تعريف الخطأ الطبى وأنواعه
تعريف الخطأ :
هو إخلال الجانى عند تصرفه بواجبات الحيطة والحذر التى يفرضها القانون ، وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يقضى إلى حدوث النتيجة الأجرامية فى حين كان ذلك فى استطاعته ومن واجبه (د/محمود نجيب حسنى ص 129- بند 143 مشار اليه فى موسوعة الفقه والقضاء فى الطب الشرعى – شريف الطباخ – ود/ أحمد جلال )
وقد قسم أغلبية الفقه الخطأ إلى نوعين الأول أطلقوا عليه الخطأ البسيط والثانى أطلقوا عليه الخطأ الواعى وهما على الترتيب التالى :
أولا : الخطأ البسيط
وقد أطلق الفقه عدة مسميات على هذا الخطأ منها الخطأ غير الواعى أو الخطأ بدون توقع أو الخطأ بدون تبصر ويقع هذا نتيجة عدم توقع الجانى نشاطه الأيجابى أو السلبى مع قدرة الشخص العادى من فئته وفى ظروفه على توقعها وتفاديها ، نعدم للتوقيع أو التصور للحادث يلعب الدور الحقيقى فى قيام هذا النوع من الخطأ ولا تعتبر النتيجة الإجرامية متوقعة ، إلا إذا كان حدوثها يدخل فى نطاق السير العادى للأمور ، أى إذا كان التسلسل السيئ الذى أدى إلى إحداثها متفقا مع النحو الذى تجرى به الأمور عادة ، أما إذا كان حدوثها ثمرة عوامل شاذة لا يتفق تداخلها مع مألوف الأمور فهى غير متوقعة ، فلا يلام المتهم إن لم يتوقعها . (د/ محمود نجيب حسنى ودكتور عبد المهيمن بكر)
ثانيا : الخطأ الواعى
ويسمى هذا الخطأ أيضا بالخطأ البصير أو الخطأ مع التوقيع
وفيه يتصور الجانى إمكان تحقيق نتائج ضارة من نشاطه ، ومع ذلك يقدم عليه ، إما راجيا عدم وقوع هذه النتائج ، أو واثقا فى قدرته على دفعها وهذا النوع من الخطأ يعد أشد درجة من النوع الأول ، إذ أن تفضيل الجانى الإقدام على النشاط فى هذه الحالة ينطوى على طيش وإستخفاف بالعينة .(إنظر الدكتور عبد المهيمن بكر – ص135)
مسئولية الطبيب جنائيا عن أى خطأ ولو كان يسيرا :
بالنسبة للأطباء الأخصائين فإنه يجب استعمال منتهى الشدة معهم وجعلهم مسئولين عن أى خطأ ولو كان يسيرا ، خصوصا إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم لأن من واجبهم الدقة فى التشخيص والاعتناء وعدم الإهمال فى المعالجة .( إستئناف مصر 2/1/1939 – المحاماه س19 رقم 334 ص317).
 
مسئولية الطبيب  لها وجهان  :
أن مسئولية الطبيب لها وجهان : أحدهما متعلق بصناعته وهو ما يعبر عنه بخطأ المهنة ؛ وثانيهما ليس متعلقا بذلك ولا شأن له بالفن فى ذاته ، فخطأ المهنة لا يسلم به إلا فى حالات "الجهل الفاضح " والوجه الثانى لا يخضع لسلطان التقدير الفنى الطبى والجدل العلمى ، لأنه خطأ مادى يقع فيه الطبيب مخالفا بذلك القواعد المقررة طبيا فهو مسئول عنه ، وهذا النوع من الخطأ يقع تحت المسئولية العامة ، شأن الطبيب فيه شأن أى شخص آخر ( المحاماة س15 القسم الثانى – رقم 216– ص471 الصادر من محكمة الجيزة فى
 26/1/1935) .
 
ومن تطبيقات الخطأ المادى أن :
يحرر طبيب "روشتة" لمريض تتضمن دواء ساما بمقدار 25 نقطة فى الزجاجة ولم يكتب كلمة نقط gouttes بشكل واضح ، بل كتب منها حرفين أو ثلاثة . فاختلطت لدى مساعد الصيدلى مع كلمة جرام grammes ، فقام بتركيب الدواء على اساس وضع 25 جراما فيه ، ولذا توفيت المريضة من إستعماله . وإعتبرت المحكمة الطبيب، والصيدلى ، ومساعدة ثلاثتهم مسئولين عن قتل المريضة خطأ ، أولهم لأنه كتب كلمة نقطة مختزلة فى حرفين أو ثلاثة حروف متقاربة فى مساحة ضيقة جدا من هامش الروشتة ، مع أن المرسوم الصادر فى 14 سبتمبر سنة 1961 يوجب فى المادة 20 منه كتابه الأرقام بالحروف وهو لم يفعل وثانيهم لأنه قبل هذه الروشتة المخالفة للقانون ولم يعدها للطبيب لتحريرها كما يجب . ولأنه ترك أمر تركيب دواء سام لمساعده مع أن القانون الصادر فى 1 سبتمبر سنة 1941 يوجب عليه فى المادة 27 منه أن يقوم بتركيب الأدوية السامة بنفسه أو تحت إشرافه المباشر . وثالثهم لأنه لم يرجع إلى الصيدلى للتحقيق من المقصود من الروشتة ولأنه أخطاء خطأ فنيا إذ أن القواعد الفنية لا تسمح بوضع 250 جراما من هذه المادة السامة فى دواء أشارت الروشتة إلى أن المريضة ستستعمله على دفعتين فقط .(راجع الدكتور رؤف عبيد – المرجع السابق محكمة أنجيه 11/4/1942).
ومن هذه الأمثلة أيضا ما ساقته محكمة النقض فى الحكم
 23/4/1931 أن طبيب كان يجرى عملية شعره للمجنى عليه تحرك المذكور فضربه بقبضه يده دفعتين . وبالكف على رأسه دفعة . وقد ثبت من تقرير الطبيب الشرعى أنه كان عند المجنى عليه إيتوزم متقدم بالأورطى يجوز أن ينفجر من نفسه نتيجة إرتفاع فى الضغط الدموى أيا كان سببه فى الجزء المريض أو بسبب عنف خارجى يقع على الجسم . ولما كان الطبيب قد ضرب المجنى عليه فى مقابلة الاينورزم فالذى يمكن إستنتاجه أن الاينورزم المذكور قد تعرض بالفعل لعنف خارجى فانفجر وحدثت الوفاة .( نقض جنائى 23/4/1931 – المحاماه س12 ،197)
الخطأ المهنى :
يقصد بالخطأ المهنى اخلال ذوى المهن بالواجبات الخاصة التى تفرضها عليهم مهنهم كاهمال الجراح أصول مهنة الجراحة ، واهمال المحامى أصول الدفاع عن موكله وتعتبر المسئولية عن هذا الخطأ مسئولية عقدية إذا كان يربط صاحب المهنة بالمضرور عقد ، أما إذا انتفى هذا العقد فالمسئولية تقصيرية . وإن كانت بعض الأحكام تعتبر مسئولية الطبيب تقصيرية فى جميع الأحوال (يراجع فى هذا الخلاف واستعراض الأحكام مرقص بند 149) ..وأيا كان الأمر فإن هذا الخلاف لا تأثير له على معيار الخطأ الذى ينسب إلى الطبيب أو صاحب المهنة بوجه عام وهو التزام ببذل عناية فى جميع الأحوال . وقد ذهب البعض إلى أنه يشترط لتوافر مسئولية الطبيب أو ذى المهنة بوجه عام توافر الخطأ الجسيم فلا يكفى الخطأ العادى وذلك حتى تتوافر لذوى المهن الطمأنينة والثقة اللازمتان لمزاولة المهنة ، كما ذهب البعض إلى التفرقة بين الأخطاء العادية التى لا يتصل بأصول المهنة ولا يثير تقديرها نقاشا علميا أو يستلزم الرجوع إلى أهل الخبرة كالانقطاع عن العلاج أو الغلط فى كتابة الدواء أو استعمال أجهزة فى حالة سيئة أو ترك مشرط فى جسم المريض ، فهذه يسأل عنها مهما كانت يسيرة ، وبين الأخطاء المهنية التى تقع فى الفن ذاته كتشخيص المرض أو اختيار طريقة العلاج أو تعين الدواء فهذه لا يسأل فى الخطأ فيها إلا إذا كان الخطأ جسيما . ولكن الصحيح والذى أصبح سائدا هو أنه لا فارق بين ذوى المهن وممن غيرهم فى نوع أو درجة الخطأ ، فهم يخضعون كغيرهم للقواعد العامة فى المسئولية التقصيرية ، ومن ثم يكفى لقيام هذه المسئولية فى حقهم ان يتوافر أى خطأ مهما كان يسيرا ، ولكن الجوهرى فى هذا الصدد فى اختيار نموذج الرجل المعتاد الذى يقاس إليه مسلك ذى المهنة ، فيجب ان يقاس سلوك ذى المهنة إلى السلوك المألوف لمهنى فى حال مهنته وله ذات تخصصه ( جمال زكى فى الوجيز فى الالتزامات بند 248- مرقص بند 150- السنهورى بند 548 – مرعى بند 70 – ويراجع فى مسئولية الأطباء والجراحين الدكتور حسنى زكى الابراشى فى رسالته عن مسئولية الأطباء والجراحين المدنية والدكتور محمد فايق الجوهرى فى رسالته عن المسئولية الطبية فى قانون العقوبات سنة 1951 – والدكتور محمود محمود مصطفى فى بحثه عن المسئولية الجنائية للطبيب إذا أفشى سرا من أسرار المهنة المنشور مجلة القانون والاقتصاد س11 ص655 – ويراجع فى استعراض مسئولية الطبيب فى الفقه الإسلامى الدكتور محمد صلاح الدين حلمى فى رسالته – المسئولية التقصيرية فى الشريعة الاسلامية والقانون ص336 وما بعدها ).
 
الخطأ العمد والخطأ بأهمال :
الخطأ العمد هو الإخلال بواجب قانونى مقترن بقصد الإضرار بالغير وهو ما يسعى بالجريمة المدنية ، فلابد فيه من فعل أو امتناع يعد اخلالا بواجب قانونى ، ولابد أيضا من أن يكون هذا الاخلال مصحوبا بقصد الاضرار بالغير أى باتجاه الارادة الى أحداث الضرر فلا يكفى اتجاهها إلى ارتكاب الفعل ذاته إذا لم تتجه إلى أحداث النتيجة الصادرة (مرقص بند 97) أما الخطأ بإهمال وهو ما يعرف بشبه الجريمة المدينة فهو الاخلال بواجب قانونى سابق مقترن بإدراك المخل لهذا الاخلال دون أن يقصد الى الاضرار بالغير ( مرقص بند 98) ويستوى الخطأ العمد والخطأ بإهمال فى توافر المسئولية المدنية (جمال زكى بند 246).
 
الخطـأ الجسيم والخطأ اليسير :
الأصل هو اعتبار الخطأ درجة واحدة لأنه مادام الخطأ هو الاخلال بواجب قانونى فإن التدرج فى درجاته مضمون الواجبات القانونية على نحو يجعل من سلوك المسئول انحرافا عنه كان هذا الانحراف خطأ موجبا للمسئولية بغض النظر عن درجة جسامته ( فى هذا المعنى مرقص بند 99 ).. و مع ذلك فإن المشرع يعتد بجسامة الخطأ سواء فى تقدير التعويض بوصفه من الظروف الملابسة أو بموجب نص خاص كما يشترطه القضاء أحيانا كالشأن فى الأخطاء المهنية وقد تعددت الآراء فى تعريف الخطأ الجسيم تبعا لموضع أعمال فكرة الخطأ الجسيم فأحيانا يقصد به الخطأ الذى يبلغ حدا يسمح بافتراض سوء نية الفاعل حيث لا يتوافر الدليل عليها ، وتارة يقصد بها الاهمال وعدم التبصر الذى يبلغ حدا من الجسامة يجعل له أهمية خاصة ، ويقصد به فى معرض القانون اصابات العمل حسبما ذهبت محكمة النقض الخطأ الذى يقع من شخص قليل الذكاء والعناية فلا يتصور وقوعه إلا من شخص غبى عديم الاكتراث كما يقصد به فى شأن خطأ أرباب المهن الخطأ الذى يكون مسلما لا جدال فيه ( يراجع فى تفصيل ذلك  مرقص بند 100 – ويراجع فى استعراض الفقه الاسلامى فى هذا الصدد رسالة محمد صلاح الدين حلمى ص294 وما بعدها ).
          وقد قضى بأن " الطبيب لا يسأل عن خطئه اليسير بل عن خطئه الجسيم أو غلطة ناجمة مثلا عن جهل أو اهمال لا ريب فيه " ( حكم مختلط
 3/2/1991 منشور بالمرجع السابق الدكتور محمد فايق ).
          وقضى أيضا بأن " الطبيب الذى يعمل عملية جراحية بعضد مريض فينشأ عنها نزيف غزير يستدعى علاج خمسين يوما يكون قد ارتكب خطأ جسيما إذا اتضح أن حدوث النزيف تسبب عن قطع شرايين صغيرة فى محل العملية وعدم ربطها ثانية لأن الأصول الطبية كانت تقضى بذلك ومن ثم يكون مسئولا جنائيا ومدنيا " .( محكمة استئناف مصر 19/4/1904). وبأنه " الطبيب لا يسأل عن أخطائه الفنية فى التشخيص والعلاج إلا فى حالة الفن والخطأ الجسيم " (19/11/1936 حكم مختلط و21/4/1938). وبأنه " الطبيب لا يسأل عن خطئه فى تشخيص مرض أو عدم مهارته فى مباشرة عملية جراحية ، إلا أنه يكون مسئولا عن خطئه الجسيم مدنيا وجنائيا إذا ثبت أنه لم يتخذ الاحتياطات التى يوجبها الفن " (محكمة مصر – منعقدة – بهيئة إستئنافية 3/5/1927).
 
مسائلة الطبيب عن أى تقصير يصدر منه :
إباحة عمل الطبيب ( أو الصيدلى ) مشروطة بأن يكون ما يجريه مطابقا للأصول العلمية المقررة ، فإذا فرط أحدهما فى إتباع هذه الأصول أو خالفها حقت عليه المسئولية الجنائية بحسب تعمده الفعل ونتيجته أو تقصيره وعدم تحرزه فى أداء عمله .
وقد قضت محكمة النقض بأن : توافر خطأ الطبيب من اجرائه عملية كحت غشاء رحم المجنى عليها ، يصيب ما حدث من تمزق فى جدار الرحم وتدلى لفة من الأمعاء الدقيقة من هذا التمزيق إلى فراغ الرحم  ثم عدم تلبية إستغاثة زوج المجنى عليها عندما اخبره بسوء حالتها . ( نقض 11 يونيه سنة 1963 مجموعة الأحكام من 14 رقم 91 ص506).