الماده رقم 104 عقوبات معدلة ب قانون 95 لسنة 2003
كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالسجن المؤبد وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون.
========================================
صورة مقابل الفائدة :
========================================
صورة مقابل الفائدة :
مقابل الفائدة هو الغرض من الرشوة الذي يسعي الراشي الي تحقيقه من وراء تقديم العطية أو الوعد بها . وهذا المقابل قد يتخذ صورة أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه ، أو الإخلال بواجب من واجباتها. وهذا المقابل الذي هو الغرض من الرشوة هو الذي يعد من أركان جريمة الرشوة ؛ ولا عبرة بعد ذلك لقيام الموظف بتنفيذ الغرض من الرشوة خداعاً لصاحب الحاجة ، بل إن الجريمة لا تقع أيضاً إذا كان الموظف قد انتوي منذ بداية الأمر عدم التنفيذ.
وفيما يلي نعرض لكل صورة علي حدة .
========================================
أولا- أداء العمل
========================================
أولا- أداء العمل (2) :
تتحصل هذه الصورة في أداء العمل الداخل في الاختصاص علي نحو ما توجب القوانين واللوائح . والفرض هنا أن يكون العمل محدداً أو قابلاً للتحديد دون ما عبرة لما إذا كان عملا واحدا أو يتألف من مجموعة من الأعمال . ولا يشترط في العمل الذي يطلب من الموظف أداؤه أن يكون نهائياً ، فتقع الجريمة ولو كان خاضعاً لتصديق الرئيس أو مراجعته.
وتطبيقاً لما تقدم قضي بأنه لو قبل محلل كيماوي بمعامل الصحة عطية من أحد باعة اللبن ليخرج نتيجة التحليل في صالحه مع أنه لا غش في عينات اللبن المقدمة للتحليل عْد مرتشياً ، وكذلك الحال لو طلب موظف الحسابات فائدة لإنجاز ما يجب عليه من إجراء لصرف مكافآت موظف . كما قُضي بأن من واجبات العمدة أن يتدخل ودياً في المنازعات الحاصلة بشأن الأملاك لحسمها ، فإذا قبل عطية للقيام بهذا الواجب عّد مرتشياً وطبق عليه حكم المادة 103 من قانون العقوبات.
========================================
ثانياً- الامتناع عن العمل
========================================
ثانياً- الامتناع عن العمل (3) :
تُعد هذه الصورة من صور مقابل الفائدة الوضع السلبي للصورة السابقة . ففي الصورة التي تناولناها في الفقرة السابقة يطلب من الموظف أداء عمل حق من أعمال وظيفته . وتتعلق الصورة الحالية بامتناع الموظف عن عمل ينبغي - بحسب الأصل وفي حقيقة الأمر - الامتناع عنه . فحسن سير العمل في هذه الحالة - كما في سابقتها - لا يتأثر، وما التجريم إلا لنية الاتجار بالوظيفة وأعمالها مما ينال من هيبتها . وتطبيقاً لما تقدم قضي بأنه " لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل علي أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه ( الشاهد الثاني ) لقاء عدم تحرير محضر المخالفة ضده فهذا مما يتحقق به معني الاتجار في الوظيفة ..." ، وأنه " إذا كان الغرض الذي من أجله قدم المال إلي الموظف ( مفتش بوزارة التموين) هو عدم تحرير محضر لمن قدمه ، وكان تحرير المحضر يدخل في اختصاص هذا الموظف بوصف كونه مفتشاً بوزارة التموين ومن عمله التفتيش علي محلات الباعة لمراقبة تنفيذ القوانين الخاصة بالتسعير الجبري وتحرير محاضر لمخالفتها بصفته من رجال الضبطية القضائية في هذا الشأن فإن جريمة الرشوة تكون متحققة ولو لم يكن هناك موجب لتحرير المحضر الذي دفع المال للامتناع عن تحريره ". ( نقض 20 يناير 1948 القواعد القانونية ج 6 ق 511 ص 466 )
فالعبرة بحقيقة الأمر ويكون الامتناع عن العمل مشروعا موافقا للقانون بصرف النظر عن نظرة أطراف الرشوة إلي هذا الامتناع واعتقادهم أنه حق أو مخالف للقانون . وتطبيقاً لذلك قضي بأنه :" متي كان الموظف مختصاً بالعمل فلا فرق بين أن يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه ، كما يؤاخذ القانون علي الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف ( في نظر أطراف الرشوة) حقا أو غير حق - فإذا كان الثابت أن مفتش الأسعار وقت أن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن في مصنع المتهم إنما كان يقوم بعمل من أعمال وظيفته ولم يكن في الإجراء الذي قام به أية مخالفة للقانون . وقد أسفرت الواقعة عن تقديم المتهم بالفعل للمحاكمة عن جريمة أنه طرح للبيع شاياً معباً في أغلفة ناقصة الوزن ، فإن قضاء المحكمة ببراءة المتهم في هذه الواقعة أستنادا إلي أن عدم التعبئة يجعل الجريمة منعدمة لا يترتب عليها أن المتهم كان في حالة إكراه معنوي أو في حالة ضرورة عند عرض الرشوه ، وإنما كان عرضها للتأثير في مفتش الأسعار وحمله علي الإخلال بواجبه بالامتناع عن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن للتوجه بها الي مراقبة الأسعار لوزنها هناك ، ومن ثم كان سليما ما ذكره الحكم من أن براءة المتهم من واقعة عرضه للبيع ( شاياً ) بأغلفة ناقصة الوزن لا يؤثر في جريمة عرض الرشوة علي الموظف ".
ومما يتمشي مع ذلك أيضا ما هو مستقر من قيام عرض الرشوة حتي ولو كان العارض يقصد درء عمل ظالم أي يطلب الامتناع عن عمل ينبغي الامتناع عنه قانوناً.
(1) ، (2) ، (3) : د/ عبدالعظيم مرسى وزير ، مرجع سابق ، ص 104 .
========================================
ثالثاً- الإخلال بواجبات الوظيفة
========================================
ثالثاً- الإخلال بواجبات الوظيفة (4):
تناولت الصورة الأولي لمقابل الفائدة أن يقوم الموظف ، أو يطلب منه القيام ، بأداء عمل حق يدخل في اختصاص وظيفته ، كما تناولت الصورة الثانية لمقابل الفائدة أن يقوم الموظف ، أو أن يطلب منه ، الامتناع عن عمل يدخل في اختصاصه وكان امتناعه واجباً قانوناً بصرف النظر عن اعتقاد الأطراف أو نظرتهم إلي هذا الامتناع . أما الصورة الحالية فتتناول الإخلال بواجبات الوظيفة كمقابل للفائدة . ولقد أحاطت محكمة النقض بهذه الصورة حين قررت أنه : " من المقرر أن الشارع في المادة 104 من قانون العقوبات - والتي عددت صورة الرشوة - قد نص علي الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة ، وجعله بالنسبة للموظف أو من في حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته ، وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة في النص مطلقا من التقييد يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد واجباً من واجبات أدائها علي الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجري علي سنن قويم ، فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به ( والمقصود رغم وجوب هذا القيام) يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع في النص ، فإذا تعاطي الموظف مقابلا علي هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبه العقاب ، كما قضي بقيام جريمة عرض الرشوة علي موظف عمومي للامتناع عن أداء واجب للتبليغ عن الجريمة المكلف بها قانوناً .
وتتفق غالبية التشريعات علي عدم التفرقة في التجريم بين الرشوة التي ترتكب بدافع قيام الموظف بعمل غير مشروع أي في صورة الإخلال بواجبات الوظيفة ، وتلك التي ترتكب بدافع قيام الموظف بعمل مشروع أي في صورة أداء عمل حق أو امتناع حق . ولكن بعض التشريعات يفرق في العقوبة فيشددها في حالة ما إذا كان العمل أو الامتناع يتنافي مع واجبات الوظيفة . وقد كان هذا هو مسلك مشروع قانون العقوبات لسنة 1967 ( المادة 249- 253 ).
ويعدد الفقه حالات الإخلال بواجبات الوظيفة علي النحو التالي :
1ـ أداء عمل غير حق: ومثال ذلك تقديم عطية إلي شرطي لحمله علي إبداء أقوال جديدة غير ما سبق أن أبداه في شأن كيفية ضبط متهمة والميل إلي أن يستهدف في ذلك مصلحتها لتنجو من المسئولية . فهذا الفعل يكون إخلال بواجبات الوظيفة التي تفرض علي الشرطي أن يكون أميناً في تقرير ما جري تحت حسه من وقائع وما يؤثر فيها من إجراءات تتخذ أساساً لأثر معين يرتبه القانون . ويمكن أن يدخل في ذلك مخالفة الموظف لقواعد الاختصاص .
2ـ الامتناع أو التراخى فى تأدية عمل حق ينبغى القيام به : تتحصل هذه الصورة فى امتناع الموظف عن القيام بعمل حق تفرضه عليه واجبات الوظيفة . وليس بشرط أن يمتنع الموظف عن العمل كلية بل يكفي التأخير في القيام به أو التراخي في أدائه . ومن تطبيقات ذلك أن يطلب رجل الشرطة مبلغاً من المال نظير امتناعه عن تحرير محضر يتعين عليه تحريره ، وأخذ مهندس التنظيم لعملية للامتناع عن التقرير بأن المنزل آيل للسقوط حالة كونه كذلك في حقيقة الأمر ، وقبول كاتب الجلسة لعطية نظير عدم إثبات طلبات معينة يبديها الخصم في الجلسة وذلك علي النحو السابق ذكره .
وتطبيقاً لما تقدم قضي بأنه : " إذا كان عمل المتهم هو تلقي الخطابات الواردة وتوزيعها علي الأقلام المختصة وأن الشكوي التي دارت عليها الواقعة قد سلمت إليه بسبب وظيفته فأستبقاها لديه وحملها إلي التاجر المشكو وطلب منه الرشوة نظير إتلاف هذه الشكوي وعدم إرسالها الي المختصين فإنه يرتكب جريمة الرشوة . كما قضي بأن مفاد نص المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية أن واجب التبليغ عن الجرائم التي يعلم بها الموظفون أثناء تأدية عملهم أو بسبب تأديته هو أمر يدخل في واجبات وظيفتهم مما يعرضهم للمسئولية التأديبية إذا خالفوا هذا الواجب ونتيجة لذلك يُعد عارضاً للرشوة من يقدم مبلغاً من المال إلي موظف مقابل امتناعه عن التبليغ عن جريمة " .
3ـ إساءة استعمال السلطة التقديرية : وذلك كأن يرتشي رئيس مصلحة مقابل تعيين أحد المرشحين للوظيفة في حين أن هناك من هو أحق منه ، أو أن يقبل رئيس إداري عطية ليمنح موظفاً من الخاضعين لإشرافه تقديرا لا يستحقه أو لترقية بالاختبار .
4ـ المساس بأمانة الوظيفة : استهدف المشرع من النص علي مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التي عددتها المادة 104 مدلولا أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها التي يشكل الحفاظ عليها واجباً عاما يقع علي عاتق الموظف. وتطبيقاً لذلك قضي بأنه إذا كانت أمانة الوظيفة تفرض علي المستخدم في مصلحة حكومية ألا يتدخل في عمل رئيسه ، وأن ينأي عن السعي لديه للامتناع عن أداء واجب التبليغ الذي يلزمه به القانون ( المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية ) لما قد يؤدي إليه تدخله منإ مجرم من المسئولية الجنائية ، وهو أمر تتأذي منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف فإن الذي وقع منه يعد إخلالا بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يبادر إلي التبليغ عن الجرائم فور علمه بها ، كما قضي بأنه إذا كان المتهم وهو سائق بوزارة السد العالي قد قبل وعداً بمنحه مبلغاً لنقل كمية من القصب بالسيارة الحكومية المخصص لقيادتها ، وكانت أمانة الوظيفة تفرض عليه ألا يستعملها إلا في الغرض المخصصة له لقضاء مصالح الجهة التابع لها وأن ينأي عن السعي لاستغلالها لمصلحته الشخصية فإن ما وقع من هذا السائق يعد إخلالا بواجبات وظيفته في حكم المادة 104 من قانون العقوبات ".
هذا ، ويعتبر جانب من الفقه من قبيل الإخلال بواجبات الوظيفة أن يفتعل الموظف العام واقعة تبرر اختصاصه بالعمل أو الامتناع من أجل الحصول علي الرشوة وذلك كأن يوهم رجل الشرطة أحد المارة بأن هناك سبباً للقبض عليه واقتياده إلي قسم الشرطة ويطلب مبلغاً من المال منه نظير تخلية سبيله وعدم القبض عليه .
ويلاحظ أن الإخلال بواجبات الوظيفة قد يكون في صورة ارتكاب جريمة جنائية إلي جانب فعل الرشوة ، كما في حالة قبول الوعد بالعطية من أجل دس مخدر في منزل شخص ما أثناء القيام بتفتيشه ، أو تقديم عطية إلي ساع بالتليفزيون ليسرق فيلما من الأفلام التي يقوم بنقلها من مكان إلي آخر ، وذات الشئ يقال بالنسبة للخفير الذى يختلس بلاغا مسلما إليه من نائب العمدة لتوصيله للنقطة مقابل كمبيالة بمبلغ عشرة جنيهات حررها له صاحب المصلحة في الاختلاس المذكور ، ويعد عارضاً للرشوة من يقدم مبلغاً من النقود إلي حاجب النيابة لسرقة إحدي القضايا ولم تقبل منه (5) .
(4) ، (5) : د/ عبدالعظيم مرسى وزير ، مرجع سابق ، ص 107 وما بعدها .
========================================
لا يشترط تنفيذ الغرض من الرشوة
========================================
لا يشترط تنفيذ الغرض من الرشوة
يجدر التنبيه الى أنه لا يتطلب القانون لتمام الجريمة تنفيذ الموظف للهدف الذى يرمى اليه الراشى من عرضه للرشوة عليه ، سواء كان سبب ذلك ظرفا خارجا عن إرادته كما لو ضبطت الجريمة قبل قيام الجانى بتنفيذ الغرض أو عدل عن التنفيذ اختيارا ، لأن القانون يعاقب على الاتفاق وحده أساسا دون انتظار للتنفيذ . وقد أكدت هذا المعنى المادة 104 مكررا من قانون العقوبات (1) .
(1) د/ أحمد رفعت خفاجى ، شرح قانون العقوبات المصرى ـ القسم الخاص ، الجزء الأول ، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ، ص 63 .
كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالسجن المؤبد وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون.
========================================
صورة مقابل الفائدة :
========================================
صورة مقابل الفائدة :
مقابل الفائدة هو الغرض من الرشوة الذي يسعي الراشي الي تحقيقه من وراء تقديم العطية أو الوعد بها . وهذا المقابل قد يتخذ صورة أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه ، أو الإخلال بواجب من واجباتها. وهذا المقابل الذي هو الغرض من الرشوة هو الذي يعد من أركان جريمة الرشوة ؛ ولا عبرة بعد ذلك لقيام الموظف بتنفيذ الغرض من الرشوة خداعاً لصاحب الحاجة ، بل إن الجريمة لا تقع أيضاً إذا كان الموظف قد انتوي منذ بداية الأمر عدم التنفيذ.
وفيما يلي نعرض لكل صورة علي حدة .
========================================
أولا- أداء العمل
========================================
أولا- أداء العمل (2) :
تتحصل هذه الصورة في أداء العمل الداخل في الاختصاص علي نحو ما توجب القوانين واللوائح . والفرض هنا أن يكون العمل محدداً أو قابلاً للتحديد دون ما عبرة لما إذا كان عملا واحدا أو يتألف من مجموعة من الأعمال . ولا يشترط في العمل الذي يطلب من الموظف أداؤه أن يكون نهائياً ، فتقع الجريمة ولو كان خاضعاً لتصديق الرئيس أو مراجعته.
وتطبيقاً لما تقدم قضي بأنه لو قبل محلل كيماوي بمعامل الصحة عطية من أحد باعة اللبن ليخرج نتيجة التحليل في صالحه مع أنه لا غش في عينات اللبن المقدمة للتحليل عْد مرتشياً ، وكذلك الحال لو طلب موظف الحسابات فائدة لإنجاز ما يجب عليه من إجراء لصرف مكافآت موظف . كما قُضي بأن من واجبات العمدة أن يتدخل ودياً في المنازعات الحاصلة بشأن الأملاك لحسمها ، فإذا قبل عطية للقيام بهذا الواجب عّد مرتشياً وطبق عليه حكم المادة 103 من قانون العقوبات.
========================================
ثانياً- الامتناع عن العمل
========================================
ثانياً- الامتناع عن العمل (3) :
تُعد هذه الصورة من صور مقابل الفائدة الوضع السلبي للصورة السابقة . ففي الصورة التي تناولناها في الفقرة السابقة يطلب من الموظف أداء عمل حق من أعمال وظيفته . وتتعلق الصورة الحالية بامتناع الموظف عن عمل ينبغي - بحسب الأصل وفي حقيقة الأمر - الامتناع عنه . فحسن سير العمل في هذه الحالة - كما في سابقتها - لا يتأثر، وما التجريم إلا لنية الاتجار بالوظيفة وأعمالها مما ينال من هيبتها . وتطبيقاً لما تقدم قضي بأنه " لما كان الحكم المطعون فيه قد دلل علي أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينه وبين المجني عليه ( الشاهد الثاني ) لقاء عدم تحرير محضر المخالفة ضده فهذا مما يتحقق به معني الاتجار في الوظيفة ..." ، وأنه " إذا كان الغرض الذي من أجله قدم المال إلي الموظف ( مفتش بوزارة التموين) هو عدم تحرير محضر لمن قدمه ، وكان تحرير المحضر يدخل في اختصاص هذا الموظف بوصف كونه مفتشاً بوزارة التموين ومن عمله التفتيش علي محلات الباعة لمراقبة تنفيذ القوانين الخاصة بالتسعير الجبري وتحرير محاضر لمخالفتها بصفته من رجال الضبطية القضائية في هذا الشأن فإن جريمة الرشوة تكون متحققة ولو لم يكن هناك موجب لتحرير المحضر الذي دفع المال للامتناع عن تحريره ". ( نقض 20 يناير 1948 القواعد القانونية ج 6 ق 511 ص 466 )
فالعبرة بحقيقة الأمر ويكون الامتناع عن العمل مشروعا موافقا للقانون بصرف النظر عن نظرة أطراف الرشوة إلي هذا الامتناع واعتقادهم أنه حق أو مخالف للقانون . وتطبيقاً لذلك قضي بأنه :" متي كان الموظف مختصاً بالعمل فلا فرق بين أن يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه ، كما يؤاخذ القانون علي الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف ( في نظر أطراف الرشوة) حقا أو غير حق - فإذا كان الثابت أن مفتش الأسعار وقت أن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن في مصنع المتهم إنما كان يقوم بعمل من أعمال وظيفته ولم يكن في الإجراء الذي قام به أية مخالفة للقانون . وقد أسفرت الواقعة عن تقديم المتهم بالفعل للمحاكمة عن جريمة أنه طرح للبيع شاياً معباً في أغلفة ناقصة الوزن ، فإن قضاء المحكمة ببراءة المتهم في هذه الواقعة أستنادا إلي أن عدم التعبئة يجعل الجريمة منعدمة لا يترتب عليها أن المتهم كان في حالة إكراه معنوي أو في حالة ضرورة عند عرض الرشوه ، وإنما كان عرضها للتأثير في مفتش الأسعار وحمله علي الإخلال بواجبه بالامتناع عن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن للتوجه بها الي مراقبة الأسعار لوزنها هناك ، ومن ثم كان سليما ما ذكره الحكم من أن براءة المتهم من واقعة عرضه للبيع ( شاياً ) بأغلفة ناقصة الوزن لا يؤثر في جريمة عرض الرشوة علي الموظف ".
ومما يتمشي مع ذلك أيضا ما هو مستقر من قيام عرض الرشوة حتي ولو كان العارض يقصد درء عمل ظالم أي يطلب الامتناع عن عمل ينبغي الامتناع عنه قانوناً.
(1) ، (2) ، (3) : د/ عبدالعظيم مرسى وزير ، مرجع سابق ، ص 104 .
========================================
ثالثاً- الإخلال بواجبات الوظيفة
========================================
ثالثاً- الإخلال بواجبات الوظيفة (4):
تناولت الصورة الأولي لمقابل الفائدة أن يقوم الموظف ، أو يطلب منه القيام ، بأداء عمل حق يدخل في اختصاص وظيفته ، كما تناولت الصورة الثانية لمقابل الفائدة أن يقوم الموظف ، أو أن يطلب منه ، الامتناع عن عمل يدخل في اختصاصه وكان امتناعه واجباً قانوناً بصرف النظر عن اعتقاد الأطراف أو نظرتهم إلي هذا الامتناع . أما الصورة الحالية فتتناول الإخلال بواجبات الوظيفة كمقابل للفائدة . ولقد أحاطت محكمة النقض بهذه الصورة حين قررت أنه : " من المقرر أن الشارع في المادة 104 من قانون العقوبات - والتي عددت صورة الرشوة - قد نص علي الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة ، وجعله بالنسبة للموظف أو من في حكمه أسوة بامتناعه عن عمل من أعمال وظيفته ، وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة في النص مطلقا من التقييد يتسع مدلوله لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التى يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد واجباً من واجبات أدائها علي الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجري علي سنن قويم ، فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به ( والمقصود رغم وجوب هذا القيام) يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع في النص ، فإذا تعاطي الموظف مقابلا علي هذا الإخلال كان فعله رشوة مستوجبه العقاب ، كما قضي بقيام جريمة عرض الرشوة علي موظف عمومي للامتناع عن أداء واجب للتبليغ عن الجريمة المكلف بها قانوناً .
وتتفق غالبية التشريعات علي عدم التفرقة في التجريم بين الرشوة التي ترتكب بدافع قيام الموظف بعمل غير مشروع أي في صورة الإخلال بواجبات الوظيفة ، وتلك التي ترتكب بدافع قيام الموظف بعمل مشروع أي في صورة أداء عمل حق أو امتناع حق . ولكن بعض التشريعات يفرق في العقوبة فيشددها في حالة ما إذا كان العمل أو الامتناع يتنافي مع واجبات الوظيفة . وقد كان هذا هو مسلك مشروع قانون العقوبات لسنة 1967 ( المادة 249- 253 ).
ويعدد الفقه حالات الإخلال بواجبات الوظيفة علي النحو التالي :
1ـ أداء عمل غير حق: ومثال ذلك تقديم عطية إلي شرطي لحمله علي إبداء أقوال جديدة غير ما سبق أن أبداه في شأن كيفية ضبط متهمة والميل إلي أن يستهدف في ذلك مصلحتها لتنجو من المسئولية . فهذا الفعل يكون إخلال بواجبات الوظيفة التي تفرض علي الشرطي أن يكون أميناً في تقرير ما جري تحت حسه من وقائع وما يؤثر فيها من إجراءات تتخذ أساساً لأثر معين يرتبه القانون . ويمكن أن يدخل في ذلك مخالفة الموظف لقواعد الاختصاص .
2ـ الامتناع أو التراخى فى تأدية عمل حق ينبغى القيام به : تتحصل هذه الصورة فى امتناع الموظف عن القيام بعمل حق تفرضه عليه واجبات الوظيفة . وليس بشرط أن يمتنع الموظف عن العمل كلية بل يكفي التأخير في القيام به أو التراخي في أدائه . ومن تطبيقات ذلك أن يطلب رجل الشرطة مبلغاً من المال نظير امتناعه عن تحرير محضر يتعين عليه تحريره ، وأخذ مهندس التنظيم لعملية للامتناع عن التقرير بأن المنزل آيل للسقوط حالة كونه كذلك في حقيقة الأمر ، وقبول كاتب الجلسة لعطية نظير عدم إثبات طلبات معينة يبديها الخصم في الجلسة وذلك علي النحو السابق ذكره .
وتطبيقاً لما تقدم قضي بأنه : " إذا كان عمل المتهم هو تلقي الخطابات الواردة وتوزيعها علي الأقلام المختصة وأن الشكوي التي دارت عليها الواقعة قد سلمت إليه بسبب وظيفته فأستبقاها لديه وحملها إلي التاجر المشكو وطلب منه الرشوة نظير إتلاف هذه الشكوي وعدم إرسالها الي المختصين فإنه يرتكب جريمة الرشوة . كما قضي بأن مفاد نص المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية أن واجب التبليغ عن الجرائم التي يعلم بها الموظفون أثناء تأدية عملهم أو بسبب تأديته هو أمر يدخل في واجبات وظيفتهم مما يعرضهم للمسئولية التأديبية إذا خالفوا هذا الواجب ونتيجة لذلك يُعد عارضاً للرشوة من يقدم مبلغاً من المال إلي موظف مقابل امتناعه عن التبليغ عن جريمة " .
3ـ إساءة استعمال السلطة التقديرية : وذلك كأن يرتشي رئيس مصلحة مقابل تعيين أحد المرشحين للوظيفة في حين أن هناك من هو أحق منه ، أو أن يقبل رئيس إداري عطية ليمنح موظفاً من الخاضعين لإشرافه تقديرا لا يستحقه أو لترقية بالاختبار .
4ـ المساس بأمانة الوظيفة : استهدف المشرع من النص علي مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة التي عددتها المادة 104 مدلولا أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها التي يشكل الحفاظ عليها واجباً عاما يقع علي عاتق الموظف. وتطبيقاً لذلك قضي بأنه إذا كانت أمانة الوظيفة تفرض علي المستخدم في مصلحة حكومية ألا يتدخل في عمل رئيسه ، وأن ينأي عن السعي لديه للامتناع عن أداء واجب التبليغ الذي يلزمه به القانون ( المادة 26 من قانون الإجراءات الجنائية ) لما قد يؤدي إليه تدخله منإ مجرم من المسئولية الجنائية ، وهو أمر تتأذي منه العدالة وتسقط عنده ذمة الموظف فإن الذي وقع منه يعد إخلالا بواجبات وظيفته التي تفرض عليه أن يبادر إلي التبليغ عن الجرائم فور علمه بها ، كما قضي بأنه إذا كان المتهم وهو سائق بوزارة السد العالي قد قبل وعداً بمنحه مبلغاً لنقل كمية من القصب بالسيارة الحكومية المخصص لقيادتها ، وكانت أمانة الوظيفة تفرض عليه ألا يستعملها إلا في الغرض المخصصة له لقضاء مصالح الجهة التابع لها وأن ينأي عن السعي لاستغلالها لمصلحته الشخصية فإن ما وقع من هذا السائق يعد إخلالا بواجبات وظيفته في حكم المادة 104 من قانون العقوبات ".
هذا ، ويعتبر جانب من الفقه من قبيل الإخلال بواجبات الوظيفة أن يفتعل الموظف العام واقعة تبرر اختصاصه بالعمل أو الامتناع من أجل الحصول علي الرشوة وذلك كأن يوهم رجل الشرطة أحد المارة بأن هناك سبباً للقبض عليه واقتياده إلي قسم الشرطة ويطلب مبلغاً من المال منه نظير تخلية سبيله وعدم القبض عليه .
ويلاحظ أن الإخلال بواجبات الوظيفة قد يكون في صورة ارتكاب جريمة جنائية إلي جانب فعل الرشوة ، كما في حالة قبول الوعد بالعطية من أجل دس مخدر في منزل شخص ما أثناء القيام بتفتيشه ، أو تقديم عطية إلي ساع بالتليفزيون ليسرق فيلما من الأفلام التي يقوم بنقلها من مكان إلي آخر ، وذات الشئ يقال بالنسبة للخفير الذى يختلس بلاغا مسلما إليه من نائب العمدة لتوصيله للنقطة مقابل كمبيالة بمبلغ عشرة جنيهات حررها له صاحب المصلحة في الاختلاس المذكور ، ويعد عارضاً للرشوة من يقدم مبلغاً من النقود إلي حاجب النيابة لسرقة إحدي القضايا ولم تقبل منه (5) .
(4) ، (5) : د/ عبدالعظيم مرسى وزير ، مرجع سابق ، ص 107 وما بعدها .
========================================
لا يشترط تنفيذ الغرض من الرشوة
========================================
لا يشترط تنفيذ الغرض من الرشوة
يجدر التنبيه الى أنه لا يتطلب القانون لتمام الجريمة تنفيذ الموظف للهدف الذى يرمى اليه الراشى من عرضه للرشوة عليه ، سواء كان سبب ذلك ظرفا خارجا عن إرادته كما لو ضبطت الجريمة قبل قيام الجانى بتنفيذ الغرض أو عدل عن التنفيذ اختيارا ، لأن القانون يعاقب على الاتفاق وحده أساسا دون انتظار للتنفيذ . وقد أكدت هذا المعنى المادة 104 مكررا من قانون العقوبات (1) .
(1) د/ أحمد رفعت خفاجى ، شرح قانون العقوبات المصرى ـ القسم الخاص ، الجزء الأول ، الجرائم المضرة بالمصلحة العامة ، ص 63 .