الــمــقــدمـــة
إن الأعمال الفكرية سواء أكانت أدبية أم فنية أو موسيقية
أو صناعية في حاجة إلى حماية وطنية ودولية لفائدة مؤلفها لا سيما ان وسائل النسخ
العصرية تعرض المؤلفين الى ضياع مجهوداتهم وفقدان حقوقهم وتثبيط معنوياتهم.
تعتبر الملكية الفكرية ظاهرة
حديثة مقارنة بالمواضيع الاخرى التي عالجها القانون منذ ظهوره وبسط نفوذه.
ان ظاهرة الادب والفن والاكتشافات والاختراعات سواء نظرنا اليها من حيث
طبيعتها الذاتية او من حيث الوظائف والاهداف فانها كلها تعد واحدة من التجليات
الاساسية للعقل البشري منذ فجر التاريخ.
ان مرحلة اللاقانون التي عرفها
اانسان في تنظيم هذه الموضوعات ومانتج عنها من تقلص في الابداع الفكري والمجهود
الفردي لم تكن قدرا محتوما بل مانفك ان بسط القانون نفوذه.
من هذا المنطلق نقول:
vمالمقصود بالملكية الفكرية؟.
vفيما تكمن اهمية الملكية الفكرية؟.
vماهي الاتفاقيات التي تنص على حق
المكية الفكرية؟.
vماهي طرق حماية المؤلف؟.
من خلال محاولتنا الاجابة على هذه الاسئلة نقدم بحثنا هذا بمزيد من الشرح
والطرح.
المبحث الأول: مدخل الى الملكية الفكرية
المطلب الأول:طبيعة حق الملكية الفكرية
ترد الملكية المعنوية أو الفكرية على أشياء غير مادية،
ذلك أن الحقوق كلها غير مادية، فالحق العيني أو الشخصي اللذين سبقت الإشارة
إليهما، يقع كل منها على شيء مادي، أما الحق فهو دائما معنوي، ولا يمك أن يكون
ماديا.
ويقصد
بأن الحق غير مادي، أي أنه لا يدرك إلا بالفكر، فهو ليس له جسم محسوس، وأن أكثر
الأشياء غير المادية هي إنتاج الذهن وتسمى الحقوق التي ترد عليها بالحقوق الذهنية.
فالحقوق
الذهنية هي حق المؤلف أو ما يطلق عليه اسم الملكية الأدبية والفنية، والحقوق
المتعلقة بالرسالة والتي يطلق عليها ملكية الرسائل، وحق المخترع أو ما يسمى بالملكية
الصناعية، وهناك حقوق أخرى ترد على أشياء غير مادية، كبراءات الاختراع والرسوم
والنماذج الصناعية والعلامات التجارية، والحقوق التي يتكون منها المحل التجاري وقد
اصطلح على تسميتها بالملكية التجارية والصناعية.
-
تعد
النظريات في تحديد طبيعة الحقوق المعنوية:
اختلفت الآراء في تحديد طبيعة الحقوق الذهنية أو
المعنوية التي ترد على أشياء غير مادية، فكيفها بعضهم ووضعها تحت اسم
"الملكية الأدبية والفنية والصناعية"، وذلك على اعتبار أن حق الشخص على
نتاجه هو حق ملكية، كما هو الشأن في ملكية الأشياء المادية، إذا فهي ملكية حقيقية
غير أنها على أشياء غير مادية، وقد شايع هذا الرأي كثير من الفقه.
وبمقتضى ذلك أصبح يوصف بالملكية حق المؤلف، وحق المخترع,
من نتائج هذا الاتجاه في فرنسا أن حمل أنصار هذا الرأي المشرع الفرنسي في قانون:
11 مارس 1957 الذي حل محل التشريعات التي سبقته في حق المؤلف والمخترع، في وصف هذا
الحق بأنه:" حق ملكية معنوية مانع ونافذ بالنسبة إلى الناس كافة", ( droit de propriété incorporelle exclusif et
opposable à tous ).
وقد اعترض على هذا الرأي بأنه يصد
عن فكرة خاطئة، وذلك أنه من يقوم بإنتاج ذهني فهو
يختلف من جهة في طبيعته عن الشيء المادي الذي يدرك بالحس وله جسم يتمثل فيه، وأنه من جهة ثانية يكون بالضرورة مالكا لما ينتجه، مع انه لا يكون له سوى الحق في المقابل، ذلك أن امكان التملك لا يعتمد على رغبة الشخص، وإنما بحسب ما تمليه طبيعة الأشياء.
بالنسبة للماديات يوجد التملك لأن
توزيع الأشياء بين الأفراد هو الذي يعطيها أكبر قيمة اقتصادية.
أما الأفكار التي تكون في خلق
الذهن فتختلف في طبيعتها عن الماديات اختلافا تاما.
إن الأفكار قد أخرجت للناس جميعا، فلا ترجى من ورائها فائدة, إلا إذا انتشرت بينهم، ومن ثم فإن الملكية الأدبية أو الفنية الصناعية لا يمكن
أن تشبه بالملكية التي ترد على شيء مادي والتي يفترض فيها استئثار المالك بالحيازة
والانتفاع.
كما يذهب أنصار الرأي المعارض إلى
القول بأن حق الملكية إنما يرد على شيء مادي باعتبار محله كذلك. وواضح من الخلط
بين حق الملكية بصفة عامة الذي يكون محله شيء مادي، وحق الملكية في حد ذاته بأنه مادي أيضا لأن محله مادي، في حين ليس الأمر ذلك بالنسبة لحق المؤلف والمخترع الذي
هو من طبيعة أخرى أي أنه محله هو عالم الفكر، ومن ثم فالاختلاف واضح بين عالم المادة، عالم الفكر, فالفكر جزء من الشخصية وأن نتاج الفكر مقيد
بهذا الاعتبار أي أن الحق الأدبي للمؤلف على إنتاجه يعطيه حق المراجعة أو الإستراد
لما تم نشره من دائرة التداول وبإرادة منفردة, في حين أن التصرف في الشيء المادي
يعتبر تصرفا باتا وليس بإرادة المتصرف وحده أن يرجع فيما تصرف فيه من قبل، ومن ثم يصل المعترضون إلى اعتبار الحق الأدبي للمؤلف
ليس بحق ملكية أو حقا عينيا، بل هو حق من الحقوق الشخصية لصيق
بها، بل جزء منها ...ومبررات الاعتراض أيضا عند هذا الفريق أن
الملكية هي حق دائم مؤبد، في حين حق المؤلف والمخترع هو حق
استغلال مؤقت، وتأتي صفة التوقيت من كون أن
الفكر يزدهر ويحيا بالانتشار لا بالاستئثار، وأن الإنتاج الفكري هو حلقات مترابطة على مر العصور
شاركت فيها الأجيال السابقة واللاحقة، بل ويعتبر الإنتاج الفكري تراثا
إنسانيا مشتركا، أو بعبارة أخرى هو نوع من المادة
الخام التي يضعها المجتمع رهن إشارة المؤلف، وإذا كان من الجائز للمؤلف أن يتصرف في المادة المذكورة
فإن من المتعين عليه إرجاعها إلى الهيئة الاجتماعية بعدئذ في شكل وحلة جديدة.
فلا جدال من أن ابتداع فكرة ما لا
يتحقق إلا بفضل ما بذلته الأجيال السابقة من جهد ونشاط فكري، ومن ها المنظور يجب أن نستبعد وصف حق الملكية على إنتاج
المؤلف والفنان والمخترع باعتباره إنتاجا مؤقتا من جهة، وتراثا مشتركا بين الأجيال من جهة أخرى.
والحاصل إذا كانت الملكية حق
استئثار مؤبد فإن حق المؤلف أو المخترع يمثل حق استغلال مؤقت، وفي هذا الاتجاه قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 25
جويلية 1887، باتبعاد صفة الملكية عن المؤلف
والفنان والمخترع وكيفيته بأنه :"حق امتياز احتكاري لاستثمار مؤقت"
"privilège exclusif d'une exploitation temporaire"
وقد قيل أن هذا القول أقرب إلى
الوصف منه إلى التكييف، وبأنه لا يحلل حق المؤلف ولا ينفذ
إلى طبيعته.
إن اختلاف الآراء حول طبيعة الحقوق
الذهنية تدفع بنا إلى القول بأن التقسيم التقليدي للحقوق المالية إلى حقوق شخصية، وحقوق عينية قد تجاوزه الزمان ولا يستجيب بل ولا يستوعب
كل الحقوق المالية وبخاصة تلك الحقوق المالية التي ظهرت بظهور حق المؤلف والمخترع
والتي يطلق عليها مصطلح الحقوق الذهنية, أو حقوق الفكر إذا هي ليست سلطة على شيء
مادي كما هو الأمر بالنسبة للحقوق العينية، كما هي ليست أيضا بسلطة على المدين كما هو الشأن
بالنسبة للحقوق الشخصية.
يرد حق المؤلف، أو المخترع على استغلال ما جادت به قريحته والاستئثار
بثمرات عمل صاحبه.
وإجمالا:
تعتبر طبيعة الملكية الفكرية طبيعة
مزدوجة، أي أنها من جهة تعطي لصاحبها سلطة
مباشرة على الشيء الواردة عليه هذه الملكية من استعمال لهذا الشيء، واستغلاله، والتصرف فيه. وهو ما يطلق عليه
بالشق المادي، ومن جهة أخرى فإن المالك يرتبط
شخصيا بما أبدعه، فيكون عليه حق الحماية من اعتداء
الغير على ما أنتجه كما يتمتع بأن ينسب إليه إنتاجه الذهني باعتبار ما أنتج امتداد
لشخصية، وهذا الشق يطلق عليه الجانب
المعنوي، وبعبارة أخرى يتمتع المالك بنوعين
من المصالح. مصلحة معنوية تكمن في حماية إنتاجه الفكري الذي يعتبر امتداد لشخصيته، ومصلحة مادية تتمثل في احتكار لما ينتج عن استغلال نتاج
عقله وإبداعه ماليا.
وإذا كان الرأي الراجح يعتبر الحق
الوارد على الملكية الفكرية حقا من نوع خاص ذو طبيعة مزدوجة فإن وجه التقارب
والاختلاف عن الحق العيني والحق الشخصي يمكن اختصاره فيما يلي:
1- تمنح الملكية
الفكرية لصاحبها حقا جامحا مانعا في الاستئثار، ومقتضى ذلك أنه يفرض على الكافة واجبا عاما بعدم التعرض
لصاحب الملكية الفكرية, وبهذه الصفة يقترب حق الملكية الفكرية من الحق العيني الذي
يترتب نفس الواجب على الكافة، ومع ذلك فلاختلاف يتمثل في أنها
لا تعطي لصاحبها حق الاستلام بل تمنحه فقط حقي الاستغلال والتصرف، وذلك لاعتبار أن ما توصل إلي صاحب الملكية الفكرية من
ابتكار وإبداع ليس قاصرا عليه، بل يستطيع أي شخص إذا ما عجز
المبتكر عن استعمال ابتكاره بالشـكل الذي يؤدي إلى تعميم الفائدة من اكتشافه، أن يقوم باستعمال هذا الابتكار الجديد تحقيق المنشود من
وراء الابتكار.
2- تضع الملكية
الفكرية على الكافة التزاما سلبيا يقضي بعدم التعرض للمبتكر الذي يكون في موقع
"الدائن" فهي بهذا تشبه الحق الشخصي الذي فرض على المدينين تجاه الدائن
التزاما بعدم التعرض.
فالدائن في الحق الشخصي له أن يطلب
المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل. فصاحب الابتكار في الملكية الفكرية يضع
على الكافة التزاما سلبيا بعدم القيام بأي عمل من شأنه المساس بالابتكار أو التعرض
لصاحبه أو منافسته منافسة غير مشروعة.
3- تختلف الملكية الفكرية عن الحق
العيني الذي يتمتع بصفة التأبيد، فهي مرتبطة بمدة معينة كما سيرد
شرح ذلك في حينه فهي بذلك تقترب من الحق الشخصي الذي يتفق معها في الصفة
المؤقتة.
إن صاحب الملكية الفكرية إذا لم يستطيع خلال
المدة المعينة استعمالها أو استغلالها ضمن هذه المدة أصبحت مالا عاما يستطيع شخص
آخر قادر على تسخيرها للانتفاع العام أن يقوم بذلك دون الحصول على إذن خاص من قبل
صاحبها....
تقترب الملكية الفكرية من الحق
العيني من حيث إمكانية التنازل إذا أمكن التنازل عن الشيء الواردة عليه هذه
الملكية، ويتم ذلك بمحض الإرادة المنفردة
لصاحبها.
4- أما بالنسبة للحق الشخصي فلا يجوز التنازل عنه
أو التخلي عن الشيء الوارد عليه هذا الحق إلا بالاتفاق مع المدين أو على الأقل
إعلامه بذلك...
المطلب الثاني:الملكية الفكرية وأهميتها
قال سقراط قديما:"أن ابتداع
الفكر أعلى درجات اللذة النفسية التي يمكننا أن نحصل عليها في حياتنا."
لقد بذل الكثير من فطاحل الفن والأدب والعلم الجهود
المضنية وأبدعوا في كل أنواع الإنتاج الذهني وبذلوا عصارة فكرهم وصحتهم الثمينة في
سبيل رفاهية الإنسانية وتقدمها.
صحيح أنه كلما كبرت النفوس ضاقت
الأبدان ذرعا بها وتعبت في تحقيق مرادها وأمانيها.
لقد بدأ الإنتاج الذهني للإنسان
منذ العصر السحيقة بل ومنذ استطاعته ملاحظة تفهم ما يحيط به وقبل أن يبدأ بالتعبير
عن رأيه بالكلام ويتقن فن البيان.
كان لدى المجتمعات البدائية أقوام
يتفوقون على غيرهم في إظهار شعورهم وإحساسا تهم عن طريق الرقص، وحركات العبير عن الفرح والحزن قبل أن يخترعوا ويتقنوا
فن نحت الأحجار وصقلها، وعمل شباك صيد الحيوانات وهذا
البصيص الأول لنور الإنتاج الذهني ذلك الإنتاج الذي يسطع من الذهن ليغير باستمرار
معالم المدنية ويملا على التطور والتقدم، وهو يشمل كل إبداع ذهني سواء كان
شعرا أو نثرا.. أو موسيقى أو رسما.. أو صورة.. أو تمثالا أو اختراعا...
إن الملكية الفكرية في صورتها
الراهنة قد ظهرت نتيجة التطور والتقدم العلمي
والتكنولوجي الذي يسود عصرنا الحاضر، وأن الملكية الفكرية بفرعيها سواء ما اصطلح على تسميته
بالملكية الأدبية والفنية أو حق المؤلف والحقوق المجاورة، أو ما أصطلح على تسميته بحق المخترع أو الملكية
الصناعية, فهي جميعها حقوق ذهنية, من إنتاج الذهن وخلقه وابتكاره ومع ذلك فلكل من
نوع الملكيتين له مراحل تطوره وظهوره وخصوصيته كما سنرى ذلك في حينه....
أما يجب توفره في الشيء محل
الملكية الفكرية فيمكن اختصاره في:
1- أن لا يكون
هذا الشيء خارجا عن دائرة التعامل سواء بطبيعته أو بحكم القانون (75) ومن ثم لا
يستطيع أحد أن يقوم بتسجيل اختراع أو اكتشاف جديد باسمه إذا كان ذا الابتكار مخلا
بالنظام والآداب العامة ومخالفا لأحكام القانون.
2- أن يكون محل
الملكية شيأ غير مادي أي غير محسوس كالأفكار والاختراعات، على عكس الملكية العينية فالشيء يكون ماديا محسوسا، كالأرض، والمباني..
3- يشترط في محل
الملكية الفكرية أن يكون منقولا، ويدخل ضمن هذا المعني الكتب، والمصنفات الأدبية والفنية، والموسيقية والرسومات، والنماذج الصناعي... وكل أنواع الملكية الفكرية من
أفكار وإبداعات ذهنية عقلية.
إن الأفكار ومنتجات الذهن كثيرة
ومتعددة تبعا لتعدد واختلاف أوجه الابتكار الإنساني، منها ما يتعلق بالجوانب الصناعية كالاختراعات، والاكتشافات والنماذج والرسومات الصناعية...
ومنها ماله طابع تجاري كالعلامات
التجارية، والاسم التجاري والسمعة التجارية
والمحل التجاري..
إن لكل نوع من هذا الإنتاج الفكري
نظام يحكمه ويبين ماهيته وبهذا فالملكية الفكرية في عمومها تأتي على كل شيء غير
مادي، تخول صاحبها احتكا استغلال ذلك
الإنتاج أن هذه القيمة فهي سلطة مباشرة تمكنه من الاستئثار والانتفاع المالي لثمرة
عمل أو جهد صاحب الحق الذهني أو لنشاطه دون إعراض وذلك خلال المدة المحددة قانونا.
وإجمالا: فحقوق الملكية الفكرية هي
مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى تنظيم طائفتين رئيسيتين من الحقوق هما:
1- حقوق المؤلفين
والمنتجين والفنانين أو ما يطلق عليه مصطلح "الملكية الأدبية والفنية".
2- حقوق الملكية
الصناعية، وهي مجموعة من الحقوق المعنوية
ترد على أشياء غير مادية تخول لأصحابها الحق فيها، حقا مانعا في استغلالها أو استعمالها، ويدخل في نطاقها كل ما يرد من ابتكارات صناعية جديدة
كبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية التي تستعمل لتمييز منتجات معينة من
تلك المشابهة أو المنافسة لها...الخ.
3- وتبدو أهمية
الملكية الفكرية على مستوى كل دولة كمؤشر لتقدم الدولة أو تخلفها.
فمتى كانت مسرحا للاختراعات والاكتشافات، والابتكارات الأدبية والفنية والتكنولوجية، والصناعة والتجارة تنعدم فيها مظاهر التطور والإبداع، كانت الدولة متطورة والعكس صحيح ونظرا لأهمية الإنتاج الفكري وحيويته سارعت كل
دولة في إلى سن قوانين لحماية ما تم التوصل إليه من ابداع.
إن الأعمال الفكرية سواء أكانت أدبية أم فنية أو موسيقية
أو صناعية في حاجة إلى حماية وطنية ودولية لفائدة مؤلفها لا سيما ان وسائل النسخ
العصرية تعرض المؤلفين الى ضياع مجهوداتهم وفقدان حقوقهم وتثبيط معنوياتهم.
تعتبر الملكية الفكرية ظاهرة
حديثة مقارنة بالمواضيع الاخرى التي عالجها القانون منذ ظهوره وبسط نفوذه.
ان ظاهرة الادب والفن والاكتشافات والاختراعات سواء نظرنا اليها من حيث
طبيعتها الذاتية او من حيث الوظائف والاهداف فانها كلها تعد واحدة من التجليات
الاساسية للعقل البشري منذ فجر التاريخ.
ان مرحلة اللاقانون التي عرفها
اانسان في تنظيم هذه الموضوعات ومانتج عنها من تقلص في الابداع الفكري والمجهود
الفردي لم تكن قدرا محتوما بل مانفك ان بسط القانون نفوذه.
من هذا المنطلق نقول:
vمالمقصود بالملكية الفكرية؟.
vفيما تكمن اهمية الملكية الفكرية؟.
vماهي الاتفاقيات التي تنص على حق
المكية الفكرية؟.
vماهي طرق حماية المؤلف؟.
من خلال محاولتنا الاجابة على هذه الاسئلة نقدم بحثنا هذا بمزيد من الشرح
والطرح.
المبحث الأول: مدخل الى الملكية الفكرية
المطلب الأول:طبيعة حق الملكية الفكرية
ترد الملكية المعنوية أو الفكرية على أشياء غير مادية،
ذلك أن الحقوق كلها غير مادية، فالحق العيني أو الشخصي اللذين سبقت الإشارة
إليهما، يقع كل منها على شيء مادي، أما الحق فهو دائما معنوي، ولا يمك أن يكون
ماديا.
ويقصد
بأن الحق غير مادي، أي أنه لا يدرك إلا بالفكر، فهو ليس له جسم محسوس، وأن أكثر
الأشياء غير المادية هي إنتاج الذهن وتسمى الحقوق التي ترد عليها بالحقوق الذهنية.
فالحقوق
الذهنية هي حق المؤلف أو ما يطلق عليه اسم الملكية الأدبية والفنية، والحقوق
المتعلقة بالرسالة والتي يطلق عليها ملكية الرسائل، وحق المخترع أو ما يسمى بالملكية
الصناعية، وهناك حقوق أخرى ترد على أشياء غير مادية، كبراءات الاختراع والرسوم
والنماذج الصناعية والعلامات التجارية، والحقوق التي يتكون منها المحل التجاري وقد
اصطلح على تسميتها بالملكية التجارية والصناعية.
-
تعد
النظريات في تحديد طبيعة الحقوق المعنوية:
اختلفت الآراء في تحديد طبيعة الحقوق الذهنية أو
المعنوية التي ترد على أشياء غير مادية، فكيفها بعضهم ووضعها تحت اسم
"الملكية الأدبية والفنية والصناعية"، وذلك على اعتبار أن حق الشخص على
نتاجه هو حق ملكية، كما هو الشأن في ملكية الأشياء المادية، إذا فهي ملكية حقيقية
غير أنها على أشياء غير مادية، وقد شايع هذا الرأي كثير من الفقه.
وبمقتضى ذلك أصبح يوصف بالملكية حق المؤلف، وحق المخترع,
من نتائج هذا الاتجاه في فرنسا أن حمل أنصار هذا الرأي المشرع الفرنسي في قانون:
11 مارس 1957 الذي حل محل التشريعات التي سبقته في حق المؤلف والمخترع، في وصف هذا
الحق بأنه:" حق ملكية معنوية مانع ونافذ بالنسبة إلى الناس كافة", ( droit de propriété incorporelle exclusif et
opposable à tous ).
وقد اعترض على هذا الرأي بأنه يصد
عن فكرة خاطئة، وذلك أنه من يقوم بإنتاج ذهني فهو
يختلف من جهة في طبيعته عن الشيء المادي الذي يدرك بالحس وله جسم يتمثل فيه، وأنه من جهة ثانية يكون بالضرورة مالكا لما ينتجه، مع انه لا يكون له سوى الحق في المقابل، ذلك أن امكان التملك لا يعتمد على رغبة الشخص، وإنما بحسب ما تمليه طبيعة الأشياء.
بالنسبة للماديات يوجد التملك لأن
توزيع الأشياء بين الأفراد هو الذي يعطيها أكبر قيمة اقتصادية.
أما الأفكار التي تكون في خلق
الذهن فتختلف في طبيعتها عن الماديات اختلافا تاما.
إن الأفكار قد أخرجت للناس جميعا، فلا ترجى من ورائها فائدة, إلا إذا انتشرت بينهم، ومن ثم فإن الملكية الأدبية أو الفنية الصناعية لا يمكن
أن تشبه بالملكية التي ترد على شيء مادي والتي يفترض فيها استئثار المالك بالحيازة
والانتفاع.
كما يذهب أنصار الرأي المعارض إلى
القول بأن حق الملكية إنما يرد على شيء مادي باعتبار محله كذلك. وواضح من الخلط
بين حق الملكية بصفة عامة الذي يكون محله شيء مادي، وحق الملكية في حد ذاته بأنه مادي أيضا لأن محله مادي، في حين ليس الأمر ذلك بالنسبة لحق المؤلف والمخترع الذي
هو من طبيعة أخرى أي أنه محله هو عالم الفكر، ومن ثم فالاختلاف واضح بين عالم المادة، عالم الفكر, فالفكر جزء من الشخصية وأن نتاج الفكر مقيد
بهذا الاعتبار أي أن الحق الأدبي للمؤلف على إنتاجه يعطيه حق المراجعة أو الإستراد
لما تم نشره من دائرة التداول وبإرادة منفردة, في حين أن التصرف في الشيء المادي
يعتبر تصرفا باتا وليس بإرادة المتصرف وحده أن يرجع فيما تصرف فيه من قبل، ومن ثم يصل المعترضون إلى اعتبار الحق الأدبي للمؤلف
ليس بحق ملكية أو حقا عينيا، بل هو حق من الحقوق الشخصية لصيق
بها، بل جزء منها ...ومبررات الاعتراض أيضا عند هذا الفريق أن
الملكية هي حق دائم مؤبد، في حين حق المؤلف والمخترع هو حق
استغلال مؤقت، وتأتي صفة التوقيت من كون أن
الفكر يزدهر ويحيا بالانتشار لا بالاستئثار، وأن الإنتاج الفكري هو حلقات مترابطة على مر العصور
شاركت فيها الأجيال السابقة واللاحقة، بل ويعتبر الإنتاج الفكري تراثا
إنسانيا مشتركا، أو بعبارة أخرى هو نوع من المادة
الخام التي يضعها المجتمع رهن إشارة المؤلف، وإذا كان من الجائز للمؤلف أن يتصرف في المادة المذكورة
فإن من المتعين عليه إرجاعها إلى الهيئة الاجتماعية بعدئذ في شكل وحلة جديدة.
فلا جدال من أن ابتداع فكرة ما لا
يتحقق إلا بفضل ما بذلته الأجيال السابقة من جهد ونشاط فكري، ومن ها المنظور يجب أن نستبعد وصف حق الملكية على إنتاج
المؤلف والفنان والمخترع باعتباره إنتاجا مؤقتا من جهة، وتراثا مشتركا بين الأجيال من جهة أخرى.
والحاصل إذا كانت الملكية حق
استئثار مؤبد فإن حق المؤلف أو المخترع يمثل حق استغلال مؤقت، وفي هذا الاتجاه قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 25
جويلية 1887، باتبعاد صفة الملكية عن المؤلف
والفنان والمخترع وكيفيته بأنه :"حق امتياز احتكاري لاستثمار مؤقت"
"privilège exclusif d'une exploitation temporaire"
وقد قيل أن هذا القول أقرب إلى
الوصف منه إلى التكييف، وبأنه لا يحلل حق المؤلف ولا ينفذ
إلى طبيعته.
إن اختلاف الآراء حول طبيعة الحقوق
الذهنية تدفع بنا إلى القول بأن التقسيم التقليدي للحقوق المالية إلى حقوق شخصية، وحقوق عينية قد تجاوزه الزمان ولا يستجيب بل ولا يستوعب
كل الحقوق المالية وبخاصة تلك الحقوق المالية التي ظهرت بظهور حق المؤلف والمخترع
والتي يطلق عليها مصطلح الحقوق الذهنية, أو حقوق الفكر إذا هي ليست سلطة على شيء
مادي كما هو الأمر بالنسبة للحقوق العينية، كما هي ليست أيضا بسلطة على المدين كما هو الشأن
بالنسبة للحقوق الشخصية.
يرد حق المؤلف، أو المخترع على استغلال ما جادت به قريحته والاستئثار
بثمرات عمل صاحبه.
وإجمالا:
تعتبر طبيعة الملكية الفكرية طبيعة
مزدوجة، أي أنها من جهة تعطي لصاحبها سلطة
مباشرة على الشيء الواردة عليه هذه الملكية من استعمال لهذا الشيء، واستغلاله، والتصرف فيه. وهو ما يطلق عليه
بالشق المادي، ومن جهة أخرى فإن المالك يرتبط
شخصيا بما أبدعه، فيكون عليه حق الحماية من اعتداء
الغير على ما أنتجه كما يتمتع بأن ينسب إليه إنتاجه الذهني باعتبار ما أنتج امتداد
لشخصية، وهذا الشق يطلق عليه الجانب
المعنوي، وبعبارة أخرى يتمتع المالك بنوعين
من المصالح. مصلحة معنوية تكمن في حماية إنتاجه الفكري الذي يعتبر امتداد لشخصيته، ومصلحة مادية تتمثل في احتكار لما ينتج عن استغلال نتاج
عقله وإبداعه ماليا.
وإذا كان الرأي الراجح يعتبر الحق
الوارد على الملكية الفكرية حقا من نوع خاص ذو طبيعة مزدوجة فإن وجه التقارب
والاختلاف عن الحق العيني والحق الشخصي يمكن اختصاره فيما يلي:
1- تمنح الملكية
الفكرية لصاحبها حقا جامحا مانعا في الاستئثار، ومقتضى ذلك أنه يفرض على الكافة واجبا عاما بعدم التعرض
لصاحب الملكية الفكرية, وبهذه الصفة يقترب حق الملكية الفكرية من الحق العيني الذي
يترتب نفس الواجب على الكافة، ومع ذلك فلاختلاف يتمثل في أنها
لا تعطي لصاحبها حق الاستلام بل تمنحه فقط حقي الاستغلال والتصرف، وذلك لاعتبار أن ما توصل إلي صاحب الملكية الفكرية من
ابتكار وإبداع ليس قاصرا عليه، بل يستطيع أي شخص إذا ما عجز
المبتكر عن استعمال ابتكاره بالشـكل الذي يؤدي إلى تعميم الفائدة من اكتشافه، أن يقوم باستعمال هذا الابتكار الجديد تحقيق المنشود من
وراء الابتكار.
2- تضع الملكية
الفكرية على الكافة التزاما سلبيا يقضي بعدم التعرض للمبتكر الذي يكون في موقع
"الدائن" فهي بهذا تشبه الحق الشخصي الذي فرض على المدينين تجاه الدائن
التزاما بعدم التعرض.
فالدائن في الحق الشخصي له أن يطلب
المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل. فصاحب الابتكار في الملكية الفكرية يضع
على الكافة التزاما سلبيا بعدم القيام بأي عمل من شأنه المساس بالابتكار أو التعرض
لصاحبه أو منافسته منافسة غير مشروعة.
3- تختلف الملكية الفكرية عن الحق
العيني الذي يتمتع بصفة التأبيد، فهي مرتبطة بمدة معينة كما سيرد
شرح ذلك في حينه فهي بذلك تقترب من الحق الشخصي الذي يتفق معها في الصفة
المؤقتة.
إن صاحب الملكية الفكرية إذا لم يستطيع خلال
المدة المعينة استعمالها أو استغلالها ضمن هذه المدة أصبحت مالا عاما يستطيع شخص
آخر قادر على تسخيرها للانتفاع العام أن يقوم بذلك دون الحصول على إذن خاص من قبل
صاحبها....
تقترب الملكية الفكرية من الحق
العيني من حيث إمكانية التنازل إذا أمكن التنازل عن الشيء الواردة عليه هذه
الملكية، ويتم ذلك بمحض الإرادة المنفردة
لصاحبها.
4- أما بالنسبة للحق الشخصي فلا يجوز التنازل عنه
أو التخلي عن الشيء الوارد عليه هذا الحق إلا بالاتفاق مع المدين أو على الأقل
إعلامه بذلك...
المطلب الثاني:الملكية الفكرية وأهميتها
قال سقراط قديما:"أن ابتداع
الفكر أعلى درجات اللذة النفسية التي يمكننا أن نحصل عليها في حياتنا."
لقد بذل الكثير من فطاحل الفن والأدب والعلم الجهود
المضنية وأبدعوا في كل أنواع الإنتاج الذهني وبذلوا عصارة فكرهم وصحتهم الثمينة في
سبيل رفاهية الإنسانية وتقدمها.
صحيح أنه كلما كبرت النفوس ضاقت
الأبدان ذرعا بها وتعبت في تحقيق مرادها وأمانيها.
لقد بدأ الإنتاج الذهني للإنسان
منذ العصر السحيقة بل ومنذ استطاعته ملاحظة تفهم ما يحيط به وقبل أن يبدأ بالتعبير
عن رأيه بالكلام ويتقن فن البيان.
كان لدى المجتمعات البدائية أقوام
يتفوقون على غيرهم في إظهار شعورهم وإحساسا تهم عن طريق الرقص، وحركات العبير عن الفرح والحزن قبل أن يخترعوا ويتقنوا
فن نحت الأحجار وصقلها، وعمل شباك صيد الحيوانات وهذا
البصيص الأول لنور الإنتاج الذهني ذلك الإنتاج الذي يسطع من الذهن ليغير باستمرار
معالم المدنية ويملا على التطور والتقدم، وهو يشمل كل إبداع ذهني سواء كان
شعرا أو نثرا.. أو موسيقى أو رسما.. أو صورة.. أو تمثالا أو اختراعا...
إن الملكية الفكرية في صورتها
الراهنة قد ظهرت نتيجة التطور والتقدم العلمي
والتكنولوجي الذي يسود عصرنا الحاضر، وأن الملكية الفكرية بفرعيها سواء ما اصطلح على تسميته
بالملكية الأدبية والفنية أو حق المؤلف والحقوق المجاورة، أو ما أصطلح على تسميته بحق المخترع أو الملكية
الصناعية, فهي جميعها حقوق ذهنية, من إنتاج الذهن وخلقه وابتكاره ومع ذلك فلكل من
نوع الملكيتين له مراحل تطوره وظهوره وخصوصيته كما سنرى ذلك في حينه....
أما يجب توفره في الشيء محل
الملكية الفكرية فيمكن اختصاره في:
1- أن لا يكون
هذا الشيء خارجا عن دائرة التعامل سواء بطبيعته أو بحكم القانون (75) ومن ثم لا
يستطيع أحد أن يقوم بتسجيل اختراع أو اكتشاف جديد باسمه إذا كان ذا الابتكار مخلا
بالنظام والآداب العامة ومخالفا لأحكام القانون.
2- أن يكون محل
الملكية شيأ غير مادي أي غير محسوس كالأفكار والاختراعات، على عكس الملكية العينية فالشيء يكون ماديا محسوسا، كالأرض، والمباني..
3- يشترط في محل
الملكية الفكرية أن يكون منقولا، ويدخل ضمن هذا المعني الكتب، والمصنفات الأدبية والفنية، والموسيقية والرسومات، والنماذج الصناعي... وكل أنواع الملكية الفكرية من
أفكار وإبداعات ذهنية عقلية.
إن الأفكار ومنتجات الذهن كثيرة
ومتعددة تبعا لتعدد واختلاف أوجه الابتكار الإنساني، منها ما يتعلق بالجوانب الصناعية كالاختراعات، والاكتشافات والنماذج والرسومات الصناعية...
ومنها ماله طابع تجاري كالعلامات
التجارية، والاسم التجاري والسمعة التجارية
والمحل التجاري..
إن لكل نوع من هذا الإنتاج الفكري
نظام يحكمه ويبين ماهيته وبهذا فالملكية الفكرية في عمومها تأتي على كل شيء غير
مادي، تخول صاحبها احتكا استغلال ذلك
الإنتاج أن هذه القيمة فهي سلطة مباشرة تمكنه من الاستئثار والانتفاع المالي لثمرة
عمل أو جهد صاحب الحق الذهني أو لنشاطه دون إعراض وذلك خلال المدة المحددة قانونا.
وإجمالا: فحقوق الملكية الفكرية هي
مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى تنظيم طائفتين رئيسيتين من الحقوق هما:
1- حقوق المؤلفين
والمنتجين والفنانين أو ما يطلق عليه مصطلح "الملكية الأدبية والفنية".
2- حقوق الملكية
الصناعية، وهي مجموعة من الحقوق المعنوية
ترد على أشياء غير مادية تخول لأصحابها الحق فيها، حقا مانعا في استغلالها أو استعمالها، ويدخل في نطاقها كل ما يرد من ابتكارات صناعية جديدة
كبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية التي تستعمل لتمييز منتجات معينة من
تلك المشابهة أو المنافسة لها...الخ.
3- وتبدو أهمية
الملكية الفكرية على مستوى كل دولة كمؤشر لتقدم الدولة أو تخلفها.
فمتى كانت مسرحا للاختراعات والاكتشافات، والابتكارات الأدبية والفنية والتكنولوجية، والصناعة والتجارة تنعدم فيها مظاهر التطور والإبداع، كانت الدولة متطورة والعكس صحيح ونظرا لأهمية الإنتاج الفكري وحيويته سارعت كل
دولة في إلى سن قوانين لحماية ما تم التوصل إليه من ابداع.