الطعن رقم 477 لسنة 38 بتاريخ 01/04/1968
 الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 28 من يوليو سنة 1965 بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة: عرض رشوة على مستخدم عمومي للإخلال بواجبات وظيفته بأن عرض على .............. الساعي بمكتبة الأفلام بالبرامج السينمائية بالتلفزيون العربي مبلغ ثلاثين جنيها سلمه منها خمسة عشر جنيها على سبيل الرشوة مقابل اختلاسه لحسابه نسخة من "فيلم الجزاء" المعد لصالح التليفزيون العربي، ولكن المستخدم العمومي لم يقبل الرشوة منه. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 104 و109 مكررا و110 و111 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت في الدعوى حضوريا بتاريخ 28 ديسمبر سنة 1967 عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل مدة سنة واحدة وتغريمه مبلغ خمسمائة جنيه ومصادرة مبلغ الرشوة المضبوطة. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ
 
 المحكمة
حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة عرض رشوة قد أخطأ في تطبيق القانون, وشابه القصور في التسبيب ذلك بأن الثابت أن الموظف الذي عرضت عليه الرشوة ساع بالتليفزيون من عمله نقل الأفلام بين مكتبة التليفزيون وأستوديو مصر, ولم يكن "فيلم الجزاء" الذي أريد الحصول عليه في مقابل مبلغ الرشوة مملوكاً للتليفزيون وليس من عمل الساعي حفظه بل ذلك لغيره من موظفي الأستوديو في أماكن مخصوصة, فلا اختصاص له بهذه المثابة في تنفيذ موجب الرشوة المعروضة عليه, ويكون ما وقع من الطاعن في حقيقته تحريضاً على سرقة مال عام لا تنبسط عليه يد الموظف بحكم وظيفته, ولا شأن له به, مما يعتبر إخلالاً عاماً بواجب الأمانة المفترضة في الكافة, لا إخلالاً بواجب معين في وظيفة الساعي على وجه الخصوص, وقد أثار الطاعن هذا الدفاع بلسان المدافع عنه. إلا أن الحكم المطعون فيه لم يبد منه تفطن إليه مما يعيبه بما يوجب نقضه.
وحيث إنه من المقرر أن الشارع في المادة 104 من قانون العقوبات التي عددت صور الرشوة قد نص على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة, وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن في حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة, وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقييد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف, وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال, ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائما أن تجري على سنن قويم. وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها, فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع في النص. فإذا تعاطى الموظف جعلاً على هذا الإخلال كان فعله ارتشاء, ويكون من عرض عليه الجعل لهذا الغرض راشياً مستحقاً للعقاب, ولا يتغير حكم القانون ولو كان الإخلال بالواجب جريمة في ذاته وهو ما تؤكده المادة 108 من قانون العقوبات ما دامت الرشوة قد قدمت إلى الموظف كي يقارف تلك الجريمة أثناء تأدية وظيفته, وفي دائرة الاختصاص العام لهذه الوظيفة. وليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة, بل يكفي أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة, وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس. لما كان ذلك, وكان الثابت في حق الطاعن أنه عرض مبلغاً من المال على ساع بالتليفزيون - وهو موظف عام - لسرقة أحد الأفلام الموجودة في أستوديو مصر وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر أن من عمل الساعي نقل الأفلام بين مكتبة التليفزيون وبين الأستوديو, وهو قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة أياً ما كانت الجهة المالكة للفيلم, ودان الطاعن على هذا الاعتبار, فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً, ومن ثم فإن الطعن يكون على غير أساس متعين الرفض