ـــقـــــدمــــة
بما أن المجتمع هو الإطار الذي يجب أن يعيش فيه
الإنسان فان من حقه ومن واجبه مواجهة الأفعال غير المشروعة التي تهدد كيانه وتمس حسن
سير مؤسساته.
وقد كان سائدا في مختلف القوانين والتشريعات أن
الجرائم يهدد امن واستقرار المجتمعات البشرية وتمس مصالح الناس اينما ارتكبت
وكيفما وقعت لذا وجب مقاومتها ضد أي مصلحة كانت وهذه الجرائم وإما أن تكون جرائم
اعتداء على النفس أو العرض وإما أن تكون جرائم اعتداء على المال فتعد بذلك أفعال
مجرمة لأنها تحمل في طياتها معنى الاعتداء على حق يحميه القانون.
أما إذا تجردت هذه الأفعال من معنى العدوان كانت
أفعال مباحة ومشروعة كحق الدفاع الشرعي الذي يعتبره المشرع العقابي الجزائري من
أهم تطبيقات نظرية الإباحة في المادتين 39/ف 1 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
وأسباب الإباحة هي في الحقيقة قيود ترد على نص
التجريم فتجمد وتبطل مفعوله إذ تخرج الواقعة من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة.
ولموضوع الدفاع الشرعي أهمية بالغة وهو من أهم
تطبيقات نظرية الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور ومن بينها
القانون الجنائي الجزائري حيث انه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية
تجعل المعتدي عليه يتصدى لكل اعتداء يواجهه من الغير هذا من جهة ومن جهة.
ومن جهة أخرى فهو مجال المفاضلة بين مصلحتين
متعارضتين مصلحة المعتدي ومصلحة المعتدي عليه حيث تكون مصلحة المعتدي عليه أولى
بالاعتبار ان المعتدي بفعله يشكل خطر على المصلحة الفردية والجماعية.
ومن ثم اعتبرت الأفعال المرتكبة في حالة دفاع
شرعي أفعال غير معاقب عليها نتيجة لذلك فالدفاع الشرعي حق يعترف به القانون لأنه
يحقق أهداف النظام القانوني كله ويتفق مع غايات المجتمع والدفاع الشرعي في قانون
العقوبات الجزائري تفرضه متطلبات نظرية وأخرى عملية.
فمن الناحية النظرية تبرز قيمة هذا الموضوع من
خلال الأهمية التي يتمتع بها وهذا ناتج عن قدم وتشعب الدراسات بشأنه لدى الفقهاء
الوضعيين وكذلك عن فقهاء المسلمين الذين عرفوا الدفاع الشرعي بمصطلح "دفع
الصائل" أما من الناحية العملية فتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع فيما يلي:
- توعية وتحسيس الأشخاص بالشروط والأحكام
القانونية لقيام حالة الدفاع الشرعي، سواء كان دفاعا عن النفس أو المال أو العرض
أو نفس الغير أو ماله.
التوضيح أو الإشارة إلى الحالات الممتازة التي
تقوم فيها حالة الدفاع الشرعي( الحالات الخاصة كما يسميها البعض).
التعريف بحدود و شروط قيام حالات الدفاع الشرعي
وأثارها وتحديد موقف المشرع الجزائي الجزائري من هذه المسائل.
وإذا كان الدفاع الشرعي من المواضيع التي عولجت
من قبل فإننا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة بيان كيفية معالجة المشرع الجزائري
لمبدأ الدفاع الشرعي من خلال تحديد مفهومه وأساسه وبيان شروطه الجوهرية الواجب
توفرها في فعل العدوان من جهة وفي فعل الدفاع من جهة أخرى ومن حيث تجاوز حدوده
وإثباته وإبراز الآثار القانونية المترتبة عنه.
ولمعالجة هذه الإشكالية سوف نتطرق للإجابة عليها
من خلال فصل تمهيدي وأربعة فصول.
نتناول في الفصل التمهيدي مفهوم الدفاع الشرعي
ومراحل نشأته وتطوره خلال مبحثين، خصصنا المبحث الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي،
وصولا الى ذلك قسمنا هذا المبحث الى مطلبين تناولنا في المطلب الأول تعريف الدفاع
الشرعي، وفي المطلب الثاني تعرضنا إلى الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي
محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المواضيع.
وأما المبحث الثاني فقد خصصناه لعرض أهم المراحل
التاريخية التي مرت عليها فكرة الدفاع الشرعي خلال تطورها قبل أن تستقر على ما هي
عليه في الوقت الحاضر من خلال مطلبين خصصنا المطلب الأول لتحديد مفهوم الدفاع
الشرعي عند الحضارة الرومانية وعند الحضارة الأوروبية في وقت سيطرت الكنيسة أما
المطلب الثاني فقد خصصناه من ناحية لتوضيح رأي الشريعة الإسلامية في مبدأ الدفاع
الشرعي ومن ناحية أخرى لتوضيح محتوى القانون الفرنسي فيما يتعلق بحالة الدفاع
الشرعي على اعتبار ان القانون الفرنسي من القوانين التي أولت عناية خاصة بهذا
الموضوع.
أما الفصل الأول فسنتناول في أساس الدفاع الشرعي
وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري وذلك في صورة مبحثين.نتعرض في البحث الأول إلى
أساس الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين، المطلب الأول حددنا من خلاله كيف تم تحديد
أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي العقد الاجتماعي و المنفعة الاجتماعية، وننتقل
بعدها في المطلب الثاني إلى تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي الإكراه
وتنازع الحقوق.
وفي المبحث الثاني نتناول أي أحكام الدفاع
الشرعي في قانون العقوبات الجزائري ونميز بين الحالات العادية للدفاع الشرعي التي
تشكل المطلب الأول والحالات الممتازة للدفاع الشرعي والتي تمثل المطلب الثاني.
أما الفصل الثاني فقد كان من الضروري بناء على
ما تقدم أن نتعرض فيه إلى الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع
الجنائي الجزائري من خلال مبحثين خصصنا المبحث الأول لبيان الشروط المتعلقة بفعل
العدوان وذلك في مطلبين الأول أن يكون الخطر حالا وغير مشروع والثاني ان يهدد
الخطر النفس آو المال.
أما المبحث الثاني فقد خصصناه لبيان الشروط
المتعلقة بفعل الدفاع في مطلبين تناولنا في المطلب الأول شرط التناسب وفي المطلب
الثاني شرط اللزوم.
أما الفصل الثالث فيتضمن تجاوز حدود الدفاع
الشرعي وإثباته في مبحثين تعرضنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي
وذلك في مطلبين تناولنا في المطلب الأول معنى تجاوز حدود الدفاع الشرعي.
وفي المطلب الثاني الحكم القانوني لعذر التجاوز
وفقا لقانون العقوبات الجزائري أما المبحث الثاني فيتضمن إثبات حالة الدفاع الشرعي
وصولا إلى معرفة ذلك قسمنا المبحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول إثبات الدفاع
الشرعي في الحالات العادية وفي المطلب الثاني إثبات الدفاع الشرعي في الحالات
الممتازة.
وأخيرا نتطرق في الفصل الرابع إلى أثار الدفاع
الشرعي في صورة مبحثين وضمنا في المبحث الأول الآثار المترتبة على فعل الدفاع في
شكل مطلبين تضمن المطلب الأول حالة إصابة حق الغير دون عمد.
وفي المطلب الثاني حالة إصابة حق الغير عمدا.
إما المبحث الثاني خصصناه لبيان الأثر الثاني
المتمثل في انتفاء المسؤولية بوجهيها المدني والجزائي وذلك في مطلبين الأول يتضمن
معنى انتفاء المسؤولية المدنية والثاني يتضمن معنى انتفاء المسؤولية الجزائية.
الفصل
الأول: أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري:
بعد أن تعرضنا في الفصل التمهيدي إلى مفهوم
الدفاع الشرعي والى التطور التاريخي الذي مرت به هذه الفكرة قبل أن تستقر على ما
هي عليه في الوقت الحالي.
سوف نخصص هذا الفصل الأول لتوضيح الأساس التي
يستند عليه الدفاع الشرعي لتبرير مشروعية فعل المعتدي عليه واعتباره فعلا مباحا
غير معاقب عليه قانونا.
كما سنبين أحكام الدفاع الشرعي في قانون
العقوبات في قانون العقوبات الجزائري حيث أن المشرع الجزائري قد عدد حالات الدفاع
الشرعي في المادتين 39/ف 1 و40 من قانون العقوبات الجزائري، واعتبر كل فعل من شانه
درء الخطر المحدق بالمدافع نفسه أو ماله أو مال الغير فعلا مباحا ولكن بشرط توافر
شروط معينة في الخطر وأخرى في فعل الدفاع على النحو الذي سوف نبينه لاحقا في الفصل
الثاني وأطلق عليها اسم الحالات العادية للدفاع الشرعي وهذا في المادة39/02 ق ع ج
غير انه أجاز في بعض الحالات التي تعد من قبيل الضرورة الحالة التخلي عن بعض
الشروط من بينها لزوم فعل الدفاع أو تناسب مع درجة الاعتداء وأطلق عليها اسم
الحالات الممتازة لدفاع الشرعي، وقد نظمت أحكام هذه الحالات وشروطها في المادة 40
ق ع ج سواء تعلق الأمر بتحديد أساس أو أحكام الدفاع الشرعي ووصولا إلى تحليل كل
هذه المواضيع.
وسنتناول بالدراسة في المبحث الأول تحديد أساس
الدفاع الشرعي على ضوء النظريات المنظرة لمبدأ الدفاع الشرعي خلال مطلبين.
المطلب الأول نخصصه لبيان تعريف أصحاب نظرية
العقد الاجتماعي وأصحاب المنفعة الاجتماعية أما المطلب الثاني فنخصصه لتوضيح
الكيفية التي عرف بها الدفاع الشرعي في نظر أصحاب نظرية الإكراه من ناحية وأصحاب
نظرية تنازع الحقوق من ناحية أخرى.
المبحث الأول: أساس الدفاع الشرعي:
إذا كان الاعتراف بحق الدفاع الشرعي لا يثير
جدلا في التشريعات الحديثة فان أساس هذا الحق يعتبر محل خلاف بين الفقهاء.
فمنهم من يرده إلى فكرة العقد الاجتماعي ومنهم
من يرده إلى فكرة المنفعة الاجتماعية وجانب أخر يرده إلى فكرة الإكراه بينما يعتبر
البعض الأخر فكرة تنازع الحقوق أساس الدفاع الشرعي وفيما يلي سوف نوضح ذلك من خلال
مطلبين نتناول في المطلب الأول نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة العامة وفي المطلب
الثاني نظرية الإكراه وتنازع الحقوق.
المطلب
الأول: نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا دراسة نظرية
العقد الاجتماعي وتبين النقد الموجه لهذه النظرية ثم نتناول ثانيا نظرية المنفعة
الاجتماعية وموقفها بالنسبة للدفاع الشرعي والنقد الموجه إليها في هذا الشأن.
أولا: نظرية العقد الاجتماعي:
يرى أصحاب هذه النظرية ومن بينهم "توماس
هوبس"(1) و " جون جاك روسو"(2) و " جون لوك"(3) أن
الاعتداء الحاصل من شخص على آخر ويبرر حق هذا الأخير في الرد عليه، دفاعا عن
النفس، لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه دفاعا عن النفس لإنهاء الارتباط بين
المعتدي عليه وبين المجتمع الذي يعيش فيه حيث أن من شروط هذا الارتباط تخلي الفرد
للجماعة الممثلة بالسلطة القائمة عن حق وحماية نفسه وسلامته وحقوقه وأمواله على أن
تتولى هذه السلطة الحلول محله في تامين الحماية اللازمة والمناسبة لرد الاعتداء
عليه(4).
ومنه فان من يتهدده خطر جسيم في ظرف يستحيل معه
على السلطة أن تتحرك فيه لسبب من الأسباب لغيابها أو عجزها أو عدم تمكنها من
الإسراع في حمايته يكون قد استعاد حقه في حماية نفسه، كما لا يفترض فيه تحمل
الاعتداء من قتل أو جرح أو ضرب أو سرقة...الخ.
دون رد فعل منه بحجة الخضوع للقانون الذي يمنعه
من رد العدوان عن نفسه بنفس(5).
ما يمكن توجيهه لهذه النظرية أن هذه الفكرة وان
كانت تصلح للدفاع عن الحقوق الشخصية فأنها لا تصلح للدفاع عن حقوق الغير(1).
يضاف إلى ذلك أن تبرير الدفاع الشرعي اعتمادا
على نظرية العقد الاجتماعي يجعل الدفاع الشرعي أجراء ثانويا مكملا لأعمال الدولة
مما يبعده عن طبيعته القانونية كحق شخصي ذي طبيعة خاصة يمكن الفرد اللجوء إليه لرد
العدوان الذي يتعرض له، كما أنها تعجز عن تبرير مشروعية فعل التصدي للعدوان الذي
يتناول نفس أو مال الغير أو الأموال العامة(2).
ثانيا: نظرية المنفعة الاجتماعية:
يرى أصحاب هذه النظرية من بينهم " إرمابنتم(3)
و "جون ستيورات ميل"(4) أن من يد اعتداء يؤدي خدمة إنسانية عليا وعامة
مثل حراسة الأمن وجندي الحقوق وحامي الحريات، واذ انه من جهة أخرى يقوم بتخليص
المجتمع من مجرم أثم وعدو غادر ويشكل وجوده في الحياة خطر على الكيانات البشرية،
ومن جهة أخرى يؤمن انقاد مواطن صالح وعضو نافع في المجتمع يتعرض للهلاك والفناء
معنى ذلك انه لا يجوز لمن كان في خطر أن يمتنع عن ممارسة حق الدفاع فلا يمكن له
التنازل عن حياته أو سلامته لان هذه المقدسات الأساسية ليست ملكا له يتخلى عنها
وانما تعود للمجتمع ولا يجوز المساس بها ولو من قبل صاحبها لان زوالها مرتبط بزوال
الجماعات البشرية نفسها (3)
أن هذه النظرية لم تسلم من النقد، اذ في غالب
الأحيان ما يدل على أن شخصية المعتدي عليه فاعل الجريمة دفاعا قد لا يقل خطورة
إجرامية عن شخص المعتدي الأول وان المصلحة الاجتماعية قد تتعدى القضاء على الاثنين
معا، فمن الثابث عمليا أن حالات الدفاع عن النفس لا تقتصر كلها على معتدي مجرم
ومعتدى عليه شريف بل أن هذه الحالات تقع بين اشقياء معروفين بين الفريقين تصفية
حسابات أو إبراز عضلات أو الانتقام وقد تكتب الغلبة لمن هو أكثر بطشا أو الأمهر في
إطلاق النار(1).
المطلب
الثاني: نظريتا الإكراه وتنازع الحقوق:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا نظرية الإكراه ثم
نتناول ثانيا نظرية تنازع الحقوق ونبين في كل مرة النقد الذي وجه إلى كل نظرية
فيما يتعلق بالدفاع الشرعي ونحاول أخيرا إبراز موقف المشرع العقابي الجزائري من
هذه النظريات محددين النظرية التي اعتمد عليها في تحديد أساس الدفاع الشرعي.
أولا: نظرية الإكراه:
مضمون هذه النظرية هو أن الدفاع الشرعي كسبب من
أسباب عدم المسؤولية الشخصية مبني على فكرة الإكراه المعنوي والاضطرابات و
الانفعالات التي تستولي على نفس المعتدي عليه والميل الغريزي للإنسان الذي يدفعه
إلى المحافظة على نفسه(1) .
بمعنى أن المعتدي عليه حينما يشعر بالخطر تنعدم
لديه حرية الاختيار فتتحرك فيه غريزة المحافظة على النفس ويندفع لدرء الخطر الذي
يداهمه دون التفكير في طريقة أخرى التي تخرجه من هذه الوضعية التي يكون فيها مهما
كانت طبيعتها والمعتدي عليه في هذه الحالة يجد نفسه مكرها نحو الجريمة ودفاعا عن
نفسه بحكم غريزة البقاء(2).
وما يمكن توجيهه لهذه النظرية هو انه ليس صحيحا
أن فعل الاعتداء يصل تأثيره إلى د إعدام الإرادة تماما بل انه هذا الفعل قد لا
يؤدي لا يؤثر على الإرادة مطلقان اذا كان يسيرا، كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي
يترتب عليه عدم المسؤولية غير انه تبقى صفة الفعل غير مشروعة بينما في حالة الدفاع
الشرعي تزول الصفة الإجرامية عند فعل الدفاع الشرعي تماما(3).
ثانيا: نظرية تنازع الحقوق:
مضمون هذه النظرية هو انه في حالة الدفاع الشرعي
يقع اصطدام بين حقين ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على الحق الأفضل، هذا من جهة ومن
جهة أخرى فان الدفاع الشرعي حق خول للفرد استثناء من التجريم وذلك باتفاقه مع
أهداف النظام القانوني، وغايات المجتمع وتحقيقه لها فالنظام القانوني يهدف إلى
تحقيق المصلحة العامة ويوازن بين المصالح المتعارضة ويغلب إحداها على الأخرى(1) .
أن نظرية تنازع الحقوق يعاب عليها فقط انه في
حالة ما إذا كان الفعلين المتصارعين كلاهما غير مشروع فكيف يؤدي الصراع بينهما إلى
انعدام حق المعتدي وانقلاب فعل المدافع غير المشروع إلى فعل مشروع(2).
غير أن هذا الرأي هو الراجح لدى الفقه تأسيسا
على انه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين متكافئين من الناحية المجردة
وهما حق المعتدي وحق المعتدى عليه، فالأصل أن كل من المعتدي والمعتدى عليه حقهما
متساويان غير أن المعتدي باعتدائه قد يجعل حقه غير محترم كما أن بخروجه عن القانون
عرض نفسه لخطر الاعتداء المعاكس وعليه أن يتحمل عواقب أفعاله وتتم حماية المجتمع
للحقوق لنظر إلى القيمة الاجتماعية للحق وعليه ففي حالة الدفاع الشرعي يكون احد
الحقين جديرا بالحماية والأخر لابد من التضحية به ومن ثم فلا مناص من التضحية بحق
المعتدى لان عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية للحق من ناحية ولأنه يصيب حق أخر هو
حق المجتمع من ناحية أخرى وعليه فان الدفاع الشرعي يباح لأنه وان أصاب بالاعتداء
حقا فانه يصب حقين ادهما للمعتدي والأخر للمجتمع وهذا الأخير صيانته واجبة وفيه
تكمن علة الإباحة إلى حد كبير(3).
والجدير بالذكر بناء على ما سبق ذكره أن المشرع
الجزائري اعتمد في تحديد أساس الدفاع الشرعي على الأساس المعتمد عليه في نظرية
تنازع الحقوق مسايرا بذلك راي غالبية الفقه حيث يرى أن المصلحة العامة تتحقق
بتفضيل مصلحة المدافع ( المعتدي عليه) على مصلحة الطرف الأخر( المعتدي) بناء على
قاعدة الضرورات تبيح المحضورات.
المبحث
الثاني: أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري:
أن توافر الاعتداء أو خطر الاعتداء وحده لا يعطي
للمعتدي عليه الحق في الدفاع الشرعي، ذلك أن المشرع الجزائري لم يبح الدفاع الشرعي
الا لرد خطر جرائم معينة وردت على سبيل الحصر كما أن المشرع وبالنظر لجسامة القتل
منع الالتجاء إليه إلا في أحوال معينة وهذا ما اتفق على تسميته بالحالات العادية
للدفاع الشرعي وهو ما يمثل المطلب الأول من هذه الدراسة كما أضاف المشرع حالات
اخرى للدفاع الشرعي اتفق على تسميتها الحالات الممتازة للدفاع الشرعي وهذا ما يمثل
المطلب الثاني.
المطلب
الأول: الحالات العادية للدفاع الشرعي الواردة في المادة39/2 من قانون العقوبات
الجزائري:
اعتبر المشرع الجزائري أن الخطر الذي يقوم به
الدفاع الشرعي قد يكون على النفس وقد يكون على المال، حيث نصت المادة 39/2 ق ع ج
على ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت اليه الضرورة الحالة للدفاع
المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير"(1) .
يتضح من نص هذه المادة أن رد الفعل يجب أن يكون
لصد هجوم جعل حياة المدافع في خطر.
أولا: حالة الدفاع الشرعي عن النفس:
والمقصود بالنفس ليس فقط حياة الإنسان بل أيضا
مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب وصفات وشرف وكرامة ومكانة اجتماعية وعائلية،ى
كما يشمل مفهوم النفس جسد الإنسان وأعضاءه وطالما أن النفس الإنسانية لا تقتصر على
الروح أو الحياة فقط فان كل ما يمس مقوماته يستوجب الدفاع عنه.
ويعاقب الفاعل عليه ولكن هل يمكن اعتبار الخطر
المقصود هو ذلك الذي تنتج عنه الموت؟
الاجابة بالنفي تفرض نفسها اذ أن القول بصيرورة
الحياة في خطر لا يعني بالضرورة الموت والمقصود بالخطر هو اختلال التوازن العادي
بالنسبة للشخص محل موضوع المجرم وكل ما من شانه أن يخل بذلك التوازن يعتبر خطرا
على حياته(2).
ويقصد بجرائم النفس التي تبيح الدفاع الشرعي تلك
الجرائم اعتداء على مصلحة تتعلق بشخصية المجني عليه كانسان سواء تعلقت بمكوناتها
المادية والمعنوية ومثال ذلك جرائم الاعتداء على الحياة وسلامة الجسم كالقتل
والضرب والجرح المشار اليه في المواد من 254 إلى 274 من ق ع ج والتي يتطابق معها
نص المواد من 201 إلى 216 من ق ع ج، ونص المادة 274 ق ع ج والتي يتطابق معها نص
المواد من 392 إلى 404 من ق ع ج ويستوي أن يكون ذلك بسيطا أو مقترنا بظرف مشدد
كسبق الإصرار والترصد ويلحق هذه الطائفة جرائم الاعتداء أو الحرية كالقبض أو الحبس
دون وجه حق وارتكاب أمر مخل بالحياء مع امرأة في غير علانية أما جرائم الاعتداء
على الحرية الجنسية كهتك العرض سواء بالقوة أو بغير القوة فقد أقرتها التشريعات
العقابية ومن بينها المشرع الجزائري في نص المادة 336 ق ع ج التي تبيح القتل ضد
فعل الاغتصاب.
اما بخصوص الاعتداءات الحاصلة بالقول والتي يعب
عنها بالجرائم الماسة بشرف الإنسان كالسب والقدف، فانه يذهب رأي اغلب الفقه على
اعتبار أن مثل هذا الصنف من الجرائم لا يبيح الدفاع الشرعي عن النفس ذلك لأنه لابد
من الاعتداء الذي عنه هذا الحق من أن يستخدم في ارتكاب القوة المادية، وان القوة
التي تستخدم لدفع مثل هذا الصنف من الجرائم لا تأتي عادة الا بعد وقوع الجريمة
فعلا ومن ثم فإنها تاخد صورة الانتقام لا صورة الدفاع الشرعي ومثال ذلك: حالة اذا
ما اعتلى شخص مكانا في الطريق العام وبدا في التفوه بشتائم مما يعتبر قذفا أو شيئا
موجه ضد شخص أخر معين فيسارع هذا الأخير إلى إمساكه محاولا إسكاته أو حجزه في مكان
مغلق بالقوة مما ينجر عنه بعض الجروح.
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن نفس الغير:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 39/02 ق ع ج على
ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع
عن النفس أو الغير".(1)
ومن نص هذه المادة يتبين أن المشرع الجزائري
أجاز الدفاع الشرعي عن نفس الغير واعتبره في نفس مرتبة الدفاع الشرعي عن نفس
المدافع وبالتالي فكل ما يتعرض اليه بخصوص الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي عن نفس
المدافع تنطبق أيضا على نفس الغير، أي أن الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق
بشخص المجني عليه كانسان وتتعلق بحياته وسلامة جسمه كالقتل والجرح والضرب وتلك
التي تعتبر من مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب و شرف ومكانة اجتماعية وكذلك
جرائم الاعتداء على حرية الغير كالقبض والحبس دون وجه حق وارتكاب فعل مخل بالحياء
مع امراة في غير علانية وجرائم السب والقدف وجميع الجرائم التي حمى المشرع العقابي
بمقتضاها الفرد(1).
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن المال:
اعتمادا على نص المادة 39/02 ق ع ج نستنتج أن أن
المشرع الجزائري انزل المال منزلة النفس فأباح الدفاع الشرعي ضد أي اعتداء يتهدده
وتبعا لذلك يعتبر التشريع الجزائري في هذا المجال من التشريعات الحديثة التي كرست
بصورة صريحة الدفاع الشرعي عن المال.
والمقصود بجرائم المال تلك الجرائم التي تتناول
بالاعتداء حقا يحميه القانون وذا قيمة اقتصادية، وأما الجرائم التي تتناول الأموال
فهي متعددة فمنها من يصيب الأموال وحدها ومنها ما يصيب النفس والمال معا، فمن
الجرائم التي تصيب الأموال جرائم السرقة والاغتصاب وجرائم التخريب اما الجرائم
التي تصيب المال والنفس معا فمنها الجرائم التي يكون سببها حريق أو استعمال
المفرقعات مثلا والتي من شانها تعريض الأنفس والأموال للخطر.
كما يتبين من نص المادة 39/02 ق ع ج أن المشرع
الجزائري قد أورد الدفاع الشرعي عن المال سواء أكان مملوك للشخص أو الغير على
إطلاقه اما التشريعات الأخرى من بينها التشريع التونسي فقد لزمت الصمت بخصوص هذه
المسالة(1) .
المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي
الواردة في المادة 40 قانون العقوبات الجزائري:
تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من ق ع ج على
مايلي:" يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء
على حياة شخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو مداخل المنازل أو الأماكن
المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها اثناء الليل".
أن هذه الفقرة الاولى من نص المادة يتيح استعمال
جميع الطرق لمقاومة المعتدي كالضرب والجرح أو حتى القتل أن اقتضى الأمر ذلك ويكون
حق الدفاع وارد في هذه الحالة سواء تعلق الأمر بالجرائم المرتكبة على النفس أو
المال لكن هذه الاباحة ليست مطلقة بل مقرونة بشروط.
فما هي هذه الشروط؟
الشروط الواجب توفرها لتكون أمام حالة من
الحالات الممتازة وهي:
1- لابد أن يكون أولا أن يكون الخطر مهددا
بالاعتداء على حياة المدافع نفسه كاعطاءه مواد ضارة أو على سلامة جسمه كالضرب
الجسيم(1). بمجرد أن يقع خطر من شانه المساس بسلامة الجسم كان يعتدي على المدافع
بالضرب المبرح الذي يؤدي إلى إحداث جراح بليغة يترتب عليها عاهات وتشوهات أو مرض
يفضي إلى عجز من مزاولة الحياة العملية والعادية مدة طويلة فيقوم الحق في الدفاع
الشرعي بالطرق المشروعة(2)
كما أن الاعتداء على حياة الإنسان كإجباره على
تناول السم مثلا أو كمية من المخدرات وغيرها من المواد الضارة التي تؤثر على حياته
فتهلكه بمنح الحق الحق في الدفاع الشرعي.
2- ويضاف إلى هذه الجرائم الوقعة على النفس، هتك
العرض، الاعتداء على امرأة أو إتيانها كرها وتدنيس شرفها بالقوة أو التهديد هي
كلها جرائم أباح فيها القانون استعمال كل الوسائل للدفاع بل وحتى القتل(1).
3- أن يكون الاعتداء متمثلا في تسلق الحواجز أو
الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو كسر شيء منها أثناء الليل،
ويستوي في ذلك دخول المنزل أو ملحقاته أن يكون قد تم فعلا أو مازال في مرحلة
الشروع ولا اهمبة بعد ذلك أن يكون الدخول من الباب المخصص لذلك أو بتسلق جدار
المنازل ليقوم الحق في الدفاع الشرعي(2).
ويوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو
الاحواش أو حضائر الدواجن أو اية ابنية أو حدائق وذلك بطرق تسلق الحيطان أو
الابواب أو السقوف، ولا يكفي أن يتم الدخول إلى الاماكن بالطرق المذكورة في م 40 ق
ع ج لاباحة فعل الدفاع اذ لابد من توفر شرطين أساسين:
1- أن يكون المكان مسكونا فعلا وليس معدا لسكن.
2- أن يكون الدخول تم فعلا في الليل.
أولا: أن يكون
المكان مسكون فعلا وليس معدا للسكن فلا يكفي أن يكون معدا للسكن فقط، ولكن لم
يسكنه احد بعد ولكن القانون لا يتطلب وجود سكان وقت دخول المعتدي فقد يقع الاعتداء
عند مغادرته ويصدر الدفاع من احد الجيران أو الحارس وهنا يكون الفعل مباحا لان
الدفاع من الغير يعد مشروعا(3).
ويعد سكن كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة متى
كان الشخص يسكنه على سبيل الدوام والاستقرار، فلا يدخل في هذا الإطار الفنادق و
غيرها من أماكن السكن الخاصة.(1)
اما الواقع هي أماكن غير مسكونة ولا مأهولة
بالسكان لكنها متصلة به كالحديقة والمخازن الاحواش وجراج السيارة أو اصطبل
المواشي(2).
حتى وان كانت محاطة بسياج خاص أو سور عام.
والمشرع استعمل عبارة "أو كسر شيء منها
اثناء الليل" نية المعتدي كسر شيء بعد التسلق جازت تسمية الموقف بحالة دفاع
شرعي ويكون مثلا بفتح أي أجهزة من أجهزة الإقفال أو بكسره بأية طريقة.
أن الدخول إلى منزل مسكون أو إحدى ملحقاته بتلك
الطريقة المذكورة في م 40ق ع ج لا يبيح وحده الدفاع الشرعي اذ لابد ن يتم ذلك
ليلا.
ثانيا: يشترط
لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يقع الاعتداء ليلا، وفي حالة وقوعه نهارا يفقد
الامتياز الممنوح له بالمادة40 ق ع ج وبهذا جعل المشرع الجزائري من ميزة الدخول
ليلا قرينة على سوء القصد والتهديد بخطر جسيم يبرر نعه بالقوة التي تصل إلى حد
القتل، فمن يدخل سكن الغير ليلا دون رضاه ودون أن يكون في وسع حائز المنزل العلم
بغرضه، اذ من المتصور أن يكون يريد شرا قد يكون بالغ الخطورة كالقتل أو السرقة أو
اغتصاب امرأة أو هتك عرض بالقوة يكون لصاحب المنزل الحق في مقاومته بكل الطرق
المشروعة المذكورة في المادة 40ق ع ج .
ويقصد بالليل الفترة الزمنية بعد شروق الشمس
وقبل غروبها والمغزى من اشتراط الدخول ليلا لنكون أمام حالة من حالات الممتازة
لدفاع الشرعي ما يحدثه الدخول المفاجيء في حلكة الليل من هلع في نفس المدافع
والسبب في ذلك كون الليل ظرفا موحشا يتسم الكون فيه بالهدوء بالإضافة إلى صعوبة
الاستعانة بالآخرين ليلا. وهو يعطي للجاني فرصة اكبر لإتمام فعلته(1).
والسؤال المطروح هو مجرد الدخول ليلا حسب نص
المادة 40 ق ع ج يحمل بذاته فعلا قرينة الإجرام بحيث يصح لصاحب الدار أن يعتبره
اعتداء على ماله أو نفسه.
فالمنطق يدعونا لتطبيق الأحكام العامة لنظرية
الدفاع الشرعي هذه الحالة يكون المدافع في هذه الحالة مسؤولا عن جريمته على أساس
العمد.
الحالة الثانية المنصوص عليها في م 40 ق ع ج .
تنص م /0240 ق ع ج على مايلي: " يدخل ضمن
حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
الفعل الذي يرتكب لدفاع عن النفس أو الغير ضد
مرتكب السرقات أو النهب بالقوة".
وشرط قيام هذه الحالة:
على أن يهدد الخطر النفس أو المال ويستوي فيها
أن يكون الخطر موجها إلى المدافع أو الغير وهذا خلافا للحالة الاولى التي لابد أن
يهدد الخطر المدافع نفسه.
ثانيا ان يقع التهديد من أشخاص يرتكبون السرقات
أو النهب بالقوة سواء أكان التهديد أو الخطر ليلا، أو نهارا وهذا خلاف الحالة
الاولى(2).
أن المشرع اباح حق الدفاع ضد مرتكبي السرقات
والنهب بالقوة واعتبره أمرا خطيرا جعل المجتمع تحت رحمة سلطة الأشرار أو قطاع
الطرق وشعارهم البقاء للأقوى، لذلك فقد أباح المشرع الدفاع الشرعي في هذه الأفعال
حاثا الناس على الدفاع عن حقوقهم ضد السرقات التي ترتكب بالقوة والإكراه ودون
التقييد بالشروط التي جاءت بها النظرية العامة للدفاع الشرعي.
وتعالج هذه الحالة جميع أنواع السرقات بالإكراه
التي ترتكب في الطرق العمومية(1).
وبهذا فقد أجاز المشرع للفرد أن يدافع عن ملكه
أو ملك الغير وعن نفسه وعن نفس الغير ضد مرتكبي جرائم السرقة والنهب سواء حدث ذلك
ليلا أو نهارا.
نلاحظ أن المشرع الجزائي قد اباح حق استعمال
القتل اذا تعلق الامر بحالة من حالات الممتازة وهو اشد أفعال الدفاع جسامة، وهذا
ما لم يسمح به في المادة 39/02 ق ع ج الا بعد توافر كل الشروط منها ضرورة أن يكون
الفعل متناسبا مع جسامة الخطر فاذا وجدت وسيلة أخرى لتفادي الخطر الذي يهدده كانت
اقل جسامة من القتل بتحطيم السلاح الذي يستعمله أو تمزيق ملابسه أو حبسه الوقت
اللازم للاستعانة بالسلطات، أو ضربه حتى يغمى عليه لكنه مع هذا لجا إلى القتل
اعتبر هذا تجاوز لحق الدفاع ويكون مرتكبه مسؤولا جنائيا.
أما اذا كان المدافع أمام حالة من الحالات
الممتازة فله أن الجرح أو يضرب أو يقتل اذا اقتضت الضرورة ذلك لتفادي الخطر الذي
يهدد حياته أو سلامة جسمه، أو للدفاع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات والنهب
بالقوة(2)
الفصل الثاني: الشروط الجوهرية العامة للدفاع
الشرعي حسب تنظيم المشرع الجزائي الجزائري:
أن الدفاع الشرعي يفترض وجود فعل اعتداء من
ناحية وفعل دفاع من ناحية أخرى ومن الضروري توفر شروط معينة في كلا الفعلين حتى
يرتب فعل الدفاع الشرعي أثره في إباحة فعل الدفاع، وتحديد هذه الشروط ومدى توافرها
ضروري لتمكين المحكمة من مراقبة توافر الدفاع الشرعي(1).
أما فيما يتعلق بموقف المشرع الجزائري من هذه
المسالة فقد بينت المادة 39/02 و 40 من ق ع ج أن ثبت شروط ينبغي توافرها حتى تقوم
حالة الدفاع الشرعي، وهذه الشروط ترجع أما إلى فعل الاعتداء الذي يبرر الدفاع (
شروط الاعتداء) وأما ما يقع على المعتدي عليه دفاع لتعدي ( شروط الدفاع).
ووصولا لتوضيح الشروط الجوهرية العامة للدفاع
الشرعي حسب رأي المشرع الجزائري قسمنا هذا الفصل الثاني إلى مبحثين.
تعرضنا في المبحث الأول إلى الشروط الواجب
توفرها في فعل العدوان وذلك في مطلبين نتناول في المطلب الأول الشرط الأول وهو أن
يكون الخطر حال وغير مشروع وفي المطلب الثاني الشرط الثاني المتعلق بفعل العدوان
هو أن يهدد الخطر النفس أو المال.
أما المبحث الثاني تعرضنا من خلاله إلى الشروط الجوهرية
التي استوجب المشرع الجزائري توفرها في فعل الدفاع في مطلبين، وضحنا في المطلب
الأول الشرط الأول والمتمثل في شرط التناسب أما المطلب الثاني خصصناه لدراسة الشرط
الثاني والمتمثل في شرط اللزوم.
المبحث
الأول: الشروط المتعلقة بفعل العدوان:
أن العدوان باعتباره إهدارا لحق أو تهديد له من
توافره على بعض الصفات لكى يثبت حق المعتدي عليه في استعمال القوة لرده ولفظ
الاعتداء لا يتعلق بالفعل في حد ذاته وإنما الخطر الذي يهدد المعتدى عليه، ذلك أن
فعل الدفاع يتجه إلى الخطر لصده قبل أن يتحول إلى اعتداء فعلي والخطر الواجب
مواجهته وصده بفعل الدفاع هو اعتداء حال على حق يحميه القانون(1).
ويتوسع القانون في تحديد الخطر الذي يقوم به
الدفاع الشرعي فيستوي خطر المدافع نفسه والخطر الذي يهدد غيره بمعنى أن المشرع
يبيح لكل شخص أن يدافع عن حقوقه كما يبيح له أن يدافع عن حقوق غيره ولا يتطلب ذلك
وجود صلة تربط بين من يصدر عنه فعل الدفاع وصاحب الحق المعتدي عليه والدفاع جائز
عن النفس وعن المال والدفاع جائز سواء كان الخطر جسيما أو غير جسيم(2).
وبناء على المادة 39/02 ق ع ج يمكننا أن نقسم
الشروط المتعلقة بفعل الاعتداء إلى قسمين: أن يكون الخطر حالا غير مشروع، وان يهدد
الخطر النفس أو المال، ولتوضيح ما تم تقديمه قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين: تناولنا
في المطلب الأول معنى الخطر الحال غير المشروع، وفي المطلب الثاني بيان مضمون أن
يهدد الخطر المال أو النفس باعتبارها شرط لقيام فعل العدوان وذلك على النحو التالي:
المطلب
الأول: أن يكون الخطر حالا وغير مشروع:
حق الدفاع الشرعي يوجد إذا واجه المدافع خطر حال
يتعذر معه الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب وهذا
الخطر الحال يكون ناتج عن فعل غير مشروع أي أن هذا الفعل يهدد بوقوع جريمة أو استمرارها(1)
وسوف نبين ذلك وفق الترتيب التالي:
الشرط الأول: أن يكون الخطر حالا:
يشترط باعتبار الشخص في حالة دفاع شرعي أن يكون
الاعتداء الذي يرمي إلى دفعه حالا أو وشيك الحلول وهو ما يعبر عنه نص المادة 39/02
ق ع ج بلفظ الضرورة الحالة للدفاع الشرعي أو المشروع فإذا زال الخطر أو تحقق
الاعتداء فلا محل للدفاع ويسال المعتدي عليه جنائيا عن العنف الذي استعمله ضد
المعتدي بعد وقوع الاعتداء لان استعمال العنف في هذه الحالة يكون من قبيل الانتقام
الفردي الذي يعاقب عليه ومع ذلك فان المعتدي عليه يستفيد في هذه الحالة من الظروف المخففة
بسبب الاعتداء الذي وقع عليه، ويكون الخطر حالا في إحدى الصورتين:
1- أن يكون الاعتداء لم يبدأ بعد لكنه على وشك
أن يبدأ.
2- أن يكون الاعتداء قد بدا فعلا لكنه لم ينته
بعد.
ففي الصورة الاولى يتجه الدفاع إلى المعتدي
لمنعه من البدا في عدوانه وفي الصورة الثانية يتجه لمنع المعتدي من إكمال
عدوانه(2).
الصورة الاولى:
حيث يكون الاعتداء لم يبدأ بعد لكنه على وشك أن
يبدأ أي أن الخطر وشيك وذلك بصدور أفعال من المعتدي يجعل من المنتظر أن يبدأ
بالاعتداء فورا كمن يخرج مسدسه للاعتداء على شخص أخر و يبدأ في تعبئته بالطلقات فالمهدد
بهذا الخطر يجوز له الدفاع على الرغم من أن الاعتداء لم يبدأ إذ أن الخطر الذي
يهدده حالا والقانون لا يلزم المهدد بخطر الاعتداء أن ينتظر وقوع الاعتداء حتى
يبيح له الدفاع بل يجيز له الدفاع بمجرد أن يتهدده خطر وشيك الوقوع، ولتحديد ما
إذا كان الخطر وشيكا أو مستقبلا يتعين افتراض وجود شخص معتاد احاطة به ظروف المهدد
بالخطر ونتساءل عن كيفية تقرير هذا الشخص لخطر فهل يراه وشيكا ام مستقبلا.
فالمعيار الموضوعي قوامه الشخص المعتاد ولكنه
يطبق بالنظر إلى الظروف واقعة معينة، فهو موضوعي حتى نتجنب التقرير المنحرف للمهدد
بالخطر وهو واقعي لأنه يجوز إغفال الظروف التي أثرت على تفكير المهدد بالخطر(1).
الصورة الثانية:
حيث يكون الاعتداء قد يبدا فعلا لكنه لم ينته
بعد وتفترض هذه الصورة للخطر الحال فالمعتدي قد ضرب المعتدي عليه مرة ويستعد لان
يوجه اليه ضربات تالية أو استولى على بعض ما يملك ويستعد للاستيلاء على ما تبقى
لديه.
فالدفاع جائز بغير شك لتفادي الاعتداء الذي يوشك
أن يتحقق أما إذا انتهى الاعتداء تنتفي عن الخطر صفة الحلول فلا محل للدفاع اذ انه
لن يدرا خطر حالا وكل عنف يقع من المعتدي عليه يعتبر فعلا غير مشروع وتطبيقا لذلك
فاذا اعتدى شخص على اخر بالضرب ثم فر فتبعه المجني عليه حتى لحق به فضربه فلا
يمكنه الاحتجاج بالدفاع الشرعي فلم يكن هناك محل للدفاع بعد هرب المعتدي، كذلك إذا
استطاع المعتدي عليه انتزاع السلاح من يد المعتدي فصار اعزل لا يصدر عنه خطر فلا
محل للدفاع(1).
وان اشتراط حلول الخطر كشرط لتبرير استعمال
القوة اللازمة لدرئه يثير التساؤل حول الموقف من الخطر الوهمي والخطر
المستقبلي:
أ- الخطر الوهمي:
قد تحيط بالشخص ظروف من شانها إيهامه بان تمت
خطر حال يهدده فيقوم تحت تأثير الاضطراب والانفعال إلى إتيان أفعال مادية تتميز
بالعنف والقوة على سبيل الدفاع توصلا لحماية نفسه أو ماله ثم تتبين النتيجة بعد
استنفاد تلك الأعمال وأحيانا بعد وقوع الآثار الضارة المترتبة عنها ومن الواضح أن
مثل هذه الحالة تثير الكثير من التساؤلات والجدل القانوني حول ما إذا كان يجوز
للفاعل أن يتدرع بحق الدفاع الشرعي كسبب إباحة أو تبرير وما إذا كان وضع الفاعل
يتعادل أو يتساوى مع وضع من تعرض إلى خطر حال كان يبصر المتهم شخصا مقبل نحوه في
الظلام يحمل شيء غثير واضح فيعتقده خصما له يحمل سلاحا يقصد الفتك به فيعاجله
باطلاق النار عليه ويجرحه أو يقتله ثم يتبين بعد ذلك أن أن المجني عليه شخص عابر
وينقل غرض عادي (2).
وقد اتجهت محكمة النقض الفرنسية في هذا المجال
إلى التفرقة بين حالتين:
وهما الخطر المشابه للخطر الحال فإذا كان الخطر
معقولا في حدوثه بان كانت هناك دلائل ملموسة مستخلصة من سلوك المعتدي حركاته أو
كلامه تجعل الشخص يعتقد أن خطرا يهدده فان الدفاع يكون جائزا وفي هذا الصدد قضت
باباحة فعل الأب الذي أطلق عيارا ناريا على شخص كان يوجه مسدسه إلى ابنه معتقدا
انه يريد قتله ولكنه كان في حقيقة الامر يداعبه.
أما إذا كان الخطر في حقيقته خياليا لا تدعمه
ظاهرة ملموسةبحقيقة وبإمكانية وقوع عدوان لا يكون الدفاع الشرعي جائزا(2)
أما القضاء المصري فيرى أن الاعتداء الوهمي يكفي
لقيام حالة الدفاع الشرعي فإذا كان المدافع قد توهم وجود خطر أي خطر حقيقي يحدق به
وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة فان الفعل الذي يأتيه ردا لهذا الاعتداء
الوهمي يعد شرعيا ويقدر موقف المدافع وفقا لموقف الشخص المعتاد الذي وجد في مثل
ظروفه القول بمعقولية أسباب الاعتقاد وعلى ذلك فمن وجه إلى أخر سلاحا خاليا من
الطلقات وممسكا بزناده فان ذلك يبرر قيام حالة الدفاع الشرعي وقد ساير المشرع
المصري هذا الاتجاه حيث أورد في المادة 249 من قانون العقوبات عبارة " ...
التخوف ويشترط أن يكون هذا التخوف مبنيا على أسباب معقولة..."(1).
إذا كان هذا هو الحال في مصر فان الأمر مختلف في
الجزائر حيث أن المشرع الجزائري نص في المادة 39/02 ق ع ج على أن يكون العدوان
حالا وهذا الشرط مستخلص من عبارة "الضرورة الحالة" ولذلك يمكن القول بان
سبب الإباحة لا يتوافر في فعل الشخص الواهم وذلك لان أسباب الإباحة موضوعية لا
شخصية يجب البحث عنها في الظروف المحاطة بالسلوك المادي للشخص فالخطر الذي يبرر
الدفاع الشرعي هو اذن الخطر الحقيقي لا الخطر الوهمي لأنه دفاع غير مشروع (2).
ب- الخطر المستقبلي:
تنتفي عن الاعتداء صفة الحلول إذا كان الخطر
الذي يهدد به مستقبلي فاذا هدد شخص شخصا أخر بأنه سيقتله بعد يوم أو بعد أسبوع فان
الخطر لا يكون وشيكا انما مستقبلا أو محتملا يمكن تداركه بالالتجاء إلى السلطات
العامة في الوقت المناسب وتنتفي بذلك شروط الدفاع الشرعي(1).
ويثور التساؤل عن حكم وضع وسائل الدفاع
الميكانيكية عن النفس أو المال كمن يضع فخا لحماية نفسه أو بيته ثم جاء لص واقتحم
المنزل و السيارة فأصابه الفخ، ففي هذا الغرض لا يمكن القول أن الخطر مستقبل أو
محتمل لان العبرة في وصف الخطر لا يكون بوقت وضع الفخ وإنما بالوقت الذي أحدث فيه
هذا الفخ الإصابة أو القتل ففي هذا الوقت كان الخطر حالا وتوافرت شروطه وبقى بعد
ذلك التأكد من توافر باقي شروط الدفاع حتى يتمكن الاستناد إليه لتبرير الإصابات أو
القتل الذي أحدثه الفخ(2).
الشرط الثاني أن يكون الخطر غير مشروع:
ويوصف الخطر انه غير مشروع إذا كان من شانه أن
يحقق اعتداء محتملا على مصلحة يحميها القانون بمعنى أن يهدد وتتحقق نتيجة إجرامية
معينة فمن يهدد شخصا بسلاح في يده ينشا بفعله خطر يهدد حق المعتدي عليه في الحياة
وهو حق يحميه القانون الجنائي ويهدد بتحقيق الوفاة وهي نتيجة إجرامية تقوم بها
جريمة القتل التي يعاقب عليها القانون الجنائي ويعد الخطر الذي ينشا عن هذا الفعل
غير مشروع(3).
والمعيار في اعتبار الخطر غير مشروع يقتضي البحث
عن النتيجة التي يحتمل أن يحققها هذا الخطر والتأكد من أنها تمثل اعتداء على حق
يحميه القانون وهذا يعني أن المعيار في اعتبار الخطر غير مشروع هو معيار موضوعي.
اذ لا يقتضي غير دخول الاعتداء المحتمل نطاق احد
نصوص التجريم، على ذلك فان المعتدي عليه لا ينتظر تحقق نتيجة الخطر الذي يتهدده بل
له الحق في الدفاع بمجرد قيام الخطر غير انه يشترط أن يكون الاعتداء بفعل يعد في
القانون جريمة سواء كانت تامة أو بتصور الشروع فيها سواء كانت جريمة ايجابية ام
سلبية ويستوي أن يكون الاعتداء محققا بالفعل وان يكون هناك خطر أو اعتداء وشيك
الوقوع محتملا تحققه(1) .
وهذا اعتبار الصفة غير المشروعة للخطر شرطا من
شروط الدفاع الشرعي يتير التساؤل حول مدى الاحتجاج بالدفاع الشرعي ازاء بعض أنواع
العدوان وسوف نتناول منها الدفاع الشرعي ضد فعل مباح وأخيرا إذا كان المعتدي
مستفيدا من عذر أو غير مسؤولا جنائيا.
ا- الدفاع الشرعي ضد فعل مباح:
إذا كان الاعتداء مشروع فلا قيام للدفاع الشرعي
ويكون كذلك إذا كان خاضعا لسبب إباحة فتوافر احد أسباب الإباحة يحول الفعل غير
المشروع إلى فعل مشروع لا يجوز للابن أن يدافع عن نفسه ضد تأديب الأب أما إذا جاوز
هذا الاخير الحد المقرر قانونا فان الفعل المتجاوز غير مشروع(2).
ولا قيام للدفاع الشرعي إذا كان الاعتداء تنفيذا
الأمر الصادر عن الرئيس أو تأمر به القوانين، فالموظف الذي ينفذ أمر القانون أو
أمر الرئيس ويرتكب أفعالا تنطوي على خطر يصيب الأشخاص و الأموال أو يلحق بهم ضررا
لا يجوز مقاومتها بحجة الدفاع الشرعي لان هذه الأفعال تعتبر مشروعة لأنها مقترنة
بسبب يبررها وهو تنفيذ القانون أو أم
بما أن المجتمع هو الإطار الذي يجب أن يعيش فيه
الإنسان فان من حقه ومن واجبه مواجهة الأفعال غير المشروعة التي تهدد كيانه وتمس حسن
سير مؤسساته.
وقد كان سائدا في مختلف القوانين والتشريعات أن
الجرائم يهدد امن واستقرار المجتمعات البشرية وتمس مصالح الناس اينما ارتكبت
وكيفما وقعت لذا وجب مقاومتها ضد أي مصلحة كانت وهذه الجرائم وإما أن تكون جرائم
اعتداء على النفس أو العرض وإما أن تكون جرائم اعتداء على المال فتعد بذلك أفعال
مجرمة لأنها تحمل في طياتها معنى الاعتداء على حق يحميه القانون.
أما إذا تجردت هذه الأفعال من معنى العدوان كانت
أفعال مباحة ومشروعة كحق الدفاع الشرعي الذي يعتبره المشرع العقابي الجزائري من
أهم تطبيقات نظرية الإباحة في المادتين 39/ف 1 و 40 من قانون العقوبات الجزائري.
وأسباب الإباحة هي في الحقيقة قيود ترد على نص
التجريم فتجمد وتبطل مفعوله إذ تخرج الواقعة من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة.
ولموضوع الدفاع الشرعي أهمية بالغة وهو من أهم
تطبيقات نظرية الإباحة التي عرفتها القوانين الجنائية عبر العصور ومن بينها
القانون الجنائي الجزائري حيث انه سبب يستند إلى غريزة طبيعية في النفس البشرية
تجعل المعتدي عليه يتصدى لكل اعتداء يواجهه من الغير هذا من جهة ومن جهة.
ومن جهة أخرى فهو مجال المفاضلة بين مصلحتين
متعارضتين مصلحة المعتدي ومصلحة المعتدي عليه حيث تكون مصلحة المعتدي عليه أولى
بالاعتبار ان المعتدي بفعله يشكل خطر على المصلحة الفردية والجماعية.
ومن ثم اعتبرت الأفعال المرتكبة في حالة دفاع
شرعي أفعال غير معاقب عليها نتيجة لذلك فالدفاع الشرعي حق يعترف به القانون لأنه
يحقق أهداف النظام القانوني كله ويتفق مع غايات المجتمع والدفاع الشرعي في قانون
العقوبات الجزائري تفرضه متطلبات نظرية وأخرى عملية.
فمن الناحية النظرية تبرز قيمة هذا الموضوع من
خلال الأهمية التي يتمتع بها وهذا ناتج عن قدم وتشعب الدراسات بشأنه لدى الفقهاء
الوضعيين وكذلك عن فقهاء المسلمين الذين عرفوا الدفاع الشرعي بمصطلح "دفع
الصائل" أما من الناحية العملية فتبرز أهمية دراسة هذا الموضوع فيما يلي:
- توعية وتحسيس الأشخاص بالشروط والأحكام
القانونية لقيام حالة الدفاع الشرعي، سواء كان دفاعا عن النفس أو المال أو العرض
أو نفس الغير أو ماله.
التوضيح أو الإشارة إلى الحالات الممتازة التي
تقوم فيها حالة الدفاع الشرعي( الحالات الخاصة كما يسميها البعض).
التعريف بحدود و شروط قيام حالات الدفاع الشرعي
وأثارها وتحديد موقف المشرع الجزائي الجزائري من هذه المسائل.
وإذا كان الدفاع الشرعي من المواضيع التي عولجت
من قبل فإننا سوف نحاول من خلال هذه الدراسة بيان كيفية معالجة المشرع الجزائري
لمبدأ الدفاع الشرعي من خلال تحديد مفهومه وأساسه وبيان شروطه الجوهرية الواجب
توفرها في فعل العدوان من جهة وفي فعل الدفاع من جهة أخرى ومن حيث تجاوز حدوده
وإثباته وإبراز الآثار القانونية المترتبة عنه.
ولمعالجة هذه الإشكالية سوف نتطرق للإجابة عليها
من خلال فصل تمهيدي وأربعة فصول.
نتناول في الفصل التمهيدي مفهوم الدفاع الشرعي
ومراحل نشأته وتطوره خلال مبحثين، خصصنا المبحث الأول لتحديد مفهوم الدفاع الشرعي،
وصولا الى ذلك قسمنا هذا المبحث الى مطلبين تناولنا في المطلب الأول تعريف الدفاع
الشرعي، وفي المطلب الثاني تعرضنا إلى الطبيعة القانونية لمبدأ الدفاع الشرعي
محددين في نفس الوقت موقف المشرع الجزائري من هذه المواضيع.
وأما المبحث الثاني فقد خصصناه لعرض أهم المراحل
التاريخية التي مرت عليها فكرة الدفاع الشرعي خلال تطورها قبل أن تستقر على ما هي
عليه في الوقت الحاضر من خلال مطلبين خصصنا المطلب الأول لتحديد مفهوم الدفاع
الشرعي عند الحضارة الرومانية وعند الحضارة الأوروبية في وقت سيطرت الكنيسة أما
المطلب الثاني فقد خصصناه من ناحية لتوضيح رأي الشريعة الإسلامية في مبدأ الدفاع
الشرعي ومن ناحية أخرى لتوضيح محتوى القانون الفرنسي فيما يتعلق بحالة الدفاع
الشرعي على اعتبار ان القانون الفرنسي من القوانين التي أولت عناية خاصة بهذا
الموضوع.
أما الفصل الأول فسنتناول في أساس الدفاع الشرعي
وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري وذلك في صورة مبحثين.نتعرض في البحث الأول إلى
أساس الدفاع الشرعي وذلك في مطلبين، المطلب الأول حددنا من خلاله كيف تم تحديد
أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي العقد الاجتماعي و المنفعة الاجتماعية، وننتقل
بعدها في المطلب الثاني إلى تحديد أساس الدفاع الشرعي بناء على نظريتي الإكراه
وتنازع الحقوق.
وفي المبحث الثاني نتناول أي أحكام الدفاع
الشرعي في قانون العقوبات الجزائري ونميز بين الحالات العادية للدفاع الشرعي التي
تشكل المطلب الأول والحالات الممتازة للدفاع الشرعي والتي تمثل المطلب الثاني.
أما الفصل الثاني فقد كان من الضروري بناء على
ما تقدم أن نتعرض فيه إلى الشروط الجوهرية العامة للدفاع الشرعي حسب تنظيم المشرع
الجنائي الجزائري من خلال مبحثين خصصنا المبحث الأول لبيان الشروط المتعلقة بفعل
العدوان وذلك في مطلبين الأول أن يكون الخطر حالا وغير مشروع والثاني ان يهدد
الخطر النفس آو المال.
أما المبحث الثاني فقد خصصناه لبيان الشروط
المتعلقة بفعل الدفاع في مطلبين تناولنا في المطلب الأول شرط التناسب وفي المطلب
الثاني شرط اللزوم.
أما الفصل الثالث فيتضمن تجاوز حدود الدفاع
الشرعي وإثباته في مبحثين تعرضنا في المبحث الأول إلى تجاوز حدود الدفاع الشرعي
وذلك في مطلبين تناولنا في المطلب الأول معنى تجاوز حدود الدفاع الشرعي.
وفي المطلب الثاني الحكم القانوني لعذر التجاوز
وفقا لقانون العقوبات الجزائري أما المبحث الثاني فيتضمن إثبات حالة الدفاع الشرعي
وصولا إلى معرفة ذلك قسمنا المبحث إلى مطلبين حددنا في المطلب الأول إثبات الدفاع
الشرعي في الحالات العادية وفي المطلب الثاني إثبات الدفاع الشرعي في الحالات
الممتازة.
وأخيرا نتطرق في الفصل الرابع إلى أثار الدفاع
الشرعي في صورة مبحثين وضمنا في المبحث الأول الآثار المترتبة على فعل الدفاع في
شكل مطلبين تضمن المطلب الأول حالة إصابة حق الغير دون عمد.
وفي المطلب الثاني حالة إصابة حق الغير عمدا.
إما المبحث الثاني خصصناه لبيان الأثر الثاني
المتمثل في انتفاء المسؤولية بوجهيها المدني والجزائي وذلك في مطلبين الأول يتضمن
معنى انتفاء المسؤولية المدنية والثاني يتضمن معنى انتفاء المسؤولية الجزائية.
الفصل
الأول: أساس الدفاع الشرعي وأحكامه في قانون العقوبات الجزائري:
بعد أن تعرضنا في الفصل التمهيدي إلى مفهوم
الدفاع الشرعي والى التطور التاريخي الذي مرت به هذه الفكرة قبل أن تستقر على ما
هي عليه في الوقت الحالي.
سوف نخصص هذا الفصل الأول لتوضيح الأساس التي
يستند عليه الدفاع الشرعي لتبرير مشروعية فعل المعتدي عليه واعتباره فعلا مباحا
غير معاقب عليه قانونا.
كما سنبين أحكام الدفاع الشرعي في قانون
العقوبات في قانون العقوبات الجزائري حيث أن المشرع الجزائري قد عدد حالات الدفاع
الشرعي في المادتين 39/ف 1 و40 من قانون العقوبات الجزائري، واعتبر كل فعل من شانه
درء الخطر المحدق بالمدافع نفسه أو ماله أو مال الغير فعلا مباحا ولكن بشرط توافر
شروط معينة في الخطر وأخرى في فعل الدفاع على النحو الذي سوف نبينه لاحقا في الفصل
الثاني وأطلق عليها اسم الحالات العادية للدفاع الشرعي وهذا في المادة39/02 ق ع ج
غير انه أجاز في بعض الحالات التي تعد من قبيل الضرورة الحالة التخلي عن بعض
الشروط من بينها لزوم فعل الدفاع أو تناسب مع درجة الاعتداء وأطلق عليها اسم
الحالات الممتازة لدفاع الشرعي، وقد نظمت أحكام هذه الحالات وشروطها في المادة 40
ق ع ج سواء تعلق الأمر بتحديد أساس أو أحكام الدفاع الشرعي ووصولا إلى تحليل كل
هذه المواضيع.
وسنتناول بالدراسة في المبحث الأول تحديد أساس
الدفاع الشرعي على ضوء النظريات المنظرة لمبدأ الدفاع الشرعي خلال مطلبين.
المطلب الأول نخصصه لبيان تعريف أصحاب نظرية
العقد الاجتماعي وأصحاب المنفعة الاجتماعية أما المطلب الثاني فنخصصه لتوضيح
الكيفية التي عرف بها الدفاع الشرعي في نظر أصحاب نظرية الإكراه من ناحية وأصحاب
نظرية تنازع الحقوق من ناحية أخرى.
المبحث الأول: أساس الدفاع الشرعي:
إذا كان الاعتراف بحق الدفاع الشرعي لا يثير
جدلا في التشريعات الحديثة فان أساس هذا الحق يعتبر محل خلاف بين الفقهاء.
فمنهم من يرده إلى فكرة العقد الاجتماعي ومنهم
من يرده إلى فكرة المنفعة الاجتماعية وجانب أخر يرده إلى فكرة الإكراه بينما يعتبر
البعض الأخر فكرة تنازع الحقوق أساس الدفاع الشرعي وفيما يلي سوف نوضح ذلك من خلال
مطلبين نتناول في المطلب الأول نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة العامة وفي المطلب
الثاني نظرية الإكراه وتنازع الحقوق.
المطلب
الأول: نظريتا العقد الاجتماعي والمنفعة الاجتماعية:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا دراسة نظرية
العقد الاجتماعي وتبين النقد الموجه لهذه النظرية ثم نتناول ثانيا نظرية المنفعة
الاجتماعية وموقفها بالنسبة للدفاع الشرعي والنقد الموجه إليها في هذا الشأن.
أولا: نظرية العقد الاجتماعي:
يرى أصحاب هذه النظرية ومن بينهم "توماس
هوبس"(1) و " جون جاك روسو"(2) و " جون لوك"(3) أن
الاعتداء الحاصل من شخص على آخر ويبرر حق هذا الأخير في الرد عليه، دفاعا عن
النفس، لإنهاء الارتباط بين المعتدي عليه دفاعا عن النفس لإنهاء الارتباط بين
المعتدي عليه وبين المجتمع الذي يعيش فيه حيث أن من شروط هذا الارتباط تخلي الفرد
للجماعة الممثلة بالسلطة القائمة عن حق وحماية نفسه وسلامته وحقوقه وأمواله على أن
تتولى هذه السلطة الحلول محله في تامين الحماية اللازمة والمناسبة لرد الاعتداء
عليه(4).
ومنه فان من يتهدده خطر جسيم في ظرف يستحيل معه
على السلطة أن تتحرك فيه لسبب من الأسباب لغيابها أو عجزها أو عدم تمكنها من
الإسراع في حمايته يكون قد استعاد حقه في حماية نفسه، كما لا يفترض فيه تحمل
الاعتداء من قتل أو جرح أو ضرب أو سرقة...الخ.
دون رد فعل منه بحجة الخضوع للقانون الذي يمنعه
من رد العدوان عن نفسه بنفس(5).
ما يمكن توجيهه لهذه النظرية أن هذه الفكرة وان
كانت تصلح للدفاع عن الحقوق الشخصية فأنها لا تصلح للدفاع عن حقوق الغير(1).
يضاف إلى ذلك أن تبرير الدفاع الشرعي اعتمادا
على نظرية العقد الاجتماعي يجعل الدفاع الشرعي أجراء ثانويا مكملا لأعمال الدولة
مما يبعده عن طبيعته القانونية كحق شخصي ذي طبيعة خاصة يمكن الفرد اللجوء إليه لرد
العدوان الذي يتعرض له، كما أنها تعجز عن تبرير مشروعية فعل التصدي للعدوان الذي
يتناول نفس أو مال الغير أو الأموال العامة(2).
ثانيا: نظرية المنفعة الاجتماعية:
يرى أصحاب هذه النظرية من بينهم " إرمابنتم(3)
و "جون ستيورات ميل"(4) أن من يد اعتداء يؤدي خدمة إنسانية عليا وعامة
مثل حراسة الأمن وجندي الحقوق وحامي الحريات، واذ انه من جهة أخرى يقوم بتخليص
المجتمع من مجرم أثم وعدو غادر ويشكل وجوده في الحياة خطر على الكيانات البشرية،
ومن جهة أخرى يؤمن انقاد مواطن صالح وعضو نافع في المجتمع يتعرض للهلاك والفناء
معنى ذلك انه لا يجوز لمن كان في خطر أن يمتنع عن ممارسة حق الدفاع فلا يمكن له
التنازل عن حياته أو سلامته لان هذه المقدسات الأساسية ليست ملكا له يتخلى عنها
وانما تعود للمجتمع ولا يجوز المساس بها ولو من قبل صاحبها لان زوالها مرتبط بزوال
الجماعات البشرية نفسها (3)
أن هذه النظرية لم تسلم من النقد، اذ في غالب
الأحيان ما يدل على أن شخصية المعتدي عليه فاعل الجريمة دفاعا قد لا يقل خطورة
إجرامية عن شخص المعتدي الأول وان المصلحة الاجتماعية قد تتعدى القضاء على الاثنين
معا، فمن الثابث عمليا أن حالات الدفاع عن النفس لا تقتصر كلها على معتدي مجرم
ومعتدى عليه شريف بل أن هذه الحالات تقع بين اشقياء معروفين بين الفريقين تصفية
حسابات أو إبراز عضلات أو الانتقام وقد تكتب الغلبة لمن هو أكثر بطشا أو الأمهر في
إطلاق النار(1).
المطلب
الثاني: نظريتا الإكراه وتنازع الحقوق:
سوف نتناول في هذا المطلب أولا نظرية الإكراه ثم
نتناول ثانيا نظرية تنازع الحقوق ونبين في كل مرة النقد الذي وجه إلى كل نظرية
فيما يتعلق بالدفاع الشرعي ونحاول أخيرا إبراز موقف المشرع العقابي الجزائري من
هذه النظريات محددين النظرية التي اعتمد عليها في تحديد أساس الدفاع الشرعي.
أولا: نظرية الإكراه:
مضمون هذه النظرية هو أن الدفاع الشرعي كسبب من
أسباب عدم المسؤولية الشخصية مبني على فكرة الإكراه المعنوي والاضطرابات و
الانفعالات التي تستولي على نفس المعتدي عليه والميل الغريزي للإنسان الذي يدفعه
إلى المحافظة على نفسه(1) .
بمعنى أن المعتدي عليه حينما يشعر بالخطر تنعدم
لديه حرية الاختيار فتتحرك فيه غريزة المحافظة على النفس ويندفع لدرء الخطر الذي
يداهمه دون التفكير في طريقة أخرى التي تخرجه من هذه الوضعية التي يكون فيها مهما
كانت طبيعتها والمعتدي عليه في هذه الحالة يجد نفسه مكرها نحو الجريمة ودفاعا عن
نفسه بحكم غريزة البقاء(2).
وما يمكن توجيهه لهذه النظرية هو انه ليس صحيحا
أن فعل الاعتداء يصل تأثيره إلى د إعدام الإرادة تماما بل انه هذا الفعل قد لا
يؤدي لا يؤثر على الإرادة مطلقان اذا كان يسيرا، كما يلاحظ أن الإكراه المعنوي
يترتب عليه عدم المسؤولية غير انه تبقى صفة الفعل غير مشروعة بينما في حالة الدفاع
الشرعي تزول الصفة الإجرامية عند فعل الدفاع الشرعي تماما(3).
ثانيا: نظرية تنازع الحقوق:
مضمون هذه النظرية هو انه في حالة الدفاع الشرعي
يقع اصطدام بين حقين ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على الحق الأفضل، هذا من جهة ومن
جهة أخرى فان الدفاع الشرعي حق خول للفرد استثناء من التجريم وذلك باتفاقه مع
أهداف النظام القانوني، وغايات المجتمع وتحقيقه لها فالنظام القانوني يهدف إلى
تحقيق المصلحة العامة ويوازن بين المصالح المتعارضة ويغلب إحداها على الأخرى(1) .
أن نظرية تنازع الحقوق يعاب عليها فقط انه في
حالة ما إذا كان الفعلين المتصارعين كلاهما غير مشروع فكيف يؤدي الصراع بينهما إلى
انعدام حق المعتدي وانقلاب فعل المدافع غير المشروع إلى فعل مشروع(2).
غير أن هذا الرأي هو الراجح لدى الفقه تأسيسا
على انه في حالة الدفاع الشرعي يقع التعارض بين حقين متكافئين من الناحية المجردة
وهما حق المعتدي وحق المعتدى عليه، فالأصل أن كل من المعتدي والمعتدى عليه حقهما
متساويان غير أن المعتدي باعتدائه قد يجعل حقه غير محترم كما أن بخروجه عن القانون
عرض نفسه لخطر الاعتداء المعاكس وعليه أن يتحمل عواقب أفعاله وتتم حماية المجتمع
للحقوق لنظر إلى القيمة الاجتماعية للحق وعليه ففي حالة الدفاع الشرعي يكون احد
الحقين جديرا بالحماية والأخر لابد من التضحية به ومن ثم فلا مناص من التضحية بحق
المعتدى لان عدوانه يهبط بالقيمة الاجتماعية للحق من ناحية ولأنه يصيب حق أخر هو
حق المجتمع من ناحية أخرى وعليه فان الدفاع الشرعي يباح لأنه وان أصاب بالاعتداء
حقا فانه يصب حقين ادهما للمعتدي والأخر للمجتمع وهذا الأخير صيانته واجبة وفيه
تكمن علة الإباحة إلى حد كبير(3).
والجدير بالذكر بناء على ما سبق ذكره أن المشرع
الجزائري اعتمد في تحديد أساس الدفاع الشرعي على الأساس المعتمد عليه في نظرية
تنازع الحقوق مسايرا بذلك راي غالبية الفقه حيث يرى أن المصلحة العامة تتحقق
بتفضيل مصلحة المدافع ( المعتدي عليه) على مصلحة الطرف الأخر( المعتدي) بناء على
قاعدة الضرورات تبيح المحضورات.
المبحث
الثاني: أحكام الدفاع الشرعي في قانون العقوبات الجزائري:
أن توافر الاعتداء أو خطر الاعتداء وحده لا يعطي
للمعتدي عليه الحق في الدفاع الشرعي، ذلك أن المشرع الجزائري لم يبح الدفاع الشرعي
الا لرد خطر جرائم معينة وردت على سبيل الحصر كما أن المشرع وبالنظر لجسامة القتل
منع الالتجاء إليه إلا في أحوال معينة وهذا ما اتفق على تسميته بالحالات العادية
للدفاع الشرعي وهو ما يمثل المطلب الأول من هذه الدراسة كما أضاف المشرع حالات
اخرى للدفاع الشرعي اتفق على تسميتها الحالات الممتازة للدفاع الشرعي وهذا ما يمثل
المطلب الثاني.
المطلب
الأول: الحالات العادية للدفاع الشرعي الواردة في المادة39/2 من قانون العقوبات
الجزائري:
اعتبر المشرع الجزائري أن الخطر الذي يقوم به
الدفاع الشرعي قد يكون على النفس وقد يكون على المال، حيث نصت المادة 39/2 ق ع ج
على ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت اليه الضرورة الحالة للدفاع
المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير"(1) .
يتضح من نص هذه المادة أن رد الفعل يجب أن يكون
لصد هجوم جعل حياة المدافع في خطر.
أولا: حالة الدفاع الشرعي عن النفس:
والمقصود بالنفس ليس فقط حياة الإنسان بل أيضا
مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب وصفات وشرف وكرامة ومكانة اجتماعية وعائلية،ى
كما يشمل مفهوم النفس جسد الإنسان وأعضاءه وطالما أن النفس الإنسانية لا تقتصر على
الروح أو الحياة فقط فان كل ما يمس مقوماته يستوجب الدفاع عنه.
ويعاقب الفاعل عليه ولكن هل يمكن اعتبار الخطر
المقصود هو ذلك الذي تنتج عنه الموت؟
الاجابة بالنفي تفرض نفسها اذ أن القول بصيرورة
الحياة في خطر لا يعني بالضرورة الموت والمقصود بالخطر هو اختلال التوازن العادي
بالنسبة للشخص محل موضوع المجرم وكل ما من شانه أن يخل بذلك التوازن يعتبر خطرا
على حياته(2).
ويقصد بجرائم النفس التي تبيح الدفاع الشرعي تلك
الجرائم اعتداء على مصلحة تتعلق بشخصية المجني عليه كانسان سواء تعلقت بمكوناتها
المادية والمعنوية ومثال ذلك جرائم الاعتداء على الحياة وسلامة الجسم كالقتل
والضرب والجرح المشار اليه في المواد من 254 إلى 274 من ق ع ج والتي يتطابق معها
نص المواد من 201 إلى 216 من ق ع ج، ونص المادة 274 ق ع ج والتي يتطابق معها نص
المواد من 392 إلى 404 من ق ع ج ويستوي أن يكون ذلك بسيطا أو مقترنا بظرف مشدد
كسبق الإصرار والترصد ويلحق هذه الطائفة جرائم الاعتداء أو الحرية كالقبض أو الحبس
دون وجه حق وارتكاب أمر مخل بالحياء مع امرأة في غير علانية أما جرائم الاعتداء
على الحرية الجنسية كهتك العرض سواء بالقوة أو بغير القوة فقد أقرتها التشريعات
العقابية ومن بينها المشرع الجزائري في نص المادة 336 ق ع ج التي تبيح القتل ضد
فعل الاغتصاب.
اما بخصوص الاعتداءات الحاصلة بالقول والتي يعب
عنها بالجرائم الماسة بشرف الإنسان كالسب والقدف، فانه يذهب رأي اغلب الفقه على
اعتبار أن مثل هذا الصنف من الجرائم لا يبيح الدفاع الشرعي عن النفس ذلك لأنه لابد
من الاعتداء الذي عنه هذا الحق من أن يستخدم في ارتكاب القوة المادية، وان القوة
التي تستخدم لدفع مثل هذا الصنف من الجرائم لا تأتي عادة الا بعد وقوع الجريمة
فعلا ومن ثم فإنها تاخد صورة الانتقام لا صورة الدفاع الشرعي ومثال ذلك: حالة اذا
ما اعتلى شخص مكانا في الطريق العام وبدا في التفوه بشتائم مما يعتبر قذفا أو شيئا
موجه ضد شخص أخر معين فيسارع هذا الأخير إلى إمساكه محاولا إسكاته أو حجزه في مكان
مغلق بالقوة مما ينجر عنه بعض الجروح.
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن نفس الغير:
لقد نص المشرع الجزائري في المادة 39/02 ق ع ج على
ما يلي:" لا جريمة اذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع
عن النفس أو الغير".(1)
ومن نص هذه المادة يتبين أن المشرع الجزائري
أجاز الدفاع الشرعي عن نفس الغير واعتبره في نفس مرتبة الدفاع الشرعي عن نفس
المدافع وبالتالي فكل ما يتعرض اليه بخصوص الجرائم التي تبيح الدفاع الشرعي عن نفس
المدافع تنطبق أيضا على نفس الغير، أي أن الجرائم التي تقع اعتداء على مصلحة تتعلق
بشخص المجني عليه كانسان وتتعلق بحياته وسلامة جسمه كالقتل والجرح والضرب وتلك
التي تعتبر من مقومات الشخصية الإنسانية من مواهب و شرف ومكانة اجتماعية وكذلك
جرائم الاعتداء على حرية الغير كالقبض والحبس دون وجه حق وارتكاب فعل مخل بالحياء
مع امراة في غير علانية وجرائم السب والقدف وجميع الجرائم التي حمى المشرع العقابي
بمقتضاها الفرد(1).
ثانيا: حالة الدفاع الشرعي عن المال:
اعتمادا على نص المادة 39/02 ق ع ج نستنتج أن أن
المشرع الجزائري انزل المال منزلة النفس فأباح الدفاع الشرعي ضد أي اعتداء يتهدده
وتبعا لذلك يعتبر التشريع الجزائري في هذا المجال من التشريعات الحديثة التي كرست
بصورة صريحة الدفاع الشرعي عن المال.
والمقصود بجرائم المال تلك الجرائم التي تتناول
بالاعتداء حقا يحميه القانون وذا قيمة اقتصادية، وأما الجرائم التي تتناول الأموال
فهي متعددة فمنها من يصيب الأموال وحدها ومنها ما يصيب النفس والمال معا، فمن
الجرائم التي تصيب الأموال جرائم السرقة والاغتصاب وجرائم التخريب اما الجرائم
التي تصيب المال والنفس معا فمنها الجرائم التي يكون سببها حريق أو استعمال
المفرقعات مثلا والتي من شانها تعريض الأنفس والأموال للخطر.
كما يتبين من نص المادة 39/02 ق ع ج أن المشرع
الجزائري قد أورد الدفاع الشرعي عن المال سواء أكان مملوك للشخص أو الغير على
إطلاقه اما التشريعات الأخرى من بينها التشريع التونسي فقد لزمت الصمت بخصوص هذه
المسالة(1) .
المطلب الثاني: الحالات الممتازة للدفاع الشرعي
الواردة في المادة 40 قانون العقوبات الجزائري:
تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من ق ع ج على
مايلي:" يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء
على حياة شخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو مداخل المنازل أو الأماكن
المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها اثناء الليل".
أن هذه الفقرة الاولى من نص المادة يتيح استعمال
جميع الطرق لمقاومة المعتدي كالضرب والجرح أو حتى القتل أن اقتضى الأمر ذلك ويكون
حق الدفاع وارد في هذه الحالة سواء تعلق الأمر بالجرائم المرتكبة على النفس أو
المال لكن هذه الاباحة ليست مطلقة بل مقرونة بشروط.
فما هي هذه الشروط؟
الشروط الواجب توفرها لتكون أمام حالة من
الحالات الممتازة وهي:
1- لابد أن يكون أولا أن يكون الخطر مهددا
بالاعتداء على حياة المدافع نفسه كاعطاءه مواد ضارة أو على سلامة جسمه كالضرب
الجسيم(1). بمجرد أن يقع خطر من شانه المساس بسلامة الجسم كان يعتدي على المدافع
بالضرب المبرح الذي يؤدي إلى إحداث جراح بليغة يترتب عليها عاهات وتشوهات أو مرض
يفضي إلى عجز من مزاولة الحياة العملية والعادية مدة طويلة فيقوم الحق في الدفاع
الشرعي بالطرق المشروعة(2)
كما أن الاعتداء على حياة الإنسان كإجباره على
تناول السم مثلا أو كمية من المخدرات وغيرها من المواد الضارة التي تؤثر على حياته
فتهلكه بمنح الحق الحق في الدفاع الشرعي.
2- ويضاف إلى هذه الجرائم الوقعة على النفس، هتك
العرض، الاعتداء على امرأة أو إتيانها كرها وتدنيس شرفها بالقوة أو التهديد هي
كلها جرائم أباح فيها القانون استعمال كل الوسائل للدفاع بل وحتى القتل(1).
3- أن يكون الاعتداء متمثلا في تسلق الحواجز أو
الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو كسر شيء منها أثناء الليل،
ويستوي في ذلك دخول المنزل أو ملحقاته أن يكون قد تم فعلا أو مازال في مرحلة
الشروع ولا اهمبة بعد ذلك أن يكون الدخول من الباب المخصص لذلك أو بتسلق جدار
المنازل ليقوم الحق في الدفاع الشرعي(2).
ويوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو
الاحواش أو حضائر الدواجن أو اية ابنية أو حدائق وذلك بطرق تسلق الحيطان أو
الابواب أو السقوف، ولا يكفي أن يتم الدخول إلى الاماكن بالطرق المذكورة في م 40 ق
ع ج لاباحة فعل الدفاع اذ لابد من توفر شرطين أساسين:
1- أن يكون المكان مسكونا فعلا وليس معدا لسكن.
2- أن يكون الدخول تم فعلا في الليل.
أولا: أن يكون
المكان مسكون فعلا وليس معدا للسكن فلا يكفي أن يكون معدا للسكن فقط، ولكن لم
يسكنه احد بعد ولكن القانون لا يتطلب وجود سكان وقت دخول المعتدي فقد يقع الاعتداء
عند مغادرته ويصدر الدفاع من احد الجيران أو الحارس وهنا يكون الفعل مباحا لان
الدفاع من الغير يعد مشروعا(3).
ويعد سكن كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة متى
كان الشخص يسكنه على سبيل الدوام والاستقرار، فلا يدخل في هذا الإطار الفنادق و
غيرها من أماكن السكن الخاصة.(1)
اما الواقع هي أماكن غير مسكونة ولا مأهولة
بالسكان لكنها متصلة به كالحديقة والمخازن الاحواش وجراج السيارة أو اصطبل
المواشي(2).
حتى وان كانت محاطة بسياج خاص أو سور عام.
والمشرع استعمل عبارة "أو كسر شيء منها
اثناء الليل" نية المعتدي كسر شيء بعد التسلق جازت تسمية الموقف بحالة دفاع
شرعي ويكون مثلا بفتح أي أجهزة من أجهزة الإقفال أو بكسره بأية طريقة.
أن الدخول إلى منزل مسكون أو إحدى ملحقاته بتلك
الطريقة المذكورة في م 40ق ع ج لا يبيح وحده الدفاع الشرعي اذ لابد ن يتم ذلك
ليلا.
ثانيا: يشترط
لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يقع الاعتداء ليلا، وفي حالة وقوعه نهارا يفقد
الامتياز الممنوح له بالمادة40 ق ع ج وبهذا جعل المشرع الجزائري من ميزة الدخول
ليلا قرينة على سوء القصد والتهديد بخطر جسيم يبرر نعه بالقوة التي تصل إلى حد
القتل، فمن يدخل سكن الغير ليلا دون رضاه ودون أن يكون في وسع حائز المنزل العلم
بغرضه، اذ من المتصور أن يكون يريد شرا قد يكون بالغ الخطورة كالقتل أو السرقة أو
اغتصاب امرأة أو هتك عرض بالقوة يكون لصاحب المنزل الحق في مقاومته بكل الطرق
المشروعة المذكورة في المادة 40ق ع ج .
ويقصد بالليل الفترة الزمنية بعد شروق الشمس
وقبل غروبها والمغزى من اشتراط الدخول ليلا لنكون أمام حالة من حالات الممتازة
لدفاع الشرعي ما يحدثه الدخول المفاجيء في حلكة الليل من هلع في نفس المدافع
والسبب في ذلك كون الليل ظرفا موحشا يتسم الكون فيه بالهدوء بالإضافة إلى صعوبة
الاستعانة بالآخرين ليلا. وهو يعطي للجاني فرصة اكبر لإتمام فعلته(1).
والسؤال المطروح هو مجرد الدخول ليلا حسب نص
المادة 40 ق ع ج يحمل بذاته فعلا قرينة الإجرام بحيث يصح لصاحب الدار أن يعتبره
اعتداء على ماله أو نفسه.
فالمنطق يدعونا لتطبيق الأحكام العامة لنظرية
الدفاع الشرعي هذه الحالة يكون المدافع في هذه الحالة مسؤولا عن جريمته على أساس
العمد.
الحالة الثانية المنصوص عليها في م 40 ق ع ج .
تنص م /0240 ق ع ج على مايلي: " يدخل ضمن
حالات الضرورة الحالة للدفاع الشرعي:
الفعل الذي يرتكب لدفاع عن النفس أو الغير ضد
مرتكب السرقات أو النهب بالقوة".
وشرط قيام هذه الحالة:
على أن يهدد الخطر النفس أو المال ويستوي فيها
أن يكون الخطر موجها إلى المدافع أو الغير وهذا خلافا للحالة الاولى التي لابد أن
يهدد الخطر المدافع نفسه.
ثانيا ان يقع التهديد من أشخاص يرتكبون السرقات
أو النهب بالقوة سواء أكان التهديد أو الخطر ليلا، أو نهارا وهذا خلاف الحالة
الاولى(2).
أن المشرع اباح حق الدفاع ضد مرتكبي السرقات
والنهب بالقوة واعتبره أمرا خطيرا جعل المجتمع تحت رحمة سلطة الأشرار أو قطاع
الطرق وشعارهم البقاء للأقوى، لذلك فقد أباح المشرع الدفاع الشرعي في هذه الأفعال
حاثا الناس على الدفاع عن حقوقهم ضد السرقات التي ترتكب بالقوة والإكراه ودون
التقييد بالشروط التي جاءت بها النظرية العامة للدفاع الشرعي.
وتعالج هذه الحالة جميع أنواع السرقات بالإكراه
التي ترتكب في الطرق العمومية(1).
وبهذا فقد أجاز المشرع للفرد أن يدافع عن ملكه
أو ملك الغير وعن نفسه وعن نفس الغير ضد مرتكبي جرائم السرقة والنهب سواء حدث ذلك
ليلا أو نهارا.
نلاحظ أن المشرع الجزائي قد اباح حق استعمال
القتل اذا تعلق الامر بحالة من حالات الممتازة وهو اشد أفعال الدفاع جسامة، وهذا
ما لم يسمح به في المادة 39/02 ق ع ج الا بعد توافر كل الشروط منها ضرورة أن يكون
الفعل متناسبا مع جسامة الخطر فاذا وجدت وسيلة أخرى لتفادي الخطر الذي يهدده كانت
اقل جسامة من القتل بتحطيم السلاح الذي يستعمله أو تمزيق ملابسه أو حبسه الوقت
اللازم للاستعانة بالسلطات، أو ضربه حتى يغمى عليه لكنه مع هذا لجا إلى القتل
اعتبر هذا تجاوز لحق الدفاع ويكون مرتكبه مسؤولا جنائيا.
أما اذا كان المدافع أمام حالة من الحالات
الممتازة فله أن الجرح أو يضرب أو يقتل اذا اقتضت الضرورة ذلك لتفادي الخطر الذي
يهدد حياته أو سلامة جسمه، أو للدفاع عن نفسه أو غيره ضد مرتكبي السرقات والنهب
بالقوة(2)
الفصل الثاني: الشروط الجوهرية العامة للدفاع
الشرعي حسب تنظيم المشرع الجزائي الجزائري:
أن الدفاع الشرعي يفترض وجود فعل اعتداء من
ناحية وفعل دفاع من ناحية أخرى ومن الضروري توفر شروط معينة في كلا الفعلين حتى
يرتب فعل الدفاع الشرعي أثره في إباحة فعل الدفاع، وتحديد هذه الشروط ومدى توافرها
ضروري لتمكين المحكمة من مراقبة توافر الدفاع الشرعي(1).
أما فيما يتعلق بموقف المشرع الجزائري من هذه
المسالة فقد بينت المادة 39/02 و 40 من ق ع ج أن ثبت شروط ينبغي توافرها حتى تقوم
حالة الدفاع الشرعي، وهذه الشروط ترجع أما إلى فعل الاعتداء الذي يبرر الدفاع (
شروط الاعتداء) وأما ما يقع على المعتدي عليه دفاع لتعدي ( شروط الدفاع).
ووصولا لتوضيح الشروط الجوهرية العامة للدفاع
الشرعي حسب رأي المشرع الجزائري قسمنا هذا الفصل الثاني إلى مبحثين.
تعرضنا في المبحث الأول إلى الشروط الواجب
توفرها في فعل العدوان وذلك في مطلبين نتناول في المطلب الأول الشرط الأول وهو أن
يكون الخطر حال وغير مشروع وفي المطلب الثاني الشرط الثاني المتعلق بفعل العدوان
هو أن يهدد الخطر النفس أو المال.
أما المبحث الثاني تعرضنا من خلاله إلى الشروط الجوهرية
التي استوجب المشرع الجزائري توفرها في فعل الدفاع في مطلبين، وضحنا في المطلب
الأول الشرط الأول والمتمثل في شرط التناسب أما المطلب الثاني خصصناه لدراسة الشرط
الثاني والمتمثل في شرط اللزوم.
المبحث
الأول: الشروط المتعلقة بفعل العدوان:
أن العدوان باعتباره إهدارا لحق أو تهديد له من
توافره على بعض الصفات لكى يثبت حق المعتدي عليه في استعمال القوة لرده ولفظ
الاعتداء لا يتعلق بالفعل في حد ذاته وإنما الخطر الذي يهدد المعتدى عليه، ذلك أن
فعل الدفاع يتجه إلى الخطر لصده قبل أن يتحول إلى اعتداء فعلي والخطر الواجب
مواجهته وصده بفعل الدفاع هو اعتداء حال على حق يحميه القانون(1).
ويتوسع القانون في تحديد الخطر الذي يقوم به
الدفاع الشرعي فيستوي خطر المدافع نفسه والخطر الذي يهدد غيره بمعنى أن المشرع
يبيح لكل شخص أن يدافع عن حقوقه كما يبيح له أن يدافع عن حقوق غيره ولا يتطلب ذلك
وجود صلة تربط بين من يصدر عنه فعل الدفاع وصاحب الحق المعتدي عليه والدفاع جائز
عن النفس وعن المال والدفاع جائز سواء كان الخطر جسيما أو غير جسيم(2).
وبناء على المادة 39/02 ق ع ج يمكننا أن نقسم
الشروط المتعلقة بفعل الاعتداء إلى قسمين: أن يكون الخطر حالا غير مشروع، وان يهدد
الخطر النفس أو المال، ولتوضيح ما تم تقديمه قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين: تناولنا
في المطلب الأول معنى الخطر الحال غير المشروع، وفي المطلب الثاني بيان مضمون أن
يهدد الخطر المال أو النفس باعتبارها شرط لقيام فعل العدوان وذلك على النحو التالي:
المطلب
الأول: أن يكون الخطر حالا وغير مشروع:
حق الدفاع الشرعي يوجد إذا واجه المدافع خطر حال
يتعذر معه الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب وهذا
الخطر الحال يكون ناتج عن فعل غير مشروع أي أن هذا الفعل يهدد بوقوع جريمة أو استمرارها(1)
وسوف نبين ذلك وفق الترتيب التالي:
الشرط الأول: أن يكون الخطر حالا:
يشترط باعتبار الشخص في حالة دفاع شرعي أن يكون
الاعتداء الذي يرمي إلى دفعه حالا أو وشيك الحلول وهو ما يعبر عنه نص المادة 39/02
ق ع ج بلفظ الضرورة الحالة للدفاع الشرعي أو المشروع فإذا زال الخطر أو تحقق
الاعتداء فلا محل للدفاع ويسال المعتدي عليه جنائيا عن العنف الذي استعمله ضد
المعتدي بعد وقوع الاعتداء لان استعمال العنف في هذه الحالة يكون من قبيل الانتقام
الفردي الذي يعاقب عليه ومع ذلك فان المعتدي عليه يستفيد في هذه الحالة من الظروف المخففة
بسبب الاعتداء الذي وقع عليه، ويكون الخطر حالا في إحدى الصورتين:
1- أن يكون الاعتداء لم يبدأ بعد لكنه على وشك
أن يبدأ.
2- أن يكون الاعتداء قد بدا فعلا لكنه لم ينته
بعد.
ففي الصورة الاولى يتجه الدفاع إلى المعتدي
لمنعه من البدا في عدوانه وفي الصورة الثانية يتجه لمنع المعتدي من إكمال
عدوانه(2).
الصورة الاولى:
حيث يكون الاعتداء لم يبدأ بعد لكنه على وشك أن
يبدأ أي أن الخطر وشيك وذلك بصدور أفعال من المعتدي يجعل من المنتظر أن يبدأ
بالاعتداء فورا كمن يخرج مسدسه للاعتداء على شخص أخر و يبدأ في تعبئته بالطلقات فالمهدد
بهذا الخطر يجوز له الدفاع على الرغم من أن الاعتداء لم يبدأ إذ أن الخطر الذي
يهدده حالا والقانون لا يلزم المهدد بخطر الاعتداء أن ينتظر وقوع الاعتداء حتى
يبيح له الدفاع بل يجيز له الدفاع بمجرد أن يتهدده خطر وشيك الوقوع، ولتحديد ما
إذا كان الخطر وشيكا أو مستقبلا يتعين افتراض وجود شخص معتاد احاطة به ظروف المهدد
بالخطر ونتساءل عن كيفية تقرير هذا الشخص لخطر فهل يراه وشيكا ام مستقبلا.
فالمعيار الموضوعي قوامه الشخص المعتاد ولكنه
يطبق بالنظر إلى الظروف واقعة معينة، فهو موضوعي حتى نتجنب التقرير المنحرف للمهدد
بالخطر وهو واقعي لأنه يجوز إغفال الظروف التي أثرت على تفكير المهدد بالخطر(1).
الصورة الثانية:
حيث يكون الاعتداء قد يبدا فعلا لكنه لم ينته
بعد وتفترض هذه الصورة للخطر الحال فالمعتدي قد ضرب المعتدي عليه مرة ويستعد لان
يوجه اليه ضربات تالية أو استولى على بعض ما يملك ويستعد للاستيلاء على ما تبقى
لديه.
فالدفاع جائز بغير شك لتفادي الاعتداء الذي يوشك
أن يتحقق أما إذا انتهى الاعتداء تنتفي عن الخطر صفة الحلول فلا محل للدفاع اذ انه
لن يدرا خطر حالا وكل عنف يقع من المعتدي عليه يعتبر فعلا غير مشروع وتطبيقا لذلك
فاذا اعتدى شخص على اخر بالضرب ثم فر فتبعه المجني عليه حتى لحق به فضربه فلا
يمكنه الاحتجاج بالدفاع الشرعي فلم يكن هناك محل للدفاع بعد هرب المعتدي، كذلك إذا
استطاع المعتدي عليه انتزاع السلاح من يد المعتدي فصار اعزل لا يصدر عنه خطر فلا
محل للدفاع(1).
وان اشتراط حلول الخطر كشرط لتبرير استعمال
القوة اللازمة لدرئه يثير التساؤل حول الموقف من الخطر الوهمي والخطر
المستقبلي:
أ- الخطر الوهمي:
قد تحيط بالشخص ظروف من شانها إيهامه بان تمت
خطر حال يهدده فيقوم تحت تأثير الاضطراب والانفعال إلى إتيان أفعال مادية تتميز
بالعنف والقوة على سبيل الدفاع توصلا لحماية نفسه أو ماله ثم تتبين النتيجة بعد
استنفاد تلك الأعمال وأحيانا بعد وقوع الآثار الضارة المترتبة عنها ومن الواضح أن
مثل هذه الحالة تثير الكثير من التساؤلات والجدل القانوني حول ما إذا كان يجوز
للفاعل أن يتدرع بحق الدفاع الشرعي كسبب إباحة أو تبرير وما إذا كان وضع الفاعل
يتعادل أو يتساوى مع وضع من تعرض إلى خطر حال كان يبصر المتهم شخصا مقبل نحوه في
الظلام يحمل شيء غثير واضح فيعتقده خصما له يحمل سلاحا يقصد الفتك به فيعاجله
باطلاق النار عليه ويجرحه أو يقتله ثم يتبين بعد ذلك أن أن المجني عليه شخص عابر
وينقل غرض عادي (2).
وقد اتجهت محكمة النقض الفرنسية في هذا المجال
إلى التفرقة بين حالتين:
وهما الخطر المشابه للخطر الحال فإذا كان الخطر
معقولا في حدوثه بان كانت هناك دلائل ملموسة مستخلصة من سلوك المعتدي حركاته أو
كلامه تجعل الشخص يعتقد أن خطرا يهدده فان الدفاع يكون جائزا وفي هذا الصدد قضت
باباحة فعل الأب الذي أطلق عيارا ناريا على شخص كان يوجه مسدسه إلى ابنه معتقدا
انه يريد قتله ولكنه كان في حقيقة الامر يداعبه.
أما إذا كان الخطر في حقيقته خياليا لا تدعمه
ظاهرة ملموسةبحقيقة وبإمكانية وقوع عدوان لا يكون الدفاع الشرعي جائزا(2)
أما القضاء المصري فيرى أن الاعتداء الوهمي يكفي
لقيام حالة الدفاع الشرعي فإذا كان المدافع قد توهم وجود خطر أي خطر حقيقي يحدق به
وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة فان الفعل الذي يأتيه ردا لهذا الاعتداء
الوهمي يعد شرعيا ويقدر موقف المدافع وفقا لموقف الشخص المعتاد الذي وجد في مثل
ظروفه القول بمعقولية أسباب الاعتقاد وعلى ذلك فمن وجه إلى أخر سلاحا خاليا من
الطلقات وممسكا بزناده فان ذلك يبرر قيام حالة الدفاع الشرعي وقد ساير المشرع
المصري هذا الاتجاه حيث أورد في المادة 249 من قانون العقوبات عبارة " ...
التخوف ويشترط أن يكون هذا التخوف مبنيا على أسباب معقولة..."(1).
إذا كان هذا هو الحال في مصر فان الأمر مختلف في
الجزائر حيث أن المشرع الجزائري نص في المادة 39/02 ق ع ج على أن يكون العدوان
حالا وهذا الشرط مستخلص من عبارة "الضرورة الحالة" ولذلك يمكن القول بان
سبب الإباحة لا يتوافر في فعل الشخص الواهم وذلك لان أسباب الإباحة موضوعية لا
شخصية يجب البحث عنها في الظروف المحاطة بالسلوك المادي للشخص فالخطر الذي يبرر
الدفاع الشرعي هو اذن الخطر الحقيقي لا الخطر الوهمي لأنه دفاع غير مشروع (2).
ب- الخطر المستقبلي:
تنتفي عن الاعتداء صفة الحلول إذا كان الخطر
الذي يهدد به مستقبلي فاذا هدد شخص شخصا أخر بأنه سيقتله بعد يوم أو بعد أسبوع فان
الخطر لا يكون وشيكا انما مستقبلا أو محتملا يمكن تداركه بالالتجاء إلى السلطات
العامة في الوقت المناسب وتنتفي بذلك شروط الدفاع الشرعي(1).
ويثور التساؤل عن حكم وضع وسائل الدفاع
الميكانيكية عن النفس أو المال كمن يضع فخا لحماية نفسه أو بيته ثم جاء لص واقتحم
المنزل و السيارة فأصابه الفخ، ففي هذا الغرض لا يمكن القول أن الخطر مستقبل أو
محتمل لان العبرة في وصف الخطر لا يكون بوقت وضع الفخ وإنما بالوقت الذي أحدث فيه
هذا الفخ الإصابة أو القتل ففي هذا الوقت كان الخطر حالا وتوافرت شروطه وبقى بعد
ذلك التأكد من توافر باقي شروط الدفاع حتى يتمكن الاستناد إليه لتبرير الإصابات أو
القتل الذي أحدثه الفخ(2).
الشرط الثاني أن يكون الخطر غير مشروع:
ويوصف الخطر انه غير مشروع إذا كان من شانه أن
يحقق اعتداء محتملا على مصلحة يحميها القانون بمعنى أن يهدد وتتحقق نتيجة إجرامية
معينة فمن يهدد شخصا بسلاح في يده ينشا بفعله خطر يهدد حق المعتدي عليه في الحياة
وهو حق يحميه القانون الجنائي ويهدد بتحقيق الوفاة وهي نتيجة إجرامية تقوم بها
جريمة القتل التي يعاقب عليها القانون الجنائي ويعد الخطر الذي ينشا عن هذا الفعل
غير مشروع(3).
والمعيار في اعتبار الخطر غير مشروع يقتضي البحث
عن النتيجة التي يحتمل أن يحققها هذا الخطر والتأكد من أنها تمثل اعتداء على حق
يحميه القانون وهذا يعني أن المعيار في اعتبار الخطر غير مشروع هو معيار موضوعي.
اذ لا يقتضي غير دخول الاعتداء المحتمل نطاق احد
نصوص التجريم، على ذلك فان المعتدي عليه لا ينتظر تحقق نتيجة الخطر الذي يتهدده بل
له الحق في الدفاع بمجرد قيام الخطر غير انه يشترط أن يكون الاعتداء بفعل يعد في
القانون جريمة سواء كانت تامة أو بتصور الشروع فيها سواء كانت جريمة ايجابية ام
سلبية ويستوي أن يكون الاعتداء محققا بالفعل وان يكون هناك خطر أو اعتداء وشيك
الوقوع محتملا تحققه(1) .
وهذا اعتبار الصفة غير المشروعة للخطر شرطا من
شروط الدفاع الشرعي يتير التساؤل حول مدى الاحتجاج بالدفاع الشرعي ازاء بعض أنواع
العدوان وسوف نتناول منها الدفاع الشرعي ضد فعل مباح وأخيرا إذا كان المعتدي
مستفيدا من عذر أو غير مسؤولا جنائيا.
ا- الدفاع الشرعي ضد فعل مباح:
إذا كان الاعتداء مشروع فلا قيام للدفاع الشرعي
ويكون كذلك إذا كان خاضعا لسبب إباحة فتوافر احد أسباب الإباحة يحول الفعل غير
المشروع إلى فعل مشروع لا يجوز للابن أن يدافع عن نفسه ضد تأديب الأب أما إذا جاوز
هذا الاخير الحد المقرر قانونا فان الفعل المتجاوز غير مشروع(2).
ولا قيام للدفاع الشرعي إذا كان الاعتداء تنفيذا
الأمر الصادر عن الرئيس أو تأمر به القوانين، فالموظف الذي ينفذ أمر القانون أو
أمر الرئيس ويرتكب أفعالا تنطوي على خطر يصيب الأشخاص و الأموال أو يلحق بهم ضررا
لا يجوز مقاومتها بحجة الدفاع الشرعي لان هذه الأفعال تعتبر مشروعة لأنها مقترنة
بسبب يبررها وهو تنفيذ القانون أو أم