بيانات حكم الادانه فى القتل العمد
ينبغى أن تشتمل الأحكام على الأسباب التى تبنى عليها ، وقد نصت على ذلك المادة 310 إجراءات التى أضافت : وكل حكم بإلادانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة ، والظروف التى وقعت فيها وأن يشير إلى نص القانون الذى حكم بموجبه " ، وذلك حتى يتاح لمحكمة النقض مباشرة سلطاتها فى مراقبة " عدم مخالفة القانون ، وعدم الخطأ فى تأويله وتطبيقه " واستعمال حقها فى تصحيح الخطأ والحكم بمتقضى القانون ، وأيضا نقضه وإعادة الدعوى إلى المحكمة التى أصدرت لتحكم فيها من جديد مشكلة من قضاه آخرين إذا وقع فيه بطلان أثر فيه .
وقد وضعت محكمة النقض حدودا عامة تراقب فيها المسائل الموضوعية وتقتضى أن تكون المقدمات التى يسوقها الحكم مسوغة ما قد يرتبه عليها من نتائج فى غير تعسف ولا تنافر بينهما .
وسنعالج فى هذا الفصل تطبيق هذه القواعد العامة على حكم الإدانة فى القتل العمد ، فنبحث ما يجب أن تشتمل قلية من بيانات مختلفة متعلقة بأركانه والأدلة عليها فى المبحث الأول ، ثم نبحث بعدئذ ما تعلق منها بظروفه المشددة والأدلة عليها فى المبحث الثانى .
بيان أركان القتل والأدلة عليها
يجب أن يبين حكم الإدانة فى القتل ماهية الفعل المادى الذى وقع من الجانى لإزهاق روح المجنى عليه ، وأدلة اقتناعه بإسناد إليه ، فلا يكفى أن يذكر أن التهمة ثابتة " بشهادة الشهود وقرائن الدعوى والكشف الطبى " بل عليه أن يذكر مضمون شهادة الشهود وغيرها من الأدلة التى اعتمد عليها (1)
ولا أهمية لكيفية بيان نوع الإلة المستعملة فى القتل ، مادام ما ذكره عنها الحكم كان استخلاصا سائغا له أصله فى أقوال الشهود ، وسنده فى تقرير الطبيب الشرعى ، ولا يشوبه التناقض ، كان يقول أنها كانت أما مطواة وأما منجلا . (2)
وأن كانت الواقعة شروعا وجب بيان عناصر البدء فى التنفيذ ، وإيقافه أو خيبه أثره وأسباب ذلك ، وقد حكم بأن إثبات الحكم على المتهم أنه أطلق العيار على المجنى عليه بقصد إزهاق روحه ، فأن هذا يكفى لقيام الشروع فى القتل ، ولا يكون هناك محل لما يثيره الطاعنان من جدل حول السبب الذى من أجله خاب أثر الجريمة ، وما إذا كان هو مدركة المجنى عليه بالعلاج كما قال ، أو عدم أحكام الرماية كما يقول الطاعنان ، إذ أنهما لا يدعيان أن عدم تمام الجريمة يرجع إلى عدولهما باختيارهما عن إتمامها وأنهنا تمسكا بذلك أمام محكمة الموضوع . (3)
ويكفى أن تشير المحكمة إلى اسم المجنى عليه ، حتى يستفاد بالضرورة وقوع القتل على أنسأن حى ولا أهمية لما إذا أخطأ الحكم فى اسم المجنى عليه (4) .
وإذا كان الحكم قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتا كافيا ، كما بين الظروف التى وقعت فيها والأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهمين كما استخلص أن المتهمين استعملوا فى الجريمة بقصد القتل "الفأس والأحجار " وهى وسائل على الصورة التى أوردها الحكم تحدث الموت ، بل وتحقق بها القتل فعلا فلا يقدح فى هذا الثبوت عدم العثور على جثتى المجنى عليهما أو عدم ضبط الوسائل التى استعملت فى الحادث . (5)
ومن المتعين أن تفيد عبارات الحكم صراحة أو دلالة قيام رابطة السببية بين الفعل المادى والنتيجة التى تحققت ، وهى رابطة تظهر عادة من كيفية سرد الوقائع ، فلا يحتاج الآمر إلى إبرازها بشكل خاص ، إلا حيث يدفع الجانى بتداخل عوامل أخرى عدا فعله فى إحداث النتيجة النهائية ، والسببية تخضع من حيث تقديرها وجودا أو عدما لرأى محكمة الموضوع ، ولا رقابة عليها لمحكمة النقض ، مادام حكمها مؤسسا على أسانيد مقبولة مستمدة من وقائع الدعوى إلا من حيث القول بأن فعلا معينا يصلح قانونا لأن يكون سببا للنتيجة التى حصلت أو لا يصلح .
أى أن محكمة النقض تراقب استنتاج محكمة الموضوع فى شأن السببية فى الحدود العامة التى تراقب فيها كافة المسائل الموضوعية . (6)
فإذا كان الحكم المطعون فيه فى صدد حديثه عن تهمة القتل التى دان بها الطاعن قد اقتصر على نقل ما أثبته تقرير الصفة التشريحية عن الإصابات التى وجدت بالقتيل ولم يعن ببيان رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة من واقع الدليل الفنى فأن النعى عليه بالقصور يكون مقبولا ويتعين نقضه . (7)
وكثيرا ما يكون التدليل على توافر القصد الجنائى ، وبخاصة القصد الخاص ، من أدق الأمور وأجدرها بعناية المحكمة ، وفى هذا الشأن نجد محكمة النقض تقرر أنه
يجب أن يعنى حكم الإدانة بالتحدث عن القصد الخاص فى القتل استقلالا واستظهاره بإيراد الأدلة التى تدل عليه وتكشف عنه ، وبيانها بيانا يوضحها ويرجعها إلى أصولها من أوراق الدعوى ، وألا يكتفى بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها إلا أن يكون ذلك بالإحالة إلى ما سبق بيانه عنها فى الحكم . (
إذا أغفلت المحكمة بيان قصد القتل كان هذا عيبا جوهريا موجبا لبطلان الحكم وكذلك إغفال الأدلة عليه (9) ، وإذا كانت الواقعة تثبت أن ما وقع من المتهمين هو ضرب المجنى عليه على رأسه بالعصا ومع أنها ذكرت ذلك فى جملة مواضع لم تذكر مطلقا أن هذا الاعتداء قد حصل بنية إحداث القتل فأنه يجب نقض الحكم . (10)
وأنه إذا كان الحكم حين تحدث عن نية القتل قد قال أنها مستفاده من ملاحقة المتهم للمجنى عليه وتهديده إياه بإطلاق النار عليه أن لم يقف فلما لم يصغ إليه بالوقوف أطلق عليه المقذوف عامداً من البندقية التى كان يحملها والتى لا تستعمل لغير القتل فأصابه فى مقتل لولا أن أسعف بالعلاج ، فأنه يكون قاصر البيان ، لأن مجرد ملاحقة شخص لآخر وتهديده بإطلاق النار عليه أن لم يقف ثم إطلاق النار عليه من بندقية معمرة بالرش قد يحصل دون أن يكون قصد الجانى قد أنصرف إلى قتل المجنى عليه وإزهاق روحه . (11)
وإذا كان الحكم قد اكتفى بقوله أن نية القتل " ثابتة ثبوتا قاطعا من الإصابات المتعددة القاتلة التى لحقت المجنى عليه ، فقد بلغت فى مجموعها خمسا وأحدثت تهشما فى الجمجمة وتهتكا فى المخ ونشأت عنها الوفاة فى الحال " فأنه يكون قاصرا ، لأن هذا الذى قاله لا يؤدى بذاته إلى ثبوت قصد القتل . (12)
كما قضى بأن ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن " نية القتل ثابتة فى حق المتهمين من الحقد الذى ملأ قلوبهم ، ومن استعمال أسلحة نارية قاتلة " لا يوفر وحده الدليل على ثبوتها ولو كان المقذوف قد أطلق عن قصد - ذلك أنه لا يبين مما أورده الحكم أن المتهمين تعمدوا تصويب الأعيرة النارية إلى مقاتل من المجنى عليهما ، ولا يغير من الموقف ما عقبت به المحكمة من أن المتهم الأخير قد أطلق النار على المجنى عليه الثانى بقصد إزهاق روحه " ذلك لأن إزهاق الروح هى النتيجة التى يضمرها الجانى ويتعين على القاضى أن يستظهرها بإيراد الأدلة والمظاهر التى تدل عليها وتكشف عنها ، ومن ثم فأن هذا الحكم يكون قاصرا متعينا نقضه . (13)
وأنه لما كان الحكم المطعون فيه حين عرض للحديث عن توافر قصد إزهاق الروح لدى الطاعن اقتصر على ذكر تعمد الجانى إتيان الفعل المادى المتمثل فى مناداته للمجنى عليها وتكليفها برفع القطعة الحديدية التى شحنها بتوصيلة كهربائية ممتدة بسلك من محله دون أن يعرض لدفاعه القائم على نزوعه إلى المداعبة عن طريق إيصال هذا السلك حتى إذا ما أمسك به الأولاد وارتعشوا ضحك عليهم - ويقول كلمته فيه فأنه يكون معيبا بما يوجب نقضه . (14)
وأنه يكفى لبيان نية القتل القول بأنها " مستفادة من استعمال المتهم فى عدوانه على المجنى عليه آلة حادة وطعنه إياه عدة طعنات فى مواضع عدة من جسمه ، وإحداها وهى إصابة البطن تعتبر فى مقتل وخطرة ، فهذا القول يؤدى إلى ما رتب عليه " . (15)
كما يكفى قول المحكمة فى حكمها أن نية القتل مستفادة من استعمال المتهم آلة حادة مدببة فى الاعتداء على المجنى عليه ، وضربه بها فى مقتل فى مقابل القلب والرئة اليسرى وبشكل جعل الضربة تغور فى جسم المجنى عليه إلى مسافة عشرة سنتيمترات حتى أصابت الرئة وشريان القلب . (16)
كما يكون استخلاصا سائغا ، وبيانا كافيا فى إثبات توافر نية القتل لدى المتهمين ، قول الحكم أن المتهمين قصدا باعتدائها على المجنى عليهما إزهاق روحهما ، من تعمد ضربهما بآلة قاتلة وطعنهما بها بقوة فى مقتل طعنا أحدث جرحا خطيرا ، وليس من شأن مجرد قول المجنى عليه أنه لا يعرف حقيقة قصد الجانى ، أن يقيد حرية المحكمة فى استخلاص قصده من كافة ظروف الدعوى .
كما يعد كذلك استخلاصا سائغا قول الحكم بتوافر نية القتل لدى الجانى بالنسبة لأحد المجنى عليهما وانتقائها بالنسبة للآخر ، رغم وقوع الاعتداء عليهما من نفس المتهم وبنفس الإلة وفى وقت واحد وذلك بالنظر إلى عدم وجود ضغينة تدعو إلى الشروع فى قتل الأخير ، وأن سبب الاعتداء عليه هو وقوفه فى طريق الجانى ليمنعه من الاعتداء على المجنى عليه الأول فطعنه الجانى طعنة واحدة وخفيفة قصد بها أن يخيفه ويزيحه عن طريقه (17)
أما الباعث على الجريمة فهو ليس من أركانها ، ولذلك لا يؤثر فى سلامة الحكم إغفال بيانه أو الخطأ فيه . (18)
وإذا كان دور المتهم مجرد شريك لا فاعلا أصليا ، وجب أن يبين الحكم وقائع الفعل الاصلى ويضيف إليها بيان الوقائع المكونة لعناصر الاشتراك وطريقته من تحريض أو اتفاق أو مساعدة والأدلة عليها . (19)
وإثبات حكم الإدانة توافر نية القتل فى حق الفاعل الاصلى مؤداه توافرها فى حق من أدانه معه بالاشتراك فى القتل مع علمه بذلك . (20)
إلا أنه حكم بأنه لا يكفى فى ذلك قول الحكم بأن المتهم الطاعن أمسك بالمجنى عليه بقصد تمكين المتهم الأول الذى كان قادما خلفه من ضرب المجنى عليه فوقعت جريمة القتل نتيجة محتملة لهذه المساعدة ، دون أن يبين الوقائع التى استخلص منها أن ما فعله من إمساك المجنى عليه على ذلك النحو قد قصد به تمكين المتهم الأول من ارتكاب الجريمة وأن ذلك كان مساعدة منه على ارتكابها ، ولم يكن من قبيل الاعتداء الشخصى منه عليه المقصود لذاته - متى كان ذلك فأن الحكم يكون قاصر البيان متعينا نقضه .
وبطبيعة الحال ينبغى أن يجئ الحكم فى شأن تسبيب ثبوت عناصر القتل العمد - كما هى الحال فى كل مقام آخر خاليا من شوائب تسبيب الأحكام بوجه عام ، ومنها أن يكون للأدلة مأخذ صحيح من الأوراق ، وألا يقع خطأ فى إسنادها إلى مأخذها ، وأن تكون وليدة إجراءات صحيحة ، وأن يذكر الحكم مؤداها ولو بإيجاز ، وأن تصلح الأدلة لأن تكون عناصر إثبات أو نفى سائغة وألا يقع فيها إجمال مخل أو إبهام أو تناقض أو تخاذل ، أو نحو ذلك من شوائب تسبيب الأحكام التى تؤدى إلى بطلانها ، والتى تربطها نظرية واحدة مشتركة أيا كان موضوع التسبيب ، أو موضع القصور فيه
___________________________
(1) نقض 8/11/1928 القواعد القانونية ج 1 رقم 7 صـ16
(2) نقض 17/12/1951 أحكام النقض س 3 رقم 116 صـ300
(3) نقض 25/11/1952 أحكام النقض س 4 رقم 66 صـ163
(4) نقض 7/5/1952 أحكام النقض س 3 رقم 332 صـ993
(5) نقض 31/5/1960 أحكام النقض س11 رقم 100 صـ521
(6) نقض 30/5/1938 القانون والاقتصاد س8 ملحق عدد 7 رقم 30 صـ192 .
(7) نقض 2/4/1962 أحكام النقض س 13 رقم 72 صـ286 .
( نقض 17/1/1950 أحكام النقض س1 رقم 84 صـ259 .
(9) نقض 20/12/1927 المحاماة س9 عدد 108 ، 27/12/1928رقم 251 س46 ق .
(10) نقض 27/12/1927 المحاماة س8 عدد 516 .
(11) نقض 19/10/1953 أحكام النقض س5 رقم 14 صـ42
(12) نقض 28/11/1950 أحكام النقض س2 رقم 103 صـ276 .
(13) نقض 9/1/1962 أحكام النقض س12 رقم 9 صـ35
(14) نقض 21/4/1974 أحكام النقض س25 رقم 89 صـ419
(15) نقض 12/9/1950 أحكام النقض س1 رقم 245 صـ751
(16) نقض 20/11/1950 أحكام النقض س2 رقم 80 صـ205
(17) نقض 28/5/1951 أحكام النقض س2 رقم 427 صـ1166
(18) نقض 17/3/1952 أحكام النقض س3 رقم 224 صـ603
(19) نقض 22/1/1910 مج س11 صـ123
(20) نقض 14/5/1963 أحكام النقض س14 رقم 81 صـ419
ينبغى أن تشتمل الأحكام على الأسباب التى تبنى عليها ، وقد نصت على ذلك المادة 310 إجراءات التى أضافت : وكل حكم بإلادانة يجب أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة ، والظروف التى وقعت فيها وأن يشير إلى نص القانون الذى حكم بموجبه " ، وذلك حتى يتاح لمحكمة النقض مباشرة سلطاتها فى مراقبة " عدم مخالفة القانون ، وعدم الخطأ فى تأويله وتطبيقه " واستعمال حقها فى تصحيح الخطأ والحكم بمتقضى القانون ، وأيضا نقضه وإعادة الدعوى إلى المحكمة التى أصدرت لتحكم فيها من جديد مشكلة من قضاه آخرين إذا وقع فيه بطلان أثر فيه .
وقد وضعت محكمة النقض حدودا عامة تراقب فيها المسائل الموضوعية وتقتضى أن تكون المقدمات التى يسوقها الحكم مسوغة ما قد يرتبه عليها من نتائج فى غير تعسف ولا تنافر بينهما .
وسنعالج فى هذا الفصل تطبيق هذه القواعد العامة على حكم الإدانة فى القتل العمد ، فنبحث ما يجب أن تشتمل قلية من بيانات مختلفة متعلقة بأركانه والأدلة عليها فى المبحث الأول ، ثم نبحث بعدئذ ما تعلق منها بظروفه المشددة والأدلة عليها فى المبحث الثانى .
بيان أركان القتل والأدلة عليها
يجب أن يبين حكم الإدانة فى القتل ماهية الفعل المادى الذى وقع من الجانى لإزهاق روح المجنى عليه ، وأدلة اقتناعه بإسناد إليه ، فلا يكفى أن يذكر أن التهمة ثابتة " بشهادة الشهود وقرائن الدعوى والكشف الطبى " بل عليه أن يذكر مضمون شهادة الشهود وغيرها من الأدلة التى اعتمد عليها (1)
ولا أهمية لكيفية بيان نوع الإلة المستعملة فى القتل ، مادام ما ذكره عنها الحكم كان استخلاصا سائغا له أصله فى أقوال الشهود ، وسنده فى تقرير الطبيب الشرعى ، ولا يشوبه التناقض ، كان يقول أنها كانت أما مطواة وأما منجلا . (2)
وأن كانت الواقعة شروعا وجب بيان عناصر البدء فى التنفيذ ، وإيقافه أو خيبه أثره وأسباب ذلك ، وقد حكم بأن إثبات الحكم على المتهم أنه أطلق العيار على المجنى عليه بقصد إزهاق روحه ، فأن هذا يكفى لقيام الشروع فى القتل ، ولا يكون هناك محل لما يثيره الطاعنان من جدل حول السبب الذى من أجله خاب أثر الجريمة ، وما إذا كان هو مدركة المجنى عليه بالعلاج كما قال ، أو عدم أحكام الرماية كما يقول الطاعنان ، إذ أنهما لا يدعيان أن عدم تمام الجريمة يرجع إلى عدولهما باختيارهما عن إتمامها وأنهنا تمسكا بذلك أمام محكمة الموضوع . (3)
ويكفى أن تشير المحكمة إلى اسم المجنى عليه ، حتى يستفاد بالضرورة وقوع القتل على أنسأن حى ولا أهمية لما إذا أخطأ الحكم فى اسم المجنى عليه (4) .
وإذا كان الحكم قد بين ثبوت واقعة القتل ثبوتا كافيا ، كما بين الظروف التى وقعت فيها والأدلة التى استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهمين كما استخلص أن المتهمين استعملوا فى الجريمة بقصد القتل "الفأس والأحجار " وهى وسائل على الصورة التى أوردها الحكم تحدث الموت ، بل وتحقق بها القتل فعلا فلا يقدح فى هذا الثبوت عدم العثور على جثتى المجنى عليهما أو عدم ضبط الوسائل التى استعملت فى الحادث . (5)
ومن المتعين أن تفيد عبارات الحكم صراحة أو دلالة قيام رابطة السببية بين الفعل المادى والنتيجة التى تحققت ، وهى رابطة تظهر عادة من كيفية سرد الوقائع ، فلا يحتاج الآمر إلى إبرازها بشكل خاص ، إلا حيث يدفع الجانى بتداخل عوامل أخرى عدا فعله فى إحداث النتيجة النهائية ، والسببية تخضع من حيث تقديرها وجودا أو عدما لرأى محكمة الموضوع ، ولا رقابة عليها لمحكمة النقض ، مادام حكمها مؤسسا على أسانيد مقبولة مستمدة من وقائع الدعوى إلا من حيث القول بأن فعلا معينا يصلح قانونا لأن يكون سببا للنتيجة التى حصلت أو لا يصلح .
أى أن محكمة النقض تراقب استنتاج محكمة الموضوع فى شأن السببية فى الحدود العامة التى تراقب فيها كافة المسائل الموضوعية . (6)
فإذا كان الحكم المطعون فيه فى صدد حديثه عن تهمة القتل التى دان بها الطاعن قد اقتصر على نقل ما أثبته تقرير الصفة التشريحية عن الإصابات التى وجدت بالقتيل ولم يعن ببيان رابطة السببية بين هذه الإصابات والوفاة من واقع الدليل الفنى فأن النعى عليه بالقصور يكون مقبولا ويتعين نقضه . (7)
وكثيرا ما يكون التدليل على توافر القصد الجنائى ، وبخاصة القصد الخاص ، من أدق الأمور وأجدرها بعناية المحكمة ، وفى هذا الشأن نجد محكمة النقض تقرر أنه
يجب أن يعنى حكم الإدانة بالتحدث عن القصد الخاص فى القتل استقلالا واستظهاره بإيراد الأدلة التى تدل عليه وتكشف عنه ، وبيانها بيانا يوضحها ويرجعها إلى أصولها من أوراق الدعوى ، وألا يكتفى بسرد أمور دون إسنادها إلى أصولها إلا أن يكون ذلك بالإحالة إلى ما سبق بيانه عنها فى الحكم . (
إذا أغفلت المحكمة بيان قصد القتل كان هذا عيبا جوهريا موجبا لبطلان الحكم وكذلك إغفال الأدلة عليه (9) ، وإذا كانت الواقعة تثبت أن ما وقع من المتهمين هو ضرب المجنى عليه على رأسه بالعصا ومع أنها ذكرت ذلك فى جملة مواضع لم تذكر مطلقا أن هذا الاعتداء قد حصل بنية إحداث القتل فأنه يجب نقض الحكم . (10)
وأنه إذا كان الحكم حين تحدث عن نية القتل قد قال أنها مستفاده من ملاحقة المتهم للمجنى عليه وتهديده إياه بإطلاق النار عليه أن لم يقف فلما لم يصغ إليه بالوقوف أطلق عليه المقذوف عامداً من البندقية التى كان يحملها والتى لا تستعمل لغير القتل فأصابه فى مقتل لولا أن أسعف بالعلاج ، فأنه يكون قاصر البيان ، لأن مجرد ملاحقة شخص لآخر وتهديده بإطلاق النار عليه أن لم يقف ثم إطلاق النار عليه من بندقية معمرة بالرش قد يحصل دون أن يكون قصد الجانى قد أنصرف إلى قتل المجنى عليه وإزهاق روحه . (11)
وإذا كان الحكم قد اكتفى بقوله أن نية القتل " ثابتة ثبوتا قاطعا من الإصابات المتعددة القاتلة التى لحقت المجنى عليه ، فقد بلغت فى مجموعها خمسا وأحدثت تهشما فى الجمجمة وتهتكا فى المخ ونشأت عنها الوفاة فى الحال " فأنه يكون قاصرا ، لأن هذا الذى قاله لا يؤدى بذاته إلى ثبوت قصد القتل . (12)
كما قضى بأن ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن " نية القتل ثابتة فى حق المتهمين من الحقد الذى ملأ قلوبهم ، ومن استعمال أسلحة نارية قاتلة " لا يوفر وحده الدليل على ثبوتها ولو كان المقذوف قد أطلق عن قصد - ذلك أنه لا يبين مما أورده الحكم أن المتهمين تعمدوا تصويب الأعيرة النارية إلى مقاتل من المجنى عليهما ، ولا يغير من الموقف ما عقبت به المحكمة من أن المتهم الأخير قد أطلق النار على المجنى عليه الثانى بقصد إزهاق روحه " ذلك لأن إزهاق الروح هى النتيجة التى يضمرها الجانى ويتعين على القاضى أن يستظهرها بإيراد الأدلة والمظاهر التى تدل عليها وتكشف عنها ، ومن ثم فأن هذا الحكم يكون قاصرا متعينا نقضه . (13)
وأنه لما كان الحكم المطعون فيه حين عرض للحديث عن توافر قصد إزهاق الروح لدى الطاعن اقتصر على ذكر تعمد الجانى إتيان الفعل المادى المتمثل فى مناداته للمجنى عليها وتكليفها برفع القطعة الحديدية التى شحنها بتوصيلة كهربائية ممتدة بسلك من محله دون أن يعرض لدفاعه القائم على نزوعه إلى المداعبة عن طريق إيصال هذا السلك حتى إذا ما أمسك به الأولاد وارتعشوا ضحك عليهم - ويقول كلمته فيه فأنه يكون معيبا بما يوجب نقضه . (14)
وأنه يكفى لبيان نية القتل القول بأنها " مستفادة من استعمال المتهم فى عدوانه على المجنى عليه آلة حادة وطعنه إياه عدة طعنات فى مواضع عدة من جسمه ، وإحداها وهى إصابة البطن تعتبر فى مقتل وخطرة ، فهذا القول يؤدى إلى ما رتب عليه " . (15)
كما يكفى قول المحكمة فى حكمها أن نية القتل مستفادة من استعمال المتهم آلة حادة مدببة فى الاعتداء على المجنى عليه ، وضربه بها فى مقتل فى مقابل القلب والرئة اليسرى وبشكل جعل الضربة تغور فى جسم المجنى عليه إلى مسافة عشرة سنتيمترات حتى أصابت الرئة وشريان القلب . (16)
كما يكون استخلاصا سائغا ، وبيانا كافيا فى إثبات توافر نية القتل لدى المتهمين ، قول الحكم أن المتهمين قصدا باعتدائها على المجنى عليهما إزهاق روحهما ، من تعمد ضربهما بآلة قاتلة وطعنهما بها بقوة فى مقتل طعنا أحدث جرحا خطيرا ، وليس من شأن مجرد قول المجنى عليه أنه لا يعرف حقيقة قصد الجانى ، أن يقيد حرية المحكمة فى استخلاص قصده من كافة ظروف الدعوى .
كما يعد كذلك استخلاصا سائغا قول الحكم بتوافر نية القتل لدى الجانى بالنسبة لأحد المجنى عليهما وانتقائها بالنسبة للآخر ، رغم وقوع الاعتداء عليهما من نفس المتهم وبنفس الإلة وفى وقت واحد وذلك بالنظر إلى عدم وجود ضغينة تدعو إلى الشروع فى قتل الأخير ، وأن سبب الاعتداء عليه هو وقوفه فى طريق الجانى ليمنعه من الاعتداء على المجنى عليه الأول فطعنه الجانى طعنة واحدة وخفيفة قصد بها أن يخيفه ويزيحه عن طريقه (17)
أما الباعث على الجريمة فهو ليس من أركانها ، ولذلك لا يؤثر فى سلامة الحكم إغفال بيانه أو الخطأ فيه . (18)
وإذا كان دور المتهم مجرد شريك لا فاعلا أصليا ، وجب أن يبين الحكم وقائع الفعل الاصلى ويضيف إليها بيان الوقائع المكونة لعناصر الاشتراك وطريقته من تحريض أو اتفاق أو مساعدة والأدلة عليها . (19)
وإثبات حكم الإدانة توافر نية القتل فى حق الفاعل الاصلى مؤداه توافرها فى حق من أدانه معه بالاشتراك فى القتل مع علمه بذلك . (20)
إلا أنه حكم بأنه لا يكفى فى ذلك قول الحكم بأن المتهم الطاعن أمسك بالمجنى عليه بقصد تمكين المتهم الأول الذى كان قادما خلفه من ضرب المجنى عليه فوقعت جريمة القتل نتيجة محتملة لهذه المساعدة ، دون أن يبين الوقائع التى استخلص منها أن ما فعله من إمساك المجنى عليه على ذلك النحو قد قصد به تمكين المتهم الأول من ارتكاب الجريمة وأن ذلك كان مساعدة منه على ارتكابها ، ولم يكن من قبيل الاعتداء الشخصى منه عليه المقصود لذاته - متى كان ذلك فأن الحكم يكون قاصر البيان متعينا نقضه .
وبطبيعة الحال ينبغى أن يجئ الحكم فى شأن تسبيب ثبوت عناصر القتل العمد - كما هى الحال فى كل مقام آخر خاليا من شوائب تسبيب الأحكام بوجه عام ، ومنها أن يكون للأدلة مأخذ صحيح من الأوراق ، وألا يقع خطأ فى إسنادها إلى مأخذها ، وأن تكون وليدة إجراءات صحيحة ، وأن يذكر الحكم مؤداها ولو بإيجاز ، وأن تصلح الأدلة لأن تكون عناصر إثبات أو نفى سائغة وألا يقع فيها إجمال مخل أو إبهام أو تناقض أو تخاذل ، أو نحو ذلك من شوائب تسبيب الأحكام التى تؤدى إلى بطلانها ، والتى تربطها نظرية واحدة مشتركة أيا كان موضوع التسبيب ، أو موضع القصور فيه
___________________________
(1) نقض 8/11/1928 القواعد القانونية ج 1 رقم 7 صـ16
(2) نقض 17/12/1951 أحكام النقض س 3 رقم 116 صـ300
(3) نقض 25/11/1952 أحكام النقض س 4 رقم 66 صـ163
(4) نقض 7/5/1952 أحكام النقض س 3 رقم 332 صـ993
(5) نقض 31/5/1960 أحكام النقض س11 رقم 100 صـ521
(6) نقض 30/5/1938 القانون والاقتصاد س8 ملحق عدد 7 رقم 30 صـ192 .
(7) نقض 2/4/1962 أحكام النقض س 13 رقم 72 صـ286 .
( نقض 17/1/1950 أحكام النقض س1 رقم 84 صـ259 .
(9) نقض 20/12/1927 المحاماة س9 عدد 108 ، 27/12/1928رقم 251 س46 ق .
(10) نقض 27/12/1927 المحاماة س8 عدد 516 .
(11) نقض 19/10/1953 أحكام النقض س5 رقم 14 صـ42
(12) نقض 28/11/1950 أحكام النقض س2 رقم 103 صـ276 .
(13) نقض 9/1/1962 أحكام النقض س12 رقم 9 صـ35
(14) نقض 21/4/1974 أحكام النقض س25 رقم 89 صـ419
(15) نقض 12/9/1950 أحكام النقض س1 رقم 245 صـ751
(16) نقض 20/11/1950 أحكام النقض س2 رقم 80 صـ205
(17) نقض 28/5/1951 أحكام النقض س2 رقم 427 صـ1166
(18) نقض 17/3/1952 أحكام النقض س3 رقم 224 صـ603
(19) نقض 22/1/1910 مج س11 صـ123
(20) نقض 14/5/1963 أحكام النقض س14 رقم 81 صـ419