إثبات العقد الإلكتروني
يعرف الإثبات أنه إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يحددها القانون على صحة واقعة قانونية يدعيها أحد طرفي الخصومة وينكرها الطرف الآخر.
ومن هذا يتضح أن الإثبات المقصود هو الإثبات القضائي الذي يتم عن طريق تقديم الدليل أمام القضاء وأن ينصب على واقعة قانونية معينة وان يكون بالطريقة التي يحددها القانون.
والإثبات في المعاملات الإلكترونية تعتريه الكثير من الصعوبات من الناحية التقنية نظراً لحداثة هذه التكنولوجيا وتعقيدها ولما يتسم به أصحاب المعاملات الإلكترونية غير المشروعة من مكر ودهاء وحيلة وغش واحتيال باستعمال تقنيات معلوماتية عالية الكفاءة وبسرعة فائقة يستطيعون من خلالها طمس أي عمل غير مشروع ومحو آثاره الخارجية الملموسة. لذا فإنني سأتحدث في هذا الفصل عن إثبات العقد الإلكتروني من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: طرق الإثبات
المبحث الثاني: صور التوقيع الإلكتروني
المبحث الثالث: حجية التوقيع الإلكتروني
المطلب الأول
الكتابة
تلعب الكتابة دورا مهما في مجال الإثبات ويبدو أنها تعتبر من الأفكار القانونية التي يصعب تعريفها ، فلفظ الكتابة ينصرف إلى أوسع معانيه ، فهو يشمل كل ما يحرر دون اشتراط شكل ما أو وجود توقيع ، ويمكن تعريف الكتابة بأنها ((مجموعة الرموز المرئية التي تعبر عن القول أو الفكر ويمكن أن تتم الكتابة بأي وسيلة أو بأي لغة))، وتحتل الكتابة المرتبة الأولى بين أدلة الإثبات وتعتبر هي وسيلة الإثبات الأكثر شيوعا بين الأفراد والأفضل لهم من أجل إثبات معاملاتهم المختلفة حيث يمكن عن طريقها تحديد مركز الشخص تحديدا واضحا على نحو يتنافى مع ما قد يطرأ من نسيان أو موت الشهود ، وقد اعتمد المشرع الكويتي والمشرع المصري الإثبات بالكتابة.
والكتابة الإلكترونية هي مسالة جديدة لم يتناولها المشرع الكويتي(1) بل تناولها المشرع المصري في قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004 حيث نص في المادة 1/أ على أنه: ( يقصد بالكتابة الإلكترونية كل حروف أو أرقام أو رموز أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية أو رقمية أو ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك). ووفقا لنص المادة 15 من ذات القانون فان (للكتابة الإلكترونية وللمحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون).
كما تناول المشرع الفرنسي الكتابة الإلكترونية في المادة 1316 من القانون المدني الفرنسي والتي تنص على أن : ( الإثبات الخطي ، أو الإثبات بالكتابة ينتج من كل تدوين للحروف أو العلامات أو الأرقام أو أي رموز أو إشارات ذات دلالة تعبيرية مفهومة وواضحة أيا ما كان دعامتها أو وسيلة نقلها ) .
كما نصت المادة 1316-1 من ذات القانون على أن ( الكتابة تحت شكل إلكتروني يكون لها نفس القوة في الإثبات الممنوحة للكتابة على دعامة ورقية شريطة أن يكون في الإمكان تحديد هوية الشخص الذي أصدرها وان يكون تدوينها وحفظها قد تم في ظروف تدعو إلى الثقة ) .
ويتضح من النصوص السابقة أن كل من المشرع المصري والفرنسي قد تبنيا مفهوما موسعا للكتابة واعترفا بالكتابة الإلكترونية ومنحاها نفس الحجية القانونية المقررة للكتابة التقليدية للإثبات .
و لا ريب في أن إصدار التشريعات التي تعترف بالكتابة الإلكترونية من شانه أن يضع حدا للغموض والجدل الذي كان يكتنف هذا النوع من الكتابة ويواكب التطور الفني الهائل في مجال تقنيات الاتصال عن بعد والذي مر بمراحل متعددة خاصة وان الأمان الممنوح لهذه المعاملات يتوقف على التقنية التي يستخدمها الأطراف وقد استطاع هذا التطور التقني أخيرا أن يولد هذا الأمان ويحظى بثقة المتعاملين في مجال التجارة الإلكترونية .(1)
ويلاحظ أن الكتابة الإلكترونية يمكن أن تقوم بنفس الدور الذي تقوم به الكتابة التقليدية طالما أنه يمكن قراءتها وتدل بوضوح على مضمون التصرف القانوني وطالما كانت مدونة على دعامة إلكترونية تضمن لها الاستمرارية وتخول للأطراف الرجوع إليها عند الضرورة ، بالإضافة إلى كونها تضمن عدم التعديل في بياناتها على نحو يوفر للمتعاملين الأمان والثقة .
ويشترط في الكتابة الآتي :
أولا : أن تكون الكتابة مقروءة :
يشترط في الكتابة حتى تصبح كدليل في الإثبات أن تكون مقروءة وان تكون واضحة حتى يمكن فهمها وإدراك محتواها ويستوي في ذلك أن تكون على دعامة ورقية أو إلكترونية أو أن يكون قد تم تدوينها بحروف أو بيانات أو رموز.
ثانيا : استمرار الكتابة ودوامها :
لكي تحقق الكتابة وظيفتها في الإثبات فانه يجب أن تدون على دعامة تحفظها لفترة طويلة من الزمن بحيث يمكن الرجوع إليها عند الحاجة ويستوي في ذلك أن تكون على دعامة ورقية أو دعامة إلكترونية مثل حفظها على ذاكرة الحاسوب أو الأقراص الممغنطة أو البريد الإلكتروني(1).
ثالثا : عدم قابلية الكتابة للتعديل :
يشترط في الكتابة حتى تصبح كدليل في الإثبات أن تكون خالية من أي عيب يؤثر في صحتها كالكشط والمحو والتحشير، فإذا كانت هناك أية علامات تدل على التعديل في بيانات المحرر فإن هذا ينال من قوته في الإثبات ، وبالرغم من أن الكتابة الإلكترونية تكون على وسيط غير مادي إلا أن نظم المعلومات الحديثة بما تتيح من أساليب متطورة يمكن لها أن تكشف عن أي تعديل في البيانات الإلكترونية وان تحدد بدقة البيانات المعدلة وتاريخ تعديلها، كما أن الاستعانة بجهات التصديق الإلكتروني يمكن أن يحل هذه المشكلة عند ادعاء أي طرف من الأطراف المتعاقدة أن هناك عبثا أو تعديلا في بيانات المحرر الإلكتروني.
المطلب الثاني
التوقيع
نصت المادة 13 من المرسوم بالقانون 39 لسنة 80 الكويتي بشان الإثبات في المواد المدنية والتجارية على انه : (تعتبر الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة ، أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار ، ويكفي أن يحلف يمينا بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هي لمن تلقي عنه الحق. ومع ذلك فليس لمن ناقش موضوع الورقة أن ينكر ما نسب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة أو أن يتمسك بعدم علمه بأن شيئا من ذلك صدر ممن تلقى عنه الحق) . وقد نص القانون المصري في المادة 14/1 من قانون الإثبات على أن ( يعتبر المحرر العرفي صادر ممن وقعه ما لم ينفِ صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة). يتضح من هذه النصوص أن التوقيع هو الشرط الهام في الورقة العرفية لأنه هو الذي يتضمن قبول الموقع لما هو مدون في الورقة أو بعبارة أخرى هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحب التوقيع ، ويجب أن يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كاملين فلا يكفي التوقيع بعلامة مختصرة أو بالأحرف الأولى من الاسم ، وكما يكون التوقيع بإمضاء شخص يمكن أن يكون بالختم أو ببصمة الإصبع .
هذا بالنسبة للتوقيع على المحرر التقليدي أما بالنسبة للتوقيع على المحرر الإلكتروني فلم يوجد نص في القانون الكويتي(1) يعرفه إلا أنه قد عرفته المادة 1/ج من قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم 14/2004 بأنه : ( ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو رموز أو إشارات أو غيرها ويكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره ) كما عرفه القانون الفرنسي في المادة1316/4 من التقنين المدني الفرنسي المعدلة بقانون التوقيع الإلكتروني الفرنسي رقم 230/2000 بأنه التوقيع الضروري لإتمام التصرف القانوني الذي يميز هوية من وقعه ، ويعبر عن رضائه بالالتزامات التي تنشأ عن هذا التصرف وعندما يكون إلكترونيا فيجب أن يتم باستخدام وسيلة آمنة لتحديد هوية الموقع وضمان صلته بالتصرف الذي وقع عليه)(2)
وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه (بيان مكتوب بشكل إلكتروني يتمثل في حرف أو رقم أو رمز أو إشارة أو صوت أو شفرة خاصة ومميزة ينتج من إتباع وسيلة آمنة ، وهذا البيان يلحق أو يرتبط منطقيا ببيانات المحرر الإلكتروني في الدلالة على هوية الموقع على المحرر والرضاء بمضمونه) .
وللتوقيع الإلكتروني أهمية كبرى في شتى المجالات، منها:
1ـ تحويل المعلومات الشخصية بصورة سرية ومضمونة لكل مواطن.
2ـ يمكن الاعتماد اعتماداً كلياً على التوقيع الإلكتروني ضمن الإجراءات القانونية والقضائية في المنازعات بين الأشخاص والشركات الخاصة أو المؤسسات والهيئات الحكومية.
3ـ توفير الهوية الرقمية لكل مواطن.
4ـ التوفير في جميع إجراءات إرسال البيانات إلى المواطن والحصول على المعلومات منه (التوفير في الورق، الطلبات، الطباعة، الأحبار، إلخ ..).
5ـ توفير عامل الوقت الثمين للمواطن والموظف وفي هذه الحالة لن يضطر المواطن إلا أن يذهب بسيارته أو باستخدام وسائل النقل إلى الدوائر الحكومية والانتظار مطولاً كما هو الحال في بلداننا العربية وعلى النقيض تماماً في البلدان الغربية، حيث أنه بالكاد أن ترى أشخاصاً يكملون معاملاتهم إلى بأضيق الحالات، وهي ظهوره الشخصي إن لزم.
وهناك عدة فروق جوهرية بين التوقيع الإلكتروني والتوقيع التقليدي:
أولاً: من حيث صوره أو شكل التوقيع:
إن التوقيع التقليدي يتم في صورة إمضاء أو التوقيع بالختم أو بصمة الإصبع، وإن للموقع حرية في اختيار أي صورة من هذه الصور، أما بالنسبة للتوقيع الإلكتروني فإنه لا يشترط فيه صورة أو شكل معين حيث يمكن أن يتم في صورة حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو بشرط أن يكون للصورة المستخدمة طابع منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع من غيره.
ثانياً: من حيث الوسيط أو الدعامة التي يوضع عليها التوقيع:
بالنسبة للتوقيع التقليدي يتم عبر وسيط مادي ملموس ومحسوس وهو في الغالب وسيط ورقي، أما التوقيع الإلكتروني فيتم عبر وسيط إلكتروني غير محسوس.
ثالثاً: من حيث الوظائف التي يؤديها التوقيع:
التوقيع التقليدي يقوم بوظيفتين:
أ- أنه يحدد هوية وشخصية الموقع ويميزه عن غيره من الأشخاص.
ب- أنه دليل على الحضور المادي لأطراف التصرف في وقت التوقيع أو حضور من يمثلهم قانوناً أو اتفاقاً.
أما التوقيع الإلكتروني:
أ- أنه يحدد هوية وشخصية الموقع ويميزه عن غيره من الأشخاص.
ب- أنه يسمح بالتعاقد عن بعد.
ج- أنه يحقق قدراً من الأمن والثقة في صحة التوقيع وانتسابه لصاحبه.
د- إن التوقيع الإلكتروني يمنح المستند صفة المحرر الأصلي وبالتالي يجعل منه دليلاً معداً مسبقاً للإثبات له نفس منزلة الدليل الكتابي الذي يتم إعداده مسبقاً قبل أن يثور النزاع بين الأطراف(1).
رأينا من خلال هذا المبحث أن الكتابة التقليدية هي مجموعة الرموز المرئية التي تعبر عن القول أو الفكر ويمكن أن تتم الكتابة بأي وسيلة أو بأي لغة.
وأن الكتابة الإلكترونية هي عبارة عن مجموعة من الحروف أو الأرقام أو الرموز أو أية علامات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية وتعطي دلالة قابلة للإدراك، وأن التوقيع الإلكتروني يتمثل في مجموعة من الحروف أو الأرقام أو الرموز أو التشفير الرقمي أو أي نظام معالج إلكتروني يمكن أن يعبر عن رضاء أطراف التصرف القانوني.
المطلب الأول
التوقيع البيومتري
يقصد بالتوقيع البيومتري التحقق من شخصية المتعامل بالاعتماد على الخواص الذاتية والصفات الفيزيائية والطبيعية والجسدية والسلوكية للإنسان لتمييزه وتحديد هويته )
فالتوقيع البيومتري يعتد على الخواص الذاتية للإنسان التي تميزه عن غيره وتختلف من شخص إلى آخر مثل: بصمة اليد التي تختلف من شخص إلى آخر، وبصمة قرحية العين التي تختلف أيضا من شخص إلى آخر وهى التي تتمثل في الجزء الموجود خلف قرنية العين ويعطي للعين لونها، والتي تختلف من شخص إلى آخر، وكذلك بصمة أو نبرة الصوت فهي تختلف من شخص إلى آخر ، وكذلك درجة ضغط الدم ، وغيرها من الصفات الجسدية والسلوكية والبيلوجية للإنسان ، ويتم التأكد والتحقق من شخصية الموقع المتعامل مع هذه الطرق البيومترية عن طريق إدخال المعلومات إلى الحاسب الآلي ، مثل الفأرة ولوحة المفاتيح التي تقوم بالتقاط صورة دقيقة لعين الموقع أو صورته أو يده أو بصمته الشخصية ، ويتم تخزينها بطريقة مشفرة في ذاكرة الحاسب الآلي ، ويعاد فك هذا التشفير للتحقق من صحة التوقيع وذلك بمطابقة صفات وسمات العميل المستخدم للتوقيع مع الصفات التي يتم تخزينها على جهاز الحاسب الآلي ، ولا يسمح له بالتعامل إلا في حالة المطابقة الكاملة .
وقد اختلف الفقهاء في مدي تمتع هذه الوسيلة بالحماية، حيث يرى جانب من الفقه ضعف هذه الوسيلة نظرا لكون هذه الوسيلة يتم تخزينها والاحتفاظ بها في ذاكرة الحاسب الآلي، أو على قرص ممغنط فإنه يمكن مهاجمتها أو نسخها بواسطة التقنيات التي يستخدمها قراصنة الحاسب الآلي، أو عن طريق نظام فك التشفير، كما يمكن لقراصنة الحاسب الآلي استخدام أنواع معينة من العدسات اللاصقة بنفس اللون والشكل والخواص التي يتم تخزينها على الحاسوب، كما يمكن تسجيل بصمة الصوت وإعادة بثها(1).
إلا أن جانب آخر من الفقه يرى أنه نظرا لأن الخواص الطبيعية المميزة لكل إنسان تستطيع أن تميزه عن غيره، وبالتالي فإن التوقيع البيومتري يعتبر وسيلة موثقا بها لتميز الشخص وتحديد هويته، نظرا لارتباط الخصائص الذاتية به، وهو ما يمكن معه استخدام هذه الوسيلة في إقرار المعاملات الإلكترونية . ومما لا شك فيه أن استخدام هذه الخصائص الذاتية للإنسان يسمح بتميزه عن غيره بشكل موثوق به ، ولذلك يمكن استخدام هذه الطريقة في التوقيع على التصرفات القانونية المبرمة عبر وسيط إلكتروني.
إلا أننا نرى من جهتنا أن استخدام هذه الوسيلة يعتمد في المقام الأول على وضع نظام معلوماتي آمن يوفر الحماية والأمان لهذه الوسائل، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تأمينه عن طريق التصديق عليه من جهات معتمدة مرخص لها بممارسة هذا العمل وتخضع لرقابة الدولة، بحيث تكفل التحقق على نحو دقيق من شخصية الموقع، والحفاظ على سرية هذا التوقيع، وحمايته، وتوفير وسائل الأمان له مما يضفي عليه مزيدا من الثقة لدى المتعاملين عبر تقنيات الاتصال الحديثة .
المطلب الثاني
التوقيع بالقلم الإلكتروني
تتم هذه الصورة من التوقيع عن طريق قيام الموقع بكتابة توقيعه باستخدام قلم إلكتروني ضوئي خاص وحساس يمكنه الكتابة على شاشة جهاز الحاسب الآلي عن طريق برنامج خاص يقوم بخدمة التقاط التوقيع والتحقق من صحته بالاستناد إلى حركة هذا القلم على الشاشة والأشكال التي يتخذها من دوائر أو انحناءات أو التواءات أو نقاط . ودرجة الضغط بالقلم وغير ذلك من سمات التوقيع الشخصي الخاصة بالموقع ، والذي يكون قد سبق تخزينه بالحاسب الآلي(1).
إلا أن هذا النوع من التوقيع يحتاج إلى تقنية عالية ونوع خاص من الحاسبات يقبل الكتابة على شاشة مباشرة.
إلا أن استعمال هذا النوع من التوقيع محفوف بالعديد من المشاكل التي لم تجد طريقها للحل إلى الآن، وهى مشكلة إثبات العلاقة بين التوقيع والمحرر، حيث لا توجد تقنية تمكن من قيام هذه الرابطة، إذ بإمكان المرسل إليه الاحتفاظ بنسخة من التوقيع التي وصلته على أحد المحررات الإلكترونية، ثم يعيد وضعها على أي محرر إلكتروني آخر ويدعي أن هو صاحب التوقيع الفعلي، وهو ما سيؤدي إلى انعدام الثقة والأمان في هذه الطريقة.
وأيا كانت الانتقادات التي يمكن أن توجه على هذا النوع من أنواع التوقيع الإلكتروني، إلا أنه لا يمكن إنكار الجهود المبذولة التي يبذلها علماء التقنية والاتصالات لتطوير هذه الوسائل والوصول إلى أفضل الحلول، والتي يمكن أن تضفي على هذا النوع من التوقيع مزيدا من الحماية والأمان، وبالتالي توفر الثقة لدى المتعاملين في مجال الحماية الإلكترونية، وهذا يؤدي في النهاية إلى مواكبة ركب التطور في هذا العالم الإلكتروني الجديد.
المطلب الثالث
التوقيع الرقمي
ويقصد به استخدام أرقام حسابية مطبوعة عن طريق التشفير لتركيز وضغط محتوى المعاملة التي يتم التوقيع عليها . وتتم الكتابة الرقمية للتوقيع ولمحتوى المعاملة عن طريق التشفير .
وذلك باستخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدة ومعادلات رياضية (لوغاريتمات) تتحول بواسطتها المعاملة من رسالة ذات كتابة عادية مقروءة ومفهومة إلى معادلة رياضية أو رسالة رقمية غير مقروءة وغير مفهومة ، ما لم يتم فك تشفيرها ممن يملك مفتاح فك الشفرة وهو المعادلة الخاصة بذلك .
والصورة الحديثة للتوقيع الرقمي هي استخدام تقنية شفرة المفتاحين العام والخاص ( المعروفة باسم تقنية شفرة المفتاح العام).(1)
وهي منظومة تسمح لكل شخص طبيعي أو معنوي بان يكون لديه مفتاحين منفردين، أحدهما: عام متاح إلكترونيا، والثاني خاص يحتفظ به الشخص ويحفظه على درجة عالية من السرية. طبقا لنص المادة 1/10 من اللائحة التنفيذية لقانون التوقيع الإلكتروني المصري.
والمفتاح الشفري العام هو: أداة إلكترونية متاحة للكافة تنشأ بواسطة عملية حسابية خاصة وتستخدم في التحقق من شخصية الموقع على المحرر الإلكتروني، والتأكد من صحة وسلامة محتوى المحرر الإلكتروني الأصلي طبقا للمادة 1/11 من اللائحة التنفيذية.
أما المفتاح الشفري الخاص: فهو أداة إلكترونية خاصة بصاحبها تنشأ بواسطة عملية حسابية خاصة وتستخدم في وضع التوقيع الإلكتروني على المحررات الإلكترونية ويتم الاحتفاظ بها على بطاقة ذكية مؤمنة طبقا لنص المادة 1/12 من اللائحة التنفيذية .
ويقوم مرسل العملية الإلكترونية بكتابة بيانات الرسالة والتوقيع عليها إلكترونيا باستخدام مفتاحه لخاص فتتحول الرسالة إلى أرقام حسابية غير مفهومة ، ثم يقوم بإرسال الرسالة موقعة مع مفتاحه العام إلى المرسل إليه فيقوم هذا الأخير بفك الشفرة باستخدام المفتاح العام للمرسل ليتمكن من قراءة الرسالة .
ومن خلال العرض السابق للتوقيع الرقمي يتضح انه يهدف إلى تحقيق الوظائف الآتية(1):
1- التوثيق: ويقصد به التحقق من هوية الموقع وان الرسالة الموقعة منه تنسب إليه.
2- السلامة: ويقصد بها أن محتويات الرسالة الموقع عليها إلكترونيا لم يتم تغيير مضمونها ولم يتم التلاعب في بياناتها، لا عمدا ولا من غير عمد.
3- السرية: يحقق التوقيع الرقمي سرية المعلومات التي تتضمنها المعاملات والرسائل الإلكترونية حيث لا يمكن قراءة هذه المراسلات إلا ممن أرسلت إليه وباستخدام المفتاح العام للمرسل .
المطلب الرابع
التوقيع الكودي أو السري المرتبط بالبطاقة الذكية الممغنطة
يقصد به استخدام مجموعة من الأرقام أو الحروف أو كليهما ، يختارها صاحب التوقيع لتحديد هويته وشخصيته ، ويتم تركيبها أو ترتيبها في شكل كودي معين بحيث لا يعلمها إلا صاحب التوقيع فقط ومن يبلغه بها.
وغالبا ما يرتبط هذا التوقيع الكودي أو السري بالبطاقات الذكية البلاستيكية الممغنطة وغيرها من البطاقات الحديثة المشابهة والمزودة بذاكرة إلكترونية مثل الفيزا كارت، و ماستر كارت، و أمريكان اكسبريس.
ويستخدم التوقيع الكودي أو السري في المراسلات وإبرام عقود التجارة الإلكترونية والمعاملات المصرفية البنكية . حيث يستخدم في عملية السحب النقدي من خلال أجهزة الصرف الآلية أو الدفع الإلكتروني عن طريق القيام بسداد ثمن السلع والخدمات في المحال التجارية بإدخال البطاقة في الجهاز المخصص لذلك.
ويتم التوقيع الإلكتروني الكودي أو السري في حالة السحب الآلي عن طريق إدخال البطاقة الممغنطة (بطاقة الصرف الآلي). التي تحتوي على البيانات الخاصة بالعميل في فتحة خاصة في جهاز الصرف الآلي وإدخال الرقم السري الخاص بالعميل. فإذا كان الرقم صحيحا فان بيانات الجهاز توجه العميل إلى تحديد المبلغ المطلوب سحبه وذلك بالضغط على مفاتيح خاصة بذلك ، فيتم صرف المبلغ المطلوب، وتعاد البطاقة للعميل من نفس فتحة البداية(1).
كما يتم التوقيع الإلكتروني في حالة الدفع الإلكتروني وسداد ثمن السلع والخدمات عن طريق قيام مسئول المحل بإمرار بطاقة الوفاء أو الائتمان الخاصة بالعميل عبر جهاز خاص يتصل بدوره بنظم المعلومات الخاصة بالبنك وذلك للتأكد من وجود رصيد كاف يسمح بسداد ثمن ما حصل عليه العميل ، فإذا تم إدخال الرقم السري الخاص بالعميل في الجهاز يتم سداد المستحقات في نفس اللحظة عن طريق التحويل من حساب العميل لدى البنك إلى حساب التاجر لدى نفس البنك أو لدى بنك آخر.
كما يتضح أن قيمة التوقيع الإلكتروني ومحتوى البيانات الواردة على المحرر الإلكتروني ترتبط بمدى الثقة التي تحيط بها، وهي ثقة تعتمد على مدى إمكانية التلاعب في التوقيع أو البيانات المرتبطة به فهي مسالة مرتبطة بالأمان التقني أو الإلكتروني.
فإذا تم تأمين الطابع المتفرد لبيانات إنشاء التوقيع الإلكتروني وعدم قابلية التوقيع ومفرداته أو بياناته للاستنساخ أو الاستنباط ، وحمايته مما قد يؤثر في سلامته وصحة نسبته لطرف ما والذي يتحمل بالتزامات ناشئة عنه بمضمون المحرر الإلكتروني، فانه ينتج أثره القانوني مثل الأثر المترتب على التوقيع العادي أو ما يقوم مقامه تماماً.
يعرف الإثبات أنه إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يحددها القانون على صحة واقعة قانونية يدعيها أحد طرفي الخصومة وينكرها الطرف الآخر.
ومن هذا يتضح أن الإثبات المقصود هو الإثبات القضائي الذي يتم عن طريق تقديم الدليل أمام القضاء وأن ينصب على واقعة قانونية معينة وان يكون بالطريقة التي يحددها القانون.
والإثبات في المعاملات الإلكترونية تعتريه الكثير من الصعوبات من الناحية التقنية نظراً لحداثة هذه التكنولوجيا وتعقيدها ولما يتسم به أصحاب المعاملات الإلكترونية غير المشروعة من مكر ودهاء وحيلة وغش واحتيال باستعمال تقنيات معلوماتية عالية الكفاءة وبسرعة فائقة يستطيعون من خلالها طمس أي عمل غير مشروع ومحو آثاره الخارجية الملموسة. لذا فإنني سأتحدث في هذا الفصل عن إثبات العقد الإلكتروني من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: طرق الإثبات
المبحث الثاني: صور التوقيع الإلكتروني
المبحث الثالث: حجية التوقيع الإلكتروني
المطلب الأول
الكتابة
تلعب الكتابة دورا مهما في مجال الإثبات ويبدو أنها تعتبر من الأفكار القانونية التي يصعب تعريفها ، فلفظ الكتابة ينصرف إلى أوسع معانيه ، فهو يشمل كل ما يحرر دون اشتراط شكل ما أو وجود توقيع ، ويمكن تعريف الكتابة بأنها ((مجموعة الرموز المرئية التي تعبر عن القول أو الفكر ويمكن أن تتم الكتابة بأي وسيلة أو بأي لغة))، وتحتل الكتابة المرتبة الأولى بين أدلة الإثبات وتعتبر هي وسيلة الإثبات الأكثر شيوعا بين الأفراد والأفضل لهم من أجل إثبات معاملاتهم المختلفة حيث يمكن عن طريقها تحديد مركز الشخص تحديدا واضحا على نحو يتنافى مع ما قد يطرأ من نسيان أو موت الشهود ، وقد اعتمد المشرع الكويتي والمشرع المصري الإثبات بالكتابة.
والكتابة الإلكترونية هي مسالة جديدة لم يتناولها المشرع الكويتي(1) بل تناولها المشرع المصري في قانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004 حيث نص في المادة 1/أ على أنه: ( يقصد بالكتابة الإلكترونية كل حروف أو أرقام أو رموز أو أي علامات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية أو رقمية أو ضوئية أو أية وسيلة أخرى مشابهة وتعطي دلالة قابلة للإدراك). ووفقا لنص المادة 15 من ذات القانون فان (للكتابة الإلكترونية وللمحررات الإلكترونية في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية، ذات الحجية المقررة للكتابة والمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقا للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون).
كما تناول المشرع الفرنسي الكتابة الإلكترونية في المادة 1316 من القانون المدني الفرنسي والتي تنص على أن : ( الإثبات الخطي ، أو الإثبات بالكتابة ينتج من كل تدوين للحروف أو العلامات أو الأرقام أو أي رموز أو إشارات ذات دلالة تعبيرية مفهومة وواضحة أيا ما كان دعامتها أو وسيلة نقلها ) .
كما نصت المادة 1316-1 من ذات القانون على أن ( الكتابة تحت شكل إلكتروني يكون لها نفس القوة في الإثبات الممنوحة للكتابة على دعامة ورقية شريطة أن يكون في الإمكان تحديد هوية الشخص الذي أصدرها وان يكون تدوينها وحفظها قد تم في ظروف تدعو إلى الثقة ) .
ويتضح من النصوص السابقة أن كل من المشرع المصري والفرنسي قد تبنيا مفهوما موسعا للكتابة واعترفا بالكتابة الإلكترونية ومنحاها نفس الحجية القانونية المقررة للكتابة التقليدية للإثبات .
و لا ريب في أن إصدار التشريعات التي تعترف بالكتابة الإلكترونية من شانه أن يضع حدا للغموض والجدل الذي كان يكتنف هذا النوع من الكتابة ويواكب التطور الفني الهائل في مجال تقنيات الاتصال عن بعد والذي مر بمراحل متعددة خاصة وان الأمان الممنوح لهذه المعاملات يتوقف على التقنية التي يستخدمها الأطراف وقد استطاع هذا التطور التقني أخيرا أن يولد هذا الأمان ويحظى بثقة المتعاملين في مجال التجارة الإلكترونية .(1)
ويلاحظ أن الكتابة الإلكترونية يمكن أن تقوم بنفس الدور الذي تقوم به الكتابة التقليدية طالما أنه يمكن قراءتها وتدل بوضوح على مضمون التصرف القانوني وطالما كانت مدونة على دعامة إلكترونية تضمن لها الاستمرارية وتخول للأطراف الرجوع إليها عند الضرورة ، بالإضافة إلى كونها تضمن عدم التعديل في بياناتها على نحو يوفر للمتعاملين الأمان والثقة .
ويشترط في الكتابة الآتي :
أولا : أن تكون الكتابة مقروءة :
يشترط في الكتابة حتى تصبح كدليل في الإثبات أن تكون مقروءة وان تكون واضحة حتى يمكن فهمها وإدراك محتواها ويستوي في ذلك أن تكون على دعامة ورقية أو إلكترونية أو أن يكون قد تم تدوينها بحروف أو بيانات أو رموز.
ثانيا : استمرار الكتابة ودوامها :
لكي تحقق الكتابة وظيفتها في الإثبات فانه يجب أن تدون على دعامة تحفظها لفترة طويلة من الزمن بحيث يمكن الرجوع إليها عند الحاجة ويستوي في ذلك أن تكون على دعامة ورقية أو دعامة إلكترونية مثل حفظها على ذاكرة الحاسوب أو الأقراص الممغنطة أو البريد الإلكتروني(1).
ثالثا : عدم قابلية الكتابة للتعديل :
يشترط في الكتابة حتى تصبح كدليل في الإثبات أن تكون خالية من أي عيب يؤثر في صحتها كالكشط والمحو والتحشير، فإذا كانت هناك أية علامات تدل على التعديل في بيانات المحرر فإن هذا ينال من قوته في الإثبات ، وبالرغم من أن الكتابة الإلكترونية تكون على وسيط غير مادي إلا أن نظم المعلومات الحديثة بما تتيح من أساليب متطورة يمكن لها أن تكشف عن أي تعديل في البيانات الإلكترونية وان تحدد بدقة البيانات المعدلة وتاريخ تعديلها، كما أن الاستعانة بجهات التصديق الإلكتروني يمكن أن يحل هذه المشكلة عند ادعاء أي طرف من الأطراف المتعاقدة أن هناك عبثا أو تعديلا في بيانات المحرر الإلكتروني.
المطلب الثاني
التوقيع
نصت المادة 13 من المرسوم بالقانون 39 لسنة 80 الكويتي بشان الإثبات في المواد المدنية والتجارية على انه : (تعتبر الورقة العرفية صادرة ممن وقعها ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة ، أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار ، ويكفي أن يحلف يمينا بأنه لا يعلم أن الخط أو الإمضاء أو الختم أو البصمة هي لمن تلقي عنه الحق. ومع ذلك فليس لمن ناقش موضوع الورقة أن ينكر ما نسب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة أو أن يتمسك بعدم علمه بأن شيئا من ذلك صدر ممن تلقى عنه الحق) . وقد نص القانون المصري في المادة 14/1 من قانون الإثبات على أن ( يعتبر المحرر العرفي صادر ممن وقعه ما لم ينفِ صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة). يتضح من هذه النصوص أن التوقيع هو الشرط الهام في الورقة العرفية لأنه هو الذي يتضمن قبول الموقع لما هو مدون في الورقة أو بعبارة أخرى هو الذي ينسب الكتابة إلى صاحب التوقيع ، ويجب أن يشتمل التوقيع على اسم الموقع ولقبه كاملين فلا يكفي التوقيع بعلامة مختصرة أو بالأحرف الأولى من الاسم ، وكما يكون التوقيع بإمضاء شخص يمكن أن يكون بالختم أو ببصمة الإصبع .
هذا بالنسبة للتوقيع على المحرر التقليدي أما بالنسبة للتوقيع على المحرر الإلكتروني فلم يوجد نص في القانون الكويتي(1) يعرفه إلا أنه قد عرفته المادة 1/ج من قانون التوقيع الإلكتروني المصري رقم 14/2004 بأنه : ( ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو رموز أو إشارات أو غيرها ويكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره ) كما عرفه القانون الفرنسي في المادة1316/4 من التقنين المدني الفرنسي المعدلة بقانون التوقيع الإلكتروني الفرنسي رقم 230/2000 بأنه التوقيع الضروري لإتمام التصرف القانوني الذي يميز هوية من وقعه ، ويعبر عن رضائه بالالتزامات التي تنشأ عن هذا التصرف وعندما يكون إلكترونيا فيجب أن يتم باستخدام وسيلة آمنة لتحديد هوية الموقع وضمان صلته بالتصرف الذي وقع عليه)(2)
وقد عرفه بعض الفقهاء بأنه (بيان مكتوب بشكل إلكتروني يتمثل في حرف أو رقم أو رمز أو إشارة أو صوت أو شفرة خاصة ومميزة ينتج من إتباع وسيلة آمنة ، وهذا البيان يلحق أو يرتبط منطقيا ببيانات المحرر الإلكتروني في الدلالة على هوية الموقع على المحرر والرضاء بمضمونه) .
وللتوقيع الإلكتروني أهمية كبرى في شتى المجالات، منها:
1ـ تحويل المعلومات الشخصية بصورة سرية ومضمونة لكل مواطن.
2ـ يمكن الاعتماد اعتماداً كلياً على التوقيع الإلكتروني ضمن الإجراءات القانونية والقضائية في المنازعات بين الأشخاص والشركات الخاصة أو المؤسسات والهيئات الحكومية.
3ـ توفير الهوية الرقمية لكل مواطن.
4ـ التوفير في جميع إجراءات إرسال البيانات إلى المواطن والحصول على المعلومات منه (التوفير في الورق، الطلبات، الطباعة، الأحبار، إلخ ..).
5ـ توفير عامل الوقت الثمين للمواطن والموظف وفي هذه الحالة لن يضطر المواطن إلا أن يذهب بسيارته أو باستخدام وسائل النقل إلى الدوائر الحكومية والانتظار مطولاً كما هو الحال في بلداننا العربية وعلى النقيض تماماً في البلدان الغربية، حيث أنه بالكاد أن ترى أشخاصاً يكملون معاملاتهم إلى بأضيق الحالات، وهي ظهوره الشخصي إن لزم.
وهناك عدة فروق جوهرية بين التوقيع الإلكتروني والتوقيع التقليدي:
أولاً: من حيث صوره أو شكل التوقيع:
إن التوقيع التقليدي يتم في صورة إمضاء أو التوقيع بالختم أو بصمة الإصبع، وإن للموقع حرية في اختيار أي صورة من هذه الصور، أما بالنسبة للتوقيع الإلكتروني فإنه لا يشترط فيه صورة أو شكل معين حيث يمكن أن يتم في صورة حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو بشرط أن يكون للصورة المستخدمة طابع منفرد يسمح بتحديد شخص الموقع من غيره.
ثانياً: من حيث الوسيط أو الدعامة التي يوضع عليها التوقيع:
بالنسبة للتوقيع التقليدي يتم عبر وسيط مادي ملموس ومحسوس وهو في الغالب وسيط ورقي، أما التوقيع الإلكتروني فيتم عبر وسيط إلكتروني غير محسوس.
ثالثاً: من حيث الوظائف التي يؤديها التوقيع:
التوقيع التقليدي يقوم بوظيفتين:
أ- أنه يحدد هوية وشخصية الموقع ويميزه عن غيره من الأشخاص.
ب- أنه دليل على الحضور المادي لأطراف التصرف في وقت التوقيع أو حضور من يمثلهم قانوناً أو اتفاقاً.
أما التوقيع الإلكتروني:
أ- أنه يحدد هوية وشخصية الموقع ويميزه عن غيره من الأشخاص.
ب- أنه يسمح بالتعاقد عن بعد.
ج- أنه يحقق قدراً من الأمن والثقة في صحة التوقيع وانتسابه لصاحبه.
د- إن التوقيع الإلكتروني يمنح المستند صفة المحرر الأصلي وبالتالي يجعل منه دليلاً معداً مسبقاً للإثبات له نفس منزلة الدليل الكتابي الذي يتم إعداده مسبقاً قبل أن يثور النزاع بين الأطراف(1).
رأينا من خلال هذا المبحث أن الكتابة التقليدية هي مجموعة الرموز المرئية التي تعبر عن القول أو الفكر ويمكن أن تتم الكتابة بأي وسيلة أو بأي لغة.
وأن الكتابة الإلكترونية هي عبارة عن مجموعة من الحروف أو الأرقام أو الرموز أو أية علامات أخرى تثبت على دعامة إلكترونية وتعطي دلالة قابلة للإدراك، وأن التوقيع الإلكتروني يتمثل في مجموعة من الحروف أو الأرقام أو الرموز أو التشفير الرقمي أو أي نظام معالج إلكتروني يمكن أن يعبر عن رضاء أطراف التصرف القانوني.
المطلب الأول
التوقيع البيومتري
يقصد بالتوقيع البيومتري التحقق من شخصية المتعامل بالاعتماد على الخواص الذاتية والصفات الفيزيائية والطبيعية والجسدية والسلوكية للإنسان لتمييزه وتحديد هويته )
فالتوقيع البيومتري يعتد على الخواص الذاتية للإنسان التي تميزه عن غيره وتختلف من شخص إلى آخر مثل: بصمة اليد التي تختلف من شخص إلى آخر، وبصمة قرحية العين التي تختلف أيضا من شخص إلى آخر وهى التي تتمثل في الجزء الموجود خلف قرنية العين ويعطي للعين لونها، والتي تختلف من شخص إلى آخر، وكذلك بصمة أو نبرة الصوت فهي تختلف من شخص إلى آخر ، وكذلك درجة ضغط الدم ، وغيرها من الصفات الجسدية والسلوكية والبيلوجية للإنسان ، ويتم التأكد والتحقق من شخصية الموقع المتعامل مع هذه الطرق البيومترية عن طريق إدخال المعلومات إلى الحاسب الآلي ، مثل الفأرة ولوحة المفاتيح التي تقوم بالتقاط صورة دقيقة لعين الموقع أو صورته أو يده أو بصمته الشخصية ، ويتم تخزينها بطريقة مشفرة في ذاكرة الحاسب الآلي ، ويعاد فك هذا التشفير للتحقق من صحة التوقيع وذلك بمطابقة صفات وسمات العميل المستخدم للتوقيع مع الصفات التي يتم تخزينها على جهاز الحاسب الآلي ، ولا يسمح له بالتعامل إلا في حالة المطابقة الكاملة .
وقد اختلف الفقهاء في مدي تمتع هذه الوسيلة بالحماية، حيث يرى جانب من الفقه ضعف هذه الوسيلة نظرا لكون هذه الوسيلة يتم تخزينها والاحتفاظ بها في ذاكرة الحاسب الآلي، أو على قرص ممغنط فإنه يمكن مهاجمتها أو نسخها بواسطة التقنيات التي يستخدمها قراصنة الحاسب الآلي، أو عن طريق نظام فك التشفير، كما يمكن لقراصنة الحاسب الآلي استخدام أنواع معينة من العدسات اللاصقة بنفس اللون والشكل والخواص التي يتم تخزينها على الحاسوب، كما يمكن تسجيل بصمة الصوت وإعادة بثها(1).
إلا أن جانب آخر من الفقه يرى أنه نظرا لأن الخواص الطبيعية المميزة لكل إنسان تستطيع أن تميزه عن غيره، وبالتالي فإن التوقيع البيومتري يعتبر وسيلة موثقا بها لتميز الشخص وتحديد هويته، نظرا لارتباط الخصائص الذاتية به، وهو ما يمكن معه استخدام هذه الوسيلة في إقرار المعاملات الإلكترونية . ومما لا شك فيه أن استخدام هذه الخصائص الذاتية للإنسان يسمح بتميزه عن غيره بشكل موثوق به ، ولذلك يمكن استخدام هذه الطريقة في التوقيع على التصرفات القانونية المبرمة عبر وسيط إلكتروني.
إلا أننا نرى من جهتنا أن استخدام هذه الوسيلة يعتمد في المقام الأول على وضع نظام معلوماتي آمن يوفر الحماية والأمان لهذه الوسائل، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تأمينه عن طريق التصديق عليه من جهات معتمدة مرخص لها بممارسة هذا العمل وتخضع لرقابة الدولة، بحيث تكفل التحقق على نحو دقيق من شخصية الموقع، والحفاظ على سرية هذا التوقيع، وحمايته، وتوفير وسائل الأمان له مما يضفي عليه مزيدا من الثقة لدى المتعاملين عبر تقنيات الاتصال الحديثة .
المطلب الثاني
التوقيع بالقلم الإلكتروني
تتم هذه الصورة من التوقيع عن طريق قيام الموقع بكتابة توقيعه باستخدام قلم إلكتروني ضوئي خاص وحساس يمكنه الكتابة على شاشة جهاز الحاسب الآلي عن طريق برنامج خاص يقوم بخدمة التقاط التوقيع والتحقق من صحته بالاستناد إلى حركة هذا القلم على الشاشة والأشكال التي يتخذها من دوائر أو انحناءات أو التواءات أو نقاط . ودرجة الضغط بالقلم وغير ذلك من سمات التوقيع الشخصي الخاصة بالموقع ، والذي يكون قد سبق تخزينه بالحاسب الآلي(1).
إلا أن هذا النوع من التوقيع يحتاج إلى تقنية عالية ونوع خاص من الحاسبات يقبل الكتابة على شاشة مباشرة.
إلا أن استعمال هذا النوع من التوقيع محفوف بالعديد من المشاكل التي لم تجد طريقها للحل إلى الآن، وهى مشكلة إثبات العلاقة بين التوقيع والمحرر، حيث لا توجد تقنية تمكن من قيام هذه الرابطة، إذ بإمكان المرسل إليه الاحتفاظ بنسخة من التوقيع التي وصلته على أحد المحررات الإلكترونية، ثم يعيد وضعها على أي محرر إلكتروني آخر ويدعي أن هو صاحب التوقيع الفعلي، وهو ما سيؤدي إلى انعدام الثقة والأمان في هذه الطريقة.
وأيا كانت الانتقادات التي يمكن أن توجه على هذا النوع من أنواع التوقيع الإلكتروني، إلا أنه لا يمكن إنكار الجهود المبذولة التي يبذلها علماء التقنية والاتصالات لتطوير هذه الوسائل والوصول إلى أفضل الحلول، والتي يمكن أن تضفي على هذا النوع من التوقيع مزيدا من الحماية والأمان، وبالتالي توفر الثقة لدى المتعاملين في مجال الحماية الإلكترونية، وهذا يؤدي في النهاية إلى مواكبة ركب التطور في هذا العالم الإلكتروني الجديد.
المطلب الثالث
التوقيع الرقمي
ويقصد به استخدام أرقام حسابية مطبوعة عن طريق التشفير لتركيز وضغط محتوى المعاملة التي يتم التوقيع عليها . وتتم الكتابة الرقمية للتوقيع ولمحتوى المعاملة عن طريق التشفير .
وذلك باستخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدة ومعادلات رياضية (لوغاريتمات) تتحول بواسطتها المعاملة من رسالة ذات كتابة عادية مقروءة ومفهومة إلى معادلة رياضية أو رسالة رقمية غير مقروءة وغير مفهومة ، ما لم يتم فك تشفيرها ممن يملك مفتاح فك الشفرة وهو المعادلة الخاصة بذلك .
والصورة الحديثة للتوقيع الرقمي هي استخدام تقنية شفرة المفتاحين العام والخاص ( المعروفة باسم تقنية شفرة المفتاح العام).(1)
وهي منظومة تسمح لكل شخص طبيعي أو معنوي بان يكون لديه مفتاحين منفردين، أحدهما: عام متاح إلكترونيا، والثاني خاص يحتفظ به الشخص ويحفظه على درجة عالية من السرية. طبقا لنص المادة 1/10 من اللائحة التنفيذية لقانون التوقيع الإلكتروني المصري.
والمفتاح الشفري العام هو: أداة إلكترونية متاحة للكافة تنشأ بواسطة عملية حسابية خاصة وتستخدم في التحقق من شخصية الموقع على المحرر الإلكتروني، والتأكد من صحة وسلامة محتوى المحرر الإلكتروني الأصلي طبقا للمادة 1/11 من اللائحة التنفيذية.
أما المفتاح الشفري الخاص: فهو أداة إلكترونية خاصة بصاحبها تنشأ بواسطة عملية حسابية خاصة وتستخدم في وضع التوقيع الإلكتروني على المحررات الإلكترونية ويتم الاحتفاظ بها على بطاقة ذكية مؤمنة طبقا لنص المادة 1/12 من اللائحة التنفيذية .
ويقوم مرسل العملية الإلكترونية بكتابة بيانات الرسالة والتوقيع عليها إلكترونيا باستخدام مفتاحه لخاص فتتحول الرسالة إلى أرقام حسابية غير مفهومة ، ثم يقوم بإرسال الرسالة موقعة مع مفتاحه العام إلى المرسل إليه فيقوم هذا الأخير بفك الشفرة باستخدام المفتاح العام للمرسل ليتمكن من قراءة الرسالة .
ومن خلال العرض السابق للتوقيع الرقمي يتضح انه يهدف إلى تحقيق الوظائف الآتية(1):
1- التوثيق: ويقصد به التحقق من هوية الموقع وان الرسالة الموقعة منه تنسب إليه.
2- السلامة: ويقصد بها أن محتويات الرسالة الموقع عليها إلكترونيا لم يتم تغيير مضمونها ولم يتم التلاعب في بياناتها، لا عمدا ولا من غير عمد.
3- السرية: يحقق التوقيع الرقمي سرية المعلومات التي تتضمنها المعاملات والرسائل الإلكترونية حيث لا يمكن قراءة هذه المراسلات إلا ممن أرسلت إليه وباستخدام المفتاح العام للمرسل .
المطلب الرابع
التوقيع الكودي أو السري المرتبط بالبطاقة الذكية الممغنطة
يقصد به استخدام مجموعة من الأرقام أو الحروف أو كليهما ، يختارها صاحب التوقيع لتحديد هويته وشخصيته ، ويتم تركيبها أو ترتيبها في شكل كودي معين بحيث لا يعلمها إلا صاحب التوقيع فقط ومن يبلغه بها.
وغالبا ما يرتبط هذا التوقيع الكودي أو السري بالبطاقات الذكية البلاستيكية الممغنطة وغيرها من البطاقات الحديثة المشابهة والمزودة بذاكرة إلكترونية مثل الفيزا كارت، و ماستر كارت، و أمريكان اكسبريس.
ويستخدم التوقيع الكودي أو السري في المراسلات وإبرام عقود التجارة الإلكترونية والمعاملات المصرفية البنكية . حيث يستخدم في عملية السحب النقدي من خلال أجهزة الصرف الآلية أو الدفع الإلكتروني عن طريق القيام بسداد ثمن السلع والخدمات في المحال التجارية بإدخال البطاقة في الجهاز المخصص لذلك.
ويتم التوقيع الإلكتروني الكودي أو السري في حالة السحب الآلي عن طريق إدخال البطاقة الممغنطة (بطاقة الصرف الآلي). التي تحتوي على البيانات الخاصة بالعميل في فتحة خاصة في جهاز الصرف الآلي وإدخال الرقم السري الخاص بالعميل. فإذا كان الرقم صحيحا فان بيانات الجهاز توجه العميل إلى تحديد المبلغ المطلوب سحبه وذلك بالضغط على مفاتيح خاصة بذلك ، فيتم صرف المبلغ المطلوب، وتعاد البطاقة للعميل من نفس فتحة البداية(1).
كما يتم التوقيع الإلكتروني في حالة الدفع الإلكتروني وسداد ثمن السلع والخدمات عن طريق قيام مسئول المحل بإمرار بطاقة الوفاء أو الائتمان الخاصة بالعميل عبر جهاز خاص يتصل بدوره بنظم المعلومات الخاصة بالبنك وذلك للتأكد من وجود رصيد كاف يسمح بسداد ثمن ما حصل عليه العميل ، فإذا تم إدخال الرقم السري الخاص بالعميل في الجهاز يتم سداد المستحقات في نفس اللحظة عن طريق التحويل من حساب العميل لدى البنك إلى حساب التاجر لدى نفس البنك أو لدى بنك آخر.
كما يتضح أن قيمة التوقيع الإلكتروني ومحتوى البيانات الواردة على المحرر الإلكتروني ترتبط بمدى الثقة التي تحيط بها، وهي ثقة تعتمد على مدى إمكانية التلاعب في التوقيع أو البيانات المرتبطة به فهي مسالة مرتبطة بالأمان التقني أو الإلكتروني.
فإذا تم تأمين الطابع المتفرد لبيانات إنشاء التوقيع الإلكتروني وعدم قابلية التوقيع ومفرداته أو بياناته للاستنساخ أو الاستنباط ، وحمايته مما قد يؤثر في سلامته وصحة نسبته لطرف ما والذي يتحمل بالتزامات ناشئة عنه بمضمون المحرر الإلكتروني، فانه ينتج أثره القانوني مثل الأثر المترتب على التوقيع العادي أو ما يقوم مقامه تماماً.