الوصف الفقهي للتعاقد بطريق الإنترنت
من خلال العرض السابق للطريقة التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت يتبين أنها تتم في غالب الحالات بطريقة الكتابة، وقد تكون بالمحادثة , أو الإشارات والرموز.
والعقد في الشريعة الإسلامية ينعقد - على القول الصحيح - بكل ما يدل عليه من دون اشتراط صيغة معينة أو شكل محدد , جاء في بدائع الصنائع وكذا إذا قال البائع: خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا , أو هو لك بكذا , أو بذلتكه بكذا , وقال المشتري: قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك , فإنه يتم الركن لأن كل واحد من هذه الألفاظ يؤدي إلى معنى البيع وهو المبادلة , والعبرة للمعنى لا للصورة).
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (وينعقد العقد بكل ما يدل على الرضا من قول أو كتابة أو إشارة منهما أو من أحدهما)(2).
وجاء في الكافي لابن قدامة( الثاني: المعاطاة , مثل أن يقول: أعطني بهذا خبزاً , فيعطيه ما يرضيه , أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار , فيأخذه , فيصح , لأن الشرع ورد بالبيع وعلَّق عليه أحكاماً , ولم يعين له لفظاً , فعلم أنه ردَّهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعاً , والناس في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك)
وقد توسع في بيان هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبين الأدلة والأمثلة عليها وتعقب القائلين بأن العقد لا يتم إلا بلفظ مخصوص أو شكل محدد، يقول رحمه الله (فأما التزام لفظ مخصوص فليس له أثر ولا نظر، وهذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها من أن العقود تنعقد بكل ما يدل على مقصودها من قول أو فعل هي التي تدل عليها أصول الشريعة)(5).
_______________
(2) 3/3 , وانظر: المغني لابن قدامه 6/9 , والموافقات للشاطبي 2/87.
(5) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/13.
ويتفق العلماء على صحة التعاقد بالكتابة إذا كانت بين غائبين لأن ذلك هو الوسيلة المستطاعة لاتمام العقد(1) ولذا أتت القاعدة الفقهية المشهورة من أن "الكتاب كالخطاب"(2) أي: أن الكتابة بين الغائبين كالنطق بين الحاضرين.
والإنترنت ما هو إلا وسيلة لتوصيل الكتابة, وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً لعدم تضمنها محذوراً شرعياً، ولأنها شبيهة في حقيقة الأمر بالتعاقد عن طريق الرسول أو البريد العادي التي أجاز العلماء التعاقد بواسطتهما(3).
وحيث أن الركن الأساسي في العقد هو صدور الإيجاب والقبول من طرفي العقد ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعاً، وفهم كلا الطرفين ما قصده الآخر، وهذا كله متحقق في التعاقد بطريق الإنترنت سواءً عبر شبكة المواقع (web) أو عبر البريد الإلكتروني أو المحادثة والمشاهدة, فيكون التعاقد صحيحاً تترتب عليه آثاره المعتبرة شرعاً .
وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة في دورته السادسة.(4) وصدر بذلك القرار رقم (52/3/6) ونص على صحة إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ومنها الحاسب الآلي وبَّين بعض الأحكام المتعلقة به . ونظراً لأهمية القرار وتعلقه بموضوع البحث أذكره بنصه:
(إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته..... وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس- عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والمولاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر مايلي:
1-إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة "الرسول" وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2-إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة .
3-إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
4-إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه ولا الصرف لاشتراط التقابض ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال .
5-ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للاثبات.(1))
طبيعة التعاقد :
النص الوارد في قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق ذكره اعتبر التعاقد بطريق الحاسب الآلي بين غائبين وذلك لأن كلا طرفي العقد غائب عن الآخر من حيث المكان، كما أنه يوجد فاصل زمني بين الإيجاب والقبول فالتعاقد بين غائبين من حيث الزمان أيضاً، وذلك قياساً على التعاقد بطريق المراسلة أو البريد العادي.
ولعل هذا يكون صحيحاً في فترة صدور القرار من المجمع (سنة 1400هـ- 1990م) حيث كان التعاقد عبر الحاسب الآلي يختلف عن التعاقد عن طريقه في هذا الزمن إذ لم توجد الشركات العارضة عبر شبكة المواقع وإنما كان الطرف الراغب في التعاقد يرسل بطريق البريد الإلكتروني رسالة يبين فيها رغبته في التعاقد ثم يحصل الرد من الطرف المقابل بالموافقة أو الرد، ولا شك أن ذلك يستغرق شيئاً من الوقت الذي يجعل التعاقد بينهما أشبه بالتعاقد عن طريق البريد العادي فيكون له حكم التعاقد بين الغائبين من حيث المكان والزمان.
أما في الوقت الحالي فقد تغيرت طريقة العرض والتسوق, وأصبحت الشركات تعرض بضاعتها عبر شبكة المواقع (web) وما على العميل إلا أن يبدي رغبته في الموافقة على التعاقد فيتم فوراً ويبدأ سريان آثار العقد من تسليم الثمن والسلعة ونحو ذلك.
وعلى ذلك فالذي أراه أن التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر في الأصل( تعاقداً بين غائبين من حيث المكان وحاضرين من حيث الزمان).
وبيان ذلك : أن مكان المتعاقدين مختلف سواءً كانا في بلدة واحدة أو دولة واحدة أو دول مختلفة, فهما لا يجتمعان في مكان واحد كما هو الحاصل في التعاقد العادي.
أما زمان التعاقد فهو واحد حيث أن صفحة العقد تكون معدة سلفاً من قبل العارض وما على المتعاقد سوى القبول أو الرفض، فلا توجد فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول, ويستثنى من هذا الأصل بعض الحالات التي يكون فيها انقطاع بين الإيجاب والقبول ومن ذلك على سبيل المثال :
1)إذا كان العرض عن طريق البريد الإلكتروني سواءً كان موجهاً إلى موقع أو مجموعة مواقع وكان هذا العرض بشكل غير متصل مع الطرف المقابل أي لا توجد كتابة مباشرة بين الطرفين.
2)إذا كان العارض في شبكة المواقع قد تحفظ بحقه في قبول التعاقد أو رفضه.
ونخلص في ذلك إلى أن الأصل في التعاقد عبر الإنترنت أنه بين غائبين من حيث المكان حاضرين من حيث الزمان, إلا إذا وجدت فترة زمنية طويلة نسبياً تفصل بين الإيجاب والقبول فإن التعاقد قد يكون بين غائبين مكاناً وزماناً.
من خلال العرض السابق للطريقة التي يتم بها التعاقد عبر الإنترنت يتبين أنها تتم في غالب الحالات بطريقة الكتابة، وقد تكون بالمحادثة , أو الإشارات والرموز.
والعقد في الشريعة الإسلامية ينعقد - على القول الصحيح - بكل ما يدل عليه من دون اشتراط صيغة معينة أو شكل محدد , جاء في بدائع الصنائع وكذا إذا قال البائع: خذ هذا الشيء بكذا أو أعطيتكه بكذا , أو هو لك بكذا , أو بذلتكه بكذا , وقال المشتري: قبلت أو أخذت أو رضيت أو هويت ونحو ذلك , فإنه يتم الركن لأن كل واحد من هذه الألفاظ يؤدي إلى معنى البيع وهو المبادلة , والعبرة للمعنى لا للصورة).
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (وينعقد العقد بكل ما يدل على الرضا من قول أو كتابة أو إشارة منهما أو من أحدهما)(2).
وجاء في الكافي لابن قدامة( الثاني: المعاطاة , مثل أن يقول: أعطني بهذا خبزاً , فيعطيه ما يرضيه , أو يقول: خذ هذا الثوب بدينار , فيأخذه , فيصح , لأن الشرع ورد بالبيع وعلَّق عليه أحكاماً , ولم يعين له لفظاً , فعلم أنه ردَّهم إلى ما تعارفوه بينهم بيعاً , والناس في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك)
وقد توسع في بيان هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وبين الأدلة والأمثلة عليها وتعقب القائلين بأن العقد لا يتم إلا بلفظ مخصوص أو شكل محدد، يقول رحمه الله (فأما التزام لفظ مخصوص فليس له أثر ولا نظر، وهذه القاعدة الجامعة التي ذكرناها من أن العقود تنعقد بكل ما يدل على مقصودها من قول أو فعل هي التي تدل عليها أصول الشريعة)(5).
_______________
(2) 3/3 , وانظر: المغني لابن قدامه 6/9 , والموافقات للشاطبي 2/87.
(5) الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/13.
ويتفق العلماء على صحة التعاقد بالكتابة إذا كانت بين غائبين لأن ذلك هو الوسيلة المستطاعة لاتمام العقد(1) ولذا أتت القاعدة الفقهية المشهورة من أن "الكتاب كالخطاب"(2) أي: أن الكتابة بين الغائبين كالنطق بين الحاضرين.
والإنترنت ما هو إلا وسيلة لتوصيل الكتابة, وهذه الوسيلة معتبرة شرعاً لعدم تضمنها محذوراً شرعياً، ولأنها شبيهة في حقيقة الأمر بالتعاقد عن طريق الرسول أو البريد العادي التي أجاز العلماء التعاقد بواسطتهما(3).
وحيث أن الركن الأساسي في العقد هو صدور الإيجاب والقبول من طرفي العقد ووصول كل منهما إلى علم الآخر بصورة معتبرة شرعاً، وفهم كلا الطرفين ما قصده الآخر، وهذا كله متحقق في التعاقد بطريق الإنترنت سواءً عبر شبكة المواقع (web) أو عبر البريد الإلكتروني أو المحادثة والمشاهدة, فيكون التعاقد صحيحاً تترتب عليه آثاره المعتبرة شرعاً .
وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة في دورته السادسة.(4) وصدر بذلك القرار رقم (52/3/6) ونص على صحة إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة ومنها الحاسب الآلي وبَّين بعض الأحكام المتعلقة به . ونظراً لأهمية القرار وتعلقه بموضوع البحث أذكره بنصه:
(إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته..... وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول ، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس- عدا الوصية والإيصاء والوكالة - وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والمولاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر مايلي:
1-إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد ولا يرى أحدهما الآخر معاينة ولا يسمع كلامه وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة "الرسول" وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الحاسوب) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2-إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقداً بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة .
3-إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجاباً محدد المدة يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة وليس له الرجوع عنه.
4-إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه ولا الصرف لاشتراط التقابض ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال .
5-ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للاثبات.(1))
طبيعة التعاقد :
النص الوارد في قرار مجمع الفقه الإسلامي السابق ذكره اعتبر التعاقد بطريق الحاسب الآلي بين غائبين وذلك لأن كلا طرفي العقد غائب عن الآخر من حيث المكان، كما أنه يوجد فاصل زمني بين الإيجاب والقبول فالتعاقد بين غائبين من حيث الزمان أيضاً، وذلك قياساً على التعاقد بطريق المراسلة أو البريد العادي.
ولعل هذا يكون صحيحاً في فترة صدور القرار من المجمع (سنة 1400هـ- 1990م) حيث كان التعاقد عبر الحاسب الآلي يختلف عن التعاقد عن طريقه في هذا الزمن إذ لم توجد الشركات العارضة عبر شبكة المواقع وإنما كان الطرف الراغب في التعاقد يرسل بطريق البريد الإلكتروني رسالة يبين فيها رغبته في التعاقد ثم يحصل الرد من الطرف المقابل بالموافقة أو الرد، ولا شك أن ذلك يستغرق شيئاً من الوقت الذي يجعل التعاقد بينهما أشبه بالتعاقد عن طريق البريد العادي فيكون له حكم التعاقد بين الغائبين من حيث المكان والزمان.
أما في الوقت الحالي فقد تغيرت طريقة العرض والتسوق, وأصبحت الشركات تعرض بضاعتها عبر شبكة المواقع (web) وما على العميل إلا أن يبدي رغبته في الموافقة على التعاقد فيتم فوراً ويبدأ سريان آثار العقد من تسليم الثمن والسلعة ونحو ذلك.
وعلى ذلك فالذي أراه أن التعاقد بطريق الإنترنت يعتبر في الأصل( تعاقداً بين غائبين من حيث المكان وحاضرين من حيث الزمان).
وبيان ذلك : أن مكان المتعاقدين مختلف سواءً كانا في بلدة واحدة أو دولة واحدة أو دول مختلفة, فهما لا يجتمعان في مكان واحد كما هو الحاصل في التعاقد العادي.
أما زمان التعاقد فهو واحد حيث أن صفحة العقد تكون معدة سلفاً من قبل العارض وما على المتعاقد سوى القبول أو الرفض، فلا توجد فترة زمنية تفصل ما بين الإيجاب والقبول, ويستثنى من هذا الأصل بعض الحالات التي يكون فيها انقطاع بين الإيجاب والقبول ومن ذلك على سبيل المثال :
1)إذا كان العرض عن طريق البريد الإلكتروني سواءً كان موجهاً إلى موقع أو مجموعة مواقع وكان هذا العرض بشكل غير متصل مع الطرف المقابل أي لا توجد كتابة مباشرة بين الطرفين.
2)إذا كان العارض في شبكة المواقع قد تحفظ بحقه في قبول التعاقد أو رفضه.
ونخلص في ذلك إلى أن الأصل في التعاقد عبر الإنترنت أنه بين غائبين من حيث المكان حاضرين من حيث الزمان, إلا إذا وجدت فترة زمنية طويلة نسبياً تفصل بين الإيجاب والقبول فإن التعاقد قد يكون بين غائبين مكاناً وزماناً.