ما يعد سراً من أسرار الدفاع
تنص المادة (85) من قانون العقوبات على أنه "يعتبر سرا من أسرار الدفاع :
1-المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عدا هؤلاء الأشخاص .
2-الأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها والتي يجب أن تبقى سرا على من عداهم خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة .
3-الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها وبصفة عامة كل من له مساس بالشئون العسكرية والاستراتيجية ولم يكن قد صدر إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة بنشره أو إذاعته .
4- الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها ومع ذلك فيجوز للمحكمة التي تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها" .
المادة 85 – وتقابل المادة 85 بند "ثانيا" و "ثالثا" وقد تميزت المادة المقترحة بوضع ضوابط محدودة المعالم للمعنى المقصود "بأسرار الدفاع المسلحة وكذلك كل ما يسمى الشئون العسكرية والإستراتيجية تتصل بطبيعتها بتنظيم وسائل الدفاع عن البلاد مما يقتضي إحاطته بالسرية لذلك تضمن النص الجديد اعتبارها من أسرار الدفاع ما لم تنزع الجهة المختصة هذه الصفة منها بالتصريح كتابة بنشرها أو إذاعتها وقد ألحق بأسرار الدفاع الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ للكشف عن الجرائم التي تناولها هذا الباب أو لتحقيقها أو لمحاكمة مرتكبيها وذلك ضمانا لحصر نطاق الجرائم المذكورة وعدم إفلات الجناة من القصاص . وأخذ في ذلك ما يجرى به نص المادة 142 من مشروع لجنة تعديل قانون العقوبات المقتبسة من المشروع الفرنسي . (المذكرة الإيضاحية)
• أسرار الدفاع :
أنواع أسرار الدفاع : وأسرار الدفاع القومي إما أن تكون حقيقية ، وهي المعلومات أو الوثائق التي تعد بطبيعتها من الأسرار ، ولا يعلمها إلا الأشخاص المنوط بهم حفظها وصيانتها ، ويجب لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عداهم . وإما أن تكون "حكمية" ، وهي المعلومات أو الوثائق أو غير ذلك من الأشياء التي ليست في ذاتها سرا ولكنها تعتبر في حكم أسرار الدفاع بمقتضى أمر من الحكومة ، أو لأن إذاعتها تؤدي إلى الوقوف على مضمون سر حقيقي للدفاع . وقد كان نص المادة 85 عقوبات وفقا لتعديل سنة 1940 يقوم في تحديد أسرار الدفاع على هذا الأساس . ولا يبدو لي أن النص معدلا في سنة 1957 قد أزال الفاصل الطبيعي بين الأسرار الحقيقية ، والأسرار الحكمية ، كما اعتقد البعض ، لأنه مع التوسع في صور الأسرار الحقيقية ، قد استبقى النص على نوع من الأسرار الحكمية وهي التي تؤدي إذاعتها إلى كشف سر للدفاع (الفقرة الثانية) . ولكن المشرع المصري في المادة 85 وفقا لتعديل سنة 1957 قد اقتدى ، مع ذلك بخطة القانون الفرنسي الصادر في سنة 1939في إيراد أربعة أقسام لأسرار الدفاع الوطني ، وتناولها بعبارات عامة واسعة المدلول ، وهذه الأقسام هي :
أولا : المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك ، ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عدا هؤلاء الأشخاص . وهذه المعلومات كلها من الأسرار " الحقيقية" وهي تحيط بالواقع بكافة الشئون التي تتألف منها قوة الدولة ، والتي تعبها للعمل في مواجهة عدوها الحالي أو المحتمل .
(1) ويقصد بالمعومات الحربية الحقائق أو الأنباء التي تعد بطبيعتها من أسرار القوات العسكرية ، نظامية كانت أم احتياطية . فيدخل في ذلك ما يعلق بحجم هذه القوات وبما يعبأ لتزويدها ، وما يتعلق بحقيقة استعدادها ومداه ، وبتكوين وحداتها وأعبائها ، وتوزيع قطع أسطولها البحري أو الجوي ومهامها ، وأسرار استحكاماتها وأسلحتها واختراعاتها ، وأساليبها في القتال الوقاية من أسلحة الدول الأخرى ومواجهتها ، كما يدخل فيها بالطبع ما تضعه القيادة المختلفة من خطط حربية ، وما تصدره من معلومات إلى الضابط أو الجنود في شئون الاستعداد أو الاشتباك وما إليها
(2) والمعلومات السياسية هي التي تتعلق بقرارات الحكومة في شئون السياسة الخارجية أو الداخلية ، مما يتصل بالدفاع عن البلاد . من ذلك موقف الجمهورية إزاء بعض الأحداث التي تري في الدول الأخرى ، أو ما تهدف إلى تنفيذه من تدابير توجه به سياسة حكومة أجنبية ، مما يضر الحصول عليه ، أو إفشاؤه ، بخطة الدولة في هذا الصدد . أما المعلومات الدبلوماسية فهي التي تتعلق بمضمون الرسائل أو الاتصالات المتبادلة بين وزير الخارجية وبين ممثلي الجمهورية السياسيين ومن إليهم في الخارج ، وكذلك التعليمات التي تصدر من رئاسة الدولة إلى هؤلاء الموظفين .
(3) والمعلومات الاقتصادية تعبير يتسع للحقائق والأخبار المتعلقة بكافة نواحي الإنتاج المختلفة التي تخدم في شئون الدفاع . فتدخل فيها المعلومات الصناعية التي ذكرها النص . بل الواقع أن كل الإمكانيات الحيوية في الدولة تكون ركيزتها في تزويد الجيش بالعتاد والمؤن ، وفي وقاية الشعب من أخطار الحرب وسد احتياجاته الأساسية لضمان صموده واحتماله أو لصيانة قوة المقاومة لديه ، وذلك كله مما يخدم في شئون الدفاع . وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون سنة 1940 إلى أهمية هذه المعلومات نظرا لتطور وسائل الحرب وتقعد أساليبها مما زاد في عدد ونوع الأشياء التي يجب أن تظل مجهولة من الدول الأجنبية . فإن البيانات الخاصة بحالة المؤن في البلاد ، أو بمقدار إنتاج المصانع الحربية ، أو بطرق الصناعة ، أو بالاختراعات العلمية التي ترمي إلى تقوية التسليح ليست دون رسوم الاستحكامات من حيث الأهمية . ومن البديهي أنه يستوي أن تكون المعلومات متعلقة بمؤسسات اقتصادية أو صناعية تابعة للحكومة أو أن تكون متعلقة بشركات أو مؤسسات أهلية ، ما دام إنتاجها يؤدي خدمة ولو مؤقتة من الخدمات التي تعين في شئون الدفاع .
ويقال في الفقه الفرنسي ، بشأن الفقرة المقابلة من المادة 78ع . ف ، أن هذا التعداد لأنواع المعلومات قد جاء على سيل المثال ، وأن من الجائز أن يدخل في أسرار الدفاع الحقيقية غيرها ، إذ ثمة ما يمنع من أن تدخل فيها المعلومات العلمية البحتة ، ما دامت ما يجب صيانته لمصلحة الدفاع . ويبدو لي أن هذه المعلومات لا يمكن أن تكون علمية "بحتة" طالما أنها تتعلق بشئون الدفاع . والمعقول أنها ترد إلى المعلومات الحربية أو الصناعية أو غيرها تبعا للأحوال ، وحسبما تخدم من الأغراض الدفاعية . والمهم هو أن ظاهر النص يفهم منه بوضوح أنه قد أورد أنواع المعلومات على سبيل الحصر . ولذلك عنى المشرع بذكر كل ما تصور أن يثور بشأن أدنى لبس ، فقد نص على المعلومات "الصناعية" مع أنها داخلة في عموم المعلومات "الاقتصادية"
ولا ينبغي أن يفهم أن جميع المعلومات الحربية أو السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية تعد من أسرار الدفاع الحقيقية ، فإن الفقرة الأولى من المادة 85 عقوبات تقيد ذلك بشرطين : الأول : أن تكون هذه المعلومات متعلقة بالدفاع عن البلاد أي تتعلق بصيانة سلامة الدول وسيادتها ، ووسائل الدفاع عن كيانها في شتى الميادين ، في زمن السلم وفي زمن الحرب ذلك أن الدفاع في الوقت الحاضر لم يعد قاصرا على ميدان القتال بين القوات الحربية بخططها ومعداتها ، وإنما أصبح يقتضي ، فضلا عن ذلك ، تعبئة كل الجهود السياسية والدبلوماسية ، وحشد كافة الإمكانيات الاقتصادية الحيوية لتدعيم القوات المسلحة وتزويدها ، ولسد احتياجات المدنين ووقايتهم . ومن ثم وجب أن تؤخذ فكرة الدفاع بمعناها في شتى الميادين والمجالات ، ودون تفرقة بين أن تكون المعلومات متعلقة بالدفاع عن البلاد في الحاضر أو في المستقبل .
والثاني : أن تكون هذه المعلومات بطبيعتها من الأسرار التي لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك ، ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عدا هؤلاء الأشخاص . ومعنى ذلك أنه إذا ذاعت حقيقة المعلومات وانتشرت بين الناس فإنها تفقد صفة السرية . ولكن تعدد الحفظة للسر أو من لهم صفة في العلم به لا يعني ذيوعه ، فيبقى محتفظا بطبيعته فمثلا لو عهد بسر حربي إلى عدد من ضبط الجيش الذين لهم صفة في العلم به لاستخدامه أو تنفيذه فإنه لا يفقد طبيعته السرية . وكذلك الشأن إذا تحصل عليه خائن أو جاسوس ، أو اختلسه سارق ، لأنه يبقى في دائرة محدودة من الأشخاص ، فضلا عن كونه مازال باقيا على أصله من حظر إذاعته أو نقله والقول بتوفير هذين الشرطين مسألة موضوعية ، تترك لتقدير المحكمة وغنى عن البيان أنه في أحوال كثيرة تكون طبيعة المعلومات أو وعاؤها من الوثائق ونحوها واضحة الدلالة على أنها من أسرار الدفاع . بينما قد تقد حالات لا يتبين فيها معنى السرية بطريقة جلية ، وإذ ذاك يحسن بالمحكمة أن تأخذ رأي السلطات ذات الشأن ، فهي أقدر من غيرها على الحكم على أهمية الوثيقة أو المعلومات التي تجري بشأنها المحاكمة وعلى سريتها وليس من شك في أن رأي السلطات ذات الشأن غير ملزم للمحكمة ، فهو نوع من الخبرة أو الشهادة ، مما يجوز للمتهم أن يدلل على خلافه ، ومما يخضع في النهاية لمطلق تقدير المحكمة .
ثانيا : الأشياء والمكاتبات أو المحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها والتي يجب أن تبقى سرا على من عداهم خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليها في الفقرة السابقة"
وهذا النوع من الأشياء والوثائق وغيرها خاص بالأسرار "الحكمية" بمعنى أن القانون اعتبرها من الأسرار ، وحظر العلم بها إلا على من يقومون على حفظها أو استعمالها دون غيرهم ، خشية أن يؤدي إلى إفشاء أسرار بطبيعتها مما بينه القانون في النوع الأول كالمعلومات الحربية والصناعية أو السياسية المتعلقة بالدفاع عن البلاد . فعبارة "خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة" ليست إذن فضلا لا لزوم لها كما اعتقد البعض .
ويتميز النوع من الأسرار بأنه يعني أوعية المعلومات السرية ، أو بعبارة أخرى فإنه يحيط بالأسرار التي يمكن الوقوف عليها من كيان مادي ملموس تتجسد فيه ، كالأشياء والوثائق . وقد ذكرت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 40 لسنة 1940 أن "الأشياء" تشمل الأسلحة والذخائر والآلات والعدد الميكانيكية والأدوات وقطعها منفصلة ، كما تشمل المفرقعات والمواد الكيميائية وغيرها أو عناصرها التي ترتكب منها ، وذكرت أن عبارة " الوثائق" تشمل بلا شك (الكتابات والمذكرات والخطط والرسومات والصور والخرائط والنقل الطبوغرافي والصور الفوتوغرافية وغيرها من وسائل النقل" . وأفادت أن تعبير النص " بالأشياء والوثائق والبيانات والمعلومات" هو تعبير "عام " يغني بما في ألفاظه من عموم عن كل سرد أو تعداد .
أما القانون 112 لسنة 1957 ، فقد بين هذه الأشياء وما إليها في النص ذاته مؤثرا خطة الوضوح باللجوء إلى السرد والتعداد ، بل ومشيرا إلى أنه ما ذكره النص لم يرد على سبيل الحصر ، وإنما على سبيل المثال ، فقد أردف ما بينه مما دخل في معنى الوثائق ، كالمكاتبات والرسوم والخرائط والتصميمات والصور ، بقوله : " أو غير ذلك من الأشياء " .
وإذن ، فلا ضابط يقيد ما يعينه القانون في هذا النوع من مختلف الأشياء التي لا تقع تحت حصر الاحتمال أن تؤدي الإحاطة بكنهها إلى كشف سر من أسرار الدفاع الحقيقية ، كالمعلومات الحربية والسياسية أو الاقتصادية . وتقدير ذلك متروك لمحكمة الموضوع ، وقد يكون من الأجدر بها أن تستعين برأي السلطات ذات الشأن . ومن البديهي أن هذه الأشياء تبقى سرية ولو توصل إليها غير من نيط به حفظها أو استعمالها بطريقة ما ، ما دامت باقية على أصل حظر العلم بها على غير ذي صفة ، ولم ينتشر أمرها ويصبح ذائعا بين الناس .
ثالثا : " الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها ، وبصفة عامة كل ما له مساس بالشئون العسكرية والإستراتيجية ولك يكن قد صدر إذن كتابي من القيادة العامة بنشره أو إذاعته"
وليس من شك في أن ما ذكرته هذه الفقرة من أنواع أسرار الدفاع قد جاء على سبيل المثال لا الحصر . فهي تعني كل ما يمس بالشئون العسكرية ، والاستراتيجية ، وكلها أخبار أو معلومات تتصل بطبيعتها بتنظيم وسائل الدفاع عن البلاد . إلا أن بعضها مما قد يثور الشك في طبيعته السرية ، لكثرة من يشاهدونه ولو بالمصادفة إلى حد ذيوعه وانتشاره في بعض الأحيان بين الناس ، مثل تنقلات الجنود عند التعبئة ، ومثل مواقع احتشادها ، وخطوط تموينها ، الخ . ولكن بالنظر إلى أهمية كل ما يتعلق بالقوات المسلحة وتحركاتها وتشكيلاتها وتموينها وعتادها وما إلى ذلك ، فقد قرر المشرع أن يسبغ على شئونها (صفة السرية) بالنص رعاية لمصلحة الدفاع عن البلاد ، وحسما من جانبه هو في تحديد طبيعة المعلومات والأخبار المتعلقة بالقوات المسلحة ، دون بحث ، ودون حاجة إلى صدور مرسوم أو قرار بحظر إفشاء تنقلاتها وما إليه ، خلافا لما يقضي به حكم الفقرة الثالثة من المادة 78 عقوبات فرنسي .
وإنما قد تدعو المصلحة إلى إذاعة بعض هذه الأخبار والمعلومات ، أو السماح بنشرها . ولذلك ذكر النص صراحة أنها تبقى على أصلها باعتبارها سرا ما لم يكن صدر إذن كتابي بنشرها أو إذاعتها من القيادة العامة للقوات المسلحة .
رابعا : نصت المادة 85 عقوبات على أنه يعد من أسرار الدفاع : "الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ، أو تحقيقها ، أو محاكمة مرتكبيها " .
وعلة إلحاق هذه الأخبار والمعلومات بأسرار الدفاع أن لجرائم الأمن الخارجي خطورة معينة ، فهي اعتداء على شخصية الدولة وكيانها ، وفي إفشاء المعلومات المتعلقة بهذه الجرائم ، أو نقلها ، ما يفيد منه الجناة أو بعضهم في الفرار من وجه القضاء ، أو العمل على تضيع الأدلة ، أو إفسادها . ولذلك رأى المشرع أن يكون الأصل في أخبار تدابير الكشف عن هذه الجرائم أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها أنها من أسرار الدفاع عن البلاد " لحصر نطاق هذه الجرائم وعدم إفلات الجناة فيها من القصاص" وقد أخذ القانون في ذلك بما جرى به نص المادة 78 عقوبات فرنسي .
وهذا النص يتناول ثلاثة أنواع من الأخبار والمعلومات ، يعد كل منها من أسرار الدفاع القومي ، وهي :
(أ) المعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ للكشف عن جرائم الأمن الخارجي ، والتوصل إلى الجناة فيها من فاعلين وشركاء ، ومن ذلك جميع الاستدلالات بمعرفة الشرطة أو رجال المخابرات ، والتحقق الإداري الذي يسبق تحريك الدعوى ، وتقديم بلاغ أو شكوى عن ارتكاب إحدى هذه الجرائم ، سواء قدمت من جهة إدارية ، أو حتى من أحد الأفراد ، لأن تبليغ الفرد يعد "تدبيرا" لكشف هذه الجرائم . ومن ذلك ما يرتبه رجال البوليس أو المخابرات من طرق أو أساليب أو حيل تستهدف إيقاع مرتكبي هذه الجرائم في قبضة القانون . ومن الضبط بالطريق الإداري للأشياء أو المطبوعات أو غيرها من الأدوات التي تضمن سر الدفاع .
(ب) المعلومات أو الأخبار المتعلقة "بالتحقيق" في إحدى جرائم الأمن الخارجي كما هو الشأن في المعلومات المتصلة بتحريك الدعوى ، والأمر بالقبض على أحد الجناة ، أو التفتيش لشخصه أو مسكنه ، والمعلومات المتعلقة باستجواب المتهمين أو أقوال الشهود في أثناء التحقيق ، وإجراءات المعاينة والمواجهة ، وقرر الاتهام أو الأمر بالا وجه لإقامة الدعوى لما تتضمنه هذه القرارات عادة من تفصيلات أو معلومات مستمدة من التحقيق . وقد قضى في فرنسا بانطباق الجريمة في المادة 81ع . ف على محام أفشى إلى شقيق موكله المتهم بمعلومات عن سير التحقيق وما تم في خلاله ، وهذه الجريمة تحيل في شأن تحديد معنى أسرار الدفاع إلى المادة 78 عقوبات .
(جـ) المعلومات المتعلقة "بالمحاكمة" في إحدى جرائم الأمن الخارجي ، بما في ذلك المرافعات والتحقيق النهائي . ومع ذلك فقد أجاز النص للمحكمة التي تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها قدر القانون رعاية لمقتضيات الصالح العام أن يمكن المحكمة ، وهي أقدر من غيرها ، على تبين مصلحة الدولة ورعاية أسرار أمنها الخارجي ، أن تسمح بإذاعة ما يدور في الجلسات أو بنشر قرار الاتهام ، إذ أن لذلك فائدته في الإشعار بخطورة ما اقترفه الجناة ، وفي إظهار عدالة المحاكمة .
ولم يتضمن نص المادة 85 فقرة رابعة حظر نشر الحكم ، وهي يعني أن الأصل جواز إذاعته أو نشره ، خاصة وأن تداوله حق للخصوم والمحامين وكل ذي شأن . إلا أنه إذا رأت المحكمة لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة أن تمنع نشره فإنه يعد حينئذ من الأسرار الداخلة في نطاق النص .
وأخيرا ، فلا شك في أن إفشاء الأسرار لشخص على خلاف القانون لا يفقدها (سريتها) طالما أنها باقية على أصل حظر العلم بها لغير من نيطت به ، ولم تتجاوز دائرة محدودة من الأشخاص . (راجع في كل ما سبق الدكتور عبد المهيمن بكر ، مرجع سابق ص271 وما بعدها)
• أحكــام النقــض :
§ لما كان الحكم قد أعمل في حق الطاعن حكم المادة 85 من قانون العقوبات بعد أن خلص إلى انطباقها على منظمة الصاعقة السورية التي يتبعها ورد على دفاعه في هذا الصدد بما مؤداه أن تلك المنظمة هي الجناح العسكري لحزب البعث السوري طبقا لما جاء باعتراف الطاعن – وإنها جزء من دولة سوريا والسلطات الحاكمة بها – وإلى قاطع الحال من قطع سوريا العلاقات الدبلوماسية مع مصر ومناصبة حزب البعث السوري العداء لمصر – وكان الشارع لم يشترط في الجماعة السياسية لكينا تصير في حكم الدولة طبقا للمادة (85"أ" ، "د") من قانون العقوبات أن تكون جماعة معادية لمصر . وإنما أحال في شأنها – إذ اعتبرها في حكم الدولة – إلى أحكام الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات برمته – بما في ذلك جريمة التخابر سواء تم مع دولة معادية وفقا للمادة (77"هـ") أو مع مجرد دولة أجنبية ، ولو لم تكن معادية وفقا للمادة (77"د") بما مفاده وجوب تطبيق البندين ج ، د من المادة سالفة الذكر – حسبما يقتضيه الحال على الجماعات السياسية . لما كان ذلك ، فإن رمي الحكم بالخطأ في التطبيق القانون والقصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون في غير محله . (الطعن رقم 6049 لسنة 53ق جلسة 29/2/1984 السنة35 ص168)
§ يعاقب القانون على مجرد الحصول على أسرار الدفاع بقصد تسليمها لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها ولو لم تكن تلك الدولة الأجنبية في حالة حرب مع مصر ، وكل ما اشترطه النص أن تكون مصر نفسها في حالة حرب تباشرها قواتها النظامية . (الطعن رقم 1519 لسنة 27ق جلسة 13/5/1958 السنة 9 ص505)
تنص المادة (85) من قانون العقوبات على أنه "يعتبر سرا من أسرار الدفاع :
1-المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عدا هؤلاء الأشخاص .
2-الأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها والتي يجب أن تبقى سرا على من عداهم خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة .
3-الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها وبصفة عامة كل من له مساس بالشئون العسكرية والاستراتيجية ولم يكن قد صدر إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة بنشره أو إذاعته .
4- الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها ومع ذلك فيجوز للمحكمة التي تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها" .
المادة 85 – وتقابل المادة 85 بند "ثانيا" و "ثالثا" وقد تميزت المادة المقترحة بوضع ضوابط محدودة المعالم للمعنى المقصود "بأسرار الدفاع المسلحة وكذلك كل ما يسمى الشئون العسكرية والإستراتيجية تتصل بطبيعتها بتنظيم وسائل الدفاع عن البلاد مما يقتضي إحاطته بالسرية لذلك تضمن النص الجديد اعتبارها من أسرار الدفاع ما لم تنزع الجهة المختصة هذه الصفة منها بالتصريح كتابة بنشرها أو إذاعتها وقد ألحق بأسرار الدفاع الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ للكشف عن الجرائم التي تناولها هذا الباب أو لتحقيقها أو لمحاكمة مرتكبيها وذلك ضمانا لحصر نطاق الجرائم المذكورة وعدم إفلات الجناة من القصاص . وأخذ في ذلك ما يجرى به نص المادة 142 من مشروع لجنة تعديل قانون العقوبات المقتبسة من المشروع الفرنسي . (المذكرة الإيضاحية)
• أسرار الدفاع :
أنواع أسرار الدفاع : وأسرار الدفاع القومي إما أن تكون حقيقية ، وهي المعلومات أو الوثائق التي تعد بطبيعتها من الأسرار ، ولا يعلمها إلا الأشخاص المنوط بهم حفظها وصيانتها ، ويجب لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عداهم . وإما أن تكون "حكمية" ، وهي المعلومات أو الوثائق أو غير ذلك من الأشياء التي ليست في ذاتها سرا ولكنها تعتبر في حكم أسرار الدفاع بمقتضى أمر من الحكومة ، أو لأن إذاعتها تؤدي إلى الوقوف على مضمون سر حقيقي للدفاع . وقد كان نص المادة 85 عقوبات وفقا لتعديل سنة 1940 يقوم في تحديد أسرار الدفاع على هذا الأساس . ولا يبدو لي أن النص معدلا في سنة 1957 قد أزال الفاصل الطبيعي بين الأسرار الحقيقية ، والأسرار الحكمية ، كما اعتقد البعض ، لأنه مع التوسع في صور الأسرار الحقيقية ، قد استبقى النص على نوع من الأسرار الحكمية وهي التي تؤدي إذاعتها إلى كشف سر للدفاع (الفقرة الثانية) . ولكن المشرع المصري في المادة 85 وفقا لتعديل سنة 1957 قد اقتدى ، مع ذلك بخطة القانون الفرنسي الصادر في سنة 1939في إيراد أربعة أقسام لأسرار الدفاع الوطني ، وتناولها بعبارات عامة واسعة المدلول ، وهذه الأقسام هي :
أولا : المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك ، ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عدا هؤلاء الأشخاص . وهذه المعلومات كلها من الأسرار " الحقيقية" وهي تحيط بالواقع بكافة الشئون التي تتألف منها قوة الدولة ، والتي تعبها للعمل في مواجهة عدوها الحالي أو المحتمل .
(1) ويقصد بالمعومات الحربية الحقائق أو الأنباء التي تعد بطبيعتها من أسرار القوات العسكرية ، نظامية كانت أم احتياطية . فيدخل في ذلك ما يعلق بحجم هذه القوات وبما يعبأ لتزويدها ، وما يتعلق بحقيقة استعدادها ومداه ، وبتكوين وحداتها وأعبائها ، وتوزيع قطع أسطولها البحري أو الجوي ومهامها ، وأسرار استحكاماتها وأسلحتها واختراعاتها ، وأساليبها في القتال الوقاية من أسلحة الدول الأخرى ومواجهتها ، كما يدخل فيها بالطبع ما تضعه القيادة المختلفة من خطط حربية ، وما تصدره من معلومات إلى الضابط أو الجنود في شئون الاستعداد أو الاشتباك وما إليها
(2) والمعلومات السياسية هي التي تتعلق بقرارات الحكومة في شئون السياسة الخارجية أو الداخلية ، مما يتصل بالدفاع عن البلاد . من ذلك موقف الجمهورية إزاء بعض الأحداث التي تري في الدول الأخرى ، أو ما تهدف إلى تنفيذه من تدابير توجه به سياسة حكومة أجنبية ، مما يضر الحصول عليه ، أو إفشاؤه ، بخطة الدولة في هذا الصدد . أما المعلومات الدبلوماسية فهي التي تتعلق بمضمون الرسائل أو الاتصالات المتبادلة بين وزير الخارجية وبين ممثلي الجمهورية السياسيين ومن إليهم في الخارج ، وكذلك التعليمات التي تصدر من رئاسة الدولة إلى هؤلاء الموظفين .
(3) والمعلومات الاقتصادية تعبير يتسع للحقائق والأخبار المتعلقة بكافة نواحي الإنتاج المختلفة التي تخدم في شئون الدفاع . فتدخل فيها المعلومات الصناعية التي ذكرها النص . بل الواقع أن كل الإمكانيات الحيوية في الدولة تكون ركيزتها في تزويد الجيش بالعتاد والمؤن ، وفي وقاية الشعب من أخطار الحرب وسد احتياجاته الأساسية لضمان صموده واحتماله أو لصيانة قوة المقاومة لديه ، وذلك كله مما يخدم في شئون الدفاع . وقد أشارت المذكرة الإيضاحية للقانون سنة 1940 إلى أهمية هذه المعلومات نظرا لتطور وسائل الحرب وتقعد أساليبها مما زاد في عدد ونوع الأشياء التي يجب أن تظل مجهولة من الدول الأجنبية . فإن البيانات الخاصة بحالة المؤن في البلاد ، أو بمقدار إنتاج المصانع الحربية ، أو بطرق الصناعة ، أو بالاختراعات العلمية التي ترمي إلى تقوية التسليح ليست دون رسوم الاستحكامات من حيث الأهمية . ومن البديهي أنه يستوي أن تكون المعلومات متعلقة بمؤسسات اقتصادية أو صناعية تابعة للحكومة أو أن تكون متعلقة بشركات أو مؤسسات أهلية ، ما دام إنتاجها يؤدي خدمة ولو مؤقتة من الخدمات التي تعين في شئون الدفاع .
ويقال في الفقه الفرنسي ، بشأن الفقرة المقابلة من المادة 78ع . ف ، أن هذا التعداد لأنواع المعلومات قد جاء على سيل المثال ، وأن من الجائز أن يدخل في أسرار الدفاع الحقيقية غيرها ، إذ ثمة ما يمنع من أن تدخل فيها المعلومات العلمية البحتة ، ما دامت ما يجب صيانته لمصلحة الدفاع . ويبدو لي أن هذه المعلومات لا يمكن أن تكون علمية "بحتة" طالما أنها تتعلق بشئون الدفاع . والمعقول أنها ترد إلى المعلومات الحربية أو الصناعية أو غيرها تبعا للأحوال ، وحسبما تخدم من الأغراض الدفاعية . والمهم هو أن ظاهر النص يفهم منه بوضوح أنه قد أورد أنواع المعلومات على سبيل الحصر . ولذلك عنى المشرع بذكر كل ما تصور أن يثور بشأن أدنى لبس ، فقد نص على المعلومات "الصناعية" مع أنها داخلة في عموم المعلومات "الاقتصادية"
ولا ينبغي أن يفهم أن جميع المعلومات الحربية أو السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية تعد من أسرار الدفاع الحقيقية ، فإن الفقرة الأولى من المادة 85 عقوبات تقيد ذلك بشرطين : الأول : أن تكون هذه المعلومات متعلقة بالدفاع عن البلاد أي تتعلق بصيانة سلامة الدول وسيادتها ، ووسائل الدفاع عن كيانها في شتى الميادين ، في زمن السلم وفي زمن الحرب ذلك أن الدفاع في الوقت الحاضر لم يعد قاصرا على ميدان القتال بين القوات الحربية بخططها ومعداتها ، وإنما أصبح يقتضي ، فضلا عن ذلك ، تعبئة كل الجهود السياسية والدبلوماسية ، وحشد كافة الإمكانيات الاقتصادية الحيوية لتدعيم القوات المسلحة وتزويدها ، ولسد احتياجات المدنين ووقايتهم . ومن ثم وجب أن تؤخذ فكرة الدفاع بمعناها في شتى الميادين والمجالات ، ودون تفرقة بين أن تكون المعلومات متعلقة بالدفاع عن البلاد في الحاضر أو في المستقبل .
والثاني : أن تكون هذه المعلومات بطبيعتها من الأسرار التي لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك ، ويجب مراعاة لمصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سرا على من عدا هؤلاء الأشخاص . ومعنى ذلك أنه إذا ذاعت حقيقة المعلومات وانتشرت بين الناس فإنها تفقد صفة السرية . ولكن تعدد الحفظة للسر أو من لهم صفة في العلم به لا يعني ذيوعه ، فيبقى محتفظا بطبيعته فمثلا لو عهد بسر حربي إلى عدد من ضبط الجيش الذين لهم صفة في العلم به لاستخدامه أو تنفيذه فإنه لا يفقد طبيعته السرية . وكذلك الشأن إذا تحصل عليه خائن أو جاسوس ، أو اختلسه سارق ، لأنه يبقى في دائرة محدودة من الأشخاص ، فضلا عن كونه مازال باقيا على أصله من حظر إذاعته أو نقله والقول بتوفير هذين الشرطين مسألة موضوعية ، تترك لتقدير المحكمة وغنى عن البيان أنه في أحوال كثيرة تكون طبيعة المعلومات أو وعاؤها من الوثائق ونحوها واضحة الدلالة على أنها من أسرار الدفاع . بينما قد تقد حالات لا يتبين فيها معنى السرية بطريقة جلية ، وإذ ذاك يحسن بالمحكمة أن تأخذ رأي السلطات ذات الشأن ، فهي أقدر من غيرها على الحكم على أهمية الوثيقة أو المعلومات التي تجري بشأنها المحاكمة وعلى سريتها وليس من شك في أن رأي السلطات ذات الشأن غير ملزم للمحكمة ، فهو نوع من الخبرة أو الشهادة ، مما يجوز للمتهم أن يدلل على خلافه ، ومما يخضع في النهاية لمطلق تقدير المحكمة .
ثانيا : الأشياء والمكاتبات أو المحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها والتي يجب أن تبقى سرا على من عداهم خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليها في الفقرة السابقة"
وهذا النوع من الأشياء والوثائق وغيرها خاص بالأسرار "الحكمية" بمعنى أن القانون اعتبرها من الأسرار ، وحظر العلم بها إلا على من يقومون على حفظها أو استعمالها دون غيرهم ، خشية أن يؤدي إلى إفشاء أسرار بطبيعتها مما بينه القانون في النوع الأول كالمعلومات الحربية والصناعية أو السياسية المتعلقة بالدفاع عن البلاد . فعبارة "خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة" ليست إذن فضلا لا لزوم لها كما اعتقد البعض .
ويتميز النوع من الأسرار بأنه يعني أوعية المعلومات السرية ، أو بعبارة أخرى فإنه يحيط بالأسرار التي يمكن الوقوف عليها من كيان مادي ملموس تتجسد فيه ، كالأشياء والوثائق . وقد ذكرت المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 40 لسنة 1940 أن "الأشياء" تشمل الأسلحة والذخائر والآلات والعدد الميكانيكية والأدوات وقطعها منفصلة ، كما تشمل المفرقعات والمواد الكيميائية وغيرها أو عناصرها التي ترتكب منها ، وذكرت أن عبارة " الوثائق" تشمل بلا شك (الكتابات والمذكرات والخطط والرسومات والصور والخرائط والنقل الطبوغرافي والصور الفوتوغرافية وغيرها من وسائل النقل" . وأفادت أن تعبير النص " بالأشياء والوثائق والبيانات والمعلومات" هو تعبير "عام " يغني بما في ألفاظه من عموم عن كل سرد أو تعداد .
أما القانون 112 لسنة 1957 ، فقد بين هذه الأشياء وما إليها في النص ذاته مؤثرا خطة الوضوح باللجوء إلى السرد والتعداد ، بل ومشيرا إلى أنه ما ذكره النص لم يرد على سبيل الحصر ، وإنما على سبيل المثال ، فقد أردف ما بينه مما دخل في معنى الوثائق ، كالمكاتبات والرسوم والخرائط والتصميمات والصور ، بقوله : " أو غير ذلك من الأشياء " .
وإذن ، فلا ضابط يقيد ما يعينه القانون في هذا النوع من مختلف الأشياء التي لا تقع تحت حصر الاحتمال أن تؤدي الإحاطة بكنهها إلى كشف سر من أسرار الدفاع الحقيقية ، كالمعلومات الحربية والسياسية أو الاقتصادية . وتقدير ذلك متروك لمحكمة الموضوع ، وقد يكون من الأجدر بها أن تستعين برأي السلطات ذات الشأن . ومن البديهي أن هذه الأشياء تبقى سرية ولو توصل إليها غير من نيط به حفظها أو استعمالها بطريقة ما ، ما دامت باقية على أصل حظر العلم بها على غير ذي صفة ، ولم ينتشر أمرها ويصبح ذائعا بين الناس .
ثالثا : " الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها ، وبصفة عامة كل ما له مساس بالشئون العسكرية والإستراتيجية ولك يكن قد صدر إذن كتابي من القيادة العامة بنشره أو إذاعته"
وليس من شك في أن ما ذكرته هذه الفقرة من أنواع أسرار الدفاع قد جاء على سبيل المثال لا الحصر . فهي تعني كل ما يمس بالشئون العسكرية ، والاستراتيجية ، وكلها أخبار أو معلومات تتصل بطبيعتها بتنظيم وسائل الدفاع عن البلاد . إلا أن بعضها مما قد يثور الشك في طبيعته السرية ، لكثرة من يشاهدونه ولو بالمصادفة إلى حد ذيوعه وانتشاره في بعض الأحيان بين الناس ، مثل تنقلات الجنود عند التعبئة ، ومثل مواقع احتشادها ، وخطوط تموينها ، الخ . ولكن بالنظر إلى أهمية كل ما يتعلق بالقوات المسلحة وتحركاتها وتشكيلاتها وتموينها وعتادها وما إلى ذلك ، فقد قرر المشرع أن يسبغ على شئونها (صفة السرية) بالنص رعاية لمصلحة الدفاع عن البلاد ، وحسما من جانبه هو في تحديد طبيعة المعلومات والأخبار المتعلقة بالقوات المسلحة ، دون بحث ، ودون حاجة إلى صدور مرسوم أو قرار بحظر إفشاء تنقلاتها وما إليه ، خلافا لما يقضي به حكم الفقرة الثالثة من المادة 78 عقوبات فرنسي .
وإنما قد تدعو المصلحة إلى إذاعة بعض هذه الأخبار والمعلومات ، أو السماح بنشرها . ولذلك ذكر النص صراحة أنها تبقى على أصلها باعتبارها سرا ما لم يكن صدر إذن كتابي بنشرها أو إذاعتها من القيادة العامة للقوات المسلحة .
رابعا : نصت المادة 85 عقوبات على أنه يعد من أسرار الدفاع : "الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب ، أو تحقيقها ، أو محاكمة مرتكبيها " .
وعلة إلحاق هذه الأخبار والمعلومات بأسرار الدفاع أن لجرائم الأمن الخارجي خطورة معينة ، فهي اعتداء على شخصية الدولة وكيانها ، وفي إفشاء المعلومات المتعلقة بهذه الجرائم ، أو نقلها ، ما يفيد منه الجناة أو بعضهم في الفرار من وجه القضاء ، أو العمل على تضيع الأدلة ، أو إفسادها . ولذلك رأى المشرع أن يكون الأصل في أخبار تدابير الكشف عن هذه الجرائم أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها أنها من أسرار الدفاع عن البلاد " لحصر نطاق هذه الجرائم وعدم إفلات الجناة فيها من القصاص" وقد أخذ القانون في ذلك بما جرى به نص المادة 78 عقوبات فرنسي .
وهذا النص يتناول ثلاثة أنواع من الأخبار والمعلومات ، يعد كل منها من أسرار الدفاع القومي ، وهي :
(أ) المعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ للكشف عن جرائم الأمن الخارجي ، والتوصل إلى الجناة فيها من فاعلين وشركاء ، ومن ذلك جميع الاستدلالات بمعرفة الشرطة أو رجال المخابرات ، والتحقق الإداري الذي يسبق تحريك الدعوى ، وتقديم بلاغ أو شكوى عن ارتكاب إحدى هذه الجرائم ، سواء قدمت من جهة إدارية ، أو حتى من أحد الأفراد ، لأن تبليغ الفرد يعد "تدبيرا" لكشف هذه الجرائم . ومن ذلك ما يرتبه رجال البوليس أو المخابرات من طرق أو أساليب أو حيل تستهدف إيقاع مرتكبي هذه الجرائم في قبضة القانون . ومن الضبط بالطريق الإداري للأشياء أو المطبوعات أو غيرها من الأدوات التي تضمن سر الدفاع .
(ب) المعلومات أو الأخبار المتعلقة "بالتحقيق" في إحدى جرائم الأمن الخارجي كما هو الشأن في المعلومات المتصلة بتحريك الدعوى ، والأمر بالقبض على أحد الجناة ، أو التفتيش لشخصه أو مسكنه ، والمعلومات المتعلقة باستجواب المتهمين أو أقوال الشهود في أثناء التحقيق ، وإجراءات المعاينة والمواجهة ، وقرر الاتهام أو الأمر بالا وجه لإقامة الدعوى لما تتضمنه هذه القرارات عادة من تفصيلات أو معلومات مستمدة من التحقيق . وقد قضى في فرنسا بانطباق الجريمة في المادة 81ع . ف على محام أفشى إلى شقيق موكله المتهم بمعلومات عن سير التحقيق وما تم في خلاله ، وهذه الجريمة تحيل في شأن تحديد معنى أسرار الدفاع إلى المادة 78 عقوبات .
(جـ) المعلومات المتعلقة "بالمحاكمة" في إحدى جرائم الأمن الخارجي ، بما في ذلك المرافعات والتحقيق النهائي . ومع ذلك فقد أجاز النص للمحكمة التي تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها قدر القانون رعاية لمقتضيات الصالح العام أن يمكن المحكمة ، وهي أقدر من غيرها ، على تبين مصلحة الدولة ورعاية أسرار أمنها الخارجي ، أن تسمح بإذاعة ما يدور في الجلسات أو بنشر قرار الاتهام ، إذ أن لذلك فائدته في الإشعار بخطورة ما اقترفه الجناة ، وفي إظهار عدالة المحاكمة .
ولم يتضمن نص المادة 85 فقرة رابعة حظر نشر الحكم ، وهي يعني أن الأصل جواز إذاعته أو نشره ، خاصة وأن تداوله حق للخصوم والمحامين وكل ذي شأن . إلا أنه إذا رأت المحكمة لاعتبارات تتعلق بأمن الدولة أن تمنع نشره فإنه يعد حينئذ من الأسرار الداخلة في نطاق النص .
وأخيرا ، فلا شك في أن إفشاء الأسرار لشخص على خلاف القانون لا يفقدها (سريتها) طالما أنها باقية على أصل حظر العلم بها لغير من نيطت به ، ولم تتجاوز دائرة محدودة من الأشخاص . (راجع في كل ما سبق الدكتور عبد المهيمن بكر ، مرجع سابق ص271 وما بعدها)
• أحكــام النقــض :
§ لما كان الحكم قد أعمل في حق الطاعن حكم المادة 85 من قانون العقوبات بعد أن خلص إلى انطباقها على منظمة الصاعقة السورية التي يتبعها ورد على دفاعه في هذا الصدد بما مؤداه أن تلك المنظمة هي الجناح العسكري لحزب البعث السوري طبقا لما جاء باعتراف الطاعن – وإنها جزء من دولة سوريا والسلطات الحاكمة بها – وإلى قاطع الحال من قطع سوريا العلاقات الدبلوماسية مع مصر ومناصبة حزب البعث السوري العداء لمصر – وكان الشارع لم يشترط في الجماعة السياسية لكينا تصير في حكم الدولة طبقا للمادة (85"أ" ، "د") من قانون العقوبات أن تكون جماعة معادية لمصر . وإنما أحال في شأنها – إذ اعتبرها في حكم الدولة – إلى أحكام الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون العقوبات برمته – بما في ذلك جريمة التخابر سواء تم مع دولة معادية وفقا للمادة (77"هـ") أو مع مجرد دولة أجنبية ، ولو لم تكن معادية وفقا للمادة (77"د") بما مفاده وجوب تطبيق البندين ج ، د من المادة سالفة الذكر – حسبما يقتضيه الحال على الجماعات السياسية . لما كان ذلك ، فإن رمي الحكم بالخطأ في التطبيق القانون والقصور في التسبيب في هذا الخصوص يكون في غير محله . (الطعن رقم 6049 لسنة 53ق جلسة 29/2/1984 السنة35 ص168)
§ يعاقب القانون على مجرد الحصول على أسرار الدفاع بقصد تسليمها لدولة أجنبية أو لأحد ممن يعملون لمصلحتها ولو لم تكن تلك الدولة الأجنبية في حالة حرب مع مصر ، وكل ما اشترطه النص أن تكون مصر نفسها في حالة حرب تباشرها قواتها النظامية . (الطعن رقم 1519 لسنة 27ق جلسة 13/5/1958 السنة 9 ص505)