بسم الله الرحمن
الرحيم
سلطنة عمان
الإدعـاء العــام
إدارة التـدريب
بحث
في :
تجاوز حدود الدفاع الشرعي
إعـــــداد:
معـــــــاون إدعــــــاء عـــام
عــدنــان بن عبــدالله الـبروانـي
إدارة الإدعـاء العـام بولايـة مـطرح
مقدمة:-
الحمد لله الذي هدانا إلى الحق والعدل,,, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله والمرسلين سيدنا ونبينا المصطفى وعلى آله
وصحبه ومن إتبعهم بِإِحسان إلى يوم الدين....
أما بعد :-
إن هذا البحث ليعتبر خاتمة التدريب العملي والنظري التي يخضع لها عضو
الإدعاء العام لدى تعيينه في أول سلم درجات الإدعاء العام، حيث يتوجب على العضو
إعداد بحث علمي حول إحدى المواضيع التي تهم عمله المهني.
والموضوع الذي أنا
بصدد التطرق إليه هو تجاوز حدود الدفاع الشرعي، حيث تتفق الإنسانية جمعاء على أنه
عند حلول خطر يهدد النفس البشرية أو مالها، بضرورة تحرك السلوك المادي والنفسي
لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه لأجل المحافظة على الحياة أو المال من الهلاك، وهذا
ما يعرف بحالة الدفاع الشرعي؛ إلا أنه وأثناء قيام هذا الشخص بممارسة هذا السلوك
الذي كفله له القانون، فمن المتصور بأن يتمادى لأكثر مما هو مستوجب لرد الخطر،
ويكون بذلك قد خرج عن الإطار المسموح له، ذلك أنه أوقع ضرر أكبر من الضرر المتوقع
حدوثه عليه في حالة وقوع الخطر، وعليه تبعاً للظروف فمن المتصور بأن إما أن لا
يُسأل الشخص عن هذا الفعل لأنه لم يستطع رد الخطر بطريقة أخرى، أو أنه يسأل عن هذا
الفعل، ويكون بذلك متجاوز لحدود دفاعه؛ وبما أن موضوع بحثنا هو تجاوز حالة الدفاع
الشرعي، أرى أنه من الضروري التطرق للدفاع الشرعي وشروطه في الفصل الأول ومن ثم
التطرق لبحثنا في الفصل الثاني.
الفصل الأول:
·
الدفاع الشرعي:
-
تمهيد:
يعـد الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة أي أنه يسبغ
على الفعل المجرم الـذي أقدم عليه الشخص الصفة الشرعية ، ويخرجه من نطاق التجريم ؛
ويتضح لنا من سياق هذا القول بأن نصوص مواد التجريم ليست مطلقة بل يرد عليها قيود
تضيق من نطاقها ، والمشرع يهدف من وضعه هذه النصوص حماية مصالح إجتماعية معينة على
جانب من الأهمية فينص على تجريم تلك الأفعال ، لكنه قد يقدر أن المصلحة التي تعود
على المجتمع في عدم العقاب تفوق المصلحة التي تعود عليه في حالة العقاب عليها في
ظروف معينة ، فيقرر إعتبارها مشروعة في مثل هذه الظروف على الرغم من خضوعها لنصوص
التجريم؛ وأساس تبرير فعل الإباحة وعلته عند الفقهاء الإسلاميين لا يختلف عما ورد
في السياق السابق[1].
وقد تطرق المشرع العماني إلى حالة الدفاع الشرعي شأنه في
ذلك شأن جميع التشريعات في العالم الحديث، وما سبقته من تشريعات قديمة ؛ وحق
الدفاع الشرعي يعتبر ضمن الحقوق العامة للإنسان التي تكفلها الشرائع والقوانين لما
تحققه من غاية إجتماعية، وإذا كان حق الدفاع الشرعي له هذه المكانة فيتعين البحث
في هذا الفصل أولا: في ماهيته والشروط
الواجب توافرها فيه ومن ثم الأثر الذي يحدثه هذا الحق في حالة توافره من عدمه.
·
ماهية الدفاع الشرعي:
يعرف الدفاع
الشرعي في الفقه الإسلامي بالدفاع الشرعي الخاص أو يطلق عليه اسم (( دفع الصائل))
ويٌعرف على أنه:-
واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره ، وحقه في حماية
ماله أو مال غيره من كل إعتداء حال غير مشروع وبالقـوة اللازمة لدفع هذا الإعتداء [2]
ويرى كثير من الفقهاء المسلمين بأن أصل إباحة فعل الدفاع
الشرعي قوله تعالى في كتابه الكريم: ((فمن إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى
عليكم ))[3] وما روي عن الرسول (ص) : (( من أٌريد ماله بغير حق فقاتل
فقتل فهو شهيد)) .
وقد إتفق جميع
فقهاء المذاهب الإسلامية بأن الدفاع عن العرض واجب على المدافع ، وإختلفوا فيما
عدا ذلك بين الوجوب والإجازة فيما تعلق بالدفاع عن النفس والمال والرأي الراجح فيما يتعلق بالدفاع عن النفس
بأنه واجب أما الدفاع عن المال فالراجح فيه بأنه جائز وليس واجب.
أما من ناحية
الفقه الوضعي فتعريفه بأنه: إستخدام القوة
اللازمة لمواجهة خطر إعتداء غير محق ولا مثار أي غير مشروع ؛ يهدد بضرر يصيب حقاً
يحيه القانون[4][5].
والأساس القانوني الذي يستند إليه الدفاع الشرعي هو محل
لخلاف غالبية الفقهاء؛ فهناك من قال بنظريات فلسفية للتعبير عن أساس الدفاع الشرعي
كنظرية الحق الطبيعي أو نظرية المصلحة الإجتماعية؛ وهناك من النظريات التي تجتمع
بتسمية النظريات القانونية مثل نظرية العالم الهولندي (Puffendroff) بأن أساس الدفاع الشرعي يقوم على حاسة البقاء لدى
المدافع؛ إلا أنني مع الرأي القائل بأن الدفاع الشرعي ليس إلا رخصة أو مكنة
قانونية مشروط إستخدامها بتحقق الشروط التي تطلبها المشرع.[6]
والمشرع الوضعي لا يلزم من يتهدده الخطر بأن يتحمله ومن
ثم يبلغ السلطات لتتولى توقيع العقاب على المعتدي ، ولكن يبيح له أن يتولى بنفسه
دفع هذا الخطر عن طريق كل فعل يكون ضرورياً وملائماً لذلك؛ ودفع الخطر يكون بالحيلولة بين المعتدي والبدء في عدوانه أو
الإستمرار فيه إن بدأه أصلاً[7].
وذلك لأن فعل دفاع الإنسان عن نفسه أو ماله ضد ما يتهدده
من الأخطار أمر طبيعي توحي به الغريزة الإنسانية ، وله أن يدفع هذا الخطر بكل فعل
يكون ضرورياً وملائما حتى وإن كان هذا الفعل قتلاُ، وحق الدفاع الشرعي هو سبب من
أسباب الإباحة.
ويـعتبر الدفاع سبباً عاماً للإباحـة كون أنه يسري في كل
الجرائم التي تقع دفاعاً للخطر ولو لم تكن من قبيل القتل والجرح والضرب، فالدفاع
يكون في القبض على المعتدي وحبسه أو إتلاف الأدوات التي يستعملها.[8]
إلا أن الدفاع الشرعي ليس هدفه تخويل المعتدى عليه سلطة
توقيع العقاب على المعتدي أو الإنتقام منه ، وإنما هدفه مجرد منع إرتكاب الجرائم
أو منع التمادي فيها ، وهو حق عام يقرره الشارع في مواجهة الكافة ، ويقابله إلتزام
الناس بإحترامه وعدم وضع العوائق في طريق إستعماله.[9]
وهذا الحق ليس حقاً مطلقاً بل يستوجب تطبيقه
على الفعل المجرم توافر عدة شروط لكي يمكننا القول بأننا أمام قيام حالة الدفاع
الشرعي ؛ وكذلك فإنه ترد بعض القيود على إستعمال هذا الحق ، وذلك لما يمكن أن
تلحقه في بدن المعتدي ؛ وعليه سأقوم بذكر شروط الدفاع الشرعي ومن ثم القيود
الواردة عليه وأخيراً أثر قيام حالة الدفاع الشرعي في هذا المبحث الأول:-
·
شروط حالة الدفاع
الشرعي :-
يتطلب لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر عدة شروط ، وهذه الشروط منها ما هو
متعلق بفعل الإعتداء الذي يبرر الدفاع ، ومنها ما هو متعلق بالمعتدى عليه دفعاً
للتعدي.[10]
أ-
شروط الإعتداء:-
- وجود إعتداء غير مشروع.
لكي يكون هناك حق دفاع ؛ يجب أن يكون هناك إعتداء أو خطر إعتداء بفعل يعد
جريمة فإذا كان الإعتداء لا يعد جريمة فلا يقوم حق الدفاع وبناء على ذلك فالدفاع
ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي غير معاقب عليه ؛ إلا إذا كان من يزاول حقه في
فعل الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي فإن فعله يعتبر إعتداء مما يعد جريمة طبقاً
لقواعد القانون عامة ؛ وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده و الإعتداء يعد جريمة ولو كان
الفاعل غير معاقب لعارض من عوارض الأهلية الجنائية أو لإنتفاء القصد الجنائي لغلط
في الوقائع لأن موانع المسؤولية لا تمحو صفة الجريمة عن الفعل وإن كانت تمنع
المسؤولية عنه فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون ومن هو في واقع الغلط ؛ كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من
الأعذار القانونية ذلك أن وجود العذر القانوني لا يمنع من كون الفعل غير مشروع
وعلى ذلك فإن الزوج الذي يفاجـأ زوجته وشريكها في حالة الزنا فيحاول قتلهما في
الحال فإن للزوجة والشريك أن يدفعا عدوان الزوج بإستعمـال حق الدفاع الشرعي. [11] [12]
وإشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد إنتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع فلا
يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون أو يأمر به فالدفاع لا يجوز إلا ضد خطر
يهدد بإرتكاب جريمة وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع ويترتب
على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد من يرتكب فعلاً في حالة دفاع عن النفس أو
المال المباح قانوناً كذلك لا يجوز الدفاع ضد
الفعل المرتكب إستعمالاً لحق من الحقوق أو الغلط في الإباحة فإنه لا ينفي عن الفعل
المرتكب الصفة غير المشروعة وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده ويجوز الدفاع
الشرعي ضده ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في الإباحة يعفي صاحبه من المسؤولية كلية
أو لا يعفه.[13]
والدفاع الشرعي جائز ضد الإعتداء الوهمي أي الذي لا أصل له في الواقع ،
وحقيقة الأمر بأنه متى ما كانت الظروف والملابسات تلقي في روع المدافع أن هناك
إعتداءاً جدياً وحقيقياً موجهاً إليه ، فإن حالة الدفاع الشرعي تكون قائمة ، ولا
يشترط أن يكون الإعتداء حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في إعتقاد المدافع
وتصوره ؛ وعليه فإن الأعمال التحضيرية لجريمة ما لا تبيح الدفاع الشرعي وذلك لأنها
لا تعد جريمة بحد ذاتها. [14]
وينتهي الحق في الدفاع بزوال الإعتداء فعلاً لأن الغرض من الدفاع هو منع
المعتدي وليس القصاص أو الإنتقام فإذا ثبت أن المتهم إرتكب جريمته بعد إنقطاع
الإعتداء فلا يكون في حالة دفاع شرعي ذلك أن الدفاع الشرعي يهدف إلى الحيلولة دون
إتمام مخالفة القانون ، ويقتضي ذلك أن يكون الخطر لا زال قائماً يحدق بالغير ،
بحيث إذا كان الإعتداء قد إنتهاء فلا يكون للدفاع شرعي وجود ؛ وتحديد الوقت الذي
يعد الإعتداء فيه منتهياً وبالتالي يقف فيه حق الدفاع يختلف بإختلاف الجرائم وظروف
إرتكابها .[15]
- أن يكون
الإعتداء يهدد بإرتكاب جريمة ضد النفس أو المال .
يلزم أن يكون الخطر مهدداً لحق ((وهذا هو موضوع
الإعتداء)) ، وهذا الحق إما أن يكون ماسا بسلامة بدن المعتدى عليه أو ماسا
بسلامة ماله وبالرجوع لنص المادة (253/1) من قانون الجزاء، يتضح لي بأن المشرع
العماني لم يقم بحصر الجرائم التي يمكن بأن تثور بها حالة الدفاع الشرعي، وإنما
جعلها عامة فيجوز بذلك الدفاع الشرعي تجاه أي فعل يهدد سلامة الحقين (البدن
والمال) وهذا يُعد تطبيقاً لروح الشريعة الإسلامية السمحة.
والمقصود بجرائم الإعتداء على النفس جرائم الإعتداء على النفس التي تقع على
الأشخاص وهي في القانون متنوعة فقد تنال بالاعتداء الحق في الحياة (القتل)أو سلامة
الجسم (كالضرب) أو الحق في الحرية أو الحق في صيانة العرض أو الشرف والإعتبار[16]؛
إلا أن هناك رأي ذهب إلى أنه لا يجوز إستعمال حق الدفاع الشرعي في جرائم الماسة
بالشرف والإعتبار (والتي تعرف بجرائم إهانة الكرامة لدى المشرع العماني) لأنه ليس
فيها مظهر من مظاهر القوة المادية وهذا الرأي متأثر بالوضع السائد في فرنسا؛ لكن
هذا الرأي لا يمكن الأخذ به، لأن الراجح جواز الدفاع الشرعي ضد هذه الجرائم مثل
تمزيق المكتوب الذي يحوي عبارات القدح أو الذم قبل إذاعتها، أو وضع اليد على فم
المعتدي لمنعه من الإسترسـال في عبارات الـقدح أو الذم[17]؛
أما جرائم الإعتداء على المال، فهي الجرائم التي تنال من ما يملكه الشخص أو ما
يستنفع به.
وقد تطرق المشرع
العماني في المادة أنفة الذكر إلى حالتين من الحالات التي تُعد من قبيل الدفاع
الشرعي وهي:-
1. فعل من يدافع عن نفسه أو عن ماله أوعن نفس الغير
أو أمواله تجاه من يقدم، باستعمال العنف، على السرقة أو النهب.
2. الفعل المقترف عند دفع شخص دخل أو حاول الدخول
ليلاً إلى منزل آهل أو ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات أو الجدران أو المداخل أو
ثقبها أو كسرها أو تمزيقها أو بإستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة.
فيشترط لإعمال هذه المادة في الحالة الأولى بأن يكون فعل
المعتدي مهدداً بإرتكاب جريمة السرقة أو النهب فقط، وأن يكون قد إستعان بالعنف
لتنفيذ الجريمة.
أما في الحالة الثانية فيشترط لتوافرها أولاً:
دخول المعتدي منزلاً مسكوناً أو أحد ملحقاته أو محاولته ذلك، ويجب أن يكون الدخول
بدون رضاء صاحب المنزل، لأنه لو كان الدخول برضاه لانتفت الجريمة وكان الدخول
مباحاً بحسب الأصل، ويقصد بالمنزل المسكون المكان الذي يقيم فيه الإنسان بالفعل
وان كان لا يشترط وجوده وقت دخول المعتدي، فلا يكفي أن يكون المكان معداً للسكنى
ولم يسكنه أحد، ويقصد بملحقات المنزل المسكون الأماكن الملاصقة به والمخصصة
لمنافعه والتي لا تكون مسكونة أو معدة لذلك مثل الحديقة أو الكراج أو المخزن، ولا
يشترط دخول هذه الأماكن فعلاً بل تكفي محاولة الدخول، ويشترط ثانياً:
أن يكون الدخول أو محاولة الدخول ليلاً وهي الفترة التي تمتد من غروب الشمس إلى
الشروق، فلا يتوافر هذا الشرط إذا تم الفعل نهاراً ولا يتحقق بالتالي الدفاع المشروع
وإن كان المدافع في هذه الحالة يستفيد من العذر المخفف كما سنبين لاحقاً، ويشترط ثالثاً:
أن يكون الدخول أو محاولة الدخول عن طريق إستخدام وسائل غير مألوفة نص المشرع إلى
بعضها مثل (التسلق أو الكسر أو الثقب...الخ) وعلى ذلك لا يتوافر هذا الشرط إذا تم
الدخول بطريقة مألوفة[18][19].
ولكن القرينة التي أوردها المشرع في الحالتين ليست قاطعة
أو مطلقة، إذ يجوز إثبات عكسها، فقد تطرقت ذات المادة في فقرتها الأخيرة إلى ما
يشير لهذا القول، وسأشرح معنى الفقرة الأخيرة لاحقاً.
- أن يكون الخطر حالاً.
يشترط لاعتبار الشخص في حالة دفاع شرعي أن يكون الإعتداء الذي يرمي إلى
دفعه حالاً أو وشيك الحلول ، ذلك أن حالة الخطر الداهم التي يوجد فيها المعتدى
عليه هي التي تبرر الدفاع فإذا لم يكن الخطر حالاً بل كان مستقبلا ، فلا يكون
الموجه عليه في حالة دفاع شرعي، ويكون الإعتداء حالاً في صورتين الأولى حيث يكون
الإعتداء على وشك أن يبدأ حيث صدرت من المعتدي أفعال تجعل من المنتظر- وفق السير
العادي للأمور- أن يبتدئ الإعتداء على الفور ، وفي هذه الحالة لا يلزم المشرع
المهدد بالخطر أن ينتظر ابتداء الإعتداء عليه حتى يباح له الدفاع ، بل يجيز له
الدفاع بمجرد أن يتهدده الخطر الوشيك.
أما الصورة الثانية فهي حين يكون الإعتداء قد بدا ولكنه لم ينته بعد فما
زال بعض الخطر قائماً وهو خطر حال والدفاع جائز فيها وذلك عن الإعتداء اللاحق ،
أما إذا إنتهى الإعتداء وتحقق كل الخطر إنتفت صفة الحلول فلا يكون للدفاع الشرعي
محل ؛ وتحديد الوقت الذي يعد الإعتداء فيه منتهياً، وبالتالي يقف فيه حق الدفاع
يختلف بإختلاف الجرائم وظروف إرتكابها إلا أن الضابط في ذلك هو قوام إتمام الجاني
للأفعال التي يريدها وتحقق النتيجة الإجرامية.[20]
– ومرد هذا الشرط هو القواعد العامة لقانون العقوبات- .
ب- شروط الدفاع:-
يشترط في فعل الدفاع شرطان وهما اللزوم والتناسب حيث سنوجزهما على النحو الأتي:-
- اللزوم:-
إذا كان المدافع يستطيع التخلص من الخطر الذي يهدد حقه عن طريق فعل لا يعد جريمة،
فلا يباح له الإقدام على الفعل الذي تقوم به الجريمة؛ ذلك أن إتيان هذا الفعل ليس
لازماً لدرء الخطر، إذ كان من ممكناً حماية الحق دون مساس بحق سواه[21]؛
وهذا الشرط يتطلب التثبت من أمرين وهما عدم إمكانية تجنب الخطر إلا بالدفاع وأن
يكون الخطر موجها لمصدر الخطر؛ وعلى ذلك لا يتوافر الدفاع الشرعي إذا كان في
الإمكان الإلتجاء إلى السلطات العامة ، إذ لو كان ذلك ممكناً فإن شرط اللزوم ينتفي
بإعتبار أن تكون هناك وسيلة أخرى لدرء الخطر عن طريق السلطات العامة المنوط بها
منع وقوع الجرائم غير أن ذلك مشروط بإمكانية الإلتجاء إلى السلطات العامة في الوقت
المناسب، ويقصد بذلك إمكانية تدخل السلطات لمنع الإعتداء قبل وقوعه[22].
ولا محل لإباحة فعل الدفاع إلا إذا وجه إلى مصدر الخطر كي يكفل التخلص منه؛
أما إذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر يهدده ووجه إلى شخص أو شيء لا يصدر الخطر عنه، فلا محل
لإحتجاجه بالدفاع الشرعي، لأن الفعل غير ذي جدوى في التخلص من الخطر، فهو غير لازم
لذلك؛ فمن يهاجمه شخص لا يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره ومن يهاجمه كلب لا
يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه[23].
- التناسب:-
إذا نشأ حق الدفاع بأن كان هناك إعتداء حال أو على وشك الحلول يهدد النفس
أو المال وكان إستعمال القوة المادية لازماً أي هو الوسيلة الوحيدة لدرئه فيجب على
المدافع أن يبذل قدراً من القوة لرد الإعتداء يكون متناسباً مع الإعتداء ولكن لا
يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل الإعتداء
ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل الظروف التي كان فيها المدافع وبالنسبة لسنه وقوته
وحالته الشخصية وعلى ذلك فهي متناسبة ومرجع تقدير ذلك كله إلى محكمة الموضوع ،
وعليه فإن التناسب لا يعني التطابق بين الإعتداء والقوة وإنما أن يكون هناك
تناسباً بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه وبين الوسيلة التي إستعملها
بالفعل؛ فيوجد تناسب إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظرف إستعمالها أنسب
الوسائل لرد الإعتداء أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المهدد
بالإعتداء فالضرر الذي ينتج عن إستعمال هذه الوسيلة هو القدر المناسب لرد الإعتداء
وتقدير التناسب على هذا النحو نسبي يتعلق بظروف كل واقعة فقد تعد الوسيلة مناسبة
في بعض الظروف دون البعض الأخر[24].
·
أثر الدفاع الشرعي :
-
أ-
إباحة فعل الدفاع :-
متى توافرت الشروط المتطلبة قانوناً في فعل الإعتداء وفي الدفاع أحدث
الدفاع الشرعي أثره القانوني في إباحة الفعل ؛ فيعتبر الدفاع مشروعاً وتنتفي عنه
الصفة الإجرامية بالرغم من مطابقته لنموذج إجرامي معين[25].
وبهذه الإباحة يصير الفعل مشروعاً
فلا تقوم من أجله مسئولية ولا يوقع على مرتكبه عقاب ، ويستفيد من الإباحة كل من
يساهم في فعل الدفاع ، سواء أكانت مساهمته أصلية أم تبعية[26].
ويعتبر مرتكب الدفاع الذي تخلفت
لديه نية الدفاع في محيط الجريمة الظنية والتي لا قيمة لها قانوناً ، ذلك أن
المشروعية أو عدمها منوطة بالضرر الذي يصيب المصالح المحمية جنائياً ، ولما كان
الإعتداء يهدد الحماية الجنائية لمصلحة المعتدي فإن الفعل يعتبر مشروعا بغض النظر
عن نية الدفاع لدى المدافع ؛ وذهب البعض إلى أن الدفاع الشرعي يحدث أثره وتنتفي
مسئولية المدافع طالما كان الفعل في حدود حق الدفاع حتى ولو أصاب غير المعتدي سواء
أكان ذلك لغلط في الشخص أم كان لخطأ في إصابة الهدف.[27]
لكننا نذهب مع الرأي الذي يوجب التفرقة بين ما إذا كان المعتدى عليه لم
يتعمد إصابة حق الغير أو أنه تعمد ذلك، ففي الحالة الأولى يكون حكم القانون هو
إباحة فعل الدفاع طالما ثبت أن المعتدى عليه قد بذل كل العناية والإحتياط
المفروضين عليه لإصابة المتعدي وحده، لكن حدثت إصابة الغير لأسباب لا سيطرة
لإرادته عليها، أما إذا ثبت صدور خطأ عنه فيكون المعتدى عليه مسئولاً عن جريمة غير
عمدية.
أما في الحالة التي يكون المعتدى عليه قد تعمد إصابة حق الغير لضرورة إتيان
فعل الدفاع ومثاله بأن يستولي شخص على طلقات نارية مملوكة لغيره كي يعبئ بها سلاحه
، فحكم القانون في هذه الأفعال أن الدفاع الشرعي لا يبيحها ، إذ أنها لم توجه إلى
مصدر الخطر (المعتدي) وإنما وجهت إلى شخص لا شأن له بالخطر؛ ولكن يستطيع المدافع
أن يحتج بحالة الضرورة .[28]
ب-
إثبات الدفاع الشرعي:-
ثار الخلاف حول من يُحمل عبء إثبات الدفاع الشرعي وهل يقع على عاتق المتهم
أم على عاتق سلطة الإتهام (الإدعاء العام) ؛ فذهب رأي إلى أن هذا العبء يقع على
عاتق الإدعاء العام بوصفه سلطة الإتهام في الدعوى الجنائية وأن عليه واجب إثبات
توافر أركان الجريمة وعدم وجود سبب مبرر لها، كما أن المتهم يستفيد من قرينة
البراءة فلا يتحمل عبء إثبات الجريمة أو نفيها؛ وهناك من قيد هذا العبء وقصره على
الحالة التي يدعي فيها المتهم بتوافر حق الدفاع المشروع فيقع في هذه الحالة على
عاتق الإدعاء العام إثبات إنتفاء قيام هذا الحق، وألقى رأي أخر هذا العبء على
القاضي الذي يجب عليه من تلقاء نفسه أن يتحرى عن توافر الدفاع المشروع ؛ إلا أنه
يؤخذ على هذه الآراء السابقة أن منطقها يؤدي إلى القول بأن هناك قرينة تفيد بأن
المتهم كان في حالة دفاع مشروع وعلى الإدعاء العام أو القاضي حسب الأحوال نفي هذه
القرينة وإثبات عكسها وهذا الأمر مغالى فيه.[29]
لكننا نتفق مع الراجح لدى غالبية الفقهاء وهو أن واجب الإدعاء العام ينتهي
عند حد إثبات الجريمة ، بينما يقع على عاتق المتهم إثبات الوقائع التي تنفي وجود
جريمة ومنها الدفاع الشرعي؛ لكن لا يشترط للتمسك به أن يدفع المتهم صراحة بالدفاع
الشرعي بل يكفي إستخدام أي عبارة تفيد التمسك بحالة الدفاع الشرعي[30].
· ضوابط التمسك بالدفاع الشرعي :-
الدفاع الشرعي هو دفاع موضوعي، لأنه يتطلب تحقيقاً لإثباته وتدخلاً في
تصوير ظروفه وتقدير الأدلة المقدمة بصدده إثباتاً ونفياً.
فيلزم بأن يكون الدفع قد أثير على وجه ثابت ؛ وأن يكون
قد قدم قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الموضوع وبالتالي لا يمكن أن يثار لأول
مرة أمام محكمة القانون (العليا) ويتوجب على محكمة الموضوع أن تتعرض لهذا الدفع في
أسباب حكمها إذا قدم المتهم دفعاً صريحاً بتوافر الدفاع الشرعي ، أو إذا كانت
الدعوى ترشح للقول بتوافر حالة الدفاع ولو لم يقدم المتهم دفعاً صريحاً بها؛ ولا
يشترط بأن يكون التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي بلفظ صريح بل يكفي إثارته ضمناً ؛
كذلك لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي إعتراف المدافع بالجريمة.(1)
ولمحكمة الموضوع عند بحث موضوع الدعوى التحقق من توافر شروط الدفاع الشرعي
والتزام قيوده واستخلاص نتيجة ذلك بالقول بتوافره أو انتفائه، لذلك كان عليها البت
فيه ، لكنها ليست ملزمة بالبحث في حالة الدفاع الشرعي طالما لم يتمسك المتهم بها
ولم تكن وقائع الدعوى كما أثبتتها المحكمة ناطقة بتوافرها مرشحة لقيامها، ويعني
ذلك أنه لا يقبل من المهتم النعي على الحكم بأنه لم يتحدث عن حالة الدفاع ولم يفصل
فيها.(2)
لكن سلطة محكمة الموضوع في القول بتوافر الدفاع الشرعي من عدمه ليست مطلقة
بل تخضع لرقابة محكمة القانون، كالخطأ في تطبيق القانون أو القصور في التسيب
والحالة الثالثة هي أن تكون الوقائع تدل على قيام حالة الدفاع الشرعي فيتعين على
محكمة الموضوع أن تعترف بها.[31]
الفصل الثاني:-
·
تجاوز حالة لدفاع
الشرعي:-
- تمهيد:
تحدثنا فيما تقدم عن تعريف حالة الدفاع الشرعي ومن ثم ركني
الدفاع الشرعي الواجب توافرها، وتكلمنا أيضا عن الشروط الواجب توافرها في كل ركن
منهما، وخاصة فيما يجب على المعتدى عليه إلتزامه من ضوابط في حالة دفعه للإعتداء
الواقع عليه، لأن ركن الإعتداء هو الموجد لركن الدفاع، وإذا انتهى الإعتداء إنتهت
حالة الدفاع، فإذا أتى المعتدى عليه فعلاً بعد ذلك كان معتدياً وليس مدافعاً ويسأل
عما قام به من أفعال بعد أن إنتهى الإعتداء، فالعبرة في
تقدير قيام الدفاع الشرعي ومقتضياته هي ما يراه المدافع في الظروف المحيطة به،
بشرط أن يكون تقديراً مبنياً على أسباب تبرره فإن قام
المدافع بإنتزاع السلاح من يد المعتدي وشل حركته فإن دفاعه ينتهي عند هذا الحد ولا
يجوز له تجاوزه؛ وتعد الأفعال التالية لها أفعال جرميه عمدية يسأل عنها المدافع[32].
ولكن حالة الإعتداء قد تمتد وتطول إذا ما أخذ المتعدي
مال المعتدى عليه وفر هارباً به، فللمتعدى عليه أن يتتبعه حتى يسترد منه ماله، وله
في ذلك أن يستعمل القوة المناسبة لإسترداد هذا المال ولو وصلت إلى حد قتل المعتدي
فله أن يقتله إذا لم تكن أمامه وسيلة لإسترداد ماله إلا هذه، وفي كل ذلك لا يعتبر
إعتداء المعتدى عليه منتهياًَ لأن حالة الدفاع تكون ما زالت قائمة؛ أما إذا قام
المعتدى عليه بإستعمال قدر من القوة أكبر مما تقتضيه الضرورة لدفع الإعتداء الواقع
عليه يكون في ذلك مسئولاً عن فعله الذي تعدى به مقدار الدفع المشروع ويعتبر الزائد
عن هذا المقدار عدوانا غير مشروع يسأل عنه من الناحيتين الجنائية والمدنية لأنه
بذلك يكون قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي.[33]
[1] - أنظر
- عودة (عبد القادر) - التشريع الجنائي
الإسلامي- ج 1- ص 469.
[2] - أنظر
عودة (عبد القادر) - المرجع السابق ص 470
[3] - سورة
البقرة الآية 194
[4] -
أنظر؛ الشواربي
(د. عبد الحميد)– الدفاع الشرعي في ضوء الفقه والقضاء - ص 25
[5] -
لم يتطرق المشرع العماني إلى تعريف الدفاع
الشرعي في القانون الجزائي ؛ الرجاء إنظر المادة (253) من قانون الجزاء العماني .
[6] - الظفيري
(د. فايز) – الوجيز في شرح القواعد العامة لقانون الجزاء الكويتي – ص 149- 151
[7] - حسني (د.محمود
نجيب)- شرح قانون العقوبات القسم العام – ص 188
[8] - خليل
(د. عدلي)- جرائم القتل العمد علماً وعملاً – ص 804.
[9] - حسني (د.محمود
نجيب) – المرجع السابق ص 188
[10] - الشواربي (د. عبد الحميد)- المرجع السابق - ص 41
[11]
- المستشار هرجه (مصطفى مجدي) – موسوعة هرجه الجنائية - ص
564 – 565
[12]
- تم إلغاء المادة (252) المتعلقة بالعذر القانوني؛ في سنة 2001م، والتي
تبيح للزوج قتل زوجته وعشيقها في حالة مفاجئتهما معاًً .
[13]
- سلامة (د. مأمون محمد) - قانون العقوبات القسم العام- ص 226
[14]
- قهوجي (د. علي عبد القادر)- شرح قانون العقوبات القسم العام دراسة مقارنة
- ص
218
[15] - الشواربي (د. عبد الحميد)–
المرجع السابق - ص 49
[16] - المستشار هرجه
(مصطفى مجدي) – المرجع السابق - ص569
[17] - قهوجي
(د. علي عبد القادر)– المرجع السابق - ص236
[18] - مثل دخول السارق
بستان عبر فجوة بعرض مترين في سياجه.
[19] - المرجع السابق- ص
252
[20] - خليل
(د. عدلي) – المرجع السابق - ص822
[21]
- حسني (د.محمود نجيب)– المرجع السابق- ص 206
[22] - سلامة
(د. مأمون محمد) - المرجع السابق- ص 226
[23] - حسني (د.محمود نجيب)–
المرجع السابق- ص208
[24] - المستشار هرجه
(مصطفى مجدي) – المرجع السابق- ص572
[25] - سلامة
(د. مأمون محمد) - المرجع السابق- ص246
[26] - الشواربي (د. عبد الحميد)–
المرجع السابق - ص 131
[27] - سلامة
(د. مأمون محمد) – المرجع السابق- ص 246
[28] - حسني (د.محمود
نجيب) - المرجع السابق-
ص 220-221
[29] - قهوجي
(د. علي عبد القادر)– المرجع السابق - ص
253- 254.
[30] - الشواربي (د. عبد الحميد)– المرجع السابق- ص
131
(1) - راجع فيما ورد
ذكره : الشواربي (د. عبد الحميد)– المرجع السابق – ص 134
(2) - إنظر حكم محكمة
النقض المصرية 13 ديسمبر سنة 1928- مجموعة القواعد القانونية جزء 1 رقم 53 ص 70
[31] - حسني (د.محمود نجيب) – المرجع السابق – ص 222
[32] - طعن 24 يونيو
سنة2003 مجموعة الأحكام الصادرة عن الدائرة الجزائية والمبادئ المستخلصة منها لعام
2003- رقم 110و111.
[33] – - محسن (د. عبد
العزيز محمد)– الأعذار القانونية المخففـة من العقاب في الفقه الإسلامي
والقـــانون الوضعي- ص 115.
الرحيم
سلطنة عمان
الإدعـاء العــام
إدارة التـدريب
بحث
في :
تجاوز حدود الدفاع الشرعي
إعـــــداد:
معـــــــاون إدعــــــاء عـــام
عــدنــان بن عبــدالله الـبروانـي
إدارة الإدعـاء العـام بولايـة مـطرح
مقدمة:-
الحمد لله الذي هدانا إلى الحق والعدل,,, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا
الله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله والمرسلين سيدنا ونبينا المصطفى وعلى آله
وصحبه ومن إتبعهم بِإِحسان إلى يوم الدين....
أما بعد :-
إن هذا البحث ليعتبر خاتمة التدريب العملي والنظري التي يخضع لها عضو
الإدعاء العام لدى تعيينه في أول سلم درجات الإدعاء العام، حيث يتوجب على العضو
إعداد بحث علمي حول إحدى المواضيع التي تهم عمله المهني.
والموضوع الذي أنا
بصدد التطرق إليه هو تجاوز حدود الدفاع الشرعي، حيث تتفق الإنسانية جمعاء على أنه
عند حلول خطر يهدد النفس البشرية أو مالها، بضرورة تحرك السلوك المادي والنفسي
لوقف ذلك الخطر المتوقع أو دفعه لأجل المحافظة على الحياة أو المال من الهلاك، وهذا
ما يعرف بحالة الدفاع الشرعي؛ إلا أنه وأثناء قيام هذا الشخص بممارسة هذا السلوك
الذي كفله له القانون، فمن المتصور بأن يتمادى لأكثر مما هو مستوجب لرد الخطر،
ويكون بذلك قد خرج عن الإطار المسموح له، ذلك أنه أوقع ضرر أكبر من الضرر المتوقع
حدوثه عليه في حالة وقوع الخطر، وعليه تبعاً للظروف فمن المتصور بأن إما أن لا
يُسأل الشخص عن هذا الفعل لأنه لم يستطع رد الخطر بطريقة أخرى، أو أنه يسأل عن هذا
الفعل، ويكون بذلك متجاوز لحدود دفاعه؛ وبما أن موضوع بحثنا هو تجاوز حالة الدفاع
الشرعي، أرى أنه من الضروري التطرق للدفاع الشرعي وشروطه في الفصل الأول ومن ثم
التطرق لبحثنا في الفصل الثاني.
الفصل الأول:
·
الدفاع الشرعي:
-
تمهيد:
يعـد الدفاع الشرعي سبب من أسباب الإباحة أي أنه يسبغ
على الفعل المجرم الـذي أقدم عليه الشخص الصفة الشرعية ، ويخرجه من نطاق التجريم ؛
ويتضح لنا من سياق هذا القول بأن نصوص مواد التجريم ليست مطلقة بل يرد عليها قيود
تضيق من نطاقها ، والمشرع يهدف من وضعه هذه النصوص حماية مصالح إجتماعية معينة على
جانب من الأهمية فينص على تجريم تلك الأفعال ، لكنه قد يقدر أن المصلحة التي تعود
على المجتمع في عدم العقاب تفوق المصلحة التي تعود عليه في حالة العقاب عليها في
ظروف معينة ، فيقرر إعتبارها مشروعة في مثل هذه الظروف على الرغم من خضوعها لنصوص
التجريم؛ وأساس تبرير فعل الإباحة وعلته عند الفقهاء الإسلاميين لا يختلف عما ورد
في السياق السابق[1].
وقد تطرق المشرع العماني إلى حالة الدفاع الشرعي شأنه في
ذلك شأن جميع التشريعات في العالم الحديث، وما سبقته من تشريعات قديمة ؛ وحق
الدفاع الشرعي يعتبر ضمن الحقوق العامة للإنسان التي تكفلها الشرائع والقوانين لما
تحققه من غاية إجتماعية، وإذا كان حق الدفاع الشرعي له هذه المكانة فيتعين البحث
في هذا الفصل أولا: في ماهيته والشروط
الواجب توافرها فيه ومن ثم الأثر الذي يحدثه هذا الحق في حالة توافره من عدمه.
·
ماهية الدفاع الشرعي:
يعرف الدفاع
الشرعي في الفقه الإسلامي بالدفاع الشرعي الخاص أو يطلق عليه اسم (( دفع الصائل))
ويٌعرف على أنه:-
واجب الإنسان في حماية نفسه أو نفس غيره ، وحقه في حماية
ماله أو مال غيره من كل إعتداء حال غير مشروع وبالقـوة اللازمة لدفع هذا الإعتداء [2]
ويرى كثير من الفقهاء المسلمين بأن أصل إباحة فعل الدفاع
الشرعي قوله تعالى في كتابه الكريم: ((فمن إعتدى عليكم فإعتدوا عليه بمثل ما إعتدى
عليكم ))[3] وما روي عن الرسول (ص) : (( من أٌريد ماله بغير حق فقاتل
فقتل فهو شهيد)) .
وقد إتفق جميع
فقهاء المذاهب الإسلامية بأن الدفاع عن العرض واجب على المدافع ، وإختلفوا فيما
عدا ذلك بين الوجوب والإجازة فيما تعلق بالدفاع عن النفس والمال والرأي الراجح فيما يتعلق بالدفاع عن النفس
بأنه واجب أما الدفاع عن المال فالراجح فيه بأنه جائز وليس واجب.
أما من ناحية
الفقه الوضعي فتعريفه بأنه: إستخدام القوة
اللازمة لمواجهة خطر إعتداء غير محق ولا مثار أي غير مشروع ؛ يهدد بضرر يصيب حقاً
يحيه القانون[4][5].
والأساس القانوني الذي يستند إليه الدفاع الشرعي هو محل
لخلاف غالبية الفقهاء؛ فهناك من قال بنظريات فلسفية للتعبير عن أساس الدفاع الشرعي
كنظرية الحق الطبيعي أو نظرية المصلحة الإجتماعية؛ وهناك من النظريات التي تجتمع
بتسمية النظريات القانونية مثل نظرية العالم الهولندي (Puffendroff) بأن أساس الدفاع الشرعي يقوم على حاسة البقاء لدى
المدافع؛ إلا أنني مع الرأي القائل بأن الدفاع الشرعي ليس إلا رخصة أو مكنة
قانونية مشروط إستخدامها بتحقق الشروط التي تطلبها المشرع.[6]
والمشرع الوضعي لا يلزم من يتهدده الخطر بأن يتحمله ومن
ثم يبلغ السلطات لتتولى توقيع العقاب على المعتدي ، ولكن يبيح له أن يتولى بنفسه
دفع هذا الخطر عن طريق كل فعل يكون ضرورياً وملائماً لذلك؛ ودفع الخطر يكون بالحيلولة بين المعتدي والبدء في عدوانه أو
الإستمرار فيه إن بدأه أصلاً[7].
وذلك لأن فعل دفاع الإنسان عن نفسه أو ماله ضد ما يتهدده
من الأخطار أمر طبيعي توحي به الغريزة الإنسانية ، وله أن يدفع هذا الخطر بكل فعل
يكون ضرورياً وملائما حتى وإن كان هذا الفعل قتلاُ، وحق الدفاع الشرعي هو سبب من
أسباب الإباحة.
ويـعتبر الدفاع سبباً عاماً للإباحـة كون أنه يسري في كل
الجرائم التي تقع دفاعاً للخطر ولو لم تكن من قبيل القتل والجرح والضرب، فالدفاع
يكون في القبض على المعتدي وحبسه أو إتلاف الأدوات التي يستعملها.[8]
إلا أن الدفاع الشرعي ليس هدفه تخويل المعتدى عليه سلطة
توقيع العقاب على المعتدي أو الإنتقام منه ، وإنما هدفه مجرد منع إرتكاب الجرائم
أو منع التمادي فيها ، وهو حق عام يقرره الشارع في مواجهة الكافة ، ويقابله إلتزام
الناس بإحترامه وعدم وضع العوائق في طريق إستعماله.[9]
وهذا الحق ليس حقاً مطلقاً بل يستوجب تطبيقه
على الفعل المجرم توافر عدة شروط لكي يمكننا القول بأننا أمام قيام حالة الدفاع
الشرعي ؛ وكذلك فإنه ترد بعض القيود على إستعمال هذا الحق ، وذلك لما يمكن أن
تلحقه في بدن المعتدي ؛ وعليه سأقوم بذكر شروط الدفاع الشرعي ومن ثم القيود
الواردة عليه وأخيراً أثر قيام حالة الدفاع الشرعي في هذا المبحث الأول:-
·
شروط حالة الدفاع
الشرعي :-
يتطلب لقيام حالة الدفاع الشرعي توافر عدة شروط ، وهذه الشروط منها ما هو
متعلق بفعل الإعتداء الذي يبرر الدفاع ، ومنها ما هو متعلق بالمعتدى عليه دفعاً
للتعدي.[10]
أ-
شروط الإعتداء:-
- وجود إعتداء غير مشروع.
لكي يكون هناك حق دفاع ؛ يجب أن يكون هناك إعتداء أو خطر إعتداء بفعل يعد
جريمة فإذا كان الإعتداء لا يعد جريمة فلا يقوم حق الدفاع وبناء على ذلك فالدفاع
ضد من يزاول حقه في الدفاع الشرعي غير معاقب عليه ؛ إلا إذا كان من يزاول حقه في
فعل الدفاع قد تخطى حدود الدفاع الشرعي فإن فعله يعتبر إعتداء مما يعد جريمة طبقاً
لقواعد القانون عامة ؛ وعلى ذلك يجوز الدفاع ضده و الإعتداء يعد جريمة ولو كان
الفاعل غير معاقب لعارض من عوارض الأهلية الجنائية أو لإنتفاء القصد الجنائي لغلط
في الوقائع لأن موانع المسؤولية لا تمحو صفة الجريمة عن الفعل وإن كانت تمنع
المسؤولية عنه فيجوز الدفاع ضد عمل الحدث والمجنون ومن هو في واقع الغلط ؛ كذلك يجوز الدفاع الشرعي ضد من يتمتع بعذر من
الأعذار القانونية ذلك أن وجود العذر القانوني لا يمنع من كون الفعل غير مشروع
وعلى ذلك فإن الزوج الذي يفاجـأ زوجته وشريكها في حالة الزنا فيحاول قتلهما في
الحال فإن للزوجة والشريك أن يدفعا عدوان الزوج بإستعمـال حق الدفاع الشرعي. [11] [12]
وإشتراط عدم مشروعية الخطر يفيد إنتفاء الدفاع الشرعي ضد الخطر المشروع فلا
يتصور الدفاع الشرعي ضد خطر يقره القانون أو يأمر به فالدفاع لا يجوز إلا ضد خطر
يهدد بإرتكاب جريمة وبالتالي فإن هذه الصفة تنتفي بالنسبة للخطر المشروع ويترتب
على ذلك أن الدفاع الشرعي لا يجوز ضد من يرتكب فعلاً في حالة دفاع عن النفس أو
المال المباح قانوناً كذلك لا يجوز الدفاع ضد
الفعل المرتكب إستعمالاً لحق من الحقوق أو الغلط في الإباحة فإنه لا ينفي عن الفعل
المرتكب الصفة غير المشروعة وبالتالي يتحقق الشرط الذي نحن بصدده ويجوز الدفاع
الشرعي ضده ويستوي بعد ذلك أن يكون الغلط في الإباحة يعفي صاحبه من المسؤولية كلية
أو لا يعفه.[13]
والدفاع الشرعي جائز ضد الإعتداء الوهمي أي الذي لا أصل له في الواقع ،
وحقيقة الأمر بأنه متى ما كانت الظروف والملابسات تلقي في روع المدافع أن هناك
إعتداءاً جدياً وحقيقياً موجهاً إليه ، فإن حالة الدفاع الشرعي تكون قائمة ، ولا
يشترط أن يكون الإعتداء حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في إعتقاد المدافع
وتصوره ؛ وعليه فإن الأعمال التحضيرية لجريمة ما لا تبيح الدفاع الشرعي وذلك لأنها
لا تعد جريمة بحد ذاتها. [14]
وينتهي الحق في الدفاع بزوال الإعتداء فعلاً لأن الغرض من الدفاع هو منع
المعتدي وليس القصاص أو الإنتقام فإذا ثبت أن المتهم إرتكب جريمته بعد إنقطاع
الإعتداء فلا يكون في حالة دفاع شرعي ذلك أن الدفاع الشرعي يهدف إلى الحيلولة دون
إتمام مخالفة القانون ، ويقتضي ذلك أن يكون الخطر لا زال قائماً يحدق بالغير ،
بحيث إذا كان الإعتداء قد إنتهاء فلا يكون للدفاع شرعي وجود ؛ وتحديد الوقت الذي
يعد الإعتداء فيه منتهياً وبالتالي يقف فيه حق الدفاع يختلف بإختلاف الجرائم وظروف
إرتكابها .[15]
- أن يكون
الإعتداء يهدد بإرتكاب جريمة ضد النفس أو المال .
يلزم أن يكون الخطر مهدداً لحق ((وهذا هو موضوع
الإعتداء)) ، وهذا الحق إما أن يكون ماسا بسلامة بدن المعتدى عليه أو ماسا
بسلامة ماله وبالرجوع لنص المادة (253/1) من قانون الجزاء، يتضح لي بأن المشرع
العماني لم يقم بحصر الجرائم التي يمكن بأن تثور بها حالة الدفاع الشرعي، وإنما
جعلها عامة فيجوز بذلك الدفاع الشرعي تجاه أي فعل يهدد سلامة الحقين (البدن
والمال) وهذا يُعد تطبيقاً لروح الشريعة الإسلامية السمحة.
والمقصود بجرائم الإعتداء على النفس جرائم الإعتداء على النفس التي تقع على
الأشخاص وهي في القانون متنوعة فقد تنال بالاعتداء الحق في الحياة (القتل)أو سلامة
الجسم (كالضرب) أو الحق في الحرية أو الحق في صيانة العرض أو الشرف والإعتبار[16]؛
إلا أن هناك رأي ذهب إلى أنه لا يجوز إستعمال حق الدفاع الشرعي في جرائم الماسة
بالشرف والإعتبار (والتي تعرف بجرائم إهانة الكرامة لدى المشرع العماني) لأنه ليس
فيها مظهر من مظاهر القوة المادية وهذا الرأي متأثر بالوضع السائد في فرنسا؛ لكن
هذا الرأي لا يمكن الأخذ به، لأن الراجح جواز الدفاع الشرعي ضد هذه الجرائم مثل
تمزيق المكتوب الذي يحوي عبارات القدح أو الذم قبل إذاعتها، أو وضع اليد على فم
المعتدي لمنعه من الإسترسـال في عبارات الـقدح أو الذم[17]؛
أما جرائم الإعتداء على المال، فهي الجرائم التي تنال من ما يملكه الشخص أو ما
يستنفع به.
وقد تطرق المشرع
العماني في المادة أنفة الذكر إلى حالتين من الحالات التي تُعد من قبيل الدفاع
الشرعي وهي:-
1. فعل من يدافع عن نفسه أو عن ماله أوعن نفس الغير
أو أمواله تجاه من يقدم، باستعمال العنف، على السرقة أو النهب.
2. الفعل المقترف عند دفع شخص دخل أو حاول الدخول
ليلاً إلى منزل آهل أو ملحقاته الملاصقة بتسلق السياجات أو الجدران أو المداخل أو
ثقبها أو كسرها أو تمزيقها أو بإستعمال مفاتيح مقلدة أو أدوات خاصة.
فيشترط لإعمال هذه المادة في الحالة الأولى بأن يكون فعل
المعتدي مهدداً بإرتكاب جريمة السرقة أو النهب فقط، وأن يكون قد إستعان بالعنف
لتنفيذ الجريمة.
أما في الحالة الثانية فيشترط لتوافرها أولاً:
دخول المعتدي منزلاً مسكوناً أو أحد ملحقاته أو محاولته ذلك، ويجب أن يكون الدخول
بدون رضاء صاحب المنزل، لأنه لو كان الدخول برضاه لانتفت الجريمة وكان الدخول
مباحاً بحسب الأصل، ويقصد بالمنزل المسكون المكان الذي يقيم فيه الإنسان بالفعل
وان كان لا يشترط وجوده وقت دخول المعتدي، فلا يكفي أن يكون المكان معداً للسكنى
ولم يسكنه أحد، ويقصد بملحقات المنزل المسكون الأماكن الملاصقة به والمخصصة
لمنافعه والتي لا تكون مسكونة أو معدة لذلك مثل الحديقة أو الكراج أو المخزن، ولا
يشترط دخول هذه الأماكن فعلاً بل تكفي محاولة الدخول، ويشترط ثانياً:
أن يكون الدخول أو محاولة الدخول ليلاً وهي الفترة التي تمتد من غروب الشمس إلى
الشروق، فلا يتوافر هذا الشرط إذا تم الفعل نهاراً ولا يتحقق بالتالي الدفاع المشروع
وإن كان المدافع في هذه الحالة يستفيد من العذر المخفف كما سنبين لاحقاً، ويشترط ثالثاً:
أن يكون الدخول أو محاولة الدخول عن طريق إستخدام وسائل غير مألوفة نص المشرع إلى
بعضها مثل (التسلق أو الكسر أو الثقب...الخ) وعلى ذلك لا يتوافر هذا الشرط إذا تم
الدخول بطريقة مألوفة[18][19].
ولكن القرينة التي أوردها المشرع في الحالتين ليست قاطعة
أو مطلقة، إذ يجوز إثبات عكسها، فقد تطرقت ذات المادة في فقرتها الأخيرة إلى ما
يشير لهذا القول، وسأشرح معنى الفقرة الأخيرة لاحقاً.
- أن يكون الخطر حالاً.
يشترط لاعتبار الشخص في حالة دفاع شرعي أن يكون الإعتداء الذي يرمي إلى
دفعه حالاً أو وشيك الحلول ، ذلك أن حالة الخطر الداهم التي يوجد فيها المعتدى
عليه هي التي تبرر الدفاع فإذا لم يكن الخطر حالاً بل كان مستقبلا ، فلا يكون
الموجه عليه في حالة دفاع شرعي، ويكون الإعتداء حالاً في صورتين الأولى حيث يكون
الإعتداء على وشك أن يبدأ حيث صدرت من المعتدي أفعال تجعل من المنتظر- وفق السير
العادي للأمور- أن يبتدئ الإعتداء على الفور ، وفي هذه الحالة لا يلزم المشرع
المهدد بالخطر أن ينتظر ابتداء الإعتداء عليه حتى يباح له الدفاع ، بل يجيز له
الدفاع بمجرد أن يتهدده الخطر الوشيك.
أما الصورة الثانية فهي حين يكون الإعتداء قد بدا ولكنه لم ينته بعد فما
زال بعض الخطر قائماً وهو خطر حال والدفاع جائز فيها وذلك عن الإعتداء اللاحق ،
أما إذا إنتهى الإعتداء وتحقق كل الخطر إنتفت صفة الحلول فلا يكون للدفاع الشرعي
محل ؛ وتحديد الوقت الذي يعد الإعتداء فيه منتهياً، وبالتالي يقف فيه حق الدفاع
يختلف بإختلاف الجرائم وظروف إرتكابها إلا أن الضابط في ذلك هو قوام إتمام الجاني
للأفعال التي يريدها وتحقق النتيجة الإجرامية.[20]
– ومرد هذا الشرط هو القواعد العامة لقانون العقوبات- .
ب- شروط الدفاع:-
يشترط في فعل الدفاع شرطان وهما اللزوم والتناسب حيث سنوجزهما على النحو الأتي:-
- اللزوم:-
إذا كان المدافع يستطيع التخلص من الخطر الذي يهدد حقه عن طريق فعل لا يعد جريمة،
فلا يباح له الإقدام على الفعل الذي تقوم به الجريمة؛ ذلك أن إتيان هذا الفعل ليس
لازماً لدرء الخطر، إذ كان من ممكناً حماية الحق دون مساس بحق سواه[21]؛
وهذا الشرط يتطلب التثبت من أمرين وهما عدم إمكانية تجنب الخطر إلا بالدفاع وأن
يكون الخطر موجها لمصدر الخطر؛ وعلى ذلك لا يتوافر الدفاع الشرعي إذا كان في
الإمكان الإلتجاء إلى السلطات العامة ، إذ لو كان ذلك ممكناً فإن شرط اللزوم ينتفي
بإعتبار أن تكون هناك وسيلة أخرى لدرء الخطر عن طريق السلطات العامة المنوط بها
منع وقوع الجرائم غير أن ذلك مشروط بإمكانية الإلتجاء إلى السلطات العامة في الوقت
المناسب، ويقصد بذلك إمكانية تدخل السلطات لمنع الإعتداء قبل وقوعه[22].
ولا محل لإباحة فعل الدفاع إلا إذا وجه إلى مصدر الخطر كي يكفل التخلص منه؛
أما إذا ترك المعتدى عليه مصدر الخطر يهدده ووجه إلى شخص أو شيء لا يصدر الخطر عنه، فلا محل
لإحتجاجه بالدفاع الشرعي، لأن الفعل غير ذي جدوى في التخلص من الخطر، فهو غير لازم
لذلك؛ فمن يهاجمه شخص لا يجوز له أن يوجه فعل دفاعه إلى غيره ومن يهاجمه كلب لا
يجوز أن يترك الكلب ويطلق النار على مالكه[23].
- التناسب:-
إذا نشأ حق الدفاع بأن كان هناك إعتداء حال أو على وشك الحلول يهدد النفس
أو المال وكان إستعمال القوة المادية لازماً أي هو الوسيلة الوحيدة لدرئه فيجب على
المدافع أن يبذل قدراً من القوة لرد الإعتداء يكون متناسباً مع الإعتداء ولكن لا
يشترط التكافؤ الحقيقي التام فقد تكون القوة المبذولة للرد أزيد من فعل الإعتداء
ولكن هذه الزيادة معقولة في مثل الظروف التي كان فيها المدافع وبالنسبة لسنه وقوته
وحالته الشخصية وعلى ذلك فهي متناسبة ومرجع تقدير ذلك كله إلى محكمة الموضوع ،
وعليه فإن التناسب لا يعني التطابق بين الإعتداء والقوة وإنما أن يكون هناك
تناسباً بين الوسيلة التي كانت في متناول المعتدى عليه وبين الوسيلة التي إستعملها
بالفعل؛ فيوجد تناسب إذا ثبت أن الوسيلة المستعملة كانت في ظرف إستعمالها أنسب
الوسائل لرد الإعتداء أو كانت هي الوسيلة الوحيدة التي وجدت في متناول المهدد
بالإعتداء فالضرر الذي ينتج عن إستعمال هذه الوسيلة هو القدر المناسب لرد الإعتداء
وتقدير التناسب على هذا النحو نسبي يتعلق بظروف كل واقعة فقد تعد الوسيلة مناسبة
في بعض الظروف دون البعض الأخر[24].
·
أثر الدفاع الشرعي :
-
أ-
إباحة فعل الدفاع :-
متى توافرت الشروط المتطلبة قانوناً في فعل الإعتداء وفي الدفاع أحدث
الدفاع الشرعي أثره القانوني في إباحة الفعل ؛ فيعتبر الدفاع مشروعاً وتنتفي عنه
الصفة الإجرامية بالرغم من مطابقته لنموذج إجرامي معين[25].
وبهذه الإباحة يصير الفعل مشروعاً
فلا تقوم من أجله مسئولية ولا يوقع على مرتكبه عقاب ، ويستفيد من الإباحة كل من
يساهم في فعل الدفاع ، سواء أكانت مساهمته أصلية أم تبعية[26].
ويعتبر مرتكب الدفاع الذي تخلفت
لديه نية الدفاع في محيط الجريمة الظنية والتي لا قيمة لها قانوناً ، ذلك أن
المشروعية أو عدمها منوطة بالضرر الذي يصيب المصالح المحمية جنائياً ، ولما كان
الإعتداء يهدد الحماية الجنائية لمصلحة المعتدي فإن الفعل يعتبر مشروعا بغض النظر
عن نية الدفاع لدى المدافع ؛ وذهب البعض إلى أن الدفاع الشرعي يحدث أثره وتنتفي
مسئولية المدافع طالما كان الفعل في حدود حق الدفاع حتى ولو أصاب غير المعتدي سواء
أكان ذلك لغلط في الشخص أم كان لخطأ في إصابة الهدف.[27]
لكننا نذهب مع الرأي الذي يوجب التفرقة بين ما إذا كان المعتدى عليه لم
يتعمد إصابة حق الغير أو أنه تعمد ذلك، ففي الحالة الأولى يكون حكم القانون هو
إباحة فعل الدفاع طالما ثبت أن المعتدى عليه قد بذل كل العناية والإحتياط
المفروضين عليه لإصابة المتعدي وحده، لكن حدثت إصابة الغير لأسباب لا سيطرة
لإرادته عليها، أما إذا ثبت صدور خطأ عنه فيكون المعتدى عليه مسئولاً عن جريمة غير
عمدية.
أما في الحالة التي يكون المعتدى عليه قد تعمد إصابة حق الغير لضرورة إتيان
فعل الدفاع ومثاله بأن يستولي شخص على طلقات نارية مملوكة لغيره كي يعبئ بها سلاحه
، فحكم القانون في هذه الأفعال أن الدفاع الشرعي لا يبيحها ، إذ أنها لم توجه إلى
مصدر الخطر (المعتدي) وإنما وجهت إلى شخص لا شأن له بالخطر؛ ولكن يستطيع المدافع
أن يحتج بحالة الضرورة .[28]
ب-
إثبات الدفاع الشرعي:-
ثار الخلاف حول من يُحمل عبء إثبات الدفاع الشرعي وهل يقع على عاتق المتهم
أم على عاتق سلطة الإتهام (الإدعاء العام) ؛ فذهب رأي إلى أن هذا العبء يقع على
عاتق الإدعاء العام بوصفه سلطة الإتهام في الدعوى الجنائية وأن عليه واجب إثبات
توافر أركان الجريمة وعدم وجود سبب مبرر لها، كما أن المتهم يستفيد من قرينة
البراءة فلا يتحمل عبء إثبات الجريمة أو نفيها؛ وهناك من قيد هذا العبء وقصره على
الحالة التي يدعي فيها المتهم بتوافر حق الدفاع المشروع فيقع في هذه الحالة على
عاتق الإدعاء العام إثبات إنتفاء قيام هذا الحق، وألقى رأي أخر هذا العبء على
القاضي الذي يجب عليه من تلقاء نفسه أن يتحرى عن توافر الدفاع المشروع ؛ إلا أنه
يؤخذ على هذه الآراء السابقة أن منطقها يؤدي إلى القول بأن هناك قرينة تفيد بأن
المتهم كان في حالة دفاع مشروع وعلى الإدعاء العام أو القاضي حسب الأحوال نفي هذه
القرينة وإثبات عكسها وهذا الأمر مغالى فيه.[29]
لكننا نتفق مع الراجح لدى غالبية الفقهاء وهو أن واجب الإدعاء العام ينتهي
عند حد إثبات الجريمة ، بينما يقع على عاتق المتهم إثبات الوقائع التي تنفي وجود
جريمة ومنها الدفاع الشرعي؛ لكن لا يشترط للتمسك به أن يدفع المتهم صراحة بالدفاع
الشرعي بل يكفي إستخدام أي عبارة تفيد التمسك بحالة الدفاع الشرعي[30].
· ضوابط التمسك بالدفاع الشرعي :-
الدفاع الشرعي هو دفاع موضوعي، لأنه يتطلب تحقيقاً لإثباته وتدخلاً في
تصوير ظروفه وتقدير الأدلة المقدمة بصدده إثباتاً ونفياً.
فيلزم بأن يكون الدفع قد أثير على وجه ثابت ؛ وأن يكون
قد قدم قبل إقفال باب المرافعة أمام محكمة الموضوع وبالتالي لا يمكن أن يثار لأول
مرة أمام محكمة القانون (العليا) ويتوجب على محكمة الموضوع أن تتعرض لهذا الدفع في
أسباب حكمها إذا قدم المتهم دفعاً صريحاً بتوافر الدفاع الشرعي ، أو إذا كانت
الدعوى ترشح للقول بتوافر حالة الدفاع ولو لم يقدم المتهم دفعاً صريحاً بها؛ ولا
يشترط بأن يكون التمسك بقيام حالة الدفاع الشرعي بلفظ صريح بل يكفي إثارته ضمناً ؛
كذلك لا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي إعتراف المدافع بالجريمة.(1)
ولمحكمة الموضوع عند بحث موضوع الدعوى التحقق من توافر شروط الدفاع الشرعي
والتزام قيوده واستخلاص نتيجة ذلك بالقول بتوافره أو انتفائه، لذلك كان عليها البت
فيه ، لكنها ليست ملزمة بالبحث في حالة الدفاع الشرعي طالما لم يتمسك المتهم بها
ولم تكن وقائع الدعوى كما أثبتتها المحكمة ناطقة بتوافرها مرشحة لقيامها، ويعني
ذلك أنه لا يقبل من المهتم النعي على الحكم بأنه لم يتحدث عن حالة الدفاع ولم يفصل
فيها.(2)
لكن سلطة محكمة الموضوع في القول بتوافر الدفاع الشرعي من عدمه ليست مطلقة
بل تخضع لرقابة محكمة القانون، كالخطأ في تطبيق القانون أو القصور في التسيب
والحالة الثالثة هي أن تكون الوقائع تدل على قيام حالة الدفاع الشرعي فيتعين على
محكمة الموضوع أن تعترف بها.[31]
الفصل الثاني:-
·
تجاوز حالة لدفاع
الشرعي:-
- تمهيد:
تحدثنا فيما تقدم عن تعريف حالة الدفاع الشرعي ومن ثم ركني
الدفاع الشرعي الواجب توافرها، وتكلمنا أيضا عن الشروط الواجب توافرها في كل ركن
منهما، وخاصة فيما يجب على المعتدى عليه إلتزامه من ضوابط في حالة دفعه للإعتداء
الواقع عليه، لأن ركن الإعتداء هو الموجد لركن الدفاع، وإذا انتهى الإعتداء إنتهت
حالة الدفاع، فإذا أتى المعتدى عليه فعلاً بعد ذلك كان معتدياً وليس مدافعاً ويسأل
عما قام به من أفعال بعد أن إنتهى الإعتداء، فالعبرة في
تقدير قيام الدفاع الشرعي ومقتضياته هي ما يراه المدافع في الظروف المحيطة به،
بشرط أن يكون تقديراً مبنياً على أسباب تبرره فإن قام
المدافع بإنتزاع السلاح من يد المعتدي وشل حركته فإن دفاعه ينتهي عند هذا الحد ولا
يجوز له تجاوزه؛ وتعد الأفعال التالية لها أفعال جرميه عمدية يسأل عنها المدافع[32].
ولكن حالة الإعتداء قد تمتد وتطول إذا ما أخذ المتعدي
مال المعتدى عليه وفر هارباً به، فللمتعدى عليه أن يتتبعه حتى يسترد منه ماله، وله
في ذلك أن يستعمل القوة المناسبة لإسترداد هذا المال ولو وصلت إلى حد قتل المعتدي
فله أن يقتله إذا لم تكن أمامه وسيلة لإسترداد ماله إلا هذه، وفي كل ذلك لا يعتبر
إعتداء المعتدى عليه منتهياًَ لأن حالة الدفاع تكون ما زالت قائمة؛ أما إذا قام
المعتدى عليه بإستعمال قدر من القوة أكبر مما تقتضيه الضرورة لدفع الإعتداء الواقع
عليه يكون في ذلك مسئولاً عن فعله الذي تعدى به مقدار الدفع المشروع ويعتبر الزائد
عن هذا المقدار عدوانا غير مشروع يسأل عنه من الناحيتين الجنائية والمدنية لأنه
بذلك يكون قد تجاوز حدود الدفاع الشرعي.[33]
[1] - أنظر
- عودة (عبد القادر) - التشريع الجنائي
الإسلامي- ج 1- ص 469.
[2] - أنظر
عودة (عبد القادر) - المرجع السابق ص 470
[3] - سورة
البقرة الآية 194
[4] -
أنظر؛ الشواربي
(د. عبد الحميد)– الدفاع الشرعي في ضوء الفقه والقضاء - ص 25
[5] -
لم يتطرق المشرع العماني إلى تعريف الدفاع
الشرعي في القانون الجزائي ؛ الرجاء إنظر المادة (253) من قانون الجزاء العماني .
[6] - الظفيري
(د. فايز) – الوجيز في شرح القواعد العامة لقانون الجزاء الكويتي – ص 149- 151
[7] - حسني (د.محمود
نجيب)- شرح قانون العقوبات القسم العام – ص 188
[8] - خليل
(د. عدلي)- جرائم القتل العمد علماً وعملاً – ص 804.
[9] - حسني (د.محمود
نجيب) – المرجع السابق ص 188
[10] - الشواربي (د. عبد الحميد)- المرجع السابق - ص 41
[11]
- المستشار هرجه (مصطفى مجدي) – موسوعة هرجه الجنائية - ص
564 – 565
[12]
- تم إلغاء المادة (252) المتعلقة بالعذر القانوني؛ في سنة 2001م، والتي
تبيح للزوج قتل زوجته وعشيقها في حالة مفاجئتهما معاًً .
[13]
- سلامة (د. مأمون محمد) - قانون العقوبات القسم العام- ص 226
[14]
- قهوجي (د. علي عبد القادر)- شرح قانون العقوبات القسم العام دراسة مقارنة
- ص
218
[15] - الشواربي (د. عبد الحميد)–
المرجع السابق - ص 49
[16] - المستشار هرجه
(مصطفى مجدي) – المرجع السابق - ص569
[17] - قهوجي
(د. علي عبد القادر)– المرجع السابق - ص236
[18] - مثل دخول السارق
بستان عبر فجوة بعرض مترين في سياجه.
[19] - المرجع السابق- ص
252
[20] - خليل
(د. عدلي) – المرجع السابق - ص822
[21]
- حسني (د.محمود نجيب)– المرجع السابق- ص 206
[22] - سلامة
(د. مأمون محمد) - المرجع السابق- ص 226
[23] - حسني (د.محمود نجيب)–
المرجع السابق- ص208
[24] - المستشار هرجه
(مصطفى مجدي) – المرجع السابق- ص572
[25] - سلامة
(د. مأمون محمد) - المرجع السابق- ص246
[26] - الشواربي (د. عبد الحميد)–
المرجع السابق - ص 131
[27] - سلامة
(د. مأمون محمد) – المرجع السابق- ص 246
[28] - حسني (د.محمود
نجيب) - المرجع السابق-
ص 220-221
[29] - قهوجي
(د. علي عبد القادر)– المرجع السابق - ص
253- 254.
[30] - الشواربي (د. عبد الحميد)– المرجع السابق- ص
131
(1) - راجع فيما ورد
ذكره : الشواربي (د. عبد الحميد)– المرجع السابق – ص 134
(2) - إنظر حكم محكمة
النقض المصرية 13 ديسمبر سنة 1928- مجموعة القواعد القانونية جزء 1 رقم 53 ص 70
[31] - حسني (د.محمود نجيب) – المرجع السابق – ص 222
[32] - طعن 24 يونيو
سنة2003 مجموعة الأحكام الصادرة عن الدائرة الجزائية والمبادئ المستخلصة منها لعام
2003- رقم 110و111.
[33] – - محسن (د. عبد
العزيز محمد)– الأعذار القانونية المخففـة من العقاب في الفقه الإسلامي
والقـــانون الوضعي- ص 115.