رقابة
الاختصاص القضائي عند تنفيذ الأحكام الأجنبية في الأردن
نور
الحجايا(*)
ملخص
يتوجب على قاضي
التنفيذ عندما يأمر بالتنفيذ أن يتحقق من شرط اختصاص المحكمة الأجنبية المراد
تنفيذ حكمها في بلده، وهذا الأمر يتطلب منه التحقق من القانون الذي يرجع إليه من
أجل معرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة أم لا، ويقصد هنا بالاختصاص
(الاختصاص القضائي الدولي) لتلك المحكمة، أما الاختصاص الداخلي للمحكمة التي أصدرت
الحكم فقاضي التنفيذ غير ملزم بالتحقق منه .
ومن أجل الوقوف على
شرط اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه، فقد قسمنا هذا البحث إلى
مبحثين الأول : يتعلق بمفهوم الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم، والثاني يتعلق بنطاق الرقابة على الاختصاص القضائي لتلك المحكمة، وقد
أعقبنا هذين المبحثين بخاتمة بينا فيها أهم ما توصلنا إليه في هذا البحث من نتائج.
ABSTRACT
It is a must for an executing judge when executing a foreign court’s
judgment in his own country to ascertain that the foreign court was competent. This
requires him to investigate whether or not under the applicable law he is
referring to the court that issued the decision was competent or not.
It is meant by competence here the international competence of foreign
court. But with regard to internal
competence of such court that issued the judgment, the judge is not obliged to
make sure if it is met.
In order to know the competence of the foreign court (which issued the
judgment, the judge is due to apply), we have divided this article into two
parts. The first part deals with the
concept of the national judicial control over competence of the foreign
court. The second part is concerned with
the limits of the control over the judicial competence for such foreign court. The
article ends with a conclusion in which results and recommendations are laid
down.
المقدمة
يلاحظ بشأن المنازعة
ذات العنصر الأجنبي أمران: الأول أن لها طبيعة خاصة على اعتبار أنها تمس النظام
القانوني لأكثر من دولة، والثاني أن المحكمة التي تفصل في المنازعة يجب أن تحسم
مسألة اختصاصها بها قبل البحث عن القانون الواجب التطبيق عليها. وعند تفاعل هذين
الأمرين يتبين لنا أنه بعد ثبوت الاختصاص لمحكمة معينة يجب عليها أن ترجع إلى
قواعد تنازع القوانين (قواعد الإسناد) الخاصة بها من أجل تحديد القانون الواجب
التطبيق على العلاقة القا نونية المتضمنة عنصر أجنبي والماثلة أمامها. فتعيين
المحكمة المختصة دولياً لا يعني بالضرورة أن تطبق هذه المحكمة قانونها. لذلك يجب
أن نشير هنا إلى أن الاختصاص القضائي يتمتع باستقلالية عن الاختصاص التشريعي، ولكن
هذه الاستقلالية الثابتة لأحدهما عن الآخر لا يمنع من تأثير هذا على ذلك. فمن شأن
هذه الإستقلالية أن تشجع التعاون القانوني بين أنظمة الدول المختلفة وذلك عن طريق
السماح للقضاء المحلي بتطبيق القانون الأجنبي على العلاقة القانونية المشوبة بعنصر
أجنبي. وهذا الاستقلال بين الاختصاص القضائي والاختصاص التشريعي يؤدي في نهاية
المطاف إلى توحيد الحلول القانونية وتحقيق الفعالية الدولية للأحكام القضائية .
وفي الحقيقة أن النزاع
المتضمن عنصر أجنبي لا يحسم إلا بعد أن تقوم المحكمة المختصة، التي تقرر اختصاصها،
بإصدار حكم قضائي. وهذا الأخير هو الذي
يقرر الحماية القضائية للحق أو المركز القانوني محل النزاع عن طريق تأكيد وجوده. فحتى يتم تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي(1)، لا بد أن يصدر حكم قضائي لتنفيذه من محاكم
دولية أجنبية(2) أما فيما يتعلق بالحكم القضائي الوطني، فلا يوجد هناك
مشكلة في تنفيذه لأنه يبقى حكماً داخلياً فيتم تنفيذه عن طريق دائرة الإجراء.
وعند كلامنا عن تنفيذ
الحكم القضائي الأجنبي في المملكة الأردنية الهاشمية، لا بد أن تقام دعوى لتنفيذه
أمام المحكمة البدائية التي يقيم المحكوم عليه ضمن صلاحيتها أو المحكمة التي تقع
ضمن صلاحيتها أملاك المحكوم عليه التي يرغب طالب التنفيذ بتنفيذ الحكم عليها إذا
كان المحكوم عليه لا يقيم في المملكة(3). هذا زيادة على توافر شروط
أخرى حددتها المادة السابعة من القانون رقم ( لسنة 1982 الخاص بتنفيذ الأحكام
الأجنبية. ومن هذه الشروط، أن تكون المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة
اختصاصاً داخلياً واختصاصاً عاماً دولياً في نظر النزاع المعروض أمامها. وقبل أن
نوضح أهمية هذا الشرط موضوع البحث، نرى أنه من الأهمية أن نشير إلى أن دور قاضي
التنفيذ الأردني يكمن في التحقيق مما إذا كان الحكم قد توافرت فيه شروط التنفيذ
المنصوص عليها في المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني، دون
التعرض لفحص الموضوع ومن ثم يصدر أمره بالتنفيذ(4).
أهمية البحث
في الواقع، إن قواعد
الاختصاص القضائي الدولي هي وقواعد مفردة الجانب، ومن وضع المشرع الوطني أو من صنع
القضاء الوطني، فهي تهتم فقط بتحديد حالات اختصاص المحاكم الوطنية. أما قواعد تنازع القوانين فلا تقوم فقط بتحديد
سلطات القانون الوطني، بل تذهب أبعد من ذلك، إذ تقوم أيضاً بتحديد حالات تطبيق
القانون الأجنبي في دولة القاضي. فلهذا
السبب يقال بأن قواعد تنازع القوانين تتسم بالازدواجية. وهذا الاختلاف بين قواعد
الاختصاص القضائي الدولي وقواعد تنازع القوانين، يقودنا إلى القول بأن هاتين
القاعدتين تشكلان أهم قواعد القانون الدولي الخاص. لذلك فمن الطبيعي أن يراقب قاضي التنفيذ
الاختصاص القضائي والاختصاص التشريعي(5) للمحكمة التي أصدرت
الحكم. فيجب على قاضي التنفيذ أن يراقب
اختصاص المحكمة الأجنبية للنظر في النزاع الماثل أمامها، وذلك حتى يتحقق من وجود
رابطة وثيقة بين المحكمة التي حسمت النزاع والنزاع الصادر بشأنه هذا الحكم. وهذه الرقابة من شأنها أن تكبح جماح الأفراد
الذين يحاولون استخدام وسائل احتيالية بهدف التحايل على قواعد الاختصاص القضائي،
أو بهدف ارتكاب ما يسمى بالغش نحو الاختصاص القضائيFraude a La Cmpetence, Forum) Shopping ).
ونظراً لأهمية الرقابة
على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم، وخصوصاً ما يطرح من
مشاكل على صعيد تحديد القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل معرفة ما إذا
كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة أم لا، وعلى صعيد نطاق الرقابة على اختصاص
المحكمة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها، آثرنا دراسته بشكل تفصيلي في هذا البحث .
وحتى نتمكن من إعطاء
صورة واضحة للرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها في
بلد التنفيذ فقد قمنا بتقسيم هذا البحث إلى مبحثين :
-
المبحث الأول :
مفهوم الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة التي أصدرت الحكم .
-
المبحث الثاني
: نطاق الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة التي أصدرت الحكم .
المبحث الأول
مفهوم الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة
التي أصدرت الحكم
يقصد بالرقابة على
الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم التحقق من قبل قاضي التنفيذ
من الاختصاص غير المباشر للمحكمة التي أصدرت الحكم، ولا يقصد بهذه الرقابة مراجعة
مضمون الحكم وفحصه وإنما يقصد بها تدقيق مدى توافر شرط اختصاص المحكمة المراد
تنفيذ حكمها. والرقابة على مدى توافر شرط اختصاص المحكمة الأجنبية لا تتحقق إلا من
خلال البحث عن القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة
التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً داخلياً خاصاً ودولياً عاماً في حسم النزاع
المعروض عليها. وفيما يتعلق بالقانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل معرفة ما
إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة داخلياً أم لا فلا يثير جدلاً بين
الفقهاء، إذ إنّ قاضي التنفيذ يفحصهُ من خلال الرجوع إلى قواعد الاختصاص المنصوص
عليها في قانون تلك المحكمة، والسبب في ذلك أن مسألة الاختصاص الداخلي للمحكمة
الأجنبية تخص القانون الأجنبي، ومن ثم تتعلق هذه المسألة باختصاص سيادي للمحكمة
الأجنبية(6)، وعليه فقاضي التنفيذ غير مؤهل للنظر في ذلك .
وبالمقابل فإن الرقابة
على الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم يتطلب من قاضي
التنفيذ التحقق من الاختصاص الدولي للمحكمة التي أصدرت الحكم. فالسؤال الذي نود أن نبحث له عن إجابة في هذا
الصدد هو : هل يتحقق قاضي التنفيذ من الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة المراد
تنفيذ حكمها وفقاً لقانون دولة المحكمة التي أصدرته؟ أم وفقاً لقانون دولة بدل
التنفيذ؟ أم أن هناك معياراً آخراً يلجأ
إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً
دولياً أم لا؟ ولخصوصية هذا الموضوع في القانون المقارن فإن الأمر يقتضي منا
الوقوف على مسألة القانون الذي يلجأ إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة
الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً دولياً أم لا في كل من فرنسا ومصر،
ليتسنى لنا في نهاية المطاف الوقوف على موقف القانون الأردني من تلك المسألة .
المطلب الأول : الوضع
في فرنسا
لقد اهتم الفقه
اهتماماً بالغاً وخصوصاً الفقه الفرنسي في مسألة القانون الذي يرجع إليه قاضي
التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة أم لا. وقد سار الفقه للإجابة على هذا التساؤل في
اتجاهين، الاتجاه الأول: يوجب الرجوع إلى قانون المحكمة التي أصدرت الحكم، أما
الثاني فيوجب الرجوع إلى قانون قاضي التنفيذ. ونظراً لأهمية هذين الاتجاهين فسوف
نشرحهما بالتفصيل مبينين الأسس التي أقاما عليها توجههما والانتقادات التي وجهت
إلى كل منهما.
الفرع الأول : الاتجاه
الاول ينادي بتطبيق قانون المحكمة التي اصدرت الحكم
هذا الاتجاه الفقهي
يسمى باللغة الفرنسية doctrine de L’unilateralite، أخذت به محكمة Montpellier في قرارها
الصادر بتاريخ 17/5/1949 حيث حكمت بأن القضاء الفرنسي عندما تعرض عليه قضية متعلقة
بتنفيذ حكم أجنبي يجب عليه الرجوع إلى قانون القاضي الذي أصدر الحكم، وذلك من أجل
الرقابة على اختصاص تلك المحكمة. إلا إذا كان هذا الحكم يخالف القواعد الأساسية
للتنفيذ في القانون الفرنسي(7).
إن الأساس الذي قام
عليه هذا الاتجاه يكمن في أن قواعد الاختصاص القضائي الدولي في كل دولة هي قواعد
وطنية وحيدة الجانب فلا تحدد إلا حالات اختصاص المحاكم النظامية، وبالتالي ليس من
الصحة الاعتماد على قواعد الاختصاص القضائي في دولة قاضي التنفيذ لرقابة شرعية الاختصاص
الدولي للمحاكم الأجنبية التي أصدرت الحكم.
ولكن مع هذا، فإن هذا الاتجاه انتُقد من عدة وجوه:
أولاً: ذهب بعض
الفقهاء إلى القول بأن هذا الاتجاه يفرض على قاضي التنفيذ الرجوع إلى قانون
المحكمة التي أصدرت الحكم بهدف الرقابة على اختصاص المحكمة، وهو بذلك يجعل الهدف
من الرقابة رقابة شرعية الحكم من جانب النظام القضائي الأجنبي. بينما المشكلة الحقيقية بالنسبة لقاضي التنفيذ
ليست وجود الحكم الخارجي وإنما المشكلة تُطرح بشأن الاعتراف به وتنفيذه في فرنسا(. لذلك فقواعد الاختصاص الأجنبي المباشرة لا تفرض
على قاضي التنفيذ الفرنسي تنفيذ الحكم الأجنبي في فرنسا وإنما تفرض تنفيذه في
الداخل، أي داخل الدولة الأجنبية نفسها. إذاً فمشكلة الاختصاص غير المباشر هي
مشكلة فرنسية فيجب أن تحل وفقاً للقانون الفرنسي(9).
ثانياً: ومما يؤخذ على هذا الاتجاه أيضاً أنه لو تعددت
المحاكم الأجنبية وكانت جميعها مختصة فأصدرت أحكاماً متناقضة، فيكف تتم رقابة
الاختصاص القضائي الأجنبي في دولة التنفيذ؟
في الواقع إن هناك
جانب من الفقه يرى بأنه حتى لو تعددت المحاكم الأجنبية المختصة دولياً فمن
المستبعد أن يُراقب الاختصاص القضائي الأجنبي بمقتضى تنازع الاختصاص في قانون قاضي
التنفيذ، إذ يحل هذا التنازع الإيجابي بالرجوع إلى قانون المحكمة التي اختصت به
أولاً وفصلت في النزاع(10) وفي المقابل هناك جانب آخر ينادي بتطبيق
قواعد التنازع في دولة قاضي التنفيذ(11) وفي الحقيقة نفضل أن تجري
المفاضلة بين الأحكام وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي لدولة التنفيذ، بحيث
يقبل قاضي التنفيذ تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي الذي يتفق مع قواعد الاختصاص
القضائي الدولي في بلده هو (قاضي التنفيذ)(12).
ثالثاً: من الانتقادات
التي وجهت إلى الاتجاه الذي يدافع عن ضرورة خضوع تحديد اختصاص المحكمة التي أصدرت
الحكم المراد تنفيذه إلى قانون تلك المحكمة بمقولة أن موقف القاضي الوطني المطلوب
منه التنفيذ أضعف من موقف القاضي الأجنبي في دفاعه عن قواعد الاختصاص المباشرة
الأجنبية، وبالتالي فإن الأخذ بهذا الاتجاه شأنه أن يؤدي إلى رفض فعالية الحكم
الأجنبي أو رفض الرجوع إلى قواعد القانون الأجنبي للاختصاص القضائي .
أضف إلى ذلك أن الرجوع
إلى قانون المحكمة التي أصدرت الحكم من أجل معرفة ما إذا كانت تلك المحكمة مختصة
اختصاصاً دولياً أو لا من شأنه أن يثير الكثير من الصعوبات خصوصاً تلك المتعلقة
بالتعرف على قواعد الاختصاص الأجنبية والإلمام بها، وقد رد بعض الفقهاء على هذا
الانتقاد الأخير بالقول بأنه إذا كان من السائد أن القاضي الوطني يلتزم بالبحث عن
مضمون القانون الأجنبي من تلقاء نفسه(13)، وذلك بمعاونة الخصوم فإن
بحثه عن قاعدة الاختصاص الأجنبية من أجل معرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت
الحكم مختصة أو لا، يبدو أمراً يوجبه الحل المتعلق بالبحث عن مضمون القانون
الأجنبي(14).
رابعاً: أن الأخذ بهذا
الاتجاه يقودنا إلى تنفيذ أي حكم أجنبي صادر من الخارج ولو حصل عليه الأفراد بطريق
التحايل على قواعد الاختصاص الأجنبية أو كان النزاع من اختصاص المحاكم الوطنية
لقاضي التنفيذ. ونتيجة لهذه الانتقادات ظهر الاتجاه الثاني المتعلق بالرقابة على
اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً لقانون قاضي التنفيذ .
الفرع الثاني :
الاتجاه الثاني : الرقابة على اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً
لقانون قاضي التنفيذ
نادى هذا الاتجاه
الفقهي باستخدام قواعد الاختصاص المباشرة الفرنسية وذلك من أجل تقدير الاختصاص غير
المباشر للمحكمة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها في فرنسا(15) من هنا
فقواعد الاختصاص الفرنسية تلعب دورين : أولهما مباشر يتم عن طريقه تحديد شرعية
الاختصاص للمحاكم الفرنسية، وثانيهما يقوم برفض أي حكم أجنبي صادر بشأن نزاع لا
يستطيع أن يعترف به القاضي الفرنسي فيما لو وضع في نفس الظروف .
وفي الحقيقة إن هذا
الاتجاه ينادي بازدواجية قواعد الاختصاص القضائي(16) أي أن قواعد
الاختصاص القضائي لدولة قاضي التنفيذ تحدد حالات اختصاص المحاكم الوطنية والحالات
التي تختص فيها المحاكم الأجنبية .
ومما يؤخذ على هذا
الاتجاه أن صفة الازدواجية تعدّ من أهم المميزات التي تميز قواعد تنازع القوانين
فلا يمكننا بالتالي إضفاء هذه الصفة على قواعد الاختصاص القضائي الدولي التي تتصف
بأنها قواعد وحيدة الجانب تهتم فقط بتحديد حالات اختصاص المحاكم الوطنية(17).
إن هذا الاتجاه الفقهي
لم يسلم أيضاً من الانتقادات لذلك فقد أخذ عليه المآخذ التالية :
-
أولاً: إن هذا
الاتجاه يهدف إلى إعلاء الاختصاص القضائي الدولي الوطني على نظيره الأجنبي، فهو في
الحقيقة يحمي بطريقة مبالغ فيها بل أحياناً دون سبب قواعد الاختصاص الوطنية، وهذا
بدوره يعرقل الاعتراف بالأحكام الأجنبية ويقلل من فرصة تنفيذها في بلد التنفيذ
وبدرجة كبيرة. أضف إلى ذلك أن الأخذ بهذا
الاتجاه من شأنه أن يؤدي إلى التدخل في عمل الهيئات القضائية الأجنبية وتحديد
اختصاصها الدولي بصورة غير مباشرة(18).
-
ثانياً: لقد
انتُقد هذا الاتجاه من قبل Dominique
Holleaux،
إذ يرى بأنه من المستحيل حل مشكلة الاختصاص القضائي غير المباشر للمحاكم الأجنبية
عن طريق قواعد الاختصاص المباشرة الفرنسية، وذلك لأن الأخيرة هدفها معرفة شرعية أو
صحة اختصاص القاضي المعروض أمامه النزاع وهذا الأمر حتماً يتعلق بالنظام القانوني
للمحكمة المختصة. وفي المقابل أن قواعد
الاختصاص القضائي غير المباشرة تعدّ شرطاً من شروط فعالية الحكم الأجنبي المطلوب
تنفيذه(19). فيتساءل الفقه الفرنسي لماذا نعتبر نظامنا في الاختصاص
القضائي المباشر نموذجاً من أجل الحكم على قواعد الاختصاص القضائي لدولة أخرى،
فالمشكلة التي تطرح هي التحقق من ما إذا كان اختصاص السلطة القضائية الأجنبية
مقبولاً في فرنسا، ومقبولاً لا يعني متطابقاً لقواعد الاختصاص الفرنسية، فمن غير الصحيح
القول بأن الاختصاص القضائي الأجنبي، من حيث المبدأ غير مقبول بحجة أنه لا يتوافق
بالضبط مع معايير الاختصاص القضائي الفرنسي المباشر(20).
-
ثالثاً: ويمكن
أيضاً أن نوجه انتقاداً أخيراً إلى هذا الاتجاه وذلك من خلال القول بأن المعايير
الأجنبية للاختصاص قد تكون مختلفة عن تلك الموجودة في القانون الفرنسي. وهذا
الاختلاف من شأنه أن يؤدي إلى إعلان بأن المحكمة الأجنبية غير مختصة وفقاً لقواعد
الاختصاص القضائي المباشرة الفرنسية(21).
ونتيجة للانتقادات
التي وجهت إلى الاتجاهين السابقين فقد اعتبر القضاء الفرنسي المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم المراد تنفيذه في فرنسا مختصة، ويجب تنفيذ حكمها إلا إذا تعلق الأمر
بنزاع يدخل ضمن حالات الاختصاص الحصري (Competence
exclusive)
حينها يجب الرجوع إلى قواعد الاختصاص الوطنية لمراقبة صحة الاختصاص. كما أنه لا
ينفذ الحكم الأجنبي إذا انعقد الاختصاص للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم بناءاً
على تحايل الخصوم الذين جلبوا لهذا الاختصاص بوسائل احتيالية أو لم يكن هناك أي
رابط يربطها بالنزاع(22).
لقد اثار هذا التوجه
القضائي الفرنسي عدة تساؤلات، الأول يتعلق بمفهوم الاختصاص الحصري للمحاكم
الفرنسية، والثاني يخص المقصود بعلاقة النزاع بالمحكمة التي أصدرت الحكم، والثالث
يدور حول القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل الرقابة على اختصاص المحكمة
الأجنبية التي أصدرت الحكم في حال عدم وجود اختصاص حصري للمحاكم الوطنية لقاضي
التنفيذ. وفيما يخص التساؤل الأول، يتبين لنا أن مفهوم الاختصاص الحصري (الوجوبي)
للمحاكم الوطنية يعني عدم الاعتراف وعدم تنفيذ أي حكم صادر من محكمة أجنبية حتى
ولو كانت مختصة، وذلك لأن مثل هذا النوع من الاختصاص يتعلق بالنظام العام. وهذا الاختصاص الحصري يقابله الاختصاص المشترك
(الجوازي) الذي يقصد به أنه إذا كانت المحاكم الوطنية مختصة فهذا لا يعني عدم
اختصاص المحاكم الأجنبية التي أصدرت الحكم، ومثل هذا النوع من الاختصاص لا يتعلق
بالنظام العام وبالتالي يجوز للأفراد الاتفاق على منح الاختصاص لمحاكم أجنبية. ومن
أمثلة حالات الاختصاص الحصري للمحاكم الفرنسية(23):
-
أولاً: المادة
الخامسة عشرة والرابعة عشرة من القانون المدني الفرنسي: حيث تعطي المادة الخامسة
عشرة الحق للفرنسي (المدعى عليه) في أن يمثل أمام القضاء الفرنسي وهذا هو الامتياز
غير المباشر لتلك المادة. فإذا رفعت قضية
على فرنسي في دولة أجنبية فالامتياز المنصوص عليه في المادة الخامسة عشرة ليس له
أثر أمام القاضي الأجنبي؛ وذلك لأن هذا
القاضي يجعل من نفسه مختصاً للفصل في النزاع وفقاً لقواعد الاختصاص المنصوص عليها
في قانونه. أما فائدة هذا الامتياز فتبلغ أهميتها عندما يطلب تنفيذ الحكم الأجنبي
في فرنسا، فإذا تمسك المستفيد من نص المادة الخامسة عشرة بهذا الامتياز فلا ينفذ
الحكم الأجنبي، إلا إذا تنازل عنه المدعى عليه الفرنسي وعندها ينفذ الحكم الأجنبي.
وهذا يدل على أن هذا الاختصاص الحصري للمحاكم الفرنسية ليس آمراً.
-
ثانياً: المادة
الرابعة عشرة من القانون المدني الفرنسي : هذه المادة تعطي الحق للفرنسي المدعي أن
يرفع دعواه أمام المحاكم الفرنسية، لكن إذا رفعها أمام محكمة أجنبية ولم يكن بعد
ذلك راضياً عن الحكم الصادر من تلك المحكمة فله الحق أن يعارض تنفيذ الحكم الأجنبي
عليه عن طريق دفعه بالاختصاص الحصري للمحاكم الفرنسية .
-
ثالثاً: اتفاق
الأفراد على قبول اختصاص المحاكم الفرنسية (الخضوع الإداري).
-
رابعاً:
للمحاكم الفرنسية اختصاص حصري منصوص عليه في قانون العمل وقانون التأمين والهدف من
هذه النصوص هو حماية الطرف الضعيف.
-
خامساً: المادة
السادسة عشرة من اتفاقية بروكسل لسنة 1968(24).
-
سادساً: إذا
كان العقار موجوداً في فرنسا .
أما فيما يتعلق بمفهوم
العلاقة التي تربط المحكمة التي أصدرت الحكم بالنزاع الماثل أمامها، فيمكن الوقوف
على الرابط الوثيق بين المحكمة التي أصدرت الحكم والنزاع المطروح أمامها من خلال
اجتماع عدة عوامل بتوافرها يمكننا القول بأن هناك اتصالاً وثيقاً بين النزاع
والمحكمة التي حسمت هذا النزاع، ومن هذه العوامل مثلاً الجنسية ومكان الإقامة، إذ
إنه حسب ما جاء في قضية Simitch كان مكان إقامة الزوج في بريطانيا زيادة على تواجد
أموال الزوجة في بريطانيا أيضاً. فمن خلال
اجتماع هذه العوامل اعتبر القضاء الإنجليزي مختصاً بحسم النزاع ولو كان مكان إقامة
المدعى عليه في فرنسا حيث أن هذا العامل لوحده لا يكفي في إبعاد الاختصاص غير
المباشر للمحاكم الإنجليزية(25).
وللإجابة على التساؤل
الأخير الذي يدور حول مدى رقابة القاضي الفرنسي على اختصاص المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم في حال عدم اختصاص المحاكم الفرنسية اختصاصاً حصرياً. ليس هناك مجال للشك بأن عدم اختصاص المحاكم
الفرنسية اختصاصاً حصرياً لا يعني عدم الرقابة على اختصاص المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم. لكن هذه الرقابة تمارس
بمقتضى أي قانون، قانون المحكمة التي أصدرت الحكم أم قانون قاضي التنفيذ؟ حول هذه المسألة انقسم الفقهاء إلى قسمين،
القسم الأول ينادي بتطبيق قانون المحكمة التي أصدرت الحكم(26) والثاني
نادى بتطبيق قانون المحكمة المراد تنفيذ الحكم فيها.
وحول هذه المسألة
وجدنا قراراً حديثاً لمحكمة النقض الفرنسية، إذ قامت بفسخ حكم المحكمة استئناف
باريس الذي جعل من القضاء الفرنسي مختصاً على أساس المادة 1072 من قانون المرافعات
المدنية الجديدة دون البحث فيما إذا كانت المحكمة الأجنبية غير مختصة وفقاً لقواعد
الاختصاص الدولي غير المباشرة الفرنسية، مع العلم أن هذه المادة لا تجعل من
المحاكم الفرنسية مختصة اختصاصاً حصرياً.
إذاً يجب على قاضي التنفيذ أن يراقب ما إذا كانت المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم مختصة أم لا بمقتضى قواعد الاختصاص الدولي غير المباشرة الفرنسية(28).
المطلب الثاني : الوضع
في مصر
لقد نصت المادة 298/1
من قانون المرافعات المصري على أنه "لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحق
مما يأتي : أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر
وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة
في قانونها".
من خلال هذا النص
يتبين لنا أن القاضي المصري إذا طُلب منه تنفيذ حكم أجنبي يجب أن يراقب اختصاص
المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي في
قانونها، وذلك حتى يتحقق من خروج النزاع الذي صدر فيه الحكم من اختصاص المحاكم المصرية.
فإذا كان النزاع الذي صدر فيه الحكم من اختصاص المحاكم المصرية فهل يُنفّذ هذا
الحكم في مصر؟ في الواقع، إن الإجابة
السلبية المطلقة على هذا التساؤل من شأنها أن تؤدي إلى تقليل فرصة تنفيذ الأحكام
الأجنبية في مصر بدرجة كبيرة(29) حتى ولو كان القانون المصري يشترط عدم
اختصاص المحاكم المصرية كأحد شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر، ولهذا السب نجد أن
أغلب الفقهاء في مصر يطالبون السماح بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من محكمة أجنبية
بشأن نزاع ولو كان داخلاً في اختصاص المحاكم الوطنية بناءاً على حجج تختلف من فقيه
إلى آخر.
فلقد نادى الأستاذ
الدكتور عز الدين عبدالله بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من محكمة أجنبية بالرغم من
اختصاص المحاكم الوطنية، وكان مرجعه في ذلك هو مراعاة الاعتبار العام الذي يعني أن
محاكم الدولة التي صدر عنها الحكم المراد تنفيذه هي أيضاً مختصة بنظر النزاع المحكوم
فيه وفقاً لضابط دولي معترف به في هذه الدولة التي يتم فيها نظر النزاع، إذاً
فالسماح بتنفيذ الحكم الأجنبي ليس هنا مفاده الاعتراف بأن قضاء آخر ينافس القضاء
الوطني في الاختصاص بنظر النزاع وإنما الأمر مبني على اعتبار الملائمة. فما دام أن
النزاع قد عرض في الخارج أمام محكمة مختصة دولياً وصدر فيه حكم نهائي فمن الملائم
السماح بتنفيذ هذا الحكم لدواعي التعاون بين الدول والتعامل بالمثل ومنع سيئي
النية من الأفراد من تعطيل أداء العدالة(30). إلا أن هذا الفقيه يرى
بأن المبدأ العام هو عدم جواز تنفيذ الحكم الأجنبي الصادر بشأن نزاع داخل في
اختصاص المحاكم المصرية، واستثناءً على هذا المبدأ نادى بإمكانية تنفيذ الحكم
الصادر في منازعة بالرغم من دخولها في إحدى حالات الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم
الوطنية في الحالات التالية:
أولاً إذا كان الحكم
صادراً في منازعة متولدة عن عقد أُبرم أو نُفذّ في مصر وكان واجب التنفيذ فيها ولم
يكن متعلقاً بمال موجود في الإقليم المصري.
وثانياً إذا كان الحكم
قد صدر في منازعة متعلقة بالأحوال الشخصية للأجانب متى كان الحكم لا يتعلق بمال
موجود في مصر(31)، وقد تعرض
هذا الاستثناء إلى انتقاد وجه إليه من قبل الأستاذ الدكتور هشام صادق الذي يقولإن
هذا الاستثناء قد أقام تفرقة غير مبررة بين الأمور السابقة(32) ولا
شك أن هذه التفرقة تفتقر بدورها إلى السند
القانوني السليم، فليس من المقبول أن يقدر مدى اختصاص المحاكم الأجنبية في ضوء
قواعد الاختصاص المصرية وتابع القول، فتقدير مدى اختصاص المحكمة الأجنبية يجب أن
يتم وفقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي السائدة في الدولة التي تتبعها بصرف
النظر عن اختصاص القضاء المصري بالدعوى من عدمه.
وفي القول بغير ذلك، إهدار لمتطلبات الحياة الدولية. حقاً أن قواعد
الاختصاص القضائي الدولي يتعلق بالنظام العام في مصر، ولا يجوز من ثم الاتفاق على
مخالفتها، إلا أن التقيد بهذا المبدأ مجاله تعيين المحكمة المختصة برفع
الدعوى. أما وقد رفع النزاع أمام المحاكم
الأجنبية رغم اختصاص القضاء المصري، وصدر بناءاً على ذلك حكم فاصل في النزاع فلم
يعد هناك ما يمنع من تنفيذ هذا الحكم في مصر استجابة للاعتبارات الدولية"(33).
أما الدكتور محمد كمال
فهمي فقد أجاب على السؤال الذي تم طرحه مسبقاً من خلال التفرقة بين أمرين : الأول
إذا كانت المحاكم المصرية مختصة في النزاع الذي صدر فيه حكم من محكمة أجنبية
اختصاصاً أصلياً أو وجوبياً (حصرياً)، فإن حكم هذه المحكمة الأجنبية لا ينفذ في
مصر والأمر الثاني فيتعلق باختصاص المحاكم المصرية اختصاصاً جوازياً (مشتركاً)
فهذا الاختصاص الجوازي للمحاكم المصرية لا يحول دون تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر(34).
في الحقيقة لقد انتقدت
التفرقة بين الاختصاص المصري والاختصاص المشترك بالقول بأنه لا يوجد اختصاص حصري
واختصاص مشترك بين هذه المحاكم ومحاكم دولة أخرى فإما أن تكون هذه الأخيرة مختصة
وإما أن تكون غير مختصة سواء كنا بصدد تعيين الاختصاص الدولي بشأن نزاع يراد رفعه
أم كنا بصدد تعيين هذا الاختصاص بمناسبة حكم أجنبي يراد تنفيذه في إقليم الدولة(35)
أما فيما يتعلق بالتفرقة بين الاختصاص الأصلي والاختصاص الجوازي فإنها تقترن
بالتفرقة السابقة من عدة وجوه، ثم إنه من الصعب العمل بها وخصوصاً أن المشرع في
قانون المرافعات المصري الحالي قد هجر تلك التفرقة(36) أو تناساها(37).
وفيما يتعلق بالتوجه
الفقهي في مصر نلاحظ أن قاضي التنفيذ المصري يراقب شروط الاختصاص القضائي الدولي
للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في مصر وفقاً لقانون هذه
المحكمة، مع إلزامه التحقق من عدم اختصاص المحاكم المصرية في نظر النزاع. إلاّ أن الأخذ بهذا الشرط الأخير على إطلاق من
شأنه أن يؤدي إلى عرقلة تنفيذ الأحكام الأجنبية، ولهذا نجد أن أنصار هذا التوجه،
ومن أجل التخفيف من حدة هذا الشرط، نادوا بتنفيذ الحكم الأجنبي بشرط ارتباط هذه
المنازعة ارتباطاً وثيقاً بولاية المحكمة التي أصدرت الحكم(38).
وبعد عرض المواقف في
مسألة القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية
التي أصدرت الحكم مختصة أم لا في كل من فرنسا ومصر فمن الواجب علينا أن نبحث
الموقف الأردني حيال هذا الأمر.
المطلب الثالث : الوضع
في الأردن
إن موقف القانون
الأردني تجاه مشكلتنا (المتعلقة بتحديد القانون الذي يرجع إليه القاضي لمعرفة ما
إذا كانت المحكمة الأجنبية مختصة أم لا) يتجلى من خلال الوقوف على قانون تنفيذ
الأحكام الأجنبية والاتفاقيات التي عقدتها المملكة الأردنية الهاشمية مع دول أخرى
فنبدأ أولاً بتوضيح ما جاء في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( لسنة 1952،
ومن ثم الاتفاقيات التي ارتبطت بها المملكة وذلك في الفرعين التاليين:
الفرعي الأول : قانون
تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( سنة 1952
تنص الفقرة الأولى من
المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( لسنة 1952 على ما يلي :
1. يجوز للمحكمة أن ترفض الطلب المرفوع إليها
لتنفيذ حكم أجنبي في الأحوال الآتية :
أ- إذا لم تكن المحكمة التي أصدرت الحكم المذكور
ذات وظيفة .
ب- إذا كان المحكوم
عليه لم يتعاط أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو لم يكن
مقيماً داخل قضائها ولم يحضر باختيار أمام المحكمة ولم يعترف بصلاحيتها".
فقاضي التنفيذ في
الأردن ينفذ الحكم الأجنبي إذا توافرت جميع شروط المادة السابعة من قانون تنفيذ
الأحكام الأجنبية، ومن ضمن هذه الشروط اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم
المراد تنفيذه في المملكة. فقاضي التنفيذ الأردني عندما يتحقق من اختصاص المحكمة
الأجنبية التي أصدرت الحكم يستند إلى أي قانون، قانون المحكمة الأجنبية التي أصدرت
الحكم أم قانونه؟ لم يرد في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني نص صريح بهذا
الشأن لذلك نستنتج من مفهوم المخالفة لنص المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام
الأجنبية أن المحكمة تنفذ الحكم الأجنبي إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم ذات
وظيفة وإذا كان المحكوم عليه يتعاطى أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي
أصدرت الحكم أو كان مقيماً داخل قضائها وحضر أمام المحكمة واعترف بصلاحيتها .
ولكننا نتساءل ما
المقصود بأن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم ذات وظيفة وماذا يعني تعاطي المحكوم
عليه أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو كان مقيماً داخل
قضائها وحضر أمام المحكمة واعترف بصلاحيتها؟
إذا كان الشرط القاضي بأن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم ذات وظيفة يعني أن
تكون تلك المحكمة مختصة اختصاصاً داخلياً خاصاً فذلك يشير إشكالاً، إذ إنّ قاضي
التنفيذ يتحقق منه من خلال الرجوع إلى قانون المحكمة التي أصدرت الحكم، وذلك لأن
هذه المسألة تخص المحكمة التي صدر عنها الحكم.
أما فيما يتعلق بتعاطي أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت
الحكم(39) أو كان مقيماً داخل قضائها وحضر أمام المحكمة واعترف
بصلاحيتها. فهذا يعني أن المحكمة الأجنبية
التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه تكون مختصة اختصاصاً دولياً عاماً في الحالات
الثلاث المذكورة، ولم يبين القانون الأردني القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ
لمراقبة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في الأردن مختصة أم
لا .
وفي الحقيقة قام
المشرع الأردني بتحديد ثلاثة معايير يؤسس عليها الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة
التي أصدرت الحكم. وهذه الضوابط الثلاثة
هي : الإقامة، وتعاطي الأعمال، والخضوع الإداري، وهذا يعني أن قاضي التنفيذ
الأردني يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إذا كان صادراً من محكمة أجنبية مختصة اختصاصاً
دولياً عاماً، وتكون المحكمة الأجنبية مختصة اختصاصاً دولياً عاماً إذا كان المدعى
عليه مقيماً داخل قضاء تلك المحكمة يتعاطى أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية تلك
المحكمة أو كان اختصاصها مبنياً على الخضوع الإرادي والذي يمكن أن يتحقق بحضور
المدعى عليه أمام المحكمة دون اعتراض على صلاحيتها(40). وفي هذا الصدد
يجب أن نذكر بأن الخضوع الإرادي يجب أن لايؤدي إلى إنتزاع اختصاص المحاكم الأردنية،
وذلك لأن جميع القواعد المتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الأرنية قواعد
آمرة لا يجوز الإتفاق على مخالفتها(41).
فإذا توافر أي من هذه
المعايير الثلاثة التي ذكرها المشرع الأردني في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية، فإن
المحكمة التي أصدرت الحكم تكون مختصة اختصاصاً عاماً دولياً، ولكن إذا أسست
المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في الأردن اختصاصها على معايير
أخرى غير تلك التي أشار إليها المشرع الأردني في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية، فهل
تعتبر المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً دولياً عاماً في نظر قاضي
التنفيذ الأردني؟
يجيب أستاذنا الدكتور
حسن الهداوي على هذا التساؤل بالإيجاب، فهو يعتقد أن الاختصاص القضائي الدولي
للمحكمة الأجنبية يقتضي أن يتم تحديده بمقتضى قانونها(42) ونحن بدورنا
وبسبب عدم وجود نص في القانون الأردني، نرى بأنه على قاضي التنفيذ الأردني، الذي
يراقب اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه في الأردن حتى
يأمر في التنفيذ، أن يتحقق أولاً من عدم اختصاص المحاكم الأردنية في نظر النزاع
محل الحكم الأجنبي المراد تنفيذه، فإذا صدر حكم من محكمة أجنبية في نزاع يدخل ضمن
حالات الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الأردنية المنصوص عليها في المواد (27و28)
من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردنية فلا ينفذ حكمها في الأردن وثانياً يجب
عليه أن يتحقق من توافر أي من الضوابط الثلاثة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من
المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية المذكورة آنفاً. فإذا ما تحقق
قاضي التنفيذ من عدم اختصاص محاكمه في الفصل في القضية المعروضة أمامه (وذلك لأن
الاختصاص من النظام العام ولا يجوز النزول عنه إلا بإجازة من المشرع كما سنلاحظ
ذلك في احترام القاضي للمعاهدات الدولية) ووجود الضوابط المذكورة آنفاً منحه
المشرع الحق في تنفيذ الحكم الأجنبي .
ولكن ما الحل لو أن
قاضي التنفيذ الأردني تحقق من عدم اختصاص المحاكم الأردنية في نظر النزاع الصادر
بشأن الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في الأردن، وتحقق أيضاً من عدم توافر أي من
الضوابط الثلاثة المنصوص عليها في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني، فهل يقر
قاضي التنفيذ الأردني في هذه الحالة تحقق شرط اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت
الحكم؟ بالرجوع إلى نص المادة السابعة
بفقرتيها (أ، ب) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية يتبين لنا أن المشرع الأردني
استخدم لفظاً يفيد جواز رفض المحكمة تنفيذ الحكم الأجنبي وذلك(43)
بالقول : يجوز للمحكمة أن ترفض الطلب المرفوع إليها لتنفيذ حكم أجنبي في الأحوال
الآتية :
أ- إذا لم تكن المحكمة التي أصدرت الحكم المذكور ذات وظيفة
.
ب- إذا كان المحكوم عليه لم يتعاط أعماله داخل قضاء تشمل
صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو لم يكن مقيماً داخل قضائها ولم يحضر باختيار
أمام المحكمة ولم يعترف بصلاحيتها"، فبهذا اللفظ للمحكمة أن تأمر بتنفيذ أو
عدم تنفيذ الحكم الأجنبي إذا لم يتوافر أي من الضوابط الثلاثة المشار إليها في هذه
المادة.
وأما من جانبنا نرى
أنه إذا لم تكن المحاكم الأردنية مختصة وفقاً لقواعد ا لاختصاص القضائي الدولي
الأردنية ولم يتعاط المحكوم عليه أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي
أصدرت الحكم أو لم يكن مقيماً داخل قضائها ولم يحضر باختياره أمام المحكمة، ولم
يعترف بصلاحيتها، فإن على قاضي التنفيذ أن يقر بتوافر شرط اختصاص المحكمة الأجنبية
التي أصدرت الحكم إذا كان هناك رابط وثيق بين المحكمة والنزاع الذي حسمته، هذا
زيادة على عدم اصطناع الاختصاص للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم لمكافحة فكرة
الغش نحو الاختصاص (Forum Shopping). و ذلك لأن القول بغير ذلك من
شأنه أن يؤدي إلى مصادرة فكرة التعاون القضائي بين الدول والتقليل من فرصة تنفيذ
الأحكام الأجنبية في الأردن، علاوة على تشجيع المحكوم عليهم سيئي النية من الإفلات
من العدالة. كما أنه يؤدي إلى أن ننكر على القضاء الأجنبي اختصاصه .
بعد أن فرغنا من تحليل
موقف قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( لسنة 19521 من تحديد القانون الذي يرجع
إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة أم
لا فلا بد أن نبحث موقف الاتفاقيات الدولية المرتبطة بها المملكة من ذلك القانون.
(*
) كلية
الحقوق، جامعة مؤتة، الأردن
تاريخ تقديم
البحث : 23/1/2002 تاريخ قبول البحث :
4/2/2003 .
الاختصاص القضائي عند تنفيذ الأحكام الأجنبية في الأردن
نور
الحجايا(*)
ملخص
يتوجب على قاضي
التنفيذ عندما يأمر بالتنفيذ أن يتحقق من شرط اختصاص المحكمة الأجنبية المراد
تنفيذ حكمها في بلده، وهذا الأمر يتطلب منه التحقق من القانون الذي يرجع إليه من
أجل معرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة أم لا، ويقصد هنا بالاختصاص
(الاختصاص القضائي الدولي) لتلك المحكمة، أما الاختصاص الداخلي للمحكمة التي أصدرت
الحكم فقاضي التنفيذ غير ملزم بالتحقق منه .
ومن أجل الوقوف على
شرط اختصاص المحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه، فقد قسمنا هذا البحث إلى
مبحثين الأول : يتعلق بمفهوم الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم، والثاني يتعلق بنطاق الرقابة على الاختصاص القضائي لتلك المحكمة، وقد
أعقبنا هذين المبحثين بخاتمة بينا فيها أهم ما توصلنا إليه في هذا البحث من نتائج.
ABSTRACT
It is a must for an executing judge when executing a foreign court’s
judgment in his own country to ascertain that the foreign court was competent. This
requires him to investigate whether or not under the applicable law he is
referring to the court that issued the decision was competent or not.
It is meant by competence here the international competence of foreign
court. But with regard to internal
competence of such court that issued the judgment, the judge is not obliged to
make sure if it is met.
In order to know the competence of the foreign court (which issued the
judgment, the judge is due to apply), we have divided this article into two
parts. The first part deals with the
concept of the national judicial control over competence of the foreign
court. The second part is concerned with
the limits of the control over the judicial competence for such foreign court. The
article ends with a conclusion in which results and recommendations are laid
down.
المقدمة
يلاحظ بشأن المنازعة
ذات العنصر الأجنبي أمران: الأول أن لها طبيعة خاصة على اعتبار أنها تمس النظام
القانوني لأكثر من دولة، والثاني أن المحكمة التي تفصل في المنازعة يجب أن تحسم
مسألة اختصاصها بها قبل البحث عن القانون الواجب التطبيق عليها. وعند تفاعل هذين
الأمرين يتبين لنا أنه بعد ثبوت الاختصاص لمحكمة معينة يجب عليها أن ترجع إلى
قواعد تنازع القوانين (قواعد الإسناد) الخاصة بها من أجل تحديد القانون الواجب
التطبيق على العلاقة القا نونية المتضمنة عنصر أجنبي والماثلة أمامها. فتعيين
المحكمة المختصة دولياً لا يعني بالضرورة أن تطبق هذه المحكمة قانونها. لذلك يجب
أن نشير هنا إلى أن الاختصاص القضائي يتمتع باستقلالية عن الاختصاص التشريعي، ولكن
هذه الاستقلالية الثابتة لأحدهما عن الآخر لا يمنع من تأثير هذا على ذلك. فمن شأن
هذه الإستقلالية أن تشجع التعاون القانوني بين أنظمة الدول المختلفة وذلك عن طريق
السماح للقضاء المحلي بتطبيق القانون الأجنبي على العلاقة القانونية المشوبة بعنصر
أجنبي. وهذا الاستقلال بين الاختصاص القضائي والاختصاص التشريعي يؤدي في نهاية
المطاف إلى توحيد الحلول القانونية وتحقيق الفعالية الدولية للأحكام القضائية .
وفي الحقيقة أن النزاع
المتضمن عنصر أجنبي لا يحسم إلا بعد أن تقوم المحكمة المختصة، التي تقرر اختصاصها،
بإصدار حكم قضائي. وهذا الأخير هو الذي
يقرر الحماية القضائية للحق أو المركز القانوني محل النزاع عن طريق تأكيد وجوده. فحتى يتم تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي(1)، لا بد أن يصدر حكم قضائي لتنفيذه من محاكم
دولية أجنبية(2) أما فيما يتعلق بالحكم القضائي الوطني، فلا يوجد هناك
مشكلة في تنفيذه لأنه يبقى حكماً داخلياً فيتم تنفيذه عن طريق دائرة الإجراء.
وعند كلامنا عن تنفيذ
الحكم القضائي الأجنبي في المملكة الأردنية الهاشمية، لا بد أن تقام دعوى لتنفيذه
أمام المحكمة البدائية التي يقيم المحكوم عليه ضمن صلاحيتها أو المحكمة التي تقع
ضمن صلاحيتها أملاك المحكوم عليه التي يرغب طالب التنفيذ بتنفيذ الحكم عليها إذا
كان المحكوم عليه لا يقيم في المملكة(3). هذا زيادة على توافر شروط
أخرى حددتها المادة السابعة من القانون رقم ( لسنة 1982 الخاص بتنفيذ الأحكام
الأجنبية. ومن هذه الشروط، أن تكون المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة
اختصاصاً داخلياً واختصاصاً عاماً دولياً في نظر النزاع المعروض أمامها. وقبل أن
نوضح أهمية هذا الشرط موضوع البحث، نرى أنه من الأهمية أن نشير إلى أن دور قاضي
التنفيذ الأردني يكمن في التحقيق مما إذا كان الحكم قد توافرت فيه شروط التنفيذ
المنصوص عليها في المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني، دون
التعرض لفحص الموضوع ومن ثم يصدر أمره بالتنفيذ(4).
أهمية البحث
في الواقع، إن قواعد
الاختصاص القضائي الدولي هي وقواعد مفردة الجانب، ومن وضع المشرع الوطني أو من صنع
القضاء الوطني، فهي تهتم فقط بتحديد حالات اختصاص المحاكم الوطنية. أما قواعد تنازع القوانين فلا تقوم فقط بتحديد
سلطات القانون الوطني، بل تذهب أبعد من ذلك، إذ تقوم أيضاً بتحديد حالات تطبيق
القانون الأجنبي في دولة القاضي. فلهذا
السبب يقال بأن قواعد تنازع القوانين تتسم بالازدواجية. وهذا الاختلاف بين قواعد
الاختصاص القضائي الدولي وقواعد تنازع القوانين، يقودنا إلى القول بأن هاتين
القاعدتين تشكلان أهم قواعد القانون الدولي الخاص. لذلك فمن الطبيعي أن يراقب قاضي التنفيذ
الاختصاص القضائي والاختصاص التشريعي(5) للمحكمة التي أصدرت
الحكم. فيجب على قاضي التنفيذ أن يراقب
اختصاص المحكمة الأجنبية للنظر في النزاع الماثل أمامها، وذلك حتى يتحقق من وجود
رابطة وثيقة بين المحكمة التي حسمت النزاع والنزاع الصادر بشأنه هذا الحكم. وهذه الرقابة من شأنها أن تكبح جماح الأفراد
الذين يحاولون استخدام وسائل احتيالية بهدف التحايل على قواعد الاختصاص القضائي،
أو بهدف ارتكاب ما يسمى بالغش نحو الاختصاص القضائيFraude a La Cmpetence, Forum) Shopping ).
ونظراً لأهمية الرقابة
على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم، وخصوصاً ما يطرح من
مشاكل على صعيد تحديد القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل معرفة ما إذا
كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة أم لا، وعلى صعيد نطاق الرقابة على اختصاص
المحكمة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها، آثرنا دراسته بشكل تفصيلي في هذا البحث .
وحتى نتمكن من إعطاء
صورة واضحة للرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها في
بلد التنفيذ فقد قمنا بتقسيم هذا البحث إلى مبحثين :
-
المبحث الأول :
مفهوم الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة التي أصدرت الحكم .
-
المبحث الثاني
: نطاق الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة التي أصدرت الحكم .
المبحث الأول
مفهوم الرقابة على الاختصاص القضائي للمحكمة
التي أصدرت الحكم
يقصد بالرقابة على
الاختصاص القضائي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم التحقق من قبل قاضي التنفيذ
من الاختصاص غير المباشر للمحكمة التي أصدرت الحكم، ولا يقصد بهذه الرقابة مراجعة
مضمون الحكم وفحصه وإنما يقصد بها تدقيق مدى توافر شرط اختصاص المحكمة المراد
تنفيذ حكمها. والرقابة على مدى توافر شرط اختصاص المحكمة الأجنبية لا تتحقق إلا من
خلال البحث عن القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة
التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً داخلياً خاصاً ودولياً عاماً في حسم النزاع
المعروض عليها. وفيما يتعلق بالقانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل معرفة ما
إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة داخلياً أم لا فلا يثير جدلاً بين
الفقهاء، إذ إنّ قاضي التنفيذ يفحصهُ من خلال الرجوع إلى قواعد الاختصاص المنصوص
عليها في قانون تلك المحكمة، والسبب في ذلك أن مسألة الاختصاص الداخلي للمحكمة
الأجنبية تخص القانون الأجنبي، ومن ثم تتعلق هذه المسألة باختصاص سيادي للمحكمة
الأجنبية(6)، وعليه فقاضي التنفيذ غير مؤهل للنظر في ذلك .
وبالمقابل فإن الرقابة
على الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم يتطلب من قاضي
التنفيذ التحقق من الاختصاص الدولي للمحكمة التي أصدرت الحكم. فالسؤال الذي نود أن نبحث له عن إجابة في هذا
الصدد هو : هل يتحقق قاضي التنفيذ من الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة المراد
تنفيذ حكمها وفقاً لقانون دولة المحكمة التي أصدرته؟ أم وفقاً لقانون دولة بدل
التنفيذ؟ أم أن هناك معياراً آخراً يلجأ
إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً
دولياً أم لا؟ ولخصوصية هذا الموضوع في القانون المقارن فإن الأمر يقتضي منا
الوقوف على مسألة القانون الذي يلجأ إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة
الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً دولياً أم لا في كل من فرنسا ومصر،
ليتسنى لنا في نهاية المطاف الوقوف على موقف القانون الأردني من تلك المسألة .
المطلب الأول : الوضع
في فرنسا
لقد اهتم الفقه
اهتماماً بالغاً وخصوصاً الفقه الفرنسي في مسألة القانون الذي يرجع إليه قاضي
التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم مختصة أم لا. وقد سار الفقه للإجابة على هذا التساؤل في
اتجاهين، الاتجاه الأول: يوجب الرجوع إلى قانون المحكمة التي أصدرت الحكم، أما
الثاني فيوجب الرجوع إلى قانون قاضي التنفيذ. ونظراً لأهمية هذين الاتجاهين فسوف
نشرحهما بالتفصيل مبينين الأسس التي أقاما عليها توجههما والانتقادات التي وجهت
إلى كل منهما.
الفرع الأول : الاتجاه
الاول ينادي بتطبيق قانون المحكمة التي اصدرت الحكم
هذا الاتجاه الفقهي
يسمى باللغة الفرنسية doctrine de L’unilateralite، أخذت به محكمة Montpellier في قرارها
الصادر بتاريخ 17/5/1949 حيث حكمت بأن القضاء الفرنسي عندما تعرض عليه قضية متعلقة
بتنفيذ حكم أجنبي يجب عليه الرجوع إلى قانون القاضي الذي أصدر الحكم، وذلك من أجل
الرقابة على اختصاص تلك المحكمة. إلا إذا كان هذا الحكم يخالف القواعد الأساسية
للتنفيذ في القانون الفرنسي(7).
إن الأساس الذي قام
عليه هذا الاتجاه يكمن في أن قواعد الاختصاص القضائي الدولي في كل دولة هي قواعد
وطنية وحيدة الجانب فلا تحدد إلا حالات اختصاص المحاكم النظامية، وبالتالي ليس من
الصحة الاعتماد على قواعد الاختصاص القضائي في دولة قاضي التنفيذ لرقابة شرعية الاختصاص
الدولي للمحاكم الأجنبية التي أصدرت الحكم.
ولكن مع هذا، فإن هذا الاتجاه انتُقد من عدة وجوه:
أولاً: ذهب بعض
الفقهاء إلى القول بأن هذا الاتجاه يفرض على قاضي التنفيذ الرجوع إلى قانون
المحكمة التي أصدرت الحكم بهدف الرقابة على اختصاص المحكمة، وهو بذلك يجعل الهدف
من الرقابة رقابة شرعية الحكم من جانب النظام القضائي الأجنبي. بينما المشكلة الحقيقية بالنسبة لقاضي التنفيذ
ليست وجود الحكم الخارجي وإنما المشكلة تُطرح بشأن الاعتراف به وتنفيذه في فرنسا(. لذلك فقواعد الاختصاص الأجنبي المباشرة لا تفرض
على قاضي التنفيذ الفرنسي تنفيذ الحكم الأجنبي في فرنسا وإنما تفرض تنفيذه في
الداخل، أي داخل الدولة الأجنبية نفسها. إذاً فمشكلة الاختصاص غير المباشر هي
مشكلة فرنسية فيجب أن تحل وفقاً للقانون الفرنسي(9).
ثانياً: ومما يؤخذ على هذا الاتجاه أيضاً أنه لو تعددت
المحاكم الأجنبية وكانت جميعها مختصة فأصدرت أحكاماً متناقضة، فيكف تتم رقابة
الاختصاص القضائي الأجنبي في دولة التنفيذ؟
في الواقع إن هناك
جانب من الفقه يرى بأنه حتى لو تعددت المحاكم الأجنبية المختصة دولياً فمن
المستبعد أن يُراقب الاختصاص القضائي الأجنبي بمقتضى تنازع الاختصاص في قانون قاضي
التنفيذ، إذ يحل هذا التنازع الإيجابي بالرجوع إلى قانون المحكمة التي اختصت به
أولاً وفصلت في النزاع(10) وفي المقابل هناك جانب آخر ينادي بتطبيق
قواعد التنازع في دولة قاضي التنفيذ(11) وفي الحقيقة نفضل أن تجري
المفاضلة بين الأحكام وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي لدولة التنفيذ، بحيث
يقبل قاضي التنفيذ تنفيذ الحكم القضائي الأجنبي الذي يتفق مع قواعد الاختصاص
القضائي الدولي في بلده هو (قاضي التنفيذ)(12).
ثالثاً: من الانتقادات
التي وجهت إلى الاتجاه الذي يدافع عن ضرورة خضوع تحديد اختصاص المحكمة التي أصدرت
الحكم المراد تنفيذه إلى قانون تلك المحكمة بمقولة أن موقف القاضي الوطني المطلوب
منه التنفيذ أضعف من موقف القاضي الأجنبي في دفاعه عن قواعد الاختصاص المباشرة
الأجنبية، وبالتالي فإن الأخذ بهذا الاتجاه شأنه أن يؤدي إلى رفض فعالية الحكم
الأجنبي أو رفض الرجوع إلى قواعد القانون الأجنبي للاختصاص القضائي .
أضف إلى ذلك أن الرجوع
إلى قانون المحكمة التي أصدرت الحكم من أجل معرفة ما إذا كانت تلك المحكمة مختصة
اختصاصاً دولياً أو لا من شأنه أن يثير الكثير من الصعوبات خصوصاً تلك المتعلقة
بالتعرف على قواعد الاختصاص الأجنبية والإلمام بها، وقد رد بعض الفقهاء على هذا
الانتقاد الأخير بالقول بأنه إذا كان من السائد أن القاضي الوطني يلتزم بالبحث عن
مضمون القانون الأجنبي من تلقاء نفسه(13)، وذلك بمعاونة الخصوم فإن
بحثه عن قاعدة الاختصاص الأجنبية من أجل معرفة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت
الحكم مختصة أو لا، يبدو أمراً يوجبه الحل المتعلق بالبحث عن مضمون القانون
الأجنبي(14).
رابعاً: أن الأخذ بهذا
الاتجاه يقودنا إلى تنفيذ أي حكم أجنبي صادر من الخارج ولو حصل عليه الأفراد بطريق
التحايل على قواعد الاختصاص الأجنبية أو كان النزاع من اختصاص المحاكم الوطنية
لقاضي التنفيذ. ونتيجة لهذه الانتقادات ظهر الاتجاه الثاني المتعلق بالرقابة على
اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً لقانون قاضي التنفيذ .
الفرع الثاني :
الاتجاه الثاني : الرقابة على اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً
لقانون قاضي التنفيذ
نادى هذا الاتجاه
الفقهي باستخدام قواعد الاختصاص المباشرة الفرنسية وذلك من أجل تقدير الاختصاص غير
المباشر للمحكمة الأجنبية المراد تنفيذ حكمها في فرنسا(15) من هنا
فقواعد الاختصاص الفرنسية تلعب دورين : أولهما مباشر يتم عن طريقه تحديد شرعية
الاختصاص للمحاكم الفرنسية، وثانيهما يقوم برفض أي حكم أجنبي صادر بشأن نزاع لا
يستطيع أن يعترف به القاضي الفرنسي فيما لو وضع في نفس الظروف .
وفي الحقيقة إن هذا
الاتجاه ينادي بازدواجية قواعد الاختصاص القضائي(16) أي أن قواعد
الاختصاص القضائي لدولة قاضي التنفيذ تحدد حالات اختصاص المحاكم الوطنية والحالات
التي تختص فيها المحاكم الأجنبية .
ومما يؤخذ على هذا
الاتجاه أن صفة الازدواجية تعدّ من أهم المميزات التي تميز قواعد تنازع القوانين
فلا يمكننا بالتالي إضفاء هذه الصفة على قواعد الاختصاص القضائي الدولي التي تتصف
بأنها قواعد وحيدة الجانب تهتم فقط بتحديد حالات اختصاص المحاكم الوطنية(17).
إن هذا الاتجاه الفقهي
لم يسلم أيضاً من الانتقادات لذلك فقد أخذ عليه المآخذ التالية :
-
أولاً: إن هذا
الاتجاه يهدف إلى إعلاء الاختصاص القضائي الدولي الوطني على نظيره الأجنبي، فهو في
الحقيقة يحمي بطريقة مبالغ فيها بل أحياناً دون سبب قواعد الاختصاص الوطنية، وهذا
بدوره يعرقل الاعتراف بالأحكام الأجنبية ويقلل من فرصة تنفيذها في بلد التنفيذ
وبدرجة كبيرة. أضف إلى ذلك أن الأخذ بهذا
الاتجاه من شأنه أن يؤدي إلى التدخل في عمل الهيئات القضائية الأجنبية وتحديد
اختصاصها الدولي بصورة غير مباشرة(18).
-
ثانياً: لقد
انتُقد هذا الاتجاه من قبل Dominique
Holleaux،
إذ يرى بأنه من المستحيل حل مشكلة الاختصاص القضائي غير المباشر للمحاكم الأجنبية
عن طريق قواعد الاختصاص المباشرة الفرنسية، وذلك لأن الأخيرة هدفها معرفة شرعية أو
صحة اختصاص القاضي المعروض أمامه النزاع وهذا الأمر حتماً يتعلق بالنظام القانوني
للمحكمة المختصة. وفي المقابل أن قواعد
الاختصاص القضائي غير المباشرة تعدّ شرطاً من شروط فعالية الحكم الأجنبي المطلوب
تنفيذه(19). فيتساءل الفقه الفرنسي لماذا نعتبر نظامنا في الاختصاص
القضائي المباشر نموذجاً من أجل الحكم على قواعد الاختصاص القضائي لدولة أخرى،
فالمشكلة التي تطرح هي التحقق من ما إذا كان اختصاص السلطة القضائية الأجنبية
مقبولاً في فرنسا، ومقبولاً لا يعني متطابقاً لقواعد الاختصاص الفرنسية، فمن غير الصحيح
القول بأن الاختصاص القضائي الأجنبي، من حيث المبدأ غير مقبول بحجة أنه لا يتوافق
بالضبط مع معايير الاختصاص القضائي الفرنسي المباشر(20).
-
ثالثاً: ويمكن
أيضاً أن نوجه انتقاداً أخيراً إلى هذا الاتجاه وذلك من خلال القول بأن المعايير
الأجنبية للاختصاص قد تكون مختلفة عن تلك الموجودة في القانون الفرنسي. وهذا
الاختلاف من شأنه أن يؤدي إلى إعلان بأن المحكمة الأجنبية غير مختصة وفقاً لقواعد
الاختصاص القضائي المباشرة الفرنسية(21).
ونتيجة للانتقادات
التي وجهت إلى الاتجاهين السابقين فقد اعتبر القضاء الفرنسي المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم المراد تنفيذه في فرنسا مختصة، ويجب تنفيذ حكمها إلا إذا تعلق الأمر
بنزاع يدخل ضمن حالات الاختصاص الحصري (Competence
exclusive)
حينها يجب الرجوع إلى قواعد الاختصاص الوطنية لمراقبة صحة الاختصاص. كما أنه لا
ينفذ الحكم الأجنبي إذا انعقد الاختصاص للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم بناءاً
على تحايل الخصوم الذين جلبوا لهذا الاختصاص بوسائل احتيالية أو لم يكن هناك أي
رابط يربطها بالنزاع(22).
لقد اثار هذا التوجه
القضائي الفرنسي عدة تساؤلات، الأول يتعلق بمفهوم الاختصاص الحصري للمحاكم
الفرنسية، والثاني يخص المقصود بعلاقة النزاع بالمحكمة التي أصدرت الحكم، والثالث
يدور حول القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ من أجل الرقابة على اختصاص المحكمة
الأجنبية التي أصدرت الحكم في حال عدم وجود اختصاص حصري للمحاكم الوطنية لقاضي
التنفيذ. وفيما يخص التساؤل الأول، يتبين لنا أن مفهوم الاختصاص الحصري (الوجوبي)
للمحاكم الوطنية يعني عدم الاعتراف وعدم تنفيذ أي حكم صادر من محكمة أجنبية حتى
ولو كانت مختصة، وذلك لأن مثل هذا النوع من الاختصاص يتعلق بالنظام العام. وهذا الاختصاص الحصري يقابله الاختصاص المشترك
(الجوازي) الذي يقصد به أنه إذا كانت المحاكم الوطنية مختصة فهذا لا يعني عدم
اختصاص المحاكم الأجنبية التي أصدرت الحكم، ومثل هذا النوع من الاختصاص لا يتعلق
بالنظام العام وبالتالي يجوز للأفراد الاتفاق على منح الاختصاص لمحاكم أجنبية. ومن
أمثلة حالات الاختصاص الحصري للمحاكم الفرنسية(23):
-
أولاً: المادة
الخامسة عشرة والرابعة عشرة من القانون المدني الفرنسي: حيث تعطي المادة الخامسة
عشرة الحق للفرنسي (المدعى عليه) في أن يمثل أمام القضاء الفرنسي وهذا هو الامتياز
غير المباشر لتلك المادة. فإذا رفعت قضية
على فرنسي في دولة أجنبية فالامتياز المنصوص عليه في المادة الخامسة عشرة ليس له
أثر أمام القاضي الأجنبي؛ وذلك لأن هذا
القاضي يجعل من نفسه مختصاً للفصل في النزاع وفقاً لقواعد الاختصاص المنصوص عليها
في قانونه. أما فائدة هذا الامتياز فتبلغ أهميتها عندما يطلب تنفيذ الحكم الأجنبي
في فرنسا، فإذا تمسك المستفيد من نص المادة الخامسة عشرة بهذا الامتياز فلا ينفذ
الحكم الأجنبي، إلا إذا تنازل عنه المدعى عليه الفرنسي وعندها ينفذ الحكم الأجنبي.
وهذا يدل على أن هذا الاختصاص الحصري للمحاكم الفرنسية ليس آمراً.
-
ثانياً: المادة
الرابعة عشرة من القانون المدني الفرنسي : هذه المادة تعطي الحق للفرنسي المدعي أن
يرفع دعواه أمام المحاكم الفرنسية، لكن إذا رفعها أمام محكمة أجنبية ولم يكن بعد
ذلك راضياً عن الحكم الصادر من تلك المحكمة فله الحق أن يعارض تنفيذ الحكم الأجنبي
عليه عن طريق دفعه بالاختصاص الحصري للمحاكم الفرنسية .
-
ثالثاً: اتفاق
الأفراد على قبول اختصاص المحاكم الفرنسية (الخضوع الإداري).
-
رابعاً:
للمحاكم الفرنسية اختصاص حصري منصوص عليه في قانون العمل وقانون التأمين والهدف من
هذه النصوص هو حماية الطرف الضعيف.
-
خامساً: المادة
السادسة عشرة من اتفاقية بروكسل لسنة 1968(24).
-
سادساً: إذا
كان العقار موجوداً في فرنسا .
أما فيما يتعلق بمفهوم
العلاقة التي تربط المحكمة التي أصدرت الحكم بالنزاع الماثل أمامها، فيمكن الوقوف
على الرابط الوثيق بين المحكمة التي أصدرت الحكم والنزاع المطروح أمامها من خلال
اجتماع عدة عوامل بتوافرها يمكننا القول بأن هناك اتصالاً وثيقاً بين النزاع
والمحكمة التي حسمت هذا النزاع، ومن هذه العوامل مثلاً الجنسية ومكان الإقامة، إذ
إنه حسب ما جاء في قضية Simitch كان مكان إقامة الزوج في بريطانيا زيادة على تواجد
أموال الزوجة في بريطانيا أيضاً. فمن خلال
اجتماع هذه العوامل اعتبر القضاء الإنجليزي مختصاً بحسم النزاع ولو كان مكان إقامة
المدعى عليه في فرنسا حيث أن هذا العامل لوحده لا يكفي في إبعاد الاختصاص غير
المباشر للمحاكم الإنجليزية(25).
وللإجابة على التساؤل
الأخير الذي يدور حول مدى رقابة القاضي الفرنسي على اختصاص المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم في حال عدم اختصاص المحاكم الفرنسية اختصاصاً حصرياً. ليس هناك مجال للشك بأن عدم اختصاص المحاكم
الفرنسية اختصاصاً حصرياً لا يعني عدم الرقابة على اختصاص المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم. لكن هذه الرقابة تمارس
بمقتضى أي قانون، قانون المحكمة التي أصدرت الحكم أم قانون قاضي التنفيذ؟ حول هذه المسألة انقسم الفقهاء إلى قسمين،
القسم الأول ينادي بتطبيق قانون المحكمة التي أصدرت الحكم(26) والثاني
نادى بتطبيق قانون المحكمة المراد تنفيذ الحكم فيها.
وحول هذه المسألة
وجدنا قراراً حديثاً لمحكمة النقض الفرنسية، إذ قامت بفسخ حكم المحكمة استئناف
باريس الذي جعل من القضاء الفرنسي مختصاً على أساس المادة 1072 من قانون المرافعات
المدنية الجديدة دون البحث فيما إذا كانت المحكمة الأجنبية غير مختصة وفقاً لقواعد
الاختصاص الدولي غير المباشرة الفرنسية، مع العلم أن هذه المادة لا تجعل من
المحاكم الفرنسية مختصة اختصاصاً حصرياً.
إذاً يجب على قاضي التنفيذ أن يراقب ما إذا كانت المحكمة الأجنبية التي
أصدرت الحكم مختصة أم لا بمقتضى قواعد الاختصاص الدولي غير المباشرة الفرنسية(28).
المطلب الثاني : الوضع
في مصر
لقد نصت المادة 298/1
من قانون المرافعات المصري على أنه "لا يجوز الأمر بالتنفيذ إلا بعد التحق
مما يأتي : أن محاكم الجمهورية غير مختصة بالمنازعة التي صدر فيها الحكم أو الأمر
وأن المحاكم الأجنبية التي أصدرته مختصة طبقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي المقررة
في قانونها".
من خلال هذا النص
يتبين لنا أن القاضي المصري إذا طُلب منه تنفيذ حكم أجنبي يجب أن يراقب اختصاص
المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم وفقاً لقواعد الاختصاص القضائي الدولي في
قانونها، وذلك حتى يتحقق من خروج النزاع الذي صدر فيه الحكم من اختصاص المحاكم المصرية.
فإذا كان النزاع الذي صدر فيه الحكم من اختصاص المحاكم المصرية فهل يُنفّذ هذا
الحكم في مصر؟ في الواقع، إن الإجابة
السلبية المطلقة على هذا التساؤل من شأنها أن تؤدي إلى تقليل فرصة تنفيذ الأحكام
الأجنبية في مصر بدرجة كبيرة(29) حتى ولو كان القانون المصري يشترط عدم
اختصاص المحاكم المصرية كأحد شروط تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر، ولهذا السب نجد أن
أغلب الفقهاء في مصر يطالبون السماح بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من محكمة أجنبية
بشأن نزاع ولو كان داخلاً في اختصاص المحاكم الوطنية بناءاً على حجج تختلف من فقيه
إلى آخر.
فلقد نادى الأستاذ
الدكتور عز الدين عبدالله بتنفيذ الحكم الأجنبي الصادر من محكمة أجنبية بالرغم من
اختصاص المحاكم الوطنية، وكان مرجعه في ذلك هو مراعاة الاعتبار العام الذي يعني أن
محاكم الدولة التي صدر عنها الحكم المراد تنفيذه هي أيضاً مختصة بنظر النزاع المحكوم
فيه وفقاً لضابط دولي معترف به في هذه الدولة التي يتم فيها نظر النزاع، إذاً
فالسماح بتنفيذ الحكم الأجنبي ليس هنا مفاده الاعتراف بأن قضاء آخر ينافس القضاء
الوطني في الاختصاص بنظر النزاع وإنما الأمر مبني على اعتبار الملائمة. فما دام أن
النزاع قد عرض في الخارج أمام محكمة مختصة دولياً وصدر فيه حكم نهائي فمن الملائم
السماح بتنفيذ هذا الحكم لدواعي التعاون بين الدول والتعامل بالمثل ومنع سيئي
النية من الأفراد من تعطيل أداء العدالة(30). إلا أن هذا الفقيه يرى
بأن المبدأ العام هو عدم جواز تنفيذ الحكم الأجنبي الصادر بشأن نزاع داخل في
اختصاص المحاكم المصرية، واستثناءً على هذا المبدأ نادى بإمكانية تنفيذ الحكم
الصادر في منازعة بالرغم من دخولها في إحدى حالات الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم
الوطنية في الحالات التالية:
أولاً إذا كان الحكم
صادراً في منازعة متولدة عن عقد أُبرم أو نُفذّ في مصر وكان واجب التنفيذ فيها ولم
يكن متعلقاً بمال موجود في الإقليم المصري.
وثانياً إذا كان الحكم
قد صدر في منازعة متعلقة بالأحوال الشخصية للأجانب متى كان الحكم لا يتعلق بمال
موجود في مصر(31)، وقد تعرض
هذا الاستثناء إلى انتقاد وجه إليه من قبل الأستاذ الدكتور هشام صادق الذي يقولإن
هذا الاستثناء قد أقام تفرقة غير مبررة بين الأمور السابقة(32) ولا
شك أن هذه التفرقة تفتقر بدورها إلى السند
القانوني السليم، فليس من المقبول أن يقدر مدى اختصاص المحاكم الأجنبية في ضوء
قواعد الاختصاص المصرية وتابع القول، فتقدير مدى اختصاص المحكمة الأجنبية يجب أن
يتم وفقا لقواعد الاختصاص القضائي الدولي السائدة في الدولة التي تتبعها بصرف
النظر عن اختصاص القضاء المصري بالدعوى من عدمه.
وفي القول بغير ذلك، إهدار لمتطلبات الحياة الدولية. حقاً أن قواعد
الاختصاص القضائي الدولي يتعلق بالنظام العام في مصر، ولا يجوز من ثم الاتفاق على
مخالفتها، إلا أن التقيد بهذا المبدأ مجاله تعيين المحكمة المختصة برفع
الدعوى. أما وقد رفع النزاع أمام المحاكم
الأجنبية رغم اختصاص القضاء المصري، وصدر بناءاً على ذلك حكم فاصل في النزاع فلم
يعد هناك ما يمنع من تنفيذ هذا الحكم في مصر استجابة للاعتبارات الدولية"(33).
أما الدكتور محمد كمال
فهمي فقد أجاب على السؤال الذي تم طرحه مسبقاً من خلال التفرقة بين أمرين : الأول
إذا كانت المحاكم المصرية مختصة في النزاع الذي صدر فيه حكم من محكمة أجنبية
اختصاصاً أصلياً أو وجوبياً (حصرياً)، فإن حكم هذه المحكمة الأجنبية لا ينفذ في
مصر والأمر الثاني فيتعلق باختصاص المحاكم المصرية اختصاصاً جوازياً (مشتركاً)
فهذا الاختصاص الجوازي للمحاكم المصرية لا يحول دون تنفيذ الحكم الأجنبي في مصر(34).
في الحقيقة لقد انتقدت
التفرقة بين الاختصاص المصري والاختصاص المشترك بالقول بأنه لا يوجد اختصاص حصري
واختصاص مشترك بين هذه المحاكم ومحاكم دولة أخرى فإما أن تكون هذه الأخيرة مختصة
وإما أن تكون غير مختصة سواء كنا بصدد تعيين الاختصاص الدولي بشأن نزاع يراد رفعه
أم كنا بصدد تعيين هذا الاختصاص بمناسبة حكم أجنبي يراد تنفيذه في إقليم الدولة(35)
أما فيما يتعلق بالتفرقة بين الاختصاص الأصلي والاختصاص الجوازي فإنها تقترن
بالتفرقة السابقة من عدة وجوه، ثم إنه من الصعب العمل بها وخصوصاً أن المشرع في
قانون المرافعات المصري الحالي قد هجر تلك التفرقة(36) أو تناساها(37).
وفيما يتعلق بالتوجه
الفقهي في مصر نلاحظ أن قاضي التنفيذ المصري يراقب شروط الاختصاص القضائي الدولي
للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في مصر وفقاً لقانون هذه
المحكمة، مع إلزامه التحقق من عدم اختصاص المحاكم المصرية في نظر النزاع. إلاّ أن الأخذ بهذا الشرط الأخير على إطلاق من
شأنه أن يؤدي إلى عرقلة تنفيذ الأحكام الأجنبية، ولهذا نجد أن أنصار هذا التوجه،
ومن أجل التخفيف من حدة هذا الشرط، نادوا بتنفيذ الحكم الأجنبي بشرط ارتباط هذه
المنازعة ارتباطاً وثيقاً بولاية المحكمة التي أصدرت الحكم(38).
وبعد عرض المواقف في
مسألة القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية
التي أصدرت الحكم مختصة أم لا في كل من فرنسا ومصر فمن الواجب علينا أن نبحث
الموقف الأردني حيال هذا الأمر.
المطلب الثالث : الوضع
في الأردن
إن موقف القانون
الأردني تجاه مشكلتنا (المتعلقة بتحديد القانون الذي يرجع إليه القاضي لمعرفة ما
إذا كانت المحكمة الأجنبية مختصة أم لا) يتجلى من خلال الوقوف على قانون تنفيذ
الأحكام الأجنبية والاتفاقيات التي عقدتها المملكة الأردنية الهاشمية مع دول أخرى
فنبدأ أولاً بتوضيح ما جاء في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( لسنة 1952،
ومن ثم الاتفاقيات التي ارتبطت بها المملكة وذلك في الفرعين التاليين:
الفرعي الأول : قانون
تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( سنة 1952
تنص الفقرة الأولى من
المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( لسنة 1952 على ما يلي :
1. يجوز للمحكمة أن ترفض الطلب المرفوع إليها
لتنفيذ حكم أجنبي في الأحوال الآتية :
أ- إذا لم تكن المحكمة التي أصدرت الحكم المذكور
ذات وظيفة .
ب- إذا كان المحكوم
عليه لم يتعاط أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو لم يكن
مقيماً داخل قضائها ولم يحضر باختيار أمام المحكمة ولم يعترف بصلاحيتها".
فقاضي التنفيذ في
الأردن ينفذ الحكم الأجنبي إذا توافرت جميع شروط المادة السابعة من قانون تنفيذ
الأحكام الأجنبية، ومن ضمن هذه الشروط اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم
المراد تنفيذه في المملكة. فقاضي التنفيذ الأردني عندما يتحقق من اختصاص المحكمة
الأجنبية التي أصدرت الحكم يستند إلى أي قانون، قانون المحكمة الأجنبية التي أصدرت
الحكم أم قانونه؟ لم يرد في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني نص صريح بهذا
الشأن لذلك نستنتج من مفهوم المخالفة لنص المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام
الأجنبية أن المحكمة تنفذ الحكم الأجنبي إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم ذات
وظيفة وإذا كان المحكوم عليه يتعاطى أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي
أصدرت الحكم أو كان مقيماً داخل قضائها وحضر أمام المحكمة واعترف بصلاحيتها .
ولكننا نتساءل ما
المقصود بأن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم ذات وظيفة وماذا يعني تعاطي المحكوم
عليه أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو كان مقيماً داخل
قضائها وحضر أمام المحكمة واعترف بصلاحيتها؟
إذا كان الشرط القاضي بأن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم ذات وظيفة يعني أن
تكون تلك المحكمة مختصة اختصاصاً داخلياً خاصاً فذلك يشير إشكالاً، إذ إنّ قاضي
التنفيذ يتحقق منه من خلال الرجوع إلى قانون المحكمة التي أصدرت الحكم، وذلك لأن
هذه المسألة تخص المحكمة التي صدر عنها الحكم.
أما فيما يتعلق بتعاطي أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي أصدرت
الحكم(39) أو كان مقيماً داخل قضائها وحضر أمام المحكمة واعترف
بصلاحيتها. فهذا يعني أن المحكمة الأجنبية
التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه تكون مختصة اختصاصاً دولياً عاماً في الحالات
الثلاث المذكورة، ولم يبين القانون الأردني القانون الذي يرجع إليه قاضي التنفيذ
لمراقبة ما إذا كانت المحكمة التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في الأردن مختصة أم
لا .
وفي الحقيقة قام
المشرع الأردني بتحديد ثلاثة معايير يؤسس عليها الاختصاص القضائي الدولي للمحكمة
التي أصدرت الحكم. وهذه الضوابط الثلاثة
هي : الإقامة، وتعاطي الأعمال، والخضوع الإداري، وهذا يعني أن قاضي التنفيذ
الأردني يأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي إذا كان صادراً من محكمة أجنبية مختصة اختصاصاً
دولياً عاماً، وتكون المحكمة الأجنبية مختصة اختصاصاً دولياً عاماً إذا كان المدعى
عليه مقيماً داخل قضاء تلك المحكمة يتعاطى أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية تلك
المحكمة أو كان اختصاصها مبنياً على الخضوع الإرادي والذي يمكن أن يتحقق بحضور
المدعى عليه أمام المحكمة دون اعتراض على صلاحيتها(40). وفي هذا الصدد
يجب أن نذكر بأن الخضوع الإرادي يجب أن لايؤدي إلى إنتزاع اختصاص المحاكم الأردنية،
وذلك لأن جميع القواعد المتعلقة بالاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الأرنية قواعد
آمرة لا يجوز الإتفاق على مخالفتها(41).
فإذا توافر أي من هذه
المعايير الثلاثة التي ذكرها المشرع الأردني في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية، فإن
المحكمة التي أصدرت الحكم تكون مختصة اختصاصاً عاماً دولياً، ولكن إذا أسست
المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المراد تنفيذه في الأردن اختصاصها على معايير
أخرى غير تلك التي أشار إليها المشرع الأردني في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية، فهل
تعتبر المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة اختصاصاً دولياً عاماً في نظر قاضي
التنفيذ الأردني؟
يجيب أستاذنا الدكتور
حسن الهداوي على هذا التساؤل بالإيجاب، فهو يعتقد أن الاختصاص القضائي الدولي
للمحكمة الأجنبية يقتضي أن يتم تحديده بمقتضى قانونها(42) ونحن بدورنا
وبسبب عدم وجود نص في القانون الأردني، نرى بأنه على قاضي التنفيذ الأردني، الذي
يراقب اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه في الأردن حتى
يأمر في التنفيذ، أن يتحقق أولاً من عدم اختصاص المحاكم الأردنية في نظر النزاع
محل الحكم الأجنبي المراد تنفيذه، فإذا صدر حكم من محكمة أجنبية في نزاع يدخل ضمن
حالات الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الأردنية المنصوص عليها في المواد (27و28)
من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردنية فلا ينفذ حكمها في الأردن وثانياً يجب
عليه أن يتحقق من توافر أي من الضوابط الثلاثة المنصوص عليها في الفقرة (أ) من
المادة السابعة من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية المذكورة آنفاً. فإذا ما تحقق
قاضي التنفيذ من عدم اختصاص محاكمه في الفصل في القضية المعروضة أمامه (وذلك لأن
الاختصاص من النظام العام ولا يجوز النزول عنه إلا بإجازة من المشرع كما سنلاحظ
ذلك في احترام القاضي للمعاهدات الدولية) ووجود الضوابط المذكورة آنفاً منحه
المشرع الحق في تنفيذ الحكم الأجنبي .
ولكن ما الحل لو أن
قاضي التنفيذ الأردني تحقق من عدم اختصاص المحاكم الأردنية في نظر النزاع الصادر
بشأن الحكم الأجنبي المراد تنفيذه في الأردن، وتحقق أيضاً من عدم توافر أي من
الضوابط الثلاثة المنصوص عليها في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية الأردني، فهل يقر
قاضي التنفيذ الأردني في هذه الحالة تحقق شرط اختصاص المحكمة الأجنبية التي أصدرت
الحكم؟ بالرجوع إلى نص المادة السابعة
بفقرتيها (أ، ب) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية يتبين لنا أن المشرع الأردني
استخدم لفظاً يفيد جواز رفض المحكمة تنفيذ الحكم الأجنبي وذلك(43)
بالقول : يجوز للمحكمة أن ترفض الطلب المرفوع إليها لتنفيذ حكم أجنبي في الأحوال
الآتية :
أ- إذا لم تكن المحكمة التي أصدرت الحكم المذكور ذات وظيفة
.
ب- إذا كان المحكوم عليه لم يتعاط أعماله داخل قضاء تشمل
صلاحية المحكمة التي أصدرت الحكم أو لم يكن مقيماً داخل قضائها ولم يحضر باختيار
أمام المحكمة ولم يعترف بصلاحيتها"، فبهذا اللفظ للمحكمة أن تأمر بتنفيذ أو
عدم تنفيذ الحكم الأجنبي إذا لم يتوافر أي من الضوابط الثلاثة المشار إليها في هذه
المادة.
وأما من جانبنا نرى
أنه إذا لم تكن المحاكم الأردنية مختصة وفقاً لقواعد ا لاختصاص القضائي الدولي
الأردنية ولم يتعاط المحكوم عليه أعماله داخل قضاء تشمله صلاحية المحكمة التي
أصدرت الحكم أو لم يكن مقيماً داخل قضائها ولم يحضر باختياره أمام المحكمة، ولم
يعترف بصلاحيتها، فإن على قاضي التنفيذ أن يقر بتوافر شرط اختصاص المحكمة الأجنبية
التي أصدرت الحكم إذا كان هناك رابط وثيق بين المحكمة والنزاع الذي حسمته، هذا
زيادة على عدم اصطناع الاختصاص للمحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم لمكافحة فكرة
الغش نحو الاختصاص (Forum Shopping). و ذلك لأن القول بغير ذلك من
شأنه أن يؤدي إلى مصادرة فكرة التعاون القضائي بين الدول والتقليل من فرصة تنفيذ
الأحكام الأجنبية في الأردن، علاوة على تشجيع المحكوم عليهم سيئي النية من الإفلات
من العدالة. كما أنه يؤدي إلى أن ننكر على القضاء الأجنبي اختصاصه .
بعد أن فرغنا من تحليل
موقف قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم ( لسنة 19521 من تحديد القانون الذي يرجع
إليه قاضي التنفيذ لمعرفة ما إذا كانت المحكمة الأجنبية التي أصدرت الحكم مختصة أم
لا فلا بد أن نبحث موقف الاتفاقيات الدولية المرتبطة بها المملكة من ذلك القانون.
(*
) كلية
الحقوق، جامعة مؤتة، الأردن
تاريخ تقديم
البحث : 23/1/2002 تاريخ قبول البحث :
4/2/2003 .