الأدوار والمهام الجديدة المسندة للنيابة
العامة في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد
مــدخــــل عـــــام
من الوجهة التاريخية ، يرى أغلب الباحثين الفرنسيين أن نشأة جهاز النيابة العامة
كان مع بداية القرن الرابع عشر ، وبالضبط في سنة 1303 وذلك حينما كلف الملك فليب
لوبون Philipelepon بعض الأشخاص بالقيام بمهام وكلاء الملك ، ويساهم
نواب عامين للملك لدى المحكمة العليا ونواب للملك لدى المحاكم الدنيا ، وقد تمثلت
مهمتهم أساسا في تمثيل الملك أمام هذه المحاكم .
وأثناء الثورة الفرنسية ، تم إلغاء جهاز النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تخدم
مصالح الملكية المستبدة .
غير أن رجال الثورة الفرنسية سرعان ما اقتنعوا بأنه باستطاعة جهاز النيابة العامة
أن يخدم العدالة بشكل أفضل ، وهكذا صدر المشرع اختصاصات النيابة العامة في المادة
الجنائية على وجه الخصوص حيث تم إحداث وظيفة المدعي العام L’accusateur public أمام المحاكم التي أحدثتها
تلك الثورة .
وقد عرف مرسوم قانون مؤرخ في 16-4-1990 جهاز النيابة العامة كالآتي : جهاز يتكون
من أعضاء ينتمون إلى السلطة التنفيذية يعملون بجانب المحاكم .
ومن الملاحظ أن الإصلاح القضائي الفرنسي الصادر في 22 دجنبر 1958 قد ظل وفيا لهذا
التصور انطلاقا من تبعية النيابة العامة لوزير العدل .
إن نظام النيابة العامة كما هو مطبق أمام المحاكم المغربية حاليا ليس وليد تقاليد
قضائية مغربية صرفة ، فهو من ضمن التراث القانوني الذي حملته لنا فرنسا باعتبارها
دولة حامية للمغرب ابتداء من معاهدة فاس المبرمة في 30 مارس 1912 .
ففي عهد الحماية كان القضاء الأهلي المتمثل في القضـــــــــــــــاء الشرعي
والقضاء المخزني والقضاء العرفي والقضاء العبري يخضع للرقابة المباشرة إما لمندوب
الحكومــــــــــة Le commissaire du gouvernement وإما للمراقـب المدنـــــي Le contrôleur civil، وقد كان هذا أن الجهازان
يلعبان دورا يقترب أحيانا من دور النيابة العامة ، وبخصوص القضاء الفرنسي ، فقد
كانت به نيابة عامة على مستوى جميع درجاته بالشكل السائر أمام قضاء الدولة الحامية
نفسه ، نقصد محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي عمل على إحداث جهاز للنيابة العامة بالمجلس
الأعلى عندما تم تأسيس هذا الأخير بظهيـــــــر 27 شتنبر 1957 ، وذلك ما تم تكريسه
في التنظيم القضائي المغربي الحالي الصادر في 15 يوليوز 1974 .
أولا : تعريف النيابة العامة :
يطلق مصطلح النيابة العامة في النظام القضائي المغربي على فئة من رجال القضاء ،
يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الأساسي لرجال القضاء – الظهير الشريف
بمثابة قانون الصــــــادر فــــــي 11 يوليوز1974- ويقوم بمهام النيابة العامة
قضاة بمختلف درجات المحاكم ، كما جاء في تأليفها وتنظيمها في الظهير الشريف بمثابة
قانون رقم 338.74.1 المؤرخ في 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة (
الفصول 2 و 6 و 10 ) .
وبالنسبة للجلسات التي تعقدها هيئة الحكم في القضايا الجنائية ، يعد حضور القاضي
الممثل للنيابة العامة بها دائما ، دون مشاركته في التداول وإصدار الأحكام ، عنصرا
أساسيا في تشكيلها ، وضروريا لصحة انعقادها ( الفصول 4 و 7 و 11 من نفس القانون
المشار إليه أعلاه .
وهكذا يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه النيابة العامة في دائرة نفوذ
المحكمة الابتدائية المعين بها ويمارس الدعوى العمومية تحت مراقبة الوكيل العام
إما تلقائيا أو بناء على شكاية شخص متضرر كما يمارس وكيل الملك سلطته على نوابه ،
وله أثناء أداء مهامه الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة .
وهكذا يتضح أن الأصل في مهام النيابة العامة أنها تقوم وبمساعدة الشرطة القضائية
التي تعمل تحت إشرافها، بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن
مرتكبيها ، ثم إقامة الدعوى العمومية ضد من يكشف البحث عن ض
لوعه في ارتكاب الجريمة كفاعل أصلي أو شريك أو مساعد ، لتطبق عليه العقوبة المقررة
في القانون الجنائي . ومن تم فإن النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه
في حياة آمنة ، وحماية جميع أفراده من كل فعل يمس بحقهم في الحياة وبحقوقهم
المادية والمعنوية ، وذلك عوض إسناد هذه المهمة الخطيرة إلى المجتمع نفسه كما كان
سائدا في العهود الغابرة .
ولذلك فيجب على وكيل الملك أن يخبر الوكيل العام للملك بالجنايات التي تبلغ إلى
علمه وكذا بمختلف الأحداث والجرائم الخطيرة أو التي من شأنها أن تخل بالأمن العام
.
وقد عرف المشرع المصري 3 النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية ، وهي
النائبة عن المجتمع والممثلة له وتتولى تمثيل المصالح العامة ، وتسعى في تحقيق
موجبات القانون ( المادة الأولى ) ، وتختص أساسا – دون غيرها – بتحريك الدعوى
الجنائية ، وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تنتدبه لذلك من مأموري الضبط
القضائي أو بطلب ندب قاض للتحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجنائية
المختصة لمحاكمته ( المادة الثانية ) ، وتباشر النيابة العامة الدعوى الجنائية ،
بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات ، وتقوم بأداء وظيفة النيابة
العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تشكل طبقا لأحكام القانون السلطة
القضائية . ولهذه النيابة – بناءا على طلب المحكمة – حضور مداولات الدوائر المدنية
والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود فــــــــي
المـــــــــداولات ( المادة الثالثة ) ، وهكذا يتضح أن المشرع المصري وسع من
الصلاحيات المسندة إلى النيابة العامة وجعلها تنهض بكافة الاختصاصات الأخرى التي
تنص عليها مختلف القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية .
ثانيا : مهام النيابة العامة
إن غاية الحياة السياسية هي ضمان حقوق الإنسان الفرد ومعاملته كماهية حرة واعتباره
على الدوام كغاية .
وعلى هذا فمتى رأى أي شخص نفس أنه متضرر من فعل أو قول غيره له بأن سلب ماله أو
عنفه أو اعتدى على عرضه أو ما شابه ذلك ، فإن من حقه اللجوء إلى السيد وكيل الملك
بالمحكمة الابتدائية المتواجد بدائرة نفوذها ، أو يمكنه أن يتقدم إلى الضابطة
القضائية من شرطة أو درك تابعة لمراقبة وكيل الملك بالمحكمة المذكورة ، فيسجل
شكاية ضد المشتكى به ، مهما كان المشتكـــى به نظرا لأن القانون ينــــــص علــى
أن " كل الناس سواسية " أمام القانون ، ولهم الحق في التمتع بحماية
متكافئة من دون أية تفرقة و ذلك ما أكده الدستور المغربي المراجع سنة 1996 مادته
التاسعة .
وعلى هذا فعلى وكيل الملك كما تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون المسطرة
الجنائية رقم 01/22 أن " يتلقى المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما
يراه ملائما " بأن يباشر ما ذكر شخصيا أو بواسطة نوابه الذين يزاولون أعمالهم
تحت سلطته .
ولذلك يجب على أعضاء النيابة العامة بذل العناية الواجبة فيما يعرض عليهم من
القضايا ، واحترام حرية المواطنين فيما يتخذون من إجراءات ، والحرص على إنزال حكم
القانون صحيحا عليها وحسن وزن الأموال ، ومراعاة ملاءمة التصرف للوقائع والأدلة
القائمة في الأوراق ، رعاية لجلال الأمانة التي يشرفون بحملها ، كما يجب عليهم
التزام الحياد والنزاهة ، في كل ما يصدر عنهم بمناسبة النهوض برسالتهم في تمثيل
المصالح العامة ، وحماية الشرعية وتأكيد سيادة القانون .
وعليه فإنه يجب على أعضاء النيابة العامة أن يتوخوا الوصول إلى الحقيقة في شأن
المحاضر و الشكايات والوشايات التي يتلقونها وان يتخذوا الإجراءات الكاشفة عنها
ولو كانت في مصلحة المتهم ، إذا أن مهمة النيابة العامة ليست البحث عن تحقيق
الإدانة ، وإنما حماية القانون والشرعية ، وتحقيق حسن إدارة العدالة .
فمتى حصلت القناعة لوكيل الملك بأن المشتكى به أو المشتكى بهم بأنهم ارتكبوا
مخالفات للقانون الجنائي ، فإنه يصدر أمره بتقديمهم ومتابعتهم ، فيعمل على إحالتهم
على هيئات التحقيق أو إلى هيئات الحكم المختصة .
كما أنه إذا ما تبين للنيابة العامة من خلال إجراءات البحث التي تقوم بها إما
مباشرة أو بواسطة الضابطة القضائية أن المشتكى به لم يقم بأي فعل مخالف للقانون
الجنائي فإن وكيل الملك يأمر بحفظ ذلك المحضر أو تلك الشكاية بمقرر يمكن دائما
التراجع عنه .
إن إصلاح قانون المسطرة الجنائية كان أمرا منتظرا وواردا منذ أزيد من ربع قرن ،
وظل مصدر اهتمام وانشغال ومطالبة جميع الحقوقيين ومختلف الأوساط السياسية
والقانونية والقضائية منذ 25 سنة خلت .
ثالثا : النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية الجديد :
تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد الإشارة إلى اختصاص وكيل الملك في المواد من
المادة 39 إلى 47 المقابلة للفصول من 37 إلى 45 من قانون المسطرة الجنائية الحالي
، فعدلت المادة 39 الموازية للفصل 37 الحالي المتعلقة بمجال اختصاص وكيل الملك من
حيث الصياغة مع الأخذ بعين الاعتبار الفصل الرابع من ظهير الإجراءات الانتقالية .
وتم توسيع مجال اختصاص النيابة العامة أثناء صياغة المادة 40 الموازية للفصل 38
الحالي في حالة القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم وذلك عن طريق منحها
إمكانية اتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما
كانت عليه ، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ أي حكم .
لوكيل الملك أيضا طبقا لهذه المستجدات إصدار الأوامر الدولية بإلقاء القبض وإرجاع
الحالة وإرجاع المحجوزات وسحب جواز السفر وإغلاق الحدود كلما تعلق الأمر بجنحة
معاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر ، وإذا كان هذا الإجراء الأخير يحد من حرية
التنقل التي ضمنها الدستور والتي لا يحد من مداها إلا القانون ، فإنه لا ينبغي أن
يستغل هذا الحق للفرار من وجه العدالة وإلحاق الضرر بالضحايا ، لهذا ورغبة من
قانون المسطرة الجنائية الجديد في تجاوز الصعوبة القانونية التي كان يطرحها عدم
وجود نص قانوني يخول للنيابة العامة إجراء إغلاق الحدود وسحب جواز السفر في الحالة
التي تبقى فيها الاستدعاءات المتكررة الموجهة بشأنها إلى الجناة غير ذات جدوى ، أو
عندما لايمكن وضع هؤلاء تحت الحراسة النظرية نظرا لطبيعة القضية التي تتطلب وقتا،
و لإتمام البحث والقيام بالمواجهات والتحريات اللازمة ، عمل على مد النيابة العامة
بآلية تمكنها من ملاحقة الفارين بأن منح لها الحق في إغلاق الحدود وسحب جواز السفر
والذي من شأنه أن يقطع الطريق أمام المشتبه فيهم سيئي النية ويمكن الضحايا من
حقوقهم في أقرب الآجال .
وبمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد أصبح من حق المتضرر أو
المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بسنتين
حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم ، أن يطلب من وكيل
الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة في الفقرة الثانية
من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق
عليه بمقتضى أمر قضائي – لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه الطرفان أداء غرامة
لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد أجل لتنفيذ الصلح .
أما المواد 42 ، 43 ، و 44 الموازية للفصول 39 ، 40 و 41 الحالي فقد عدلت من حيث
الصياغة فقط .
وصيغت المادة 45 الموازية للفصل 42 الحالي المتعلقة بتسيير وكيل الملك لإعمال ضباط
الشرطة القضائية وأعوانها في دائرة نفوذ محكمته وتنقيطهم مع حذف الفقرة الأخيرة من
الفصل 42 الحالي المضافة للمادة 36 من المشروع وإضافة الفقرتين الأخيرتين المتعلقتين
بمنح وكيل الملك صلاحية زيارة أماكن الحراسة النظرية ومراقبة سجلاتها وتحرير تقرير
بمناسبة كل زيارة وإشعار الوكيل العام بملاحظاته ، وذلك في إطار تعزيز المراقبة
القبلية لعمل ضباط الشرطة القضائية أثناء مرحلة البحث التمهيدي .
أما المادة 46 الموازية للفصل 43 المتعلقة بالحالات التي يتولى فيها نواب الملك
القيام بمهام وكيل الملك ، فقد عدلت من حيث الصياغة فقط ، وحذف الفصل 44 و 45
الحاليين المتعلقين بمحاكم السدد والصلح لملاءمة الوضع مع التنظيم القضائي الحالي
.
وتعرضت المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية الجديد المقابلة للفصل 76 من القانون
الحالي لإجراء استنطاق المشتبه فيه من طرف وكيل الملك في حالة التلبس بجنحة طبقا
للمادة 56 مع الاستعانة بترجمان عند الاقتضاء أو إصدار أمر بالإيداع في السجن إذا
كانت الجنحة يعاقب عليها بالحبس مع مراعاة مقتضيات المادة 74 .
وفي غير حالة التلبس تطبق المقتضيات أعلاه في حق المشتبه فيه الذي اعترف بجريمة
معاقب عليها بالحبس أو ظهرت معالم أو أدلة قوية عند ارتكابه لها مع عدم تركيزه على
الضمانات المحددة في الفقرة الأخيرة من هذه المادة ويلتزم وكيل الملك في هذه
الحالة بتعليل قراره 1 .
وبعد هذه النظرة الموجزة عن التطور التاريخي لمؤسسة النيابة العامـــة ومفهومها
والمهام المسندة لها ، سنتناول بالدراسة والتحليل المهام الجديدة المسندة للنيابة
العامة (الفصل الأول) ثم دعم دور النيابة في مكافحة ظاهرة الجريمة (الفصل الثاني)
مقتصرين في ذلك على المواد من 39 إلى 47 من قانون المسطرة الجنائيـــــــــة
الجديــــــــد ( الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق 3
أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية )2 .
الفصل الأول : المهام الجديدة المسندة للنيابة العامة :
اتجه المشرع نحو إعطاء النيابة العامة دورا جديدا يرمي إلى القضاء الفوري على آثار
الجريمة والحفاظ على الوضعيات التي كانت قارة قبل ارتكابها ، كما أوجد لها دورا
فعالا يرمي إلى وضع حد للنزاع الاجتماعي وأعطاها المبادرة للقيام بالصلح بين طرفي
النزاع .
ونستعرض فيما يأتي أهم الأدوار المسندة إلى النيابة العامة التي جاء بها قانون
المسطرة الجنائية 1 ، وذلك في المباحث التالية :
المبحـــــث الأول : مسطرة الصلح بين الخصوم .
المبحث الثانـــي : إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في جرائم الاعتداءات على
الحيازة .
المبحث الثالـــــث : رد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها .
المبحث الرابـــــع : إيقاف سير الدعوى .
المبحث الخامــس : السند التنفيذي للنيابة العامة في المخالفات .
المبحث الأول : مسطرة الصلح بين الخصوم
في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى
العمومية ، وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا
يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما
في محضر إذا ما وافق عليه وتراضى الطرفين ، ويحال هذا المحضر على رئيس المحكمة
الابتدائية ليصادق عليه بحضور النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة
بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن ....
وهكذا يتضح بأن المشرع المغربي أعطى للنيابة العامة دورا هاما بخصوص الصلح لرأب
الصدع الاجتماعي ووضع حد للنزاعات التي تكون قد نشبت بين طرفي الخصومة ، خاصة وأن
الصلح عرفته الأمم منذ غابر الأزمان ، ولقد اعتمده سكان المغرب منذ قرون عديدة قبل
الفتح الإسلامي على عاداتهم وأعرافهم لتنظيم حياتهم الاجتماعية وعلى نفس المنوال
سار المسلمون منذ الفتوحات الإسلامية ، ولقد تعامل بنفس الطريقة القضاء المغربي
إلى جانب الفقهاء والعلماء حيث ساهم في وضع قواعد الصلح وشروطه وأركانه ورسخ صحيته
المطلقة بعد إبرامه ، ولم يكن يسمح للمتصالحين بالرجوع عن الصلح المبرم بينهما على
وجه صحيح ، وهذا ما نجد له أمثلة كثيرة في الأحكام الصادرة عن قضاة مختلف المحاكم
الشرعية .
وعلى هذا المنوال ذهبت القوانين المغربية – المعاصرة – فأوجبت أو أجازت اللجوء إلى
الصلح كثيرة ومتنوعة سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو قوانين الموضوع أو تلك التي
لها صبغة مختلفة ، وكان لابد من إعطاء هذا الدور للنيابة العامة وذلك ما تم
بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية "الجديد " كما سبق الذكر مما يدل على
أن المشرع أخذ بعين الاعتبار الوضعية الحالية والمستقبلية لجهاز القضاء مما يعني
أنه تبنى خيار نظام الإجراءات الجنائية المختلط السائد في أغلب التشريعات القائم
على تكليف النيابة العامة بإجراءات مختلفة منها الصالح ، ولمحاولة إجراء مقارنة بين
القانون المغربي وباقي التشريعات المقارنة بخصوص هذه النقطة نعرض مقتضيات القانون
الفرنسي ( أولا ) والقانون البلجيكي( ثانيا) والقانون الأمريكي (ثالثا) والقانون
المغربي ( رابعا) .
1) القانون الفرنسي :
لقد نص الفصل 41 –1 من قانون المسطرة الجنائية على أنه " يمكن لوكيل
الجمهورية قبل اتخاذ قراره بشأن الدعوى العمومية وباتفاق الأطراف أن يقرر اللجوء
إلى الوساطة إذا ظهر له أن هذا الإجراء من شأنه أن يؤمن التعويض عن الضرر اللاحق
بالضحية وأن يضع حدا للاضطراب الناتج عن الجريمة وأن يساهم في إعادة إدماج مرتكب
الجريمة " .
وجاء في الفصل 15-1 أنه عندما يقرر وكيل الجمهورية الالتجاء إلى الوساطة طبقا
للمقتضيات المقررة في الفصل 41-1 يعين لهذه الغاية شخصا ذاتيا أو معنويا للقيام
بهذه المهمة كما هو مسطر في الفصول اللاحقة.
وجاء في الفصل 15 –2 أنه على " الشخص الذاتي أو المعنوي الذي يجد في نفسه
القدرة للقيام بمهام الوساطة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف
يقدم طلبا بهذا الشأن لوكيل الجمهورية أو للوكيل العام " .
كما جاء في الفصل 15-3 أن " الطلب المقدم من قبل جمعية يتضمن بالأساس :
- نسخة من الجريدة الرسمية التي نشر فيها إعلان الجمعية .
- نظير من النظام الأساسي والتنظيم الداخلي إن وجد .
- تقرير يتضمن شروط إدارة الجمعية وعند الاقتضاء:
+ تنظيم شروط نشاط اللجان المحلية وكذا علاقتها بالجمعية.
+ تحديد الأسماء العائلية والشخصية ، تاريخ ومحل الازديــــاد الجنسية ، المهنة
ومحل سكن أعضاء مجلس الإدارة ومكتب الجمعية وعند الاقتضاء الممثلين المحليين .
+ الوثائق المحلية التي يجب أن تتضمن حساب آخر عملية مالية ، ميزانية العمليات
المالية الجارية والحساب الختامي .
فيما اشترط الفصل 15 – 4 أنه :
يجب أن تتوفر في الوسيط الشروط التالية :
- عدم ممارسة أي مهنة ذات طابع قضائي .
- أن لا يكون قد حكم عليه بعقوبة ما ، أو فقد أهلية على البطاقة رقم 2 من السجل
العدلي .
- تقديم ضمانات الأهلية ، الاستقامة والنزاهة .
كما جاء في الفصل 15 – 5 :
يلتزم الوسيط بكتمان السر المهني ، المعلومات التي تصل إلى علمه بمناسبة قيامه
بمهمته لا يمكن أن تكون محل أي إفشاء .
وأضاف الفصل 15 – 6 :
بعد استنفاد جميع الإجراءات التي يراها ضرورية لمنح الأهلية للوسيط ، يقوم وكيل
الجمهورية أو الوكيل العام بتقديم طلب الأهلية للجمعية العامة للقضاة في مقر
النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف ، التي تصوت بأغلبية
أعضائها الحاضرين .
ثانيا : القانون البلجيكي :
جاء في الفصل 216 مكرر مرتين من قانون التحقيق الجنائي البلجيكي أنـــــــــه :
" يمكن لوكيل الملك ، بدون المساس بالسلطات التي يمنحها لــه الفصل 216 مكرر
، استدعاء مرتكب الجريمة ، واقتراح تعويض أو إصلاح الضرر الذي أحدثه الفعل
الإجرامي وإقامة الدليل على ذلك ، وذلك في حالة ما إذا كان الفعل المرتكب لا يشكل
جريمة يعاقب عليها القانون بأكثر من سنتين حبسا كعقوبة أصلية ".
ثالثا : القانون الأمريكي
الوسيط في القانون الأمريكي شخص محايد لا يملك أية سلطة لإلزام الطرفين وإجبارهما
على أي شيء ويقوم بعقد جلسات مع أطراف النزاع ، قد تكون جلسات مشتركة تجمع جميع
الأطراف ومحاميهم وقد تكون جلسات منفردة مع كل طرف على حدة.
وتنقسم الوساطة في القانون الأمريكي إلى :
وساطة قضائية : أي أن القضاء هو الذي يحيل على وسطاء معينين ضمن قائمة الوسطاء
المعتمدين لدى المحاكم .
وساطة اتفاقية : وهي التي يلجأ فيها الطرفان مباشرة إلى الوسيط المتفق عليه إما في
عقد سابق أو في عقد لاحق بعد نشوب النزاع .
وساطة تشريعية : عندما يكون هناك تشريع ينص على إحالة الطرفين على الوساطة قبل
المرور إلى مرحلة المحاكمة .
رابعا : القانون المصري :
تنص المادة 18 مكرر (أ) :
أنه للمجني عليه – ولوكيله الخاص في الجنح المنصوص عليها في المواد 241 ( فقرتان
أولى وثانية ) ،242 ( فقرات أولى وثانية وثالثة ) ، 244 (فقرة أولى ) 265 ، 321
مكرر ، 323 ، 323 مكرر ، 323 مكرر أولا 324 مكرر ، 341 ، 342 ، 358 ، 360 ، 361 ،
(فقرتان أولى وثانية ) 329 من قانون العقوبات وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها
القانون أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم
، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريقة الادعاء
المباشر ، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة .
ومن خلال استعراض القوانين المذكورة يتبين بأنه وردت في القانون الفرنسي كلمة
" الوساطة " وفي القانون البلجيكي كلمة " إصلاح الضرر " وفي
القانون الأمريكي أيضا كلمة " الوساطة " أما في القانون المصري فلقد
وردت كلمة الصلح وهي نفس المفردة التي تبناها المشرع المغربي .
وربما أن هذه اللفظة أكثر إيفادا للمعنى المقصود وسندنا في ذلك أن المشرع راعى
خصوصية الشريعة الإسلامية باعتبارها السباقة لاستعمال هذا المصطلح . لقد جاء في
القرآن الكريم : لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين
الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما وقوله أيضا : (( وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله
يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخـــويكم... ) .
وقد ورد في السنة النبوية أن النبي محمد( ص) قال : " الصلح جائز بين المسلمين
إلا صلحا حرم حلال وأحل حراما " ، ولقد أبرم عدة اتفاقيات ومعاهدات تقضي
بالصلح مع خصومه أو بين طرفي الخصومة لفض النزاع بينهما ، ومن المعلوم أن النبي
(ص) أول قاضي في الإسلام وإذا كان المشرع قد انتقى لفظة " الصلح "
للاعتبارات المذكورة و ترجيحها على ألفاظ أخرى منها " السدد" الذي ورد
في المشروع فإن لفظة السدد لم تكن في محلها لأنه قد يقصد بها الرشاد و الصواب و
الاستقامة ، أما الصلح فيقصد به السلم و التنازل عن بعض الحقوق المتنازع عليها .
وهكذا و بمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية ، و كما سبق الذكر أصبح من حق
المتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب
عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصـى 5.000,00 درهم
،أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة
في الفقرة التالية من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من
ينوب عنه للتصديق عليه بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه
الطرفان أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد
أجل تنفيذ الصلح 1 .
ولاشك أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تقطع الطريـــــــــــق أمام المشتبه فيهم
سيئي النية ويمكن الضحايا من حقوقهم فـــــي أقــــرب الآجال 2 .
المبحث الثاني : إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة الاعتداء على الحيازة .
يستعمل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مصطلح الرد بينما يستعمل العمل
القضائي هذا المصطلح أحيانا ، ومصطلح إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أحيانا أخرى ،
وقد تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد أحكاما خاصة بالرد وخصص إرجاع الحالة إلى
ما كانت عليه بأحكام أخرى .
والاستعمالان المذكوران مردهما أن للرد مفهومين ، مفهوم واسع يستهدف إعادة الحالة
إلى الوضع الذي كانت عليه قبل وقوع الجريمة ، وإزالة آثارها ، كإعادة المالك إلى
العقار الذي نزع منه قسرا ، أو إبطال العقود المزورة وما ترتب عنها من نتائج ،
ومفهوم ضيق يقتصر على رد الأشياء التي وضعت بين يدي العدالة بمناسبة ارتكاب جريمة
إلى أصحاب الحــــق فيها 3 .
وقد أعطى القضاء المغربي للرد مفهومه الواسع المشار إليه ، بجعله يستهدف إرجاع
الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة ، مع إعمال أحكامه على العقار وتأكيد
مبدأ عدم ضرورة تقديم طلب للحكم به :
- " يسوغ للمحكمة وهي تبث في انتزاع الحيازة من يد الغير بالقوة أن تأمر برد
الأمور إلى نصابها قبل الجريمة ، وهي بعملها هذا لم تتجاوز اختصاصها بالفصل في
الأصل أو الاستحقاق ، وإنما اتخذت تدبيرا يحمي الحيازة ، ويضع حدا للحالة المترتبة
عن الجريمة ، وبذلك تكون المحكمة عللت حكمها وبنته على أساس سليم " .
- في شأن وسيلة النقض الأولى المتخذة من الحكم بشيء غير مطلوب ، ذلك أنه يتضح من
شكاية السيد عبد القادر بن أحمد ، انه لم يطلب التخلي ورفع اليد عن العقار المدعى
فيه ، ومع ذلك فإن محكمة الدرجة الأولى قد حكمت بالإفراغ حكما أيدته الدرجة
الثانية ، وعليه يكون الحكم المطعون فيه قد حكم بشيء غير مطلوب ، مما يتعين معه
نقضه ، لكن حيث أن العارضين كانا متابعين أمام المحكمة بجريمة الترامي على ملك
الغير ، وأن المحكمة بعد أن ثبتت لديها الإدانة ، وحكمت عليهما جنائيا كان من حقها
أن ترد الأمور إلى نصابها وأن تعيد الحالة إلى ما كانت عليه قبل الجريمة ، وهذا من
باب الرد ، الذي يجوز للمحكمة أن تأمر به ولو لم يطلبه صاحب الأمر ، مما تكون معه
الوسيلة على غير أساس
العامة في ضوء قانون المسطرة الجنائية المغربي الجديد
مــدخــــل عـــــام
من الوجهة التاريخية ، يرى أغلب الباحثين الفرنسيين أن نشأة جهاز النيابة العامة
كان مع بداية القرن الرابع عشر ، وبالضبط في سنة 1303 وذلك حينما كلف الملك فليب
لوبون Philipelepon بعض الأشخاص بالقيام بمهام وكلاء الملك ، ويساهم
نواب عامين للملك لدى المحكمة العليا ونواب للملك لدى المحاكم الدنيا ، وقد تمثلت
مهمتهم أساسا في تمثيل الملك أمام هذه المحاكم .
وأثناء الثورة الفرنسية ، تم إلغاء جهاز النيابة العامة باعتبارها مؤسسة تخدم
مصالح الملكية المستبدة .
غير أن رجال الثورة الفرنسية سرعان ما اقتنعوا بأنه باستطاعة جهاز النيابة العامة
أن يخدم العدالة بشكل أفضل ، وهكذا صدر المشرع اختصاصات النيابة العامة في المادة
الجنائية على وجه الخصوص حيث تم إحداث وظيفة المدعي العام L’accusateur public أمام المحاكم التي أحدثتها
تلك الثورة .
وقد عرف مرسوم قانون مؤرخ في 16-4-1990 جهاز النيابة العامة كالآتي : جهاز يتكون
من أعضاء ينتمون إلى السلطة التنفيذية يعملون بجانب المحاكم .
ومن الملاحظ أن الإصلاح القضائي الفرنسي الصادر في 22 دجنبر 1958 قد ظل وفيا لهذا
التصور انطلاقا من تبعية النيابة العامة لوزير العدل .
إن نظام النيابة العامة كما هو مطبق أمام المحاكم المغربية حاليا ليس وليد تقاليد
قضائية مغربية صرفة ، فهو من ضمن التراث القانوني الذي حملته لنا فرنسا باعتبارها
دولة حامية للمغرب ابتداء من معاهدة فاس المبرمة في 30 مارس 1912 .
ففي عهد الحماية كان القضاء الأهلي المتمثل في القضـــــــــــــــاء الشرعي
والقضاء المخزني والقضاء العرفي والقضاء العبري يخضع للرقابة المباشرة إما لمندوب
الحكومــــــــــة Le commissaire du gouvernement وإما للمراقـب المدنـــــي Le contrôleur civil، وقد كان هذا أن الجهازان
يلعبان دورا يقترب أحيانا من دور النيابة العامة ، وبخصوص القضاء الفرنسي ، فقد
كانت به نيابة عامة على مستوى جميع درجاته بالشكل السائر أمام قضاء الدولة الحامية
نفسه ، نقصد محاكم الصلح والمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف بالرباط .
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي عمل على إحداث جهاز للنيابة العامة بالمجلس
الأعلى عندما تم تأسيس هذا الأخير بظهيـــــــر 27 شتنبر 1957 ، وذلك ما تم تكريسه
في التنظيم القضائي المغربي الحالي الصادر في 15 يوليوز 1974 .
أولا : تعريف النيابة العامة :
يطلق مصطلح النيابة العامة في النظام القضائي المغربي على فئة من رجال القضاء ،
يوحدهم جميعا السلك القضائي ويشملهم النظام الأساسي لرجال القضاء – الظهير الشريف
بمثابة قانون الصــــــادر فــــــي 11 يوليوز1974- ويقوم بمهام النيابة العامة
قضاة بمختلف درجات المحاكم ، كما جاء في تأليفها وتنظيمها في الظهير الشريف بمثابة
قانون رقم 338.74.1 المؤرخ في 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة (
الفصول 2 و 6 و 10 ) .
وبالنسبة للجلسات التي تعقدها هيئة الحكم في القضايا الجنائية ، يعد حضور القاضي
الممثل للنيابة العامة بها دائما ، دون مشاركته في التداول وإصدار الأحكام ، عنصرا
أساسيا في تشكيلها ، وضروريا لصحة انعقادها ( الفصول 4 و 7 و 11 من نفس القانون
المشار إليه أعلاه .
وهكذا يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه النيابة العامة في دائرة نفوذ
المحكمة الابتدائية المعين بها ويمارس الدعوى العمومية تحت مراقبة الوكيل العام
إما تلقائيا أو بناء على شكاية شخص متضرر كما يمارس وكيل الملك سلطته على نوابه ،
وله أثناء أداء مهامه الحق في تسخير القوة العمومية مباشرة .
وهكذا يتضح أن الأصل في مهام النيابة العامة أنها تقوم وبمساعدة الشرطة القضائية
التي تعمل تحت إشرافها، بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن
مرتكبيها ، ثم إقامة الدعوى العمومية ضد من يكشف البحث عن ض
لوعه في ارتكاب الجريمة كفاعل أصلي أو شريك أو مساعد ، لتطبق عليه العقوبة المقررة
في القانون الجنائي . ومن تم فإن النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن حقه
في حياة آمنة ، وحماية جميع أفراده من كل فعل يمس بحقهم في الحياة وبحقوقهم
المادية والمعنوية ، وذلك عوض إسناد هذه المهمة الخطيرة إلى المجتمع نفسه كما كان
سائدا في العهود الغابرة .
ولذلك فيجب على وكيل الملك أن يخبر الوكيل العام للملك بالجنايات التي تبلغ إلى
علمه وكذا بمختلف الأحداث والجرائم الخطيرة أو التي من شأنها أن تخل بالأمن العام
.
وقد عرف المشرع المصري 3 النيابة العامة بأنها شعبة من شعب السلطة القضائية ، وهي
النائبة عن المجتمع والممثلة له وتتولى تمثيل المصالح العامة ، وتسعى في تحقيق
موجبات القانون ( المادة الأولى ) ، وتختص أساسا – دون غيرها – بتحريك الدعوى
الجنائية ، وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تنتدبه لذلك من مأموري الضبط
القضائي أو بطلب ندب قاض للتحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجنائية
المختصة لمحاكمته ( المادة الثانية ) ، وتباشر النيابة العامة الدعوى الجنائية ،
بمتابعة سيرها أمام المحاكم حتى يصدر فيها حكم بات ، وتقوم بأداء وظيفة النيابة
العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة تشكل طبقا لأحكام القانون السلطة
القضائية . ولهذه النيابة – بناءا على طلب المحكمة – حضور مداولات الدوائر المدنية
والتجارية والأحوال الشخصية دون أن يكون لممثلها صوت معدود فــــــــي
المـــــــــداولات ( المادة الثالثة ) ، وهكذا يتضح أن المشرع المصري وسع من
الصلاحيات المسندة إلى النيابة العامة وجعلها تنهض بكافة الاختصاصات الأخرى التي
تنص عليها مختلف القوانين أو تقتضيها وظيفتها الإدارية .
ثانيا : مهام النيابة العامة
إن غاية الحياة السياسية هي ضمان حقوق الإنسان الفرد ومعاملته كماهية حرة واعتباره
على الدوام كغاية .
وعلى هذا فمتى رأى أي شخص نفس أنه متضرر من فعل أو قول غيره له بأن سلب ماله أو
عنفه أو اعتدى على عرضه أو ما شابه ذلك ، فإن من حقه اللجوء إلى السيد وكيل الملك
بالمحكمة الابتدائية المتواجد بدائرة نفوذها ، أو يمكنه أن يتقدم إلى الضابطة
القضائية من شرطة أو درك تابعة لمراقبة وكيل الملك بالمحكمة المذكورة ، فيسجل
شكاية ضد المشتكى به ، مهما كان المشتكـــى به نظرا لأن القانون ينــــــص علــى
أن " كل الناس سواسية " أمام القانون ، ولهم الحق في التمتع بحماية
متكافئة من دون أية تفرقة و ذلك ما أكده الدستور المغربي المراجع سنة 1996 مادته
التاسعة .
وعلى هذا فعلى وكيل الملك كما تنص الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون المسطرة
الجنائية رقم 01/22 أن " يتلقى المحاضر والشكايات والوشايات ويتخذ بشأنها ما
يراه ملائما " بأن يباشر ما ذكر شخصيا أو بواسطة نوابه الذين يزاولون أعمالهم
تحت سلطته .
ولذلك يجب على أعضاء النيابة العامة بذل العناية الواجبة فيما يعرض عليهم من
القضايا ، واحترام حرية المواطنين فيما يتخذون من إجراءات ، والحرص على إنزال حكم
القانون صحيحا عليها وحسن وزن الأموال ، ومراعاة ملاءمة التصرف للوقائع والأدلة
القائمة في الأوراق ، رعاية لجلال الأمانة التي يشرفون بحملها ، كما يجب عليهم
التزام الحياد والنزاهة ، في كل ما يصدر عنهم بمناسبة النهوض برسالتهم في تمثيل
المصالح العامة ، وحماية الشرعية وتأكيد سيادة القانون .
وعليه فإنه يجب على أعضاء النيابة العامة أن يتوخوا الوصول إلى الحقيقة في شأن
المحاضر و الشكايات والوشايات التي يتلقونها وان يتخذوا الإجراءات الكاشفة عنها
ولو كانت في مصلحة المتهم ، إذا أن مهمة النيابة العامة ليست البحث عن تحقيق
الإدانة ، وإنما حماية القانون والشرعية ، وتحقيق حسن إدارة العدالة .
فمتى حصلت القناعة لوكيل الملك بأن المشتكى به أو المشتكى بهم بأنهم ارتكبوا
مخالفات للقانون الجنائي ، فإنه يصدر أمره بتقديمهم ومتابعتهم ، فيعمل على إحالتهم
على هيئات التحقيق أو إلى هيئات الحكم المختصة .
كما أنه إذا ما تبين للنيابة العامة من خلال إجراءات البحث التي تقوم بها إما
مباشرة أو بواسطة الضابطة القضائية أن المشتكى به لم يقم بأي فعل مخالف للقانون
الجنائي فإن وكيل الملك يأمر بحفظ ذلك المحضر أو تلك الشكاية بمقرر يمكن دائما
التراجع عنه .
إن إصلاح قانون المسطرة الجنائية كان أمرا منتظرا وواردا منذ أزيد من ربع قرن ،
وظل مصدر اهتمام وانشغال ومطالبة جميع الحقوقيين ومختلف الأوساط السياسية
والقانونية والقضائية منذ 25 سنة خلت .
ثالثا : النيابة العامة في قانون المسطرة الجنائية الجديد :
تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد الإشارة إلى اختصاص وكيل الملك في المواد من
المادة 39 إلى 47 المقابلة للفصول من 37 إلى 45 من قانون المسطرة الجنائية الحالي
، فعدلت المادة 39 الموازية للفصل 37 الحالي المتعلقة بمجال اختصاص وكيل الملك من
حيث الصياغة مع الأخذ بعين الاعتبار الفصل الرابع من ظهير الإجراءات الانتقالية .
وتم توسيع مجال اختصاص النيابة العامة أثناء صياغة المادة 40 الموازية للفصل 38
الحالي في حالة القيام بإجراءات البحث والتحري عن الجرائم وذلك عن طريق منحها
إمكانية اتخاذ أي إجراء تحفظي تراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما
كانت عليه ، إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ أي حكم .
لوكيل الملك أيضا طبقا لهذه المستجدات إصدار الأوامر الدولية بإلقاء القبض وإرجاع
الحالة وإرجاع المحجوزات وسحب جواز السفر وإغلاق الحدود كلما تعلق الأمر بجنحة
معاقب عليها بسنتين حبسا أو أكثر ، وإذا كان هذا الإجراء الأخير يحد من حرية
التنقل التي ضمنها الدستور والتي لا يحد من مداها إلا القانون ، فإنه لا ينبغي أن
يستغل هذا الحق للفرار من وجه العدالة وإلحاق الضرر بالضحايا ، لهذا ورغبة من
قانون المسطرة الجنائية الجديد في تجاوز الصعوبة القانونية التي كان يطرحها عدم
وجود نص قانوني يخول للنيابة العامة إجراء إغلاق الحدود وسحب جواز السفر في الحالة
التي تبقى فيها الاستدعاءات المتكررة الموجهة بشأنها إلى الجناة غير ذات جدوى ، أو
عندما لايمكن وضع هؤلاء تحت الحراسة النظرية نظرا لطبيعة القضية التي تتطلب وقتا،
و لإتمام البحث والقيام بالمواجهات والتحريات اللازمة ، عمل على مد النيابة العامة
بآلية تمكنها من ملاحقة الفارين بأن منح لها الحق في إغلاق الحدود وسحب جواز السفر
والذي من شأنه أن يقطع الطريق أمام المشتبه فيهم سيئي النية ويمكن الضحايا من
حقوقهم في أقرب الآجال .
وبمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الجديد أصبح من حق المتضرر أو
المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب عليها بسنتين
حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم ، أن يطلب من وكيل
الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة في الفقرة الثانية
من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق
عليه بمقتضى أمر قضائي – لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه الطرفان أداء غرامة
لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد أجل لتنفيذ الصلح .
أما المواد 42 ، 43 ، و 44 الموازية للفصول 39 ، 40 و 41 الحالي فقد عدلت من حيث
الصياغة فقط .
وصيغت المادة 45 الموازية للفصل 42 الحالي المتعلقة بتسيير وكيل الملك لإعمال ضباط
الشرطة القضائية وأعوانها في دائرة نفوذ محكمته وتنقيطهم مع حذف الفقرة الأخيرة من
الفصل 42 الحالي المضافة للمادة 36 من المشروع وإضافة الفقرتين الأخيرتين المتعلقتين
بمنح وكيل الملك صلاحية زيارة أماكن الحراسة النظرية ومراقبة سجلاتها وتحرير تقرير
بمناسبة كل زيارة وإشعار الوكيل العام بملاحظاته ، وذلك في إطار تعزيز المراقبة
القبلية لعمل ضباط الشرطة القضائية أثناء مرحلة البحث التمهيدي .
أما المادة 46 الموازية للفصل 43 المتعلقة بالحالات التي يتولى فيها نواب الملك
القيام بمهام وكيل الملك ، فقد عدلت من حيث الصياغة فقط ، وحذف الفصل 44 و 45
الحاليين المتعلقين بمحاكم السدد والصلح لملاءمة الوضع مع التنظيم القضائي الحالي
.
وتعرضت المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية الجديد المقابلة للفصل 76 من القانون
الحالي لإجراء استنطاق المشتبه فيه من طرف وكيل الملك في حالة التلبس بجنحة طبقا
للمادة 56 مع الاستعانة بترجمان عند الاقتضاء أو إصدار أمر بالإيداع في السجن إذا
كانت الجنحة يعاقب عليها بالحبس مع مراعاة مقتضيات المادة 74 .
وفي غير حالة التلبس تطبق المقتضيات أعلاه في حق المشتبه فيه الذي اعترف بجريمة
معاقب عليها بالحبس أو ظهرت معالم أو أدلة قوية عند ارتكابه لها مع عدم تركيزه على
الضمانات المحددة في الفقرة الأخيرة من هذه المادة ويلتزم وكيل الملك في هذه
الحالة بتعليل قراره 1 .
وبعد هذه النظرة الموجزة عن التطور التاريخي لمؤسسة النيابة العامـــة ومفهومها
والمهام المسندة لها ، سنتناول بالدراسة والتحليل المهام الجديدة المسندة للنيابة
العامة (الفصل الأول) ثم دعم دور النيابة في مكافحة ظاهرة الجريمة (الفصل الثاني)
مقتصرين في ذلك على المواد من 39 إلى 47 من قانون المسطرة الجنائيـــــــــة
الجديــــــــد ( الظهير الشريف رقم 1.02.255 الصادر في 25 رجب 1423 الموافق 3
أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية )2 .
الفصل الأول : المهام الجديدة المسندة للنيابة العامة :
اتجه المشرع نحو إعطاء النيابة العامة دورا جديدا يرمي إلى القضاء الفوري على آثار
الجريمة والحفاظ على الوضعيات التي كانت قارة قبل ارتكابها ، كما أوجد لها دورا
فعالا يرمي إلى وضع حد للنزاع الاجتماعي وأعطاها المبادرة للقيام بالصلح بين طرفي
النزاع .
ونستعرض فيما يأتي أهم الأدوار المسندة إلى النيابة العامة التي جاء بها قانون
المسطرة الجنائية 1 ، وذلك في المباحث التالية :
المبحـــــث الأول : مسطرة الصلح بين الخصوم .
المبحث الثانـــي : إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في جرائم الاعتداءات على
الحيازة .
المبحث الثالـــــث : رد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها .
المبحث الرابـــــع : إيقاف سير الدعوى .
المبحث الخامــس : السند التنفيذي للنيابة العامة في المخالفات .
المبحث الأول : مسطرة الصلح بين الخصوم
في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد يمكن للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى
العمومية ، وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة لا
يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما
في محضر إذا ما وافق عليه وتراضى الطرفين ، ويحال هذا المحضر على رئيس المحكمة
الابتدائية ليصادق عليه بحضور النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة
بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن ....
وهكذا يتضح بأن المشرع المغربي أعطى للنيابة العامة دورا هاما بخصوص الصلح لرأب
الصدع الاجتماعي ووضع حد للنزاعات التي تكون قد نشبت بين طرفي الخصومة ، خاصة وأن
الصلح عرفته الأمم منذ غابر الأزمان ، ولقد اعتمده سكان المغرب منذ قرون عديدة قبل
الفتح الإسلامي على عاداتهم وأعرافهم لتنظيم حياتهم الاجتماعية وعلى نفس المنوال
سار المسلمون منذ الفتوحات الإسلامية ، ولقد تعامل بنفس الطريقة القضاء المغربي
إلى جانب الفقهاء والعلماء حيث ساهم في وضع قواعد الصلح وشروطه وأركانه ورسخ صحيته
المطلقة بعد إبرامه ، ولم يكن يسمح للمتصالحين بالرجوع عن الصلح المبرم بينهما على
وجه صحيح ، وهذا ما نجد له أمثلة كثيرة في الأحكام الصادرة عن قضاة مختلف المحاكم
الشرعية .
وعلى هذا المنوال ذهبت القوانين المغربية – المعاصرة – فأوجبت أو أجازت اللجوء إلى
الصلح كثيرة ومتنوعة سواء تعلق الأمر بقوانين الشكل أو قوانين الموضوع أو تلك التي
لها صبغة مختلفة ، وكان لابد من إعطاء هذا الدور للنيابة العامة وذلك ما تم
بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية "الجديد " كما سبق الذكر مما يدل على
أن المشرع أخذ بعين الاعتبار الوضعية الحالية والمستقبلية لجهاز القضاء مما يعني
أنه تبنى خيار نظام الإجراءات الجنائية المختلط السائد في أغلب التشريعات القائم
على تكليف النيابة العامة بإجراءات مختلفة منها الصالح ، ولمحاولة إجراء مقارنة بين
القانون المغربي وباقي التشريعات المقارنة بخصوص هذه النقطة نعرض مقتضيات القانون
الفرنسي ( أولا ) والقانون البلجيكي( ثانيا) والقانون الأمريكي (ثالثا) والقانون
المغربي ( رابعا) .
1) القانون الفرنسي :
لقد نص الفصل 41 –1 من قانون المسطرة الجنائية على أنه " يمكن لوكيل
الجمهورية قبل اتخاذ قراره بشأن الدعوى العمومية وباتفاق الأطراف أن يقرر اللجوء
إلى الوساطة إذا ظهر له أن هذا الإجراء من شأنه أن يؤمن التعويض عن الضرر اللاحق
بالضحية وأن يضع حدا للاضطراب الناتج عن الجريمة وأن يساهم في إعادة إدماج مرتكب
الجريمة " .
وجاء في الفصل 15-1 أنه عندما يقرر وكيل الجمهورية الالتجاء إلى الوساطة طبقا
للمقتضيات المقررة في الفصل 41-1 يعين لهذه الغاية شخصا ذاتيا أو معنويا للقيام
بهذه المهمة كما هو مسطر في الفصول اللاحقة.
وجاء في الفصل 15 –2 أنه على " الشخص الذاتي أو المعنوي الذي يجد في نفسه
القدرة للقيام بمهام الوساطة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف
يقدم طلبا بهذا الشأن لوكيل الجمهورية أو للوكيل العام " .
كما جاء في الفصل 15-3 أن " الطلب المقدم من قبل جمعية يتضمن بالأساس :
- نسخة من الجريدة الرسمية التي نشر فيها إعلان الجمعية .
- نظير من النظام الأساسي والتنظيم الداخلي إن وجد .
- تقرير يتضمن شروط إدارة الجمعية وعند الاقتضاء:
+ تنظيم شروط نشاط اللجان المحلية وكذا علاقتها بالجمعية.
+ تحديد الأسماء العائلية والشخصية ، تاريخ ومحل الازديــــاد الجنسية ، المهنة
ومحل سكن أعضاء مجلس الإدارة ومكتب الجمعية وعند الاقتضاء الممثلين المحليين .
+ الوثائق المحلية التي يجب أن تتضمن حساب آخر عملية مالية ، ميزانية العمليات
المالية الجارية والحساب الختامي .
فيما اشترط الفصل 15 – 4 أنه :
يجب أن تتوفر في الوسيط الشروط التالية :
- عدم ممارسة أي مهنة ذات طابع قضائي .
- أن لا يكون قد حكم عليه بعقوبة ما ، أو فقد أهلية على البطاقة رقم 2 من السجل
العدلي .
- تقديم ضمانات الأهلية ، الاستقامة والنزاهة .
كما جاء في الفصل 15 – 5 :
يلتزم الوسيط بكتمان السر المهني ، المعلومات التي تصل إلى علمه بمناسبة قيامه
بمهمته لا يمكن أن تكون محل أي إفشاء .
وأضاف الفصل 15 – 6 :
بعد استنفاد جميع الإجراءات التي يراها ضرورية لمنح الأهلية للوسيط ، يقوم وكيل
الجمهورية أو الوكيل العام بتقديم طلب الأهلية للجمعية العامة للقضاة في مقر
النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف ، التي تصوت بأغلبية
أعضائها الحاضرين .
ثانيا : القانون البلجيكي :
جاء في الفصل 216 مكرر مرتين من قانون التحقيق الجنائي البلجيكي أنـــــــــه :
" يمكن لوكيل الملك ، بدون المساس بالسلطات التي يمنحها لــه الفصل 216 مكرر
، استدعاء مرتكب الجريمة ، واقتراح تعويض أو إصلاح الضرر الذي أحدثه الفعل
الإجرامي وإقامة الدليل على ذلك ، وذلك في حالة ما إذا كان الفعل المرتكب لا يشكل
جريمة يعاقب عليها القانون بأكثر من سنتين حبسا كعقوبة أصلية ".
ثالثا : القانون الأمريكي
الوسيط في القانون الأمريكي شخص محايد لا يملك أية سلطة لإلزام الطرفين وإجبارهما
على أي شيء ويقوم بعقد جلسات مع أطراف النزاع ، قد تكون جلسات مشتركة تجمع جميع
الأطراف ومحاميهم وقد تكون جلسات منفردة مع كل طرف على حدة.
وتنقسم الوساطة في القانون الأمريكي إلى :
وساطة قضائية : أي أن القضاء هو الذي يحيل على وسطاء معينين ضمن قائمة الوسطاء
المعتمدين لدى المحاكم .
وساطة اتفاقية : وهي التي يلجأ فيها الطرفان مباشرة إلى الوسيط المتفق عليه إما في
عقد سابق أو في عقد لاحق بعد نشوب النزاع .
وساطة تشريعية : عندما يكون هناك تشريع ينص على إحالة الطرفين على الوساطة قبل
المرور إلى مرحلة المحاكمة .
رابعا : القانون المصري :
تنص المادة 18 مكرر (أ) :
أنه للمجني عليه – ولوكيله الخاص في الجنح المنصوص عليها في المواد 241 ( فقرتان
أولى وثانية ) ،242 ( فقرات أولى وثانية وثالثة ) ، 244 (فقرة أولى ) 265 ، 321
مكرر ، 323 ، 323 مكرر ، 323 مكرر أولا 324 مكرر ، 341 ، 342 ، 358 ، 360 ، 361 ،
(فقرتان أولى وثانية ) 329 من قانون العقوبات وفي الأحوال الأخرى التي ينص عليها
القانون أن يطلب إلى النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال إثبات صلحه مع المتهم
، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريقة الادعاء
المباشر ، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة .
ومن خلال استعراض القوانين المذكورة يتبين بأنه وردت في القانون الفرنسي كلمة
" الوساطة " وفي القانون البلجيكي كلمة " إصلاح الضرر " وفي
القانون الأمريكي أيضا كلمة " الوساطة " أما في القانون المصري فلقد
وردت كلمة الصلح وهي نفس المفردة التي تبناها المشرع المغربي .
وربما أن هذه اللفظة أكثر إيفادا للمعنى المقصود وسندنا في ذلك أن المشرع راعى
خصوصية الشريعة الإسلامية باعتبارها السباقة لاستعمال هذا المصطلح . لقد جاء في
القرآن الكريم : لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين
الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نوتيه أجرا عظيما وقوله أيضا : (( وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا
التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله
يحب المقسطين إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخـــويكم... ) .
وقد ورد في السنة النبوية أن النبي محمد( ص) قال : " الصلح جائز بين المسلمين
إلا صلحا حرم حلال وأحل حراما " ، ولقد أبرم عدة اتفاقيات ومعاهدات تقضي
بالصلح مع خصومه أو بين طرفي الخصومة لفض النزاع بينهما ، ومن المعلوم أن النبي
(ص) أول قاضي في الإسلام وإذا كان المشرع قد انتقى لفظة " الصلح "
للاعتبارات المذكورة و ترجيحها على ألفاظ أخرى منها " السدد" الذي ورد
في المشروع فإن لفظة السدد لم تكن في محلها لأنه قد يقصد بها الرشاد و الصواب و
الاستقامة ، أما الصلح فيقصد به السلم و التنازل عن بعض الحقوق المتنازع عليها .
وهكذا و بمقتضى المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية ، و كما سبق الذكر أصبح من حق
المتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة معاقب
عليها بسنتين حبسا أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصـى 5.000,00 درهم
،أن يطلب من وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر وفق الشكليات المحددة
في الفقرة التالية من هذه المادة على أن يحيله على رئيس المحكمة الابتدائية أو من
ينوب عنه للتصديق عليه بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن – يتضمن ما اتفق عليه
الطرفان أداء غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا مع تحديد
أجل تنفيذ الصلح 1 .
ولاشك أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تقطع الطريـــــــــــق أمام المشتبه فيهم
سيئي النية ويمكن الضحايا من حقوقهم فـــــي أقــــرب الآجال 2 .
المبحث الثاني : إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة الاعتداء على الحيازة .
يستعمل القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مصطلح الرد بينما يستعمل العمل
القضائي هذا المصطلح أحيانا ، ومصطلح إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه أحيانا أخرى ،
وقد تضمن قانون المسطرة الجنائية الجديد أحكاما خاصة بالرد وخصص إرجاع الحالة إلى
ما كانت عليه بأحكام أخرى .
والاستعمالان المذكوران مردهما أن للرد مفهومين ، مفهوم واسع يستهدف إعادة الحالة
إلى الوضع الذي كانت عليه قبل وقوع الجريمة ، وإزالة آثارها ، كإعادة المالك إلى
العقار الذي نزع منه قسرا ، أو إبطال العقود المزورة وما ترتب عنها من نتائج ،
ومفهوم ضيق يقتصر على رد الأشياء التي وضعت بين يدي العدالة بمناسبة ارتكاب جريمة
إلى أصحاب الحــــق فيها 3 .
وقد أعطى القضاء المغربي للرد مفهومه الواسع المشار إليه ، بجعله يستهدف إرجاع
الحالة إلى ما كانت عليه قبل وقوع الجريمة ، مع إعمال أحكامه على العقار وتأكيد
مبدأ عدم ضرورة تقديم طلب للحكم به :
- " يسوغ للمحكمة وهي تبث في انتزاع الحيازة من يد الغير بالقوة أن تأمر برد
الأمور إلى نصابها قبل الجريمة ، وهي بعملها هذا لم تتجاوز اختصاصها بالفصل في
الأصل أو الاستحقاق ، وإنما اتخذت تدبيرا يحمي الحيازة ، ويضع حدا للحالة المترتبة
عن الجريمة ، وبذلك تكون المحكمة عللت حكمها وبنته على أساس سليم " .
- في شأن وسيلة النقض الأولى المتخذة من الحكم بشيء غير مطلوب ، ذلك أنه يتضح من
شكاية السيد عبد القادر بن أحمد ، انه لم يطلب التخلي ورفع اليد عن العقار المدعى
فيه ، ومع ذلك فإن محكمة الدرجة الأولى قد حكمت بالإفراغ حكما أيدته الدرجة
الثانية ، وعليه يكون الحكم المطعون فيه قد حكم بشيء غير مطلوب ، مما يتعين معه
نقضه ، لكن حيث أن العارضين كانا متابعين أمام المحكمة بجريمة الترامي على ملك
الغير ، وأن المحكمة بعد أن ثبتت لديها الإدانة ، وحكمت عليهما جنائيا كان من حقها
أن ترد الأمور إلى نصابها وأن تعيد الحالة إلى ما كانت عليه قبل الجريمة ، وهذا من
باب الرد ، الذي يجوز للمحكمة أن تأمر به ولو لم يطلبه صاحب الأمر ، مما تكون معه
الوسيلة على غير أساس