العلاقة بين القانون الدولي لحقوق الانسان
تتمحور العلاقة بين القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني في العديد من نقاط الالتقاء والاختلاف وهذه النقاط هي التي افضت إلى انقسام الاراء حول هذه العلاقة إلى من يرى ان القانونين يمثلان قانونين مستقلين احدهما عن الاخر وان كان هناك علاقة كبيرة بين القانونين من حيث الهدف والغاية ، ومن حيث الاصول الفلسفية والتاريخية لنشأتهما وغير ذلك من خيوط العلاقة التي تعني بالنهاية انها وان كانا قانونين مستقلين احدهما عن الاخر الا انهما يكمل احدهما الاخر في سبيل الوصول إلى ذات الغاية المنشودة من وجودهما ( [118]).
اما من يذهب إلى كون القانون الدولي لحقوق الانسان هو جزء من القانون الدولي الانساني ، فانه يستند إلى كون القانون الاخير اقدم في الوجود من القانون الاول وان مرحلة التطور التي قد وصل اليها على الصعيد الدولي هي اكثر تقدما من الاول ويرى بان القانون الدولي الانساني يتكون من قانون الحرب وقانون حقوق الانسان ( [119]).
اما من يذهب إلى كون القانون الدولي لحقوق الانسان يحتوي في حقيقته القانون الدولي الانساني ، فانه يستند على كون القانون الاول اعم من حيث الافكار الفلسفية واشمل من حيث نطاق التطبيق حيث يشمل تطبيقه كل بني البشر سواء كانوا مدنيين ام عسكريين وسواء كان ذلك وقت الحرب او في وقت السلم( [120]).
وللتعرف على حقيقة العلاقة بين هذين القانونين وترجيح احد الاتجاهات سابقة الذكر . لابد من استعراض اهم نقاط الالتقاء والاختلاف بين القانونين .
يلتقي القانون الدولي لحقوق الانسان مع القانون الدولي الانساني في العديد من نقاط الالتقاء والتي ياتي على راسها كون ان الهدف الاساسي لكل من القانونين يتمثل في حماية الانسان ، أي ان الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الانسان لكونه إنساناً وليس لاي غرض اخر هو الذي دفع إلى وجود كل من القانونين ، اما من حيث نطاق وجود وعمل كل من القانونين فهو نطاق وحيز مشترك حيث يوجد كل من القانونين ويفعلان في نطاق دولي ، أي أن كلاً من القانونين يشتركان في الاتصاف بكونهما قانونين لهما طبيعة دولية ، ولكنهما يسعيان لحماية الانسان من هذا النطاق الدولي . وان اتصاف القانون بهذه الصيغة يتولد عنه بشكل عام اتصافهما بذات الصفات الايجابية والسلبية التي يتصف بها القانون الدولي العام . ومن ناحية القبول والجانب المعنوي لقواعد القانونين نجد أن كلاً من القانونين يحضى بقبول من قبل الضمير الانساني وقد لا يجرؤ أحد على رفض مبادئ القانونين او بأقل تقدير الإفصاح عن ذلك ، حيث ان مبادئ القانونين يشتركان في اتصافهما بكونهما نابعين من الضمير الإنساني ومن اعتبارات العدالة والإنصاف والاخلاق والتي تم تعزيزها بشكل كبير عند تناولها بموجب شرائع الاديان السماوية .
وعلى الرغم من نقاط الالتقاء الأساسية بين القانونين الا انه ووفقاً لاعتبارات قانونية وعملية نجد ان هناك نقاط اختلاف عديدة قائمة بين القانونين وتتمثل هذه النقاط في كون ان هناك اختلافاً في العلاقة التي يتم تنظيمها ، حيث ان القانون الدولي لحقوق الانسان ينظم العلاقة القائمة بين الدولة ورعاياها في حين ان القانون الدولي الانساني ينظم العلاقة بين الدول والافراد من رعايا دولة العدو . ومن ناحية اخرى فان سريان القانونين يختلفان من حيث ان القانون الدولي لحقوق الانسان يسري وقت السلم في حين ان القانون الاخر يسري وقت الحرب او النزاعات المسلحة لذلك نجد ان هناك من يقسم حقوق الانسان على اساس السريان الزماني وذلك على اساس وجود حقوق انسان تطبق وقت السلم واخرى تطبق وقت الحرب ( [121]) واضافة إلى ما تقدم نجد ان التعامل الدولي سواء الفقهي او الرسمي جرى على ان يميز بين كل من القانونين وقد كان ذلك نابعا من استقلالية احدهما عن الاخر من حيث مصدر القواعد ، حيث نجد ان المصدر الاساسي لقواعد القانون الدولي الانساني تمثل في اتفاقيات جنيف لعام 1949 في حين نجد ان مصادر القانون الاخر تمثلت في تلك الاتفاقيات التي ابرمت في اطار الامم المتحدة واخرى في النطاق الدولي الإقليمي واضافة إلى ذلك نجد ان التمييز بين القانونين يظهر من ناحية الجهة الداعمة للقانون والمشرفة على تطبيقه ، حيث نجد ان الامم المتحدة كانت وما زالت تلعب الدور الاساسي في ايجاد القانون الدولي لحقوق الانسان ، في حين ان اللجنة الدولية للصليب الاحمر هي المنظمة الدولية التي اسهمت وتسهم في اعداد القانون الدولي الانساني وتشرف على تطبيقه . نستنتج مما تقدم ان هناك العديد من نقاط الالتقاء والاختلاف بين كل من القانونين ، الامر الذي يعني ان هناك علاقة قائمة بين قانونين مستقلين متداخلين احدهما مع الاخر في العديد من الجوانب ضمن اطار وحدة الهدف والغاية وطبيعة القواعد واليات التطبيق وما يترتب على هذا الاستنتاج ان هناك قانونين بدا كل منهما بالظهور في وقت معين فالقانون الدولي الإنساني اقدم من حيث الظهور على الصعيد الدولي سواء فيما يتعلق بتلك الاعراف الاولى التي ظهر بها او بظهوره الواضح بعد ابرام اتفاقيات جنيف الاولى وان قدم القانون الدولي الانساني ليس قدما على صعيد القوانين الدولية التي تعنى بالانسان لا بل ان هذا القانون قديم على صعيد القوانين الدولية بشكل عام حيث تعد قواعده من بين اقدم القواعد الدولية ( [122]) اما القانون الدولي لحقوق الانسان فهو قانون حديث نسبيا ظهرت بوادره الاولى بعد تأسيس الامم المتحدة ولكن بظهور القانون الدولي لحقوق الانسان وان كان حديثا نسبيا وتشويه الكثير من مشاكل التطبيق فان نظرة معمقة إلى هذا القانون تدلنا على انه وبحسب طبيعته وما جاء به من مبادئ عامة لكل بني البشر على اختلاف الزمان والمكان فهو قانون قابل لان يكون القانون الاساس او الاصل او الاشمل لكل القواعد الدولية التي تهم الانسان ووجدت لخدمته بشكل مباشر وتتبين صحة هذا الافتراض ابتداءً من الصلة التاريخية القائمة بين القانونين ووصولا إلى التطورات الحاصلة في كل من القانونين إلى ايامنا هذه . حيث ان كل من القانونين مأخوذ من ذات المنبع والأصول الفكرية والفلسفية التي تهدف إلى حماية الانسان والإعلاء من شأنه وضمان تمتعه بحقوقه . اما من حيث التطور فان ثمة كثيراً من نقاط التطور التي حصلت على الصعيد الدولي والتي تعكس تنامي العلاقة بين القانونين إلى حد التداخل وصيرورة احدهما جزءا في الاخر ، ومن اهم هذه النقاط ان هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعد من مصادر القانون الدولي لحقوق الانسان تنص على الإحالة إلى القانون الدولي الانساني وذلك فيما يخص بعض النصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والخاصة بامكانية التنصل من بنود الاتفاقية في حالات الطوارئ التي غالبا ما تعلن عند حدوث النزاعات المسلحة سواء الدولية او الداخلية ، ومن هذه النصوص نص المادة (15) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والمادة (27) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ، والتي تتضمن انه عند إعلان حالة الطوارئ يجوز للدولة التنصل عن تطبيق احكام الاتفاقية ولكن ذلك وفي أي حال يجب ان لا يخالف باقي الالتزامات الدولية الانسانية المتعلقة بمثل هذه الحالات ومن المعروف ان اهم هذه الالتزامات في وقت النزاعات المسلحة تلك الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي الانساني ( [123]).
اما على صعيد العمل الدولي فنجد وفي العديد من المناسبات اشارات صريحة او ضمنية للتداخل بين القانونين والسير إلى اعتبارها قانونا واحدا ومن ذلك عندما اعلن المؤتمر الدولي لحقوق الانسان المنعقد في طهران عام 1968 ( ان السلم هو الشرط الاول لاحترام حقوق الانسان احتراما كاملا ، وان الحرب تعد انكارا لهذه الحقوق ) كما اكد صراحة على ان ( المبادئ الانسانية يجب ان ترجح وتكون لها الغلبة حتى في فترة النزاع المسلح ) ( [124]) وبذلك اشارة واضحة إلى ان قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان يراد لها ان تمتد في تطبيقها إلى فترة الحرب والنزاعات المسلحة إلى جانب سريانها في فترة السلم . واستمر العمل الدولي في هذا الاتجاه وذلك بقيام الامم المتحدة بالاهتمام بحقوق الانسان في وقت الحرب والنزاعات المسلحة بشكل عام في حين انها كانت في البداية تعنى بحقوق الانسان في زمن السلم فحسب واتضح ذلك في العديد من التقارير السنوية للامين العام وبيانات الجمعية العامة وقراراتها اضافة إلى قرارات مجلس الامن، وعلى سبيل المثال قرار الجمعية العامة ذي الرقم (2444) لعام 1968 والذي اكد فيه على احترام حقوق الانسان في وقت النزاعات المسلحة وكذلك التقرير السنوي للامين العام للامم المتحدة لعام 1968 وبالنسبة لقرارات مجلس الامن فقد تضمنت سلسلة القرارات التي اصدرها هذا المجلس عام 1992 بشان النزاع في يوغسلافيا الكثير من النصوص بشان احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة . وجانب اخر للعمل الدولي في مجال حقوق الانسان يفيد بالتداخل بين القانونين والاتجاه نحو تعميم القانون الدولي لحقوق الانسان في زمن الحرب والسلم ، وقد اتضح ذلك في نصوص اتفاقية اوتاوا لسنة 1997 والتي تضم إلى سلسلة اتفاقيات حقوق الانسان والتي اختصت بحظر استعمال الألغام المضادة للاشخاص وتخزينها وانتاجها ونقلها وتدميرها ، حيث ان هذه الاتفاقية استندت في مبادئها ونصوصها على القواعد العرفية في القانون الدولي الانساني والتي تحرم استخدام الاسلحة التي لا تميز بطبيعتها بين المدنيين والمقاتلين والتي تسبب معاناة لا مبرر لها وانتهاكا للحقوق الانسانية في الحياة والسلامة والامان( [125]).
وخلاصة القول انه يمكن ان نعتبر ان القانون الدولي لحقوق الانسان بمثابة القانون العام او الاصل للقواعد الدولية التي تحمي الانسان وان القانون الدولي الانساني هو فرع منه ، وهو ذلك الفرع الذي يحمي حقوق الانسان في زمن النزاعات المسلحة ، وهو القانون الذي يحتوي على التفاصيل الخاصة بهذه الحماية في حين ان القانون الاصل لم ينص الا على المبادئ العامة ، وان الواقع العملي للمجتمع الدولي المنظم ينسجم مع هذا القول من حيث المنظمة الدولية الراعية للقانون الاصل الا وهي الامم المتحدة ، وهي المنظمة الاكبر والاهم والاعم والتي تتفق طبيعتها واختصاصاتها وامكاناتها مع ما يحتاج اليه الانسان من حماية تتفق مع طبيعة حقوقه كانسان ، حيث انها حقوق لكل البشر بدون تمييز وفي جميع الاوقات حيث ان هذه الحقوق واحدة وبخاصة الاساسية منها سواء في وقت السلم او الحرب وفي كل بقاع العالم . واذا كان هناك تشكيك فيما تقدم وذلك على اعتبار ان القانون الدولي الانساني لايزال يمارس على انه قانون مستقل فان هذا الامر قد يكون مقصودا نظراً إلى عدم تبلور قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان كقانون عام ووصولاً إلى حد من الالزامية والنجاح في التطبيق على العكس من الكثير من قواعد القانون الدولي الإنساني . وهذا يعني انه لو تم اعتبار القانونين في ذات المكانة اليوم فان هذا يعني التراجع في المستوى المتحقق في القانون الدولي الانساني من المستوى المتقدم الذي هو فيه إلى المستوى غير المرضي الذي عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان حالياً . لذلك يقتضي الامر حاليا الانتظار كما كان عليه الحال في الفترة الاولى لكل الاتفاقيات الدولية الانسانية .
تتمحور العلاقة بين القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني في العديد من نقاط الالتقاء والاختلاف وهذه النقاط هي التي افضت إلى انقسام الاراء حول هذه العلاقة إلى من يرى ان القانونين يمثلان قانونين مستقلين احدهما عن الاخر وان كان هناك علاقة كبيرة بين القانونين من حيث الهدف والغاية ، ومن حيث الاصول الفلسفية والتاريخية لنشأتهما وغير ذلك من خيوط العلاقة التي تعني بالنهاية انها وان كانا قانونين مستقلين احدهما عن الاخر الا انهما يكمل احدهما الاخر في سبيل الوصول إلى ذات الغاية المنشودة من وجودهما ( [118]).
اما من يذهب إلى كون القانون الدولي لحقوق الانسان هو جزء من القانون الدولي الانساني ، فانه يستند إلى كون القانون الاخير اقدم في الوجود من القانون الاول وان مرحلة التطور التي قد وصل اليها على الصعيد الدولي هي اكثر تقدما من الاول ويرى بان القانون الدولي الانساني يتكون من قانون الحرب وقانون حقوق الانسان ( [119]).
اما من يذهب إلى كون القانون الدولي لحقوق الانسان يحتوي في حقيقته القانون الدولي الانساني ، فانه يستند على كون القانون الاول اعم من حيث الافكار الفلسفية واشمل من حيث نطاق التطبيق حيث يشمل تطبيقه كل بني البشر سواء كانوا مدنيين ام عسكريين وسواء كان ذلك وقت الحرب او في وقت السلم( [120]).
وللتعرف على حقيقة العلاقة بين هذين القانونين وترجيح احد الاتجاهات سابقة الذكر . لابد من استعراض اهم نقاط الالتقاء والاختلاف بين القانونين .
يلتقي القانون الدولي لحقوق الانسان مع القانون الدولي الانساني في العديد من نقاط الالتقاء والتي ياتي على راسها كون ان الهدف الاساسي لكل من القانونين يتمثل في حماية الانسان ، أي ان الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الانسان لكونه إنساناً وليس لاي غرض اخر هو الذي دفع إلى وجود كل من القانونين ، اما من حيث نطاق وجود وعمل كل من القانونين فهو نطاق وحيز مشترك حيث يوجد كل من القانونين ويفعلان في نطاق دولي ، أي أن كلاً من القانونين يشتركان في الاتصاف بكونهما قانونين لهما طبيعة دولية ، ولكنهما يسعيان لحماية الانسان من هذا النطاق الدولي . وان اتصاف القانون بهذه الصيغة يتولد عنه بشكل عام اتصافهما بذات الصفات الايجابية والسلبية التي يتصف بها القانون الدولي العام . ومن ناحية القبول والجانب المعنوي لقواعد القانونين نجد أن كلاً من القانونين يحضى بقبول من قبل الضمير الانساني وقد لا يجرؤ أحد على رفض مبادئ القانونين او بأقل تقدير الإفصاح عن ذلك ، حيث ان مبادئ القانونين يشتركان في اتصافهما بكونهما نابعين من الضمير الإنساني ومن اعتبارات العدالة والإنصاف والاخلاق والتي تم تعزيزها بشكل كبير عند تناولها بموجب شرائع الاديان السماوية .
وعلى الرغم من نقاط الالتقاء الأساسية بين القانونين الا انه ووفقاً لاعتبارات قانونية وعملية نجد ان هناك نقاط اختلاف عديدة قائمة بين القانونين وتتمثل هذه النقاط في كون ان هناك اختلافاً في العلاقة التي يتم تنظيمها ، حيث ان القانون الدولي لحقوق الانسان ينظم العلاقة القائمة بين الدولة ورعاياها في حين ان القانون الدولي الانساني ينظم العلاقة بين الدول والافراد من رعايا دولة العدو . ومن ناحية اخرى فان سريان القانونين يختلفان من حيث ان القانون الدولي لحقوق الانسان يسري وقت السلم في حين ان القانون الاخر يسري وقت الحرب او النزاعات المسلحة لذلك نجد ان هناك من يقسم حقوق الانسان على اساس السريان الزماني وذلك على اساس وجود حقوق انسان تطبق وقت السلم واخرى تطبق وقت الحرب ( [121]) واضافة إلى ما تقدم نجد ان التعامل الدولي سواء الفقهي او الرسمي جرى على ان يميز بين كل من القانونين وقد كان ذلك نابعا من استقلالية احدهما عن الاخر من حيث مصدر القواعد ، حيث نجد ان المصدر الاساسي لقواعد القانون الدولي الانساني تمثل في اتفاقيات جنيف لعام 1949 في حين نجد ان مصادر القانون الاخر تمثلت في تلك الاتفاقيات التي ابرمت في اطار الامم المتحدة واخرى في النطاق الدولي الإقليمي واضافة إلى ذلك نجد ان التمييز بين القانونين يظهر من ناحية الجهة الداعمة للقانون والمشرفة على تطبيقه ، حيث نجد ان الامم المتحدة كانت وما زالت تلعب الدور الاساسي في ايجاد القانون الدولي لحقوق الانسان ، في حين ان اللجنة الدولية للصليب الاحمر هي المنظمة الدولية التي اسهمت وتسهم في اعداد القانون الدولي الانساني وتشرف على تطبيقه . نستنتج مما تقدم ان هناك العديد من نقاط الالتقاء والاختلاف بين كل من القانونين ، الامر الذي يعني ان هناك علاقة قائمة بين قانونين مستقلين متداخلين احدهما مع الاخر في العديد من الجوانب ضمن اطار وحدة الهدف والغاية وطبيعة القواعد واليات التطبيق وما يترتب على هذا الاستنتاج ان هناك قانونين بدا كل منهما بالظهور في وقت معين فالقانون الدولي الإنساني اقدم من حيث الظهور على الصعيد الدولي سواء فيما يتعلق بتلك الاعراف الاولى التي ظهر بها او بظهوره الواضح بعد ابرام اتفاقيات جنيف الاولى وان قدم القانون الدولي الانساني ليس قدما على صعيد القوانين الدولية التي تعنى بالانسان لا بل ان هذا القانون قديم على صعيد القوانين الدولية بشكل عام حيث تعد قواعده من بين اقدم القواعد الدولية ( [122]) اما القانون الدولي لحقوق الانسان فهو قانون حديث نسبيا ظهرت بوادره الاولى بعد تأسيس الامم المتحدة ولكن بظهور القانون الدولي لحقوق الانسان وان كان حديثا نسبيا وتشويه الكثير من مشاكل التطبيق فان نظرة معمقة إلى هذا القانون تدلنا على انه وبحسب طبيعته وما جاء به من مبادئ عامة لكل بني البشر على اختلاف الزمان والمكان فهو قانون قابل لان يكون القانون الاساس او الاصل او الاشمل لكل القواعد الدولية التي تهم الانسان ووجدت لخدمته بشكل مباشر وتتبين صحة هذا الافتراض ابتداءً من الصلة التاريخية القائمة بين القانونين ووصولا إلى التطورات الحاصلة في كل من القانونين إلى ايامنا هذه . حيث ان كل من القانونين مأخوذ من ذات المنبع والأصول الفكرية والفلسفية التي تهدف إلى حماية الانسان والإعلاء من شأنه وضمان تمتعه بحقوقه . اما من حيث التطور فان ثمة كثيراً من نقاط التطور التي حصلت على الصعيد الدولي والتي تعكس تنامي العلاقة بين القانونين إلى حد التداخل وصيرورة احدهما جزءا في الاخر ، ومن اهم هذه النقاط ان هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعد من مصادر القانون الدولي لحقوق الانسان تنص على الإحالة إلى القانون الدولي الانساني وذلك فيما يخص بعض النصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان والخاصة بامكانية التنصل من بنود الاتفاقية في حالات الطوارئ التي غالبا ما تعلن عند حدوث النزاعات المسلحة سواء الدولية او الداخلية ، ومن هذه النصوص نص المادة (15) من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان والمادة (27) من الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان ، والتي تتضمن انه عند إعلان حالة الطوارئ يجوز للدولة التنصل عن تطبيق احكام الاتفاقية ولكن ذلك وفي أي حال يجب ان لا يخالف باقي الالتزامات الدولية الانسانية المتعلقة بمثل هذه الحالات ومن المعروف ان اهم هذه الالتزامات في وقت النزاعات المسلحة تلك الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي الانساني ( [123]).
اما على صعيد العمل الدولي فنجد وفي العديد من المناسبات اشارات صريحة او ضمنية للتداخل بين القانونين والسير إلى اعتبارها قانونا واحدا ومن ذلك عندما اعلن المؤتمر الدولي لحقوق الانسان المنعقد في طهران عام 1968 ( ان السلم هو الشرط الاول لاحترام حقوق الانسان احتراما كاملا ، وان الحرب تعد انكارا لهذه الحقوق ) كما اكد صراحة على ان ( المبادئ الانسانية يجب ان ترجح وتكون لها الغلبة حتى في فترة النزاع المسلح ) ( [124]) وبذلك اشارة واضحة إلى ان قواعد القانون الدولي لحقوق الانسان يراد لها ان تمتد في تطبيقها إلى فترة الحرب والنزاعات المسلحة إلى جانب سريانها في فترة السلم . واستمر العمل الدولي في هذا الاتجاه وذلك بقيام الامم المتحدة بالاهتمام بحقوق الانسان في وقت الحرب والنزاعات المسلحة بشكل عام في حين انها كانت في البداية تعنى بحقوق الانسان في زمن السلم فحسب واتضح ذلك في العديد من التقارير السنوية للامين العام وبيانات الجمعية العامة وقراراتها اضافة إلى قرارات مجلس الامن، وعلى سبيل المثال قرار الجمعية العامة ذي الرقم (2444) لعام 1968 والذي اكد فيه على احترام حقوق الانسان في وقت النزاعات المسلحة وكذلك التقرير السنوي للامين العام للامم المتحدة لعام 1968 وبالنسبة لقرارات مجلس الامن فقد تضمنت سلسلة القرارات التي اصدرها هذا المجلس عام 1992 بشان النزاع في يوغسلافيا الكثير من النصوص بشان احترام حقوق الانسان في النزاعات المسلحة . وجانب اخر للعمل الدولي في مجال حقوق الانسان يفيد بالتداخل بين القانونين والاتجاه نحو تعميم القانون الدولي لحقوق الانسان في زمن الحرب والسلم ، وقد اتضح ذلك في نصوص اتفاقية اوتاوا لسنة 1997 والتي تضم إلى سلسلة اتفاقيات حقوق الانسان والتي اختصت بحظر استعمال الألغام المضادة للاشخاص وتخزينها وانتاجها ونقلها وتدميرها ، حيث ان هذه الاتفاقية استندت في مبادئها ونصوصها على القواعد العرفية في القانون الدولي الانساني والتي تحرم استخدام الاسلحة التي لا تميز بطبيعتها بين المدنيين والمقاتلين والتي تسبب معاناة لا مبرر لها وانتهاكا للحقوق الانسانية في الحياة والسلامة والامان( [125]).
وخلاصة القول انه يمكن ان نعتبر ان القانون الدولي لحقوق الانسان بمثابة القانون العام او الاصل للقواعد الدولية التي تحمي الانسان وان القانون الدولي الانساني هو فرع منه ، وهو ذلك الفرع الذي يحمي حقوق الانسان في زمن النزاعات المسلحة ، وهو القانون الذي يحتوي على التفاصيل الخاصة بهذه الحماية في حين ان القانون الاصل لم ينص الا على المبادئ العامة ، وان الواقع العملي للمجتمع الدولي المنظم ينسجم مع هذا القول من حيث المنظمة الدولية الراعية للقانون الاصل الا وهي الامم المتحدة ، وهي المنظمة الاكبر والاهم والاعم والتي تتفق طبيعتها واختصاصاتها وامكاناتها مع ما يحتاج اليه الانسان من حماية تتفق مع طبيعة حقوقه كانسان ، حيث انها حقوق لكل البشر بدون تمييز وفي جميع الاوقات حيث ان هذه الحقوق واحدة وبخاصة الاساسية منها سواء في وقت السلم او الحرب وفي كل بقاع العالم . واذا كان هناك تشكيك فيما تقدم وذلك على اعتبار ان القانون الدولي الانساني لايزال يمارس على انه قانون مستقل فان هذا الامر قد يكون مقصودا نظراً إلى عدم تبلور قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان كقانون عام ووصولاً إلى حد من الالزامية والنجاح في التطبيق على العكس من الكثير من قواعد القانون الدولي الإنساني . وهذا يعني انه لو تم اعتبار القانونين في ذات المكانة اليوم فان هذا يعني التراجع في المستوى المتحقق في القانون الدولي الانساني من المستوى المتقدم الذي هو فيه إلى المستوى غير المرضي الذي عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان حالياً . لذلك يقتضي الامر حاليا الانتظار كما كان عليه الحال في الفترة الاولى لكل الاتفاقيات الدولية الانسانية .