اثارت التجربة العراقية في مجال مكافحة الفساد ومحاولات
ترسيخ مفهوم الشفافية في العراق جدلا واسع النطاق في مجتمع ذاق طعم الحرية
والديمقراطية لاول مرة فماهي فلسفة الرقابة وماهو اساسها القانوني
ولماذا شهدت هذه التجربة بعض التعثر في العراق ؟
اولا ـ الاساس القانوني للرقابة على اجهزة الدولة :
ان الاجهزة الرقابية ومنها هيئة النزاهة، بأعتبارها جزء
حيوي من دولة المؤسسات، هي نتيجة قانونية لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يتفرع منهُ
مبدأ مهم مقتضاه ضرورة الرقابة المتبادلة بين هذه السلطات، كما ان النظام
الديمقراطي وخلافـاً للنظام الدكتاتوري البوليسي الذي يركز السلطة بيد فرد او فئة
او طائفة معينة، يقوم على اساس توزيع السلطات بين مؤسسات متعددة ومنها المؤسسات
الرقابية منعـاً لأستغلال سلطة معينة لنفوذها ولسد الطريق امام نشوء دكتاتورية
تستحوذ لوحدها على خيار اتخاذ القرار، وعلى هذا الاساس الفكري نشأت هيئة النزاهة
العامة وتمارس عملها وعلى عاتقها واجب قانوني بالغ الاهمية والخطورة هو حماية حقوق
واموال الشعب العراقي ومراقبة اداء وسلوك قادتهم واطلاعهم على حقيقة مايجري داخل
اروقة الحكومة ليتمكنوا من اعادة تقييم هؤلاء القادة في العملية الانتخابية، وهذا
الواجب ولاشك صعب ويثير حساسية وبغضاء وتذمر الكثيرين ممن يرون في السلطة امتيازا
شخصيا لاينبغي لاحد ان يسألهم عنه.
أن النظام القانوني الجديد لمكافحة الفساد في
العراق هو ثمرة من ثمار العهد الجديد وركيزة متينة من ركائزه، بل هو بحق العمود
الذي ترتكز عليه العملية الديمقراطية برمتها، اذ لافائدة ترتجى من الديمقراطية اذا
كان الفساد ينخر جسم الدولة ، فاذا قامت الدولة الدكتاتورية على فرد هو رئيس
الدولة ورئيس مافيا الفساد في ان معا، فأن النظام الديمقراطي بدون رقابة
مستقلة فعالة، يتيح امكانية تعدد مافيات الفساد وتعدد منابع الفساد العام.
ثانيا ـ معطيات مكافحة عوامل الفساد الوظيفي كأساس
للعدالة الجنائية:
الوظيفة العامة واجب وطني مقدس وخدمة اجتماعية وأمانة
عظيمة القـدر تشرف كل من يؤديها، ذلك ان خدمة ابناء الشعب وتسهيل امورهم ومساعدتهم
بأخلاص على تحقيق امانيهم وتطلعاتهم المشروعة، شرف كبير. ولكنها ليست امتيازا لمن
يلتحق بها او تفضلا على الجماهير، فخدمة الموظف للمواطنين واجب يفرضه القانون عليه
ويحاسبه اذا اخل به، وقد نص قانون العقوبات العراقى النافذ على انواع
الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة والعقوبات المقررة لكل منها، اضافة لما هو
مقرر من عقوبات انضباطية بموجب قانون انضباط موظفي الدولة رقم(14 ) لسنة
1991 .
الا ان السلطات الممنوحة للموظف العام قد تستغل استغلالا
سيئا وانانيا فتتحول الوظيفة العامة من اداة للخدمة العامة الى اداة للكسب غير
المشروع على حساب ابناء الشعب، وتكمن خطورة هذه الجريمة في انها ترتكب من قبل فرد
وضحاياه ( المجنى عليه ) هو الشعب بأكمله، وهي بهذا المعنى خيانـة للأمانـة
الملقـاة على عاتـق الموظف، واعتداء على حق الشعب في الحياة الحرة الكريمة، لان
الفساد، ببساطة، يمتص الاموال المخصصة للتنمية الصحية والتعليمية والخدمية
والامنية ومشاريع الاسكان والاعمار.، فضلا عن انه اعتداء على حقوق المواطنة.
ولاشك ان الفساد في مجال الخدمة العامة امر طاريء على
قيم المجتمع العراقي،اذ كانت الوظيفة العامة محل تقدير ومحل طموح كل عراقي،بالنظر
للسمعة الحسنة التي كان يتمتع بها الموظف العراقي.
صورة الفساد في الدولة العراقية :
ان مشكلة الفساد في الدولة العراقية ظاهرة لازمت
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي خلقها النظام السابق بسبب سوء السياسة
العامة وعدم وجود نظام اداري فعال يحكم الوظيفة العامة واعادة تأسيس الوظيفة
العامة على اساس حزبي ضيق واستبعاد ذوي الكفاءات من مجال قيادة الوظيفة العامة،
وكان يقود عمليات الفساد الكبرى في ذلك العهد رأس النظام وحاشيته وبطانته وكان
العقاب الشديد ينال كل من يتطاول ويمد يده على ( الغنيمة ) ماعداهم.
أضف الى ذلك مستوى الرواتب البائس الذي لم يكن
يكفي لسد قوت يوم واحد مماتسبب في تدني مستوى الاخلاق المهنية وأضطرار الكثير من
الموظفين الى ارتكاب جرائم الفساد المالي والاداري ( البسيطة ) من خلال تعاملهم مع
المواطنين، ومع عدم وجود رقابة فعالة، تدهورت أخلاقيات الادارة العامة في
العراق الى مستوى متدني.
انتقلت هذه التركة الاخلاقية الى العهد الجديد
ولكن على مستوى مختلف من حيث النوع والكم بعد ان تغلغلت بعض العناصر الفاسدة في
جميع اجهزة الدولة،وهكذا تسربت أموال بعض الوزارات الى جيوب من قدموا مصالحهم
الشخصية على مصالح شعب بأسره.
ان تأسيس دولة القانون يتطلب، كأولوية خضوع القائمين على
امور السلطة العامة لمبدأ سيادة القانون. وان تتوفر عقوبات مناسبة في اطار الجرائم
المخلة بواجبات الوظيفة العامة.
الا ان تقرير العقوبة على الجرائم المرتكبة في اطار
الوظيفة العامة وغيرها لايعني اغفال معالجة دوافع الجريمة بوسائل اخرى عدا
العقوبة، مما ينبغي ايلاء الجانب التربوي والاصلاحي اهمية بالغة، بما يجعل
للقوانين العامة دورا تربويا بارزا يساعد على خلق قيم انسانية جديدة واحترام القيم
الاجتماعية الاصيلة السائدة وما يترتب على ذلك من اشعار للمواطنين باهمية
القيم الاخلاقية في العلاقات الانسانية مما ينمي روح الانتماء الوطني ويقوي اواصر
العلاقات الاجتماعية بين ابناء الوطن الواحد.
ثالثا ـ السياسة التشريعية العامة لادارة العدالة
الجنائية في اطار الوظيفة العامة :
وفي ضوء ماتقدم فأن السياسة التشريعة العامة لادارة
العدالة الجنائية يجب ان تقوم على رؤيا واضحة تسهل عملية أقتلاع عوامل الفساد وكما
يلي :
1ـ ينبغي ان تصاغ القوانين العقابية والتأديبية على نحو
يحترم فيه الدستور والقيم الاجتماعية والاخلاقية، فالقوانين الفاسدة غير المشروعة،
اول خطوة في طريق الفساد العام.
ومن جانب اخر فأن متطلبات العهد الديمقراطي الجديد
في العراق توجب ابدال او اجراء تعديلات جوهرية على القوانين العقابية والاجرائية
لتواكب المتغيرات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية العديدة التي لحقت
بالمجتمع العراقي، بعد ان كانت هذه القوانين تعبر عن فكر سلطوي شمولي انحصر
اهتمامه بالجانب العقابي الذي اتخذ صيغة انتقام مجرد من كل القيم والذي وصل الى
اقصى مدياته في تقرير عقوبات لاانسانية بشعة ابتكرها العقل الدكتاتوري الجامد
بالضرورة، فضلا عن ان معظم القوانين النافذة مازالت تحمل تواقيع الدكتاتور المقبور
ويوجب بعضها ( حماية الثورة ومكتسباتها ).
ومن ذلك ان قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23
لسنة 1971 النافذ هو من مخلفات النظام السابق صمم وَسـُن لخدمة اغراضه فضلا عن انه
يمثل افكار قانونية عتيقة لاتتلائم مع الحقوق والحريات العامة التي جاء بها النظام
الدستوري الجديد في العراق خاصة وانه يـُعرف في فقه القانون بانه قانون الحريات
العامة لما يمثله من ضمانة اساسية للحقوق والحريات العامة وضمان التوازن بين سلطات
الدولة الثلاث تطبيقا لمفهوم نسبية استقلالية اية سلطة من سلطات الدولة. ومن ذلك
ان هذا القانون لايعرف مرحلة الاشتباه المقررة في قوانين الدول الديمقراطية، وهي
مرحلة سابقة للإتهام تقتضي اجراء التحريات قبل اتخاذ اية اجراءات، بينما
يبدأ الاتهام في قانون الاصول العراقي بمجرد تسجيل الشكوى ولو كانت كيدية، وما
اكثرها، ويمكن بموجبه وفي اول ورقة استدعاء المواطن تحت تسمية ( المتهم... ) وكان
ضحايا ذلك الكثير من المواطنين والمواطنات الابرياء الذين تم توقيفهم لفترات طويلة
بناءا على شكاوى كيدية ثبتت فيما بعد برائتهم بعد ان نال التشويه سمعتهم ومركزهم
الاجتماعي وتدور حول ذلك قصص كثيرة.
ان القوانين المحكمة الصياغة والتي تضبط الصلاحيات في
حدود الحاجة الفعلية للتصرف القانوني والمادي لاجهزة الدولة توفر ضمانات كافية
للمواطنين وتمنع استغلال الوظيفة العامة وابتزاز المواطنين.
وكان الاحرى برجال التشريع في العراق ان يبادروا الى
صياغة قانون اصول جديد يتلائم مع الوضع الدستوري الجديد والأفكار القانونية
الحديثة في هذا المجال وبدون ذلك تضحى الحقوق والحريات العامة حبرا على ورق.
2 ـ ضمان احترام استقلال القضاء واستقلال الاجهزة
الرقابية ضمن النظام القانوني.
3 ـ تصميم السياسة التشريعية على نحو يتماشى مع الاصول
العلمية في وزن العقاب وتفريده لتحقيق العدالة بما يتناسب مع قيمة الحق المعتدى
عليه، وأن تكون هناك حدودا معقولة للتجريم، مما ينبغي وضع حدود عقابية مناسبة
للجرائم التافهة وخاصة في مجال الوظيفة العامة ، بما يكفل احترام السلطة
التقديرية للادارات العامة، وضرورة ان لاتكون الرقابة عليها تسلطية وسببا لتقييد
حريتها في اتخاذ القرار المناسب حتى لاتكون القوانين العقابية والرقابية سببا في
تردد رجال الادارة العامة في اتخاذ قرارات مناسبة في مواجهة الظروف الواقعية
المتجددة، خشية المسائلة، مما يعرقل سير المصلحة العامة ويفوت الاغراض من الرقابة.
4ـ وضع قانون خدمة مدنية يحدد بوضوح واجبات وحقوق الموظف
العام، مع ايجاد نظام تأديبي فعال للموظف المنحرف يضمن استبعاده من مجال
الخدمة العامة ليحل محله من هو اقدر على حمل امانة الخدمة العامة، في ظل وجود عدد
كبير من العاطلين عن العمل ينتظرون دورهم في خدمة وطنهم بدلا من موظف منحرف ثبتت
عدم لياقته للخدمة العامة.
5ـ تعديل نظام الرواتب والمخصصات والحوافز والمزايـا بما
يضمن للموظـف العـام ولاسرتـه حيـاة كريمة لائقة مما يحميه من الانحراف
والسقوط في مهاوي جرائم الفساد.
6ـ وضع قانون تاسيس مجلس الخدمة العامة بما يضمن اختيار
الموظف العام وفق اساليب علمية وتعزيز دور الكفاءات العلمية في مجال الخدمة
العامة، اذ يعتبر تقويم الاداء الوظيفي والترقيـة والترفيع على اسس ومعايير علمية
وموضوعية من أهم الركائز التي تقوم عليها الادارة الحديثة، والحال أن مثل هذه
المعايير مفقودة في مجال الخدمـة العامـة في الدولة العراقية ويعتمد في هذا المجال
معيار جامد يقوم على مدة الخدمة فحسب من دون الالتفات الى القابليات الفردية
الخاصة، بأستثناء مانص عليه الامر رقم 30 بصياغة غامضة.
7ـ دعم الاجهزة الرقابية ومساندتها في اداء مهامها
وتقويم اعمالها ومراجعتها بالطرق الدستورية والقانونية بما يضمن تماما ان المصلحة
العامة هي المستهدفة في كل عمل من اعمالها، بعد ان يتم اعادة النظر في قوانينها
يما يضمن التكامل في العمل دون تداخل في الصلاحيات، ومن ذلك الامر رقم
(55) لسنة 2004 الخاص بانشاء هيئة النزاهة العامة، لقد صيغ هذا الامر بطريقة صياغة
القوانين الانكلوأمريكية التي تتبع منهج المعايير المرنة وعدم التحديد الدقيق
لفروض وأحكام القاعدة القانونية بهدف أعطاء مطبق القانون، سواء كان رجل الأدارة أو
القاضي، سلطة واسعة في التقدير، ولأن مثل هذه الصياغة غير مألوفة في العراق الذي
تسود فيه اساليب الصياغة المتبعة في القوانين اللاتينية التي تعتمد اسلوب الصياغة
الجامدة في الغالب الأعم، فقد برزت مشاكل جمة اثناء التطبيق وخاصة فيما يتعلق
بتفسير هذا الأمر ومدى أنطباقه على الوقائع محل النزاع، ووسائل الأثبات.... وقد
وضعت الهيئة مشروع قانون جديد يتلائم مع احدث الافكار القانونية في مجال مكافحة
الفساد ومنها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 ومرعلى ذلك المشروع
حوالي الثلاث سنوات الا ان عملية اقراره من الجمعية الوطنية ومجلس النواب واجهت
معوقات عديدة.
8 ـ ضرورة ان تتجسد مباديء النزاهة والسلوك
الاخلاقي في تصرفات منتسبي الاجهزة الرقابية اولا، لذا كان من الضروري ان تكون
هناك قواعد قانونية لاختيار اولئك المنتسبين بعناية وحذر وابعاد من تثبت عدم
كفائته ونزاهته.
9 ـ تم وضع او تعديل قوانين الاجهزة
الرقابية ( هيئة النزاهة العامة، مكاتب المفتشين العموميين، ديوان الرقابة المالية
) من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة وجاءت صياغتها لهذه القوانين بطريقة صياغة
القوانين المعمول بها في البلاد الانكلوسكسونية، واذا كانت لهذه الطريقة في
الصياغة القانونية بعض المزايا الا انها في ذات الوقت غير مألوفة في النظام
القانوني العراقي، اذ انها تقوم على التعبير المرن غير المحدد تحديدا دقيقا كما هو
حال نظامنا القانوني، مما ادى الى بروز اجتهادات متعارضة ومتناقضة في بعض الاحيان
بمناسبة تطبيق هذه القوانين على الحالات الواقعية مما تسبب في ارباك عمل هذه
الاجهزة وانعكست اثار ذلك على الاداء القانوني والفني وعلى الموقف القانوني
للقائمين على تلك الاجهزة من حيث الصفة والحقوق والواجبات.
مما ينبغي ايجاد انظمة قانونية وطنية سليمة تتلائم مع
الفكر القانوني السائد في العراق، مع الاخذ بعين الاعتبارالافكار القانونية
الحديثة في مجال مكافحة جرائم الفساد وتحدد واجباتها وصلاحياتها بدقة، لتتمكن من
اداء دورها الوطني وحماية اموال الشعب العراقي وحقوقه من خطر الفساد والمفسدين.
10 - المادة 136/ب أصول :
عندما صدر الامر(55) لسنة 2005، ألحقته سلطة الائتلاف
المؤقتة بالغاء المادة 136/ب أصول جزائية ذلك أن هذه المادة تتعارض تماما مع الأمر
أعلاه، أذ انها تشترط موافقة الوزير المختص لأحالة الموظف المتهم بقضية جزائية الى
المحاكم، وهذا لاينسجم مع عمل هيئة النزاهة بأعتبارها سلطة تحقيقية ورقابية مستقلة
في مجال قضايا الفساد المالي والأداري.
ألا أن مجلس الوزراء الاسبق أصدر الأمر رقم (14) في
9/2/2005 لاحقا المنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد ( 3995 ) الصادر في
3/3/2005. الذي أعاد العمل بهذه المادة مجددا، مما وجه ضربة قوية لجهود
الهيئة في مجال مكافحة الفساد بسبب أمتناع عدد من الوزراء عن أعطاء الموافقة
المطلوبة في عدد من قضايا الفساد الخطرة. ولقد ثبت لنا من خلال التجربة وفي ظل
القوانين ( العتيقة ) النافذة انه ينبغي ان تعدل هذه المادة بما يضمن توفير حصانة
معقولة للموظف العام من ان يجد نفسه فجأة في التوقيف لمجرد دعوى كيدية او ان
يحكم عليه بالحبس او السجن بسبب اخطاء بسيطة مقارنة بخدماته الجليلة للدولة خلال
حياته الوظيفية وايجاد الوسائل لضمان عدم اساءة استخدام هذه المادة من قبل
الوزراء.
11 ـ الادارت العامة في العراق تقوم على قيم ومعايير
عتيقة عفى عليها الزمن وتعود في اصولها الى اساليب الادارة في الدولة العثمانية
ولم توجد جهود مخلصة لتطوير وتحديث هذه الادارة مما ولد ظاهرة (الغباء) الاداري في
مجال الخدمة العامة التي جعلت من الادارة عائقا امام حصول المواطنين على
حقوقهم بدلا من ان تكون عامل مساعد للمواطنين لتحقيق طموحاتهم وامالهم
المشروعة،كما ان مثل هذه الادارة تسمح بنشوء حالات الفساد الاداري والمالي بصورة
كبيرة، ان وجود مثل هذه الادارة يشكل عائقا كبيرا امام جهود مكافحة الفساد
ومن ذلك ان تطبيق نظام كشف المصالح المالية يتطلب وجود نظام متطور للتسجيل العقاري
يعتمد على انظمة الحاسوب لتسهيل عملية المطابقة وملاحظة التطورات الحاصلة في اموال
وممتلكات الموظف العام والحال ان مثل هذا النظام غير موجود لحد الان.
12 ـ ينبغي الاهتمام بشكل جدي بالكفاءات العلمية
والاعتماد عليهم في ادارة مؤسسات الدولة، ومن الغريب ان حكام الدولة العراقية منذ
تاسيسها قد ناصبوا اصحاب هذه الكفاءات العداء واستبعدوهم من نطاق قيادة الادارات
العامة بشكل ملفت للنظر فلا نجد من حملة الدكتوراه او الماجستير قد كلف بقيادة وزارة
او مؤسسة او محكمة الا على سبيل الاستثناء، ان ذلك يستند الى افكار بالية تزدري
العلوم النظرية وتحترم ماتسميه الخبرة العملية، فولد ذلك مدراء واساتذة وقضاة
وماهم الا صورة مستنسخة باهتة ممن تدربوا على ايديهم، وهكذا ضاعت فرصة
مواكبة التطورات العلمية الهائلة التي شهدتها المعمورة التي تقوم على اساس من
البحوث العلمية الرصينة. ومن الغريب ايضا ان انتخابات مجلس النواب ومجالس
المحافظات سارت على ذات المنوال ومن خلالها صعد الى سدة السلطة والحكم ممن لايحمل
شهادة الدراسة الابتدائية وادى هذا الى انتشار ظاهرة الشهادات العلمية المزورة في
بلد يحفل بالكفاءات العلمية ويقود علمائه وخبرائه كبرى المؤسسات العلمية والصناعية
في مختلف ارجاء العالم.
13ـ المشاركة الجدية في الفعاليات الدولية المتعلقة
بمكافحة الفساد، خاصة بعد انضمام العراق الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد
لعام 2003 لما تتضمنه هذه الاتفاقية من مزايا توفرها للدول الاعضاء اهمها تاكيد
التعاون الدولي في مكافحة جرائم الفساد وغسيل الاموال وتسليم المجرمين واعادة
الاموال المختلسة الى الدولة صاحبة الحق فيها والتعاون في مجال التحقيق وتقديم
الدعم التدريبي لمنتسبي الاجهزة الرقابية وغير ذلك من مزايا، وتعزيز التعاون مع
منظمة الشفافية الدولية باعتبارها منظمة مهنية تقدم خدمات دولية في مجال مكافحة
الفساد، اضافة الى قيام اعمالها على اساس من معايير لتقويم وضع الفساد في دول
العالم. ومن الضروري جدا ايضا المشاركة في فعاليات البنك الدولي الرامية الى
مكافحة الفساد وخاصة في مجال استخدام القروض والمنح والاستفادة من المزايا التي
تقدمها هذه الفعاليات.
ان المساهمة العراقيةالجدية في الفعاليات الدولية سيعزز
من مكانة العراق الدولية ويجعل من رؤاه وطروحاته محل ثقة وقبول في المحافل
الدولية.
ترسيخ مفهوم الشفافية في العراق جدلا واسع النطاق في مجتمع ذاق طعم الحرية
والديمقراطية لاول مرة فماهي فلسفة الرقابة وماهو اساسها القانوني
ولماذا شهدت هذه التجربة بعض التعثر في العراق ؟
اولا ـ الاساس القانوني للرقابة على اجهزة الدولة :
ان الاجهزة الرقابية ومنها هيئة النزاهة، بأعتبارها جزء
حيوي من دولة المؤسسات، هي نتيجة قانونية لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يتفرع منهُ
مبدأ مهم مقتضاه ضرورة الرقابة المتبادلة بين هذه السلطات، كما ان النظام
الديمقراطي وخلافـاً للنظام الدكتاتوري البوليسي الذي يركز السلطة بيد فرد او فئة
او طائفة معينة، يقوم على اساس توزيع السلطات بين مؤسسات متعددة ومنها المؤسسات
الرقابية منعـاً لأستغلال سلطة معينة لنفوذها ولسد الطريق امام نشوء دكتاتورية
تستحوذ لوحدها على خيار اتخاذ القرار، وعلى هذا الاساس الفكري نشأت هيئة النزاهة
العامة وتمارس عملها وعلى عاتقها واجب قانوني بالغ الاهمية والخطورة هو حماية حقوق
واموال الشعب العراقي ومراقبة اداء وسلوك قادتهم واطلاعهم على حقيقة مايجري داخل
اروقة الحكومة ليتمكنوا من اعادة تقييم هؤلاء القادة في العملية الانتخابية، وهذا
الواجب ولاشك صعب ويثير حساسية وبغضاء وتذمر الكثيرين ممن يرون في السلطة امتيازا
شخصيا لاينبغي لاحد ان يسألهم عنه.
أن النظام القانوني الجديد لمكافحة الفساد في
العراق هو ثمرة من ثمار العهد الجديد وركيزة متينة من ركائزه، بل هو بحق العمود
الذي ترتكز عليه العملية الديمقراطية برمتها، اذ لافائدة ترتجى من الديمقراطية اذا
كان الفساد ينخر جسم الدولة ، فاذا قامت الدولة الدكتاتورية على فرد هو رئيس
الدولة ورئيس مافيا الفساد في ان معا، فأن النظام الديمقراطي بدون رقابة
مستقلة فعالة، يتيح امكانية تعدد مافيات الفساد وتعدد منابع الفساد العام.
ثانيا ـ معطيات مكافحة عوامل الفساد الوظيفي كأساس
للعدالة الجنائية:
الوظيفة العامة واجب وطني مقدس وخدمة اجتماعية وأمانة
عظيمة القـدر تشرف كل من يؤديها، ذلك ان خدمة ابناء الشعب وتسهيل امورهم ومساعدتهم
بأخلاص على تحقيق امانيهم وتطلعاتهم المشروعة، شرف كبير. ولكنها ليست امتيازا لمن
يلتحق بها او تفضلا على الجماهير، فخدمة الموظف للمواطنين واجب يفرضه القانون عليه
ويحاسبه اذا اخل به، وقد نص قانون العقوبات العراقى النافذ على انواع
الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة والعقوبات المقررة لكل منها، اضافة لما هو
مقرر من عقوبات انضباطية بموجب قانون انضباط موظفي الدولة رقم(14 ) لسنة
1991 .
الا ان السلطات الممنوحة للموظف العام قد تستغل استغلالا
سيئا وانانيا فتتحول الوظيفة العامة من اداة للخدمة العامة الى اداة للكسب غير
المشروع على حساب ابناء الشعب، وتكمن خطورة هذه الجريمة في انها ترتكب من قبل فرد
وضحاياه ( المجنى عليه ) هو الشعب بأكمله، وهي بهذا المعنى خيانـة للأمانـة
الملقـاة على عاتـق الموظف، واعتداء على حق الشعب في الحياة الحرة الكريمة، لان
الفساد، ببساطة، يمتص الاموال المخصصة للتنمية الصحية والتعليمية والخدمية
والامنية ومشاريع الاسكان والاعمار.، فضلا عن انه اعتداء على حقوق المواطنة.
ولاشك ان الفساد في مجال الخدمة العامة امر طاريء على
قيم المجتمع العراقي،اذ كانت الوظيفة العامة محل تقدير ومحل طموح كل عراقي،بالنظر
للسمعة الحسنة التي كان يتمتع بها الموظف العراقي.
صورة الفساد في الدولة العراقية :
ان مشكلة الفساد في الدولة العراقية ظاهرة لازمت
الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي خلقها النظام السابق بسبب سوء السياسة
العامة وعدم وجود نظام اداري فعال يحكم الوظيفة العامة واعادة تأسيس الوظيفة
العامة على اساس حزبي ضيق واستبعاد ذوي الكفاءات من مجال قيادة الوظيفة العامة،
وكان يقود عمليات الفساد الكبرى في ذلك العهد رأس النظام وحاشيته وبطانته وكان
العقاب الشديد ينال كل من يتطاول ويمد يده على ( الغنيمة ) ماعداهم.
أضف الى ذلك مستوى الرواتب البائس الذي لم يكن
يكفي لسد قوت يوم واحد مماتسبب في تدني مستوى الاخلاق المهنية وأضطرار الكثير من
الموظفين الى ارتكاب جرائم الفساد المالي والاداري ( البسيطة ) من خلال تعاملهم مع
المواطنين، ومع عدم وجود رقابة فعالة، تدهورت أخلاقيات الادارة العامة في
العراق الى مستوى متدني.
انتقلت هذه التركة الاخلاقية الى العهد الجديد
ولكن على مستوى مختلف من حيث النوع والكم بعد ان تغلغلت بعض العناصر الفاسدة في
جميع اجهزة الدولة،وهكذا تسربت أموال بعض الوزارات الى جيوب من قدموا مصالحهم
الشخصية على مصالح شعب بأسره.
ان تأسيس دولة القانون يتطلب، كأولوية خضوع القائمين على
امور السلطة العامة لمبدأ سيادة القانون. وان تتوفر عقوبات مناسبة في اطار الجرائم
المخلة بواجبات الوظيفة العامة.
الا ان تقرير العقوبة على الجرائم المرتكبة في اطار
الوظيفة العامة وغيرها لايعني اغفال معالجة دوافع الجريمة بوسائل اخرى عدا
العقوبة، مما ينبغي ايلاء الجانب التربوي والاصلاحي اهمية بالغة، بما يجعل
للقوانين العامة دورا تربويا بارزا يساعد على خلق قيم انسانية جديدة واحترام القيم
الاجتماعية الاصيلة السائدة وما يترتب على ذلك من اشعار للمواطنين باهمية
القيم الاخلاقية في العلاقات الانسانية مما ينمي روح الانتماء الوطني ويقوي اواصر
العلاقات الاجتماعية بين ابناء الوطن الواحد.
ثالثا ـ السياسة التشريعية العامة لادارة العدالة
الجنائية في اطار الوظيفة العامة :
وفي ضوء ماتقدم فأن السياسة التشريعة العامة لادارة
العدالة الجنائية يجب ان تقوم على رؤيا واضحة تسهل عملية أقتلاع عوامل الفساد وكما
يلي :
1ـ ينبغي ان تصاغ القوانين العقابية والتأديبية على نحو
يحترم فيه الدستور والقيم الاجتماعية والاخلاقية، فالقوانين الفاسدة غير المشروعة،
اول خطوة في طريق الفساد العام.
ومن جانب اخر فأن متطلبات العهد الديمقراطي الجديد
في العراق توجب ابدال او اجراء تعديلات جوهرية على القوانين العقابية والاجرائية
لتواكب المتغيرات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية العديدة التي لحقت
بالمجتمع العراقي، بعد ان كانت هذه القوانين تعبر عن فكر سلطوي شمولي انحصر
اهتمامه بالجانب العقابي الذي اتخذ صيغة انتقام مجرد من كل القيم والذي وصل الى
اقصى مدياته في تقرير عقوبات لاانسانية بشعة ابتكرها العقل الدكتاتوري الجامد
بالضرورة، فضلا عن ان معظم القوانين النافذة مازالت تحمل تواقيع الدكتاتور المقبور
ويوجب بعضها ( حماية الثورة ومكتسباتها ).
ومن ذلك ان قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23
لسنة 1971 النافذ هو من مخلفات النظام السابق صمم وَسـُن لخدمة اغراضه فضلا عن انه
يمثل افكار قانونية عتيقة لاتتلائم مع الحقوق والحريات العامة التي جاء بها النظام
الدستوري الجديد في العراق خاصة وانه يـُعرف في فقه القانون بانه قانون الحريات
العامة لما يمثله من ضمانة اساسية للحقوق والحريات العامة وضمان التوازن بين سلطات
الدولة الثلاث تطبيقا لمفهوم نسبية استقلالية اية سلطة من سلطات الدولة. ومن ذلك
ان هذا القانون لايعرف مرحلة الاشتباه المقررة في قوانين الدول الديمقراطية، وهي
مرحلة سابقة للإتهام تقتضي اجراء التحريات قبل اتخاذ اية اجراءات، بينما
يبدأ الاتهام في قانون الاصول العراقي بمجرد تسجيل الشكوى ولو كانت كيدية، وما
اكثرها، ويمكن بموجبه وفي اول ورقة استدعاء المواطن تحت تسمية ( المتهم... ) وكان
ضحايا ذلك الكثير من المواطنين والمواطنات الابرياء الذين تم توقيفهم لفترات طويلة
بناءا على شكاوى كيدية ثبتت فيما بعد برائتهم بعد ان نال التشويه سمعتهم ومركزهم
الاجتماعي وتدور حول ذلك قصص كثيرة.
ان القوانين المحكمة الصياغة والتي تضبط الصلاحيات في
حدود الحاجة الفعلية للتصرف القانوني والمادي لاجهزة الدولة توفر ضمانات كافية
للمواطنين وتمنع استغلال الوظيفة العامة وابتزاز المواطنين.
وكان الاحرى برجال التشريع في العراق ان يبادروا الى
صياغة قانون اصول جديد يتلائم مع الوضع الدستوري الجديد والأفكار القانونية
الحديثة في هذا المجال وبدون ذلك تضحى الحقوق والحريات العامة حبرا على ورق.
2 ـ ضمان احترام استقلال القضاء واستقلال الاجهزة
الرقابية ضمن النظام القانوني.
3 ـ تصميم السياسة التشريعية على نحو يتماشى مع الاصول
العلمية في وزن العقاب وتفريده لتحقيق العدالة بما يتناسب مع قيمة الحق المعتدى
عليه، وأن تكون هناك حدودا معقولة للتجريم، مما ينبغي وضع حدود عقابية مناسبة
للجرائم التافهة وخاصة في مجال الوظيفة العامة ، بما يكفل احترام السلطة
التقديرية للادارات العامة، وضرورة ان لاتكون الرقابة عليها تسلطية وسببا لتقييد
حريتها في اتخاذ القرار المناسب حتى لاتكون القوانين العقابية والرقابية سببا في
تردد رجال الادارة العامة في اتخاذ قرارات مناسبة في مواجهة الظروف الواقعية
المتجددة، خشية المسائلة، مما يعرقل سير المصلحة العامة ويفوت الاغراض من الرقابة.
4ـ وضع قانون خدمة مدنية يحدد بوضوح واجبات وحقوق الموظف
العام، مع ايجاد نظام تأديبي فعال للموظف المنحرف يضمن استبعاده من مجال
الخدمة العامة ليحل محله من هو اقدر على حمل امانة الخدمة العامة، في ظل وجود عدد
كبير من العاطلين عن العمل ينتظرون دورهم في خدمة وطنهم بدلا من موظف منحرف ثبتت
عدم لياقته للخدمة العامة.
5ـ تعديل نظام الرواتب والمخصصات والحوافز والمزايـا بما
يضمن للموظـف العـام ولاسرتـه حيـاة كريمة لائقة مما يحميه من الانحراف
والسقوط في مهاوي جرائم الفساد.
6ـ وضع قانون تاسيس مجلس الخدمة العامة بما يضمن اختيار
الموظف العام وفق اساليب علمية وتعزيز دور الكفاءات العلمية في مجال الخدمة
العامة، اذ يعتبر تقويم الاداء الوظيفي والترقيـة والترفيع على اسس ومعايير علمية
وموضوعية من أهم الركائز التي تقوم عليها الادارة الحديثة، والحال أن مثل هذه
المعايير مفقودة في مجال الخدمـة العامـة في الدولة العراقية ويعتمد في هذا المجال
معيار جامد يقوم على مدة الخدمة فحسب من دون الالتفات الى القابليات الفردية
الخاصة، بأستثناء مانص عليه الامر رقم 30 بصياغة غامضة.
7ـ دعم الاجهزة الرقابية ومساندتها في اداء مهامها
وتقويم اعمالها ومراجعتها بالطرق الدستورية والقانونية بما يضمن تماما ان المصلحة
العامة هي المستهدفة في كل عمل من اعمالها، بعد ان يتم اعادة النظر في قوانينها
يما يضمن التكامل في العمل دون تداخل في الصلاحيات، ومن ذلك الامر رقم
(55) لسنة 2004 الخاص بانشاء هيئة النزاهة العامة، لقد صيغ هذا الامر بطريقة صياغة
القوانين الانكلوأمريكية التي تتبع منهج المعايير المرنة وعدم التحديد الدقيق
لفروض وأحكام القاعدة القانونية بهدف أعطاء مطبق القانون، سواء كان رجل الأدارة أو
القاضي، سلطة واسعة في التقدير، ولأن مثل هذه الصياغة غير مألوفة في العراق الذي
تسود فيه اساليب الصياغة المتبعة في القوانين اللاتينية التي تعتمد اسلوب الصياغة
الجامدة في الغالب الأعم، فقد برزت مشاكل جمة اثناء التطبيق وخاصة فيما يتعلق
بتفسير هذا الأمر ومدى أنطباقه على الوقائع محل النزاع، ووسائل الأثبات.... وقد
وضعت الهيئة مشروع قانون جديد يتلائم مع احدث الافكار القانونية في مجال مكافحة
الفساد ومنها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 ومرعلى ذلك المشروع
حوالي الثلاث سنوات الا ان عملية اقراره من الجمعية الوطنية ومجلس النواب واجهت
معوقات عديدة.
8 ـ ضرورة ان تتجسد مباديء النزاهة والسلوك
الاخلاقي في تصرفات منتسبي الاجهزة الرقابية اولا، لذا كان من الضروري ان تكون
هناك قواعد قانونية لاختيار اولئك المنتسبين بعناية وحذر وابعاد من تثبت عدم
كفائته ونزاهته.
9 ـ تم وضع او تعديل قوانين الاجهزة
الرقابية ( هيئة النزاهة العامة، مكاتب المفتشين العموميين، ديوان الرقابة المالية
) من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة وجاءت صياغتها لهذه القوانين بطريقة صياغة
القوانين المعمول بها في البلاد الانكلوسكسونية، واذا كانت لهذه الطريقة في
الصياغة القانونية بعض المزايا الا انها في ذات الوقت غير مألوفة في النظام
القانوني العراقي، اذ انها تقوم على التعبير المرن غير المحدد تحديدا دقيقا كما هو
حال نظامنا القانوني، مما ادى الى بروز اجتهادات متعارضة ومتناقضة في بعض الاحيان
بمناسبة تطبيق هذه القوانين على الحالات الواقعية مما تسبب في ارباك عمل هذه
الاجهزة وانعكست اثار ذلك على الاداء القانوني والفني وعلى الموقف القانوني
للقائمين على تلك الاجهزة من حيث الصفة والحقوق والواجبات.
مما ينبغي ايجاد انظمة قانونية وطنية سليمة تتلائم مع
الفكر القانوني السائد في العراق، مع الاخذ بعين الاعتبارالافكار القانونية
الحديثة في مجال مكافحة جرائم الفساد وتحدد واجباتها وصلاحياتها بدقة، لتتمكن من
اداء دورها الوطني وحماية اموال الشعب العراقي وحقوقه من خطر الفساد والمفسدين.
10 - المادة 136/ب أصول :
عندما صدر الامر(55) لسنة 2005، ألحقته سلطة الائتلاف
المؤقتة بالغاء المادة 136/ب أصول جزائية ذلك أن هذه المادة تتعارض تماما مع الأمر
أعلاه، أذ انها تشترط موافقة الوزير المختص لأحالة الموظف المتهم بقضية جزائية الى
المحاكم، وهذا لاينسجم مع عمل هيئة النزاهة بأعتبارها سلطة تحقيقية ورقابية مستقلة
في مجال قضايا الفساد المالي والأداري.
ألا أن مجلس الوزراء الاسبق أصدر الأمر رقم (14) في
9/2/2005 لاحقا المنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد ( 3995 ) الصادر في
3/3/2005. الذي أعاد العمل بهذه المادة مجددا، مما وجه ضربة قوية لجهود
الهيئة في مجال مكافحة الفساد بسبب أمتناع عدد من الوزراء عن أعطاء الموافقة
المطلوبة في عدد من قضايا الفساد الخطرة. ولقد ثبت لنا من خلال التجربة وفي ظل
القوانين ( العتيقة ) النافذة انه ينبغي ان تعدل هذه المادة بما يضمن توفير حصانة
معقولة للموظف العام من ان يجد نفسه فجأة في التوقيف لمجرد دعوى كيدية او ان
يحكم عليه بالحبس او السجن بسبب اخطاء بسيطة مقارنة بخدماته الجليلة للدولة خلال
حياته الوظيفية وايجاد الوسائل لضمان عدم اساءة استخدام هذه المادة من قبل
الوزراء.
11 ـ الادارت العامة في العراق تقوم على قيم ومعايير
عتيقة عفى عليها الزمن وتعود في اصولها الى اساليب الادارة في الدولة العثمانية
ولم توجد جهود مخلصة لتطوير وتحديث هذه الادارة مما ولد ظاهرة (الغباء) الاداري في
مجال الخدمة العامة التي جعلت من الادارة عائقا امام حصول المواطنين على
حقوقهم بدلا من ان تكون عامل مساعد للمواطنين لتحقيق طموحاتهم وامالهم
المشروعة،كما ان مثل هذه الادارة تسمح بنشوء حالات الفساد الاداري والمالي بصورة
كبيرة، ان وجود مثل هذه الادارة يشكل عائقا كبيرا امام جهود مكافحة الفساد
ومن ذلك ان تطبيق نظام كشف المصالح المالية يتطلب وجود نظام متطور للتسجيل العقاري
يعتمد على انظمة الحاسوب لتسهيل عملية المطابقة وملاحظة التطورات الحاصلة في اموال
وممتلكات الموظف العام والحال ان مثل هذا النظام غير موجود لحد الان.
12 ـ ينبغي الاهتمام بشكل جدي بالكفاءات العلمية
والاعتماد عليهم في ادارة مؤسسات الدولة، ومن الغريب ان حكام الدولة العراقية منذ
تاسيسها قد ناصبوا اصحاب هذه الكفاءات العداء واستبعدوهم من نطاق قيادة الادارات
العامة بشكل ملفت للنظر فلا نجد من حملة الدكتوراه او الماجستير قد كلف بقيادة وزارة
او مؤسسة او محكمة الا على سبيل الاستثناء، ان ذلك يستند الى افكار بالية تزدري
العلوم النظرية وتحترم ماتسميه الخبرة العملية، فولد ذلك مدراء واساتذة وقضاة
وماهم الا صورة مستنسخة باهتة ممن تدربوا على ايديهم، وهكذا ضاعت فرصة
مواكبة التطورات العلمية الهائلة التي شهدتها المعمورة التي تقوم على اساس من
البحوث العلمية الرصينة. ومن الغريب ايضا ان انتخابات مجلس النواب ومجالس
المحافظات سارت على ذات المنوال ومن خلالها صعد الى سدة السلطة والحكم ممن لايحمل
شهادة الدراسة الابتدائية وادى هذا الى انتشار ظاهرة الشهادات العلمية المزورة في
بلد يحفل بالكفاءات العلمية ويقود علمائه وخبرائه كبرى المؤسسات العلمية والصناعية
في مختلف ارجاء العالم.
13ـ المشاركة الجدية في الفعاليات الدولية المتعلقة
بمكافحة الفساد، خاصة بعد انضمام العراق الى اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد
لعام 2003 لما تتضمنه هذه الاتفاقية من مزايا توفرها للدول الاعضاء اهمها تاكيد
التعاون الدولي في مكافحة جرائم الفساد وغسيل الاموال وتسليم المجرمين واعادة
الاموال المختلسة الى الدولة صاحبة الحق فيها والتعاون في مجال التحقيق وتقديم
الدعم التدريبي لمنتسبي الاجهزة الرقابية وغير ذلك من مزايا، وتعزيز التعاون مع
منظمة الشفافية الدولية باعتبارها منظمة مهنية تقدم خدمات دولية في مجال مكافحة
الفساد، اضافة الى قيام اعمالها على اساس من معايير لتقويم وضع الفساد في دول
العالم. ومن الضروري جدا ايضا المشاركة في فعاليات البنك الدولي الرامية الى
مكافحة الفساد وخاصة في مجال استخدام القروض والمنح والاستفادة من المزايا التي
تقدمها هذه الفعاليات.
ان المساهمة العراقيةالجدية في الفعاليات الدولية سيعزز
من مكانة العراق الدولية ويجعل من رؤاه وطروحاته محل ثقة وقبول في المحافل
الدولية.