تدويل حقوق الإنسان كان له دور كبير في دعم مسيرة هذه الحقوق عالميا وتوجيهها إلى غاية الإعمال المرجوة . وبتتبع مراحل تطور مسيرة هذه الحقوق على الصعيد الدولي الذي يمتاز بتطور مفاهيمه وتغيرها بشكل يواكب تطور المجتمع الدولي ، نجد ان مفهوم الإعمال لحقوق الانسان كان قد مر بعدة مراحل وكان له اكثر من معنى خلال فترات التطور المختلفة التي مرت بها هذه الحقوق في الوسط الدولي ، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الانسان والذي يمثل المفهوم الضيق للقانون الدولي لحقوق الانسان . فقد كان الإعمال يعني في بداية الامر مجرد الانضمام الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وبعد ذلك اصبح يعني التصديق على هذه الاتفاقيات ، ومن ثم اصبح يعني التطبيق الفعلي لهذه الاتفاقيات ولو جزئياً وبعد ذلك تطور ليعني التطبيق الكامل .
اما اليوم فان معاني الإعمال يجب ان تتكامل في سبيل ان تجد حقوق الانسان فرصتها في تحقيق مقاصدها ومحتواها ، ويكون ذلك بضرورة انصراف معنى الإعمال الى ايجاد ما يضمن لنا التطبيق سواء فيما يتعلق بايجاد الاداة لذلك او تحقيق الاداة لهدفها( [69]).
من المعلوم ان ايجاد أي قانون لابد وان يكون في سبيل تحقيق اهداف معينة وان تحقيق هذه الاهداف من خلال القانون يكون من خلال تطبيق هذا القانون وان الوصول الى غاية القانون من خلال التطبيق يقوم على اساس ضمان حسن التطبيق أي افضل تطبيق وفقا لما يتفق واهداف القانون وفلسفته.
وبالعودة الى اليات الحماية لحقوق الانسان نجد ان هناك عدة وسائل وجدت في المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان او بتعبير يعنينا في هذه الدراسة ، لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ومن المعروف ان هذه الوسائل تتعدد وتتدرج وصولا الى اهم واقوى وسيلة لحماية هذه الحقوق والتي اثار الاعتراف بها وتطبيقها الكثير من الاشكاليات والخلافات الفقهية والرسمية الا وهي الية التدخل الانساني ( [70]) والتي تتلخص فكرتها بإمكانية اللجوء الى استخدام القوة بانواعها وبضمنها العسكرية ضد أية دولة تنتهك حقوق الانسان وذلك في سبيل وقف هذه الانتهاكات. وبالعودة الى هذه الالية نجد انها الية استثنائية من حيث التطبيق على صعيد العلاقات الدولية وانها تمثل وضعا غير طبيعي حيث انها تتضمن تدخلاً دولياً في شؤون الدول واستخداماً للقوة في سبيل الوصول الى الهدف ، وان هذين الوضعين يمثلان وضعين شاذين ضمن مفهوم العلاقات الدولية الطبيعية والتي ينظمها القانون الدولي المعاصر. ولما كان هذا التدخل وعلى الرغم من غايته النبيلة والمشروعة يمثل وضعاً غير طبيعي وبالتالي فانه يجب ان يتصف بالتاقيت وعدم الديمومة ، وان تاقيته هذا يرتبط بانهاء الوضع الشاذ بالنسبة لحقوق الانسان ووقف الانتهاك لها ، أي انه يجب ان يفعل لمدة محددة ويتوقف بعد ذلك، وهنا نتساءل عن الضمان لعدم العودة الى انتهاك حقوق الانسان مجدداً بعد زوال يد التدخل الانساني ؟ أي ما الذي يضمن عدم معاودة انتهاك الحقوق التي تم التدخل لحمايتها بعد وقف استخدام القوة الدولية لاغراض الحماية ؟
من المعلوم ان وضع ومفهوم التدخل بشكل عام يمثل وضعاً غير طبيعياً في العلاقات الدولية وهو بهذا المعنى وكما علمنا يجب ان يكون لمدة محددة وينتهي ، ولكنه على الرغم من فوائده باعتباره اقوى الية لحماية حقوق الانسان الا انه لا يترك ضمانا او الية دائمة لضمان عدم معاودة الانتهاكات وخاصة اذا كانت الاجواء مهيأة الى ذلك في دولة معينة الامر الذي يعني ان اثره يكون حالا ونسبيا ولا ينفع كضمانة للمستقبل ، الامر الذي قد يعني استمرار الحاجة الى تدخلات من هذا النوع واستمرار الوضع الشاذ الذي تولده فضلاً عن الحساسيات السياسية والمحاذير التي يمكن ان يثيرها التدخل بشكل عام والتدخل الانساني او الذي ينعت نفسه بانه انساني بشكل خاص( [71])، الامر الذي يعني ضرورة البحث عن حلول تضمن استمرار الوضع الذي يتحقق بعد حصول التدخل الانساني ، أي استمرار وقف الانتهاك لحقوق الانسان ومنع ذلك ، أي استمرار تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وضمان ذلك.
أي ان إعمال حقوق الانسان ووفقاً لمفهوم متكامل يتفق مع اهداف القانون الدولي لحقوق الانسان وفلسفته ، يجب ان يعني تطبيق احكام القانون وضمان حسن هذا التطبيق والاستمرار بذلك بشكل عام.
وبالعودة الى الاليات الدولية التي سبق وان تناولناها لضمان تحقيق الإعمال نجدها وان كانت تمثل تطورا كبيرا على الصعيد الدولي وفي مجال مسيرة حقوق الانسان بشكل خاص الا انها مع ذلك قد تكون غير قادرة على تحقيق هدفها بشكل متكامل والدليل على ذلك فيما نجده من ان المشكلات التي سبق وان تناولناها مستمرة في اعاقة تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، الامر الذي يتطلب من الباحثين في مجال حقوق الانسان البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الإعمال ، وان يكون هذا البحث مبنيا على اساس التدقيق في القانون الدولي لحقوق الانسان وفهم طبيعته وخصوصيته والمشاكل التي تعيق عملية تطبيقه.
وعند البحث في هذا القانون بهدف الوصول الى ما يضمن التطبيق والإعمال نجد اننا امام قانون دولي ذي طبيعة خاصة متميزة عن بقية فروع القانون الدولي العام الامر الذي يدفعنا الى البحث عن اليات جديدة لتطبيق هذا القانون اخذين بنظر الاعتبار وجود خصوصية لهذا القانون ، والتي تقوم على اساس انه قانون دولي يحتاج الى قانون داخلي في سبيل التطبيق ، أي انه قانون يرجع من حيث الوجود الى وسط معين ومن حيث التطبيق النهائي قد يحتاج الى وسط اخر مختلف عن الوسط الاول . ويتمثل الوسط الاول كما هو معروف بالوسط الدولي اما الثاني فيتمثل بالوسط الداخلي للدول ، أي ان خصوصيته تكمن في كونه قانوناً تعنى به القوانين القائمة في وسطين مختلفين.
واذا كانت هذه خصوصيته فان البحث عن اليات للتطبيق يجب ان يكون متكاملا وينطلق من كلا الوسطين او بتعبير قانوني في قوانين كل من الوسطين. واذا كانت الاليات التي سبق تناولها كانت اليات منطلقة من القانون الدولي فان استكمال هذه الاليات يجب ان ينطلق من القانون الداخلي الامر الذي يترجم خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان الى ارض الواقع العملي ، أي يجب ان يكون البحث عن هذه الاليات في القوانين الداخلية للدول التي يطبق عليها القانون وتتاكد اهمية ذلك وصحته من كون ان القانون الداخلي وموقفه من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان هو الذي يتسبب باغلب العوائق امام تطبيق القانون الاخير الامر الذي يعني ان علاج وازالة هذه العقبات يجب ان يوجه الى ذات المسبب لها ومن ثم ينطلق منها في سبيل ضمان التطبيق. وبذلك يمكن ان نكون امام حل متكامل لعلاج مشاكل التطبيق وايصال حقوق الانسان الى الإعمال على اساس محاصرة مشاكل تطبيق هذا القانون وتكامل ذلك انطلاقا من الوسطين المعنيين بالامر.
واذا كان الحل الجديد منطلقا من الوسط الداخلي ، نتساءل عن كيفية تحديد اليات المعالجة وكيفية توظيفها وتفعيلها ؟
ان تحديد الية المعالجة وايجاد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة تتمثل بمراعاة الجانب الفني التخصصي المتعلق بموضوع التطبيق وكذلك مراعاة المشاكل الرئيسة التي تعترض عملية التطبيق ومحاولة ايجاد الحلول الجديدة بشكل تخصصي متجه الى حل المشاكل بحسب اهميتها وتأثيرها .
وبالرجوع الى الاليات الدولية سابقة الذكر والخاصة بضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان نجد انها تراعي طبيعة القانون وخصوصيته وانها كانت ثمرة لجهود دولية كبيرة وواقعية ومتخصصة في مجال حقوق الانسان ، وانها كانت قائمة على اساس ايجاد ضمانة للتطبيق ولكنها تنطلق من وسط دولي . وبالعودة الى تلك الادوات نجدها تتمثل باداة ايجاد النصوص الملزمة واداة ضمان التطبيق لهذه النصوص. حيث ان تجربة حقوق الانسان قد تقتضي الاستعانة بما تقدم لتكوين ادوات الضمان الجديدة المنطلقة من الوسط الداخلي. ويكون ذلك بالنسبة إلى الادوات الاولى من خلال ايجاد قواعد قانونية ضمن القانون الداخلي تقضي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وحل ومعالجة المشاكل التي تعيق تطبيق هذا القانون. اما بالنسبة إلى الأداة الثانية فيكون ذلك من خلال ايجاد الية رقابة وايجاد جهة او جهات معينة مكلفة بالقيام بها ، وتسهر على ضمان تطبيق القواعد التي جاءت بها الاداة الاولى وتحقيق ذات الغرض الذي سعت اليه.
وبعد ان يتم تحديد ما هية الادوات الجديدة فان السوال الذي يثار هنا هو عن موضع هذه القواعد ، أي اين توضع هذه القواعد في البناء القانوني الداخلي؟
علمنا مما تقدم ان تحديد الية المعالجة وتحديد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة ، وان مراعاة الاعتبار الاول وهو المرتبط بالجانب الفني التخصصي للقضية اوصلنا الى ايجاد ادوات معينة ومحددة للحل ، اما الاعتبار الثاني فهو الاعتبار المرتبط بالمشاكل الرئيسة والتي سبقت الاشارة اليها في المبحث السابق ، حيث ان استكمال عملية تحديد الية المعالجة وكيفية توظيفها ونقطة انطلاقها يحتاج الى العودة الى المشاكل الرئيسة على اساس قاعدة (تحديد الداء في سبيل التوصل الى الدواء) وبذلك فان اختيار العلاج للحالة المرضية التي يمكن ان تعترض عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا يجب ان يتم على اساس نوع المشكلة واختيار الاداة القانونية القادرة على حلها.
وبالرجوع الى المشاكل الرئيسة والتي سبق وان تناولناها في المبحث السابق ، وبالبحث عن حلول جديدة لها ضمن اطار القانون الداخلي نجد انها مشاكل ذات خصوصية وقد يكون من غير السهل معالجتها عن طريق قوانين واجراءات عادية لانها على درجة عالية من التعقيد قد يترتب عليها عجز مثل هذه القوانين او الاجراءات عن معالجتها وان ايجاد الية ذات خصوصية تمثل تدعيما للاليات الدولية الخاصة بتطبيقه قد يكون الحل لذلك ولكن ما هو القانون الداخلي الذي يصلح لاحتواء مثل هذه الالية ويفعلها ؟
لقد تناولنا في صفحات سابقة من هذه الدراسة التعريف بالدستور ، وقد توصلنا في ذلك الجزء منها الى ان للدستور طبيعة خاصة يختلف بها عن غيره من القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة . وان هذه الطبيعة تنبع من طبيعة الموضوعات التي يعالجها والتي تكون على درجة عالية من الاهمية في حياة الدولة والافراد الامر الذي استدعى ان يتصف هذا القانون بمواصفات ومزايا يختلف ويتميز بها عن بقية القوانين ، حيث انه قانون يخاطب طبقة الحكام وينظم شؤون السلطة وعلاقاتها ويحدد حقوق الافراد ويبين ايدولوجية الدولة واتجاهاتها، وهو على هذا الاساس ولتادية هذه الوظائف تميز بطبيعة قانونية منطقية منحته اعلوية على بقية القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة. وعلى اساس هذه المواصفات الموضوعية والشكلية التي يتميز بها الدستور قامت علاقة خاصة بينه وبين موضوع حقوق الانسان، وقد سبق وان تطرقنا الى ذلك في جزء سابق من هذه الدراسة وتوصلنا فيه الى ان خصوصية العلاقة بين القانونين تقوم على اساس وحدة موضوع التنظيم الذي تختص به قواعد كلا القانونين الا وهي بالدرجة الاساس تنظيم عمل السلطة وعلاقتها مع الافراد . اما من حيث الهدف فهو يمكن ان يكون اهم سبيل لحماية هذه الحقوق.
واذا كان للدستور خصوصية بين مجموعة القوانين المكونة للنظام القانوني للدولة، واذا كان هناك تزاوج بين هذه الخصوصية وطبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان ، فهل ان ذلك يعني اهلية الدستور من الناحيتين الموضوعية والشكلية كي يكون اداة لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، وتفادي المشكلات التي يمكن ان تعيق هذا التطبيق ؟
ان الاجابة عن التساؤل الاخير تعتمد على مدى فاعلية اداة الدستور كي يقدم الحل الذي يتضمن محتوى يفيد بزيادة احتمالية التطبيق لحقوق الانسان وتجاوز العوائق التي تعيق ذلك من جهة ، ومدى فاعليته كي يكون اداة لضمان حسن التطبيق واستمراره من جهة اخرى. ويمكن التوصل الى الفاعلية الاولى من خلال مناقشة الحلول التي يمكن ان يقدمها الدستور للمشاكل الرئيسة المذكورة آنفاً . اما الحل الثاني فيكون من خلال البحث في صلاحيته كي يكون السبيل لضمان حسن التطبيق وهذا ما سوف اتناوله تباعا :
علمنا مما تقدم ان تدويل حقوق الإنسان كان له دور كبير في دعم مسيرة هذه الحقوق عالميا وتوجيهها إلى غاية الإعمال المرجوة . وبتتبع مراحل تطور مسيرة هذه الحقوق على الصعيد الدولي الذي يمتاز بتطور مفاهيمه وتغيرها بشكل يواكب تطور المجتمع الدولي ، نجد ان مفهوم الإعمال لحقوق الانسان كان قد مر بعدة مراحل وكان له اكثر من معنى خلال فترات التطور المختلفة التي مرت بها هذه الحقوق في الوسط الدولي ، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الانسان والذي يمثل المفهوم الضيق للقانون الدولي لحقوق الانسان . فقد كان الإعمال يعني في بداية الامر مجرد الانضمام الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وبعد ذلك اصبح يعني التصديق على هذه الاتفاقيات ، ومن ثم اصبح يعني التطبيق الفعلي لهذه الاتفاقيات ولو جزئياً وبعد ذلك تطور ليعني التطبيق الكامل .
اما اليوم فان معاني الإعمال يجب ان تتكامل في سبيل ان تجد حقوق الانسان فرصتها في تحقيق مقاصدها ومحتواها ، ويكون ذلك بضرورة انصراف معنى الإعمال الى ايجاد ما يضمن لنا التطبيق سواء فيما يتعلق بايجاد الاداة لذلك او تحقيق الاداة لهدفها( [69]).
من المعلوم ان ايجاد أي قانون لابد وان يكون في سبيل تحقيق اهداف معينة وان تحقيق هذه الاهداف من خلال القانون يكون من خلال تطبيق هذا القانون وان الوصول الى غاية القانون من خلال التطبيق يقوم على اساس ضمان حسن التطبيق أي افضل تطبيق وفقا لما يتفق واهداف القانون وفلسفته.
وبالعودة الى اليات الحماية لحقوق الانسان نجد ان هناك عدة وسائل وجدت في المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان او بتعبير يعنينا في هذه الدراسة ، لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ومن المعروف ان هذه الوسائل تتعدد وتتدرج وصولا الى اهم واقوى وسيلة لحماية هذه الحقوق والتي اثار الاعتراف بها وتطبيقها الكثير من الاشكاليات والخلافات الفقهية والرسمية الا وهي الية التدخل الانساني ( [70]) والتي تتلخص فكرتها بإمكانية اللجوء الى استخدام القوة بانواعها وبضمنها العسكرية ضد أية دولة تنتهك حقوق الانسان وذلك في سبيل وقف هذه الانتهاكات. وبالعودة الى هذه الالية نجد انها الية استثنائية من حيث التطبيق على صعيد العلاقات الدولية وانها تمثل وضعا غير طبيعي حيث انها تتضمن تدخلاً دولياً في شؤون الدول واستخداماً للقوة في سبيل الوصول الى الهدف ، وان هذين الوضعين يمثلان وضعين شاذين ضمن مفهوم العلاقات الدولية الطبيعية والتي ينظمها القانون الدولي المعاصر. ولما كان هذا التدخل وعلى الرغم من غايته النبيلة والمشروعة يمثل وضعاً غير طبيعي وبالتالي فانه يجب ان يتصف بالتاقيت وعدم الديمومة ، وان تاقيته هذا يرتبط بانهاء الوضع الشاذ بالنسبة لحقوق الانسان ووقف الانتهاك لها ، أي انه يجب ان يفعل لمدة محددة ويتوقف بعد ذلك، وهنا نتساءل عن الضمان لعدم العودة الى انتهاك حقوق الانسان مجدداً بعد زوال يد التدخل الانساني ؟ أي ما الذي يضمن عدم معاودة انتهاك الحقوق التي تم التدخل لحمايتها بعد وقف استخدام القوة الدولية لاغراض الحماية ؟
من المعلوم ان وضع ومفهوم التدخل بشكل عام يمثل وضعاً غير طبيعياً في العلاقات الدولية وهو بهذا المعنى وكما علمنا يجب ان يكون لمدة محددة وينتهي ، ولكنه على الرغم من فوائده باعتباره اقوى الية لحماية حقوق الانسان الا انه لا يترك ضمانا او الية دائمة لضمان عدم معاودة الانتهاكات وخاصة اذا كانت الاجواء مهيأة الى ذلك في دولة معينة الامر الذي يعني ان اثره يكون حالا ونسبيا ولا ينفع كضمانة للمستقبل ، الامر الذي قد يعني استمرار الحاجة الى تدخلات من هذا النوع واستمرار الوضع الشاذ الذي تولده فضلاً عن الحساسيات السياسية والمحاذير التي يمكن ان يثيرها التدخل بشكل عام والتدخل الانساني او الذي ينعت نفسه بانه انساني بشكل خاص( [71])، الامر الذي يعني ضرورة البحث عن حلول تضمن استمرار الوضع الذي يتحقق بعد حصول التدخل الانساني ، أي استمرار وقف الانتهاك لحقوق الانسان ومنع ذلك ، أي استمرار تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وضمان ذلك.
أي ان إعمال حقوق الانسان ووفقاً لمفهوم متكامل يتفق مع اهداف القانون الدولي لحقوق الانسان وفلسفته ، يجب ان يعني تطبيق احكام القانون وضمان حسن هذا التطبيق والاستمرار بذلك بشكل عام.
وبالعودة الى الاليات الدولية التي سبق وان تناولناها لضمان تحقيق الإعمال نجدها وان كانت تمثل تطورا كبيرا على الصعيد الدولي وفي مجال مسيرة حقوق الانسان بشكل خاص الا انها مع ذلك قد تكون غير قادرة على تحقيق هدفها بشكل متكامل والدليل على ذلك فيما نجده من ان المشكلات التي سبق وان تناولناها مستمرة في اعاقة تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، الامر الذي يتطلب من الباحثين في مجال حقوق الانسان البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الإعمال ، وان يكون هذا البحث مبنيا على اساس التدقيق في القانون الدولي لحقوق الانسان وفهم طبيعته وخصوصيته والمشاكل التي تعيق عملية تطبيقه.
وعند البحث في هذا القانون بهدف الوصول الى ما يضمن التطبيق والإعمال نجد اننا امام قانون دولي ذي طبيعة خاصة متميزة عن بقية فروع القانون الدولي العام الامر الذي يدفعنا الى البحث عن اليات جديدة لتطبيق هذا القانون اخذين بنظر الاعتبار وجود خصوصية لهذا القانون ، والتي تقوم على اساس انه قانون دولي يحتاج الى قانون داخلي في سبيل التطبيق ، أي انه قانون يرجع من حيث الوجود الى وسط معين ومن حيث التطبيق النهائي قد يحتاج الى وسط اخر مختلف عن الوسط الاول . ويتمثل الوسط الاول كما هو معروف بالوسط الدولي اما الثاني فيتمثل بالوسط الداخلي للدول ، أي ان خصوصيته تكمن في كونه قانوناً تعنى به القوانين القائمة في وسطين مختلفين.
واذا كانت هذه خصوصيته فان البحث عن اليات للتطبيق يجب ان يكون متكاملا وينطلق من كلا الوسطين او بتعبير قانوني في قوانين كل من الوسطين. واذا كانت الاليات التي سبق تناولها كانت اليات منطلقة من القانون الدولي فان استكمال هذه الاليات يجب ان ينطلق من القانون الداخلي الامر الذي يترجم خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان الى ارض الواقع العملي ، أي يجب ان يكون البحث عن هذه الاليات في القوانين الداخلية للدول التي يطبق عليها القانون وتتاكد اهمية ذلك وصحته من كون ان القانون الداخلي وموقفه من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان هو الذي يتسبب باغلب العوائق امام تطبيق القانون الاخير الامر الذي يعني ان علاج وازالة هذه العقبات يجب ان يوجه الى ذات المسبب لها ومن ثم ينطلق منها في سبيل ضمان التطبيق. وبذلك يمكن ان نكون امام حل متكامل لعلاج مشاكل التطبيق وايصال حقوق الانسان الى الإعمال على اساس محاصرة مشاكل تطبيق هذا القانون وتكامل ذلك انطلاقا من الوسطين المعنيين بالامر.
واذا كان الحل الجديد منطلقا من الوسط الداخلي ، نتساءل عن كيفية تحديد اليات المعالجة وكيفية توظيفها وتفعيلها ؟
ان تحديد الية المعالجة وايجاد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة تتمثل بمراعاة الجانب الفني التخصصي المتعلق بموضوع التطبيق وكذلك مراعاة المشاكل الرئيسة التي تعترض عملية التطبيق ومحاولة ايجاد الحلول الجديدة بشكل تخصصي متجه الى حل المشاكل بحسب اهميتها وتأثيرها .
وبالرجوع الى الاليات الدولية سابقة الذكر والخاصة بضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان نجد انها تراعي طبيعة القانون وخصوصيته وانها كانت ثمرة لجهود دولية كبيرة وواقعية ومتخصصة في مجال حقوق الانسان ، وانها كانت قائمة على اساس ايجاد ضمانة للتطبيق ولكنها تنطلق من وسط دولي . وبالعودة الى تلك الادوات نجدها تتمثل باداة ايجاد النصوص الملزمة واداة ضمان التطبيق لهذه النصوص. حيث ان تجربة حقوق الانسان قد تقتضي الاستعانة بما تقدم لتكوين ادوات الضمان الجديدة المنطلقة من الوسط الداخلي. ويكون ذلك بالنسبة إلى الادوات الاولى من خلال ايجاد قواعد قانونية ضمن القانون الداخلي تقضي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وحل ومعالجة المشاكل التي تعيق تطبيق هذا القانون. اما بالنسبة إلى الأداة الثانية فيكون ذلك من خلال ايجاد الية رقابة وايجاد جهة او جهات معينة مكلفة بالقيام بها ، وتسهر على ضمان تطبيق القواعد التي جاءت بها الاداة الاولى وتحقيق ذات الغرض الذي سعت اليه.
وبعد ان يتم تحديد ما هية الادوات الجديدة فان السوال الذي يثار هنا هو عن موضع هذه القواعد ، أي اين توضع هذه القواعد في البناء القانوني الداخلي؟
علمنا مما تقدم ان تحديد الية المعالجة وتحديد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة ، وان مراعاة الاعتبار الاول وهو المرتبط بالجانب الفني التخصصي للقضية اوصلنا الى ايجاد ادوات معينة ومحددة للحل ، اما الاعتبار الثاني فهو الاعتبار المرتبط بالمشاكل الرئيسة والتي سبقت الاشارة اليها في المبحث السابق ، حيث ان استكمال عملية تحديد الية المعالجة وكيفية توظيفها ونقطة انطلاقها يحتاج الى العودة الى المشاكل الرئيسة على اساس قاعدة (تحديد الداء في سبيل التوصل الى الدواء) وبذلك فان اختيار العلاج للحالة المرضية التي يمكن ان تعترض عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا يجب ان يتم على اساس نوع المشكلة واختيار الاداة القانونية القادرة على حلها.
وبالرجوع الى المشاكل الرئيسة والتي سبق وان تناولناها في المبحث السابق ، وبالبحث عن حلول جديدة لها ضمن اطار القانون الداخلي نجد انها مشاكل ذات خصوصية وقد يكون من غير السهل معالجتها عن طريق قوانين واجراءات عادية لانها على درجة عالية من التعقيد قد يترتب عليها عجز مثل هذه القوانين او الاجراءات عن معالجتها وان ايجاد الية ذات خصوصية تمثل تدعيما للاليات الدولية الخاصة بتطبيقه قد يكون الحل لذلك ولكن ما هو القانون الداخلي الذي يصلح لاحتواء مثل هذه الالية ويفعلها ؟
لقد تناولنا في صفحات سابقة من هذه الدراسة التعريف بالدستور ، وقد توصلنا في ذلك الجزء منها الى ان للدستور طبيعة خاصة يختلف بها عن غيره من القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة . وان هذه الطبيعة تنبع من طبيعة الموضوعات التي يعالجها والتي تكون على درجة عالية من الاهمية في حياة الدولة والافراد الامر الذي استدعى ان يتصف هذا القانون بمواصفات ومزايا يختلف ويتميز بها عن بقية القوانين ، حيث انه قانون يخاطب طبقة الحكام وينظم شؤون السلطة وعلاقاتها ويحدد حقوق الافراد ويبين ايدولوجية الدولة واتجاهاتها، وهو على هذا الاساس ولتادية هذه الوظائف تميز بطبيعة قانونية منطقية منحته اعلوية على بقية القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة. وعلى اساس هذه المواصفات الموضوعية والشكلية التي يتميز بها الدستور قامت علاقة خاصة بينه وبين موضوع حقوق الانسان، وقد سبق وان تطرقنا الى ذلك في جزء سابق من هذه الدراسة وتوصلنا فيه الى ان خصوصية العلاقة بين القانونين تقوم على اساس وحدة موضوع التنظيم الذي تختص به قواعد كلا القانونين الا وهي بالدرجة الاساس تنظيم عمل السلطة وعلاقتها مع الافراد . اما من حيث الهدف فهو يمكن ان يكون اهم سبيل لحماية هذه الحقوق.
واذا كان للدستور خصوصية بين مجموعة القوانين المكونة للنظام القانوني للدولة، واذا كان هناك تزاوج بين هذه الخصوصية وطبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان ، فهل ان ذلك يعني اهلية الدستور من الناحيتين الموضوعية والشكلية كي يكون اداة لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، وتفادي المشكلات التي يمكن ان تعيق هذا التطبيق ؟
ان الاجابة عن التساؤل الاخير تعتمد على مدى فاعلية اداة الدستور كي يقدم الحل الذي يتضمن محتوى يفيد بزيادة احتمالية التطبيق لحقوق الانسان وتجاوز العوائق التي تعيق ذلك من جهة ، ومدى فاعليته كي يكون اداة لضمان حسن التطبيق واستمراره من جهة اخرى. ويمكن التوصل الى الفاعلية الاولى من خلال مناقشة الحلول التي يمكن ان يقدمها الدستور للمشاكل الرئيسة المذكورة آنفاً . اما الحل الثاني فيكون من خلال البحث في صلاحيته كي يكون السبيل لضمان حسن التطبيق وهذا ما سوف اتناوله تباعا :
اما اليوم فان معاني الإعمال يجب ان تتكامل في سبيل ان تجد حقوق الانسان فرصتها في تحقيق مقاصدها ومحتواها ، ويكون ذلك بضرورة انصراف معنى الإعمال الى ايجاد ما يضمن لنا التطبيق سواء فيما يتعلق بايجاد الاداة لذلك او تحقيق الاداة لهدفها( [69]).
من المعلوم ان ايجاد أي قانون لابد وان يكون في سبيل تحقيق اهداف معينة وان تحقيق هذه الاهداف من خلال القانون يكون من خلال تطبيق هذا القانون وان الوصول الى غاية القانون من خلال التطبيق يقوم على اساس ضمان حسن التطبيق أي افضل تطبيق وفقا لما يتفق واهداف القانون وفلسفته.
وبالعودة الى اليات الحماية لحقوق الانسان نجد ان هناك عدة وسائل وجدت في المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان او بتعبير يعنينا في هذه الدراسة ، لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ومن المعروف ان هذه الوسائل تتعدد وتتدرج وصولا الى اهم واقوى وسيلة لحماية هذه الحقوق والتي اثار الاعتراف بها وتطبيقها الكثير من الاشكاليات والخلافات الفقهية والرسمية الا وهي الية التدخل الانساني ( [70]) والتي تتلخص فكرتها بإمكانية اللجوء الى استخدام القوة بانواعها وبضمنها العسكرية ضد أية دولة تنتهك حقوق الانسان وذلك في سبيل وقف هذه الانتهاكات. وبالعودة الى هذه الالية نجد انها الية استثنائية من حيث التطبيق على صعيد العلاقات الدولية وانها تمثل وضعا غير طبيعي حيث انها تتضمن تدخلاً دولياً في شؤون الدول واستخداماً للقوة في سبيل الوصول الى الهدف ، وان هذين الوضعين يمثلان وضعين شاذين ضمن مفهوم العلاقات الدولية الطبيعية والتي ينظمها القانون الدولي المعاصر. ولما كان هذا التدخل وعلى الرغم من غايته النبيلة والمشروعة يمثل وضعاً غير طبيعي وبالتالي فانه يجب ان يتصف بالتاقيت وعدم الديمومة ، وان تاقيته هذا يرتبط بانهاء الوضع الشاذ بالنسبة لحقوق الانسان ووقف الانتهاك لها ، أي انه يجب ان يفعل لمدة محددة ويتوقف بعد ذلك، وهنا نتساءل عن الضمان لعدم العودة الى انتهاك حقوق الانسان مجدداً بعد زوال يد التدخل الانساني ؟ أي ما الذي يضمن عدم معاودة انتهاك الحقوق التي تم التدخل لحمايتها بعد وقف استخدام القوة الدولية لاغراض الحماية ؟
من المعلوم ان وضع ومفهوم التدخل بشكل عام يمثل وضعاً غير طبيعياً في العلاقات الدولية وهو بهذا المعنى وكما علمنا يجب ان يكون لمدة محددة وينتهي ، ولكنه على الرغم من فوائده باعتباره اقوى الية لحماية حقوق الانسان الا انه لا يترك ضمانا او الية دائمة لضمان عدم معاودة الانتهاكات وخاصة اذا كانت الاجواء مهيأة الى ذلك في دولة معينة الامر الذي يعني ان اثره يكون حالا ونسبيا ولا ينفع كضمانة للمستقبل ، الامر الذي قد يعني استمرار الحاجة الى تدخلات من هذا النوع واستمرار الوضع الشاذ الذي تولده فضلاً عن الحساسيات السياسية والمحاذير التي يمكن ان يثيرها التدخل بشكل عام والتدخل الانساني او الذي ينعت نفسه بانه انساني بشكل خاص( [71])، الامر الذي يعني ضرورة البحث عن حلول تضمن استمرار الوضع الذي يتحقق بعد حصول التدخل الانساني ، أي استمرار وقف الانتهاك لحقوق الانسان ومنع ذلك ، أي استمرار تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وضمان ذلك.
أي ان إعمال حقوق الانسان ووفقاً لمفهوم متكامل يتفق مع اهداف القانون الدولي لحقوق الانسان وفلسفته ، يجب ان يعني تطبيق احكام القانون وضمان حسن هذا التطبيق والاستمرار بذلك بشكل عام.
وبالعودة الى الاليات الدولية التي سبق وان تناولناها لضمان تحقيق الإعمال نجدها وان كانت تمثل تطورا كبيرا على الصعيد الدولي وفي مجال مسيرة حقوق الانسان بشكل خاص الا انها مع ذلك قد تكون غير قادرة على تحقيق هدفها بشكل متكامل والدليل على ذلك فيما نجده من ان المشكلات التي سبق وان تناولناها مستمرة في اعاقة تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، الامر الذي يتطلب من الباحثين في مجال حقوق الانسان البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الإعمال ، وان يكون هذا البحث مبنيا على اساس التدقيق في القانون الدولي لحقوق الانسان وفهم طبيعته وخصوصيته والمشاكل التي تعيق عملية تطبيقه.
وعند البحث في هذا القانون بهدف الوصول الى ما يضمن التطبيق والإعمال نجد اننا امام قانون دولي ذي طبيعة خاصة متميزة عن بقية فروع القانون الدولي العام الامر الذي يدفعنا الى البحث عن اليات جديدة لتطبيق هذا القانون اخذين بنظر الاعتبار وجود خصوصية لهذا القانون ، والتي تقوم على اساس انه قانون دولي يحتاج الى قانون داخلي في سبيل التطبيق ، أي انه قانون يرجع من حيث الوجود الى وسط معين ومن حيث التطبيق النهائي قد يحتاج الى وسط اخر مختلف عن الوسط الاول . ويتمثل الوسط الاول كما هو معروف بالوسط الدولي اما الثاني فيتمثل بالوسط الداخلي للدول ، أي ان خصوصيته تكمن في كونه قانوناً تعنى به القوانين القائمة في وسطين مختلفين.
واذا كانت هذه خصوصيته فان البحث عن اليات للتطبيق يجب ان يكون متكاملا وينطلق من كلا الوسطين او بتعبير قانوني في قوانين كل من الوسطين. واذا كانت الاليات التي سبق تناولها كانت اليات منطلقة من القانون الدولي فان استكمال هذه الاليات يجب ان ينطلق من القانون الداخلي الامر الذي يترجم خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان الى ارض الواقع العملي ، أي يجب ان يكون البحث عن هذه الاليات في القوانين الداخلية للدول التي يطبق عليها القانون وتتاكد اهمية ذلك وصحته من كون ان القانون الداخلي وموقفه من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان هو الذي يتسبب باغلب العوائق امام تطبيق القانون الاخير الامر الذي يعني ان علاج وازالة هذه العقبات يجب ان يوجه الى ذات المسبب لها ومن ثم ينطلق منها في سبيل ضمان التطبيق. وبذلك يمكن ان نكون امام حل متكامل لعلاج مشاكل التطبيق وايصال حقوق الانسان الى الإعمال على اساس محاصرة مشاكل تطبيق هذا القانون وتكامل ذلك انطلاقا من الوسطين المعنيين بالامر.
واذا كان الحل الجديد منطلقا من الوسط الداخلي ، نتساءل عن كيفية تحديد اليات المعالجة وكيفية توظيفها وتفعيلها ؟
ان تحديد الية المعالجة وايجاد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة تتمثل بمراعاة الجانب الفني التخصصي المتعلق بموضوع التطبيق وكذلك مراعاة المشاكل الرئيسة التي تعترض عملية التطبيق ومحاولة ايجاد الحلول الجديدة بشكل تخصصي متجه الى حل المشاكل بحسب اهميتها وتأثيرها .
وبالرجوع الى الاليات الدولية سابقة الذكر والخاصة بضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان نجد انها تراعي طبيعة القانون وخصوصيته وانها كانت ثمرة لجهود دولية كبيرة وواقعية ومتخصصة في مجال حقوق الانسان ، وانها كانت قائمة على اساس ايجاد ضمانة للتطبيق ولكنها تنطلق من وسط دولي . وبالعودة الى تلك الادوات نجدها تتمثل باداة ايجاد النصوص الملزمة واداة ضمان التطبيق لهذه النصوص. حيث ان تجربة حقوق الانسان قد تقتضي الاستعانة بما تقدم لتكوين ادوات الضمان الجديدة المنطلقة من الوسط الداخلي. ويكون ذلك بالنسبة إلى الادوات الاولى من خلال ايجاد قواعد قانونية ضمن القانون الداخلي تقضي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وحل ومعالجة المشاكل التي تعيق تطبيق هذا القانون. اما بالنسبة إلى الأداة الثانية فيكون ذلك من خلال ايجاد الية رقابة وايجاد جهة او جهات معينة مكلفة بالقيام بها ، وتسهر على ضمان تطبيق القواعد التي جاءت بها الاداة الاولى وتحقيق ذات الغرض الذي سعت اليه.
وبعد ان يتم تحديد ما هية الادوات الجديدة فان السوال الذي يثار هنا هو عن موضع هذه القواعد ، أي اين توضع هذه القواعد في البناء القانوني الداخلي؟
علمنا مما تقدم ان تحديد الية المعالجة وتحديد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة ، وان مراعاة الاعتبار الاول وهو المرتبط بالجانب الفني التخصصي للقضية اوصلنا الى ايجاد ادوات معينة ومحددة للحل ، اما الاعتبار الثاني فهو الاعتبار المرتبط بالمشاكل الرئيسة والتي سبقت الاشارة اليها في المبحث السابق ، حيث ان استكمال عملية تحديد الية المعالجة وكيفية توظيفها ونقطة انطلاقها يحتاج الى العودة الى المشاكل الرئيسة على اساس قاعدة (تحديد الداء في سبيل التوصل الى الدواء) وبذلك فان اختيار العلاج للحالة المرضية التي يمكن ان تعترض عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا يجب ان يتم على اساس نوع المشكلة واختيار الاداة القانونية القادرة على حلها.
وبالرجوع الى المشاكل الرئيسة والتي سبق وان تناولناها في المبحث السابق ، وبالبحث عن حلول جديدة لها ضمن اطار القانون الداخلي نجد انها مشاكل ذات خصوصية وقد يكون من غير السهل معالجتها عن طريق قوانين واجراءات عادية لانها على درجة عالية من التعقيد قد يترتب عليها عجز مثل هذه القوانين او الاجراءات عن معالجتها وان ايجاد الية ذات خصوصية تمثل تدعيما للاليات الدولية الخاصة بتطبيقه قد يكون الحل لذلك ولكن ما هو القانون الداخلي الذي يصلح لاحتواء مثل هذه الالية ويفعلها ؟
لقد تناولنا في صفحات سابقة من هذه الدراسة التعريف بالدستور ، وقد توصلنا في ذلك الجزء منها الى ان للدستور طبيعة خاصة يختلف بها عن غيره من القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة . وان هذه الطبيعة تنبع من طبيعة الموضوعات التي يعالجها والتي تكون على درجة عالية من الاهمية في حياة الدولة والافراد الامر الذي استدعى ان يتصف هذا القانون بمواصفات ومزايا يختلف ويتميز بها عن بقية القوانين ، حيث انه قانون يخاطب طبقة الحكام وينظم شؤون السلطة وعلاقاتها ويحدد حقوق الافراد ويبين ايدولوجية الدولة واتجاهاتها، وهو على هذا الاساس ولتادية هذه الوظائف تميز بطبيعة قانونية منطقية منحته اعلوية على بقية القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة. وعلى اساس هذه المواصفات الموضوعية والشكلية التي يتميز بها الدستور قامت علاقة خاصة بينه وبين موضوع حقوق الانسان، وقد سبق وان تطرقنا الى ذلك في جزء سابق من هذه الدراسة وتوصلنا فيه الى ان خصوصية العلاقة بين القانونين تقوم على اساس وحدة موضوع التنظيم الذي تختص به قواعد كلا القانونين الا وهي بالدرجة الاساس تنظيم عمل السلطة وعلاقتها مع الافراد . اما من حيث الهدف فهو يمكن ان يكون اهم سبيل لحماية هذه الحقوق.
واذا كان للدستور خصوصية بين مجموعة القوانين المكونة للنظام القانوني للدولة، واذا كان هناك تزاوج بين هذه الخصوصية وطبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان ، فهل ان ذلك يعني اهلية الدستور من الناحيتين الموضوعية والشكلية كي يكون اداة لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، وتفادي المشكلات التي يمكن ان تعيق هذا التطبيق ؟
ان الاجابة عن التساؤل الاخير تعتمد على مدى فاعلية اداة الدستور كي يقدم الحل الذي يتضمن محتوى يفيد بزيادة احتمالية التطبيق لحقوق الانسان وتجاوز العوائق التي تعيق ذلك من جهة ، ومدى فاعليته كي يكون اداة لضمان حسن التطبيق واستمراره من جهة اخرى. ويمكن التوصل الى الفاعلية الاولى من خلال مناقشة الحلول التي يمكن ان يقدمها الدستور للمشاكل الرئيسة المذكورة آنفاً . اما الحل الثاني فيكون من خلال البحث في صلاحيته كي يكون السبيل لضمان حسن التطبيق وهذا ما سوف اتناوله تباعا :
علمنا مما تقدم ان تدويل حقوق الإنسان كان له دور كبير في دعم مسيرة هذه الحقوق عالميا وتوجيهها إلى غاية الإعمال المرجوة . وبتتبع مراحل تطور مسيرة هذه الحقوق على الصعيد الدولي الذي يمتاز بتطور مفاهيمه وتغيرها بشكل يواكب تطور المجتمع الدولي ، نجد ان مفهوم الإعمال لحقوق الانسان كان قد مر بعدة مراحل وكان له اكثر من معنى خلال فترات التطور المختلفة التي مرت بها هذه الحقوق في الوسط الدولي ، وخاصة فيما يتعلق بتطبيق القانون الدولي الاتفاقي لحقوق الانسان والذي يمثل المفهوم الضيق للقانون الدولي لحقوق الانسان . فقد كان الإعمال يعني في بداية الامر مجرد الانضمام الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وبعد ذلك اصبح يعني التصديق على هذه الاتفاقيات ، ومن ثم اصبح يعني التطبيق الفعلي لهذه الاتفاقيات ولو جزئياً وبعد ذلك تطور ليعني التطبيق الكامل .
اما اليوم فان معاني الإعمال يجب ان تتكامل في سبيل ان تجد حقوق الانسان فرصتها في تحقيق مقاصدها ومحتواها ، ويكون ذلك بضرورة انصراف معنى الإعمال الى ايجاد ما يضمن لنا التطبيق سواء فيما يتعلق بايجاد الاداة لذلك او تحقيق الاداة لهدفها( [69]).
من المعلوم ان ايجاد أي قانون لابد وان يكون في سبيل تحقيق اهداف معينة وان تحقيق هذه الاهداف من خلال القانون يكون من خلال تطبيق هذا القانون وان الوصول الى غاية القانون من خلال التطبيق يقوم على اساس ضمان حسن التطبيق أي افضل تطبيق وفقا لما يتفق واهداف القانون وفلسفته.
وبالعودة الى اليات الحماية لحقوق الانسان نجد ان هناك عدة وسائل وجدت في المجتمع الدولي لحماية حقوق الانسان او بتعبير يعنينا في هذه الدراسة ، لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان ، ومن المعروف ان هذه الوسائل تتعدد وتتدرج وصولا الى اهم واقوى وسيلة لحماية هذه الحقوق والتي اثار الاعتراف بها وتطبيقها الكثير من الاشكاليات والخلافات الفقهية والرسمية الا وهي الية التدخل الانساني ( [70]) والتي تتلخص فكرتها بإمكانية اللجوء الى استخدام القوة بانواعها وبضمنها العسكرية ضد أية دولة تنتهك حقوق الانسان وذلك في سبيل وقف هذه الانتهاكات. وبالعودة الى هذه الالية نجد انها الية استثنائية من حيث التطبيق على صعيد العلاقات الدولية وانها تمثل وضعا غير طبيعي حيث انها تتضمن تدخلاً دولياً في شؤون الدول واستخداماً للقوة في سبيل الوصول الى الهدف ، وان هذين الوضعين يمثلان وضعين شاذين ضمن مفهوم العلاقات الدولية الطبيعية والتي ينظمها القانون الدولي المعاصر. ولما كان هذا التدخل وعلى الرغم من غايته النبيلة والمشروعة يمثل وضعاً غير طبيعي وبالتالي فانه يجب ان يتصف بالتاقيت وعدم الديمومة ، وان تاقيته هذا يرتبط بانهاء الوضع الشاذ بالنسبة لحقوق الانسان ووقف الانتهاك لها ، أي انه يجب ان يفعل لمدة محددة ويتوقف بعد ذلك، وهنا نتساءل عن الضمان لعدم العودة الى انتهاك حقوق الانسان مجدداً بعد زوال يد التدخل الانساني ؟ أي ما الذي يضمن عدم معاودة انتهاك الحقوق التي تم التدخل لحمايتها بعد وقف استخدام القوة الدولية لاغراض الحماية ؟
من المعلوم ان وضع ومفهوم التدخل بشكل عام يمثل وضعاً غير طبيعياً في العلاقات الدولية وهو بهذا المعنى وكما علمنا يجب ان يكون لمدة محددة وينتهي ، ولكنه على الرغم من فوائده باعتباره اقوى الية لحماية حقوق الانسان الا انه لا يترك ضمانا او الية دائمة لضمان عدم معاودة الانتهاكات وخاصة اذا كانت الاجواء مهيأة الى ذلك في دولة معينة الامر الذي يعني ان اثره يكون حالا ونسبيا ولا ينفع كضمانة للمستقبل ، الامر الذي قد يعني استمرار الحاجة الى تدخلات من هذا النوع واستمرار الوضع الشاذ الذي تولده فضلاً عن الحساسيات السياسية والمحاذير التي يمكن ان يثيرها التدخل بشكل عام والتدخل الانساني او الذي ينعت نفسه بانه انساني بشكل خاص( [71])، الامر الذي يعني ضرورة البحث عن حلول تضمن استمرار الوضع الذي يتحقق بعد حصول التدخل الانساني ، أي استمرار وقف الانتهاك لحقوق الانسان ومنع ذلك ، أي استمرار تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وضمان ذلك.
أي ان إعمال حقوق الانسان ووفقاً لمفهوم متكامل يتفق مع اهداف القانون الدولي لحقوق الانسان وفلسفته ، يجب ان يعني تطبيق احكام القانون وضمان حسن هذا التطبيق والاستمرار بذلك بشكل عام.
وبالعودة الى الاليات الدولية التي سبق وان تناولناها لضمان تحقيق الإعمال نجدها وان كانت تمثل تطورا كبيرا على الصعيد الدولي وفي مجال مسيرة حقوق الانسان بشكل خاص الا انها مع ذلك قد تكون غير قادرة على تحقيق هدفها بشكل متكامل والدليل على ذلك فيما نجده من ان المشكلات التي سبق وان تناولناها مستمرة في اعاقة تطبيق احكام القانون الدولي لحقوق الانسان ، الامر الذي يتطلب من الباحثين في مجال حقوق الانسان البحث عن وسائل جديدة لتحقيق الإعمال ، وان يكون هذا البحث مبنيا على اساس التدقيق في القانون الدولي لحقوق الانسان وفهم طبيعته وخصوصيته والمشاكل التي تعيق عملية تطبيقه.
وعند البحث في هذا القانون بهدف الوصول الى ما يضمن التطبيق والإعمال نجد اننا امام قانون دولي ذي طبيعة خاصة متميزة عن بقية فروع القانون الدولي العام الامر الذي يدفعنا الى البحث عن اليات جديدة لتطبيق هذا القانون اخذين بنظر الاعتبار وجود خصوصية لهذا القانون ، والتي تقوم على اساس انه قانون دولي يحتاج الى قانون داخلي في سبيل التطبيق ، أي انه قانون يرجع من حيث الوجود الى وسط معين ومن حيث التطبيق النهائي قد يحتاج الى وسط اخر مختلف عن الوسط الاول . ويتمثل الوسط الاول كما هو معروف بالوسط الدولي اما الثاني فيتمثل بالوسط الداخلي للدول ، أي ان خصوصيته تكمن في كونه قانوناً تعنى به القوانين القائمة في وسطين مختلفين.
واذا كانت هذه خصوصيته فان البحث عن اليات للتطبيق يجب ان يكون متكاملا وينطلق من كلا الوسطين او بتعبير قانوني في قوانين كل من الوسطين. واذا كانت الاليات التي سبق تناولها كانت اليات منطلقة من القانون الدولي فان استكمال هذه الاليات يجب ان ينطلق من القانون الداخلي الامر الذي يترجم خصوصية القانون الدولي لحقوق الانسان الى ارض الواقع العملي ، أي يجب ان يكون البحث عن هذه الاليات في القوانين الداخلية للدول التي يطبق عليها القانون وتتاكد اهمية ذلك وصحته من كون ان القانون الداخلي وموقفه من تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان هو الذي يتسبب باغلب العوائق امام تطبيق القانون الاخير الامر الذي يعني ان علاج وازالة هذه العقبات يجب ان يوجه الى ذات المسبب لها ومن ثم ينطلق منها في سبيل ضمان التطبيق. وبذلك يمكن ان نكون امام حل متكامل لعلاج مشاكل التطبيق وايصال حقوق الانسان الى الإعمال على اساس محاصرة مشاكل تطبيق هذا القانون وتكامل ذلك انطلاقا من الوسطين المعنيين بالامر.
واذا كان الحل الجديد منطلقا من الوسط الداخلي ، نتساءل عن كيفية تحديد اليات المعالجة وكيفية توظيفها وتفعيلها ؟
ان تحديد الية المعالجة وايجاد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة تتمثل بمراعاة الجانب الفني التخصصي المتعلق بموضوع التطبيق وكذلك مراعاة المشاكل الرئيسة التي تعترض عملية التطبيق ومحاولة ايجاد الحلول الجديدة بشكل تخصصي متجه الى حل المشاكل بحسب اهميتها وتأثيرها .
وبالرجوع الى الاليات الدولية سابقة الذكر والخاصة بضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان نجد انها تراعي طبيعة القانون وخصوصيته وانها كانت ثمرة لجهود دولية كبيرة وواقعية ومتخصصة في مجال حقوق الانسان ، وانها كانت قائمة على اساس ايجاد ضمانة للتطبيق ولكنها تنطلق من وسط دولي . وبالعودة الى تلك الادوات نجدها تتمثل باداة ايجاد النصوص الملزمة واداة ضمان التطبيق لهذه النصوص. حيث ان تجربة حقوق الانسان قد تقتضي الاستعانة بما تقدم لتكوين ادوات الضمان الجديدة المنطلقة من الوسط الداخلي. ويكون ذلك بالنسبة إلى الادوات الاولى من خلال ايجاد قواعد قانونية ضمن القانون الداخلي تقضي بتطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان وحل ومعالجة المشاكل التي تعيق تطبيق هذا القانون. اما بالنسبة إلى الأداة الثانية فيكون ذلك من خلال ايجاد الية رقابة وايجاد جهة او جهات معينة مكلفة بالقيام بها ، وتسهر على ضمان تطبيق القواعد التي جاءت بها الاداة الاولى وتحقيق ذات الغرض الذي سعت اليه.
وبعد ان يتم تحديد ما هية الادوات الجديدة فان السوال الذي يثار هنا هو عن موضع هذه القواعد ، أي اين توضع هذه القواعد في البناء القانوني الداخلي؟
علمنا مما تقدم ان تحديد الية المعالجة وتحديد الضمانات اللازمة لها يقوم على مراعاة اعتبارات معينة ، وان مراعاة الاعتبار الاول وهو المرتبط بالجانب الفني التخصصي للقضية اوصلنا الى ايجاد ادوات معينة ومحددة للحل ، اما الاعتبار الثاني فهو الاعتبار المرتبط بالمشاكل الرئيسة والتي سبقت الاشارة اليها في المبحث السابق ، حيث ان استكمال عملية تحديد الية المعالجة وكيفية توظيفها ونقطة انطلاقها يحتاج الى العودة الى المشاكل الرئيسة على اساس قاعدة (تحديد الداء في سبيل التوصل الى الدواء) وبذلك فان اختيار العلاج للحالة المرضية التي يمكن ان تعترض عملية تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا يجب ان يتم على اساس نوع المشكلة واختيار الاداة القانونية القادرة على حلها.
وبالرجوع الى المشاكل الرئيسة والتي سبق وان تناولناها في المبحث السابق ، وبالبحث عن حلول جديدة لها ضمن اطار القانون الداخلي نجد انها مشاكل ذات خصوصية وقد يكون من غير السهل معالجتها عن طريق قوانين واجراءات عادية لانها على درجة عالية من التعقيد قد يترتب عليها عجز مثل هذه القوانين او الاجراءات عن معالجتها وان ايجاد الية ذات خصوصية تمثل تدعيما للاليات الدولية الخاصة بتطبيقه قد يكون الحل لذلك ولكن ما هو القانون الداخلي الذي يصلح لاحتواء مثل هذه الالية ويفعلها ؟
لقد تناولنا في صفحات سابقة من هذه الدراسة التعريف بالدستور ، وقد توصلنا في ذلك الجزء منها الى ان للدستور طبيعة خاصة يختلف بها عن غيره من القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة . وان هذه الطبيعة تنبع من طبيعة الموضوعات التي يعالجها والتي تكون على درجة عالية من الاهمية في حياة الدولة والافراد الامر الذي استدعى ان يتصف هذا القانون بمواصفات ومزايا يختلف ويتميز بها عن بقية القوانين ، حيث انه قانون يخاطب طبقة الحكام وينظم شؤون السلطة وعلاقاتها ويحدد حقوق الافراد ويبين ايدولوجية الدولة واتجاهاتها، وهو على هذا الاساس ولتادية هذه الوظائف تميز بطبيعة قانونية منطقية منحته اعلوية على بقية القوانين الموجودة في النظام القانوني للدولة. وعلى اساس هذه المواصفات الموضوعية والشكلية التي يتميز بها الدستور قامت علاقة خاصة بينه وبين موضوع حقوق الانسان، وقد سبق وان تطرقنا الى ذلك في جزء سابق من هذه الدراسة وتوصلنا فيه الى ان خصوصية العلاقة بين القانونين تقوم على اساس وحدة موضوع التنظيم الذي تختص به قواعد كلا القانونين الا وهي بالدرجة الاساس تنظيم عمل السلطة وعلاقتها مع الافراد . اما من حيث الهدف فهو يمكن ان يكون اهم سبيل لحماية هذه الحقوق.
واذا كان للدستور خصوصية بين مجموعة القوانين المكونة للنظام القانوني للدولة، واذا كان هناك تزاوج بين هذه الخصوصية وطبيعة القانون الدولي لحقوق الانسان ، فهل ان ذلك يعني اهلية الدستور من الناحيتين الموضوعية والشكلية كي يكون اداة لضمان تطبيق القانون الدولي لحقوق الانسان داخليا ، وتفادي المشكلات التي يمكن ان تعيق هذا التطبيق ؟
ان الاجابة عن التساؤل الاخير تعتمد على مدى فاعلية اداة الدستور كي يقدم الحل الذي يتضمن محتوى يفيد بزيادة احتمالية التطبيق لحقوق الانسان وتجاوز العوائق التي تعيق ذلك من جهة ، ومدى فاعليته كي يكون اداة لضمان حسن التطبيق واستمراره من جهة اخرى. ويمكن التوصل الى الفاعلية الاولى من خلال مناقشة الحلول التي يمكن ان يقدمها الدستور للمشاكل الرئيسة المذكورة آنفاً . اما الحل الثاني فيكون من خلال البحث في صلاحيته كي يكون السبيل لضمان حسن التطبيق وهذا ما سوف اتناوله تباعا :