الشروع فى السرقة
--------------------------------
من المعلوم أن هناك مذهبين رئيسيين يتنازعان تحديد أفعال الشروع ، أى البدء فى التنفيذ هما المذهب المادى أو الموضوعى والمذهب الشخصى :
المذهب المادى :
وهو يرى أن الشروع يكون بالبدء فى تنفيذ الفعل المادى المكون للجريمة ، فإذا كانت السرقة تتم بإخراج المال من حيازة المجنى عليه إلى حيازة الجانى كما سلف ، فالبدء فى تنفيذها يكون بوضع الجانى يده بالفعل على المال بغية إخراجه من حيازة المجنى عليه ، أما الأفعال السابقة على ذلك ، مثل دخول منزل المجنى عليه ، وكسر الأبواب الخارجية أو الداخلية ، بل كسر الخزائن والدواليب ، فلا تعد شروعا معاقبا عليه .
ويرى فريق من أنصار المذهب المادى أن المعيار فى تمييز الأفعال التى ينبغى أن تعد شروعا فى الجريمة عن الأفعال التى لا ينبغى أن تعد كذلك هو أن الأفعال التى تدل بذاتها - ومجردة عما قد يحيط بها من ظروف - على انصراف إرادة الجانى إلى ارتكاب جريمة بعينها تعد شروعا فيها ، مثل كسر دولاب أو خزانة فى السرقة أما الأفعال التى لا تدل على نية ارتكاب جريمة معينة بالذات ، وتكون قابلة لأكثر من تعليل ، ويصح أن تعد بدءا فى تنفيذ أكثر من جريمة فلا تعد شروعا فى أية واحدة منها ، كدخول المنزل فكما قد يكون للسرقة قد يكون للقتل أو للضرب أو للاختطاف أو للحريق ... الخ .
كما يرى فريق آخر من أنصار المذهب المادى أنه يعد شروعا البدء فى ارتكاب الفعل المادى المكون للجريمة ، وكذلك كل فعل يمكن أن يعد ظرفا مشددا فيها ، ومن ثم يعد شروعا فى السرقة ارتكاب أفعال الكسر والتسور واستعمال مفاتيح مصطنعة والدخول إلى المنزل المسكون والمعد للسكنى أو ملحقاته ، وإكراه المجنى عليه ، وتهديده بسلاح بقصد السرقة وهكذا ... وهذا الرأى الأخير يميل بذلك إلى التخفيف من حدة المعايير المادية السابقة والتوسيع من نطاق الشروع ، حتى لا تفلت أفعال خطيرة وقريبة من الفعل التام من العقاب كلية .
المذهب الشخصى :
وهو يرى أن الشروع يكون بتنفيذ كل فعل مادى يحمل على القول بأن المجرم قد سلك به نهائيا سبيل الجريمة ، وأصبح عدوله عنها أمرا غير محتمل أو ضعيف الاحتمال ، أو كما يقول البعض ، أنه كل فعل يكون الجانى قد أفصح به عن عزمه النهائى على بلوغ مأربه ، أو يكون قد دخل به فى فترة التنفيذ ، أو كما يقول البعض الآخر أنه كل فعل يؤدى حالا ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة ، ولو كان سابقا على الأفعال الداخلة فى تكوينها المادى ، أو مستقلا عن ظروفها المشددة ، ولعل هذا التعريف الأخير للمذهب الشخصى هو الأكثر شيوعا بين شراح القانون .
فالمذهب الشخصى يعطى الاعتبار الأول لشخص المجرم لا لماديات الجريمة موسعا بذلك من نطاق الشروع توسيعا كبيرا ، وتاركا تقديره متوقعا على الظروف الخاصة بالمتهم ، من سن وتعليم وسوابق وبيئة ومهنة وحالة اجتماعية وعائلية ، فكلها قد تساعد على تبين ما إذا كان من المتوقع عدوله عن الجريمة بعد المراحل التى قطعها فيها ، أم لا ، فمن الجلى أن اللص ذا السوابق ، عديم الحرفة والثقافة يكون احتمال عدوله عن السرقة إذا وصل إلى مرحلة معينة فيها أقل بكثير من احتمال عدول شخص مبتدئ فى السرقة ، أقدم على مشروعه - غير المشروع - بدافع من الحاجة الملحة ، إذا وصل إلى نفس المرحلة .
 
الشروع فى السرقة فى القضاء المصرى :
المذهب السائد فى القانونين المصرى هو المذهب الشخصى دون المادى ، وطبقا لهذا المذهب السائد ، اعتبرت محاكمنا أفعالا تؤدى حالا ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة ، وتشعر بأن المتهم قد سلك سبيل الجريمة نهائيا ، وأفصح بها عن عزمه الأخير على إتمامها ما يأتى :
محاولة فتح باب دكان مغلق (1) وتحريك ضبة باب محل به مواش لسرقتها (2) وجذب قفل باب إحدى الغرف بقوة والتوصل إلى فتحه (3) ومن باب أولى الدخول بالفعل إلى المحل الذى به الأشياء المراد سرقتها (4) ، التسلق بقصد السرقة (5) وصعود المتهمين إلى سطح المنزل المراد سرقته عن طريق تسلق جدار منزل مجاور (6) ، نقب جدار منزل المجنى عليه ، ولو كان فى بداءته (7) .
ضبط شخص على سلم منزل مسكون متجها إلى السطح للسرقة منه ومعه أدوات تستعمل فى فتح الأبواب وكسرها ، حتى بعد إذ عاد أدراجه يبغى الفرار بعد ما أحس بوجود شخص على السطح " لأن الأفعال التى صدرت من الطاعن تعد من الأعمال المؤدية مباشرة إلى ارتكاب جريمة السرقة " وكان من أوجه الطعن أن الواقعة على هذا النحو تكون مجرد دخول منزل بقصد ارتكاب جريمة (Cool وعلى العموم " تنتهى الأعمال التحضيرية - على حد تعبير محكمة النقض - إلى سور المنزل بحيث لو تخطى الجانى هذا السور فإن فعله لا يمكن اعتباره شيئا آخر غير بدء فى تنفيذ فكرته الإجرامية " وكذلك الدخول إلى فناء مصنع بطريق التسور والاختباء فيه بجوار مخزن المصنع الذى به الأشياء المراد سرقتها ، خصوصا وأن باب المخزن يفتح ويغلق دون مفتاح ، فإن هذا يعد شروعا فى السرقة ( 9 ) ، كسر الخزائن والدواليب بقصد السرقة ، وتظهر أهمية هذا الفرض إذا كان الجانى مقيما فى المنزل أو دخله بسبب مشروع فك صواميل ماكينة للتمكن من سرقتها ( 10 ) نقل أدوية من مكان إلى مكان آخر داخل صيدلية للتمكن من إخراجها بعيدا عن الرقابة ( 11 ) ومثلها أيضا نقل غلال من مخازن السكة الحديدية إلى مكان آخر فى دائرة المحطة للتمكن من إخراجها فيما بعد ( 12 ) .
قيام عساكر مكلفين بحراسة أجولة أرز وردت إلى محطة سكة حديدية - بعد أن اتفقوا فيما بينهم على سرقة بعضها - بالاتفاق مع حوذى على نقل أربعة أجولة منها ، ثم إحضار هذا الأخير عربته وإيقافها فى ركن مظلم قريب ( 13 ) ، وضع الجانى يده فى جيب المجنى عليه بقصد السرقة ولو كان خاليا ( 14 ) .
وضع الجانى بعض أقطان الشركة فى أكياس بفناء المحلج بعد أن كتب عليها اسم أحد التجار وأثبت فى دفتر البوابة ورودها باسم هذا التاجر إثباتا لملكيته ، وكانت تلك هى الوسيلة التى يستطيع بها التاجر أن يتسلم الأقطان بعد حلجها ، فإن ما وقع من المتهم لا يعدو فى الحقيقة أن يكون شروعا فى سرقة وليس سرقة تامة ( 15 ) .
توجه المتهم إلى المخزن المعد لتفريغ المازوت حتى وإن لم يقم بالتفريغ واكتفى بإزالة الرصاص الذى يقفل به صنبور خزان السيارة ، وحصل على توقيع المتهم الثانى على الفاتورة بما يفيد استلامه الزيت ، ثم سلوكه الطريق المؤدى إلى خارج مصنع الشركة حيث اكتشف شيخ الخفراء وجود المازوت بالسيارة وقام بضبطه ، فإن ذلك يعتبر بدءا فى التنفيذ لجريمة السرقة لأنه مؤد فورا ومباشرة إلى إتمامها ( 16 ) .
أن يضبط الجانى خارج مبنى الشركة المجنى عليها حاملا آلة حاسبة مملوكة لها ، وقد اعترف بشروعه فى سرقتها وبأن وقوع هذه الجريمة كان بناء على اتفاقه مع المتهم الثانى ، ويعد الفعل بالنسبة لكليهما شروعا فى السرقة ( 17 ) ، تسلق ثلاثة من المتهمين للسور الخارجى للحديقة إلى داخل المنزل ، مع بقاء الرابع بالسيارة فى الطريق فى انتظارهم حتى إتمام السرقة ، ثم معالجة المتهم الثانى الباب الداخلى بأدوات أحضرها لكسره إلى أن كسر بعض أجزائه ، متى ثبت أن المتهمين كانوا ينوون سرقة محتويات المنزل ( 18 ) .
 ______________________________
(1)  نقض 24/4/1962 أحكام النقض س 13 رقم 107 صـ407
(1) نقض 6/6/1927 مج س 28 رقم 31 .
(2) نقض 11/5/1918 الشرائع س 6 صـ39 .
(3) نقض 8/3/1943 القواعد القانونية ج 6 رقم 131 صـ92 .
(4) نقض 11/3/1963 أحكام النقض س 14 رقم 37 صـ178 .
(5) نقض 15/5/1939 رقم 685 س 9 ق .
(6) نقض 21/10/1924 رقم 1611 س 4 ق  .
(7) نقض 27/9/1916 الشرائع س 4 رقم 12 صـ34 .
(Cool نقض 20/5/1952 أحكام النقض س 3 رقم 365 صـ979 .
( 9 )  نقض 15/12/1958 طعن رقم 1963 سنة 28 ق .
( 10 )  نقض 21/6/1943 القواعد القانونية ج 6 رقم 229 صـ302 .
( 11 )  نقض 7/12/1942 القواعد القانونية ج 6 رقم 35 صـ50 .
( 12 )  نقض 18/5/1942 القواعد القانونية ج 5 رقم 406 صـ662 .
( 13 )  نقض 31/3/1952 رقم 1600 س 22 ق .
( 14 )  نقض 1/3/1948 القواعد القانونية ج 2 رقم 556 صـ419 .
( 15 )  نقض 20/1/1958 أحكام النقض س 9 رقم 17 صـ68 .
( 16 ) نقض 20/1/1964 أحكام النقض س 15 رقم 14 صـ66 .
( 17 ) نقض 29/6/1965 أحكام النقض س 16 رقم 125 صـ654 .
( 18 ) نقض 4/10/1966 أحكام النقض س 17 رقم 168 صـ911