارتكاب السرقة ، أى أن تقوم بين الأمرين رابطة السببية ، فلا إكراه إذا انتفت هذه الرابطة ، ولو كانا متعاصرين ، فمن يتشاجر مع آخر لسبب ما ، ثم تسقط من غريمه حافظة نقوده أثناء التماسك فيلتقطها بفكرة طارئة ليستولى عليها ، رغبة فى المزيد من الانتقام من المجنى عليه والنكاية فيه ، يرتكب جريمتين مستقلتين - جنحة ضرب ثم جنحة سرقة - لا جناية سرقة بإكراه .
ولا إكراه كذلك إذا انتفى قيام السرقة أصلا ، كمن ينتزع بالإكراه مالا مملوكا لنفسه ، أو ينتزع بالعنف مالا بغير نية تملكه ، فلا يرتكب سرقة بإكراه من ينتزع ملابس المجنى عليه كرها عنه فى الطريق العام بنية التشهير به وجعله أضحوكة بين الناس لعداوة انتخابية ، لا بنية تملك هذه الملابس ، ومثله من ينتزع " طبنجة " عنوة من كونستابل لا لسرقتها بل لتعجيزه عن مطاردته ومنعه من القبض عليه .
ولا إكراه كذلك إذا كان العنف قد وقع بقصد ارتكاب أعمال تحضيرية للسرقة أو ارتكاب أعمال لاحقة لها ، على ما أوضحناه عند الكلام فى معاصرة أفعال العنف للسرقة .
طبيعته القانونية .
الإكراه ظرف عينى يستتبع التشديد على جميع من قارف السرقة ولو كان وقوعه من أحدهم فقط دون الباقين ، سواء أكان هؤلاء فاعلين أصليين أم مجرد شركاء وسواء أعلموا به أم لم يعملوا .
ويراعى أن كل من تصدر منه أفعال الإكراه فى السرقة أثناء ارتكابها ينبغى أن يعد فاعلا أصليا فى السرقة وليس مجرد شريك ، حتى وإن لم يتصل مباشرة بالمال المسروق ، أو بالمال المراد سرقته ، وذلك على اعتبار أن هذه الأفعال تعتبر بالأقل بدءا فى تنفيذ السرقة ، وأفعال البدء فى التنفيذ إذا وقعت فى حالة مساهمة جنائية تجعل صاحبها دائما فاعلا أصليا فى المشروع الإجرامي المشترك .
العقوبة : من شأن الإكراه أن تجعل الواقعة جناية عقوبتها السجن المشدد ، فإذا ترك أثر جروح كانت عقوبتها السجن المشدد أو السجن المؤبدة