المقدمة
:
ان الدفاع الشرعي العام هو المسمى
اصطلاحاً وشرعاً هو قاعدة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر .
وقد وردت بها الايات والاحاديث
النبوية الشريفة وقوله تعالى : (( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر )) والأمةهنا لغة هي الجماعة والرجل الواحد.
وفي الحديث النبوي الشريف :
((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده
فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ))
وهنا نجد التقييد على النهي عن
المنكر اذا كان الا بمقاتلة أو سلاح فليتركه لان ذلك من واجب السلطان درئاً للفتنة
وعصمة من الفساد.
اما اللسان فهو واجب العلماء ، اما
القلب فهو للضعفاء .
ان الدفاع الشرعي العام (قاعدة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لا
يختلف عن الدفاع الشرعي الخاص (رد أو دفع الصائل ) حيث ان الاسس التي يقومان
عليهما واحدة والاحكام واحدة فهما لا يكادان يختلفان الا في بعض التفاصيل. وهنا
نجد التفرقة بينهما من ناحية الموضوع فالدفاع الشرعي الخاص (دفع الصائل) موضوعه هو
كل اعتداء أو كل صيال أو هجوم يمس سلامة الانسان أوعرضه أو ماله. وهذا ما يسمى
بدفع الصائل.
اما موضوع الدفاع الشرعي العام ما
يمس حقوق الجماعة وأمنها ونظامها. والفقه الاسلامي لايفرق بين قانون عام وخاص
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يمكن
ان يسلم به لجماعة أو دولة على انفراد وتستبد به استبداداً مفرطاً بدعوى تطبيقه
على اهوائها ووفقاً لمشيئتها انطلاقاً من مصالحها النفعية الضيقة يدفعها غرور
ورغبة السيطرة والتوسع وحتى الانتقام. وهنا لابد ان تناط ممارسة سلطة تطبيقه لهيئة
لها النيابة عن الجماعة وفق الشروط المحددة وصفات خاصة بحاكمية الشورى حفاظاً على
الجماعة ودرء المفاسد عن الأمةوجلب المصالح والمنافع سواءاً كانت منها العلاقات
السلمية الداخلية أو الخارجية في عالم اليوم ولما يسمى العلاقات الخارجية
(الدولية) . واننا نرى ان تقوم هذه العلاقات على ما يأتي:
1- مراعاة العدل في العلاقات الدولية .
2- النيابة الصادقة عن الجماعة .
3- استعمال واجب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر في مصلحة الجماعة.
ان قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما يتفق معظم
الفقهاء ليست حقاً للافراد يأتونها متى شاءوا أو يتركوها اذا شاءوا وليس مندوباً
اليه يحسن بالافراد اتيانه وعدم تركه. وانما هو واجب على الافراد ليس لهم ان
يتخلوا عن ادائه بل هي فرض لامحيص للافراد من القيام باعباءه. لقد أوجبت الشريعة
الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر لتقوم الجماعة على الخير والصلاح والفضائل. فما أحرانا اليوم ونحن في ظل الاحتلال
الأمر يكي لبلدنا الصابر المحتسب للاخذ الايجابي بقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخذاً اصلاحاً وتحصيناً
لمجتمعنا في خضم التنازع و التفكيك الاجتماعي لشعبنا العراقي الصابر المحتسب وفق
أجندة الاحتلال الأمر يكي.
ماهية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الاصل
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله
تعالى في سورة آل عمران الاية 104:(( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))
وكذلك الاية 110 من سورة آل عمران( كنتم خير امة أُخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر )).
فالمعروف هو كل قول أو فعل ينبغي قوله أو فعله طبقاً لنصوص
الشريعة الإسلامية وروحها مثل : التخلق بالأخلاق الفاضلة ، العفو عند المقدرة ،
الإصلاح بين المتخاصمين ، الاحسان الى الفقراء والمساكين ، نصرة المظلوم ، فض
المنازعات بين الخصوم في الحكم والقضاء ، وأعمال الخير وإغاثة المحتاجين .
أما المنكر هو كل معصية حرمتها الشريعة الإسلامية سواءاً وقعت
وأصبحت واقعة من مكلف بالتكاليف الشرعية أو غير مكلف. والمنكر عند بعض الفقهاء هو
كل محذور الوقوع في الشرع كما جاء في رأي الإمام الغزالي. (إحياء علوم الدين
المجلد الثاني ج7 ص35) .
وجاءت محذور الوقوع تفضيلاً على
التغيير بالمعصية لان المنكر عند هؤلاء الفقهاء اعم من المعصية وان المعصية بلا
عاصٍ محال .
إن الأمر بالمعروف قد يكون قولاً كالدعوة بالتبرع للناس
في حالات الكوارث والنكبات أو الدعوة للجهاد والحض عليه .
وقد يجمع القول والفعل معاً مثل
الدعوة للجهاد أو الانضمام إلى المجاهدين وسلك سلوكهم وكذلك الدعوة إلى إخراج
الزكاة وخروج الداعي لها فعلاً .
أما النهي عن المنكر فقد يكون
قولاً محضاً كالنهي عن شرب الخمر ويكون الفعل ملازماً للقول بإراقة الخمر ومنع
تعاطيها بالقوة. فإذا كان النهي عن المنكر قولاً فهو في هذه الحالة يأخذ صفة النهر
عن المنكر أما إذا كان عملاً فهو تغيير المنكر.
إن الأمر بالمعروف وفق الشريعة الإسلامية هو الترغيب
فيما ينبغي عمله أو قوله . والنهي عن المنكر هو الترغيب في ترك ما ينبغي تركه. أو
أن يكون التغيير في ما ينبغي تركه طبقاً لقواعد الشريعة الإسلامية. (الفخر الرازي
ج3 ص20)
التكليف الشرعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إنّ الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ليس حقاً للأفراد يأتونه متى شاءوا ويتركونه متى شاءوا
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس
مندوباً إليه يحسن بالأفراد إتيانه وعدم تركه. بل الأمر بالمعروف هو واجب على الأفراد ليس لهم ان
يتخلوا عن أدائه بل هو فرض لا محيص لهم عن القيام بأعبائه. والشريعة الإسلامية قد
أوجبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
صوناً للجماعة ولتقوم قواعد وأركان الخير في المجتمع. ولتسود الفضيلة بين الناس
وتنحسر المعاصي. فبالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر تجلب المنافع وتدرأ المفاسد فالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية فردية وجماعية وعلى القائم بالأمر (السلطة – الحكومة) والفقهاء في الأمةالإسلامية
قد اتفقوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر إلا إنهم قد أختلفوا في تحديد هذا الواجب من وجهين:
1- صفة الواجب 2- فيمن يلزمهم هذا الواجب
صفة الواجب : وهنا قد انقسم
الفقهاء إلى فريقين
الأول يقول: ان الواجب فرض عين أي
انه واجب محتم وعلى كل مسلم ومسلمة ان يؤديه على قدر استطاعته وهو عندهم كالحج رغم
إن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عندهم أكبر من الحج لان الاستطاعة هنا محكمة ومستطاعة دائماً لجميع الافراد. ويرى
اصحاب هذا الرأي انه فرض عين ما هو إلا حفاظاً للأمة من التحلل والفساد وصونها.
الفريق الثاني يرى : إنّ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من
فروض الكفاية كالجهاد فهو واجب حتم على كل مسلم وبالامكان قيام الغير به لانه واجب
على البعض لا على الكل . فالاختلاف هنا فيمن يلزمهم الواجب فيرى جمهرة الفقهاء إنّ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على
كل أفراد الأمةلقوله تعالى ( كنتم خير امة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون
عن المنكر)). ويرى البعض إنّ واجب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر لا يقع إلا على عاتق القادرين على أدائه وهم علماء الأمةدون
غيرهم. وحجتهم إنّ الجاهل ربما يقوم بالنهي عن المعروف والأمر بالمنكر وقد يكون غليظاً في موقع اللين وليناً
في موقع الغلظة وأصحاب هذا الرأي من القائلين إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فرض كفاية وعندهم
انه ما دام الواجب على الكفاية فانه يسقط عن البعض إذا قام به البعض الآخر .
الشروط الواجب توفرها في الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر :
إنّ الشروط الواجب توفرها في
الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر قد
أوجدت استناداً إلى :-
1- طبيعة الواجب
2- مبادئ الشريعة العامة
3- المتفق عليه
4- المختلف فيه
وهذه الشروط هي خمسة شروط :-
1- الشرط الأول : التكليف :-
ويشترط فيمن يقوم بالأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون (مكلفاً أي
مدركاً مختاراً ) وهذا الشرط لازم إذا نظر إلى مسؤولية التارك ولا مسؤولية على غير
مكلف طبقاً لقواعد الشريعة العامة. وهذا يعني إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر واجباً لا يجب
إلا على المكلف .
2- الشرط الثاني : الإيمان :-
يشترط فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
إنّ يكون مؤمناً بالدين الإسلامي فالمسلم وحده هو الذي يقع على عاتقه واجب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما غير
المسلم فلا يلتزم بهذا الواجب وبما ان الإسلام دين يسر لا دين عسر فانه قد أعطى
الحرية لغير المسلم في ان يعتقد ما يشاء وحمايته من الإكراه على اعتناق ما يخالف
عقيدته ((لا إكراه في الدين)) ومن اجل حماية حرية العقيدة جاء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المسلم دون غيره
.
3- الشرط الثالث : القدرة :-
ويشترط فيمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون قادراً على
الأمر بالمعروف والنهي وتغيير المنكر فان
كان عاجزاً فلا وجوب عليه إلا بقلبه أي بمعنى أن يكره المعاصي وينكرها ويقاطع
فاعلها . إنَّ سقوط الواجب لا يترتب على العجز الحسي وحده بل يلحق بالعجز الحسي
خوف الأمر والناهي من أن يصيبه مكروه .
4- الشرط الرابع : العدالة :-
اشترط بعض الفقهاء إن الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يصح ان يكون
فاسقاً . بدلالة النص القرآني (( أتامرونَ الناسَ بالبّرِ وتنسون أنفسكم )) ( البقرة
44) أي أن يكون الإنسان فعله مصدقاً
لقوله وليكون لقوله اثراً ونتيجة فيما ذهب إليه .
5-الشرط الخامس : الإذن :-
وهنا يرى بعض الفقهاء وجود الإذن
من الإمام أو الحاكم للقائم بالأمر بالمعروف
والناهي عن المنكر والحجة في ذلك ان الإمام أو الحاكم يحسن الاختيار فيمن فيمن
يحسن القيام بهذه الوظيفة عبر توافر وتواجد صفات وشروط معينة ومحددة بالقائم بذلك
. لكن جمهرة من الفقهاء على خلاف في ذلك على قاعدة ((ان التخصيص بشرط التفويض من
الإمام أو الحاكم تحكم لا اصل له)). لكن الرأي السائد الذي جرى عليه العمل في كل
العهود هو ان التخصيص لم يمنع أي فرد من افراد الأمةعن القيام بهذا الواجب. بل لقد
كان هناك رجالاً يتصدون حتى للولاة والحكام والخلفاء ويتصدون لاقرار المعروف
والنهي عن المنكر بل ويأمرون الخلفاء والولاة بالمعروف وينهونهم عن اتيان المنكر .
شروط
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
لم ولن يكن للأمر بالمعروف شروطاً
عامة أو خاصة ولا أوقاتاً خاصة للقيام به. لان الأمر بالمعروف هو نصيحة وهداية وتعليم وكل هذا جائز
في كل وقت وحين وفي كل مناسبة أما النهي عن المنكر وتغييره فله شروط خاصة يجب توفرها
لجواز النهي أو التغيير وهذه الشروط هي :-
1- وجود المنكر .
2- أن يكون المنكر موجوداً في الحال .
3- أن يكون المنكر ظاهراً ودون تجسس .
4- أن يكون دفع المنكر بأيسر ما يندفع به .
1- وجود المنكر :- يشترط لجواز النهي أو التغيير أن يكون هناك منكر والمنكر
هنا هو كل معصية حرمتها الشريعة أو هو كل ما كان محذور الوقوع بها الشرع. ويستوي
هنا أن يكون فاعل المنكر مكلفاً أو غير مكلف. ويشترط في المنكر أن يكون منكراً
معلوماً دون حاجة لاجتهاد فكل ما هو محل للاجتهاد لا محل للنهي عنه أو تغييره .
2- أن يكون المنكر موجوداً في الحال: وهو ان يكون المنكر حالاً والمعصية قائمة وراهنة
وصاحبها مباشراً لها وقت النهي أو التغيير وان كان هناك فراغاً من الإتيان
بالمعصية والتحلل منها فلا نهي أو تغيير بل حلول للعقاب على إتيان معصية العقاب حق
للسلطات العامة وليس للأفراد . أما إذا كانت المعصية متوقعة الحصول فهنا يستوجب
الوعظ والنصح وما زاد عن ذلك مثل التعنيف والشتم والضرب فهو جريمة .
3- أن يكون المنكر ظاهراً ودون تجسس : وهو أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس وتتبع الناس وهتك
حرمات مساكنهم وخصوصياتهم المنهي عنه شرعاً. فلوجود المنكر أن يكون ظاهراً وبائناً
دون مواربه أو لبس ودون الحاجة للتتبع أو التجسس ومداهمة المنازل لتتبع أن كان
هناك فعل منكر سواء كان بالنظر خلسة أو استرقاق السمع أو الاستنشاق أو التحسس أو
التفتيش.
4- أنَّ يكون دفع المنكر بأيسر ما يندفع به : ويشترط هنا في
دفع المنكر بأيسر ما يمكن دفعه فلا يجوز أن ندفع المنكر بغلظة أكثر مما يستوجب لان
ما زاد على ذلك يعتبر جريمة ولكن يجوز دفع المنكر بأقل ما يدمغه في حالة عدم
القدرة والدفع هنا يقتضي أن يختلف الوسائل باختلاف نوع المنكر واختلاف حال فاعله .
وما يصلح لدفع منكر ما لا يصلح لدفع منكر آخر .
وسائل
دفع المنكر :-
لقد
حدد فقهاء الأمة وسائل لدفع المنكر وصولاً لصون الأمة وصلاح الجماعة وهذه الوسائل
هي صالحة لدفع المنكر وقد حددها في سبع :
1- التعريف
2- النهي والنصح
3- التعنيف
4- التغيير باليد
5- التهديد بالضرب والقتل
6- إيقاع الضرب والقتل
7- الاستعانة بالغير
1- التعريف : إنّ الوسيلة الصالحة لدفع المنكر هي في تحديد محدد
للمنكر بتعريفه تعريفاً كاملاً كي يكون الفاعل للمنكر على دراية كاملة ومعرفة إنّ
فعله هو المنكر بذاته وبعينه . والتعريف هنا يستوجب اللطف في تعريفه من غير عنف
فوجوب اللطف في التعريف حتى لا يكون هناك إيذاء دون مبرر على قاعدة إيذاء المسلم
حرام .
2- النهي بالوعظ والنصح :- وهنا يشترط بالقائم بالوعظ والنصح لاجتناب المنكر على
دراية كاملة بأوامر ونواهي الإسلام والشريعة ومن ذوي الصلاح والاستقامة كي تكون
نصائحه ووعظه مستجابة ومقبولة من الآخرين وعليه يجب ان يكون الناهي عن المنكر
شفيقاً لطيفاً بعيداً عن العنف والغضب والوعظ والنصح قد يوجه الى الشخص العالم
والعارف بالمنكر لكنه قد يغلبه الظن أو الجهل أو انه يعلم ذلك ان فعله محرماً
ولكنه يرجو النصح للترك .
3- التعنيف :- ويقوم التعنيف بعد استنفاذ وسائل الوعظ والنصح والتلطف
مع فاعل المنكر. والتعنيف هنا يوجه الى الشخص المصر إصراراً على إتيان المنكر أو
المستهزئ بالوعظ والنصح وللتعنيف شرطان هما:
الأول:- ان لا يقدم على التعنيف
الا عند الضرورة والعجز عن اللطف.
الثاني:- ان لا ينطق الناهي عن
المنكر الا بالصدق وان لا يسترسل في التعنيف بل يستوجب ذلك القصر في اللسان وعلى
قدر الحاجة فلا يسب المعنف فاعل المنكر .
4- التغيير باليد :- والمقصود به هنا التغيير لذات المنكر والتغيير لا يكون
إلا في المعاصي التي تقبل بطبيعتها الذاتية التغيير المادي على عكس معاصي اللسان
والقلب فليس في الاستطاعة تغييرها مادياً ويشترط في التغيير باليد ان لا يباشر
دافع المنكر بيده طالما استطاع أن يحمل فاعل المنكر على التغيير فليس له ان يجر
الغاصب من الدار المغصوبة إن كان بالاستطاعة تكليفه بالخروج طواعية ويشترط فيه
كذلك أن يقتصر فيه القدر المحتاج إليه المنكر فلا زجر ولا عقوبة من حيث كون الزجر
يكون لفعل يحل مستقبلاً والعقوبة على فعل في الماضي والدفع على الحاضر الراهن.
وهنا يكون إعدام المنكر وما زاد عليه فهو أما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر على
الأخف وللسلطات العامة القيام به وليس الأفراد.
5- التهديد بالضرب والقتل:- يشترط هنا التهديد أن يكون بما يجوز له التحقيق في سبيل
دفع المنكر والغرض من ذلك هو بالأساس دفع المنكر دونما عزم بما لا يجوز لان العزم
هنا حرام وان جاء التهديد من غير عزم فهو كذب فالتهديد هنا جواز التهديد بما يجوز
له التحقيق في سبيل دفع المنكر .
6- الضرب والقتل:- لقد أجازت
الشريعة الإسلامية عند الضرورة هنا استخدام الضرب من قبل دافع المنكر لكف فاعل
المنكر وان لا يزيد الضرب هنا عن الحاجة في الدفع وإذا لم يندفع المنكر إلا بالجرح
وإشهار السلاح ولا يقصد هنا القتل بل الساق والفخذ. أما إذا كان فاعل المنكر لا
يرتد عن المنكر إلا بالقتال الذي قد يؤدي الى قتله فعلى دافع المنكر أن يقاتله حتى
لو كان المنكر الذي يراد فعله اقل درجة من القتل ولنا في دفع الصائل على المال
الذي لا يرد إلا بالقتل فان الشريعة الإسلامية قد أجازت ذلك لا بقصد افتداء درهم
بروح وحياة بشر وإنما هو جائز بقصد دفع المعاصي ودرء المفاسد في المجتمع. على
حاكمية أن الصائل لأخذ مال غيره هو معصية وقتل الصائل ما هو الا دفع للمعصية
وعملية قتله ليس في ذاتها معصية .
7- الاستعانة بالغير:- أجازت
الشريعة الإسلامية الاستعانة بالغير اذا عجز دافع المنكر عن أداء عمله أو دفعه
بنفسه واحتاج للعون والمساعدة من الغير لدفع المنكر بقوتهم أو اسلحتهم. لكن بعض
الفقهاء أنكر على القائم بدفع المنكر الاستعانة بالغير اذا كانوا افراداً لأن في
ذلك تحريكاً للفتن / واختلال الأمن والنظام في المجتمع لان الفاسق قد يستعد بتجنيد أعوانه والمحسوبين عليه
فيؤدي ذلك الى القتال. لكنهم اشترطوا إجازة الحاكم أو الامام لمباشرة ذلك والحاكم
والامام لا يأذن بذلك الا لمن هو مكلفاً شرعياً ورسمياً بدفع المنكر والأمر بالمعروف
والعلة في ذلك ان دفع المنكر قد حُدد في ثلاث وسائل هي :
1- التغيير باليد وهو اقتصاص السلطات العامة
(الامام والحاكم) .
2- التغيير باللسان للعلماء والوعاظ .
3- التغيير بالقلب لعامة الناس كونهم الضعفاء لعدم امتلاكهم
السلطة .
لكن بعض الفقهاء على رأي مخالف في
قولهم أن للأفراد الحق في مباشرة الوسيلة لدفع المنكر دوما حاجة لاذن الحاكم أو
الإمام اذا انتفت وانعدمت الوسائل الأخرى وانه لا بد من هذه الوسيلة المؤدية
بطبيعتها الى التضارب الذي يعني التعاون دونما مبالات بلوازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استنداً الى الشريعة
الإسلامية التي لم تمنع من يقدر على رفع المنكر فعليه ان يدفعه بيده وسلاحه وبنفسه
وأعوانه ...
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الشريعة
والقانون :
لقد تميزت الشريعة الإسلامية من
يوم وجودها بانها قد أمرت بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه ميزة لم تعرفها القوانين
الوضعية قديماً ولكنها قد بدأت تعرفها وتأخذها في نطاق ضيق ابتداء من القرن
الماضي. لقد أوجبت الشريعة الإسلامية الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر لتجعل كل انسان في المجتمع رقيباً على نفسه وعلى
غيره من الافراد والحكام والشريعة الإسلامية بذلك تريد للناس التناصح والتعاون
والابتعاد عن المعاصي والتناهي عن المنكرات وبوجود قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اصبح الافراد ملزمين
بالتوجيه للافراد والحكام على اساس الأمر بالمعروف والنقد والتقويم أساسه النهي عن
المنكر. ولنا في خطبة الخليفة الأول أبو بكر الصديق t ومنها مقولته الشهيرة (( من رأى فيَّ اعوجاجاً فليقومه )) .
ولكل هذا وذاك دلالة على أن
الشريعة الإسلامية قد قامت بقاعدة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر لحماية المجتمع وإيجاد الضمان الكامل للحماية من الجريمة
والإجرام والقضاء على المفاسد في مكمنها وقبل ظهورها وانتشارها واستباقاً لذلك
وتحصيناً للأمة بوحدتها وحمايتها من التفكك وترصين نظامها من قاعدة عبر تكافلية
جماعية وصون أخلاقها من الانحلال.
والقوانين الوضعية لم تعرف قاعدة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الا
متأخراً بعد اعترافها بحق الأفراد بحق النقد والتوجيه للسلطات وانتقاد المظاهر
السلوكية الهدامة الخارجة عن الفطرة الإنسانية وان أخذت بها بعض القوانين الوضعية
فإنها قد اقتصرت في تطبيقها على حالات معينة بخلاف الشريعة التي تطبقها في كل
الحالات وفي جميع الجرائم .
:
ان الدفاع الشرعي العام هو المسمى
اصطلاحاً وشرعاً هو قاعدة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر .
وقد وردت بها الايات والاحاديث
النبوية الشريفة وقوله تعالى : (( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر )) والأمةهنا لغة هي الجماعة والرجل الواحد.
وفي الحديث النبوي الشريف :
((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده
فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان ))
وهنا نجد التقييد على النهي عن
المنكر اذا كان الا بمقاتلة أو سلاح فليتركه لان ذلك من واجب السلطان درئاً للفتنة
وعصمة من الفساد.
اما اللسان فهو واجب العلماء ، اما
القلب فهو للضعفاء .
ان الدفاع الشرعي العام (قاعدة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لا
يختلف عن الدفاع الشرعي الخاص (رد أو دفع الصائل ) حيث ان الاسس التي يقومان
عليهما واحدة والاحكام واحدة فهما لا يكادان يختلفان الا في بعض التفاصيل. وهنا
نجد التفرقة بينهما من ناحية الموضوع فالدفاع الشرعي الخاص (دفع الصائل) موضوعه هو
كل اعتداء أو كل صيال أو هجوم يمس سلامة الانسان أوعرضه أو ماله. وهذا ما يسمى
بدفع الصائل.
اما موضوع الدفاع الشرعي العام ما
يمس حقوق الجماعة وأمنها ونظامها. والفقه الاسلامي لايفرق بين قانون عام وخاص
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يمكن
ان يسلم به لجماعة أو دولة على انفراد وتستبد به استبداداً مفرطاً بدعوى تطبيقه
على اهوائها ووفقاً لمشيئتها انطلاقاً من مصالحها النفعية الضيقة يدفعها غرور
ورغبة السيطرة والتوسع وحتى الانتقام. وهنا لابد ان تناط ممارسة سلطة تطبيقه لهيئة
لها النيابة عن الجماعة وفق الشروط المحددة وصفات خاصة بحاكمية الشورى حفاظاً على
الجماعة ودرء المفاسد عن الأمةوجلب المصالح والمنافع سواءاً كانت منها العلاقات
السلمية الداخلية أو الخارجية في عالم اليوم ولما يسمى العلاقات الخارجية
(الدولية) . واننا نرى ان تقوم هذه العلاقات على ما يأتي:
1- مراعاة العدل في العلاقات الدولية .
2- النيابة الصادقة عن الجماعة .
3- استعمال واجب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر في مصلحة الجماعة.
ان قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما يتفق معظم
الفقهاء ليست حقاً للافراد يأتونها متى شاءوا أو يتركوها اذا شاءوا وليس مندوباً
اليه يحسن بالافراد اتيانه وعدم تركه. وانما هو واجب على الافراد ليس لهم ان
يتخلوا عن ادائه بل هي فرض لامحيص للافراد من القيام باعباءه. لقد أوجبت الشريعة
الإسلامية الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر لتقوم الجماعة على الخير والصلاح والفضائل. فما أحرانا اليوم ونحن في ظل الاحتلال
الأمر يكي لبلدنا الصابر المحتسب للاخذ الايجابي بقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخذاً اصلاحاً وتحصيناً
لمجتمعنا في خضم التنازع و التفكيك الاجتماعي لشعبنا العراقي الصابر المحتسب وفق
أجندة الاحتلال الأمر يكي.
ماهية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الاصل
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله
تعالى في سورة آل عمران الاية 104:(( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون))
وكذلك الاية 110 من سورة آل عمران( كنتم خير امة أُخرجت للناس تأمرون
بالمعروف وتنهون عن المنكر )).
فالمعروف هو كل قول أو فعل ينبغي قوله أو فعله طبقاً لنصوص
الشريعة الإسلامية وروحها مثل : التخلق بالأخلاق الفاضلة ، العفو عند المقدرة ،
الإصلاح بين المتخاصمين ، الاحسان الى الفقراء والمساكين ، نصرة المظلوم ، فض
المنازعات بين الخصوم في الحكم والقضاء ، وأعمال الخير وإغاثة المحتاجين .
أما المنكر هو كل معصية حرمتها الشريعة الإسلامية سواءاً وقعت
وأصبحت واقعة من مكلف بالتكاليف الشرعية أو غير مكلف. والمنكر عند بعض الفقهاء هو
كل محذور الوقوع في الشرع كما جاء في رأي الإمام الغزالي. (إحياء علوم الدين
المجلد الثاني ج7 ص35) .
وجاءت محذور الوقوع تفضيلاً على
التغيير بالمعصية لان المنكر عند هؤلاء الفقهاء اعم من المعصية وان المعصية بلا
عاصٍ محال .
إن الأمر بالمعروف قد يكون قولاً كالدعوة بالتبرع للناس
في حالات الكوارث والنكبات أو الدعوة للجهاد والحض عليه .
وقد يجمع القول والفعل معاً مثل
الدعوة للجهاد أو الانضمام إلى المجاهدين وسلك سلوكهم وكذلك الدعوة إلى إخراج
الزكاة وخروج الداعي لها فعلاً .
أما النهي عن المنكر فقد يكون
قولاً محضاً كالنهي عن شرب الخمر ويكون الفعل ملازماً للقول بإراقة الخمر ومنع
تعاطيها بالقوة. فإذا كان النهي عن المنكر قولاً فهو في هذه الحالة يأخذ صفة النهر
عن المنكر أما إذا كان عملاً فهو تغيير المنكر.
إن الأمر بالمعروف وفق الشريعة الإسلامية هو الترغيب
فيما ينبغي عمله أو قوله . والنهي عن المنكر هو الترغيب في ترك ما ينبغي تركه. أو
أن يكون التغيير في ما ينبغي تركه طبقاً لقواعد الشريعة الإسلامية. (الفخر الرازي
ج3 ص20)
التكليف الشرعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
إنّ الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر ليس حقاً للأفراد يأتونه متى شاءوا ويتركونه متى شاءوا
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس
مندوباً إليه يحسن بالأفراد إتيانه وعدم تركه. بل الأمر بالمعروف هو واجب على الأفراد ليس لهم ان
يتخلوا عن أدائه بل هو فرض لا محيص لهم عن القيام بأعبائه. والشريعة الإسلامية قد
أوجبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
صوناً للجماعة ولتقوم قواعد وأركان الخير في المجتمع. ولتسود الفضيلة بين الناس
وتنحسر المعاصي. فبالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر تجلب المنافع وتدرأ المفاسد فالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية فردية وجماعية وعلى القائم بالأمر (السلطة – الحكومة) والفقهاء في الأمةالإسلامية
قد اتفقوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر إلا إنهم قد أختلفوا في تحديد هذا الواجب من وجهين:
1- صفة الواجب 2- فيمن يلزمهم هذا الواجب
صفة الواجب : وهنا قد انقسم
الفقهاء إلى فريقين
الأول يقول: ان الواجب فرض عين أي
انه واجب محتم وعلى كل مسلم ومسلمة ان يؤديه على قدر استطاعته وهو عندهم كالحج رغم
إن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عندهم أكبر من الحج لان الاستطاعة هنا محكمة ومستطاعة دائماً لجميع الافراد. ويرى
اصحاب هذا الرأي انه فرض عين ما هو إلا حفاظاً للأمة من التحلل والفساد وصونها.
الفريق الثاني يرى : إنّ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من
فروض الكفاية كالجهاد فهو واجب حتم على كل مسلم وبالامكان قيام الغير به لانه واجب
على البعض لا على الكل . فالاختلاف هنا فيمن يلزمهم الواجب فيرى جمهرة الفقهاء إنّ
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على
كل أفراد الأمةلقوله تعالى ( كنتم خير امة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون
عن المنكر)). ويرى البعض إنّ واجب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر لا يقع إلا على عاتق القادرين على أدائه وهم علماء الأمةدون
غيرهم. وحجتهم إنّ الجاهل ربما يقوم بالنهي عن المعروف والأمر بالمنكر وقد يكون غليظاً في موقع اللين وليناً
في موقع الغلظة وأصحاب هذا الرأي من القائلين إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو فرض كفاية وعندهم
انه ما دام الواجب على الكفاية فانه يسقط عن البعض إذا قام به البعض الآخر .
الشروط الواجب توفرها في الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر :
إنّ الشروط الواجب توفرها في
الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر قد
أوجدت استناداً إلى :-
1- طبيعة الواجب
2- مبادئ الشريعة العامة
3- المتفق عليه
4- المختلف فيه
وهذه الشروط هي خمسة شروط :-
1- الشرط الأول : التكليف :-
ويشترط فيمن يقوم بالأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون (مكلفاً أي
مدركاً مختاراً ) وهذا الشرط لازم إذا نظر إلى مسؤولية التارك ولا مسؤولية على غير
مكلف طبقاً لقواعد الشريعة العامة. وهذا يعني إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعتبر واجباً لا يجب
إلا على المكلف .
2- الشرط الثاني : الإيمان :-
يشترط فيمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
إنّ يكون مؤمناً بالدين الإسلامي فالمسلم وحده هو الذي يقع على عاتقه واجب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أما غير
المسلم فلا يلتزم بهذا الواجب وبما ان الإسلام دين يسر لا دين عسر فانه قد أعطى
الحرية لغير المسلم في ان يعتقد ما يشاء وحمايته من الإكراه على اعتناق ما يخالف
عقيدته ((لا إكراه في الدين)) ومن اجل حماية حرية العقيدة جاء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على المسلم دون غيره
.
3- الشرط الثالث : القدرة :-
ويشترط فيمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون قادراً على
الأمر بالمعروف والنهي وتغيير المنكر فان
كان عاجزاً فلا وجوب عليه إلا بقلبه أي بمعنى أن يكره المعاصي وينكرها ويقاطع
فاعلها . إنَّ سقوط الواجب لا يترتب على العجز الحسي وحده بل يلحق بالعجز الحسي
خوف الأمر والناهي من أن يصيبه مكروه .
4- الشرط الرابع : العدالة :-
اشترط بعض الفقهاء إن الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا يصح ان يكون
فاسقاً . بدلالة النص القرآني (( أتامرونَ الناسَ بالبّرِ وتنسون أنفسكم )) ( البقرة
44) أي أن يكون الإنسان فعله مصدقاً
لقوله وليكون لقوله اثراً ونتيجة فيما ذهب إليه .
5-الشرط الخامس : الإذن :-
وهنا يرى بعض الفقهاء وجود الإذن
من الإمام أو الحاكم للقائم بالأمر بالمعروف
والناهي عن المنكر والحجة في ذلك ان الإمام أو الحاكم يحسن الاختيار فيمن فيمن
يحسن القيام بهذه الوظيفة عبر توافر وتواجد صفات وشروط معينة ومحددة بالقائم بذلك
. لكن جمهرة من الفقهاء على خلاف في ذلك على قاعدة ((ان التخصيص بشرط التفويض من
الإمام أو الحاكم تحكم لا اصل له)). لكن الرأي السائد الذي جرى عليه العمل في كل
العهود هو ان التخصيص لم يمنع أي فرد من افراد الأمةعن القيام بهذا الواجب. بل لقد
كان هناك رجالاً يتصدون حتى للولاة والحكام والخلفاء ويتصدون لاقرار المعروف
والنهي عن المنكر بل ويأمرون الخلفاء والولاة بالمعروف وينهونهم عن اتيان المنكر .
شروط
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
لم ولن يكن للأمر بالمعروف شروطاً
عامة أو خاصة ولا أوقاتاً خاصة للقيام به. لان الأمر بالمعروف هو نصيحة وهداية وتعليم وكل هذا جائز
في كل وقت وحين وفي كل مناسبة أما النهي عن المنكر وتغييره فله شروط خاصة يجب توفرها
لجواز النهي أو التغيير وهذه الشروط هي :-
1- وجود المنكر .
2- أن يكون المنكر موجوداً في الحال .
3- أن يكون المنكر ظاهراً ودون تجسس .
4- أن يكون دفع المنكر بأيسر ما يندفع به .
1- وجود المنكر :- يشترط لجواز النهي أو التغيير أن يكون هناك منكر والمنكر
هنا هو كل معصية حرمتها الشريعة أو هو كل ما كان محذور الوقوع بها الشرع. ويستوي
هنا أن يكون فاعل المنكر مكلفاً أو غير مكلف. ويشترط في المنكر أن يكون منكراً
معلوماً دون حاجة لاجتهاد فكل ما هو محل للاجتهاد لا محل للنهي عنه أو تغييره .
2- أن يكون المنكر موجوداً في الحال: وهو ان يكون المنكر حالاً والمعصية قائمة وراهنة
وصاحبها مباشراً لها وقت النهي أو التغيير وان كان هناك فراغاً من الإتيان
بالمعصية والتحلل منها فلا نهي أو تغيير بل حلول للعقاب على إتيان معصية العقاب حق
للسلطات العامة وليس للأفراد . أما إذا كانت المعصية متوقعة الحصول فهنا يستوجب
الوعظ والنصح وما زاد عن ذلك مثل التعنيف والشتم والضرب فهو جريمة .
3- أن يكون المنكر ظاهراً ودون تجسس : وهو أن يكون المنكر ظاهراً دون تجسس وتتبع الناس وهتك
حرمات مساكنهم وخصوصياتهم المنهي عنه شرعاً. فلوجود المنكر أن يكون ظاهراً وبائناً
دون مواربه أو لبس ودون الحاجة للتتبع أو التجسس ومداهمة المنازل لتتبع أن كان
هناك فعل منكر سواء كان بالنظر خلسة أو استرقاق السمع أو الاستنشاق أو التحسس أو
التفتيش.
4- أنَّ يكون دفع المنكر بأيسر ما يندفع به : ويشترط هنا في
دفع المنكر بأيسر ما يمكن دفعه فلا يجوز أن ندفع المنكر بغلظة أكثر مما يستوجب لان
ما زاد على ذلك يعتبر جريمة ولكن يجوز دفع المنكر بأقل ما يدمغه في حالة عدم
القدرة والدفع هنا يقتضي أن يختلف الوسائل باختلاف نوع المنكر واختلاف حال فاعله .
وما يصلح لدفع منكر ما لا يصلح لدفع منكر آخر .
وسائل
دفع المنكر :-
لقد
حدد فقهاء الأمة وسائل لدفع المنكر وصولاً لصون الأمة وصلاح الجماعة وهذه الوسائل
هي صالحة لدفع المنكر وقد حددها في سبع :
1- التعريف
2- النهي والنصح
3- التعنيف
4- التغيير باليد
5- التهديد بالضرب والقتل
6- إيقاع الضرب والقتل
7- الاستعانة بالغير
1- التعريف : إنّ الوسيلة الصالحة لدفع المنكر هي في تحديد محدد
للمنكر بتعريفه تعريفاً كاملاً كي يكون الفاعل للمنكر على دراية كاملة ومعرفة إنّ
فعله هو المنكر بذاته وبعينه . والتعريف هنا يستوجب اللطف في تعريفه من غير عنف
فوجوب اللطف في التعريف حتى لا يكون هناك إيذاء دون مبرر على قاعدة إيذاء المسلم
حرام .
2- النهي بالوعظ والنصح :- وهنا يشترط بالقائم بالوعظ والنصح لاجتناب المنكر على
دراية كاملة بأوامر ونواهي الإسلام والشريعة ومن ذوي الصلاح والاستقامة كي تكون
نصائحه ووعظه مستجابة ومقبولة من الآخرين وعليه يجب ان يكون الناهي عن المنكر
شفيقاً لطيفاً بعيداً عن العنف والغضب والوعظ والنصح قد يوجه الى الشخص العالم
والعارف بالمنكر لكنه قد يغلبه الظن أو الجهل أو انه يعلم ذلك ان فعله محرماً
ولكنه يرجو النصح للترك .
3- التعنيف :- ويقوم التعنيف بعد استنفاذ وسائل الوعظ والنصح والتلطف
مع فاعل المنكر. والتعنيف هنا يوجه الى الشخص المصر إصراراً على إتيان المنكر أو
المستهزئ بالوعظ والنصح وللتعنيف شرطان هما:
الأول:- ان لا يقدم على التعنيف
الا عند الضرورة والعجز عن اللطف.
الثاني:- ان لا ينطق الناهي عن
المنكر الا بالصدق وان لا يسترسل في التعنيف بل يستوجب ذلك القصر في اللسان وعلى
قدر الحاجة فلا يسب المعنف فاعل المنكر .
4- التغيير باليد :- والمقصود به هنا التغيير لذات المنكر والتغيير لا يكون
إلا في المعاصي التي تقبل بطبيعتها الذاتية التغيير المادي على عكس معاصي اللسان
والقلب فليس في الاستطاعة تغييرها مادياً ويشترط في التغيير باليد ان لا يباشر
دافع المنكر بيده طالما استطاع أن يحمل فاعل المنكر على التغيير فليس له ان يجر
الغاصب من الدار المغصوبة إن كان بالاستطاعة تكليفه بالخروج طواعية ويشترط فيه
كذلك أن يقتصر فيه القدر المحتاج إليه المنكر فلا زجر ولا عقوبة من حيث كون الزجر
يكون لفعل يحل مستقبلاً والعقوبة على فعل في الماضي والدفع على الحاضر الراهن.
وهنا يكون إعدام المنكر وما زاد عليه فهو أما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر على
الأخف وللسلطات العامة القيام به وليس الأفراد.
5- التهديد بالضرب والقتل:- يشترط هنا التهديد أن يكون بما يجوز له التحقيق في سبيل
دفع المنكر والغرض من ذلك هو بالأساس دفع المنكر دونما عزم بما لا يجوز لان العزم
هنا حرام وان جاء التهديد من غير عزم فهو كذب فالتهديد هنا جواز التهديد بما يجوز
له التحقيق في سبيل دفع المنكر .
6- الضرب والقتل:- لقد أجازت
الشريعة الإسلامية عند الضرورة هنا استخدام الضرب من قبل دافع المنكر لكف فاعل
المنكر وان لا يزيد الضرب هنا عن الحاجة في الدفع وإذا لم يندفع المنكر إلا بالجرح
وإشهار السلاح ولا يقصد هنا القتل بل الساق والفخذ. أما إذا كان فاعل المنكر لا
يرتد عن المنكر إلا بالقتال الذي قد يؤدي الى قتله فعلى دافع المنكر أن يقاتله حتى
لو كان المنكر الذي يراد فعله اقل درجة من القتل ولنا في دفع الصائل على المال
الذي لا يرد إلا بالقتل فان الشريعة الإسلامية قد أجازت ذلك لا بقصد افتداء درهم
بروح وحياة بشر وإنما هو جائز بقصد دفع المعاصي ودرء المفاسد في المجتمع. على
حاكمية أن الصائل لأخذ مال غيره هو معصية وقتل الصائل ما هو الا دفع للمعصية
وعملية قتله ليس في ذاتها معصية .
7- الاستعانة بالغير:- أجازت
الشريعة الإسلامية الاستعانة بالغير اذا عجز دافع المنكر عن أداء عمله أو دفعه
بنفسه واحتاج للعون والمساعدة من الغير لدفع المنكر بقوتهم أو اسلحتهم. لكن بعض
الفقهاء أنكر على القائم بدفع المنكر الاستعانة بالغير اذا كانوا افراداً لأن في
ذلك تحريكاً للفتن / واختلال الأمن والنظام في المجتمع لان الفاسق قد يستعد بتجنيد أعوانه والمحسوبين عليه
فيؤدي ذلك الى القتال. لكنهم اشترطوا إجازة الحاكم أو الامام لمباشرة ذلك والحاكم
والامام لا يأذن بذلك الا لمن هو مكلفاً شرعياً ورسمياً بدفع المنكر والأمر بالمعروف
والعلة في ذلك ان دفع المنكر قد حُدد في ثلاث وسائل هي :
1- التغيير باليد وهو اقتصاص السلطات العامة
(الامام والحاكم) .
2- التغيير باللسان للعلماء والوعاظ .
3- التغيير بالقلب لعامة الناس كونهم الضعفاء لعدم امتلاكهم
السلطة .
لكن بعض الفقهاء على رأي مخالف في
قولهم أن للأفراد الحق في مباشرة الوسيلة لدفع المنكر دوما حاجة لاذن الحاكم أو
الإمام اذا انتفت وانعدمت الوسائل الأخرى وانه لا بد من هذه الوسيلة المؤدية
بطبيعتها الى التضارب الذي يعني التعاون دونما مبالات بلوازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استنداً الى الشريعة
الإسلامية التي لم تمنع من يقدر على رفع المنكر فعليه ان يدفعه بيده وسلاحه وبنفسه
وأعوانه ...
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الشريعة
والقانون :
لقد تميزت الشريعة الإسلامية من
يوم وجودها بانها قد أمرت بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه ميزة لم تعرفها القوانين
الوضعية قديماً ولكنها قد بدأت تعرفها وتأخذها في نطاق ضيق ابتداء من القرن
الماضي. لقد أوجبت الشريعة الإسلامية الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر لتجعل كل انسان في المجتمع رقيباً على نفسه وعلى
غيره من الافراد والحكام والشريعة الإسلامية بذلك تريد للناس التناصح والتعاون
والابتعاد عن المعاصي والتناهي عن المنكرات وبوجود قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اصبح الافراد ملزمين
بالتوجيه للافراد والحكام على اساس الأمر بالمعروف والنقد والتقويم أساسه النهي عن
المنكر. ولنا في خطبة الخليفة الأول أبو بكر الصديق t ومنها مقولته الشهيرة (( من رأى فيَّ اعوجاجاً فليقومه )) .
ولكل هذا وذاك دلالة على أن
الشريعة الإسلامية قد قامت بقاعدة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر لحماية المجتمع وإيجاد الضمان الكامل للحماية من الجريمة
والإجرام والقضاء على المفاسد في مكمنها وقبل ظهورها وانتشارها واستباقاً لذلك
وتحصيناً للأمة بوحدتها وحمايتها من التفكك وترصين نظامها من قاعدة عبر تكافلية
جماعية وصون أخلاقها من الانحلال.
والقوانين الوضعية لم تعرف قاعدة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الا
متأخراً بعد اعترافها بحق الأفراد بحق النقد والتوجيه للسلطات وانتقاد المظاهر
السلوكية الهدامة الخارجة عن الفطرة الإنسانية وان أخذت بها بعض القوانين الوضعية
فإنها قد اقتصرت في تطبيقها على حالات معينة بخلاف الشريعة التي تطبقها في كل
الحالات وفي جميع الجرائم .