الماده 40 من قانون لعقوبات
يعد شريكا في الجريمة: (أولا) كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة إذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض.
(ثانيا) من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق.
(ثالثا) من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحا أو آلات أو أي شيء آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأي طريقة أخرى في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها.
========================================
العقاب على أفعال الاشتراك بوصفها جريمة مستقلة (12) :
========================================
العقاب على أفعال الاشتراك بوصفها جريمة مستقلة (12) :
فى بعض الأحيان يعاقب المشرع على أفعال الاشتراك بالرغم من عدم وقوع فعل غير مشروع من الفاعل ، وانما بوصف الفعل مكوناً بذاته جريمة مستقلة. ففى هذه الفروض يتكون الركن المادى للجريمة من ذات الفعل الذى نص عليه القانون كوسيلة اشتراك فى جريمة أخرى . ومثال تجريم التحريض على بعض الجرائم بوصفه جريمة قائمة بذاتها بالرغم من عدم وقوع الجريمة المحرض عليها . بل أن جريمة التحريض المستقلة لا تتوافر الا اذا كان التحريض منتج ، أما اذا كان غير منتجاً اعتبر المحرض شريكاً فى الجريمة التى وقعت . فالمادة 95 من قانون العقوبات تعاقب كل من حرض على ارتكاب جريمة من جرائم أمن الدولة والمنصوص عليها فى المواد 87 ، 89 وما بعدها السجن المشدد أو بالسجن اذا لم يترتب على هذا التحريض أثر .
كذلك الحال بالنسبة للعقاب على الاتفاق الجنائى اذا رتب عليه وقوع الجريمة محل الاتفاق (م48) عقوبات .
ومعنى ذلك أن الاشتراك الجنائى لا يقوم قانوناً إلا اذا ترتب عليه وقوع فعل غير مشروع من الفاعل . أما اذا تخلف وقوع الفعل غير المشروع فلا مجال للحديث عن الاشتراك ، وانما يمكن أن يكون فعل الاشتراك فى مادياته جريمة أخرى مستقلة ، كجريمة التحريض غير المنتج وكجريمة الاتفاق الجنائى . غير أن ذلك لا يكون بنص خاص على تجريم الفعل كجريمة مستقلة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(12) : د/ مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 475 وما بعدها .
========================================
ثالثاً - الركن المعنوى فى الاشتراك (13)
========================================
لا يكفى لقيام الاشتراك قانوناً أن يحقق وسيلة من الوسائل المنصوص عليها وأن يحقق الفاعل سلوكاً غير مشروع مرتبط بوسيلة الاشتراك برابطة سببية مادية ، وانما يلزم أن يتوافر عنصر نفسى يعبر عن الموقف النفسى للجانى حيال فعل الاشتراك والجريمة المرتبطة به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(13) : د/ مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 475 وما بعدها .
========================================
ولكن ما هو مضمون هذا العنصر النفسى ؟
========================================
لقد اختلف الفقه فى هذا الصدد . ولكن قبل وجهات النظر المختلفة نود أن نلفت النظر الى حقيقة هامة ، وهى أن العنصر النفسى الذى هو لازم لقيام الاشتراك قانوناً غير لازم بالنسبة للفاعل الأصلى . بمعنى أن الفاعل الأصلى يمكن أن يرتكب الجريمة مستفيداً بسلوك الشريك دون أن يعلم بمساهمة الشريك ، ورغم ذلك نكون بصدد جريمة متعددة المساهمين ويعاقب الشريك على مساهمته طالما توافرت لديه اركان الاشتراك . فالخادم الذى يعلم بنية (أ) فى سرقة منزل مخدومة ولضغينة بينه وبين مخدومه يترك المسكن مفتوحاً حتى يتمكن الفاعل من السرقة يعتبر شريكاً فى جريمة السرقة بالرغم من عدم علم الفاعل بأن ترك الباب مفتوحاً كان بقصد تسهيل سرقته .
والتحديد السابق للنطاق العنصر المعنوى فى الاشتراك يمكننا بعد ذلك من بيان مضمونه.
وبادئ ذى بدء يجب استبعاد الرأى الذى يرى العنصر النفسى للاشتراك فى الاتفاق الذى يربط بين ارادة الشريك وارادة الفاعل . فالمساهمة التبعية تتوفر حتى فى الأحوال التى لا يكون فيها اتفاق بين المساهمين على المشروع الاجرامى ، حقا أن الاتفاق بين ارادات المساهمين يشكل الصورة الشائعة للعنصر النفسى وانما لا يستغرق كل صور المساهمة النفسية .
كذلك يجب استبعاد الرأى الذى يرى العنصر النفسى فى الانضمام لارادات الآخرين ذلك . أن الانضمام لارداة الآخرين يتطلب العلم بها من قبل كل مساهم ، بينما رأينا أن المساهمة الجنائية تتوافر حتى فى الفروض التى لا يعلم فيها الفاعل بدور المساهمين الآخرين . ومن ناحية أخرى فان الرأى السابق يؤدى الى قصر المساهمة الجنائية على الجرائم العمدية ، بينما الراجح فقها هو جواز المساهمة الجنائية أيضاً فى الجرائم غير العمدية.
والحقيقة هى أن العنصر النفسى للمساهمة التبعية يقوم على علم الشخص بمساهمة سلوكه مع سلوك الآخرين وارادة تلك المساهمة . والى هنا يتفق العنصر النفسى للمساهمة فى الجرائم العمدية وغير العمدية . الا أن الجرائم العمدية تتطلب فضلا عن ذلك ارادة تحقيق النتيجة غير المشروعة عن طريق سلوكه وسلوك المساهمين الآخرين .
========================================
وعلى ذلك فالعنصر المعنوى للمساهمة التبعية يقوم على العلم والارادة :
========================================
العلم بماهية السلوك المرتكب من قبل الشريك وبفاعلية السببية بالنسبة للسلوك اللاحق من الفاعل . ولذلك يجب أن ينصرف العلم أيضاً الى سلوك الآخرين . فمن يقدم سلاحاً لآخر دون أن يعلم باتجاهه الى ارتكاب جريمة قتل به لا يعتبر شريكاً فى الجريمة التى وقعت لانتفاء الركن المعنوى لديه ، كذلك من يعطى معلومات لآخر دون علمه باستخدامها فى تسهيل الجريمة لا يعتبر شريكاً بالمساعدة أيضاً لانتفاء الركن المعنوى .
ويلزم فضلا عن العلم توافر الارادة بالنسبة للسلوك المرتكب من الشريك وارادة المساهمة بهذا السلوك فى سلوك الآخرين لتحقيق النتيجة غير المشروعة . وهذا بالنسبة للمساهمة فى الجريمة العمدية . أما المساهمة فى الجرائم غير العمدية فتكفى ارادة السلوك مع العلم بسلوك الغير المتصف بالاهمال وعدم الاحتياط أو بأية صورة أخرى من صور الخطأ غير العمدى .
========================================
جواز الاشتراك فى الجرائم غير العمدية (14) :
========================================
أثار بعض الفقه خلافاً حول جواز الاشتراك فى الجرائم غير العمدية . وانتهى البعض الى نفى ذلك استنادا الى أن الركن المعنوى للاشتراك يقوم على القصد الجنائى والجرائم غير العمدية تتصف بعدم اتجاه الارادة الى النتيجة وبالتالى لا يتصور الاشتراك فيها .
والرأى السابق محل نظر . فالاشتراك المعاقب عليه هو الذى يتم بالنسبة لفعل غير مشروع بغض النظر عن الركن المعنوى وشكله الذى يتشكل عليه ، ويكفى لتوافر العنصر النفسى للاشتراك العلم بالسلوك المرتكب من قبل الشريك والعلم بسلوك الغير مع ارادة المساهمة فى هذا السلوك الأخير . أما اتجاه الارادة فضلا عن ذلك الى النتيجة غير المشروعة التى تحققت فهذا ما يتطلبه القصد الجنائى ويفترض عدم وجودها الخطأ غير العمدى . ولذلك اذا تحققت ارادة المساهمة فى فعل الفاعل الأصلى المتصف بالاهمال وعدم الاحتياط توافرت أركان الاشتراك اذا كان سلوك الفاعل غير مشروع . فمن يحرض سائق السيارة على السير بأزيد من السرعة المقررة فيصدم أحد المارة كان المحرض شريكاً مع السائق فى جريمة القتل أو الاصابة الخطأ . ومن يترك سلاحه النارى الصالح للاستعمال والمحشو بمقذوفات نارية لكى يستعمله آخر ليست له دراية بالنشان فيستخدمه هذا الأخير فيقتل ثالثاً خطأ كان صاحب السلاح شريكاً فى جريمة القتل الخطأ التى حدثت .
كذلك الحال بالنسبة للجرائم التى لا يتطلب المشرع للعقاب عليها توافر القصد الجنائى كما هو الشأن فى المسؤلية المفترضة أو المادية . فالاشتراك فى هذه الجرائم قانونا . ذلك أن ارادة المساهمة فى سلوك الفاعل ليس معناه ضرورة توافر الارادات بالنسبة للنتيجة المتحققة والتى يقوم عليها القصد الجنائى .
ونص المادة 40 من قانون العقوبات يؤيد وجهة النظر السابقة . ذلك أن الاشتراك وفقاً للمادة السابقة جائز بالنسبة لجميع الجرائم بما فيها المخالفات . وقد رأينا أن الركن المعنوى للمخالفات يقوم كقاعدة على الخطأ غير العمدى المفترض عليه الدليل على وجوده افتراضا قابلا لاثبات العكس .
والواقع أن الرأى المعارض الذى ينفى مكنة المساهمة فى الجرائم غير العمدية يؤدى الى نتيجة لا يمكن قبولها وهى اعتبار كل مساهم فاعلا أصلياً فى جريمة مستقلة عن جريمة الآخر . وهذا قد يتعارض وتعريف الفاعل فى الجريمة والذى يلزم لتوافره أن يحقق الشخص الركن المادى المكون للجريمة ، وذلك فى الفروض التى تقف فيها المساهمة عند حد التحريض أو الاتفاق أو المساعدة .
ويلاحظ أن الاشتراك فى الجريمة غير العمدية يختلف عن مجرد المساهمة المادية بين الأسباب المتحققة من أكثر من شخص وتؤدى الى احداث النتيجة . ففى هذه المساهمة المادية للأسباب يسأل كل شخص عما حققه من سلوك وترتب عليه من نتيجة بوصفه مرتكباً لجريمة مستقلة عن غيره . أما الاشتراك الجنائى فهو يتطلب توافر العنصر النفسى السابق تحديده والذى يربط معنوياً بين الأفعال المرتكبة بحيث يسأل الجميع عن جريمة واحدة .
وجدير بالذكر أن المساهمة فى الجريمة غير العمدية لا تقتصر فقط على المساهمة التبعية ، وانما يمكن أن تمتد الى المساهمة الأصلية أيضاً اذا ما توافر العنصر النفسى لدى المساهمين . وفى هذه الحالة أيضاً يسأل الجميع عن جريمة واحدة . وهذا أيضاً ما يميز بين فروض المساهمة غير العمدية وبين فروض المساهمة المادية بين الأسباب التى يكون فيها كل مساهم بسلوكه مسئولا عن جريمة مستقلة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(14) : د/ مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 475 وما بعدها .
========================================
هل تتصور المساهمة العمدية فى الجريمة غير العمدية والعكس ؟(15)
========================================
هناك مشكلة أخرى متصلة بالركن المعنوى للمساهمة وهى الآتية :
هل يتصور توافر المساهمة العمدية فى جريمة غير عمدية ، وتوافر المساهمة غير العمدية فى جريمة عمدية ؟
للأجابة على هذا التساؤل ينبغى تذكر ما سبق قوله بخصوص حدود التبعية فى الاشتراك . فقد رأينا أن تبعية الاشتراك تنتهى بوجود سلوك غير مشروع من الفاعل . وأن بقية عناصر المسؤلية الجنائية على سلوك الفاعل غير متطلبة قانوناً للعقاب على الاشتراك بمعنى أنه يمكن المساهمة فى الفعل غير المشروع المرتكب من الفاعل حتى ولو كان هذا الأخير غير مسؤلاً جنائياً أو غير معاقب لانتفاء الركن المعنوى أو لتوافر مانع من موانع العقاب.
واذا كان الأمر كذلك فان الاجابة على التساؤل السابق لابد أن تكون بالايجاب . فاذا كان الاشتراك هو فى الفعل غير المشروع المرتكب من الفاعل بصرف النظر عن موقف الفاعل النفسى ، فمعنى ذلك أن صورة الركن المعنوى المتحققة فعلا بالنسبة للفاعل لا قيمة لها قانونا فى العقاب على الاشتراك . اذ أن المساهمة الجنائية هى فى الفعل غير المشروع المرتكب من الفاعل ، ويستقل بعد ذلك كل مساهم فى مسئوليته بحسب قصدة وظروفه الشخصية . فمن يوهم آخر بتوافر سبب الدفاع الشرعى ضد ثالث ويحرضه على القتل ، وتقع الجريمة فعلا من الفاعل الشرعى فان المدافع يسأل عن جريمة غير عمدية للغلط فى الاباحة بينما يسأل المحرض على قتل عمد .
والقول السابق لا يتعارض ووحدة الجريمة متعددة المساهمين . ذلك أن اختلاف وصف المساءلة الجنائية لمختلف المساهمين لاعلاقة له بوحدة الجريمة لكل مساهم . فالمساهمة التبعية هى دائماً فى الفعل غير المشروع المرتكب من الفاعل وليست فى الركن المعنوى المتوافر لديه . فالمشروع حينما يتحدث عن الجريمة فى مجال المساهمة الجنائية لا يقصد الاشارة الى الجريمة فى جميع عناصرها المادية والمعنوية وانما يقصد فقط الواقعة المادية غير المشروعة ، ولذلك فان وحدة الجريمة متعددة المساهمين ما هى الا وحدة التكوين المادى للواقعة غير المشروعة المتحققة . والقول السابق هو النتيجة المنطقية لفكرة التبعية المقيدة .
كذلك الحال بالنسبة للمساهمة غير العمدية فى جريمة عمدية . فلا توجد أية عقبة قانونية تحول دون تصور ذلك . فالصيدلى الذى يصرف مادة سامة بالمخالفة للقواعد واللوائح التى تحكم صرف تلك المواد فيستخدمها من صرفت له فى قتل ثالث ، نكون بصدد مساهمة غير عمدية فى جريمة عمدية . وكل ما فى الأمر هو أن معظم حالات المساهمة غير العمدية فى الجريمة العمدية تنتفى فيها الجريمة بالنسبة للشريك لانتفاء رابطة السببية ذلك أن السلوك العمدى اللاحق يشكل سلسلة سببية جديدة كافية وحدها لاحداث النتيجة غير المشروعة . فالطبيب الذى يترك مادة سامة خطرة دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة فتستخدمها احدى الممرضات فى قتل مريض عمداً ، فلا يسأل الطبيب عن قتل خطأ ولا عن اشتراك فى قتل عمد . ذلك أن التدخل اللاحق للممرضة يشكل سبباً جديداً ومستقلاً عن سلوك الطبيب وكافياً وحدة لاحداث النتيجة (16) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(15) ، (16) : د/ مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 475 وما بعدها .
========================================
الحلول المناسبة للمشكلتين الآتيتين :
========================================
وانطلاقاً من المبدأ السابق يمكن وضع الحلول المناسبة للمشكلتين الآتيتين :
(1) الاشتراك فى الاشتراك (9) :
ذهب البعض الى أن الاشتراك فى الاشتراك لاعقاب عليه ذلك أن الاشتراك لا عقاب عليه إلا اذا وقعت الجريمة بناء عليه . ومؤدى ذلك أن الاشتراك فى الاشتراك لا عقاب عليه لأنه مساهمة فى فعل غير معاقب عليه فى ذاته . فمن يحرض آخر على تحريض ثالث لارتكاب الجريمة لا يعاقب . لأن الاشتراك لا يعاقب عليه الا اذا كان هناك اتصال مباشر بين الشريك والفاعل .
غير أن الرأى السابق لا أساس له من القانون . ذلك أن العبرة فى توافر الاشتراك الجنائى هو فى وجود رابطة بين فعل الاشتراك وفعل الفاعل الأصلى بمعنى أن رابطة السببية المادية بين سلوك الاشتراك وسلوك الفاعل الأصلى هى المناط فى قيام الاشتراك قانوناً فى مادياته .
ومؤدى القول السابق أن الاشتراك فى الاشتراك معاقب عليه بوصفه اشتراكاً فى الجريمة المرتكبة بمعرفة الفاعل الأصلى . أى ان الاشتراك فى الاشتراك هو اشتراك فى الجريمة المرتكبة .
(ب) الاشتراك اللاحق على تمام الجريمة (10) :
اذا كان يلزم لتوافر الاشتراك قانونا ارتباطه السببى بالجريمة المرتكبة فمعنى ذلك أن السلوك المتحقق بعد تمام الجريمة ليست له تلك الفاعلية نظراً للتحقق الفعلى للجريمة والسابق على مباشرته . وتبدو أهمية الاشتراك اللاحق فى صورة المساعدة اللاحقة . وقد رأينا ان المساعدة اللاحقة على تحقق النتيجة ليست وسيلة من وسائل الاشتراك فيها وانما يمكن أن تشكل جريمة مستقلة قائمة بذاتها . اذ ينقص بالنسبة لها شرط الفاعلية السببية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) : د/ مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 463 .
========================================
ثانياً - وقوع فعل غير مشروع من الفاعل (11)
========================================
رأينا ان تبعية الاشتراك تقف عند حد وقوع فعلى أصلى غير مشروع مادياً. ومعنى ذلك أن الاشتراك يكتسب الصفة غير المشروعة ليس فى اللحظة التى بوشر فيها وانما فى لحظة تالية ألا وهى التى يتحقق فيها من الفاعل سلوك غير مشروع من الناحية المادية ، حتى و لو كان الفاعل غير معاقب لانتفاء الركن المعنوى أو لانعدام أهليته الجنائية أو لتوافر سبب من أسباب امتناع العقاب .
ولكى يتوافر السلوك غير المشروع من الفاعل يكفى أن يكون هذا السلوك من متعارضاً مع قاعدة تجريمية من قواعد القسم الخاص من قانون العقوبات وألا يتوافر سبب من أسباب الاباحة التى تنفى عن هذا السلوك الصفة غير المشروعة. ومؤدى ذلك أن الاشتراك المعاقب عليه ينتفى قانوناً اذا كان سلوك الفاعل لا يخالف قاعدة تجريمية من قواعد القسم الخاص . فمن يحرض آخر على الانتحار أو على ايذاء نفسه بدنياً لا يتوافر فى حقه للاشتراك الجنائى . لأن القانون لا يعاقب على الانتحار أو الشروع فيه أو على ايذاء الشخص لبدنه ، اللهم الا اذا كان التحريض مكوناً لجريمة خاصة يعاقب عليها القانون استقلالا وليس فى صورة الاشتراك كذلك أيضاً ينتفى الاشتراك فى محيط جرائم العادة اذا كان الشريك لم يساهم بفعله سوى فى فعل واحد من أفعال العادة . اذ يلزم للاشتراك فى تلك الجرائم أن يرتبط سلوك الاشتراك سببيا بكل فعل يدخل فى تكوين العادة . فالمشرع لا يجرم هذه الأفعال فى ذاتها وانما يجرم الاعتياد ذاته المستفاد من تكرار الفعل .
كذلك اذا توافر سبب من أسباب الاباحة بالنسبة لسلوك الفاعل انتفت عنه الصفة غير المشروعة وبالتالى فلا يمكن بسط الصفة غير المشروعة على أفعال الاشتراك . فمن يقتل آخر فى ظروف الدفاع الشرعى يكون فعله مشروعاً وبالتالى تكون مشروعة كل مساهمة تبعية فى هذا الفعل . كذلك لا مجال عن الحديث فى الاشتراك الجنائى بالنسبة لمن يساعد الطبيب فى اجراء عملية جراحية بقصد العلاج .
نخلص من ذلك أن العبرة فى توافر الاشتراك الجنائى هى بوجود فعل غير مشروع من الفاعل الأصلى . ولا يهم بعد ذلك أن تتوافر فى هذا الفعل بقية الشروط الأخرى اللازمة لمساءلة مرتكبه جنائيا . فقد لا يكون الفاعل معاقبا لانتفاء القصد الجنائى لديه أو لتوافر مانع من موانع الأهلية أو المسئولية أو العقاب . ومع ذلك يتحقق الاشتراك الجنائى اكتفاء بالفعل غير المشروع ماديا .
واذا كان يكفى لتحقق الاشتراك الجنائى وقوع فعل غير مشروع ، فيغدو سهلا حل مشكلة الاشتراك فى الجرائم المسماة بجرائم اليد الخاصة والتى تتطلب لارتكابها قانوناً صفة خاصة بالفاعل كصفة الموظف العام ، أو صفة الزوجية . اذ يكفى لتحقق الاشتراك فيها أن يكون الشخص الذى تثبت له الصفة الخاصة قد حقق سلوكاً ، وفقاً للنموذج التشريعى للواقعة أو وفقاً لقواعد الشروع ، يكون غير مشروع . فمثلا من ليست له صفة الموظف العمومى يمكنة أن يكون مساهماً فى جريمة الاختلاس حينما يحرض أو يتفق أو يساعد موظفاً عمومياً على الاختلاس او الاستيلاء على مال للدولة أو لاحدى هيئاتها . كذلك أيضاً المرأة التى تحرض رجلاً على اغتصاب أنثى تكون شريكة فى جريمته بالتحريض ، وكذلك الحال اذا اتفقت معه أو ساعدته فى ارتكاب الجريمة . وقد يحدث أن يكون الفاعل فى جرائم اليد الخاصة غير معاقب لتوافر سبب من أسباب انتفاء المسئولية أو العقاب بينما يعاقب الشريك . ولذلك يكون شريكاً فى جريمة التزوير فى محرر رسمى من قبل الموظف العمومى من يدلى ببيانات كاذبة أمام الموظف حسن النية الذى يحرر الورقة الرسمية استناداً الى تلك البيانات . وفى هذه الحالة يكون الموظف هو الفاعل الأصلى فى التزوير الا أنه لا يعاقب لانتفاء القصد الجنائى لديه ، بينما يعاقب الشخص العادى الذى أدلى بتلك البيانات بوصفه شريكاً مع موظف حسن النية .
ويلاحظ أيضاً أن الشريك يعاقب طالما وقع الفاعل سلوكاً غير مشروع حتى ولو ظلت شخصية الفاعل مجهولة . ذلك أن الاشتراك المعاقب عليه هو فى فعل الفاعل وليس مع شخصه . ولذلك فان عدم معرفة الفاعل لا تحول دون معاقبة الشريك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(11) : د/ مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 463 .
========================================
ولكن هل يمكن معاقبة الشريك بالرغم من عدول الفاعل الأصلى
========================================
ولكن هل يمكن معاقبة الشريك بالرغم من عدول الفاعل الأصلى اختيارياً عن اتمامه الجريمة ؟
ان الإجابة على هذا السؤال تتوقف على تكييف العدول الاختيارى . فهناك من الفقه من يعتبر العدول الاختيارى نافياً للصفة غير المشروعة عن أفعال البدء فى التنفيذ التى ارتكبت بوصف الشروع . ذلك أن عدم تحقق النتيجة اللازم فى الشروع هو فقط الذى يكون راجعاً لسبب خارجى عن ارادة الجانى . وعليه ، ففى العدول الاختيارى ينتفى أحد عناصر الشروع وبالتالى تنتفى جريمة الشروع . وبتطبيق ذلك على حالة الاشتراك وعدول الفاعل فان الشريك لا يعاقب على فعل الاشتراك فى الأفعال التى تمت من الفاعل اللهم الا اذا كونت بذاتها أركان جريمة أخرى غير جريمة الشروع .
بينما يذهب آخرون الى أن العدول الاختيارى هو سبب شخصى لامتناع العقاب. وبالتالى لا يؤثر على الصفة غير المشروع للأفعال المرتكبة تحت وصف الشروع . ومعنى ذلك أن عدول الفاعل لا يحول دون عقاب الشريك .
والواقع أن الرأى الأول هو الذى يستقيم ونصوص المشرع المصرى بخصوص الشروع .
أما بالنسبة لعدول الشريك فينبغى التفرقة بين فرضين : الأول حيث يفلح الشريك فى ايقاف تمام الفعل التنفيذى أو ايقاف أثره ، وهنا يستفيد الفاعل بطبيعة الحال لأن سلوك الشريك اللاحق يعتبر هو السبب الخارج عن ارادة الفاعل والذى حال دون الجريمة . والثانى حيث لا ينجح الشريك فى ايقاف الفعل أو فى تعطيل آثاره . وفى هذه الحالة لا يستفيد الشريك من عدوله الذى جاء خلوا من أى فاعلية سببية . ويسأل فى هذه الحالة عن الاشتراك ويمكن للقاضى أن يراعى ظروف العدول غير المنتج فى تقديره للعقوبات التى يوقعها .
وغنى عن البيان أن عدول الشريك لا مجال للحديث عنه الا بعد اتمامه لفعل الاشتراك . أما عدوله قبل ذلك فأنه ينفى الاشتراك باعتباره صورة من صور الشروع فى الاشتراك غير معاقب عليه .
========================================
المساهمة التبعية - الاشتراك فى الجريمة (1)
========================================
المساهمة التبعية - الاشتراك فى الجريمة (1)
التعريف بالمساهمة التبعية :
تتحقق المساهمة حينما يكون السلوك المرتكب من المساهم لا يتوافر به النموذج التشريعى للجريمة كما لا يصل الى مرحلة الشروع فيها .
ومن التعريف السابق يبين الفرق بين المساهمة التبعية وبين المساهمة الأصلية . ففى تلك الأخيرة نجد أن السلوك المرتكب من الفاعل الرئيسى للجريمة أو الفاعل مع غيره ، أى المساهم الأصلى يتحقق به النموذج التشريعى للجريمة ، كله أو بعضه ، وبالتالى يتدرج تحت نطاق النص التجريمى الوارد بالقسم الخاص بقانون العقوبات والذى يكون كافياً للعقاب على الأفعال المرتكبة . بينما فى المساهمة التبعية نجد أن السلوك المرتكب لا يتطابق والسلوك غير المشروع المنصوص عليه بالقاعدة التجريمية وبالتالى لا يندرج تحت نطاق تجريمها . ولذلك يتعين البحث عن قاعدة أخرى يمكن أن تنال تلك الأفعال غير المطابقة بالعقاب . ومن هنا يمكن الانتهاء الى أن القواعد الخاصة بالمساهمة الجنائية تبدو أهميتها التجريمية فقط بالنسبة للمساهمة التبعية دون الأصلية . ذلك أن فروض المساهمة الأصلية لا تحتاج فى تجريمها الى نصوص خاصة تكمل النص التجريمى الأصلى . فهذا النص يتناول فى نطاقه الأفعال المرتكبة على سبيل المساهمة الأصلية . فالقواعد التجريمية الواردة بالقسم الخاص من قانون العقوبات تنال بالتجريم والعقاب الواقع لمنصوص عليها فيها وكل من حققها بمفرده أو بالاتحاد مع غيره .
ونظراً لأن سلوك الاشتراك هو سلوك غير مطابق لسلوك المنصوص عليه بالقاعدة التجريمية الأصلية فلابد للعقاب عليه من وجود سلوك آخر يحقق النموذج التشريعى للواقعة يكون الأول تابعا له ومرتبطا به وأن تتوافر ارادة التدخل فى هذا السلوك لتحقيق الجريمة .
وقد حدد المشرع المصرى الصور التى يمكن أن يتشكل عليها سلوك المساهمة التبعية أو الاشتراك ، وذلك عند تعريفه للشريك فى المادة 40 من قانون العقوبات .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : د / مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 453 وما بعدها .
========================================
وعليه فان عناصر المساهمة تتمثل فى الآتى :
========================================
وعليه فان عناصر المساهمة تتمثل فى الآتى :
1ـ العنصر المادى وهو يقوم على ارتكاب فعل من الأفعال المنصوص عليها كوسيلة من وسائل الاشتراك وأن يرتبط ذلك الفعل بالنتيجة غير المشروعة برابطة سببية مادية .
2ـ أن يتحقق من قبل الفاعل أو المساهم الأصلى فعل غير مشروع تتوافر به الجريمة أو فى جزء منها .
3ـ أن يتوافر قصد التداخل لدى الشريك .
========================================
أولا - العنصر المادى للمساهمة التبعية (2)
========================================
أولا - العنصر المادى للمساهمة التبعية (2)
يشترط لتوافر العنصر المادى للمساهمة التبعية أن يحقق الشخص سلوكاً يندرج تحت وسيلة من وسائل الإشتراك وأن تقوم علاقة السببية بينه وبين الجريمة المرتكبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) : د / مأمون محمد سلامة ، مرجع سابق ، ص 453 وما بعدها .
========================================
1ـ حصر وسائل الاشتراك :
========================================
اتبع المشرع المصرى نظام حصر وسائل الاشتراك فى الجريمة . فقد نصت المادة 40 عقوبات على أن يعد شريكاً فى الجريمة :
( أولا ) كل من حرض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة اذا كان هذا الفعل قد وقع بناء على هذا التحريض .
( ثانياً ) من اتفق مع غيره على ارتكاب الجريمة فوقعت بناء على هذا الاتفاق .
(ثالثا) من أعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو اى شئ آخر مما استعمل فى ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو ساعدهم بأى طريقة أخرى فى الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها .
ويلاحظ أن نظام حصر وسائل الاشتراك له ما يبرره ، نظراً لأن افعال الاشتراك فى ذاتها غير معاقب عليها لارتباطها بذلك السلوك حتى لا يترك الأمر لتحكم القاضى . ولا يكفى الاستناد الى معيار السببية فى هذا الشأن ، لأن أنواع السلوك غير المطابق متعددة ومتنوعة ، ومنها ما هو ضئيل القيمة بالنسبة لسلوك الفاعل الأصلى . ولذلك فأن الأمر يقتضى التدخل التشريعى لبيان الأفعال المعاقب عليها بطرق غير مباشر أى لارتباطها بسلوك الفاعل الأصلى . وهذا ما فعله المشرع المصرى .
ويستفاد من نص المادة 40 عقوبات سالفة الذكر أن الشخص لا يكتسب صفة الشريك فى الجريمة الا اذا اتخذ اشتراكه صورة من الصور المنصوص عليها وهى التحرض أو الاتفاق أو المساعدة .
========================================