مشاكل الخطأ غير العمدي
في التشريعات المقارنة
تثير الجرائم غير العمدية
مشاكل ومناقشات فقهية بصورة تزيد على تلك التي تعرض لها الفقه في الجرائم
العمدية.
وقد أصبح الأمر غامضاً على رجل القانون بسبب التيارات الفلسفية وصراعها من
أجل ضرب
العناصر المختلفة لهذا النوع من الانحراف إلى مجال تحليلاتها وتكييفاتها
القانونية. ومن هنا كانت مصطلحات مختلفة يقف الباحث أمامها حائراً إذ أنها
تعبر عن
اتجاهات متعارضة وفلسلفات متناقضة. وعلى الرغم من الجرائم غير العمدية
وصورها قد
نوقشت في عديد من المؤتمرات فإننا نجد أن الأمر يحتاج إلى أكثر من مؤتمرٍ
واحد
لجلاء تلك الأفكار الغامضة والمصطلحات المبهمة. ولا يكفي أن يتعرض مؤتمر
واحد
بنظرة متكاملة لموضوع الجرائم غير العمدية لأننا كما سنرى أن هذا الموضوع
يحتاج
إلى أكثر من تخصص لتعمق الدراسة وإعطاء النتائج والمعايير السليمة سواء
للأفكار
القانونية أو العملية أو تلك التي تتعلق بالمعاملة والتنفيذ العقابي. ولقد
تعرضت
مؤتمرات عدة سواء للجوانب القانونية أو العلمية، وسواء ركزت على الجرائم
غير
العمدية بصورة شاملة أم ركزت على جرائم الإهمال أو انصبت توصياتها على
المعاملة.
وحتى نعطي القارئ صورة لأهمية هذا الموضوع يكفي أن نقول أم موضوع الجرائم
غير
العمدية قد تعرضت له المؤتمرات والحلقات الدراسية التالية:
- مؤتمر منع الجريمة والدفاع
الاجتماعي – ميلانو
1956.
- الحلقة الدراسية الفرنسية –
البلجيكية –
اللوكسمبورجية 1958.
- الحلقة الدراسية الفرنسية –
الإسبانية 1958م .
- مؤتمر لشبونة 1961م.
- الحلقة الدراسية السنوية الفرنسية
واليوغسلافية
1963م.
- مؤتمر ليل 1961م.
- المؤتمر الفرنسي لعلم
الإجرام 1968م.
وقد ركزت هذه المؤتمرات
والحلقات الدراسية على الموضوعات التالية:
أ -
مشكلة الخطأ غير العمدي وتعريف الخطأ بأنواعه.
ب- المسئولية الجنائية في الجرائم غير
العمدية.
ج – مشكلة العقاب على
الخطأ غير العمدي.[1][1]
وقد جاء في ورقة العمل
لموضوع الجرائم غير العمدية: منعها ومعاملة الجانحين الذين ستناقش في
المؤتمر
الثاني عشر لقانون العقوبات إن المطلوب في دراسة الموضوع بصورة عامة النقاط
الثلاث
الأساسية التالية:
أ -
مشكلة الجرائم أو رفع الصفة الجنائية عن الجرائم غير العمدية.
ب- معايير تحديد المسئولية في الجرائم
الجنائية
العمدية.
ج- العقاب على الجرائم التي ترتكب
بصورة عمدية.
ويبدو واضحاً أن الفقه
ما زال يسير في حلقة مفرغة ويحتاج اليوم أكثر من الأمس لمعايير واقعية
عملية ترتكز
عليها عمليات التجريم في هذا النوع من الجرائم. ويبدو خطورة الموقف عند
تحليل حجم
واتجاهات هذا النمط من الجرائم في الدول المختلفة. ولقد شعر العالم الغربي
والشرقي
بخطورة الجرائم غير العمدية. ففي الغرب تعاني كل دولة اليوم من جرائم
المرور التي
يغلب فيها الجرائم غير العمدية. ويكفي أن نشير إلى مصدر حديث يؤكد ن 40% من
الجرائم التي ارتكبت في إسبانيا جرائم قتل غير عمدية[2][2]. ويعاني العالم الاشتراكي أيضاً من
حوادث المرورو وما تحلقه هذه
الجرائم وماشابهها من ضرر على الاقتصاد الاشتراكي[3][3].
وإذا ما حاولنا تحسس
حجم واتجاهات أهم الجرائم غير العمدية في جمعهورية مصر العربية في السنوات
من 1970
– 1975 الأرقام التالية:
وتوضح الإحصائيات التي
نشرت في التقرير السنوي لعام 1975 الصادر
من وزارة الداخلية في جمهورية السودان الديموقراطية حجم واتجاهات أهم جرائم
غير العمدية
على النحو التالي في الفترة ما بين 1974 – 1975.[4][4]
وإذا ما وضعنا في الاعتبار
أن محافظة الخرطوم وحدها قد سجلت في السنوات 1975 الأرقام التالية:
وإن نسبة الجرائم غير العمدية
التي أرتكبت في الخرطوم في عام 1975 تعادل 50.8% من مجموع الجرائم غير
العمدية
التي ارتكبت في الجمهورية جميعها ليتبين لنا خطورة الموقف في السودان[5][5].
وإذا كان تقريرنا
الحالي يضيق لكي يكون محلاً للدراسة الشاملة الجامعة لأزمة التحليل الفقهي
للجرائم
غير العمدية، وإذا كان نقطة البداية لدراسة الأنماط المنظمة لهذا النوع من
الجرائم
هو تحديد المعنى المقصود بالمصطلحات المستخدمة من التيارات الفقهية. فإن
المشكلة
الأولى في معالجة موضوع المؤتمر هو مشكلة التعريف. ولتحديد المسئولية في
الجرائم
غير العمدية تتطلب التعرض للعناصر الأساسية في الأنماط المختلفة، ألا وهي
النشاط
الإجرامي ( Actus Rea )
والركن المعنوي ( Mens Rea ) والأذناب ( Colpavolezza )
والإسناد ( Imputabilita ) والأهلية الجائية ( Capacita a delinquere
). فهل هذه العناصر التي يتكلم عنها الفقه المقارن تتوفر في جرائم الإهمال
وعدم
الاحتراز وعدم احترام القوانين واللوائح والنظم والأوامر؟
أولاً : مشكلة التعريف
في الجرائم غير العمدية:
تتعدد الأوصاف والألفاظ
في المصطلحات في القانون المقارن في شأن الجرائم غير العمدية ونصت بعض
التشريعات
على تعريف الجرائم العمدية، ولم ينص بعضها الآخر وارك ذلك للفقه الذي جاء
بدوره
بعديد من التعريفات المتناقضة.
وقد استخدم ( Ferri ) لفظ الجرائم غير الإرادية أو غير
العمومية ( Involuntary )
ويستخدم الفقه الفرنسي لفظ الخطأ ( Faute ) ومثل هذه المصطلحات غير دقيقة
وغامضة فأحياناً يطلق الفقه الخطأ
على الأذناب ( Colpavolezza ) وأحياناً أخرى على الخطأ بمعناه
الدقيق[6][6]. وقد اعترض البعض على تسمية الجرائم
غير العمدية ( Involentaire ) وذلك إن
أراد الجاني
حتى في جرائم الخطأ تبدو في الفعل المحرك للضرر[7][7]. وعددت بعض التشريع الفرنسي الذي عبر
عن الخطأ الجنائي تعبيرات
عديدة في القسم العام والقسم الخاص من تقنين العقوبات مثل عدم الانتباه،
عدم
الاحتراز، الإهمال وعدم احترام اللوائح كما هو الحال بالنسبة للمواد 318
320 التي
تتكلم عن القتل غير العمدي.
ويكاد يقف الفقه
الأنجلو سكسوني حول فكرة الإهمال ( Negligence ) على أساس أنها أهم صور الخطأ،
ويعترف بعض الفقهاء بوجود صور
أخرى مثل: الرعونة ( Recklessness
)[8][8]، في حين يعرف البعض الآخر الإهمال
بأنه عدم اهتمام أو انتباه ( Carelessness )
ويأتي دليل الجمعية
الدولية لقانون العقوبات بدوره ويضع إطار للتعريف لا يتكلم فيه عن الخطأ ( Colpa ) بل يعبر عنه بمصطلح عدم
الانتباه أو اللامبالاة. ويضم بين رحاب هذا الإطار العام صور الإهمال
والرعونة (Negligence
) .
ومن الطبيعي أن يقف رجل
القانون والقاضي في حيرة أمام هذا التضارب في المعاني وأمام هذا الغموض في
المصطلحات التي تعبر بلا شك عن غموض في الأفكار القانونية التي يقف وراءها.
ومن
هنا يكون من الضروري لجلاء هذا الموقف أن نرجع قليلاً إلى الوراء ونبحث في
غمار
الأطر القانونية حتى نعرف أصول الفكر القانوني المعاصر. ولذلك سنحاول أن
نتعرض إلى
:
1- التشريعات القديمة وتعريف الخطأ
وخاصة في القانون
الروماني والشريعة الإسلامية.
2- دور التشريعات اللادينية
والجرمانية في تحديد
فكرة الخطأ.
3- موقف الفقه الأنجلوسكسوني من تعريف
صور الخطأ.
4- الجرائم غير العمدية في القانونين
المصري
والسوداني.
(1)
التشريعات القديمة وتعريف الخطأ :
يرجع الفقه المقارن فكرة
الخطأ إلى القانون الروماني وخاصة فكرة الخطأ التعاقدي ( Colpa contracttuale
) في القانون المدني حيث يكون
هناك التزام بأداء
فعل والامتناع عن فعل وبالتالي يكون هناك تقصير من المتعاقد الذي لا يقوم
بهذا
الالتزام التعاقدي الأمر الذي يرتب التعويض.
ومع تطور القانون
الروماني يرى الشراح أنه يوجد الخطأ التعاقدي في كل مرة يشير الضرر ( Jesione ) إلى علاقة ملزمة سابقة
سواء كان منشأ هذه العلاقة العقد ( delitto ) أو الجريمة
( Lex Aquilia )[9][9] ويعتبر الفقه الجنائي أن قانون
أكويليا قد عمل على توسيع فكرة
الخطأ بحيث يشمل إلى جواز الضرر الناتج عن الخطأ التعاقدي كل خطأ ينتج عن
أسباب
أخرى غيره، وبالتالي عمل على توسيع نطاق المسئولية التي بعد أن كانت محصورة
في
المسئولية التعاقدية المعروفة في القانون الروماني، التغلب أيضاً بتلك
الميول التي
تعمل على انتعاش الفكرة المسارية عن طريق نظرية المخاطر ( Risk ) [10][10] وعلى ذلك كان القانون الروماني يتسم
بالسمات التالية:
1- لم ي عرف القانون
الروماني قاعدة عامة تنص على أنه كل من أحدث ضرراً يلتزم بالتعويض.
2- كان هناك قيود
على طريقة القاعدة السابقة، فالضرر الذي يعتد به في القانون الروماني لا بد
أن
يقاس على علامة مادية مباشرة بين الجاني والشيء المضرور.
3- تتجدد المسئولية
فقط في القانون الروماني من سلوك إيجابي ( condotta commissiva
) وعلى هذا فإن السلوك ليس له أهمية
قانونية نظراً لعدم تصور وجود علاقة سببية بينه وبين الحدث.
4- وبسبب الالتزام
بوجود علاقة مادية مباشرة لم يكن هناك إدراك لوجود مسئولية عن أفعال الغير
إلا بعد
أن تكلم جيستينيان عن ( Colpa in eligedo ).
5- تأسست فكرة الخطأ
أولاً على فكرة الضرر ( Injuria ) حتى عهد شيشيرون الذي مدح البريتور
الذي عمل على إلغاء لفظ
الضرر ( Injuria ) التي عملت على إحياء السمعة
المادية للقانون الروماني لفترة
طويلة.
6- لا يعرف القانون
الروماني – حتى قانون إكويليا – أي مساهمة للعامل النفسي في تكييف فكرة
الخطأ، ذلك
لأن هذا الأخير يعادل دائماً الضرر (Injuria ).
وقد عمل الفقه الروماني
على توسيع المسئولية بحيث يضم إلى صور الجريمة ( Dilitto )
شبه الجريمة ( Quasi delitto ) وقد انحصرت
الأفعال
التي تعد شبه جريمة في أربعة حالات.
1- في حالة القاضي الذي يصدر حكماً
يشوبه الإهمال
أو الرعونة.
2- حالة المجني عليه الذي يصاب بشيء
يقذف أو يلقي
من نافذة منزل.
3- حالة تعليق أو وضع بطريقة تؤدي إلى
سقوطه إلى
إلحاق الضرر بالغير.
4- حالة الضرر الذي يلحق بأمتعة
المسافر بفعل صاحب
الفندق و صاحب السفينة.
ويعتبر الفقه الروماني
أن الخطأ شبه الجريمة يصل في درجته إلى الجريمة ولكن يختلف
عن هذه الأخيرة في عدم توفر العمد، وهكذا نجد أن
الفقه الروماني يفرق بين العمد ( Dolus ) والخطأ بالمعنى الواسع ( Culpa lata
) والخطأ البسيط ( Culpa
levis
) والخطأ البسيط للغاية ( Culpa
levissima
) ويفرق في مجال الخطأ بين الخطأ العمدي ( Clupa intenzionale
) والخطأ غير العمدي العادي الخطير (Clupa non intenzionale
) والخطأ غير العمدي العادي (Clupa intenzionale ordinaria ) والذي يتضمن البسيط والبسيط للغاية.
وهكذا أصبح ركن العمد (intenzionalita ) العامل
الأول الذي يفرق
في البحث عن المعنى الفني للعمد ( Dolo ) والخطأ ( Colpa )[11][11].
فكرة الخطأ
في الشريعة الإسلامية:
عرف الفقه الإسلامي
نوعين من الجرائم: جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة، والجرائم المقصودة هي
التي
يباشرها الشخص عامداً مريداً عالماً بالنهي عنها وبأنها يعاقب عليها،
والجريمة غير
المقصودة هي تلك التي تفقد عنصراً من عناصر الجريمة المقصودة ألا وهي
العمد،
والإرادة والعمل بالنهي[12][12].
ويعتبر الفقه الإسلامي
أن الخطأ من العوارض التي تنص علة الأهلية لتحمل التبعات، وهي في الصفة ضد
الصواب،
ومعناه شرعاً وقوع الشيء على خلاف ما أريد[13][13]. أو هو وقوع الشيء على غير إرادة
فاعله بأن يأتي الجاني والفعل
دون أن يقصد العصيان وبغير أرادة إحداث نتيجة محرمة، ولكن يتولد من هذا
الفعل
نتيجة غير مشروعة بسبب خطئه في الفعل أو في القصد[14][14].
ويقسم الفقهاء الخطأ
إلى تقسيمات متعددة أهمها تقسيم الخطأ في القصد والخطأ في الفعل، وإلى خطأ
متولد.
ويتوافر الخطأ في القصد
حين يأتي الفاعل سلوكاً معيناً يوجهه نحو هدف بالذات وهو يظن الهدف شيئاً
أو شخصاً
ما، ويصيب سلوكه الهدف الذي يتبين أنه ليس الشيء أو الشخص الذي ظنه الفاعل،
والمثال الذي يوضح به الفقه هذا النوع من الخطأ من يرى شيئاً يظنه صيداً
فإذا به
إنسان أو من يرمي من يظنه عدواً محارباً
فيتبين أنه وطني مسلم. في كلتا الحالتين وقع
السلوك كما أراده الجاني إذا أصاب ما هو وجه إليه من هدف ولكن الظن
لم يكن
صحيحاً وكان القصد خاطئاً. فهو لم يرد إصابة
إنسان في الصورة الأولى كما أنه لم يقصد إصابة وطني أو مسلم في
الصورة
الثانية، بل حدث خطأ في اعتقاده وقصده حين ظن الآدمي صيداً والمسلم حربياً[15][15].
ويقصد بالخطأ في الفعل
أن يوجه الجاني سلوكه نحو هدف معين بقصد إصابته، ولكن يحيد السلوك عن الهدف
المقصود فلا يصيبه بل يصيب شيئاً أو شخصاَ آخر لم يوجه إليه السلوك أساساً.
ويمثل الفقه لهذا النوع
بمن يرمي قرداً فيصيب آدمياً فمن يوجه رمايته نحو طائر يريد أن يصيبه فيصيب
ولكنه
يخطئ في التصويب، ويحيد سلوكه عن هذا المقصود فيصيب شخصاً كان إلى جواره
يعتبر
مرتكباً الخطأ في الفعل، وهنا نجد أن السلوك لم يكن موجهاً نحو المصاب ولم
يحكم
الجاني الرماية فلم تصادف المحل المقصود، ولكن القصد صحيح والظن لم يكن
مخطئاً
فالهدف الموجه إليه السلوك أساساً هو الطائر كما يظن الجاني وهو المحل
المقصود
الذي أخطأه السلوك.
ويفرق الفقه بين هذه
الصورة والحالة التي يتعمد فيها الجاني إصابة موضع معين من جسد إنسان ويوجه
سلوكه
نحو هذا الموضع بالذات فيخطئ التوجيه ويصيب من الجسد موضعاً آخر. في هذا
الفرض
الأخير يعتبر الجاني مرتكباً لجريمة عمدية تستوجب القصاص لأن المحل الذي
وجه
الفاعل إليه السلوك واحد وهو البدن[16][16].
وقد بحث الفقه الإسلامي
عن أساس التفرقة بين الخطأ في القصد والخطأ في الفعل في أن الإنسان يتصرف
بفعل
القلب والجوارح، ويحتمل أن يقع الخطأ في أيهما على انفراد، فحين يكون الخطأ
في فعل
القلب فهو خطأ في القصد، أما إذا أصاب الخطأ في فعل الجوارح فإنه يعتبر خطأ
في
الفعل. وعلى ذلك يمكن افتراض أن يكون هناك خطأ يقع في القصد والفعل معاً
ومثاله أن
يرمي الإنسان ما يظنه صيداً فيتبين أنه إنسان، ولا تصيبه الرماية بل يحيد
السلوك
عن الهدف ويصيب إنساناً آخر إلى جواره، فالجاني قد أخطأ في القصد إذ ظن
الإنسان
صيداً كما أنه في نفس الوقت قد أخطأ في الفعل إذا لم يصب الهدف وإنما حاد
عنه
وأصاب محلاً آخر.[17][17]
ويعرفون الخطأ المتولد
بأنه ذلك الخطأ الذي يتولد من فعل مباح أو فعل أتاه الفاعل وهو يعتقد أنه
مباح.
وينقسم إلى خطأ متولد مباشر وخطأ متولد بالنسب. والخطأ المباشر هو الذي لا
تتوسط
فيه بين إرادة الفاعل والنتيجة التي حدثت إرادة أخرى سواء كانت أرادة
المجني عليه
أو غيره، مثال ذلك من يرمي طائراً فيصيب إنساناً، ومن يرمي جندياً من
الأعداء يلبس
ملبسهم وهو يظن أنه منهم. أما الخطأ المتولد بالتسبب فتتوسط فيه إرادة
الجاني
والنتيجة المحرمة التي تحدث إرادة أخرى, وسيان أن تكون إرادة المجني عليه
أو إرادة
الغير, ومثال ذلك من يحفر بئراً في الطريق العام بإذن ولا يتخذ الاحتياطات
الكفيلة
بمنع سقوط الناس فيه.[18][18]
والخطأ غير المتولد هو
كل ما عدا الخطأ المتولد، ويكون مباشراً إذا لم تتوسط بين سلوك آدمي
والنتيجة
المحرمة إرادة أخرى كالنائم الذي ينقلب على صغير بجواره فيقتله. ويكون
بالتسبب إذا
تورط بين إرادة الجاني والنتيجة إرادة أخرى كمن يحفر في الطريق بئراً بدون
إذن
ويسقط فيه أحد المارة ويصاب.
ومن الواضح أن الفقه
الإسلامي هنا على غرار الفقه الروماني يبحث عن إرادية الفعل أولاً لا
إراديته في
تحديد معنى الخطأ. فالجريمة غير العمدية نوع من الجريمة غير المقصودة وهي
بذلك
تتميز بأن النية فيها ليست إثم، والإرادة في الجريمة غير العمدية لا تتجه
إلى
إحداث النتيجة ولكن النتيجة تقع على خلاف ما يريد الجاني وعلى عكس إرادته
أي أنها
لا يتوافر فيها قصد العصيان وإن كانت تتوافر فيها إرادة السلوك. ولعل هذا
ما دعا
أن يذهب البعض إلى عدم جواز العقاب على
الخطأ طالما لم يرد نص بتجريمه، فذكر ابن حزم أن الجريمة الخطيئة ليست
بسيئة.
واستندوا في ذلك إلى قول الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن
ما
تعمدت قلوبكم ) وإلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز لأمتي
عن الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه ).
(2) دور
التشريعات اللاتينية والرومانية في تحديد فكرة الخطأ:
إذا كان القانون
الروماني يفرق بيمن درجات ثلاث من الخطأ. الخطأ الفاحش ( Culpa lata
) والخطأ البسيط (Culpa
levis
) والخطأ اليسير (Culpa levissima ). عند
المسئولية المدنية،
فإنه تطلب في المسئولية الجنائية توافر الخطأ الفاحش أو الخطأ البسيط.[19][19]
ومن هنا انقسم الفقه في
فرنسا إلى قسمين: فريق ينادي بوحدة الخطأ في المسئولية المدنية والمسئولية
الجنائية، وفريق آخر يطلب العمل بازدواج فكرة الخطأ على غرار القانون
الروماني. ويؤكد
أصحاب الوحدة أن الخطأ اليسير تقوم به المسئولية الجنائية على غرار
المسئولية
المدنية ذلك لأنهم ينكرون اختلاف الخطيئة الاجتماعية في كلا المسئوليتين
خاصة وأن
التقسيم الحديث يتطلب الأخذ بالوحدة بسبب انتشار الآلة والتكنولوجيا التي
تلحق
أضراراً جسيمة وطفيفة وحتى لم يعد التعويض كافياً لحماية المجتمع من هذه
الأضرار.[20][20]
ويستند أصحاب الازدواج
على اختلاف الوظيفة الاجتماعية واختلاف المبادئ الأساسية التي تحكم
المسئوليتين،
فالمسئولية الجنائية تهدف إلى الردع والتقويم، والمسئولية المدنية تهدف إلى
إعادة
التوازن بين ذمتين بإلزام شخص بأن يعوض ما لحق من ضرر في ذمة شخص آخر.
وتقضي
العدالة كذلك باختلاف المسئوليتين حيث يمكن بناءً على ذلك عدم تقييد القاضي
بضرورة
الحكم بالعقوبة في حالة الحكم بالتعويض فقط وحيث لا يرى محلاً للعقوبة.
وعلى الرغم من أن هناك
تيار قوي يحبذ وجدة الخطأ فإن التيار الغالب في فرنسا يميل نحو الازدواجية
ذلك أن
معايير تقدير الخطأ لا تتطابق في كل من القانون الجنائي والقانون المدني،
فالخطأ
المدني يبدو أنه بعيد عن فكرة الإذناب (Culpalitie )، كما ن
الخطأ الجنائي
يرتبط بفكرة التقويم الاجتماعي الذي يتطلب بالضرورة اتخاذ حكم أخلاقي على
موقف
واتجاهات الجاني الأمر الذي يدعو إلى أن يوضع في الاعتبار شخصية وبواعث
أفعاله.[21][21]
ومن هنا يثور السئوال
عن أساس المسئولية في الجريمة غير العمدية. لقد حاول الفقه البحث عن هذا
الأساس من
خلال نظريات متعددة منها:
1- نظرية السبب الفعال ( Causa ejcente
) .
2- نظرية الغلط في التقدير ( Errore di valutazione ).
3- نظرية الخطر ( Oericolo ).
4- نظرية الإهمال ( Negligenza ).[22][22]
5- نظرية المخاطر ( Rischo ).
6- نظرية التوقع ( Previdibilita ).
(1) نظرية
السبب الفعال :
تعتبر هذه النظرية من نتاج
فكر الفقه في إيطاليا من أمثال ( Stoppato ) و ( Manzini ) و ( Del Giudice ).[23][23]
يقول ستوباتو أن
المعاقبة على الحدث الضار عندما يكون نتاجاً مباشراً أو يحدث نتيجة لفعل
إرادي يتم
التعبير عنه بواسطة وسائل وأدوات تعد غير عادية في نظرية القانون. وعلى هذا
فإن
اللامشروعية في الجريمة العمدية تنصب على الغاية ( Fine ) في حين أنها في الجريمة غير
العمدية تتعلق بالوسيلة ( Mezzo )
وتطلب ستوباتو لوجود الخطأ الجنائي توافر عنصرين:
أ - أن
يكون الجاني سبباً فعلاً للحدث.
ب- أن يستخدم الجاني وسائل غير عادية
في نظر
القانون.
وقد انتقد الفقه العنصر
الأول على أساس أنه لا توجد علاقة خاصة مع الخطأ وذلك لأن السبب شرط ضروري
لنسب
الحدث في جميع الجرائم العمدية وغير العمدية، أما العنصر الثاني فهو عنصر
غامض، والقول
بأن الوسيلة تعد غير عادية في نظر القانون يعني أنها وسيلة خطرة ( Pericolosa )
لها القدرة من حيث السببية لتحقيق الحدث. وعلى هذا كيف يمكن
الكلام عن الخطورة دون ربطها بذلك الحكم الخاص بأن هذا السلوك أو تلك
الوسيلة تعمل
على تحقيق الحدث. ويؤكدون أن فكرة الوسيلة
لا تتفق مع كثير من حالات الخطأ وبصفة خاصة أفعال السلوك الناتجة عن
الإهمال، فمن
ينام ويقع على عاتقه واجب اليقظة هل استخدم وسيلة غير مشروعة؟
ومن هنا كانت محاولة
مانزيني حين يؤكد أن الخطأ يتكون من سلوك إرادي مخالف بصورة عامة أو خاصة
للنظم
والأوامر والذي يؤدي إلى حدث ضار أو خطر يعتبره القانون جريمة بشرط أن يقع
بصورة
غير عمدية. إلا أن أنتوليزي يعتبر أن هذا التعديل لم يؤدي إلى وجود معيار
جديد
سواء من حيث التحديد أو من حيث التطبيق العملي.
(2) نظرية
الغلط في التقدير:
نادى بهذه النظرية كل
من فون ليست ( Von list
) وليفي ( Levi
) وإلمنيا ( Alimana ). يقول ليفي : يجب البحث عن الجريمة
غير العمدية في ذلك الغلط
الذي يقع فيه الجاني تجاه الواقع، فالخطأ ما هو إلا غلط في التقدير تجاه
تلك
النتائج التي تترتب على الفعل.
ويقول المينا أن الجاني
يقترف السلوك أحياناً وهو على إدراك تام به، وأحياناً أخرى يعبر عن السلوك بصورة لا شعورية، وهنا نجد أن الجانب
يقع في غلط يعيب العملية النفسية والمنطقية لديه, وعندما يكون هذا الغلط
واقع ولا
يمكن إدراكه فإن الجاني يكون في حالة خطأ.
أما فون ليست فإنه يؤكد
أن الرعونة ( Imprudenza ) تتأسس على غلط تجاه معنى الفعل الإرادي، وكذلك على
إدراك معيب للعناصر التي يتسم بها معنى الفعل.
ولم تسلم هذه النظرية
من النقد فعلى الرغم من أن أصحاب هذه
النظرية قد عملوا على إيجاد التفرقة الدقيقة بين الغلط ( Errore )
والجهل ( Ignoranza ) فإنهم قد هدموا هذه التفرقة عندما
اعتقدوا أن الفكرة التي يتم
إدراكها والتي لم تستخدم بهد لأنها لم تدخل في مجال الإدراك يجب اعتبارها
في مقام
الشيء المجهول، ويؤدي تسلسل التفكير السابق إلى أن يترك الجهل الفني بدون
عقاب
والذي يعتبره الفقيه أحد الفروض التي تدخل تحت نطاق عدم الخبرة والإرادة ( Imperizia ).
ويرون علاوة على ذلك أن
الغلط إما أن يكون في التقدير ( Giudizio ) أو في التنفيذ ( Esecuzinoe )
عندما يتنبأ أو يتوقع
الجاني نتائج سلوكه وهذا الأمر يتعلق بالتوقيع ( Prevedillite )
المرتبط بمدى كفاية علاقة السببية الخاصة بالسلوك.[24][24]
ويؤكد البعض أيضاًَ أن
هناك فروضاًَ للخطأ لا تقابل فيها هذا الغلط كما هو حال سائق السيارة الذي
يصطدم
بأحد المارة لأنه قد غلبه النعاس، وكذلك في الحالات لتي يقع فيها الفعل
الضار بسبب
النسيان.[25][25][/color:
في التشريعات المقارنة
تثير الجرائم غير العمدية
مشاكل ومناقشات فقهية بصورة تزيد على تلك التي تعرض لها الفقه في الجرائم
العمدية.
وقد أصبح الأمر غامضاً على رجل القانون بسبب التيارات الفلسفية وصراعها من
أجل ضرب
العناصر المختلفة لهذا النوع من الانحراف إلى مجال تحليلاتها وتكييفاتها
القانونية. ومن هنا كانت مصطلحات مختلفة يقف الباحث أمامها حائراً إذ أنها
تعبر عن
اتجاهات متعارضة وفلسلفات متناقضة. وعلى الرغم من الجرائم غير العمدية
وصورها قد
نوقشت في عديد من المؤتمرات فإننا نجد أن الأمر يحتاج إلى أكثر من مؤتمرٍ
واحد
لجلاء تلك الأفكار الغامضة والمصطلحات المبهمة. ولا يكفي أن يتعرض مؤتمر
واحد
بنظرة متكاملة لموضوع الجرائم غير العمدية لأننا كما سنرى أن هذا الموضوع
يحتاج
إلى أكثر من تخصص لتعمق الدراسة وإعطاء النتائج والمعايير السليمة سواء
للأفكار
القانونية أو العملية أو تلك التي تتعلق بالمعاملة والتنفيذ العقابي. ولقد
تعرضت
مؤتمرات عدة سواء للجوانب القانونية أو العلمية، وسواء ركزت على الجرائم
غير
العمدية بصورة شاملة أم ركزت على جرائم الإهمال أو انصبت توصياتها على
المعاملة.
وحتى نعطي القارئ صورة لأهمية هذا الموضوع يكفي أن نقول أم موضوع الجرائم
غير
العمدية قد تعرضت له المؤتمرات والحلقات الدراسية التالية:
- مؤتمر منع الجريمة والدفاع
الاجتماعي – ميلانو
1956.
- الحلقة الدراسية الفرنسية –
البلجيكية –
اللوكسمبورجية 1958.
- الحلقة الدراسية الفرنسية –
الإسبانية 1958م .
- مؤتمر لشبونة 1961م.
- الحلقة الدراسية السنوية الفرنسية
واليوغسلافية
1963م.
- مؤتمر ليل 1961م.
- المؤتمر الفرنسي لعلم
الإجرام 1968م.
وقد ركزت هذه المؤتمرات
والحلقات الدراسية على الموضوعات التالية:
أ -
مشكلة الخطأ غير العمدي وتعريف الخطأ بأنواعه.
ب- المسئولية الجنائية في الجرائم غير
العمدية.
ج – مشكلة العقاب على
الخطأ غير العمدي.[1][1]
وقد جاء في ورقة العمل
لموضوع الجرائم غير العمدية: منعها ومعاملة الجانحين الذين ستناقش في
المؤتمر
الثاني عشر لقانون العقوبات إن المطلوب في دراسة الموضوع بصورة عامة النقاط
الثلاث
الأساسية التالية:
أ -
مشكلة الجرائم أو رفع الصفة الجنائية عن الجرائم غير العمدية.
ب- معايير تحديد المسئولية في الجرائم
الجنائية
العمدية.
ج- العقاب على الجرائم التي ترتكب
بصورة عمدية.
ويبدو واضحاً أن الفقه
ما زال يسير في حلقة مفرغة ويحتاج اليوم أكثر من الأمس لمعايير واقعية
عملية ترتكز
عليها عمليات التجريم في هذا النوع من الجرائم. ويبدو خطورة الموقف عند
تحليل حجم
واتجاهات هذا النمط من الجرائم في الدول المختلفة. ولقد شعر العالم الغربي
والشرقي
بخطورة الجرائم غير العمدية. ففي الغرب تعاني كل دولة اليوم من جرائم
المرور التي
يغلب فيها الجرائم غير العمدية. ويكفي أن نشير إلى مصدر حديث يؤكد ن 40% من
الجرائم التي ارتكبت في إسبانيا جرائم قتل غير عمدية[2][2]. ويعاني العالم الاشتراكي أيضاً من
حوادث المرورو وما تحلقه هذه
الجرائم وماشابهها من ضرر على الاقتصاد الاشتراكي[3][3].
وإذا ما حاولنا تحسس
حجم واتجاهات أهم الجرائم غير العمدية في جمعهورية مصر العربية في السنوات
من 1970
– 1975 الأرقام التالية:
السنة | حريق بإهمال | قتل خطأ | إصابة خطأ |
1970 | 5629 | 4460 | 39521 |
1971 | 5103 | 4595 | 40884 |
1972 | 4936 | 4565 | 45567 |
1973 | 4556 | 4615 | 39723 |
1974 | 3675 | 4842 | 33085 |
1975 | 3922 | 5439 | 35135 |
وتوضح الإحصائيات التي
نشرت في التقرير السنوي لعام 1975 الصادر
من وزارة الداخلية في جمهورية السودان الديموقراطية حجم واتجاهات أهم جرائم
غير العمدية
على النحو التالي في الفترة ما بين 1974 – 1975.[4][4]
السنة | نسبة الموت بإهمال | الأذى الجسيم | الأذى البسيط |
1974 | 487 | 1283 | 3613 |
1975 | 503 | 1407 | 3742 |
وإذا ما وضعنا في الاعتبار
أن محافظة الخرطوم وحدها قد سجلت في السنوات 1975 الأرقام التالية:
السنة | نسبة الموت بإهمال | الأذى الجسيم | الأذى البسيط |
1975 | 164 ( 32.6% ) | 767 ( 45.5% ) | 1943 ( 52% ) |
وإن نسبة الجرائم غير العمدية
التي أرتكبت في الخرطوم في عام 1975 تعادل 50.8% من مجموع الجرائم غير
العمدية
التي ارتكبت في الجمهورية جميعها ليتبين لنا خطورة الموقف في السودان[5][5].
وإذا كان تقريرنا
الحالي يضيق لكي يكون محلاً للدراسة الشاملة الجامعة لأزمة التحليل الفقهي
للجرائم
غير العمدية، وإذا كان نقطة البداية لدراسة الأنماط المنظمة لهذا النوع من
الجرائم
هو تحديد المعنى المقصود بالمصطلحات المستخدمة من التيارات الفقهية. فإن
المشكلة
الأولى في معالجة موضوع المؤتمر هو مشكلة التعريف. ولتحديد المسئولية في
الجرائم
غير العمدية تتطلب التعرض للعناصر الأساسية في الأنماط المختلفة، ألا وهي
النشاط
الإجرامي ( Actus Rea )
والركن المعنوي ( Mens Rea ) والأذناب ( Colpavolezza )
والإسناد ( Imputabilita ) والأهلية الجائية ( Capacita a delinquere
). فهل هذه العناصر التي يتكلم عنها الفقه المقارن تتوفر في جرائم الإهمال
وعدم
الاحتراز وعدم احترام القوانين واللوائح والنظم والأوامر؟
أولاً : مشكلة التعريف
في الجرائم غير العمدية:
تتعدد الأوصاف والألفاظ
في المصطلحات في القانون المقارن في شأن الجرائم غير العمدية ونصت بعض
التشريعات
على تعريف الجرائم العمدية، ولم ينص بعضها الآخر وارك ذلك للفقه الذي جاء
بدوره
بعديد من التعريفات المتناقضة.
وقد استخدم ( Ferri ) لفظ الجرائم غير الإرادية أو غير
العمومية ( Involuntary )
ويستخدم الفقه الفرنسي لفظ الخطأ ( Faute ) ومثل هذه المصطلحات غير دقيقة
وغامضة فأحياناً يطلق الفقه الخطأ
على الأذناب ( Colpavolezza ) وأحياناً أخرى على الخطأ بمعناه
الدقيق[6][6]. وقد اعترض البعض على تسمية الجرائم
غير العمدية ( Involentaire ) وذلك إن
أراد الجاني
حتى في جرائم الخطأ تبدو في الفعل المحرك للضرر[7][7]. وعددت بعض التشريع الفرنسي الذي عبر
عن الخطأ الجنائي تعبيرات
عديدة في القسم العام والقسم الخاص من تقنين العقوبات مثل عدم الانتباه،
عدم
الاحتراز، الإهمال وعدم احترام اللوائح كما هو الحال بالنسبة للمواد 318
320 التي
تتكلم عن القتل غير العمدي.
ويكاد يقف الفقه
الأنجلو سكسوني حول فكرة الإهمال ( Negligence ) على أساس أنها أهم صور الخطأ،
ويعترف بعض الفقهاء بوجود صور
أخرى مثل: الرعونة ( Recklessness
)[8][8]، في حين يعرف البعض الآخر الإهمال
بأنه عدم اهتمام أو انتباه ( Carelessness )
ويأتي دليل الجمعية
الدولية لقانون العقوبات بدوره ويضع إطار للتعريف لا يتكلم فيه عن الخطأ ( Colpa ) بل يعبر عنه بمصطلح عدم
الانتباه أو اللامبالاة. ويضم بين رحاب هذا الإطار العام صور الإهمال
والرعونة (Negligence
) .
ومن الطبيعي أن يقف رجل
القانون والقاضي في حيرة أمام هذا التضارب في المعاني وأمام هذا الغموض في
المصطلحات التي تعبر بلا شك عن غموض في الأفكار القانونية التي يقف وراءها.
ومن
هنا يكون من الضروري لجلاء هذا الموقف أن نرجع قليلاً إلى الوراء ونبحث في
غمار
الأطر القانونية حتى نعرف أصول الفكر القانوني المعاصر. ولذلك سنحاول أن
نتعرض إلى
:
1- التشريعات القديمة وتعريف الخطأ
وخاصة في القانون
الروماني والشريعة الإسلامية.
2- دور التشريعات اللادينية
والجرمانية في تحديد
فكرة الخطأ.
3- موقف الفقه الأنجلوسكسوني من تعريف
صور الخطأ.
4- الجرائم غير العمدية في القانونين
المصري
والسوداني.
(1)
التشريعات القديمة وتعريف الخطأ :
يرجع الفقه المقارن فكرة
الخطأ إلى القانون الروماني وخاصة فكرة الخطأ التعاقدي ( Colpa contracttuale
) في القانون المدني حيث يكون
هناك التزام بأداء
فعل والامتناع عن فعل وبالتالي يكون هناك تقصير من المتعاقد الذي لا يقوم
بهذا
الالتزام التعاقدي الأمر الذي يرتب التعويض.
ومع تطور القانون
الروماني يرى الشراح أنه يوجد الخطأ التعاقدي في كل مرة يشير الضرر ( Jesione ) إلى علاقة ملزمة سابقة
سواء كان منشأ هذه العلاقة العقد ( delitto ) أو الجريمة
( Lex Aquilia )[9][9] ويعتبر الفقه الجنائي أن قانون
أكويليا قد عمل على توسيع فكرة
الخطأ بحيث يشمل إلى جواز الضرر الناتج عن الخطأ التعاقدي كل خطأ ينتج عن
أسباب
أخرى غيره، وبالتالي عمل على توسيع نطاق المسئولية التي بعد أن كانت محصورة
في
المسئولية التعاقدية المعروفة في القانون الروماني، التغلب أيضاً بتلك
الميول التي
تعمل على انتعاش الفكرة المسارية عن طريق نظرية المخاطر ( Risk ) [10][10] وعلى ذلك كان القانون الروماني يتسم
بالسمات التالية:
1- لم ي عرف القانون
الروماني قاعدة عامة تنص على أنه كل من أحدث ضرراً يلتزم بالتعويض.
2- كان هناك قيود
على طريقة القاعدة السابقة، فالضرر الذي يعتد به في القانون الروماني لا بد
أن
يقاس على علامة مادية مباشرة بين الجاني والشيء المضرور.
3- تتجدد المسئولية
فقط في القانون الروماني من سلوك إيجابي ( condotta commissiva
) وعلى هذا فإن السلوك ليس له أهمية
قانونية نظراً لعدم تصور وجود علاقة سببية بينه وبين الحدث.
4- وبسبب الالتزام
بوجود علاقة مادية مباشرة لم يكن هناك إدراك لوجود مسئولية عن أفعال الغير
إلا بعد
أن تكلم جيستينيان عن ( Colpa in eligedo ).
5- تأسست فكرة الخطأ
أولاً على فكرة الضرر ( Injuria ) حتى عهد شيشيرون الذي مدح البريتور
الذي عمل على إلغاء لفظ
الضرر ( Injuria ) التي عملت على إحياء السمعة
المادية للقانون الروماني لفترة
طويلة.
6- لا يعرف القانون
الروماني – حتى قانون إكويليا – أي مساهمة للعامل النفسي في تكييف فكرة
الخطأ، ذلك
لأن هذا الأخير يعادل دائماً الضرر (Injuria ).
وقد عمل الفقه الروماني
على توسيع المسئولية بحيث يضم إلى صور الجريمة ( Dilitto )
شبه الجريمة ( Quasi delitto ) وقد انحصرت
الأفعال
التي تعد شبه جريمة في أربعة حالات.
1- في حالة القاضي الذي يصدر حكماً
يشوبه الإهمال
أو الرعونة.
2- حالة المجني عليه الذي يصاب بشيء
يقذف أو يلقي
من نافذة منزل.
3- حالة تعليق أو وضع بطريقة تؤدي إلى
سقوطه إلى
إلحاق الضرر بالغير.
4- حالة الضرر الذي يلحق بأمتعة
المسافر بفعل صاحب
الفندق و صاحب السفينة.
ويعتبر الفقه الروماني
أن الخطأ شبه الجريمة يصل في درجته إلى الجريمة ولكن يختلف
عن هذه الأخيرة في عدم توفر العمد، وهكذا نجد أن
الفقه الروماني يفرق بين العمد ( Dolus ) والخطأ بالمعنى الواسع ( Culpa lata
) والخطأ البسيط ( Culpa
levis
) والخطأ البسيط للغاية ( Culpa
levissima
) ويفرق في مجال الخطأ بين الخطأ العمدي ( Clupa intenzionale
) والخطأ غير العمدي العادي الخطير (Clupa non intenzionale
) والخطأ غير العمدي العادي (Clupa intenzionale ordinaria ) والذي يتضمن البسيط والبسيط للغاية.
وهكذا أصبح ركن العمد (intenzionalita ) العامل
الأول الذي يفرق
في البحث عن المعنى الفني للعمد ( Dolo ) والخطأ ( Colpa )[11][11].
فكرة الخطأ
في الشريعة الإسلامية:
عرف الفقه الإسلامي
نوعين من الجرائم: جرائم مقصودة وجرائم غير مقصودة، والجرائم المقصودة هي
التي
يباشرها الشخص عامداً مريداً عالماً بالنهي عنها وبأنها يعاقب عليها،
والجريمة غير
المقصودة هي تلك التي تفقد عنصراً من عناصر الجريمة المقصودة ألا وهي
العمد،
والإرادة والعمل بالنهي[12][12].
ويعتبر الفقه الإسلامي
أن الخطأ من العوارض التي تنص علة الأهلية لتحمل التبعات، وهي في الصفة ضد
الصواب،
ومعناه شرعاً وقوع الشيء على خلاف ما أريد[13][13]. أو هو وقوع الشيء على غير إرادة
فاعله بأن يأتي الجاني والفعل
دون أن يقصد العصيان وبغير أرادة إحداث نتيجة محرمة، ولكن يتولد من هذا
الفعل
نتيجة غير مشروعة بسبب خطئه في الفعل أو في القصد[14][14].
ويقسم الفقهاء الخطأ
إلى تقسيمات متعددة أهمها تقسيم الخطأ في القصد والخطأ في الفعل، وإلى خطأ
متولد.
ويتوافر الخطأ في القصد
حين يأتي الفاعل سلوكاً معيناً يوجهه نحو هدف بالذات وهو يظن الهدف شيئاً
أو شخصاً
ما، ويصيب سلوكه الهدف الذي يتبين أنه ليس الشيء أو الشخص الذي ظنه الفاعل،
والمثال الذي يوضح به الفقه هذا النوع من الخطأ من يرى شيئاً يظنه صيداً
فإذا به
إنسان أو من يرمي من يظنه عدواً محارباً
فيتبين أنه وطني مسلم. في كلتا الحالتين وقع
السلوك كما أراده الجاني إذا أصاب ما هو وجه إليه من هدف ولكن الظن
لم يكن
صحيحاً وكان القصد خاطئاً. فهو لم يرد إصابة
إنسان في الصورة الأولى كما أنه لم يقصد إصابة وطني أو مسلم في
الصورة
الثانية، بل حدث خطأ في اعتقاده وقصده حين ظن الآدمي صيداً والمسلم حربياً[15][15].
ويقصد بالخطأ في الفعل
أن يوجه الجاني سلوكه نحو هدف معين بقصد إصابته، ولكن يحيد السلوك عن الهدف
المقصود فلا يصيبه بل يصيب شيئاً أو شخصاَ آخر لم يوجه إليه السلوك أساساً.
ويمثل الفقه لهذا النوع
بمن يرمي قرداً فيصيب آدمياً فمن يوجه رمايته نحو طائر يريد أن يصيبه فيصيب
ولكنه
يخطئ في التصويب، ويحيد سلوكه عن هذا المقصود فيصيب شخصاً كان إلى جواره
يعتبر
مرتكباً الخطأ في الفعل، وهنا نجد أن السلوك لم يكن موجهاً نحو المصاب ولم
يحكم
الجاني الرماية فلم تصادف المحل المقصود، ولكن القصد صحيح والظن لم يكن
مخطئاً
فالهدف الموجه إليه السلوك أساساً هو الطائر كما يظن الجاني وهو المحل
المقصود
الذي أخطأه السلوك.
ويفرق الفقه بين هذه
الصورة والحالة التي يتعمد فيها الجاني إصابة موضع معين من جسد إنسان ويوجه
سلوكه
نحو هذا الموضع بالذات فيخطئ التوجيه ويصيب من الجسد موضعاً آخر. في هذا
الفرض
الأخير يعتبر الجاني مرتكباً لجريمة عمدية تستوجب القصاص لأن المحل الذي
وجه
الفاعل إليه السلوك واحد وهو البدن[16][16].
وقد بحث الفقه الإسلامي
عن أساس التفرقة بين الخطأ في القصد والخطأ في الفعل في أن الإنسان يتصرف
بفعل
القلب والجوارح، ويحتمل أن يقع الخطأ في أيهما على انفراد، فحين يكون الخطأ
في فعل
القلب فهو خطأ في القصد، أما إذا أصاب الخطأ في فعل الجوارح فإنه يعتبر خطأ
في
الفعل. وعلى ذلك يمكن افتراض أن يكون هناك خطأ يقع في القصد والفعل معاً
ومثاله أن
يرمي الإنسان ما يظنه صيداً فيتبين أنه إنسان، ولا تصيبه الرماية بل يحيد
السلوك
عن الهدف ويصيب إنساناً آخر إلى جواره، فالجاني قد أخطأ في القصد إذ ظن
الإنسان
صيداً كما أنه في نفس الوقت قد أخطأ في الفعل إذا لم يصب الهدف وإنما حاد
عنه
وأصاب محلاً آخر.[17][17]
ويعرفون الخطأ المتولد
بأنه ذلك الخطأ الذي يتولد من فعل مباح أو فعل أتاه الفاعل وهو يعتقد أنه
مباح.
وينقسم إلى خطأ متولد مباشر وخطأ متولد بالنسب. والخطأ المباشر هو الذي لا
تتوسط
فيه بين إرادة الفاعل والنتيجة التي حدثت إرادة أخرى سواء كانت أرادة
المجني عليه
أو غيره، مثال ذلك من يرمي طائراً فيصيب إنساناً، ومن يرمي جندياً من
الأعداء يلبس
ملبسهم وهو يظن أنه منهم. أما الخطأ المتولد بالتسبب فتتوسط فيه إرادة
الجاني
والنتيجة المحرمة التي تحدث إرادة أخرى, وسيان أن تكون إرادة المجني عليه
أو إرادة
الغير, ومثال ذلك من يحفر بئراً في الطريق العام بإذن ولا يتخذ الاحتياطات
الكفيلة
بمنع سقوط الناس فيه.[18][18]
والخطأ غير المتولد هو
كل ما عدا الخطأ المتولد، ويكون مباشراً إذا لم تتوسط بين سلوك آدمي
والنتيجة
المحرمة إرادة أخرى كالنائم الذي ينقلب على صغير بجواره فيقتله. ويكون
بالتسبب إذا
تورط بين إرادة الجاني والنتيجة إرادة أخرى كمن يحفر في الطريق بئراً بدون
إذن
ويسقط فيه أحد المارة ويصاب.
ومن الواضح أن الفقه
الإسلامي هنا على غرار الفقه الروماني يبحث عن إرادية الفعل أولاً لا
إراديته في
تحديد معنى الخطأ. فالجريمة غير العمدية نوع من الجريمة غير المقصودة وهي
بذلك
تتميز بأن النية فيها ليست إثم، والإرادة في الجريمة غير العمدية لا تتجه
إلى
إحداث النتيجة ولكن النتيجة تقع على خلاف ما يريد الجاني وعلى عكس إرادته
أي أنها
لا يتوافر فيها قصد العصيان وإن كانت تتوافر فيها إرادة السلوك. ولعل هذا
ما دعا
أن يذهب البعض إلى عدم جواز العقاب على
الخطأ طالما لم يرد نص بتجريمه، فذكر ابن حزم أن الجريمة الخطيئة ليست
بسيئة.
واستندوا في ذلك إلى قول الله تعالى ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن
ما
تعمدت قلوبكم ) وإلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز لأمتي
عن الخطأ
والنسيان وما استكرهوا عليه ).
(2) دور
التشريعات اللاتينية والرومانية في تحديد فكرة الخطأ:
إذا كان القانون
الروماني يفرق بيمن درجات ثلاث من الخطأ. الخطأ الفاحش ( Culpa lata
) والخطأ البسيط (Culpa
levis
) والخطأ اليسير (Culpa levissima ). عند
المسئولية المدنية،
فإنه تطلب في المسئولية الجنائية توافر الخطأ الفاحش أو الخطأ البسيط.[19][19]
ومن هنا انقسم الفقه في
فرنسا إلى قسمين: فريق ينادي بوحدة الخطأ في المسئولية المدنية والمسئولية
الجنائية، وفريق آخر يطلب العمل بازدواج فكرة الخطأ على غرار القانون
الروماني. ويؤكد
أصحاب الوحدة أن الخطأ اليسير تقوم به المسئولية الجنائية على غرار
المسئولية
المدنية ذلك لأنهم ينكرون اختلاف الخطيئة الاجتماعية في كلا المسئوليتين
خاصة وأن
التقسيم الحديث يتطلب الأخذ بالوحدة بسبب انتشار الآلة والتكنولوجيا التي
تلحق
أضراراً جسيمة وطفيفة وحتى لم يعد التعويض كافياً لحماية المجتمع من هذه
الأضرار.[20][20]
ويستند أصحاب الازدواج
على اختلاف الوظيفة الاجتماعية واختلاف المبادئ الأساسية التي تحكم
المسئوليتين،
فالمسئولية الجنائية تهدف إلى الردع والتقويم، والمسئولية المدنية تهدف إلى
إعادة
التوازن بين ذمتين بإلزام شخص بأن يعوض ما لحق من ضرر في ذمة شخص آخر.
وتقضي
العدالة كذلك باختلاف المسئوليتين حيث يمكن بناءً على ذلك عدم تقييد القاضي
بضرورة
الحكم بالعقوبة في حالة الحكم بالتعويض فقط وحيث لا يرى محلاً للعقوبة.
وعلى الرغم من أن هناك
تيار قوي يحبذ وجدة الخطأ فإن التيار الغالب في فرنسا يميل نحو الازدواجية
ذلك أن
معايير تقدير الخطأ لا تتطابق في كل من القانون الجنائي والقانون المدني،
فالخطأ
المدني يبدو أنه بعيد عن فكرة الإذناب (Culpalitie )، كما ن
الخطأ الجنائي
يرتبط بفكرة التقويم الاجتماعي الذي يتطلب بالضرورة اتخاذ حكم أخلاقي على
موقف
واتجاهات الجاني الأمر الذي يدعو إلى أن يوضع في الاعتبار شخصية وبواعث
أفعاله.[21][21]
ومن هنا يثور السئوال
عن أساس المسئولية في الجريمة غير العمدية. لقد حاول الفقه البحث عن هذا
الأساس من
خلال نظريات متعددة منها:
1- نظرية السبب الفعال ( Causa ejcente
) .
2- نظرية الغلط في التقدير ( Errore di valutazione ).
3- نظرية الخطر ( Oericolo ).
4- نظرية الإهمال ( Negligenza ).[22][22]
5- نظرية المخاطر ( Rischo ).
6- نظرية التوقع ( Previdibilita ).
(1) نظرية
السبب الفعال :
تعتبر هذه النظرية من نتاج
فكر الفقه في إيطاليا من أمثال ( Stoppato ) و ( Manzini ) و ( Del Giudice ).[23][23]
يقول ستوباتو أن
المعاقبة على الحدث الضار عندما يكون نتاجاً مباشراً أو يحدث نتيجة لفعل
إرادي يتم
التعبير عنه بواسطة وسائل وأدوات تعد غير عادية في نظرية القانون. وعلى هذا
فإن
اللامشروعية في الجريمة العمدية تنصب على الغاية ( Fine ) في حين أنها في الجريمة غير
العمدية تتعلق بالوسيلة ( Mezzo )
وتطلب ستوباتو لوجود الخطأ الجنائي توافر عنصرين:
أ - أن
يكون الجاني سبباً فعلاً للحدث.
ب- أن يستخدم الجاني وسائل غير عادية
في نظر
القانون.
وقد انتقد الفقه العنصر
الأول على أساس أنه لا توجد علاقة خاصة مع الخطأ وذلك لأن السبب شرط ضروري
لنسب
الحدث في جميع الجرائم العمدية وغير العمدية، أما العنصر الثاني فهو عنصر
غامض، والقول
بأن الوسيلة تعد غير عادية في نظر القانون يعني أنها وسيلة خطرة ( Pericolosa )
لها القدرة من حيث السببية لتحقيق الحدث. وعلى هذا كيف يمكن
الكلام عن الخطورة دون ربطها بذلك الحكم الخاص بأن هذا السلوك أو تلك
الوسيلة تعمل
على تحقيق الحدث. ويؤكدون أن فكرة الوسيلة
لا تتفق مع كثير من حالات الخطأ وبصفة خاصة أفعال السلوك الناتجة عن
الإهمال، فمن
ينام ويقع على عاتقه واجب اليقظة هل استخدم وسيلة غير مشروعة؟
ومن هنا كانت محاولة
مانزيني حين يؤكد أن الخطأ يتكون من سلوك إرادي مخالف بصورة عامة أو خاصة
للنظم
والأوامر والذي يؤدي إلى حدث ضار أو خطر يعتبره القانون جريمة بشرط أن يقع
بصورة
غير عمدية. إلا أن أنتوليزي يعتبر أن هذا التعديل لم يؤدي إلى وجود معيار
جديد
سواء من حيث التحديد أو من حيث التطبيق العملي.
(2) نظرية
الغلط في التقدير:
نادى بهذه النظرية كل
من فون ليست ( Von list
) وليفي ( Levi
) وإلمنيا ( Alimana ). يقول ليفي : يجب البحث عن الجريمة
غير العمدية في ذلك الغلط
الذي يقع فيه الجاني تجاه الواقع، فالخطأ ما هو إلا غلط في التقدير تجاه
تلك
النتائج التي تترتب على الفعل.
ويقول المينا أن الجاني
يقترف السلوك أحياناً وهو على إدراك تام به، وأحياناً أخرى يعبر عن السلوك بصورة لا شعورية، وهنا نجد أن الجانب
يقع في غلط يعيب العملية النفسية والمنطقية لديه, وعندما يكون هذا الغلط
واقع ولا
يمكن إدراكه فإن الجاني يكون في حالة خطأ.
أما فون ليست فإنه يؤكد
أن الرعونة ( Imprudenza ) تتأسس على غلط تجاه معنى الفعل الإرادي، وكذلك على
إدراك معيب للعناصر التي يتسم بها معنى الفعل.
ولم تسلم هذه النظرية
من النقد فعلى الرغم من أن أصحاب هذه
النظرية قد عملوا على إيجاد التفرقة الدقيقة بين الغلط ( Errore )
والجهل ( Ignoranza ) فإنهم قد هدموا هذه التفرقة عندما
اعتقدوا أن الفكرة التي يتم
إدراكها والتي لم تستخدم بهد لأنها لم تدخل في مجال الإدراك يجب اعتبارها
في مقام
الشيء المجهول، ويؤدي تسلسل التفكير السابق إلى أن يترك الجهل الفني بدون
عقاب
والذي يعتبره الفقيه أحد الفروض التي تدخل تحت نطاق عدم الخبرة والإرادة ( Imperizia ).
ويرون علاوة على ذلك أن
الغلط إما أن يكون في التقدير ( Giudizio ) أو في التنفيذ ( Esecuzinoe )
عندما يتنبأ أو يتوقع
الجاني نتائج سلوكه وهذا الأمر يتعلق بالتوقيع ( Prevedillite )
المرتبط بمدى كفاية علاقة السببية الخاصة بالسلوك.[24][24]
ويؤكد البعض أيضاًَ أن
هناك فروضاًَ للخطأ لا تقابل فيها هذا الغلط كما هو حال سائق السيارة الذي
يصطدم
بأحد المارة لأنه قد غلبه النعاس، وكذلك في الحالات لتي يقع فيها الفعل
الضار بسبب
النسيان.[25][25][/color: