الماده رقم 103 عقوبات معدلة ب قانون 95 لسنة 2003
كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به.
========================================
تمهيد :
========================================
أورد المشرع الجنائي المصري ، الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان " الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية وبيان عقوباتها " . وخصص لذلك المواد من ?? حتى ??? .
وقد تناول المشرع في ذلك الإطار الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ، ومن جهة الداخل ، وهو ما جرى العمل على تسميتها " بالجرائم المضرة بأمن الدولة "، وتلاها بالجرائم المتعلقة بالمفرقعات ، ثم جرائم الرشوة ، وجرائم الاعتداء على المال العام ، ثم الجرائم المتعلقة بأشخاص الموظفين العموميين سواء كانوا جناة ) تعذيب ، استعمال القسوة ، أو تجاوز حدود الوظيفة …… الخ ، أم كانوا في موقف المعتدى عليه ( مقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم … الخ ) ثم انتهاء بجرائم التزوير وجرائم تزييف العملة ….الخ .
ويتضح من ذلك ، أن وصف هذه الجرائم بأنها مضرة بالمصلحة العامة ، إنما يعود إلي الطابع الغالب على هذه الجرائم ، مقارنة بجرائم الاعتداء على الأفراد أو جرائم الاعتداء على الأموال الخاصة ، حيث أن الجريمة بصفة عامة ـ أية جريمة ـ لا تخلو من اعتداء على عدد من المصالح معاً (1) .
(1) د/ عمر الفاروق الحسينى ، شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة ، طبعة منقحة ، يناير 2009 ، ص 2 .
========================================
المقصود برشوة الموظف العام ومن في حكمه
========================================
جريمة الموظف العام ومن فى حكمه :
المقصود برشوة الموظف العام ومن في حكمه (2) :
الأصل أن الموظف العام لا يعمل لحساب نفسه ، وإنما يعمل لحساب الدولة أو الجهة العامة التي تنتمي وظيفته إليها . ومن ثم فهو واجهة لتلك الجهة أو للدولة بصفة عامة ، ولذلك ينبغي أن يكون نزيهاً عفيفاً حريصاً على أداء واجبات وظيفته ، دون انتظار مكافأة من صاحب المصلحة أو المتعاملين معه من سائر الأشخاص ، ومن باب أولى عليه ألا يطلب هو من أولئك أو هؤلاء أية عطايا أو مقابل لما يقوم به من عمل يتقاضى عنه راتباً من جهة عمله. ولا يجوز تبرير قبوله أو طلبه مقابلاً لذلك ، بضعف مرتبه أو عدم كفايته .
ومن الملاحظ للأسف الشديد أن طلب أو أخذ مقابل العمل من أصحاب المصالح ، لم يعد يقتصر على ذوي الرواتب القليلة ، بل امتد إلي ذوي الرواتب الكبيرة والعالية من ذوي الوظائف المرموقة ، الذين ينبغي أن يكونوا قدوة حسنة يحتذى بها .
ونكون بصدد ما يسمى " بالرشوة " إذا طلب الموظف العام لنفسه أو لغيره ، أو قبل ، أو أخذ مالاً أو نقودًا أو غير ذلك من العطايا ، مقابل قيامه بالعمل الذي ينبغي عليه أصلاً أن يقوم به ، أو مقابل عدم القيام به ، أو مقابل الإخلال بواجب من واجبات وظيفته ، بحيث لا يقوم بواجبه إلا بمقابل مما ذكر ، وكأنه قد حول الوظيفة العامة إلي تجارة خاصة مع ذوي المصالح من الأفراد والأشخاص .
ولذلك وكما قيل بحق ، فإن الرشوة هي اتجار من الموظف العام بأعمال وظيفته ، مما يسيء إلي نفسه وإلي الجهة التي يعمل بها ، بل وإلي النظام الوظيفي بصفة عامة ، وإلي الدولة في النهاية .
كما يعبر أحياناً عن تحول الرشوة إلي ظاهرة بعبارة " الفساد الإداري " أو بلفظ " الفساد " ، وهو تعبير صادق ولا شك عن تلك الآفة الخطيرة ، التي باتت تحتاج إلي وقفة جادة وحاسمة ، وموضوعية في الوقت ذاته .
ولا يقتصر الأمر هنا على الموظف العام بمعناه الفني الدقيق في القانون الإداري ، وإنما ينطبق كذلك على طائفة من المكلفين أو القائمين بأعمال محددة أو الشاغلين لمناصب معينة ، أشار إليها قانون العقوبات في المادة ( 111 )
(2) د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 5 ، 6 .
========================================
أركان جريمة رشوة الموظف العام ومن في حكمة :
========================================
أركان جريمة رشوة الموظف العام ومن في حكمة :
تتطلب جريمة الرشوة توافر أركان ثلاثة هي :-
صفة خاصة في الجاني.
ركن مادي.
قصد جنائي.
صفة المرتشي ( موظف عام مختص ، أو من في حكمه )
نصت المادة 103 من قانون العقوبات على أن " كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشيا ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي ما أعطي أو وعد به " .
========================================
المقصود بالموظف العام في مجال الرشوة
========================================
المقصود بالموظف العام في مجال الرشوة (3)
لم يورد المشرع الجنائي تعريفاً خاصاً به للموظف في مجال الرشوة ؛ ولذا يتعين الرجوع في تحديد ذلك إلي القانون الإداري .
ومن المقرر في القانون الإداري ، وهو ما يأخذ به القضاء الجنائي في هذا الشأن ، أن الموظف العام هو من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق .
وإذا توافرت هذه الشروط تحققت صفة الموظف العام ، ويستوي بعد ذلك أن تكون الجهة التابع لها من الجهات الخاضعة للقانون العام في شأن الوظائف العامة ، أو جهة خاضعة لنظام قانوني خاص كالقضاة أو رجال القوات المسلحة ، أو أعضاء هيئة التدريس بالجامعات أو هيئة الشرطة …الخ .
========================================
من هم في حكم الموظف العام في مجال الرشوة :
========================================
من هم في حكم الموظف العام في مجال الرشوة :
نصت المادة 111 من قانون العقوبات على أن : يعد في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الباب :-
1ـ المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحــت رقابتها.
2ـ أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين.
3ـ المحكمــــون أو الخـــبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضـــائيون.
4ـ كل شخص مكلف بخدمة عمومية.
أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت.
ويتضح من ذلك أن المشرع الجنائي قد وسع من نطاق تطبيق أحكام جريمة رشوة الموظف العام ، واعتبر الفئات المشار إليها في نص المادة 111 في حكم الموظفين العموميين ، بحيث يعاقبون بنفس العقوبة المقررة للموظف العام بالمعنى الدقيق .
كذلك فإن بعض نصوص التشريعات الخاصة ، قد تقرر اعتباربعض شاغلي المناصب في جهات معينة ، في حكم الموظف العام في مجال الرشوة ، مثال ذلك القانون رقم ??? لسنة ???? في شأن قطاع الأعمال العام ، حيث اعتبر رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات والعاملين بالشركات القابضة والشركات التابعة ، في حكم الموظفين العموميين في نطاق جريمة الرشوة .
========================================
لزوم اختصاص الموظف العام ومن في حكمه بالعمل لقيام جريمة الرشوة
========================================
لزوم اختصاص الموظف العام ومن في حكمه بالعمل لقيام جريمة الرشوة (4) :
من المقرر أنه يلزم لقيام جريمة الرشوة أن يكون العمل الذي وقعت الرشوة من أجله ، داخلاً في اختصاص الموظف . ويستفاد ذلك من عبارة المادة ??? عقوبات سالفة البيان " .... عمل من أعمال وظيفته " . وعلى ذلك فإذا لم يكن العمل المطلوب داخلاً في أعمال الوظيفة على الإطلاق ، فلا تقوم جريمة الرشوة .
و يكفي أن يكون الموظف مختصاً بجزء فقط من العمل يسمح له بتنفيذ المطلوب منه ، ولا يشترط أن يكون هو وحده المختص بكل العمل .
بل إن أحكام النقض تواترت على أنه ليس من الضروري أن تكون الأعمال المطلوبة من الموظف داخلة في نطاق وظيفته مباشرة ، وإنما يكفي أن يكون لها اتصال بها ، يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة ، وأن يكون الراشي قد اتجر مع الراشي على هذا الأساس.
ـ وتحديد ما إذا كان الموظف مختصاً أم غير مختص بالعمل المطلوب مقابل الرشوة ، يرجع
فيه بحسب الأصل إلي القوانين واللوائح المنظمة لهذه الوظيفة ، ومع ذلك يجوز أن يثبت هذا
الاختصاص بموجب أوامر إدارية مكتوبة أو شفوية.
ـ ومتى ثبت الاختصاص على النحو المشار إليه فيستوي أن يكون المطلوب من الموظف هو القيام بالعمل ، أو عدم القيام به ، أو الإخلال به بمعنى القيام به على وجه خاطئ أو على وجه يستوجب البطلان.
(3) ، (4) : د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 7 ، وما بعدها .
ـ ولا يلزم في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو هو وحدة المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له - أيهما - بتنفيذ الغرض من الرشوة (5) .
(5) : طعن رقم 30053 لسنة 67 ق - جلسة 17/5/2000.
========================================
الفعل المادي
========================================
الفعل المادي (6)
كركن من أركان جريمة الرشوة
ما هية الفعل المادى : هو قيام الموظف بأخذ أو قبول أو طلب فائدة أو وعد بها ، لنفسه أو لغيره ، من صاحب مصلحة ليؤدي له أمراً يدخل في أعمال وظيفته ، أو يزعم الموظف له أن أداءة من اختصاصه ، أو يعتقد خطأ أنه مختص به . فصور الفعل المادي من التعدد والسعة بحيث تشمل كل أوجه الاتجار بالوظيفة أو استغلالها أو محاولة أيهما . إذ الفعل يقع تاماً بمجرد أن يأخذ الموظف عطية ، أو يقبل وعداً بها ، أو يطلب شيئاً من ذلك ، والفائدة التي يتعلق بها أو ينصب عليها قد تكون من الماديات وقد تكون فائدة غير مادية.
والمستفيد منها قد يكون شخص المرتشي وقد يكون شخصاً آخر عينه لذلك أو علم به ووافق عليه . ومقابل الفائدة أو سببها هو أن يؤدي الموظف لصاحب المصلحة الذي قدمها عملاً يدخل في اختصاصه فعلاً أو زعماً توهماً . ويستوي أن يكون المطلوب هو عمل حق ، أو الامتناع عن عمل غير حق ، أو أن يكون إخلالاً بأعمال الوظيفة أو الخدمة .
فإذا ما وقع الفعل في إحدي صوره الثلاث ، أي الأخذ أو القبول أو الطلب ، فلا اعتداد بتنفيذ الغرض منها ، أي الأمر الذي قدمت من أجله ، أو عدم تنفيذه ، لأن الجريمة تكون قد استكملت جانبها المادي بهذا القدر وحده . وبالتالي فإن عدول الموظف بعد أخذه أو قبوله أو طلبه فائدة أو وعداً بها يكون لاحقاً علي وقوع الجريمة ولا ينجيه من استحقاق العقاب . وإنما في حالة واحدة تكون الفائدة لاحقة لتنفيذ الغرض منها ، وهي حالة مستحدثة نصت عليها المادة 104 حيث يمتنع الموظف عن عمل من أعمال وظيفة أو يخل بواجباتها ، بناء علي اتقان سابق علي الامتناع او الإخلال ، ثم يتلقي فائدة جزاء ما وقع منه . ونتناول فيما يلي كل ذلك .
========================================
صور الفعل المادي
========================================
صور الفعل المادي (7)
{ الأخذ أو القبول أو الطلب }
فالأخذ : هو التناول المعجل أو الفوري للعطية أو الفائدة . إذا العادة أن المرتشي يقتضي ثمن اتجاره بوظيفته عطية حاضرة ، وهـــــذا ما يعنيه المشرع بقـــوله " أخذ " ، أي أن الأخذ تعبير عن الدفع المعجل ، وهذه هي الصورة الغالبة في أفعال الارتشاء . ولا عبرة بنوع العطية ولا الهيئة التي قدمت بها ، فقد تقدم إلي المرتشي في شكل هدية إخفاء لقصد الرشوة أو تأدباً معه ويكون المقابل من أعمال الوظيفة أمر مفهوم ضمناً ، وقد تقدم إليه علي أنها ثمن للعمل المطلوب صراحة .
والإثبات في هذه الصورة يسير نسبياً ، وهو علي أي حال جائز بكل الطرق ومنها البينة والقرائن مهما بلغت قيمة العطية.
القبول : وقد لا يقتضي المرتشي ثمن عمله معجلا ً. وإنما يكتفي بوعد بتقديم العطية في المستقبل ، وهذا ما عبر عنه الشارع بقوله " أو قبل " . فالقبول تعبير عن الرشوة المؤجلة ، بمعني أنه ينصرف إلي الوعد بالعطية لا إلي العطية الحاضرة.
وتتم جريمة المرتشي بهذا القبول بصرف النظر عما إذا حصل بعد ذلك علي الفائدة أم لم يحصل عليها ، وأياً ما كانت الأسباب ، لأن الرشوة لا تتطلب لتمامها أن يكون المرتشي قد قبض بالفعل ثمن العمل المطلوب منه ، فهي لا تقوم علي الدفع من جانب والقبض من الجانب الآخر ، وإنما تقوم علي مجرد قبول الموظف أن يتجر بوظيفة أو يستغلها ، ولو لم يحصل على فائدته من هذه التجارة أو الاستغلال . ومن باب أولى ، فإنه لا أهمية لما إذا كان الموظف قد قام بتنفيذ الفعل أو الامتناع الذى بذل الوعد من أجله .
ولا يشترط أن يكون القبول صريحاً بل يصح أن يستنتج من ظروف الأحوال . ولكن الصعوبة تبدو فى إثباته ، خاصة إذا سكت الموظف ولم يبد رأياً . فقد يكون السكوت دليلاً على القبول ، كما يصح أن يكون دليلاً على التردد أو الرفض . وقد يدق الأمر إذا مضى الموظف فى عمله فأنجز ما طلب منه ، فقد يكون ذلك مبعثه الرغبه فى الاستجابة للوعد بالرشوة ، وقد لا يكون منبعثاً قط عن هذه الرغبة ، وإنما عن حرصه فى إتمام عمله على الوجه السليم ، وبصرف النظر عما إذا جاءت نتيجة تصرفه متطابقة ومصلحة من عرض الوعد أو متعارضة معها ، وقد يكون من مصلحة الموظف التبليغ عن الراشى ، ولكن سكوته وحده لا يكفى دليلاً على قبوله الوعد بالفائدة . والأمر فى ذلك متروك لتقدير المحكمة . غير أنه لما كانت الأحكام الجنائية لا تبنى إلا على اليقين ، فإنه يجب على المحكمة إذا لم يظهر الدليل المقنع على قبول الموظف للوعد بالرشوة أن تقضى ببراءته ، لأن الشك يؤول لصالح المتهم .
ومن البديهى أن القبول لا يكون موجوداً إلا إذا كان جدياً وحقيقياً ، فلو تظاهر الموظف بالموافقة لمجرد تمكين السلطات من القبض على الراشى متلبساً بجريمته ، فإن القبول الذى تقع به جريمته يكون منعدماً فى هذه الحالة . ولكن لا يلزم أن يكون عرض الراشى حقيقياً ، ويكفى أن يكون جدياً فى ظاهره فقط ، وهو ما عبرت عنه محكمة النقض حين قالت : " إن كل موظف يقبل من آخر وعداً بشئ ما .. لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل حقاً ، أو لامتناعه عن عمل من الأعمال المذكورة ولو ظهر أنه غير حق ، يعد مرتشياً ويكون مستحقاً للعقاب على جناية الرشوة ، يستوى فى هذا أن يكون الراشى الذى تعامل معه جاداً فى عرضه عليه أو غير جاد ، متى كان عرضه للرشوة جدياً فى ظاهره ،
وكان الموظف قد قبله علي أنه جدي منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي ذلك لأن العلة التي شرع العقاب علي الرشوة من أجلها تتحقق بالنسبة للموظف بهذا القبول منه إذ أنه في الحالتين علي السواء يكون قد اتجر حقيقة في وظيفته ، وتكون مصلحة الجماعة قد هددت فعلاً بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة التي أئتمنت عليها الموظف ليؤدي أعمالها بناء علي وحي ذمته وضميره ليس إلا ". نقض 19/4/ 1943 .
الطلب : وكذلك تقع الرشوة بمجرد "طلب" الموظف عطية أو وعداً بها دون عرض من جانب صاحب الحاجة ، بل حتي لو تم رفض الطلب من جانب هذا الأخير ، لأن الموظف بهذا الطلب يكون قد قارف ما يجرمه القانون وهو إنزال الوظيفة منزلة السلعة يتجر فيها . وهذه الصورة من إضافات قانون سنة 1953 حيث لم يكن القانون رقم 58 لسنة 1937 يذكر من الأفعال التي تقع بها الرشوة غير الأخذ والقبول ، مع أن الموظف الذي يتمادي في العبث بوظيفتة إلي حد أن يطلب بنفسه شراءها هو أولي بعداوة القانون وأحق بصرامته.
وقد اعتبر الطلب من جانب الموظف ، دون قبول من صاحب الحاجة ، مكوناً لمادية الجريمة التامة في رشوة الموظف العمومي بالقانون الفرنسي في 16 مارس سنة 1943 . وأعيد النص عليها في قانون 6 فبراير سنه 1945. وكانت تعد قبل إدخالها بالنص من قبيل الشروع .
والواقع أن تجريم الطلب للعطية أو الوعد بها من جانب الموظف ، واعتباره عملا تنفيذياً تاماً للرشوة ، إنما يواجه بالذات الحالة التي لا يجيبه فيها صاحب الشأن الي طلبه ، سواء بالرفض أو بالسكوت . فإنه إذا استجاب لطلب الموظف تكون الرشوة قد تحققت ، إما فى صورة القبول إذا وعد الموظف بتقديم ما طلبه في المستقبل ، وإما في صورة الأخذ إذا أعطاه إياه في الحال . فالقانون في هاتين الصورتين يقف عند مجرد حصول الأخذ للعطية أو قبول الوعد بها ، نتيجة للتفاهم أو الاتفاق غير المشروع بين الموظف وصاحب الحاجة ، أياً كان منهما الباديء بتحريك الأسباب إلي حصوله.
والطلب الذي تتحقق به جريمة الرشوة في حق الموظف ينبغي أن يكون صادراً عنه ، وأن يتصل بذي الحاجة أو وسيطه . وهو كما ينصرف إلي العطية ينصرف الي الوعد بها. وقد عبرت محكمة النقض عن طلب العطية "بالاستعطاء" وعن طلب الوعد " بالاستيعاد " .
ولما كان الفعل في حقيقته " شروعاً " في رشوة ، وقد خرج المشرع علي هذا الأصل باعتباره عملا تنفيذياً تاماً بالنص ، فإن الشروع فيه وفقاً للأصل عمل تحضيري للرشوة . وبالتالي فلا يصح إدخاله في نطاق التجريم باعتباره بدءاً في تنفيذ الرشوة ، أو تنفيذاً ، علي خلاف الأصل إلا بنص . ويقول د/ عبدالمهيمن بكر : ومن ثم صح في تقديري ما ذهب إليه غالبية الشراح في الفقه الفرنسي والمصري من أن الرشوة بعد تجريم مجرد " الطلب " قد أصبحت جريمة شكلية ولا يتصور فيها الشروع . وإثبات الطلب جائز بكل الطرق ومنها البينة مهما بلغت قيمة ما طلبه المرتشي .
صور الفائدة ( : ويجب أن يتعلق فعل الأخذ أو القبول أو الطلب بعطية لاحق للموظف فيها ، أو وعد بها . ويراد بالعطية كل ما يعطي مما يشبع حاجة للنفس، كبرت هذه الحاجه أم صغرت . فقد تكون العطية نقوداً وهذا هو الغالب ، و قد تكون أوراقاً مالية أو سندات أو مجوهرات أو ملابس أو مأكولات أو أي شيء آخر له قيمة . والوعد بدوره عطية مؤجلة.
وقد ذهب رأي في الفقه الإيطالي إلي وجوب توافر قدر من التناسب الموضوعي أو المادي بين العطية أوالفائدة وبين المقابل الذي قدمت من أجله ، أي بين العطية والغرض منها ، وإلي أنه إذا انعدم هذا التناسب ، بأن كانت الفائدة التي قدمت قليلة القيمة جداً بالنسبة للعمل المراد إتيانه من الموظف أو من القائم بالخدمة العامة ، فإن معني العطية لا يتوافر حينئذ بالقدر الذي يوجد الرشوة . وقد أخذ البعض بهذا الرأي في مصر . والواقع أنه ليس في القانون ما يوجب هذا التناسب ، وقد تقع الرشوة مع ضآلة العطية ، كما لو قدم أحد الباعة المتجوليين قطعة من ذات القرشيين أو الخمسة إلي شرطي ليدعه يقف بسلعته في مكان تحظر البلدية الوقوف فيه . وإنما تتخلف الجريمة عند ضآلة العطية إذا كانت لغير سبب الرشوة ، كما لو كانت مما يقدم للمجاملة المألوفة بين الناس مثل سيجارة أو فنجال القهوة يقدمه أحد أصحاب الشأن إلي موظف انتقل إلي بيته أو مكتبه لمباشرة إجراء معين . ففي هذه الحالة توجد العطية وينعدم السبب المقابل من أعمال الوظيفة ، فضلا عن أن القصد في الرشوة يكون منتفياً . وإذن فليس فى القانون ما يقتضي أي قدر من التناسب " الموضوعي " بين العطية وبين المقابل الذي قدمت من أجله ، فكل عطية تعتبر في نظر القانون فائدة تصلح لقيام جريمة الرشوة ، سواء كبرت قيمتها أم صغرت ، ما دام الثابت أن سبب تقديمها هو أن تكون مقابلاً لعمل أو امتناع عن عمل من أعمال الوظيفة .
وعلي ذلك فلو كان للموظف حق في العطية فإنها لا تكون مقابلا في جريمة رشوة ، أي لا تكون بسبب حمل الموظف علي الاتجار بأعمال وظيفته أو استغلالها . وصورة ذلك الخبير المعين في دعوي بناء علي طلب أحد الخصوم ، فهو مكلف بخدمة عامة ، إلا أنه متي كان مقرراً له قدر من المال يدفعه الخصم لقاء أداء مأموريته ، فإن حصوله عليه يكون بوجه حق ولا يعد رشوة .
ولا عبرة باسم الفائدة المعطاه أوالتي بذل الوعد بشأنها ولا صورتها . وهو ما نصت عليه المادة 107 حين قالت : " يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي ... أياً كان اسمها " . فالفائدة قد تقدم إلي المرتشي كثمن للعمل علي نحو ظاهر ، وقد تقدم في اسم هدية إخفاء لقصد الرشوة أو تأدباً مع المرتشي . وقد تتم في صورة عقد تغطية لمعالم الجريمة . ومثال ذلك أن يبيع صاحب الحاجة إلي الموظف عقاراً قيمته ألف حنيه بخمسمائة ، أو بؤجرة شقة إيجار مثلها عشرة جنيهات بسته ، أو يشتري منه منزلاً قيمته ألف جنية بألفين وهكذا . وقد كانت المادة 105 من قانون العقوبات قبل القانون 69 لسنة 1953 تنص علي هذه الحالات بقولها : " تعد من قبيل العطية والوعد الفائدة الخصوصية التي تحصل من بيع متاع أو عقار بثمن أزيد من قيمته أو شرائه بثمن أنقص منه أو من أي عقد حصل بين الراشي والمأمور المرتشي". ولكن القانون الجديد لم يرد تخصيص مادة لإحدي حالات الرشوة المستترة وآثر جانب التعميم في قوله : " أياً كان اسمها " . ولا يلزم أن تكون الفائدة المعطاة أو التي بذل الوعد بشأنها من الأشياء المادية ، بل إنها قد تكون فائدة غير مادية ، وهو ما نصت عليه المادة 107 أيضا بقولها : " .. وسواء أكانت الفائدة مادية أم غير مادية ..." وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقاً علي ذلك أن المادة 107 عقوبات نصت علي أنه يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة أياً كان اسمها أو نوعها وسواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية ، وذلك ليقع تحت طائلة العقاب الموظف المرتشي الذي يقوم بعمل من أعمال وظيفته أو يمتنع عن عمل من أعمالها مقابل حصوله علي خدمة لا تقوم بمال كالحصول علي توظيف أحد أقاربه أو السعي بترقيته أو غير ذلك من صور الفائدة " . وقد حكم تطبيقاً لذلك بعقوبة الرشوة علي شخصين اتجرا بأعمال وظيفتهما مقابل ما كان يحصلان عليه من ملذات ومتع شخصية . ( حكم المحكمة العسكرية العليا بالاسكندرية 20 نوفمبر 1955 فى قضية الجناية رقم 82 سنة 1955 عسكرية قسم المنتزه " مقيدة برقم 801 / 1955 عسكرية عليا ) .
وغني عن البيان أنه إذا لم يأخذ الموظف فائدة ما ، أو لم يقبل وعداً بها ، أو لم يطلب شيئاً من ذلك ، فإنه لا يرتكب رشوة . غير أنه إذا كان قد قام بعمل أو امتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة فإنه يقع تحت طائلة المادة 105 عقوبات ، وهي تقضي بعقوبة السجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنية ولا تزيد على خمسمائة على كل موظف عمومى قام بعمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها نتيجة استجابته لرجاء أو توصية أو وساطة . فإذا لم يحصل رجاء أو نحوه فلا جريمة ، ولو قام الموظف بما يحقق صالح ذي شأن تحت تأثير المركز الذي يشغله بين الناس ، أو تحت تأثير علاقة ودية تربطه بالموظف . وإذا حصل الرجاء أو التوصية أو الوساطة لزم التحقق من أن قيام الموظف بالعمل قد جاء نتيجة استجابة منه لهذا الرجاء أو الوساطة التي بذلت ، فإذا كان الثابت أنه اتخذ ما يملية عليه الواجب غير ملق بالا إلي شيء من ذلك فلا جريمة في حقه ، ولا عقاب علي من توسل له.
(6) ، (7) ، ( : د/ عبدالمهيمن بكر ، القسم الخاص فى قانون العقوبات ، الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، ط 1970 ، ص 329 وما بعدها .
المستفيد من الرشوة (9) : وقد نبذل العطية أو الوعد بها إلي الموظف هو نفسه ، وقد ترسل إليه بالواسطة ، كما لو أعطيت لأحد خلصائه أو ذويه ، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب لمساءلة الموظف أن يصدر عنه أحد أفعال الارتشاء مع علمه بأن ما يتلقاه هو المقابل لعمل من أعمال وظيفته أو مما يزعم أو يعتقد أنه كذلك ، فإذا بقى جاهلاً فإن قبول من تلقي العطية أو الوعد بها لا ينشيء جريمة الموظف ، وكذلك الأمر لو تم إخباره بالوعد أو العطية فرفضها ولم يقبلها .
ولا يلزم لتحقق إجرام الراشي أن تكون العطية أو الوعد بها قد بذلت لصالحه هو مباشرة أو بالواسطة وإنما يكفي أن تكون لصالح الغير ( المواد 103 و103 مكرراً ، 104 و 104 مكرراً ، 107) . وهذا يقع في حالتين : الأولي أن يطلب الموظف لصالح الغير فائدة أو وعداً بها مقابلاً للعمل المطلوب ، كأن يطلب حلة لابنه ، أو خاتماً لزوجتة ، أو تصريح ركوب مجانى لأخيه ، أو ترقية قريب له أو صديق . والحالة الثانية أن تبدل الفائدة لأحد من ذوى قربى الموظف لينتفع بها لنفسه ، كقرط ماسى للزوجة تتحلي به ، فيعلم الموظف بذلك ويوافق عليه. وشرط إجرام الموظف في هذه الحالة أن يعلم بمن تلقي الفائدة أو الوعد بها ، وسببها ، وأن يوافق علي ذلك . أما إذا ظل جاهلا فلا سبيل الي مؤاخذته ، لأن قبول من تلقي العطية أو العد لا يغني عن علم الموظف وقبوله هو نفسه . وهذه الحالة مستحدثة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 ( المادة 107 ) ، ولم يكن بالقانون قبل ذلك غير الحالة الأولي وحدها بالمادة 106 منه ، وهي الحالة التي يتولي فيها الموظف تعيين الشخص الذي تبذل الفائدة لمصلحته .
مقابل الفائدة أو سبب الرشوة (10) : لا يكفي لقيام جريمة الرشوة أن " يأخذ " موظف عمومي أو من في حكمه عطية ، أو " يقبل " وعداً بها ، أو " يطلب" شيئاً من ذلك ، لنفسه أو لغيره ، وإنما يشترط أن يكون مقابل الفائدة أو السبب الذي من أجله حصل أحد هذه الافعال هو أن يقوم الموظف بأداء أمر يدخل في اختصاصه الوظيفي ، أو يزعم هو أو يعتقد خطاْ أنه مختص به . فإذا كان للعطية مبرر قانوني غير اتجار الموظف بأعمال وظيفته أو استغلالها فإنه لا توجد الرشوة . غير أنه لا يلزم لوقوع الجريمة أن ينفذ الموظف ما يطلب منه من أعمال الوظيفة مقابلا للعطية ، إذ يكفي أن يتم الاتفاق عليه ، أو يكون مفهوماً ضمناً ، عند تلقى العطيه أو الوعد . كما أنه لا يشترط أن يكون هذا العمل منطوياً على الإخلال بمقتضيات الوظيفة أو الخدمة . وإذن فإن مقابل الفائدة هو أن يكون الغرض منها أن يؤدى الموظف عملا يتصل به من حيث الاختصاص أو ما يقوم مقامه . يستوي أن يكون هذا العمل من حيث نوعه أو ماهيته أداء أمر حق ، أو الامتناع عما ينبغي الامتناع عنه ، أو الإخلال بأحد واجبات الوظيفة أو الخدمة .
(9) ، (10) : د/ عبدالمهيمن بكر ، مرجع سابق ، ص 337 وما بعدها .
========================================
القصد الجنائي
========================================
القصد الجنائي (11)
كركن من أركان جريمة الرشوة
يجب لقيام جريمة ارتشاء الموظف أن تنصرف إرادته الي الطلب أو الأخذ أو القبول عالماً بأنه مقابل لأداء العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة وإن كان ينتوي في دخيلة نفسه عدم إنجاز العمل أو الامتناع أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة وذلك لأن تنفيذ العمل أو الإمتناع أو الإخلال ليس من أركان الرشوة ( م 104 مكرراً ع ) . وفي حالة الزعم بأن العمل من اختصاصه يجب أن يكون الجاني محيطاً بأنه يستغل بذلك وظيفته ( م 103 ، 103 مكرراً ، 104 مكرراً ع ) . وفي حالة الرشوة اللاحقة يجب أن تنصرف إرادته إلي الطلب أو القبول أو الأخذ علي أنه مكافأة علي ما وقع منه فعلا من عمل أو إمتناع أو إخلال بواجبات الوظيفة ( م 104 ع ).
ويجب أن يقترن القصد في جميع الأحوال مع النشاط وهو الطلب أو قبول الوعد أو الفائدة أو أخذ العطية ، فاذا تراخي القصد عن النشاط فلا رشوة ، كما لو كان أخذ الموظف المال لسبب آخر بريء غير أداء العمل أو الامتناع أو الإخلال ، ومن باب أولي إذا كان لا يعلم بما قدم لزوجته من مال علي أنه رشوة وأدي العمل أو الإمتناع . ولا يعتبر القصد متوافراً في الرشوة اللاحقة إذا أخذ الموظف المال علي أنه سداد لدين وليس مكافأة علي ما وقع منه من عمل أو امتناع أو إخلال . والإقتران المطلوب هو بين القصد والطلب أو القبول أو الأخذ سواء كانت الرشوة سايقة أو لاحقة . فلا يشترط في الرشوة اللاحقة أو المكافأة اللاحقة أن يكون لدي الموظف نية طلب مكافأة علي العمل أو الإمتناع أو الإخلال وقت مباشرته إياه وإنما يكفي قبوله أو أخذه العطية بعد الأداء عالماً بأنها مكافأة له علي ما أداه . وإذا كانت الرشوة لاحقة أي بناء علي اتفاق سابق علي الإمتناع أو الإخلال فيجب ألا يكون هناك قبول لعطية أو وعد بها وإلا كانت وإلا كانت الرشوة فى هذه الحالة تامة وسابقة وليست من قبيل الرشوة اللاحقة ويكون تسليم المال بعد الأداء وفاء للوعد وليس من قبيل المكافأة . فالاتفاق في الرشوة اللاحقة منصب علي الإمتناع أو الإخلال وحدهما دون العطية أو الفائدة أو الوعد بها (12) .
(11) ، (12) : د/ محمد محيى الدين عوض ، مرجع سابق ، ص 542 ، 543 .
العقوبة : السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي ما أعطي أو وعد به.
========================================
زعم الاختصاص والاعتقاد الخاطئ بوجوده
========================================
زعم الاختصاص والاعتقاد الخاطئ بوجوده (1)
الأصل أنه إذا كان اختصاص الموظف بالعمل عنصراً لازماً لقيام جريمة الرشوة ، فإنه يجب أن يكون هذا الاختصاص حقيقياً ، وليس وهمياً ولا مزعوماً.
إإلا أنه لدواعي الصالح العام والإعتبارات العملية ، والتي تتمثل في عدم إدراك أو معرفة صاحب المصلحة من أفراد الناس ، باختصاص الموظف من عدمه ، ومن ثم إمكان استغلال ذلك من جانب بعض ذوي النفوس الضعيفة من الموظفين ؛ فقد ارتأى المشرع أن يساوي بين الاختصاص الحقيقي وبين كل من الاختصاص المزعوم أو الاختصاص الذي قد يعتقد الموظف خطأ أنه ثابت له. ( أ ) زعم الاختصاص :
إ ولعل المسألة واضحة في حالة زعم الاختصاص ، إذ يعني ذلك أن الموظف العام يعلم أنه غير مختص بالعمل ، ولكنه رغم ذلك يزعم أنه مختص به وصولاً إلي الحصول على الرشوة ، ومستغلاً في ذلك حاجة صاحب المصلحة أو الحاجة لإنجاز مصلحته أو حاجته ، وعدم إلمامه بقواعد الاختصاص الوظيفي .
إ وتثير مسألة زعم الاختصاص شبهة الاحتيال والنصب ، بما في ذلك من طرق احتيالية لازمة في جريمة النصب . إلا أن قضاء محكمة النقض تواتر على أنه يكفي هنا مجرد القول المطلق من الموظف بأنه مختص بذلك العمل . ومن باب أولى يتحقق الزعم إذا صاحب ذلك القول بعض الأعمال أو التصرفات التي تؤيده .
إ ويقول د/ عمر الفاروق الحسينى : " ونحن نعتقد أن مجرد " شغل " الوظيفة العامة هو مظهر كاف لتأييد زعم الموظف بأنه مختص بالعمل ، سيما إذا أخذنا في الاعتبار عدم إمكانية علم الفرد صاحب الحاجة بقواعد المنازعة في الاختصاص .
إلا يلزم أن يكون الموظف العام أو من في حكمه مختصاً بكل العمل ، كما لا يشترط أن يكون العمل داخلاً في اختصاص الموظف بصورة مباشرة …… الخ ، وأنه يكفي أن يكون مختصاً بقدر منه يسمح له بتنفيذ المطلوب مقابل الرشوة ، كما يكفي أن يكون متصلاً بصورة غير مباشرة بهذا العمل بصورة تسمح له بما تقدم …… الخ .
إ ولكن ما الحكم إذا نازع الموظف في اختصاص من حيث المبدأ ، بحيث اعتصم بإنكار كل دور له ولو كان ضئيلاً ، هادفا من ذلك إلي الوصول إلي هدم ونفي تهمة الرشوة عن نفسه ؟
إ وفقا للقواعد العامة ، فإن دفع الموظف بعدم وجود أي قدر له من الاختصاص علي النحو المتقدم ، هو دفع جوهري يتعين على المحكمة أن تحققه بلوغاً لغاية الأمر فيه ، وإلا أخلت بحق الدفاع ، وهو خطأ قد يؤدي إلي نقض الحكم بالإدانة.
إ وقد جري قضاء النقض في هذا الشأن علي " أن اختصاص الموظف العام بالعمل الذي دفع الجعل ( الرشوة ) مقابلاً له ، سواء كان حقيقيا أو مزعوما أو معتقداً فيه خطأ ، هو ركن في جريمة الرشوة التي تنسب إليه ، ومن ثم يتعين علي الحكم إثباته بما ينحسم به أمره ، وخاصة عند المنازعة فيه ، دون الاجتزاء علي الرد بتقريرات قانونية عامة مجردة لا يبين فيها حقيقية مقصود الحكم في شأن الواقع المفروض الذي هو مدار الأحكام ، ولا يتحقق بها ما يجب في التسبيب من وضوح البيان ، مما يجعل الحكم قاصرا متعينا نقضه . ( نقض 17 /11/ 1969 ، س 20 رقم 262 ص 288 )
إ كما قضي بأن " المرجح في تحديد الاختصاص هو الجهة الإدارية المختصة دون المتهم ، وخليق بالمحكمة أن تتحرى حقيقة اختصاص الموظف بسؤال الجهة الإدارية التي يتبعها ، دون التعويل في ذلك علي إقراره ، لأن توزيع الاختصاصات لا يثبت بالإقرار ، بل بتكليف الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف في أقل الأقدار .
(1) د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 9 وما بعدها .
========================================
وقت توافر الاختصاص
========================================
وقت توافر الاختصاص (2) :
إ وفقاً للقواعد العامة ، فإنه يلزم أن يكون الاختصاص بالعمل في الأحوال المشار إليها فيما سبق متوافرًا وقائماً بالنسبة للموظف في وقت وقوع الجريمة ، أي وقت ارتكاب السلوك الإجرامي وهو الطلب أو الأخذ أو القول باعتباره عنصرًا من عناصر الركن المادي للجريمة .
إوعلى ذلك ، فإذا لم تتوافر أية صورة من صور الاختصاص سالفة البيان وقت حدوث الفعل المعاقب عليه ، فلا تقوم جريمة الرشوة .
إثبات توافر الاختصاص في حكم الإدانة :
لما كان الاختصاص في العمل ، عنصراً لازماً لقيام الركن المادي لجريمة الرشوة ، فإنه يتعين على سلطة الاتهام إثباته في ادعائها ، كما يتعين على المحكمة إثباته في حكمها إذا هي انتهت فيه إلي الإدانة ، وإلا كان حكمها قاصر البيان بما يعرضه للنقض .
إ كما يتعين على المحكمة متى دفع أمامها بعدم اختصاص الموظف بالعمل أن ترد على هذا الدفع بصورة وافية ، لأنه دفاع جوهري يترتب على ثبوت صحته تغيير وجه الرأي في الدعوى ، وإلا كان حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع ، والقصور في التسبيب .
(2) د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 13 .
كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به.
========================================
تمهيد :
========================================
أورد المشرع الجنائي المصري ، الكتاب الثاني من قانون العقوبات تحت عنوان " الجنايات والجنح المضرة بالمصلحة العمومية وبيان عقوباتها " . وخصص لذلك المواد من ?? حتى ??? .
وقد تناول المشرع في ذلك الإطار الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج ، ومن جهة الداخل ، وهو ما جرى العمل على تسميتها " بالجرائم المضرة بأمن الدولة "، وتلاها بالجرائم المتعلقة بالمفرقعات ، ثم جرائم الرشوة ، وجرائم الاعتداء على المال العام ، ثم الجرائم المتعلقة بأشخاص الموظفين العموميين سواء كانوا جناة ) تعذيب ، استعمال القسوة ، أو تجاوز حدود الوظيفة …… الخ ، أم كانوا في موقف المعتدى عليه ( مقاومة الحكام وعدم الامتثال لأوامرهم والتعدي عليهم … الخ ) ثم انتهاء بجرائم التزوير وجرائم تزييف العملة ….الخ .
ويتضح من ذلك ، أن وصف هذه الجرائم بأنها مضرة بالمصلحة العامة ، إنما يعود إلي الطابع الغالب على هذه الجرائم ، مقارنة بجرائم الاعتداء على الأفراد أو جرائم الاعتداء على الأموال الخاصة ، حيث أن الجريمة بصفة عامة ـ أية جريمة ـ لا تخلو من اعتداء على عدد من المصالح معاً (1) .
(1) د/ عمر الفاروق الحسينى ، شرح قانون العقوبات ـ القسم الخاص ، جرائم الاعتداء على المصلحة العامة ، طبعة منقحة ، يناير 2009 ، ص 2 .
========================================
المقصود برشوة الموظف العام ومن في حكمه
========================================
جريمة الموظف العام ومن فى حكمه :
المقصود برشوة الموظف العام ومن في حكمه (2) :
الأصل أن الموظف العام لا يعمل لحساب نفسه ، وإنما يعمل لحساب الدولة أو الجهة العامة التي تنتمي وظيفته إليها . ومن ثم فهو واجهة لتلك الجهة أو للدولة بصفة عامة ، ولذلك ينبغي أن يكون نزيهاً عفيفاً حريصاً على أداء واجبات وظيفته ، دون انتظار مكافأة من صاحب المصلحة أو المتعاملين معه من سائر الأشخاص ، ومن باب أولى عليه ألا يطلب هو من أولئك أو هؤلاء أية عطايا أو مقابل لما يقوم به من عمل يتقاضى عنه راتباً من جهة عمله. ولا يجوز تبرير قبوله أو طلبه مقابلاً لذلك ، بضعف مرتبه أو عدم كفايته .
ومن الملاحظ للأسف الشديد أن طلب أو أخذ مقابل العمل من أصحاب المصالح ، لم يعد يقتصر على ذوي الرواتب القليلة ، بل امتد إلي ذوي الرواتب الكبيرة والعالية من ذوي الوظائف المرموقة ، الذين ينبغي أن يكونوا قدوة حسنة يحتذى بها .
ونكون بصدد ما يسمى " بالرشوة " إذا طلب الموظف العام لنفسه أو لغيره ، أو قبل ، أو أخذ مالاً أو نقودًا أو غير ذلك من العطايا ، مقابل قيامه بالعمل الذي ينبغي عليه أصلاً أن يقوم به ، أو مقابل عدم القيام به ، أو مقابل الإخلال بواجب من واجبات وظيفته ، بحيث لا يقوم بواجبه إلا بمقابل مما ذكر ، وكأنه قد حول الوظيفة العامة إلي تجارة خاصة مع ذوي المصالح من الأفراد والأشخاص .
ولذلك وكما قيل بحق ، فإن الرشوة هي اتجار من الموظف العام بأعمال وظيفته ، مما يسيء إلي نفسه وإلي الجهة التي يعمل بها ، بل وإلي النظام الوظيفي بصفة عامة ، وإلي الدولة في النهاية .
كما يعبر أحياناً عن تحول الرشوة إلي ظاهرة بعبارة " الفساد الإداري " أو بلفظ " الفساد " ، وهو تعبير صادق ولا شك عن تلك الآفة الخطيرة ، التي باتت تحتاج إلي وقفة جادة وحاسمة ، وموضوعية في الوقت ذاته .
ولا يقتصر الأمر هنا على الموظف العام بمعناه الفني الدقيق في القانون الإداري ، وإنما ينطبق كذلك على طائفة من المكلفين أو القائمين بأعمال محددة أو الشاغلين لمناصب معينة ، أشار إليها قانون العقوبات في المادة ( 111 )
(2) د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 5 ، 6 .
========================================
أركان جريمة رشوة الموظف العام ومن في حكمة :
========================================
أركان جريمة رشوة الموظف العام ومن في حكمة :
تتطلب جريمة الرشوة توافر أركان ثلاثة هي :-
صفة خاصة في الجاني.
ركن مادي.
قصد جنائي.
صفة المرتشي ( موظف عام مختص ، أو من في حكمه )
نصت المادة 103 من قانون العقوبات على أن " كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو أخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشيا ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي ما أعطي أو وعد به " .
========================================
المقصود بالموظف العام في مجال الرشوة
========================================
المقصود بالموظف العام في مجال الرشوة (3)
لم يورد المشرع الجنائي تعريفاً خاصاً به للموظف في مجال الرشوة ؛ ولذا يتعين الرجوع في تحديد ذلك إلي القانون الإداري .
ومن المقرر في القانون الإداري ، وهو ما يأخذ به القضاء الجنائي في هذا الشأن ، أن الموظف العام هو من يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام ، عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق .
وإذا توافرت هذه الشروط تحققت صفة الموظف العام ، ويستوي بعد ذلك أن تكون الجهة التابع لها من الجهات الخاضعة للقانون العام في شأن الوظائف العامة ، أو جهة خاضعة لنظام قانوني خاص كالقضاة أو رجال القوات المسلحة ، أو أعضاء هيئة التدريس بالجامعات أو هيئة الشرطة …الخ .
========================================
من هم في حكم الموظف العام في مجال الرشوة :
========================================
من هم في حكم الموظف العام في مجال الرشوة :
نصت المادة 111 من قانون العقوبات على أن : يعد في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الباب :-
1ـ المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحــت رقابتها.
2ـ أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين.
3ـ المحكمــــون أو الخـــبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضـــائيون.
4ـ كل شخص مكلف بخدمة عمومية.
أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت.
ويتضح من ذلك أن المشرع الجنائي قد وسع من نطاق تطبيق أحكام جريمة رشوة الموظف العام ، واعتبر الفئات المشار إليها في نص المادة 111 في حكم الموظفين العموميين ، بحيث يعاقبون بنفس العقوبة المقررة للموظف العام بالمعنى الدقيق .
كذلك فإن بعض نصوص التشريعات الخاصة ، قد تقرر اعتباربعض شاغلي المناصب في جهات معينة ، في حكم الموظف العام في مجال الرشوة ، مثال ذلك القانون رقم ??? لسنة ???? في شأن قطاع الأعمال العام ، حيث اعتبر رؤساء وأعضاء مجالس الإدارات والعاملين بالشركات القابضة والشركات التابعة ، في حكم الموظفين العموميين في نطاق جريمة الرشوة .
========================================
لزوم اختصاص الموظف العام ومن في حكمه بالعمل لقيام جريمة الرشوة
========================================
لزوم اختصاص الموظف العام ومن في حكمه بالعمل لقيام جريمة الرشوة (4) :
من المقرر أنه يلزم لقيام جريمة الرشوة أن يكون العمل الذي وقعت الرشوة من أجله ، داخلاً في اختصاص الموظف . ويستفاد ذلك من عبارة المادة ??? عقوبات سالفة البيان " .... عمل من أعمال وظيفته " . وعلى ذلك فإذا لم يكن العمل المطلوب داخلاً في أعمال الوظيفة على الإطلاق ، فلا تقوم جريمة الرشوة .
و يكفي أن يكون الموظف مختصاً بجزء فقط من العمل يسمح له بتنفيذ المطلوب منه ، ولا يشترط أن يكون هو وحده المختص بكل العمل .
بل إن أحكام النقض تواترت على أنه ليس من الضروري أن تكون الأعمال المطلوبة من الموظف داخلة في نطاق وظيفته مباشرة ، وإنما يكفي أن يكون لها اتصال بها ، يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة ، وأن يكون الراشي قد اتجر مع الراشي على هذا الأساس.
ـ وتحديد ما إذا كان الموظف مختصاً أم غير مختص بالعمل المطلوب مقابل الرشوة ، يرجع
فيه بحسب الأصل إلي القوانين واللوائح المنظمة لهذه الوظيفة ، ومع ذلك يجوز أن يثبت هذا
الاختصاص بموجب أوامر إدارية مكتوبة أو شفوية.
ـ ومتى ثبت الاختصاص على النحو المشار إليه فيستوي أن يكون المطلوب من الموظف هو القيام بالعمل ، أو عدم القيام به ، أو الإخلال به بمعنى القيام به على وجه خاطئ أو على وجه يستوجب البطلان.
(3) ، (4) : د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 7 ، وما بعدها .
ـ ولا يلزم في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو هو وحدة المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له علاقة به أو يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له - أيهما - بتنفيذ الغرض من الرشوة (5) .
(5) : طعن رقم 30053 لسنة 67 ق - جلسة 17/5/2000.
========================================
الفعل المادي
========================================
الفعل المادي (6)
كركن من أركان جريمة الرشوة
ما هية الفعل المادى : هو قيام الموظف بأخذ أو قبول أو طلب فائدة أو وعد بها ، لنفسه أو لغيره ، من صاحب مصلحة ليؤدي له أمراً يدخل في أعمال وظيفته ، أو يزعم الموظف له أن أداءة من اختصاصه ، أو يعتقد خطأ أنه مختص به . فصور الفعل المادي من التعدد والسعة بحيث تشمل كل أوجه الاتجار بالوظيفة أو استغلالها أو محاولة أيهما . إذ الفعل يقع تاماً بمجرد أن يأخذ الموظف عطية ، أو يقبل وعداً بها ، أو يطلب شيئاً من ذلك ، والفائدة التي يتعلق بها أو ينصب عليها قد تكون من الماديات وقد تكون فائدة غير مادية.
والمستفيد منها قد يكون شخص المرتشي وقد يكون شخصاً آخر عينه لذلك أو علم به ووافق عليه . ومقابل الفائدة أو سببها هو أن يؤدي الموظف لصاحب المصلحة الذي قدمها عملاً يدخل في اختصاصه فعلاً أو زعماً توهماً . ويستوي أن يكون المطلوب هو عمل حق ، أو الامتناع عن عمل غير حق ، أو أن يكون إخلالاً بأعمال الوظيفة أو الخدمة .
فإذا ما وقع الفعل في إحدي صوره الثلاث ، أي الأخذ أو القبول أو الطلب ، فلا اعتداد بتنفيذ الغرض منها ، أي الأمر الذي قدمت من أجله ، أو عدم تنفيذه ، لأن الجريمة تكون قد استكملت جانبها المادي بهذا القدر وحده . وبالتالي فإن عدول الموظف بعد أخذه أو قبوله أو طلبه فائدة أو وعداً بها يكون لاحقاً علي وقوع الجريمة ولا ينجيه من استحقاق العقاب . وإنما في حالة واحدة تكون الفائدة لاحقة لتنفيذ الغرض منها ، وهي حالة مستحدثة نصت عليها المادة 104 حيث يمتنع الموظف عن عمل من أعمال وظيفة أو يخل بواجباتها ، بناء علي اتقان سابق علي الامتناع او الإخلال ، ثم يتلقي فائدة جزاء ما وقع منه . ونتناول فيما يلي كل ذلك .
========================================
صور الفعل المادي
========================================
صور الفعل المادي (7)
{ الأخذ أو القبول أو الطلب }
فالأخذ : هو التناول المعجل أو الفوري للعطية أو الفائدة . إذا العادة أن المرتشي يقتضي ثمن اتجاره بوظيفته عطية حاضرة ، وهـــــذا ما يعنيه المشرع بقـــوله " أخذ " ، أي أن الأخذ تعبير عن الدفع المعجل ، وهذه هي الصورة الغالبة في أفعال الارتشاء . ولا عبرة بنوع العطية ولا الهيئة التي قدمت بها ، فقد تقدم إلي المرتشي في شكل هدية إخفاء لقصد الرشوة أو تأدباً معه ويكون المقابل من أعمال الوظيفة أمر مفهوم ضمناً ، وقد تقدم إليه علي أنها ثمن للعمل المطلوب صراحة .
والإثبات في هذه الصورة يسير نسبياً ، وهو علي أي حال جائز بكل الطرق ومنها البينة والقرائن مهما بلغت قيمة العطية.
القبول : وقد لا يقتضي المرتشي ثمن عمله معجلا ً. وإنما يكتفي بوعد بتقديم العطية في المستقبل ، وهذا ما عبر عنه الشارع بقوله " أو قبل " . فالقبول تعبير عن الرشوة المؤجلة ، بمعني أنه ينصرف إلي الوعد بالعطية لا إلي العطية الحاضرة.
وتتم جريمة المرتشي بهذا القبول بصرف النظر عما إذا حصل بعد ذلك علي الفائدة أم لم يحصل عليها ، وأياً ما كانت الأسباب ، لأن الرشوة لا تتطلب لتمامها أن يكون المرتشي قد قبض بالفعل ثمن العمل المطلوب منه ، فهي لا تقوم علي الدفع من جانب والقبض من الجانب الآخر ، وإنما تقوم علي مجرد قبول الموظف أن يتجر بوظيفة أو يستغلها ، ولو لم يحصل على فائدته من هذه التجارة أو الاستغلال . ومن باب أولى ، فإنه لا أهمية لما إذا كان الموظف قد قام بتنفيذ الفعل أو الامتناع الذى بذل الوعد من أجله .
ولا يشترط أن يكون القبول صريحاً بل يصح أن يستنتج من ظروف الأحوال . ولكن الصعوبة تبدو فى إثباته ، خاصة إذا سكت الموظف ولم يبد رأياً . فقد يكون السكوت دليلاً على القبول ، كما يصح أن يكون دليلاً على التردد أو الرفض . وقد يدق الأمر إذا مضى الموظف فى عمله فأنجز ما طلب منه ، فقد يكون ذلك مبعثه الرغبه فى الاستجابة للوعد بالرشوة ، وقد لا يكون منبعثاً قط عن هذه الرغبة ، وإنما عن حرصه فى إتمام عمله على الوجه السليم ، وبصرف النظر عما إذا جاءت نتيجة تصرفه متطابقة ومصلحة من عرض الوعد أو متعارضة معها ، وقد يكون من مصلحة الموظف التبليغ عن الراشى ، ولكن سكوته وحده لا يكفى دليلاً على قبوله الوعد بالفائدة . والأمر فى ذلك متروك لتقدير المحكمة . غير أنه لما كانت الأحكام الجنائية لا تبنى إلا على اليقين ، فإنه يجب على المحكمة إذا لم يظهر الدليل المقنع على قبول الموظف للوعد بالرشوة أن تقضى ببراءته ، لأن الشك يؤول لصالح المتهم .
ومن البديهى أن القبول لا يكون موجوداً إلا إذا كان جدياً وحقيقياً ، فلو تظاهر الموظف بالموافقة لمجرد تمكين السلطات من القبض على الراشى متلبساً بجريمته ، فإن القبول الذى تقع به جريمته يكون منعدماً فى هذه الحالة . ولكن لا يلزم أن يكون عرض الراشى حقيقياً ، ويكفى أن يكون جدياً فى ظاهره فقط ، وهو ما عبرت عنه محكمة النقض حين قالت : " إن كل موظف يقبل من آخر وعداً بشئ ما .. لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل حقاً ، أو لامتناعه عن عمل من الأعمال المذكورة ولو ظهر أنه غير حق ، يعد مرتشياً ويكون مستحقاً للعقاب على جناية الرشوة ، يستوى فى هذا أن يكون الراشى الذى تعامل معه جاداً فى عرضه عليه أو غير جاد ، متى كان عرضه للرشوة جدياً فى ظاهره ،
وكان الموظف قد قبله علي أنه جدي منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي ذلك لأن العلة التي شرع العقاب علي الرشوة من أجلها تتحقق بالنسبة للموظف بهذا القبول منه إذ أنه في الحالتين علي السواء يكون قد اتجر حقيقة في وظيفته ، وتكون مصلحة الجماعة قد هددت فعلاً بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة التي أئتمنت عليها الموظف ليؤدي أعمالها بناء علي وحي ذمته وضميره ليس إلا ". نقض 19/4/ 1943 .
الطلب : وكذلك تقع الرشوة بمجرد "طلب" الموظف عطية أو وعداً بها دون عرض من جانب صاحب الحاجة ، بل حتي لو تم رفض الطلب من جانب هذا الأخير ، لأن الموظف بهذا الطلب يكون قد قارف ما يجرمه القانون وهو إنزال الوظيفة منزلة السلعة يتجر فيها . وهذه الصورة من إضافات قانون سنة 1953 حيث لم يكن القانون رقم 58 لسنة 1937 يذكر من الأفعال التي تقع بها الرشوة غير الأخذ والقبول ، مع أن الموظف الذي يتمادي في العبث بوظيفتة إلي حد أن يطلب بنفسه شراءها هو أولي بعداوة القانون وأحق بصرامته.
وقد اعتبر الطلب من جانب الموظف ، دون قبول من صاحب الحاجة ، مكوناً لمادية الجريمة التامة في رشوة الموظف العمومي بالقانون الفرنسي في 16 مارس سنة 1943 . وأعيد النص عليها في قانون 6 فبراير سنه 1945. وكانت تعد قبل إدخالها بالنص من قبيل الشروع .
والواقع أن تجريم الطلب للعطية أو الوعد بها من جانب الموظف ، واعتباره عملا تنفيذياً تاماً للرشوة ، إنما يواجه بالذات الحالة التي لا يجيبه فيها صاحب الشأن الي طلبه ، سواء بالرفض أو بالسكوت . فإنه إذا استجاب لطلب الموظف تكون الرشوة قد تحققت ، إما فى صورة القبول إذا وعد الموظف بتقديم ما طلبه في المستقبل ، وإما في صورة الأخذ إذا أعطاه إياه في الحال . فالقانون في هاتين الصورتين يقف عند مجرد حصول الأخذ للعطية أو قبول الوعد بها ، نتيجة للتفاهم أو الاتفاق غير المشروع بين الموظف وصاحب الحاجة ، أياً كان منهما الباديء بتحريك الأسباب إلي حصوله.
والطلب الذي تتحقق به جريمة الرشوة في حق الموظف ينبغي أن يكون صادراً عنه ، وأن يتصل بذي الحاجة أو وسيطه . وهو كما ينصرف إلي العطية ينصرف الي الوعد بها. وقد عبرت محكمة النقض عن طلب العطية "بالاستعطاء" وعن طلب الوعد " بالاستيعاد " .
ولما كان الفعل في حقيقته " شروعاً " في رشوة ، وقد خرج المشرع علي هذا الأصل باعتباره عملا تنفيذياً تاماً بالنص ، فإن الشروع فيه وفقاً للأصل عمل تحضيري للرشوة . وبالتالي فلا يصح إدخاله في نطاق التجريم باعتباره بدءاً في تنفيذ الرشوة ، أو تنفيذاً ، علي خلاف الأصل إلا بنص . ويقول د/ عبدالمهيمن بكر : ومن ثم صح في تقديري ما ذهب إليه غالبية الشراح في الفقه الفرنسي والمصري من أن الرشوة بعد تجريم مجرد " الطلب " قد أصبحت جريمة شكلية ولا يتصور فيها الشروع . وإثبات الطلب جائز بكل الطرق ومنها البينة مهما بلغت قيمة ما طلبه المرتشي .
صور الفائدة ( : ويجب أن يتعلق فعل الأخذ أو القبول أو الطلب بعطية لاحق للموظف فيها ، أو وعد بها . ويراد بالعطية كل ما يعطي مما يشبع حاجة للنفس، كبرت هذه الحاجه أم صغرت . فقد تكون العطية نقوداً وهذا هو الغالب ، و قد تكون أوراقاً مالية أو سندات أو مجوهرات أو ملابس أو مأكولات أو أي شيء آخر له قيمة . والوعد بدوره عطية مؤجلة.
وقد ذهب رأي في الفقه الإيطالي إلي وجوب توافر قدر من التناسب الموضوعي أو المادي بين العطية أوالفائدة وبين المقابل الذي قدمت من أجله ، أي بين العطية والغرض منها ، وإلي أنه إذا انعدم هذا التناسب ، بأن كانت الفائدة التي قدمت قليلة القيمة جداً بالنسبة للعمل المراد إتيانه من الموظف أو من القائم بالخدمة العامة ، فإن معني العطية لا يتوافر حينئذ بالقدر الذي يوجد الرشوة . وقد أخذ البعض بهذا الرأي في مصر . والواقع أنه ليس في القانون ما يوجب هذا التناسب ، وقد تقع الرشوة مع ضآلة العطية ، كما لو قدم أحد الباعة المتجوليين قطعة من ذات القرشيين أو الخمسة إلي شرطي ليدعه يقف بسلعته في مكان تحظر البلدية الوقوف فيه . وإنما تتخلف الجريمة عند ضآلة العطية إذا كانت لغير سبب الرشوة ، كما لو كانت مما يقدم للمجاملة المألوفة بين الناس مثل سيجارة أو فنجال القهوة يقدمه أحد أصحاب الشأن إلي موظف انتقل إلي بيته أو مكتبه لمباشرة إجراء معين . ففي هذه الحالة توجد العطية وينعدم السبب المقابل من أعمال الوظيفة ، فضلا عن أن القصد في الرشوة يكون منتفياً . وإذن فليس فى القانون ما يقتضي أي قدر من التناسب " الموضوعي " بين العطية وبين المقابل الذي قدمت من أجله ، فكل عطية تعتبر في نظر القانون فائدة تصلح لقيام جريمة الرشوة ، سواء كبرت قيمتها أم صغرت ، ما دام الثابت أن سبب تقديمها هو أن تكون مقابلاً لعمل أو امتناع عن عمل من أعمال الوظيفة .
وعلي ذلك فلو كان للموظف حق في العطية فإنها لا تكون مقابلا في جريمة رشوة ، أي لا تكون بسبب حمل الموظف علي الاتجار بأعمال وظيفته أو استغلالها . وصورة ذلك الخبير المعين في دعوي بناء علي طلب أحد الخصوم ، فهو مكلف بخدمة عامة ، إلا أنه متي كان مقرراً له قدر من المال يدفعه الخصم لقاء أداء مأموريته ، فإن حصوله عليه يكون بوجه حق ولا يعد رشوة .
ولا عبرة باسم الفائدة المعطاه أوالتي بذل الوعد بشأنها ولا صورتها . وهو ما نصت عليه المادة 107 حين قالت : " يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي ... أياً كان اسمها " . فالفائدة قد تقدم إلي المرتشي كثمن للعمل علي نحو ظاهر ، وقد تقدم في اسم هدية إخفاء لقصد الرشوة أو تأدباً مع المرتشي . وقد تتم في صورة عقد تغطية لمعالم الجريمة . ومثال ذلك أن يبيع صاحب الحاجة إلي الموظف عقاراً قيمته ألف حنيه بخمسمائة ، أو بؤجرة شقة إيجار مثلها عشرة جنيهات بسته ، أو يشتري منه منزلاً قيمته ألف جنية بألفين وهكذا . وقد كانت المادة 105 من قانون العقوبات قبل القانون 69 لسنة 1953 تنص علي هذه الحالات بقولها : " تعد من قبيل العطية والوعد الفائدة الخصوصية التي تحصل من بيع متاع أو عقار بثمن أزيد من قيمته أو شرائه بثمن أنقص منه أو من أي عقد حصل بين الراشي والمأمور المرتشي". ولكن القانون الجديد لم يرد تخصيص مادة لإحدي حالات الرشوة المستترة وآثر جانب التعميم في قوله : " أياً كان اسمها " . ولا يلزم أن تكون الفائدة المعطاة أو التي بذل الوعد بشأنها من الأشياء المادية ، بل إنها قد تكون فائدة غير مادية ، وهو ما نصت عليه المادة 107 أيضا بقولها : " .. وسواء أكانت الفائدة مادية أم غير مادية ..." وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية تعليقاً علي ذلك أن المادة 107 عقوبات نصت علي أنه يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة أياً كان اسمها أو نوعها وسواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية ، وذلك ليقع تحت طائلة العقاب الموظف المرتشي الذي يقوم بعمل من أعمال وظيفته أو يمتنع عن عمل من أعمالها مقابل حصوله علي خدمة لا تقوم بمال كالحصول علي توظيف أحد أقاربه أو السعي بترقيته أو غير ذلك من صور الفائدة " . وقد حكم تطبيقاً لذلك بعقوبة الرشوة علي شخصين اتجرا بأعمال وظيفتهما مقابل ما كان يحصلان عليه من ملذات ومتع شخصية . ( حكم المحكمة العسكرية العليا بالاسكندرية 20 نوفمبر 1955 فى قضية الجناية رقم 82 سنة 1955 عسكرية قسم المنتزه " مقيدة برقم 801 / 1955 عسكرية عليا ) .
وغني عن البيان أنه إذا لم يأخذ الموظف فائدة ما ، أو لم يقبل وعداً بها ، أو لم يطلب شيئاً من ذلك ، فإنه لا يرتكب رشوة . غير أنه إذا كان قد قام بعمل أو امتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة فإنه يقع تحت طائلة المادة 105 عقوبات ، وهي تقضي بعقوبة السجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنية ولا تزيد على خمسمائة على كل موظف عمومى قام بعمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجباتها نتيجة استجابته لرجاء أو توصية أو وساطة . فإذا لم يحصل رجاء أو نحوه فلا جريمة ، ولو قام الموظف بما يحقق صالح ذي شأن تحت تأثير المركز الذي يشغله بين الناس ، أو تحت تأثير علاقة ودية تربطه بالموظف . وإذا حصل الرجاء أو التوصية أو الوساطة لزم التحقق من أن قيام الموظف بالعمل قد جاء نتيجة استجابة منه لهذا الرجاء أو الوساطة التي بذلت ، فإذا كان الثابت أنه اتخذ ما يملية عليه الواجب غير ملق بالا إلي شيء من ذلك فلا جريمة في حقه ، ولا عقاب علي من توسل له.
(6) ، (7) ، ( : د/ عبدالمهيمن بكر ، القسم الخاص فى قانون العقوبات ، الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية ، ط 1970 ، ص 329 وما بعدها .
المستفيد من الرشوة (9) : وقد نبذل العطية أو الوعد بها إلي الموظف هو نفسه ، وقد ترسل إليه بالواسطة ، كما لو أعطيت لأحد خلصائه أو ذويه ، وفي هذه الحالة الأخيرة يجب لمساءلة الموظف أن يصدر عنه أحد أفعال الارتشاء مع علمه بأن ما يتلقاه هو المقابل لعمل من أعمال وظيفته أو مما يزعم أو يعتقد أنه كذلك ، فإذا بقى جاهلاً فإن قبول من تلقي العطية أو الوعد بها لا ينشيء جريمة الموظف ، وكذلك الأمر لو تم إخباره بالوعد أو العطية فرفضها ولم يقبلها .
ولا يلزم لتحقق إجرام الراشي أن تكون العطية أو الوعد بها قد بذلت لصالحه هو مباشرة أو بالواسطة وإنما يكفي أن تكون لصالح الغير ( المواد 103 و103 مكرراً ، 104 و 104 مكرراً ، 107) . وهذا يقع في حالتين : الأولي أن يطلب الموظف لصالح الغير فائدة أو وعداً بها مقابلاً للعمل المطلوب ، كأن يطلب حلة لابنه ، أو خاتماً لزوجتة ، أو تصريح ركوب مجانى لأخيه ، أو ترقية قريب له أو صديق . والحالة الثانية أن تبدل الفائدة لأحد من ذوى قربى الموظف لينتفع بها لنفسه ، كقرط ماسى للزوجة تتحلي به ، فيعلم الموظف بذلك ويوافق عليه. وشرط إجرام الموظف في هذه الحالة أن يعلم بمن تلقي الفائدة أو الوعد بها ، وسببها ، وأن يوافق علي ذلك . أما إذا ظل جاهلا فلا سبيل الي مؤاخذته ، لأن قبول من تلقي العطية أو العد لا يغني عن علم الموظف وقبوله هو نفسه . وهذه الحالة مستحدثة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 ( المادة 107 ) ، ولم يكن بالقانون قبل ذلك غير الحالة الأولي وحدها بالمادة 106 منه ، وهي الحالة التي يتولي فيها الموظف تعيين الشخص الذي تبذل الفائدة لمصلحته .
مقابل الفائدة أو سبب الرشوة (10) : لا يكفي لقيام جريمة الرشوة أن " يأخذ " موظف عمومي أو من في حكمه عطية ، أو " يقبل " وعداً بها ، أو " يطلب" شيئاً من ذلك ، لنفسه أو لغيره ، وإنما يشترط أن يكون مقابل الفائدة أو السبب الذي من أجله حصل أحد هذه الافعال هو أن يقوم الموظف بأداء أمر يدخل في اختصاصه الوظيفي ، أو يزعم هو أو يعتقد خطاْ أنه مختص به . فإذا كان للعطية مبرر قانوني غير اتجار الموظف بأعمال وظيفته أو استغلالها فإنه لا توجد الرشوة . غير أنه لا يلزم لوقوع الجريمة أن ينفذ الموظف ما يطلب منه من أعمال الوظيفة مقابلا للعطية ، إذ يكفي أن يتم الاتفاق عليه ، أو يكون مفهوماً ضمناً ، عند تلقى العطيه أو الوعد . كما أنه لا يشترط أن يكون هذا العمل منطوياً على الإخلال بمقتضيات الوظيفة أو الخدمة . وإذن فإن مقابل الفائدة هو أن يكون الغرض منها أن يؤدى الموظف عملا يتصل به من حيث الاختصاص أو ما يقوم مقامه . يستوي أن يكون هذا العمل من حيث نوعه أو ماهيته أداء أمر حق ، أو الامتناع عما ينبغي الامتناع عنه ، أو الإخلال بأحد واجبات الوظيفة أو الخدمة .
(9) ، (10) : د/ عبدالمهيمن بكر ، مرجع سابق ، ص 337 وما بعدها .
========================================
القصد الجنائي
========================================
القصد الجنائي (11)
كركن من أركان جريمة الرشوة
يجب لقيام جريمة ارتشاء الموظف أن تنصرف إرادته الي الطلب أو الأخذ أو القبول عالماً بأنه مقابل لأداء العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة وإن كان ينتوي في دخيلة نفسه عدم إنجاز العمل أو الامتناع أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة وذلك لأن تنفيذ العمل أو الإمتناع أو الإخلال ليس من أركان الرشوة ( م 104 مكرراً ع ) . وفي حالة الزعم بأن العمل من اختصاصه يجب أن يكون الجاني محيطاً بأنه يستغل بذلك وظيفته ( م 103 ، 103 مكرراً ، 104 مكرراً ع ) . وفي حالة الرشوة اللاحقة يجب أن تنصرف إرادته إلي الطلب أو القبول أو الأخذ علي أنه مكافأة علي ما وقع منه فعلا من عمل أو إمتناع أو إخلال بواجبات الوظيفة ( م 104 ع ).
ويجب أن يقترن القصد في جميع الأحوال مع النشاط وهو الطلب أو قبول الوعد أو الفائدة أو أخذ العطية ، فاذا تراخي القصد عن النشاط فلا رشوة ، كما لو كان أخذ الموظف المال لسبب آخر بريء غير أداء العمل أو الامتناع أو الإخلال ، ومن باب أولي إذا كان لا يعلم بما قدم لزوجته من مال علي أنه رشوة وأدي العمل أو الإمتناع . ولا يعتبر القصد متوافراً في الرشوة اللاحقة إذا أخذ الموظف المال علي أنه سداد لدين وليس مكافأة علي ما وقع منه من عمل أو امتناع أو إخلال . والإقتران المطلوب هو بين القصد والطلب أو القبول أو الأخذ سواء كانت الرشوة سايقة أو لاحقة . فلا يشترط في الرشوة اللاحقة أو المكافأة اللاحقة أن يكون لدي الموظف نية طلب مكافأة علي العمل أو الإمتناع أو الإخلال وقت مباشرته إياه وإنما يكفي قبوله أو أخذه العطية بعد الأداء عالماً بأنها مكافأة له علي ما أداه . وإذا كانت الرشوة لاحقة أي بناء علي اتفاق سابق علي الإمتناع أو الإخلال فيجب ألا يكون هناك قبول لعطية أو وعد بها وإلا كانت وإلا كانت الرشوة فى هذه الحالة تامة وسابقة وليست من قبيل الرشوة اللاحقة ويكون تسليم المال بعد الأداء وفاء للوعد وليس من قبيل المكافأة . فالاتفاق في الرشوة اللاحقة منصب علي الإمتناع أو الإخلال وحدهما دون العطية أو الفائدة أو الوعد بها (12) .
(11) ، (12) : د/ محمد محيى الدين عوض ، مرجع سابق ، ص 542 ، 543 .
العقوبة : السجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد علي ما أعطي أو وعد به.
========================================
زعم الاختصاص والاعتقاد الخاطئ بوجوده
========================================
زعم الاختصاص والاعتقاد الخاطئ بوجوده (1)
الأصل أنه إذا كان اختصاص الموظف بالعمل عنصراً لازماً لقيام جريمة الرشوة ، فإنه يجب أن يكون هذا الاختصاص حقيقياً ، وليس وهمياً ولا مزعوماً.
إإلا أنه لدواعي الصالح العام والإعتبارات العملية ، والتي تتمثل في عدم إدراك أو معرفة صاحب المصلحة من أفراد الناس ، باختصاص الموظف من عدمه ، ومن ثم إمكان استغلال ذلك من جانب بعض ذوي النفوس الضعيفة من الموظفين ؛ فقد ارتأى المشرع أن يساوي بين الاختصاص الحقيقي وبين كل من الاختصاص المزعوم أو الاختصاص الذي قد يعتقد الموظف خطأ أنه ثابت له. ( أ ) زعم الاختصاص :
إ ولعل المسألة واضحة في حالة زعم الاختصاص ، إذ يعني ذلك أن الموظف العام يعلم أنه غير مختص بالعمل ، ولكنه رغم ذلك يزعم أنه مختص به وصولاً إلي الحصول على الرشوة ، ومستغلاً في ذلك حاجة صاحب المصلحة أو الحاجة لإنجاز مصلحته أو حاجته ، وعدم إلمامه بقواعد الاختصاص الوظيفي .
إ وتثير مسألة زعم الاختصاص شبهة الاحتيال والنصب ، بما في ذلك من طرق احتيالية لازمة في جريمة النصب . إلا أن قضاء محكمة النقض تواتر على أنه يكفي هنا مجرد القول المطلق من الموظف بأنه مختص بذلك العمل . ومن باب أولى يتحقق الزعم إذا صاحب ذلك القول بعض الأعمال أو التصرفات التي تؤيده .
إ ويقول د/ عمر الفاروق الحسينى : " ونحن نعتقد أن مجرد " شغل " الوظيفة العامة هو مظهر كاف لتأييد زعم الموظف بأنه مختص بالعمل ، سيما إذا أخذنا في الاعتبار عدم إمكانية علم الفرد صاحب الحاجة بقواعد المنازعة في الاختصاص .
إلا يلزم أن يكون الموظف العام أو من في حكمه مختصاً بكل العمل ، كما لا يشترط أن يكون العمل داخلاً في اختصاص الموظف بصورة مباشرة …… الخ ، وأنه يكفي أن يكون مختصاً بقدر منه يسمح له بتنفيذ المطلوب مقابل الرشوة ، كما يكفي أن يكون متصلاً بصورة غير مباشرة بهذا العمل بصورة تسمح له بما تقدم …… الخ .
إ ولكن ما الحكم إذا نازع الموظف في اختصاص من حيث المبدأ ، بحيث اعتصم بإنكار كل دور له ولو كان ضئيلاً ، هادفا من ذلك إلي الوصول إلي هدم ونفي تهمة الرشوة عن نفسه ؟
إ وفقا للقواعد العامة ، فإن دفع الموظف بعدم وجود أي قدر له من الاختصاص علي النحو المتقدم ، هو دفع جوهري يتعين على المحكمة أن تحققه بلوغاً لغاية الأمر فيه ، وإلا أخلت بحق الدفاع ، وهو خطأ قد يؤدي إلي نقض الحكم بالإدانة.
إ وقد جري قضاء النقض في هذا الشأن علي " أن اختصاص الموظف العام بالعمل الذي دفع الجعل ( الرشوة ) مقابلاً له ، سواء كان حقيقيا أو مزعوما أو معتقداً فيه خطأ ، هو ركن في جريمة الرشوة التي تنسب إليه ، ومن ثم يتعين علي الحكم إثباته بما ينحسم به أمره ، وخاصة عند المنازعة فيه ، دون الاجتزاء علي الرد بتقريرات قانونية عامة مجردة لا يبين فيها حقيقية مقصود الحكم في شأن الواقع المفروض الذي هو مدار الأحكام ، ولا يتحقق بها ما يجب في التسبيب من وضوح البيان ، مما يجعل الحكم قاصرا متعينا نقضه . ( نقض 17 /11/ 1969 ، س 20 رقم 262 ص 288 )
إ كما قضي بأن " المرجح في تحديد الاختصاص هو الجهة الإدارية المختصة دون المتهم ، وخليق بالمحكمة أن تتحرى حقيقة اختصاص الموظف بسؤال الجهة الإدارية التي يتبعها ، دون التعويل في ذلك علي إقراره ، لأن توزيع الاختصاصات لا يثبت بالإقرار ، بل بتكليف الجهة الإدارية التي يتبعها الموظف في أقل الأقدار .
(1) د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 9 وما بعدها .
========================================
وقت توافر الاختصاص
========================================
وقت توافر الاختصاص (2) :
إ وفقاً للقواعد العامة ، فإنه يلزم أن يكون الاختصاص بالعمل في الأحوال المشار إليها فيما سبق متوافرًا وقائماً بالنسبة للموظف في وقت وقوع الجريمة ، أي وقت ارتكاب السلوك الإجرامي وهو الطلب أو الأخذ أو القول باعتباره عنصرًا من عناصر الركن المادي للجريمة .
إوعلى ذلك ، فإذا لم تتوافر أية صورة من صور الاختصاص سالفة البيان وقت حدوث الفعل المعاقب عليه ، فلا تقوم جريمة الرشوة .
إثبات توافر الاختصاص في حكم الإدانة :
لما كان الاختصاص في العمل ، عنصراً لازماً لقيام الركن المادي لجريمة الرشوة ، فإنه يتعين على سلطة الاتهام إثباته في ادعائها ، كما يتعين على المحكمة إثباته في حكمها إذا هي انتهت فيه إلي الإدانة ، وإلا كان حكمها قاصر البيان بما يعرضه للنقض .
إ كما يتعين على المحكمة متى دفع أمامها بعدم اختصاص الموظف بالعمل أن ترد على هذا الدفع بصورة وافية ، لأنه دفاع جوهري يترتب على ثبوت صحته تغيير وجه الرأي في الدعوى ، وإلا كان حكمها معيباً بالإخلال بحق الدفاع ، والقصور في التسبيب .
(2) د/ عمر الفاروق الحسينى ، مرجع سابق ، ص 13 .