المقدمة :
حمداً
لله تعالى حق حمده والصلاة واتم التسليم على النبي العربي المبعوث رحمة وهداية فلا
نبي من بعده .
وبعد .. فهذا جهداً متواضعاً
اتقدمُ به للقارئ العربي والمسلم. وقد اجتهدت ان يكون هذا البحث متناغماً ويعايش
واقع العراق العربي المسلم الصابر المحتسب وهو يكابد الاحتلال الامريكي أشرس هجمة
لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وشلالات الدم العراقي المهراق على ايدي جنود الغزو.
وليكون هذا البحث سمة للمقأومة للاحتلال من وجهة الشريعة الإسلامية.
1- معنى الدفاع الشرعي الخاص (دفع الصائل) .
2- الدفاع الشرعي بين الشريعة والقانون .
3- شروط دفع الصائل .
4- حكم دفع الصائل .
عسى ان اكون موفقاً ومن الله تعالى
التوفيق .
معنى الدفاع
الشرعي الخاص أو (دفع
الصائل) :
إبتداءاً
الدفاع الشرعي الخاص في مفهوم الشريعة هو واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره
، وحقه في حماية ماله أو مال غيره من كل اعتداء حال غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع
هذا الاعتداء .
والدفاع هنا يتسم بوجهين هما الواجب والحق بدفع الاعتداء وليس بعقوبة على المعتدي وهنا
فان دفع الاعتداء لا يمنع من عقاب المعتدي على ما قام به من اعتداء على الغير وهذا
يعني ان رد الاعتداء واجب وحق لا يكفي عقوبة الاعتداء فيترتب على ذلك :
1- واجب رد العدوان والاعتداء
2- حق رد العدوان والاعتداء
3- العقوبة على العدوان والاعتداء
وقد اصطلح في الشريعة الإسلامية على
تسمية الدفاع الشرعي بدفع الصائل
وعلى تسمية المعتدي صائلاً
والمعتدى عليه مصولاً عليه.
وقد أقرت الشريعة الإسلامية دفع
الصائل ورد اعتداءه عن نفس الدافع أو ماله أو عرضه لذاته المخصوصة أو لغيره بدفع
الاعتداء على نفس الغير أو ماله أو عرضه. ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم)) البقرة:194. فلا خلاف بين الفقهاء في ان دفع الصائل هو تشريع لحماية
الانسان لنفسه ولغيره وللمال وللعرض لكنهم قد اختلفوا في التكييف الشرعي لدفع
الصائل من وجهين هما:
1- ماهية الدفاع
2- صيال الصبي والمجنون والحيوان
1- ماهية
الدفاع : لمعرفة ماهية الدفاع يستوجب الوقوف
عند آراء بعض فقهاء المذاهب الإسلامية في تعريف وتحديد وتطابق كنة الدفاع.
اتفق الفقهاء على أن دفع الصائل
واجب على المدافع في حالة الاعتداء على العرض والواجب هو الذي بذم تاركه ويُلام
شرعاً ويعاقب على تركه ويستوي هنا ان تكون العقوبة على الواجب دنيوية أو أخروية.
فالدفاع الواجب قد لا يعاقب على تركه عقوبة دنيوية ولكن تاركه يعتبر آثماً مستحقاً
للعقوبة الأخروية. فانعدام المسؤولية الجنائية على ترك الواجب لا يغير شيئاً من
طبيعة الواجب ولا يعفي من أدائه. فانعدام المسؤولية
الجنائية على ترك هذا الواجب لا يمكن أن تستوي بين الواجب وبين الحق. كون إن الحق
هو يتضمن التمييز بين الفعل والترك بينما الواجب لا يمكن التخيير فيه والشيء يقال
نفسه على :
1- صاحب الحق حيث لا يعتبر آثماً بالفعل أو الترك
2- الواجب وتارك الواجب يعتبر آثماً شرعاً .
أما من ناحية الدفاع عن النفس فنجد
الحنفية من ظاهر مذهبهم يتفق مع الرأي الغالب في مذهب مالك والشافعية (إن دفع الصائل عن النفس واجب). ورأي مالك والشافعي يتفق
مع الرأي المرجوح عند الإمام احمد كون دفع الصائل عن النفس جائز وليس واجباً.
والحجة في ذلك قول الرسول (r) : ( اجلسْ في بيتك فان خفت أن يبهرك شعاع السيف فغطِ وجهك). وفي لفظٍ آخر:
(فكن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل) وهذا الرأي
استناداً على تصرف الخليفة عثمان(t) إذ ترك
قتال من جاء لقتله وهو يعلم. أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين حالة الفتنة وغيرها
ويجعلون الدفاع جائزاً مطلقاً في حالة الفتنة. أما في غير حالة الفتنة فان
الحنابلة يجعلون الدفاع واجباً مطلقاً.
أما الدفع عن المال: رأى اغلب
الفقهاء أن الدفع عن المال يرونه جائزاً لا واجباً وللمعتدى عليه أن يدفع الصائل
إن شاء وان شاء أن لا يدفعه.
والفرق بين المال والنفس هو:
إن المال
هو ما يباح بالإباحة
إن النفس
فلا تباح بالإباحة
لكن بعض
العلماء والفقهاء يرون إن الدفع عن المال واجب إذا كان ما لا فيه روح ويستوي في ذلك
قتل مال المحجور عليه / الوقف / الوديعة أو كان مالاً للمدافع ولكن تعلق به حق للغير
كرهن أو إجارة.
ولكل ما تقدم إننا نرى إن ذلك يمكن
تسميته اصطلاحاً بالحرب الدفاعية العادلة كون إن الدفاع عن النفس والمال والعرض هو
حق وواجب يقتضيه العدل وبقدسيّة الدفاع كون إن
المقدس
في وظيفته الدفاعية من حيث هي وسيلة اضطرارية فالشريعة قد اباحت ذلك والقانون
الوضعي قد اقر ذلك .
2- صيال
الصبي والمجنون والحيوان: وهي
انه إذا صال الصبي أو شخص مجنون أو حيوان على إنسان يكون هذا الإنسان في حالة دفاع
كما يرى في ذلك مالك والشافعي واحمد . فإذا قتل الصبي أو المجنون أو الحيوان ولم
يكن المصال عليه في وسعه حماية نفسه من الصيال إلا بالقتل فلا مسؤولية عليه من الناحية
الجنائية أو المدنية والعلة في ذلك إن المصال عليه عندما قام بذلك فانه قد كان
يؤدي واجبه في دفع الصائل عن نفسه. أما الإمام أبو حنيفة (t) وأصحابه
عدا أبو يوسف فإنهم يرون أن يكون المصول عليه مسؤولاً عن دية الصبي والمجنون والحيوان
والحجة في ذلك إن الدفاع شرع لدفع الجرائم وعمل الصبي والمجنون والحيوان لا يعتبر
جريمة ومن هنا فلا وجود للدفع حسب رأيهم ولكن للمال عليه (المعتدى عليه) الحق في
قتل الصائل أو جرحه أو إيذائه على أساس (الضرورة الملجئة) علماً أن القاعدة تقول :
إن الضرورة الملجئة لا تعفي من الضمان وان أعفت من العقاب لان الدماء والأموال
معصومة ولان الأعذار الشرعية لا تنافي هذه العصمة .
ويرى أبو يوسف أن يكون المصول عليه
مسؤولاً عن قيمة الحيوان فقط أما فعل الصبي والمجنون فهو جريمة قد رُفع عنها
العقاب لانعدام الإدراك ويكون فعل المصال عليه حالة دفاع إذا صال عليه صبي أو
مجنون أما إذا صال الحيوان فيكون فعل المصال عليه ضرورة ملجئة. أما حجة القائلين
بقيام حالة الدفاع في كل حال: إن من واجب الإنسان أن يحمي نفسه ونفس غيره من كل
اعتداء يقع على النفس ومن حقه ومن واجبه أحياناً أن يحمي ماله ومال غيره من كل
اعتداء يقع على المال سواءاً كان الاعتداء جريمة أم لا .
إن فعل الاعتداء بذاته لا يحل دم
الصائل ولكنه يوجب على المصول عليه أو يوجب أو يجيز له أن يمنع الاعتداء فإذا لم
يكن في الإمكان منع الاعتداء إلا بالقتل فذلك هو القدر اللازم لرد الاعتداء. فمشروعية
منع الاعتداء هو الذي احلَّ دم الصائل وليس الاعتداء بذاته ومن ثم فليس من الضروري
ان يكون الاعتداء جريمة .
الدفاع الشرعي بين الشريعة والقانون
:
إن الشريعة الإسلامية قد بينت أن
دفع الصائل هو حق وواجب وشروطه ونطاقه والمسؤولية بنوعيها الجنائية والمدنية
والعقاب في حالة تجاوز الدفاع وحالة التكييف الشرعي للدفاع وقد ميزت الشريعة
السمحاء بين الدفاع الحق والدفاع الواجب . وهنا قد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية
بقرون وتحديداً منذ بداية القرن السابع الميلادي أما القوانين الوضعية وتطورها ومن
ثم استقرارها في القرن العشرين لذا نجد أن الشريعة الإسلامية قد حددت الدفاع
وعرفته بالدفاع الشرعي كونه لم يكن عقاباً يقع على المعتدي وإنما هو دفع لعدوانه
وهذا ما يتفق مع آراء اغلب فقهاء القانون الوضعي. أما تكييف الدفاع في القوانين
الوضعية فقد اختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة حسب تطور هذه القوانين وبيئتها
ونطاقها دونما إغفال تطور القوانين والشعوب المنتجة لها والمعترفة بها في بيئتها
ومدى إمكانية الأخذ بها في بيئات أخرى أو إقراراً أو قياساُ أو محاكاة أو اقتراباً
منها أو من روحها فقديماً كانوا يرون الدفاع هو حق مستمد من القانون الطبيعي لا
القانون الوضعي. وفي العصور الوسطى أُعتبر الدفاع حالة لا تمنع العقوبة ولكنها
تؤهل للعفو عن العقوبة . وفي القرن الثامن عشر تم تفسير الدفاع على انه :
( حالة
ضرورة تبيح للمرء أن يدافع عن نفسه بفسه وتنشأ الضرورة من عدم وجود حماية حاضرة من
الهيئة الاجتماعية )
وفي القرن التاسع عشر ثم تكييف
الدفاع على انه حالة من حالات الإكراه . لان الخطر المحدق بالمدافع يجعله عديم الاختيار. لان الجاني
يندفع بغريزته للمحافظة على حياته. وهنا قد أثيرت مسألة أن الدفاع قد انحصر في
نطاق أضيق تحدد بالدفاع عن النفس دونما الدفاع عن الغير ولا عن المال. وهذا ما أنتج
تبريراً للدفاع عن استعمال الحق أو أداء الواجب.
أما اليوم فإننا نجد أحدث الآراء
الفقهية في القانون الوضعي (إن
الدفاع استعمال لحق أباحه القانون الوضعي بل أداء الواجب لان من حق كل إنسان بل من
واجبه أن يعنى بالمحافظة على حياته وان يدافع عن نفسه وماله ، فضلاً عن ان الجماعة
لا مصلحة لها في العقاب لان المدافع ليس بالمجرم الذي يخشى على الجماعة من شره) .
وعليه فإننا نجد هنا :
1- الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية بقرون
بتحديد الدفاع واعتباره حقاً وواجباً.
2- الدفاع في الشريعة الإسلامية هو واجب في اغلب الحالات
وهو حق في بعضها .
3- القوانين الوضعية قد أقرت متأخرة إن الدفاع هو واجب .
4- القوانين الوضعية قد أخذت بالضرورة الملجئة من الشريعة
الإسلامية .
5- الشريعة الإسلامية اعتبرت فعل الصائل جريمة ورد الجريمة
هي حالة دفاع وهذا ما أخذت به القوانين الوضعية.
6- يرى شراح القوانين الوضعية إن استعمال حق الدفاع ضد
المجنون والطفل لان الدفاع الشرعي ليس عقاباً يقع على المعتدي وإنما هو دفع
لعدوانه وهذا ما يتفق مع الشريعة الإسلامية .
7- إن الدفاع عن الحيوان الصائل يستند إلى حق الدفاع الشرعي
وحالة الضرورة وهذا في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية
وهذا ما أجده من خلال البحث إن
الشريعة الإسلامية متقدمة زمانياً ومكانياً على القوانين الوضعية وان القوانين
الوضعية قد استندت على الشريعة الإسلامية بل ونهلت منها في ذلك ونجد حق الدفاع ورد
العدوان وحق الحياة والوجود أعلنتها مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام
1949 والملاحق اللاحقة لها وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي اعتبرت
أساساً في تشريعات القانون الدولي العام والخاص والمحددة للعلاقات الدولية والتي
أصبحت حاكمة في العلاقات الدولية في عالم اليوم ابتداءًا من معاهدة لاهاي وفرساي
وجنيف وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
نعم إن حق الدفاع ودفع الصائل حسب
المفهوم الإسلامي قد أقرته كل المعاهدات والاتفاقيات المواثيق الدولية تحت باب حق
الدفاع عن النفس وواجب صد العدوان واليوم نقف أمام الهجمة الأمريكية وانفرادها
بقطبية واحدة متحكمة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بمصير وحياة الشعوب ابتزازاً
سياسياً واقتصادياً وتهديداً واحتلالاً بقوة السلاح وأي سلاح إنه سلاح التدمير
والفتك والإبادة الجماعية. وحالة العراق اليوم بعد أن شنت الولايات المتحدة
الأمريكية حربها العدوانية على بلد وشعب لم يكن إطلاقاً مهدداً أو خطراً على
أمريكا الدولة والشعب وتم غزوه واحتلاله عسكرياً باستخدامية مفرطة لكل الأسلحة
المتطورة تكنولوجياً وتحصد الألوف من أبناء شعب العراق العربي المسلم وليقع العراق
أقليماً محتلاً يقتل أبناءه وتنهب ثرواته وتسرق خيراته ويتم تفكيك نظام دولته
ونسيجه الاجتماعي بعدوانية صائلة قائلة لشعبه شيوخاً وأطفالاً وليقف أبناء العراق
شامخين رادين هذا العدوان وصولة المعتدي على حاكمية :
1- شرعية : (رد الصائل هي حق وواجب شرعي)
2- وقانونية:
(حق الشعوب في الحياة ورد العدوان) ولتتحول مقاومة الأعداء والعدوان والاحتلال إلى
مقاومة متميزة عالمياً بإقرار الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية ...
وبالمقابل
نجد المتشدقين وأنصاف الرجال ورجالات الطابور الخامس يصفون المقاومة بالإرهاب .
اجل أنها مقاومة شرعية وإنها الدفاع الشرعي وإنها حق وواجب وإنها دفع الصائل.
شروط دفع
الصائل:
ان لدفع الصائل شروطاً يجب توفرها
كي يعتبر المصول عليه في حالة دفاع وهذه الشروط يمكن إجمالها:
أولاً: أن يكون هناك اعتداء أو عدوان .
ثانياً: أن يكون هذا الاعتداء حالاً .
ثالثاً: استحالة دفع الاعتداء بطرق أخرى .
رابعاً: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفع هذا الاعتداء .
أولاً: ان يكون هناك اعتداء أو عدوان: ليس للاعتداء حد مقدر فيصح أن يكون الاعتداء شديداً ويصح أن يكون بسيطاً
وهذه البساطة لا تمنع من الدفاع ولكنها
تفيد المدافع بان يكون دفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفعه. ويصح أن يكون الاعتداء
واقعاً على نفس الغير أو عرضه أو ماله وقد يقع على النفس بذاتها أو ماله كمن حاول
أن يقتل نفسه أو يقطع يده أو أن يتلف ماله.
وهنا يرى مالك والشافعي واحمد أن
يكون الاعتداء جريمة معاقباً عليها . ولكن يكفي أن يكون عملاً غير مشروع وليس من
الضروري في رأي هؤلاء الفقهاء أن يكون الصائل مسؤولاً جنائياً عن فعله فيصح أن
يكون الصائل مجنوناً أو طفلاً. ويكفي لقيام حالة الدفاع ان يكون فعل الصائل ايا
كان غير مشروع. أما أبو حنيفة وأصحابه فيشترطون أن يكون الاعتداء مما يعتبر جريمة
معاقباً عليها. وان يكون الصائل مسؤولاً جنائياً عنها وإلا كان الدفع قائماً على
حالة الضرورة. لكن أبو يوسف يخالفهم حيث يشترط أن يكون الفعل جريمة دون حاجة لان
يكون الصائل مسؤولاً عن الجريمة جنائياً وهذا الرأي يتفق مع نص القانون المصري
باشتراط أن يكون الفعل جريمة .
ثانياً: أن يكون الاعتداء حالاً: لا يمكن أن يكون المصول عليه في حالة الدفاع إلا إذا
كان الاعتداء حالاً. لان الدفاع لا يوجد إلا إذا تحقق الاعتداء في الفعل فحلول
الاعتداء هو الذي يخلق حالة الدفاع وهنا نجد ما يأتي :
1- الاعتداء المؤجل لا يخلق حالة الدفاع .
2- التهديد بالاعتداء لن يخلق حالة الدفاع .
3- الدفاع العاجل لا ولم يكن حالة دفاع بحجة الاحتماء من
الخطر.
ثالثاً: استحالة دفع الاعتداء بطريق آخر: يشترط لوجود وحلول حالة الدفاع أن لا تكون هناك وسيلة
أخرى ممكنة لدفع الصائل فإذا كان بالإمكان دفع الصائل بوسيلة أخرى غير الدفاع وجب
استعمالها. فإذا أهمل المصول عليه هذه الوسيلة بدفع الاعتداء فهو معتدٍ.
رابعاً: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لرده: يشترط في الدفاع أن يكون بالقدر اللازم لدفع الاعتداء.
فان زاد عن ذلك فهو اعتداء لا دفاع فالمصول عليه مقيد دائماً بان يدفع الاعتداء
بأيسر ما يندفع به. وليس له أن يدفعه بالكثير إذا كان يندفع بالقليل فمثلاً :
1- إذا كان للمصول عليه عصا فان علم أن ضربة العصا على
الصائل يمكن أن تبعده عليه بها فان أفرط باستخدام آلة حديد لغرض رده فان استخدام
آلة الحديد وهي آلة قاتلة بخلاف العصا. يكون المصول عليه في هذه الحالة معتدياً.
2- إذا قام المصول عليه
بضرب الصائل وقطع يده وهرب لا جريمة ولا عقاب عليه وان أثنى المصول عليه
بضربة ثابتة وقطع رجل الصائل فعلى المصول عليه القصاص والدية لان قطع الرجل مضمون
عليه القصاص والدية لأنه في حالة لا يجوز للمصول عليه أن يضرب الصائل... وهنا
اليسر في الدفع أولى .
ويقال في دفع المرأة عن نفسها فلا
شيء عليها (كحال امرأة راودها شخص فدفعت عن نفسها فقتلته لتدفع عن نفسها فلا شيء
عليها ).
حكم دفع
الصائل:
إن أفعال المدافع مباحة فلا
مسؤولية على المدافع من الناحية الجنائية لان الفعل هنا ليس بجريمة ولا مسؤولية
عليه من الناحية المدنية.
لأنه أتى فعلاً مباحاً وأدى واجباً
واستعمل حقاً قرره الشارع وأداء الواجبات واستعمال الحقوق لا يترتب عليه أية
مسؤولية أما إذا تعدى المدافع حقوق الدفاع المشروع فعمله جريمة يسأل عنها من الناحيتين
الجنائية والمدنية.
إن حكم دفع الصائل بالعدوان على
النفس والمال والعرض واجب شرعي وحق أقرته الشريعة الإسلامية وأحكام القوانين
الوضعية وآراء شُراحها فهي لا تكاد تختلف اليوم شيئاً عن أحكام الشريعة الإسلامية
التي أرست قواعداً لذلك قبل ظهور المجتمعات المدنية الحديثة ونتاجها للقوانين
الوضعية ولقواعد حقوق الإنسان والقوانين الدولية الحاكمة في عالم اليوم. ولهذا فان
حكم الدفاع في الشريعة الإسلامية هي نفسها نجدها اليوم في القوانين الوضعية التي
تجعل العقل مباحاً ولا ترتب مسؤولية جنائية أو مدنية على المدافع إلا في حالة
تجاوز الدفاع. إن عالم اليوم نجد فيه مشروعية الدفاع أمام العداون وحق الشعوب في
النضال ضد العدوان الخارجي وحقها في ذلك فنصوص عليه في كل الشرائع والقوانين
والمواثيق والمعاهدات الدولية وهذا بالأساس هو ما جاءت به الشريعة الإسلامية في صد
الصائل ودفعه ورده إن مقاومة العدوان هو دفع الصائل بوجود حالة الدفاع الشرعي
وعليه فقيام حالة الدفاع الشرعي برد الصائل لا تحتاج إلى فتوى لقيام حالة الدفاع
(المقاومة) لان رد الصائل عدوانياً هي بذاتها مشروعة بحكم دفع صائل قائم باعتداء .
الخاتمة:
لقد وجدت أن الشريعة الإسلامية قد
أرست للإنسانية قواعد للحياة الإنسانية وعصمت النفس البشرية من الاعتداء عليها تحت
ذرائع متعددة يراد بها تعطيل الحياة وقد كرست هذه الشريعة السمحاء حق النفس في
الحياة والوجود بكرامة على
قاعدة إن النفس البشرية معصومة بخلقها من روح الله تعالى .
نعم
لقد حمت الشريعة الإسلامية النفس البشرية (الإنسان) من العدوان فحمت نفسه وصانت
عرضه حفاظاً على سلامة ونقاء النسل وتحصين النسب وقدسته أيما تقديس وحفظت له
كرامته وحقه في الوجود ليعيش إنسانية بحرية وكرامة وصانت كذلك أمواله فاعتبرت
المال الخاص مقدساً لتسجل للبشرية قدسية مضافة للإنسان وهي حق الملكية الخاصة
وأحاطتها بالقدسية التي أوجبت حق ووجوب الدفاع عنهما عبر تلازمية شرعية. حق النفس
البشرية في الحياة وحق ووجوب الدفاع عن المال والعرض وكذلك تجردت الشريعة الإسلامية
عن تقديس الأنا البشرية بحاكمية (النفس أمارة بالسوء) فأوجدت قواعد الحياة الجماعية فأعطت وألزمت الدفاع عن
الجماعة فصار حق الدفاع عن الجماعة حقاً وواجباً وأوجدت العقاب عن جريمة عدم رد
العدوان عن المجموع فأرست بذلك لحياة اجتماعية بوعي جمعي عبر تكافلية جماعية (خير الناس من نفع الناس) .
وهنا لا بد من الإشارة لوجوب دفع العدوان
ومقاومته جماعياً بحكم التكليف الشرعي . فكيف بنا نحن أبناء العراق أمام حالة
العدو الصائل على النفس والمال والعرض فرد العدوان ومقاومته واجبة ولازمة وحق شرعي
وبكفالة كل القوانين الوضعية المشرعة دولياً لمشروعية وشرعية مقاومة العدوان
والاحتلال !!
عسى أن أكون موفقاً في هذه الدراسة
واطلب من الله تعالى السؤدد.
حمداً
لله تعالى حق حمده والصلاة واتم التسليم على النبي العربي المبعوث رحمة وهداية فلا
نبي من بعده .
وبعد .. فهذا جهداً متواضعاً
اتقدمُ به للقارئ العربي والمسلم. وقد اجتهدت ان يكون هذا البحث متناغماً ويعايش
واقع العراق العربي المسلم الصابر المحتسب وهو يكابد الاحتلال الامريكي أشرس هجمة
لم يعرف لها التاريخ مثيلاً وشلالات الدم العراقي المهراق على ايدي جنود الغزو.
وليكون هذا البحث سمة للمقأومة للاحتلال من وجهة الشريعة الإسلامية.
1- معنى الدفاع الشرعي الخاص (دفع الصائل) .
2- الدفاع الشرعي بين الشريعة والقانون .
3- شروط دفع الصائل .
4- حكم دفع الصائل .
عسى ان اكون موفقاً ومن الله تعالى
التوفيق .
معنى الدفاع
الشرعي الخاص أو (دفع
الصائل) :
إبتداءاً
الدفاع الشرعي الخاص في مفهوم الشريعة هو واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره
، وحقه في حماية ماله أو مال غيره من كل اعتداء حال غير مشروع بالقوة اللازمة لدفع
هذا الاعتداء .
والدفاع هنا يتسم بوجهين هما الواجب والحق بدفع الاعتداء وليس بعقوبة على المعتدي وهنا
فان دفع الاعتداء لا يمنع من عقاب المعتدي على ما قام به من اعتداء على الغير وهذا
يعني ان رد الاعتداء واجب وحق لا يكفي عقوبة الاعتداء فيترتب على ذلك :
1- واجب رد العدوان والاعتداء
2- حق رد العدوان والاعتداء
3- العقوبة على العدوان والاعتداء
وقد اصطلح في الشريعة الإسلامية على
تسمية الدفاع الشرعي بدفع الصائل
وعلى تسمية المعتدي صائلاً
والمعتدى عليه مصولاً عليه.
وقد أقرت الشريعة الإسلامية دفع
الصائل ورد اعتداءه عن نفس الدافع أو ماله أو عرضه لذاته المخصوصة أو لغيره بدفع
الاعتداء على نفس الغير أو ماله أو عرضه. ((فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم)) البقرة:194. فلا خلاف بين الفقهاء في ان دفع الصائل هو تشريع لحماية
الانسان لنفسه ولغيره وللمال وللعرض لكنهم قد اختلفوا في التكييف الشرعي لدفع
الصائل من وجهين هما:
1- ماهية الدفاع
2- صيال الصبي والمجنون والحيوان
1- ماهية
الدفاع : لمعرفة ماهية الدفاع يستوجب الوقوف
عند آراء بعض فقهاء المذاهب الإسلامية في تعريف وتحديد وتطابق كنة الدفاع.
اتفق الفقهاء على أن دفع الصائل
واجب على المدافع في حالة الاعتداء على العرض والواجب هو الذي بذم تاركه ويُلام
شرعاً ويعاقب على تركه ويستوي هنا ان تكون العقوبة على الواجب دنيوية أو أخروية.
فالدفاع الواجب قد لا يعاقب على تركه عقوبة دنيوية ولكن تاركه يعتبر آثماً مستحقاً
للعقوبة الأخروية. فانعدام المسؤولية الجنائية على ترك الواجب لا يغير شيئاً من
طبيعة الواجب ولا يعفي من أدائه. فانعدام المسؤولية
الجنائية على ترك هذا الواجب لا يمكن أن تستوي بين الواجب وبين الحق. كون إن الحق
هو يتضمن التمييز بين الفعل والترك بينما الواجب لا يمكن التخيير فيه والشيء يقال
نفسه على :
1- صاحب الحق حيث لا يعتبر آثماً بالفعل أو الترك
2- الواجب وتارك الواجب يعتبر آثماً شرعاً .
أما من ناحية الدفاع عن النفس فنجد
الحنفية من ظاهر مذهبهم يتفق مع الرأي الغالب في مذهب مالك والشافعية (إن دفع الصائل عن النفس واجب). ورأي مالك والشافعي يتفق
مع الرأي المرجوح عند الإمام احمد كون دفع الصائل عن النفس جائز وليس واجباً.
والحجة في ذلك قول الرسول (r) : ( اجلسْ في بيتك فان خفت أن يبهرك شعاع السيف فغطِ وجهك). وفي لفظٍ آخر:
(فكن عبدالله المقتول ولا تكن عبدالله القاتل) وهذا الرأي
استناداً على تصرف الخليفة عثمان(t) إذ ترك
قتال من جاء لقتله وهو يعلم. أما الحنابلة فإنهم يفرقون بين حالة الفتنة وغيرها
ويجعلون الدفاع جائزاً مطلقاً في حالة الفتنة. أما في غير حالة الفتنة فان
الحنابلة يجعلون الدفاع واجباً مطلقاً.
أما الدفع عن المال: رأى اغلب
الفقهاء أن الدفع عن المال يرونه جائزاً لا واجباً وللمعتدى عليه أن يدفع الصائل
إن شاء وان شاء أن لا يدفعه.
والفرق بين المال والنفس هو:
إن المال
هو ما يباح بالإباحة
إن النفس
فلا تباح بالإباحة
لكن بعض
العلماء والفقهاء يرون إن الدفع عن المال واجب إذا كان ما لا فيه روح ويستوي في ذلك
قتل مال المحجور عليه / الوقف / الوديعة أو كان مالاً للمدافع ولكن تعلق به حق للغير
كرهن أو إجارة.
ولكل ما تقدم إننا نرى إن ذلك يمكن
تسميته اصطلاحاً بالحرب الدفاعية العادلة كون إن الدفاع عن النفس والمال والعرض هو
حق وواجب يقتضيه العدل وبقدسيّة الدفاع كون إن
المقدس
في وظيفته الدفاعية من حيث هي وسيلة اضطرارية فالشريعة قد اباحت ذلك والقانون
الوضعي قد اقر ذلك .
2- صيال
الصبي والمجنون والحيوان: وهي
انه إذا صال الصبي أو شخص مجنون أو حيوان على إنسان يكون هذا الإنسان في حالة دفاع
كما يرى في ذلك مالك والشافعي واحمد . فإذا قتل الصبي أو المجنون أو الحيوان ولم
يكن المصال عليه في وسعه حماية نفسه من الصيال إلا بالقتل فلا مسؤولية عليه من الناحية
الجنائية أو المدنية والعلة في ذلك إن المصال عليه عندما قام بذلك فانه قد كان
يؤدي واجبه في دفع الصائل عن نفسه. أما الإمام أبو حنيفة (t) وأصحابه
عدا أبو يوسف فإنهم يرون أن يكون المصول عليه مسؤولاً عن دية الصبي والمجنون والحيوان
والحجة في ذلك إن الدفاع شرع لدفع الجرائم وعمل الصبي والمجنون والحيوان لا يعتبر
جريمة ومن هنا فلا وجود للدفع حسب رأيهم ولكن للمال عليه (المعتدى عليه) الحق في
قتل الصائل أو جرحه أو إيذائه على أساس (الضرورة الملجئة) علماً أن القاعدة تقول :
إن الضرورة الملجئة لا تعفي من الضمان وان أعفت من العقاب لان الدماء والأموال
معصومة ولان الأعذار الشرعية لا تنافي هذه العصمة .
ويرى أبو يوسف أن يكون المصول عليه
مسؤولاً عن قيمة الحيوان فقط أما فعل الصبي والمجنون فهو جريمة قد رُفع عنها
العقاب لانعدام الإدراك ويكون فعل المصال عليه حالة دفاع إذا صال عليه صبي أو
مجنون أما إذا صال الحيوان فيكون فعل المصال عليه ضرورة ملجئة. أما حجة القائلين
بقيام حالة الدفاع في كل حال: إن من واجب الإنسان أن يحمي نفسه ونفس غيره من كل
اعتداء يقع على النفس ومن حقه ومن واجبه أحياناً أن يحمي ماله ومال غيره من كل
اعتداء يقع على المال سواءاً كان الاعتداء جريمة أم لا .
إن فعل الاعتداء بذاته لا يحل دم
الصائل ولكنه يوجب على المصول عليه أو يوجب أو يجيز له أن يمنع الاعتداء فإذا لم
يكن في الإمكان منع الاعتداء إلا بالقتل فذلك هو القدر اللازم لرد الاعتداء. فمشروعية
منع الاعتداء هو الذي احلَّ دم الصائل وليس الاعتداء بذاته ومن ثم فليس من الضروري
ان يكون الاعتداء جريمة .
الدفاع الشرعي بين الشريعة والقانون
:
إن الشريعة الإسلامية قد بينت أن
دفع الصائل هو حق وواجب وشروطه ونطاقه والمسؤولية بنوعيها الجنائية والمدنية
والعقاب في حالة تجاوز الدفاع وحالة التكييف الشرعي للدفاع وقد ميزت الشريعة
السمحاء بين الدفاع الحق والدفاع الواجب . وهنا قد سبقت الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية
بقرون وتحديداً منذ بداية القرن السابع الميلادي أما القوانين الوضعية وتطورها ومن
ثم استقرارها في القرن العشرين لذا نجد أن الشريعة الإسلامية قد حددت الدفاع
وعرفته بالدفاع الشرعي كونه لم يكن عقاباً يقع على المعتدي وإنما هو دفع لعدوانه
وهذا ما يتفق مع آراء اغلب فقهاء القانون الوضعي. أما تكييف الدفاع في القوانين
الوضعية فقد اختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة حسب تطور هذه القوانين وبيئتها
ونطاقها دونما إغفال تطور القوانين والشعوب المنتجة لها والمعترفة بها في بيئتها
ومدى إمكانية الأخذ بها في بيئات أخرى أو إقراراً أو قياساُ أو محاكاة أو اقتراباً
منها أو من روحها فقديماً كانوا يرون الدفاع هو حق مستمد من القانون الطبيعي لا
القانون الوضعي. وفي العصور الوسطى أُعتبر الدفاع حالة لا تمنع العقوبة ولكنها
تؤهل للعفو عن العقوبة . وفي القرن الثامن عشر تم تفسير الدفاع على انه :
( حالة
ضرورة تبيح للمرء أن يدافع عن نفسه بفسه وتنشأ الضرورة من عدم وجود حماية حاضرة من
الهيئة الاجتماعية )
وفي القرن التاسع عشر ثم تكييف
الدفاع على انه حالة من حالات الإكراه . لان الخطر المحدق بالمدافع يجعله عديم الاختيار. لان الجاني
يندفع بغريزته للمحافظة على حياته. وهنا قد أثيرت مسألة أن الدفاع قد انحصر في
نطاق أضيق تحدد بالدفاع عن النفس دونما الدفاع عن الغير ولا عن المال. وهذا ما أنتج
تبريراً للدفاع عن استعمال الحق أو أداء الواجب.
أما اليوم فإننا نجد أحدث الآراء
الفقهية في القانون الوضعي (إن
الدفاع استعمال لحق أباحه القانون الوضعي بل أداء الواجب لان من حق كل إنسان بل من
واجبه أن يعنى بالمحافظة على حياته وان يدافع عن نفسه وماله ، فضلاً عن ان الجماعة
لا مصلحة لها في العقاب لان المدافع ليس بالمجرم الذي يخشى على الجماعة من شره) .
وعليه فإننا نجد هنا :
1- الشريعة الإسلامية قد سبقت القوانين الوضعية بقرون
بتحديد الدفاع واعتباره حقاً وواجباً.
2- الدفاع في الشريعة الإسلامية هو واجب في اغلب الحالات
وهو حق في بعضها .
3- القوانين الوضعية قد أقرت متأخرة إن الدفاع هو واجب .
4- القوانين الوضعية قد أخذت بالضرورة الملجئة من الشريعة
الإسلامية .
5- الشريعة الإسلامية اعتبرت فعل الصائل جريمة ورد الجريمة
هي حالة دفاع وهذا ما أخذت به القوانين الوضعية.
6- يرى شراح القوانين الوضعية إن استعمال حق الدفاع ضد
المجنون والطفل لان الدفاع الشرعي ليس عقاباً يقع على المعتدي وإنما هو دفع
لعدوانه وهذا ما يتفق مع الشريعة الإسلامية .
7- إن الدفاع عن الحيوان الصائل يستند إلى حق الدفاع الشرعي
وحالة الضرورة وهذا في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية
وهذا ما أجده من خلال البحث إن
الشريعة الإسلامية متقدمة زمانياً ومكانياً على القوانين الوضعية وان القوانين
الوضعية قد استندت على الشريعة الإسلامية بل ونهلت منها في ذلك ونجد حق الدفاع ورد
العدوان وحق الحياة والوجود أعلنتها مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام
1949 والملاحق اللاحقة لها وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي اعتبرت
أساساً في تشريعات القانون الدولي العام والخاص والمحددة للعلاقات الدولية والتي
أصبحت حاكمة في العلاقات الدولية في عالم اليوم ابتداءًا من معاهدة لاهاي وفرساي
وجنيف وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.
نعم إن حق الدفاع ودفع الصائل حسب
المفهوم الإسلامي قد أقرته كل المعاهدات والاتفاقيات المواثيق الدولية تحت باب حق
الدفاع عن النفس وواجب صد العدوان واليوم نقف أمام الهجمة الأمريكية وانفرادها
بقطبية واحدة متحكمة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بمصير وحياة الشعوب ابتزازاً
سياسياً واقتصادياً وتهديداً واحتلالاً بقوة السلاح وأي سلاح إنه سلاح التدمير
والفتك والإبادة الجماعية. وحالة العراق اليوم بعد أن شنت الولايات المتحدة
الأمريكية حربها العدوانية على بلد وشعب لم يكن إطلاقاً مهدداً أو خطراً على
أمريكا الدولة والشعب وتم غزوه واحتلاله عسكرياً باستخدامية مفرطة لكل الأسلحة
المتطورة تكنولوجياً وتحصد الألوف من أبناء شعب العراق العربي المسلم وليقع العراق
أقليماً محتلاً يقتل أبناءه وتنهب ثرواته وتسرق خيراته ويتم تفكيك نظام دولته
ونسيجه الاجتماعي بعدوانية صائلة قائلة لشعبه شيوخاً وأطفالاً وليقف أبناء العراق
شامخين رادين هذا العدوان وصولة المعتدي على حاكمية :
1- شرعية : (رد الصائل هي حق وواجب شرعي)
2- وقانونية:
(حق الشعوب في الحياة ورد العدوان) ولتتحول مقاومة الأعداء والعدوان والاحتلال إلى
مقاومة متميزة عالمياً بإقرار الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية ...
وبالمقابل
نجد المتشدقين وأنصاف الرجال ورجالات الطابور الخامس يصفون المقاومة بالإرهاب .
اجل أنها مقاومة شرعية وإنها الدفاع الشرعي وإنها حق وواجب وإنها دفع الصائل.
شروط دفع
الصائل:
ان لدفع الصائل شروطاً يجب توفرها
كي يعتبر المصول عليه في حالة دفاع وهذه الشروط يمكن إجمالها:
أولاً: أن يكون هناك اعتداء أو عدوان .
ثانياً: أن يكون هذا الاعتداء حالاً .
ثالثاً: استحالة دفع الاعتداء بطرق أخرى .
رابعاً: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفع هذا الاعتداء .
أولاً: ان يكون هناك اعتداء أو عدوان: ليس للاعتداء حد مقدر فيصح أن يكون الاعتداء شديداً ويصح أن يكون بسيطاً
وهذه البساطة لا تمنع من الدفاع ولكنها
تفيد المدافع بان يكون دفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفعه. ويصح أن يكون الاعتداء
واقعاً على نفس الغير أو عرضه أو ماله وقد يقع على النفس بذاتها أو ماله كمن حاول
أن يقتل نفسه أو يقطع يده أو أن يتلف ماله.
وهنا يرى مالك والشافعي واحمد أن
يكون الاعتداء جريمة معاقباً عليها . ولكن يكفي أن يكون عملاً غير مشروع وليس من
الضروري في رأي هؤلاء الفقهاء أن يكون الصائل مسؤولاً جنائياً عن فعله فيصح أن
يكون الصائل مجنوناً أو طفلاً. ويكفي لقيام حالة الدفاع ان يكون فعل الصائل ايا
كان غير مشروع. أما أبو حنيفة وأصحابه فيشترطون أن يكون الاعتداء مما يعتبر جريمة
معاقباً عليها. وان يكون الصائل مسؤولاً جنائياً عنها وإلا كان الدفع قائماً على
حالة الضرورة. لكن أبو يوسف يخالفهم حيث يشترط أن يكون الفعل جريمة دون حاجة لان
يكون الصائل مسؤولاً عن الجريمة جنائياً وهذا الرأي يتفق مع نص القانون المصري
باشتراط أن يكون الفعل جريمة .
ثانياً: أن يكون الاعتداء حالاً: لا يمكن أن يكون المصول عليه في حالة الدفاع إلا إذا
كان الاعتداء حالاً. لان الدفاع لا يوجد إلا إذا تحقق الاعتداء في الفعل فحلول
الاعتداء هو الذي يخلق حالة الدفاع وهنا نجد ما يأتي :
1- الاعتداء المؤجل لا يخلق حالة الدفاع .
2- التهديد بالاعتداء لن يخلق حالة الدفاع .
3- الدفاع العاجل لا ولم يكن حالة دفاع بحجة الاحتماء من
الخطر.
ثالثاً: استحالة دفع الاعتداء بطريق آخر: يشترط لوجود وحلول حالة الدفاع أن لا تكون هناك وسيلة
أخرى ممكنة لدفع الصائل فإذا كان بالإمكان دفع الصائل بوسيلة أخرى غير الدفاع وجب
استعمالها. فإذا أهمل المصول عليه هذه الوسيلة بدفع الاعتداء فهو معتدٍ.
رابعاً: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لرده: يشترط في الدفاع أن يكون بالقدر اللازم لدفع الاعتداء.
فان زاد عن ذلك فهو اعتداء لا دفاع فالمصول عليه مقيد دائماً بان يدفع الاعتداء
بأيسر ما يندفع به. وليس له أن يدفعه بالكثير إذا كان يندفع بالقليل فمثلاً :
1- إذا كان للمصول عليه عصا فان علم أن ضربة العصا على
الصائل يمكن أن تبعده عليه بها فان أفرط باستخدام آلة حديد لغرض رده فان استخدام
آلة الحديد وهي آلة قاتلة بخلاف العصا. يكون المصول عليه في هذه الحالة معتدياً.
2- إذا قام المصول عليه
بضرب الصائل وقطع يده وهرب لا جريمة ولا عقاب عليه وان أثنى المصول عليه
بضربة ثابتة وقطع رجل الصائل فعلى المصول عليه القصاص والدية لان قطع الرجل مضمون
عليه القصاص والدية لأنه في حالة لا يجوز للمصول عليه أن يضرب الصائل... وهنا
اليسر في الدفع أولى .
ويقال في دفع المرأة عن نفسها فلا
شيء عليها (كحال امرأة راودها شخص فدفعت عن نفسها فقتلته لتدفع عن نفسها فلا شيء
عليها ).
حكم دفع
الصائل:
إن أفعال المدافع مباحة فلا
مسؤولية على المدافع من الناحية الجنائية لان الفعل هنا ليس بجريمة ولا مسؤولية
عليه من الناحية المدنية.
لأنه أتى فعلاً مباحاً وأدى واجباً
واستعمل حقاً قرره الشارع وأداء الواجبات واستعمال الحقوق لا يترتب عليه أية
مسؤولية أما إذا تعدى المدافع حقوق الدفاع المشروع فعمله جريمة يسأل عنها من الناحيتين
الجنائية والمدنية.
إن حكم دفع الصائل بالعدوان على
النفس والمال والعرض واجب شرعي وحق أقرته الشريعة الإسلامية وأحكام القوانين
الوضعية وآراء شُراحها فهي لا تكاد تختلف اليوم شيئاً عن أحكام الشريعة الإسلامية
التي أرست قواعداً لذلك قبل ظهور المجتمعات المدنية الحديثة ونتاجها للقوانين
الوضعية ولقواعد حقوق الإنسان والقوانين الدولية الحاكمة في عالم اليوم. ولهذا فان
حكم الدفاع في الشريعة الإسلامية هي نفسها نجدها اليوم في القوانين الوضعية التي
تجعل العقل مباحاً ولا ترتب مسؤولية جنائية أو مدنية على المدافع إلا في حالة
تجاوز الدفاع. إن عالم اليوم نجد فيه مشروعية الدفاع أمام العداون وحق الشعوب في
النضال ضد العدوان الخارجي وحقها في ذلك فنصوص عليه في كل الشرائع والقوانين
والمواثيق والمعاهدات الدولية وهذا بالأساس هو ما جاءت به الشريعة الإسلامية في صد
الصائل ودفعه ورده إن مقاومة العدوان هو دفع الصائل بوجود حالة الدفاع الشرعي
وعليه فقيام حالة الدفاع الشرعي برد الصائل لا تحتاج إلى فتوى لقيام حالة الدفاع
(المقاومة) لان رد الصائل عدوانياً هي بذاتها مشروعة بحكم دفع صائل قائم باعتداء .
الخاتمة:
لقد وجدت أن الشريعة الإسلامية قد
أرست للإنسانية قواعد للحياة الإنسانية وعصمت النفس البشرية من الاعتداء عليها تحت
ذرائع متعددة يراد بها تعطيل الحياة وقد كرست هذه الشريعة السمحاء حق النفس في
الحياة والوجود بكرامة على
قاعدة إن النفس البشرية معصومة بخلقها من روح الله تعالى .
نعم
لقد حمت الشريعة الإسلامية النفس البشرية (الإنسان) من العدوان فحمت نفسه وصانت
عرضه حفاظاً على سلامة ونقاء النسل وتحصين النسب وقدسته أيما تقديس وحفظت له
كرامته وحقه في الوجود ليعيش إنسانية بحرية وكرامة وصانت كذلك أمواله فاعتبرت
المال الخاص مقدساً لتسجل للبشرية قدسية مضافة للإنسان وهي حق الملكية الخاصة
وأحاطتها بالقدسية التي أوجبت حق ووجوب الدفاع عنهما عبر تلازمية شرعية. حق النفس
البشرية في الحياة وحق ووجوب الدفاع عن المال والعرض وكذلك تجردت الشريعة الإسلامية
عن تقديس الأنا البشرية بحاكمية (النفس أمارة بالسوء) فأوجدت قواعد الحياة الجماعية فأعطت وألزمت الدفاع عن
الجماعة فصار حق الدفاع عن الجماعة حقاً وواجباً وأوجدت العقاب عن جريمة عدم رد
العدوان عن المجموع فأرست بذلك لحياة اجتماعية بوعي جمعي عبر تكافلية جماعية (خير الناس من نفع الناس) .
وهنا لا بد من الإشارة لوجوب دفع العدوان
ومقاومته جماعياً بحكم التكليف الشرعي . فكيف بنا نحن أبناء العراق أمام حالة
العدو الصائل على النفس والمال والعرض فرد العدوان ومقاومته واجبة ولازمة وحق شرعي
وبكفالة كل القوانين الوضعية المشرعة دولياً لمشروعية وشرعية مقاومة العدوان
والاحتلال !!
عسى أن أكون موفقاً في هذه الدراسة
واطلب من الله تعالى السؤدد.