مقدمــة:
الحمد
لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على محمّد بن عبد الله رسولنا الكريم صلى الله عليه
وسلم المبعوث رحمة للعالمين الذي كان من هديه فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن
أصابه مرض من أصحابه وأهله، أما بعد:
فإن
الله سبحانه وتعالى قد ميّز الإنسان بالعقل على سائر مخلوقاته وبلغ فضله منتهاه أن
منحه ملكة الاستئثار بمنتجات عقله وذلك وفق ضوابط محددة ليس فيها ضرر ولا ضرار
مراعياً في ذلك مصلحة الجماعة المقدمة على مصلحة الفرد.
هذا
والتطور الذي اجتاح كافة مناحي الحياة والمدنية التي صارت سمة العصر أفردت بعض
الظواهر السالبة والتي كانت في أمس الحاجة إلى تشريعات دولية تنظم أحكامها وتوازن
بين حماية حقوق الملكية الفكرية وحق المرضى في الحصول على المنتجات الدوائية.
وقد
خصصنا هذه الورقة لحقوق الملكية الفكرية على المنتجات الدوائية وطرق تصنيعها لأنها
ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة الإنسان بل بحياته، أضف إلى ذلك أن تشريعات الدول
تتباين في الحماية أيما تباين فبعض التشريعات لا تمنحها أي حماية وبعضها الآخر
أضفى عليها حماية وهناك تشريعات أخرى منحت الحماية لطرق التصنيع دون المنتجات.
وسواء
أن صح هذا أو ذاك فإنه يقع على عاتق كافة الدول توفير الدواء لمواطنيها بالكمية
والجودة والثمن الذي يناسب كافة فئات المجتمع، وقد اكتسب موضوع الدواء أهمية خاصة
بعد دخول اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية تربس حيز
التنفيذ حيث إنها وضعت معايير مشددة لحماية حقوق براءات الاختراع على العديد من
مجالات الإبداع الفكري والعلمي ومن بينها الأدوية رغم أنها قد نصت على بعض
الاستثناءات المتصلة بالحصول على الأدوية الأساسية دون الإخلال بأحكامها وبعد
تطبيق هذه الاتفاقية على أرض الواقع صادقت عليها بعض الدول النامية وبعد أن أصبحت
ملزمة بأحكامها اكتشفت أنها في حاجة إلى تعديل كل قوانينها لتتواءم مع الاتفاقية
وبدأت تلك الدول في السعي للفت نظر الرأي العام العالمي بخصوصية وضعها خاصة بعد
احتكار الشركات الكبرى في الدول المتقدمة للأدوية وتمخض عن ذلك الدعوة لإعلان
الدوحة الوزاري للحد من غلواء اتفاقية تربس.
وإن
كان هذا هو شأن الدول النامية فقطعاً الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للدول الأقل نمواً
لذا بإذن الله تعالى سوف نأخذ السودان نموذجاً للدراسة لمعرفة موقفه من الاتفاقية
ومدى موائمة التشريعات الوطنية مع أحكامها ومن ثم التطرق لآليات الإنفاذ والحماية
لحقوق الملكية الفكرية للمنتجات الدوائية وطرق تصنيعها.
ماهية الـدواء
وبراءة الاختراع
أولاً:
ماهية الدواء ومشروعيته:
الدواء
في اللغة ما يتداوى به و يقال تداوى بالشئ تعالج به وفى الاصطلاح له تعريفات عدة
والراجح منها انه (أي مادة من أصل كيمائي أو نباتي أو حيواني تستخدم لعلاج الأمراض
أو الوقاية منها أو تشخيصها أي كانت طريقة تناولها) وقد عرّف الدواء قانون الصيدلة
والسموم السوداني لسنة 2001م بأنه (أي مادة أو خليط من المواد تصنع أو تباع أو
تعرض للبيع أو تقدم للاستعمال في علاج أو تسكين أو الوقاية من أو تشخيص مرض أو
حالات جسمانية غير طبيعية أو عوارض في الإنسان أو الحيوان أو الحفاظ على أو تصحيح
أو تعديل الوظائف العضوية في الإنسان أو الحيوان).
وللدواء
أهميته النابعة من ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بصحة الإنسان وهو سلعة ضرورية لا تدخل
في باب الترف والكماليات لتعلقها بالحياة وقد ازدادت أهمية الدواء بعد الإفرازات
السلبية لحياة المدنية المعاصرة وما ترتب عليها من مشكلات صحية.
أما
بالنسبة لحكم مشروعية الدواء فالطب بصفة عامة هو علاج الجسم والنفس وأصل الطب
الحزق بالأشياء والمهارة بها وكل حازق عند العرب طبيب وطب المريض ونحوه طباً داواه
واستطب بالدواء ونحوه تداوى وتعالج.
هذا
وقد كان هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من
أهله وأصحابه.
وصناعة
الأدوية بصفة عامة تدخل في قوله تعالى: (.....وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). ويقول أبن عباس رضي الله عنه في الآية آنفة الذكر
أي من أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعاً ومن لم يقتل فقد حيّا
الناس وكذلك من الإحياء سلامة جميع النفوس منه لأن الواحدة منها يقوم قتلها مقام
جميعها إنما هو في الوزر. ومن أدلت إباحة التطبيب بصفة عامة و التداوي بصفة أخص ما
رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل الله
داء إلا أنزل له شفاء). هذا والثابت انه متى أمكن التداوي بالغذاء فلا يعدل إلى
الدواء ومتى أمكن البسيط فلا يعدل إلى المركب وكل داء قدر علي دفعه بالأغذية لم
يحاول دفعه بالأدوية ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية فإن الدواء إذا لم يجد
في البدن داء يحلله اوجد داء لا يوافقه هذا وصناعة الدواء الأصل فيها الإباحة بل
أنه أمر مرغوب فيه مندوب إليه خاصة إذا اقترن بينة التأسي برسول الله صلى الله
عليه وسلم ونفع المسلمين وغيرهم لأن حاجة الناس جميعاً إليه والضرورة تقتضيه.
ثانياً:
ماهية براءة الاختراع:
البراءة
هي عبارة عن مستند تمنحه السلطة المختصة (عادة مكتب البراءات) بناء على طلب يتم
إيداعه لديها يصف الاختراع وينتج عن هذا المستند وضع قانوني يمنع الغير من استغلال
هذه البراءة من دون تصريح صاحبها وبمعنى
آخر فإن البراءة تحمي الاختراع وتمنح صاحبه حقاً استئثارياً باستغلاله لمدة محددة.
أما
الاختراع فهو حل جديد لمشكلة تقنية ما فمن أمثلة الاختراعات الهاتف وقلم الحبر
وغيرها وبصفة عامة فإن الغرض من البراءة هو توفير شكل من أشكال الحماية للتقدم
التكنولوجي المستمر فهي بمثابة حافز يؤدي إلى الحث على المزيد من الإبداع والمعلوم
أن البراءات ليست وليدة اللحظة وإنما هي قديمة قدم الإنسانية فهناك براءات يرجع
تاريخها إلى حوالي العام 1700م والعالم الآن يسير بخطى حثيثة لتطوير وتحديث أنظمة
البراءات لتتواءم مع التغييرات التكنولوجية والتطور الاقتصادي.
والشروط
الشكلية تتمثل في تقديم طلب يوصف فيه اختراعه وصفاً تفصيلياً ولعل الحكمة من هذا
الوصف التفصيلي هي الكشف عن سر الاختراع بحيث يتمكن الباحثين والعلماء من الاطلاع
عليه وتستطيع كذلك الجهات الصناعية من دراسته ليتم استغلاله بما يحقق مصلحة
المخترع ودفع عجلة الاقتصاد القومي ومن ثم يتم فحص الطلب بالتأكد من أنه مستوف
لمعايير قابلية استصدار البراءة الموضوعية وهذه المعايير هي:
1. أن
يكون الاختراع جديداً بمعنى أنه يجب أن لا يكون قد تم صنعه أو تنفيذه أو استخدامه
من قبل وذلك لأن الحكمة من منح البراءة هو تشجيع حركة الإبداع والابتكار وبالتالي
ليس من المعقول منح براءة لاختراع غير جديد.
2. الخطوة
الابتكارية: بمعنى أن الاختراع يجب أن يمثل تقدماً كافياً لحالة التقنية الصناعية
السابقة له حتى يعتبر مستحقاً للبراءة ويستخدم لفظ غير بديهي للدلالة على أنه إذا
كان الاختراع بديهياً للشخص صاحب المعرفة المتوسطة في المجال التقني المعين فإنه
لا يمكن حمايته بواسطة البراءة.
3. القابلية
للتطبيق الصناعي: أي للاستخدام بطريقة ما ويلاحظ أن هذا المعيار الأخير واسع جداً
لأنه يمكن استخدام أي شئ تقريباً حتى ولو كان في مرحلة البحث وبصفة عامة يمكن
القول لكي يكون الاختراع قابلاً للحصول على البراءة يجب أن يكون جديداً ويبيّن
نشاطاً ابتكارياً ويجب أن يكون قابلاً للتطبيق الصناعي وبالتالي تستبعد من الحماية
الاكتشافات والنظريات العلمية والطرق الرياضية والحيوانات والنباتات عدا الكائنات
الدقيقة وتستبعد كذلك من الحماية الأعضاء والأنسجة والخلايا الحية والحمض النووي
باعتباره كائنات حية أو جزء من كائنات حية وهذا القول الأخير بالاستثناء من
الحماية لا تجمع عليه تشريعات كل الدول فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً تريد أن
تمنح الحماية لكل ما هو موجود تحت الشمس.
والحماية
التي يبرها القانون لصاحب البراءة الحق في الاستئثار باستعمال اختراعه واستغلاله
اقتصادياً ليجني منه أرباحاً ويمنع الآخرين من الاعتداء عليه بالتصنيع أو العرض
للبيع أو الاستيراد إذا كان موضوع البراءة سلعة ومنع الغير كذلك من تصنيع السلعة
باستخدام ذات الطريقة الصناعية إذا كان محل البراءة طريقة صناعية.
الحماية
الدولية لبراءات الاختراع على المنتجات الدوائية وطرق تصنيعها:
أولاً:
اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883م:
تعتبر
هذه الاتفاقية العمود الفقري لكل اتفاقيات الملكية الصناعية وتشكل الدول التي تسري
التي تسرى عليها هذه الاتفاقية اتحادا لحماية الملكية الصناعية وتشمل حماية
الملكية الصناعية بموجبها براءات الاختراع والعلامات التجارية والاسم التجاري
وتسميات المنشأ وقمع المنافسة غير المشروعة وغيرها كذلك نصت هذه الاتفاقية على نص
فضفاض فحواه أن الملكية الصناعية ينبغي أن تؤخذ بأوسع معانيها فلا يقتصر تطبيقها
على الصناعة والتجارة بمعناهما الحرفي وإنما تطبق كذلك على الصناعات الزراعية
والاستخراجية وعلى جميع المنتجات المصنعة أو الطبيعية.
أضف
إلى ذلك أن براءات الاختراع بموجب اتفاقية باريس تشمل مختلف أنواع البراءات
الصناعية التي تقرها تشريعات دول اتحاد باريس وقد نصت هذه الاتفاقية على مبادئ
هامة منها:
1. مبدأ
المعاملة الوطنية: أي أن يتمتع رعايا كل دولة من دول الاتحاد بالنسبة لحماية حقوق
الملكية الصناعية بنفس المزايا والحقوق التي تمنحها الدولة لمواطنيها ويتمتع بنفس
وسائل الطعن القانونية ضد أي إخلال بحقوقهم.
2. حق
الأولوية: ويقصد به فيما يتعلق ببراءة الاختراع أن كل من أودع طلباً للحصول على
براءة اختراع وقد استوفى الشروط المطلوبة للتشريع الوطني لتلك الدولة من دول
الاتحاد فإن هذا الشخص أو خلفه يتمتع بحق أولوية في أن يحمى طلبه في كافة دول
الاتحاد الأخرى لمدة أثنى عشر شهراً بالنسبة لبراءات الاختراع، بمعنى أن طلبه
يعامل في كافة دول الاتحاد كما لو كان قد قدم في تاريخ إيداع الطلب الأول، أي قبل
أثنى عشر شهر.
أما
بالنسبة لموقف السودان من اتفاقية باريس فبحمد الله السودان صادق عليها منذ
ثمانينات القرن الماضي وتحديداً في عام 1984م.
ثانياً:
اتفاقية التعاون بشأن البراءات (PCT) 1970م Patent
Cooperation Treaty:-
هذه
الاتفاقية هي الاتفاقية الأهم من بين المعاهدات التي تديرها الوايبو والعضوية فيها
متاحة لكل دولة عضو في اتحاد باريس والهدف الأساسي من هذه المعاهدة هو تبسيط
الإجراءات وتقليل التكلفة المالية بحيث يتمكن المخترعين والمودعين من إيداع
الطلبات وربما الحصول على براءات في عدد كبير من البلدان وذلك بواسطة طلب واحد يقدم
إما للمكتب الوطني أو للمكتب الدولي للوايبو يحدد فيه الشخص المودع الدولة أو
الدول التي يرغب في حماية اختراعه فيها ويمر الطلب بعدة إجراءات من بينها الإيداع
والبحث الدولي والنشر الدولي والفحص التمهيدي الدولي والمرحلة الوطنية.
هذا
والإيداع قد يكون في المكتب الوطني أو المكتب الدولي في جنيف ومن ثم تأتي مرحلة
البحث الدولي فجمعية اتحاد التعاون بشأن البراءات حددت 11 إدارة فقط مخول لها
القيام بالبحث الدولي وقد تم اختيار هذه الإدارات وفقاً لمعايير محددة ويمكن
للمودعين أن يتقدموا لأي إدارة من هذه الإدارات ويستحسن اللجوء للإدارات التي تعمل
بأكثر من لغة فهناك إدارات تعمل بخمسة أو ستة لغات على العكس من المكتب الياباني
مثلاً الذي يعمل فقط باللغة اليابانية وكذلك الاسباني الذي يعمل باللغة الاسبانية
فقط.
أما
المرحلة الثالثة فهي مرحلة النشر الدولي وهذه يقوم بها المكتب الدولي للوايبو وهي
الوظيفة الوحيدة التي يقوم بها المكتب الدولي ويقوم بنشر كل الطلبات مهما كان
مصدرها أو لغة إيداعها.
والمرحلة
الرابعة هي مرحلة الفحص التمهيدي الدولي وتقوم بها عادة الإدارة التي قامت بالبحث
الدولي.
والمرحلة
الأخيرة هي المرحلة الوطنية وهذه لا يتدخل فيها المكتب الدولي ويجب على الشخص
المودع للطلب أن يزود بنفسه المكاتب المعنية بالوثائق المطلوبة.
وهناك
أشياء مهمة يجب الإشارة إليها وهي أن معاهدة التعاون بشأن البراءات لا تمنح براءة
اختراع وإنما ذلك تقوم به المكاتب الوطنية بعد نهاية الإجراءات المطلوبة والشئ
الآخر هو أن معاهدة التعاون بشأن البراءات لم تنص على منح براءة اختراع عالمية
وإنما يمكن أن يحصل المودع على براءة واحدة إذا أكمل الإجراءات المحددة لذلك ويمكن
أن يحصل على حماية في عشرين أو خمسين دولة إذا طلب ذلك وأكمل الإجراءات المحددة.
أما بالنسبة لموقف السودان من معاهدة التعاون بشأن
البراءات فقد صادق عليها بحمد الله السودان منذ عام 1984م.
الحمد
لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على محمّد بن عبد الله رسولنا الكريم صلى الله عليه
وسلم المبعوث رحمة للعالمين الذي كان من هديه فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن
أصابه مرض من أصحابه وأهله، أما بعد:
فإن
الله سبحانه وتعالى قد ميّز الإنسان بالعقل على سائر مخلوقاته وبلغ فضله منتهاه أن
منحه ملكة الاستئثار بمنتجات عقله وذلك وفق ضوابط محددة ليس فيها ضرر ولا ضرار
مراعياً في ذلك مصلحة الجماعة المقدمة على مصلحة الفرد.
هذا
والتطور الذي اجتاح كافة مناحي الحياة والمدنية التي صارت سمة العصر أفردت بعض
الظواهر السالبة والتي كانت في أمس الحاجة إلى تشريعات دولية تنظم أحكامها وتوازن
بين حماية حقوق الملكية الفكرية وحق المرضى في الحصول على المنتجات الدوائية.
وقد
خصصنا هذه الورقة لحقوق الملكية الفكرية على المنتجات الدوائية وطرق تصنيعها لأنها
ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة الإنسان بل بحياته، أضف إلى ذلك أن تشريعات الدول
تتباين في الحماية أيما تباين فبعض التشريعات لا تمنحها أي حماية وبعضها الآخر
أضفى عليها حماية وهناك تشريعات أخرى منحت الحماية لطرق التصنيع دون المنتجات.
وسواء
أن صح هذا أو ذاك فإنه يقع على عاتق كافة الدول توفير الدواء لمواطنيها بالكمية
والجودة والثمن الذي يناسب كافة فئات المجتمع، وقد اكتسب موضوع الدواء أهمية خاصة
بعد دخول اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية تربس حيز
التنفيذ حيث إنها وضعت معايير مشددة لحماية حقوق براءات الاختراع على العديد من
مجالات الإبداع الفكري والعلمي ومن بينها الأدوية رغم أنها قد نصت على بعض
الاستثناءات المتصلة بالحصول على الأدوية الأساسية دون الإخلال بأحكامها وبعد
تطبيق هذه الاتفاقية على أرض الواقع صادقت عليها بعض الدول النامية وبعد أن أصبحت
ملزمة بأحكامها اكتشفت أنها في حاجة إلى تعديل كل قوانينها لتتواءم مع الاتفاقية
وبدأت تلك الدول في السعي للفت نظر الرأي العام العالمي بخصوصية وضعها خاصة بعد
احتكار الشركات الكبرى في الدول المتقدمة للأدوية وتمخض عن ذلك الدعوة لإعلان
الدوحة الوزاري للحد من غلواء اتفاقية تربس.
وإن
كان هذا هو شأن الدول النامية فقطعاً الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للدول الأقل نمواً
لذا بإذن الله تعالى سوف نأخذ السودان نموذجاً للدراسة لمعرفة موقفه من الاتفاقية
ومدى موائمة التشريعات الوطنية مع أحكامها ومن ثم التطرق لآليات الإنفاذ والحماية
لحقوق الملكية الفكرية للمنتجات الدوائية وطرق تصنيعها.
ماهية الـدواء
وبراءة الاختراع
أولاً:
ماهية الدواء ومشروعيته:
الدواء
في اللغة ما يتداوى به و يقال تداوى بالشئ تعالج به وفى الاصطلاح له تعريفات عدة
والراجح منها انه (أي مادة من أصل كيمائي أو نباتي أو حيواني تستخدم لعلاج الأمراض
أو الوقاية منها أو تشخيصها أي كانت طريقة تناولها) وقد عرّف الدواء قانون الصيدلة
والسموم السوداني لسنة 2001م بأنه (أي مادة أو خليط من المواد تصنع أو تباع أو
تعرض للبيع أو تقدم للاستعمال في علاج أو تسكين أو الوقاية من أو تشخيص مرض أو
حالات جسمانية غير طبيعية أو عوارض في الإنسان أو الحيوان أو الحفاظ على أو تصحيح
أو تعديل الوظائف العضوية في الإنسان أو الحيوان).
وللدواء
أهميته النابعة من ارتباطه ارتباطاً وثيقاً بصحة الإنسان وهو سلعة ضرورية لا تدخل
في باب الترف والكماليات لتعلقها بالحياة وقد ازدادت أهمية الدواء بعد الإفرازات
السلبية لحياة المدنية المعاصرة وما ترتب عليها من مشكلات صحية.
أما
بالنسبة لحكم مشروعية الدواء فالطب بصفة عامة هو علاج الجسم والنفس وأصل الطب
الحزق بالأشياء والمهارة بها وكل حازق عند العرب طبيب وطب المريض ونحوه طباً داواه
واستطب بالدواء ونحوه تداوى وتعالج.
هذا
وقد كان هديه صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من
أهله وأصحابه.
وصناعة
الأدوية بصفة عامة تدخل في قوله تعالى: (.....وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). ويقول أبن عباس رضي الله عنه في الآية آنفة الذكر
أي من أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعاً ومن لم يقتل فقد حيّا
الناس وكذلك من الإحياء سلامة جميع النفوس منه لأن الواحدة منها يقوم قتلها مقام
جميعها إنما هو في الوزر. ومن أدلت إباحة التطبيب بصفة عامة و التداوي بصفة أخص ما
رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أنزل الله
داء إلا أنزل له شفاء). هذا والثابت انه متى أمكن التداوي بالغذاء فلا يعدل إلى
الدواء ومتى أمكن البسيط فلا يعدل إلى المركب وكل داء قدر علي دفعه بالأغذية لم
يحاول دفعه بالأدوية ولا ينبغي للطبيب أن يولع بسقي الأدوية فإن الدواء إذا لم يجد
في البدن داء يحلله اوجد داء لا يوافقه هذا وصناعة الدواء الأصل فيها الإباحة بل
أنه أمر مرغوب فيه مندوب إليه خاصة إذا اقترن بينة التأسي برسول الله صلى الله
عليه وسلم ونفع المسلمين وغيرهم لأن حاجة الناس جميعاً إليه والضرورة تقتضيه.
ثانياً:
ماهية براءة الاختراع:
البراءة
هي عبارة عن مستند تمنحه السلطة المختصة (عادة مكتب البراءات) بناء على طلب يتم
إيداعه لديها يصف الاختراع وينتج عن هذا المستند وضع قانوني يمنع الغير من استغلال
هذه البراءة من دون تصريح صاحبها وبمعنى
آخر فإن البراءة تحمي الاختراع وتمنح صاحبه حقاً استئثارياً باستغلاله لمدة محددة.
أما
الاختراع فهو حل جديد لمشكلة تقنية ما فمن أمثلة الاختراعات الهاتف وقلم الحبر
وغيرها وبصفة عامة فإن الغرض من البراءة هو توفير شكل من أشكال الحماية للتقدم
التكنولوجي المستمر فهي بمثابة حافز يؤدي إلى الحث على المزيد من الإبداع والمعلوم
أن البراءات ليست وليدة اللحظة وإنما هي قديمة قدم الإنسانية فهناك براءات يرجع
تاريخها إلى حوالي العام 1700م والعالم الآن يسير بخطى حثيثة لتطوير وتحديث أنظمة
البراءات لتتواءم مع التغييرات التكنولوجية والتطور الاقتصادي.
والشروط
الشكلية تتمثل في تقديم طلب يوصف فيه اختراعه وصفاً تفصيلياً ولعل الحكمة من هذا
الوصف التفصيلي هي الكشف عن سر الاختراع بحيث يتمكن الباحثين والعلماء من الاطلاع
عليه وتستطيع كذلك الجهات الصناعية من دراسته ليتم استغلاله بما يحقق مصلحة
المخترع ودفع عجلة الاقتصاد القومي ومن ثم يتم فحص الطلب بالتأكد من أنه مستوف
لمعايير قابلية استصدار البراءة الموضوعية وهذه المعايير هي:
1. أن
يكون الاختراع جديداً بمعنى أنه يجب أن لا يكون قد تم صنعه أو تنفيذه أو استخدامه
من قبل وذلك لأن الحكمة من منح البراءة هو تشجيع حركة الإبداع والابتكار وبالتالي
ليس من المعقول منح براءة لاختراع غير جديد.
2. الخطوة
الابتكارية: بمعنى أن الاختراع يجب أن يمثل تقدماً كافياً لحالة التقنية الصناعية
السابقة له حتى يعتبر مستحقاً للبراءة ويستخدم لفظ غير بديهي للدلالة على أنه إذا
كان الاختراع بديهياً للشخص صاحب المعرفة المتوسطة في المجال التقني المعين فإنه
لا يمكن حمايته بواسطة البراءة.
3. القابلية
للتطبيق الصناعي: أي للاستخدام بطريقة ما ويلاحظ أن هذا المعيار الأخير واسع جداً
لأنه يمكن استخدام أي شئ تقريباً حتى ولو كان في مرحلة البحث وبصفة عامة يمكن
القول لكي يكون الاختراع قابلاً للحصول على البراءة يجب أن يكون جديداً ويبيّن
نشاطاً ابتكارياً ويجب أن يكون قابلاً للتطبيق الصناعي وبالتالي تستبعد من الحماية
الاكتشافات والنظريات العلمية والطرق الرياضية والحيوانات والنباتات عدا الكائنات
الدقيقة وتستبعد كذلك من الحماية الأعضاء والأنسجة والخلايا الحية والحمض النووي
باعتباره كائنات حية أو جزء من كائنات حية وهذا القول الأخير بالاستثناء من
الحماية لا تجمع عليه تشريعات كل الدول فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً تريد أن
تمنح الحماية لكل ما هو موجود تحت الشمس.
والحماية
التي يبرها القانون لصاحب البراءة الحق في الاستئثار باستعمال اختراعه واستغلاله
اقتصادياً ليجني منه أرباحاً ويمنع الآخرين من الاعتداء عليه بالتصنيع أو العرض
للبيع أو الاستيراد إذا كان موضوع البراءة سلعة ومنع الغير كذلك من تصنيع السلعة
باستخدام ذات الطريقة الصناعية إذا كان محل البراءة طريقة صناعية.
الحماية
الدولية لبراءات الاختراع على المنتجات الدوائية وطرق تصنيعها:
أولاً:
اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883م:
تعتبر
هذه الاتفاقية العمود الفقري لكل اتفاقيات الملكية الصناعية وتشكل الدول التي تسري
التي تسرى عليها هذه الاتفاقية اتحادا لحماية الملكية الصناعية وتشمل حماية
الملكية الصناعية بموجبها براءات الاختراع والعلامات التجارية والاسم التجاري
وتسميات المنشأ وقمع المنافسة غير المشروعة وغيرها كذلك نصت هذه الاتفاقية على نص
فضفاض فحواه أن الملكية الصناعية ينبغي أن تؤخذ بأوسع معانيها فلا يقتصر تطبيقها
على الصناعة والتجارة بمعناهما الحرفي وإنما تطبق كذلك على الصناعات الزراعية
والاستخراجية وعلى جميع المنتجات المصنعة أو الطبيعية.
أضف
إلى ذلك أن براءات الاختراع بموجب اتفاقية باريس تشمل مختلف أنواع البراءات
الصناعية التي تقرها تشريعات دول اتحاد باريس وقد نصت هذه الاتفاقية على مبادئ
هامة منها:
1. مبدأ
المعاملة الوطنية: أي أن يتمتع رعايا كل دولة من دول الاتحاد بالنسبة لحماية حقوق
الملكية الصناعية بنفس المزايا والحقوق التي تمنحها الدولة لمواطنيها ويتمتع بنفس
وسائل الطعن القانونية ضد أي إخلال بحقوقهم.
2. حق
الأولوية: ويقصد به فيما يتعلق ببراءة الاختراع أن كل من أودع طلباً للحصول على
براءة اختراع وقد استوفى الشروط المطلوبة للتشريع الوطني لتلك الدولة من دول
الاتحاد فإن هذا الشخص أو خلفه يتمتع بحق أولوية في أن يحمى طلبه في كافة دول
الاتحاد الأخرى لمدة أثنى عشر شهراً بالنسبة لبراءات الاختراع، بمعنى أن طلبه
يعامل في كافة دول الاتحاد كما لو كان قد قدم في تاريخ إيداع الطلب الأول، أي قبل
أثنى عشر شهر.
أما
بالنسبة لموقف السودان من اتفاقية باريس فبحمد الله السودان صادق عليها منذ
ثمانينات القرن الماضي وتحديداً في عام 1984م.
ثانياً:
اتفاقية التعاون بشأن البراءات (PCT) 1970م Patent
Cooperation Treaty:-
هذه
الاتفاقية هي الاتفاقية الأهم من بين المعاهدات التي تديرها الوايبو والعضوية فيها
متاحة لكل دولة عضو في اتحاد باريس والهدف الأساسي من هذه المعاهدة هو تبسيط
الإجراءات وتقليل التكلفة المالية بحيث يتمكن المخترعين والمودعين من إيداع
الطلبات وربما الحصول على براءات في عدد كبير من البلدان وذلك بواسطة طلب واحد يقدم
إما للمكتب الوطني أو للمكتب الدولي للوايبو يحدد فيه الشخص المودع الدولة أو
الدول التي يرغب في حماية اختراعه فيها ويمر الطلب بعدة إجراءات من بينها الإيداع
والبحث الدولي والنشر الدولي والفحص التمهيدي الدولي والمرحلة الوطنية.
هذا
والإيداع قد يكون في المكتب الوطني أو المكتب الدولي في جنيف ومن ثم تأتي مرحلة
البحث الدولي فجمعية اتحاد التعاون بشأن البراءات حددت 11 إدارة فقط مخول لها
القيام بالبحث الدولي وقد تم اختيار هذه الإدارات وفقاً لمعايير محددة ويمكن
للمودعين أن يتقدموا لأي إدارة من هذه الإدارات ويستحسن اللجوء للإدارات التي تعمل
بأكثر من لغة فهناك إدارات تعمل بخمسة أو ستة لغات على العكس من المكتب الياباني
مثلاً الذي يعمل فقط باللغة اليابانية وكذلك الاسباني الذي يعمل باللغة الاسبانية
فقط.
أما
المرحلة الثالثة فهي مرحلة النشر الدولي وهذه يقوم بها المكتب الدولي للوايبو وهي
الوظيفة الوحيدة التي يقوم بها المكتب الدولي ويقوم بنشر كل الطلبات مهما كان
مصدرها أو لغة إيداعها.
والمرحلة
الرابعة هي مرحلة الفحص التمهيدي الدولي وتقوم بها عادة الإدارة التي قامت بالبحث
الدولي.
والمرحلة
الأخيرة هي المرحلة الوطنية وهذه لا يتدخل فيها المكتب الدولي ويجب على الشخص
المودع للطلب أن يزود بنفسه المكاتب المعنية بالوثائق المطلوبة.
وهناك
أشياء مهمة يجب الإشارة إليها وهي أن معاهدة التعاون بشأن البراءات لا تمنح براءة
اختراع وإنما ذلك تقوم به المكاتب الوطنية بعد نهاية الإجراءات المطلوبة والشئ
الآخر هو أن معاهدة التعاون بشأن البراءات لم تنص على منح براءة اختراع عالمية
وإنما يمكن أن يحصل المودع على براءة واحدة إذا أكمل الإجراءات المحددة لذلك ويمكن
أن يحصل على حماية في عشرين أو خمسين دولة إذا طلب ذلك وأكمل الإجراءات المحددة.
أما بالنسبة لموقف السودان من معاهدة التعاون بشأن
البراءات فقد صادق عليها بحمد الله السودان منذ عام 1984م.