صور نفي النسب
من المقرر أن نفي النسب يتطلب شرطين أساسيين :
الشرط الأول : أن يكون نفي النسب وقت الولادة .
ولا يقصد بوقت الولادة لحظتها ، بل أن العلماء اختلفوا في تقدير المدة المقررة لنفي النسب ، فمنهم من يري أن سبعة أيام ومنهم من يري أنها ثلاثة ومنهم من يري أنها المدة المقررة للتهنئة وفقا لعرف البلد ، أما الصاحبين(أبو يوسف ومحمد بن الحسن ) ، فيرون أنها مدة النفاس .
ويري بعض الفقهاء أن الزوج إذا كان غائبا ، فعند علمه باعتبار أن وقت علمه يعتبر وقت الولادة .
ويجب لنفي النسب وقت الولادة ألا يكون قد سبقه إقرار بالنسب لفظا أو دلالة ، فإذا كان قد سبقه إقرار صريح أو ضمني ، فلا يحق للزوج نفي النسب بعد ذلك ، وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " المقرر في فقه الأحناف أنه إذا كان الحمل ظاهرا وصدر الاعتراف به من الزوج ، فإن النسب يثبت قبل الولادة لما في البطن ، وكان نفي نسب الولد ، وعلي ما جري به فقه الأحناف ، لا يكون معتبرا ، ولا يقطع النسب إلا بشروط منها أن يكون النفي عند الولادة وعند التهنئة ، ومنها ألا يسبق النفي إقرار بالنسب لا نصا ولا دلالة ، فإن سبق لا يصح النفي ، فإذا قال الولد مني أو سكت عند التهنئة بولادته ثم نفاه بعد ذلك لا يقبل منه ، لأن النسب بعد الثبوت صار حقا للولد ، فلا يمكن الرجوع فيه ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضائه برفض دعوي الطاعن علي ما اطمأنت إليه المحكمة من شهادة الإثبات من أن الطاعن أقر علي وجه القطع واليقين بأبوته للصغيرة (...) ، وكان تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاضي الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض متي كان ذلك مقاما علي أسباب سائغة وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وما استنبطه من القرائن من شأنه أن يؤدي إلي النتيجة التي انتهي إليها ويبرر قضائه ، فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير محكمة الموضوع للأدلة بغية الوصول إلي نتيجة أخري غير التي أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليه بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض " . (1)
الشرط الثاني : اللعان .
المقصود باللعان : اللعان هو وسيلة شرعها المولي عز وجل للرجال الذين يرمون زوجاتهم بالزنا أو ينفون نسب ولد فراشهم منهن ، دون وجود دليل أو بينة علي ذلك ، أو تصديق منهن .
أما تعريفه فقها ، فقد عرف فقهاء الحنفية ورواية عن الإمام أحمد ، اللعان بأنه " شهادات أربع مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن ، وشهاداتها بالغضب ، قائمة شهاداته مقام حد القذف في حقه ، وشهاداتها مقام حد الزنا في حقها " .
الأساس الشرعي للعان : يتضح السند الشرعي للعان في قوله تعالي " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ " . (2)
شروط اللعان : يجب توافر شروط معينة في الزوجين لإجراء اللعان الشرعي ، وهذه الشروط هي :
أ - الإسلام . ب - الحرية.
ت - العقل . ث - البلوغ .
ج - النطق . د - عدم سبق الحد في قذف .
ر - أن ينفي الزوج نسب الولد إليه وقت الولادة علي البيان السابق .
و - أن يكون الولد حيا وقت القضاء بنفي النسب .
فإذا تم اللعان بشروطه السابقة ، قام القاضي بالتفريق بين الزوجين ، ونفي نسب الولد إلي الزوج وألحقه بأمه ، وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " من الأصول في فقه الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت بالفراش وفي حال قيام الزوجية الصحيحة إذا أتى الولد لستة أشهر على الأقل من وقت الزواج وكان يتصور الحمل من الزوج بأن كان مراهقاً أو بالغاً ثبت نسب الولد من الزوج بالفراش دون حاجة إلى إقرار أو بينة ، وإذا نفاه الزوج فلا ينتفي إلا بشرطين أولهما : أن يكون نفيه وقت الولادة ، وثانيهما : أن يلاعن امرأته فإذا تم اللعان بينهما مستوفياً لشروطه فرق القاضي بينهما ونفى الولد عن أبيه وألحقه بأمه ، والأصل في النسب الاحتياط في ثبوته ما أمكان فهو يثبت مع الشك وينبني على الاحتمالات النادرة التي يمكن تصورها بأى وجه حملاً لحال المرأة على الصلاح وإحياء للولد ، لما كان ذلك وكان المطعون ضده لم ينكر قيام الزوجية بينه وبين الطاعنة ، وأنه وإن نفى نسب المولود ........ إليه عقب ولادتها مباشرة إلا أنه لم يلاعن امرأته ومن ثم فلا ينتفي نسبها منه .
_______________________
(1) الطعن رقم 124 لسنة 56 ق " أحوال شخصية " جلسة 28/3/1989 .
(2) الآيات (6-9) من سورة النور .
ويقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآيات الكريمة " هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته, وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به, فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} فإذا قال ذلك, بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء, وحرمت عليه أبداً, ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا , ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, أي فيما رماها به {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} ولهذا قال {ويدرأ عنها العذاب} يعني الحد {أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} فخصها بالغضب, كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور, وهي تعلم صدقه فيما رماها به, ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها, والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.
ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق, فقال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم {وأن الله تواب} أي على عباده, وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة {حكيم} فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه, وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.
فقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه: أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟" فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور, والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً, وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله, ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء, فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته ـ قال: فما لبثوا إلا يسيراً ـ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم, فجاء من أرضه عشاء, فوجد عند أهله رجلاً, فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح, فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً, فرأيت بعيني وسمعت بأذني, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه, واجتمعت عليه الأنصار وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن, يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس, فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به, والله يعلم إني لصادق. فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي, وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه, يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي, فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} الآية , فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً" فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرسلوا إليها" فأرسلوا إليها فجاءت, فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما, فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا, فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها, فقالت: كذب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال: اشهد, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب, فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها, فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين, ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, وقيل لها عند الخامسة: اتقي الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف, ثم قالت: والله لا أفضح قومي, فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين, ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقضى أن لا يدعى ولدها لأب, ولا يرمى ولدها, ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد, وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أن يفترقا من غير طلاق ولا متوفى عنها, وقال "إن جاءت به أصيب أريشح حمش الساقين, فهو لهلال, وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين, فهو الذي رميت به" فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميراً على مصر, وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب. ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصراً.
من المقرر أن نفي النسب يتطلب شرطين أساسيين :
الشرط الأول : أن يكون نفي النسب وقت الولادة .
ولا يقصد بوقت الولادة لحظتها ، بل أن العلماء اختلفوا في تقدير المدة المقررة لنفي النسب ، فمنهم من يري أن سبعة أيام ومنهم من يري أنها ثلاثة ومنهم من يري أنها المدة المقررة للتهنئة وفقا لعرف البلد ، أما الصاحبين(أبو يوسف ومحمد بن الحسن ) ، فيرون أنها مدة النفاس .
ويري بعض الفقهاء أن الزوج إذا كان غائبا ، فعند علمه باعتبار أن وقت علمه يعتبر وقت الولادة .
ويجب لنفي النسب وقت الولادة ألا يكون قد سبقه إقرار بالنسب لفظا أو دلالة ، فإذا كان قد سبقه إقرار صريح أو ضمني ، فلا يحق للزوج نفي النسب بعد ذلك ، وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " المقرر في فقه الأحناف أنه إذا كان الحمل ظاهرا وصدر الاعتراف به من الزوج ، فإن النسب يثبت قبل الولادة لما في البطن ، وكان نفي نسب الولد ، وعلي ما جري به فقه الأحناف ، لا يكون معتبرا ، ولا يقطع النسب إلا بشروط منها أن يكون النفي عند الولادة وعند التهنئة ، ومنها ألا يسبق النفي إقرار بالنسب لا نصا ولا دلالة ، فإن سبق لا يصح النفي ، فإذا قال الولد مني أو سكت عند التهنئة بولادته ثم نفاه بعد ذلك لا يقبل منه ، لأن النسب بعد الثبوت صار حقا للولد ، فلا يمكن الرجوع فيه ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضائه برفض دعوي الطاعن علي ما اطمأنت إليه المحكمة من شهادة الإثبات من أن الطاعن أقر علي وجه القطع واليقين بأبوته للصغيرة (...) ، وكان تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاضي الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض متي كان ذلك مقاما علي أسباب سائغة وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وما استنبطه من القرائن من شأنه أن يؤدي إلي النتيجة التي انتهي إليها ويبرر قضائه ، فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير محكمة الموضوع للأدلة بغية الوصول إلي نتيجة أخري غير التي أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليه بما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض " . (1)
الشرط الثاني : اللعان .
المقصود باللعان : اللعان هو وسيلة شرعها المولي عز وجل للرجال الذين يرمون زوجاتهم بالزنا أو ينفون نسب ولد فراشهم منهن ، دون وجود دليل أو بينة علي ذلك ، أو تصديق منهن .
أما تعريفه فقها ، فقد عرف فقهاء الحنفية ورواية عن الإمام أحمد ، اللعان بأنه " شهادات أربع مؤكدات بالأيمان مقرونة باللعن ، وشهاداتها بالغضب ، قائمة شهاداته مقام حد القذف في حقه ، وشهاداتها مقام حد الزنا في حقها " .
الأساس الشرعي للعان : يتضح السند الشرعي للعان في قوله تعالي " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ " . (2)
شروط اللعان : يجب توافر شروط معينة في الزوجين لإجراء اللعان الشرعي ، وهذه الشروط هي :
أ - الإسلام . ب - الحرية.
ت - العقل . ث - البلوغ .
ج - النطق . د - عدم سبق الحد في قذف .
ر - أن ينفي الزوج نسب الولد إليه وقت الولادة علي البيان السابق .
و - أن يكون الولد حيا وقت القضاء بنفي النسب .
فإذا تم اللعان بشروطه السابقة ، قام القاضي بالتفريق بين الزوجين ، ونفي نسب الولد إلي الزوج وألحقه بأمه ، وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأن " من الأصول في فقه الشريعة الإسلامية أن النسب يثبت بالفراش وفي حال قيام الزوجية الصحيحة إذا أتى الولد لستة أشهر على الأقل من وقت الزواج وكان يتصور الحمل من الزوج بأن كان مراهقاً أو بالغاً ثبت نسب الولد من الزوج بالفراش دون حاجة إلى إقرار أو بينة ، وإذا نفاه الزوج فلا ينتفي إلا بشرطين أولهما : أن يكون نفيه وقت الولادة ، وثانيهما : أن يلاعن امرأته فإذا تم اللعان بينهما مستوفياً لشروطه فرق القاضي بينهما ونفى الولد عن أبيه وألحقه بأمه ، والأصل في النسب الاحتياط في ثبوته ما أمكان فهو يثبت مع الشك وينبني على الاحتمالات النادرة التي يمكن تصورها بأى وجه حملاً لحال المرأة على الصلاح وإحياء للولد ، لما كان ذلك وكان المطعون ضده لم ينكر قيام الزوجية بينه وبين الطاعنة ، وأنه وإن نفى نسب المولود ........ إليه عقب ولادتها مباشرة إلا أنه لم يلاعن امرأته ومن ثم فلا ينتفي نسبها منه .
_______________________
(1) الطعن رقم 124 لسنة 56 ق " أحوال شخصية " جلسة 28/3/1989 .
(2) الآيات (6-9) من سورة النور .
ويقول الإمام القرطبي في تفسير هذه الآيات الكريمة " هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته, وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عز وجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به, فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} فإذا قال ذلك, بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء, وحرمت عليه أبداً, ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا , ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, أي فيما رماها به {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} ولهذا قال {ويدرأ عنها العذاب} يعني الحد {أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} فخصها بالغضب, كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور, وهي تعلم صدقه فيما رماها به, ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها, والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.
ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق, فقال تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم {وأن الله تواب} أي على عباده, وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة {حكيم} فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه, وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.
فقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً} قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه: أهكذا أنزلت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم ؟" فقالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور, والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً, وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله, ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء, فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته ـ قال: فما لبثوا إلا يسيراً ـ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم, فجاء من أرضه عشاء, فوجد عند أهله رجلاً, فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح, فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلاً, فرأيت بعيني وسمعت بأذني, فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه, واجتمعت عليه الأنصار وقالوا: قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن, يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس, فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به, والله يعلم إني لصادق. فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي, وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه, يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي, فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله} الآية , فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً" فقال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرسلوا إليها" فأرسلوا إليها فجاءت, فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما, فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا, فقال هلال: والله يا رسول الله لقد صدقت عليها, فقالت: كذب, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال: اشهد, فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين, فلما كانت الخامسة قيل له: يا هلال اتق الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب, فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها, فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين, ثم قيل للمرأة: اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين, وقيل لها عند الخامسة: اتقي الله, فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف, ثم قالت: والله لا أفضح قومي, فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين, ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما, وقضى أن لا يدعى ولدها لأب, ولا يرمى ولدها, ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد, وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أن يفترقا من غير طلاق ولا متوفى عنها, وقال "إن جاءت به أصيب أريشح حمش الساقين, فهو لهلال, وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين, فهو الذي رميت به" فجاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين سابغ الآليتين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" قال عكرمة: فكان بعد ذلك أميراً على مصر, وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب. ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصراً.