الدليل السادس : في إثبات ونفي التعاقد موضوع دعوى الصحة والنفاذ ( الإقرار - التسليم بالطلبات )
عرف قانون الإثبات - المادة 103- الإقرار بأنه اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعـة .
ويعرف المستشار عز الدين الدناصوري الإقرار بأنه اعتراف الشخص بحق لآخر بقصد اعتبار هذا الحق ثابتاً في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته ، والإقرار تصرف قانوني إخباري أي أنه يصدر من جانب واحد ويعتبر بمثابة عمل من أعمال التصرف لذا فإن حجيته قاصرة علي المقر به كأساس .
وتعريف الإقرار لدي محكمة النقض لا يتغير كثيراً عما سلف اللهم الإشارة الدائمة إلى حدود حجية الإقرار ، فتقرر محكمة النقض أن الإقرار هو اعتراف المقر بحق عليه لآخر في صيغة تغير ثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم واليقين ، وتكون حجيته قاصرة على المقر ، فلا تتعداه إلا إلى ورثته بصفتهم خالفاً عاماً لـه ، ولا يحتج بها على دائنيه أو خلفه الخاص .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ، بما ينبنى عليه إقالة خصمه من إقامة الدليل على تلك الواقعة .(1)
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الأصل فى الإقرار أن يكون صريحا وان الاقتضاء فيه استثناء من حكم هذا الأصل ، فلا يجوز قبول الإقرار الضمني ما
لم يقم دليل يقيني على وجود مرماه .
وفي بيان قيمة الإقرار كدليل قررت محكمة النقض : المقرر وفقا لنص المادة 104 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الإقرار الذي يعتبر حجة قاطعة على المقر هو الإقرار القضائي الصادر منه في مجلس القضاء ، وفي ذات النزاع من المقر في نزاع أو في غير مجلس القضاء ، فهو يخضع طبقًا للقواعد العامة في الإثبات لتقدير محكمة الموضوع ، التي يكون لها بعد بحث الظروف والملابسات التي صدر فيها أن تأخذ به كدليل في الدعوى أو كقرينة أو لا تأخذ به أصلاً ، دون معقب عليهـا في ذلك متى كان تقديرها سائغًا .
شروط صحة الإقرار عموماً :
لما كان الإقرار بمثابة تصرف قانوني فإنه يشترط فيه ما يشترط في التصرفات القانونية عموماً :
1- يجب لصحة الإقرار - كدليل - وجود إرادة صحيحة قانوناُ ، فتتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار .
ولذا لا يعد ما يصدر عن الشخص - الخصم - إقراراً ما يرد علي لسان الشخص تأييداً لادعاءاته من أقوال فيها مصلحة لخصمه ما دام لم يقصد من الإدلاء بهذه الأقوال أن يتخذها خصمه دليلاً عليه ، ولذا لا يعد كذلك ما يصـدر عـن الشخص - الخصم - إقراراً إذا كانت أقواله مجرد مناقشة لفرض جدلي ، فهو لم يسلم لخصمه بما يدعي .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوى على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية ، فيجب ان يكون صادرا عن إرادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة ، فان شاب الإرادة غلط أو تدليس كان قابلا للإبطال وحق المقر الرجوع فيه .
2- ويجب لصحة الإقرار - كدليل - أن يعبر عنه ، والتعبير إما أن يكون صريحاً وهو لا يشترط لفظ معين ، وإما أن يكون ضمنياً وهو الذي يؤخذ استنتاجاً كالإقرار بعدم ملكية الشيء يستفاد ضمنـاً من استئجاره أو من استعارته .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : يشترط فى الإقرار ان يكون صدرا من الخصم عن قصد الاعتراف بالحق المدعى به لخصمه ، وفى صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل اليقين والجزم (2) .
3- ويجب لصحة الإقرار - كدليل - أن يكون المقر شخصاً مميزاً وأهلاً للإقرار لأن الإقرار يعتبر كما سلف من أعمال التصرف .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الأهلية التى تشترط لصحة الإقرار هي أهلية المقر للتصرف فيما اقر ، أما المقر له فلا يشترط فيه أهلية ما ، بل يجوز الإقرار للصغير غير المميز والمجنون .(3)
4- ويجب لصحة الإقرار - كدليل - أن يكون تعبير المقر تعبيراً عن إرادة جدية حقيقية لا يشوبها عيب من عيوب الرضا وهي الغلط والتدليس والإكراه ، فإذا كان المقر مازحاً انتفي قصـده وكذلك إذا كان تعبيره صورياً فلا يعول عليه .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوى على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية ، فيجب ان يكون صادرا عن إرادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة ، فان شاب الإرادة غلط أو تدليس كان قابلا للإبطال وحق المقر الرجوع فيه (4) .
الإقرار ومدي اعتباره دليلاً … ؟
الإقرار عمل إخباري بمعني أنه لا ينشئ وإنما هو إخبار بحدوث واقعة معينة في وقت مضي أو ثبوت حق معين قبل تاريخه ، ويعتبر الإقرار قرينة قانونية علي حقيقة المقر به ، وهذه القرينة غير قاطعة إذ يجوز لمن تكون له مصلحة في هدمها أن يثبت كذب الإقرار ، بل يجوز لمحكمة الموضوع ألا يأخذ بالإقرار إذا كان ظاهر الحال يكذبه ، فلو أقر شخص ببنوة آخر أكبر منه في السن لا يصح إقراره ، فالإقرار ، ومعني ما سبق أن الإقرار يثبت به حق لم يكن ثابتاً من قبل ، وإعطاء دليل الحق غير الثابت يعدل من الناحية العملية إنشاء هذا الحق .(5)
ويدعم القول بأن الإقرار دليل ، أن الإقرار طبقاً للمادة 104 من قانون الإثبات حجة قاطعه على المقر ، فيجري نص الفقرة الأولي من المادة 104 : الإقـرار
حجة قاطعة على المقر .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم بالحق المدعى به لخصمه في مجلس القضاء بشرط أن يكون صادرا من الخصم بقصد الاعتراف بالحق المدعى به في صيغة تفيد ثبوته على المقر على سبيل اليقين والجزم .(6)
النوع الأول : الإقرار القضائي كدليل
سبق أن عرفنا الإقرار ، وانتهينا إلى أنه دليل ، والإقرار كدليل إما أن يكون إقراراً قضائياً أو إقراراً غير قضائي ، و الإقرار القضائي هو اعتراف شخص بواقعة قانونية مدعى بها عليه أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ، فيسمى هذا الإقرار بالإقرار القضائي .
والتساؤل : كيف يكون الإقرار القضائي دليلاً صحيحاً … ؟
يشترط لكي يعتبر الإقرار قضائياً ، ولكي يعتبر من بعد إقراراً صحيحاً ما يلي من شروط :
الشرط الأول : أن يصدر الإقرار بالحق أمام القضاء ونعني أن يصدر الإقرار في مجلس القضاء ، أي أمام جهة قضائية - محكمة أو هيئة محكمين أو محكم ، وعلى ذلك فالإقرار الذي يصدر أمام جهة إدارية كمجالس التأديب أو محاضر الشرطة أو النيابة لا يعتبر إقراراً قضائياً .
ويراعي في إعمال وتطبيق هذا الشرط :
1- يجب أن يكون الإقرار بالحق أمام المحكمة أو الجهة أو الهيئة المختصة ينظر النزاع سواء كانت محكمة تتبع جهة القضاء العادي - مدنية أو جنائية أو محكمة تتبع جهة القضاء الإداري ، كما أنه يجوز الاعتداد بالإقرار القضائي الصادر أمام محكمة الموضوع أو المحكمة المستعجلة ، أو أمام قاضى التنفيذ أو أمام قاض التحقيق أو أمام محكمة الدرجة الثانية.
والتساؤل : هل يعد الإقرار الصادر أمام محكمة غير مختصة بالنزاع إقراراً قضائياً …؟
يري البعض أن الإقرار الذي يتم أمام محكمة غير مختصة بنظر النزاع يعد إقراراً قضائياً صحيحاً فيعتد به ، واستثنوا من ذلك الإقرار الذي يصدر أمام محكمة غير مختصة ، إذا كان الاختصاص لا يتعلق بالنظام العام ، ورتبوا على ذلك أن الإقرار الذي يصدر أما محكمة من محاكم مجلس الدولة في منازعة من اختصاص القضاء العادي ، لا يعتد به .(7)
ويري البعض أنه يشترط لكي يعتبر الإقرار قضائياً ، أن تكون المحكمة التي صدر أمامها مختصة بنظر النزاع أو أصبحت مختصة ينظرها أصبح صحيحاً ويعد إقرارا قضائياً ، حتى وإن قضت المحكمة بعدئذ بعدم اختصاصها بنظر الدعوى سواء كان عدم اختصاصها نوعياً أو قيمياً أو محلياً . أو ألغى حكمها الصادر باختصاصها بعدئذ . فإذا قضت محكمة باختصاصها بنظر دعوى صدر فيها من أحد الخصوم إقرار قضائي ثم طعن في هذا الحكم في الموضوع والاختصاص والغي من محكمة الطعن وأحيلت الدعوى لمحكمة الدرجة الأولى فإن إلغاء الحكم السابق لا يؤثر في صحة الإقرار القضائي .(
2- وإذا صدر إقرار قضائي أمام محكمة الدرجة الأولى ، فإن هذا الإقرار يلزم محكمة الدرجة الثانية ، فلا تملك عند استئناف الحكم اتخاذ إجراء يخالف ما سبق الإقرار به أمام محكمة الدرجة الأولى .(9)
3- لا يعتبر الإقرار قضائياً إذا كان صادراً في دعوى أخرى ، ولو كان بين ذات الخصوم ، فالإقرار القضائي الصادر في الدعوى المستعجلة لا يعتبر إقراراً قضائياً بصدد الدعوى الموضوعية المتعلقة بأصل الحق ولو كانت بين ذات الخصوم ، لأن دعوى أصل الحق تختلف سبباً وموضوعاً عن الدعوى المستعجلة .
4- يجب إثبات الإقرار في محضر الجلسة ، إذا كان المقر أصدره شفاهه ، حتى يكون حجة عليه وسهل إثباته ، و حتى يتسنى للمحكمة الاستناد إليه في قضائها ، كما يمكن محكمة الاستئناف من أعمال رقابتها عليه سواء من ناحية صدوره ممن أقر به أو صحته أو تفسيره أو تأويله ، وكذلك لكي تستطيع محكمة النقض أن تعمل رقابتها على محكمة الموضوع من ناحية تطبيق القانون وتأويله وتفسيره ، وتكييف الواقعة والإقرار ، وبيان ما إذا كان يعد قضائياً أم لا .(10)
الشرط الثاني : يشترط أن يصدر الإقرار حتى يكون إقراراً قضائياً أن يصدر أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة والتي يكون الإقرار فيها دليل إثبات . فيصح أن يكون الإقرار في صحيفة الدعوى ذاتها أو المذكرات التي قدمت بعد ذلك ، أو أثناء استجواب المحكمة للشخص ، ويجوز أن يصدر الإقرار في جلسات المرافعة أو عند إبداء الطلبات الختامية ، وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى ، أما الإقرار في خطاب فلا يصلح أن يعتبر إقراراً قضائياً ولو كان أثناء سير الدعوى .
ويراعي في إعمال وتطبيق هذا الشرط :
1- يصح الإقرار ويكون قضائياً في أية مرحلة تكون عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع أي سواء أكان الإقرار أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة - الاستئناف .
2- لا يصح الإقرار أمام محكمة النقض ، فالإقرار الذي يصدر أمام محكمة النقض لا يعتبر إقرارا قضائي لأن محكمة النقض لا تعتبر درجة من درجات التقاضي ، فليس لها أن تقبل أدلة جديدة .(11)
3- لا يشترط لصحة الإقرار القضائي أن يصدر في مواجهة الخصم الآخر ، أو إعلانه به أو قبوله له ، وذلك لأنه الإقرار هو إسقاط وتصرف قانوني يصدر من جانب واحد ، فإذا كان المقر صاحب صفة قانونية مثل إقرار المحامى أو الممثل القانوني للشخص الاعتباري ، فإن الإقرار القضائي الصادر منه يكون صحيحا ، طالما صدر منه أثناء تمتعه بهذه الصفة ولو زالت عنه بعد ذلك ، فالعبرة في كون الإقرار قضائياً هي بوقت صدوره ، متى كان قد صدر من شخص صاحب حقه في وقت صدوره ، ويعتبر الإقرار قضائياً متى توافرت فيه هذه الشروط سواء صدر من المقر من تلقاء نفسه ، أو بناء على استجواب للخصوم من جانب المحكمة .(12)
وعن لحظة تحول الإقرار القضائي إلى دليل :
إذا توافرت الشروط القانونية في الإقرار القضائي أصبح طبقاً للمادة 104 من قانون الإثبات حجة قاطعة على المقر ، بما يعني إعفاء الخصم الذي صدر لصالحة الإقرار من إقامة الدليل على الحق المتنازع عليه ، ولا يجوز للمقر الرجوع في إقراره أو إقامة الدليل على عكس ما أقربه . كما أن الإقرار يلزم القاضي ، ويتعين عليه الأخذ به ، والحكم من تلقاء نفسه بقبول دعوى المدعى على أساس الإقرار ، ولو كان القاضي مقتنعاً بأن المقرر يقول غير الواقع .
والتساؤل هل يجوز لمن صدر عنه الإقرار القضائي الطعن عليه …؟
يشترط لصحة الإقرار - كدليل - وجود إرادة صحيحة قانوناُ ، فتتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار ، ومن ثم يجوز للمقر - بعد تمام الإقرار - أن يطعن في إقراره بالبطلان إذا شاب إقراره عيب من عيوب الإرادة ، بأن يشوب إرادته غلط أو إكراه أو تدليس .(13)
الإقرار القضائي كتصرف قانوني ، إما أن يكون صحيح قانوناً ، وإما أن يكون باطلاً ، لكنه إذا كان باطلاً فإن ثمة نوعين من البطلان ، النوع الأول هو البطلان المطلق ، والنوع الثاني هو البطلان النسبي .
لذا فإنه يجب علي المقر قبل التمسك ببطلان إقراره القضائي ، أو قبل رفع دعوى بطلان الإقرار القضائي أو عدم رفعها إدراك حقيقة تلك التفرقة ، تلك التفرقة ترتب أثاراً قانونية هامة جداً :-
والآن نوضح - وببساطة - كيف ومتي يكون الإقرار كتصرف قانوني صحيحاً ، ومتي يكون باطلاً - كيف ومتي يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً - وكيف ومتي يكون العقد باطلاً بطلاناً نسبياً .
متي وكيف يكون الإقرار القضائي صحيحاً …؟
يكون الإقرار صحيحاً - وبالتالي لا محل للتمسك ببطلانه ، سواء بدفع أو بدعوى إذا توافرت لهذا الإقرار القضائي جميع أركانه القانونية وهي :
أولا : ركن الرضاء
ثانياً : ركن المحل .
ثالثاً : ركن السبب .
متي وكيف يكون العقد باطل بطلاناً مطلقاً …؟
يكون الإقرار القضائي باطل بطلاناً مطلقاً - وبالتالي يجوز الدفع به أو رفع دعوى البطلان إذا حصل إخلال بأي ركن من أركـان العقد المشار إليها بالتساؤل السابق ، وعليه يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً :
* انعدام ركن الرضا .
* انعدام محل العقد أو عدم تعينه أو عدم قابليته للتعامل فيه .
* عدم مشروعية سبب الالتزام في العقد .
متي وكيف يكون الإقرار القضائي باطل بطلاناً نسبياً …؟
يكون الإقرار القضائي باطلاً بطلاناً نسبياً - وبالتالي يجوز رفع دعوى البطلان - في حالات الإخلال بشرط من شروط الصحة التي يتطلبها القانون في أركان العقد ، وقد أوضحنا سابقاً أن للعقد أربع أركان أساسية هي " ركن الرضاء - ركن المحل - ركن السبب - ركن الشكل إذا كان العقد من العقود الشكلية " ونضيف أن لكل ركن من هذه الأركان الأربع السابقة شروط صحة إذا تخلف أي شرط من هذه الشروط كان العقد باطلاً بطلاناً نسبياً ، ومن أمثلة هذه الشروط التي ترتب البطلان النسبي نقص أهليه أحد طرفي العقد ، فالقانون يعتبر الرضا ركن من أركان العقد لكنه يشترط لصحة هذا الرضاء أن يكون صاحبه بالغاً رشيداً غير ناقص الأهلية ، ولذات العلة يعد العقد باطلاً بطلاناً نسبياً إذا شاب إرادة أحد المتعاقدين عيب من عيوب الرضا كالغلط والتدليس والاستغلال والإكراه .
التساؤل : هل يجوز العدول عن الإقرار القضائي …؟
متى صدر الإقرار من الشخص في مجلس القضاء لزمه ، فلا يجوز له أن يعدل
عنه أو يرجع فيه لو كان المقر له لم يقبل هذا الإقرار ، فلا يصح له أن يدعى
أنه كان فادياً في إقراره أو أنه أقر على سبيل الهزل . وإن كان ذلك لا يمنعه من أن يتمسك بالبطلان ، ويقع عليه إثبات ذلك ، فله أن يطلب أبطال الإقرار كما لو أثبت أنه وقع في إقراره في غلط أو إكراه أو غش أو تدليس شاب رضاه أو إنه كان سكراناً أثناء الإدلاء بإقراره ، ويقع عليه وجده عبء إثبات سبب البطلان ، الذي يحيز له التخلص من إقراره .(14)
أما ورثه المقر فإن الإقرار الصادر من مورثهم يكون حجة عليهم ولا يجوز العدول عنه أو المنازعة فيه ، إذا كان قد صدر حكم في الدعوى التي صدر فيها الإقرار . أما إذا كان المقر قد توفى قبل صدور حكم في الدعوى التي صدر فيه الإقرار ، فإن للورثة حق المنازعة في هذا الإقرار صدر عن غش أو إكراه ، أو كذب عمداً للاحتيال على القانون أو الإضرار بهم ، لأن الغش يفسد كل شيء ، كما أن الغش واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات . وفيما عداد ذلك تبقى للإقرار حجيته على الورثة كما على المقر نفسه ، أما الخلف الخاص فإن الإقرار الصادر من سلفه يلزمه ويكون حجة عليه إذا كان صادر من المقر قبل انتقال الحق إليه . لأن الخلافة الخاصة يقتصـر أثرها على التصرفات السابقة على انتقال الحق إلى الخلف .
أما إذا كان الإقرار صادر بعد انتقال الحق إلى المشتري ، فيجوز له إثبات عدم صحته بكافة طرق الإثبات ، وذلك إما بالتدخل في الدعوى التي هو صدر فيها الإقرار إذا لم يكن قد فصل فيها أو برفع دعوى ، بصورية أو عدم نفاذه ، إذا توافرت شروط أي منهما .
هل يجوز تجزئه الإقرار القضائي …؟
القاعدة التي قررتها المادة 104 من قانون الإثبات هي أن الإقرار القضائي لا
يتجزأ على صاحبة إلا إذا انصب على وقائع متعددة فكان وجود واقعة منها ، لا
يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى .
وطبقاً للقاعدة المشار إليها بالمادة 104 فقرة 2 من قانون الإثبات فإن الإقرار القضائي من حيث قابليته للتجزئة ينقسم إلى ثلاثة أنواع :-
النوع الأول : الإقرار القضائي البسيط .
النوع الثاني : الإقرار القضائي الموصوف .
النوع الثالث : الإقرار القضائي المركب .
ويمكنا القول بأن الإقرار البسيط هو إقرار المدعي عليه بما يدعيها الخصم والاعتراف به دون تعديل أو إضافة ، مثال ذلك اعتراف المدين - المدعي عليه - بالدين الذي يطالب به دائنه وفوائده فأخذ بالإقرار بحالته .(15)
ويمكنا القول بأن الإقرار الموصوف أو الإقرار الموضوعي هو الإقرار بالواقعة
المدعي بها فلكنه بإضافة من شأنها أن تغير من أثرها القانوني ، مثال : أن يدعي الدائن بدين باتا حالا ، فأقر المدين -المدعي عليه - بأن الدين مضافا إلى أجل أو معلق على شرطا ، أو أن المدعي عليه يتسلم المنقول ولكن على أساس الهبة ، وليس على أساس البيع كما يزعم المدعي ، فلا يمكن تجزئة الإقرار في هذه الحالة فهو إما أن يأخذ بالإقرار كله أو يرفضه كله ن وفي هذه الحالة يكون للمدعي أن يثبت أن الدين باتا ، حالا بكافة طرق الإثبات ، وللمدعي عليه ان يثبت أن الدين مضافا إلى أجل أو معلق على شرط .
ويمكنا القول بأن الإقرار المركب هو الإقرار بالواقعة المدعاة مع إضافة واقعة أخرى منشآت بعدها من شأنها أن تمس آثار الواقعة الأولى مثال ذلك : أن يقر المدعي بالدين ، ولكنه يضيف أنه انقضى بالوفاء أو الإيراد أو المقاصة أو اتحاد الذمة ، والقاعدة أن الإقرار المركب لا يتجزأ إلا إذا كان وجود الواقعة اللاحقة لا يستلزم حتما وجود الواقعة الأخرى .
ونخلص مما تقدم :
1- لا تجوز التجزئة في الإقرار بالدين المضاف إليه الوفاء أو الإيراد لأن واقعة الإيراد أو الوفاء لا يتصور وجودها دون الواقعة الأخرى .
2- تجوز التجزئة في الإقرار في حالة الإقرار بالدين مع المقاصة ، فالإقرار هنا يمكن تجزئته لأن المقاصة تقتضي وجود دين آخر في ذمة الدائن للمدين ، وهذا الدين مستقل في وجود ، من الدين الأول ، فيكون للدائن ان يحتج عليه بإقراره
بالمديونية ، يرفض الاعتراف بالمقاصة ، فيجب على المدين ان يقيم الدليل عليها .
ويتجزأ الاعتراف إذا كان منصبا على جملة تعهدات ، فاعتراف ببعضها ، أنكر البعض الآخر .
3- سواء كان الإقرار موصفا أو مركبا ، فإن للمدعي أن يثبت الواقعة المضافة غير صحيحة ، فليس هناك ما يمنع قانونا من أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ، ويدحض بدليل آخر ، يقدمه هو ما ليس في صالحه ، كما أن إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إنما يكون بنفس الطرق التي كان يمكن بها إثبات الواقعة الأصلية ، فإذا كانت الواقعة المعترف بها تصرفا قانونيا بما يوجب القانون إثباته بالكتابة ، فلا يجوز إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إلا بالكتابة .
4- لا يجوز للمقر بتمسك بقاعدة عدم تجزئة الإقرار ، إلا إذا كان المدعي قد استند إلى الإقرار باعتباره هو الدليل الوحيد في الدعوى ، أما إذا كانت الواقعة المدعاة ثابتة بدليل آخر ، وكان هذا الدليل كاملا فلا حاجة إلى المدعي للتمسك بالإقرار .
النوع الثاني : الإقرار غير القضائي كدليل
يمكننا تعريف الإقرار غير القضائي بأنه كل إقرار لم يستوفي الشروط القانونية للإقرار القضائي ، كان يتخلف شرط صدوره في مجمل القضـاء أو في ذات الدعوى المتعلقة بالواقعة المتنازع عليها .(16)
وتعريف الإقرار الغير قضائي علي النحو السابق لا يعني مغايرته كلياً للإقرار القضائي ، فالإقرار القضائي والإقرار الغير قضائي يشتركان في لمحات وصفات مشتركة ، فكلاهما عمل قانوني اختياري من جانب واحد وكلاهما عمل من أعمال التصرف ، وكلاهما ذي حجة قاصرة ، ويبقي الفارق المميز بينهما في اختلاف مكان صدور الإقرار ، فالإقرار القضائي لا يصدر إلا قي مجلس القضاء . أما
الإقرار غير القضائي فيصدر دون التقييد بهذا القيد المكاني .
أمثلة للإقرار غير القضائي :
1- الإقرار الذي يصدر عن صاحبه - المقر - في رسالة أو خطاب موجه منه إلى الغير ولو لم يكن الخصم .
2- الإقرار الذي يصدر ويثبت في تحقيق تجربة النيابة العامة أو النيابة الإدارية أو لجنة تحقيق إدارية .
3- الإقرار الذي يصدر من المقر ويثبت في محضر جميع استدلالات أو في تحقيق إداري .(17)
مدي اعتبار الإقرار غير القضائي دليلاً …؟
يسبق الحديث عن مدي اعتبار الإقرار غير القضائي دليلاً ، الحديث عن إثبات
حصول الإقرار القضائي ، والثابت أن الإقرار غير القضائي يخضع في إثبات وقوعه للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية ، فلا يجوز إثباته بغير الكتابة ، أية كانت الواقعة محل الإقرار لا تثبت إلا بالكتابة .
بعد الحديث عن إثبات الإقرار الغير قضائي يثور التساؤل عن قيمة هذا الإقرار كدليل …؟
أجابت محكمة النقض : الإقرار غير القضائي يخضع بهذه المثابة - أي باعتباره إقرار غير قضائي - لتقدير القاضي الذي له مطلق الحرية في تقدير قوته في الإثبات ، فيجوز له أن يعتبر دليـلاً كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابـة أو مجرد قرينة .(18)
كما قررت محكمة النقض في سبيل بيان قيمة الإقرار الغير قضائي : الإقرار المقصود في المادة 104 من قانون الإثبات باعتباره حجة قاطعة على المقر ، هو الإقرار الصادر أمام القضاء ، أما الإقرار في غير مجلس القضاء فيخضع في تقدير قوته في الإثبات لمحكمة الموضوع بغير معقب عليها في ذلك . متى كان تقديرها سائغاً . (19)
وقررت محكمة النقض : الإقرار غير القضائي وان كان لا يعتبر حجة قاطعة على المقر فانه يكون خاضعا لتقدير محكمة الموضوع ولهذه المحكمة تقدير الظروف التي صدر فيها وملابسات الدعوى وأن تعتبره دليلا مكتوبا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة ، كما أن لها ألا تأخذ به أصلا ولا معقب على تقديرها في ذلك متى بنى على أسباب سائغة . (20)
مشكلة تفسير الإقرارات عموماً وتفسير الإقرار غير القضائي وحدود محكمة الموضوع قررت محكمة النقض : إذا كان تفسير الإقرارات أمر تستقل به محكمة الموضوع ، طالما أنها لم تخرج في تفسيرها لها عن المعنى الظاهر لعبراتها ، فلا يجوز لها تحت ستار التفسير الانحراف عن مؤداها الواضح إلى معنى آخر ، ولئن كان المقصود بالوضوح هو وضوح الإرادة لا اللفظ ، إلا أن المفروض في الأصل أن اللفظ يعبر بصدق عما تقصده الإرادة ، وعلى القاضي إذا أراد حمل العبارة على معنى آخر مغاير لظاهرها ، أن يبين في حكمه الأسباب المعقولة التي تبرر هذا الملك .
وعلي نقيض موقف محكمة النقض من قيمة الإقرار غير القضائي ، فإن البعض من الفقه يقرر أن الإقرار غير القضائي نفس آثار الإقرار القضائي ، ويري البعض أن الإقرار غير القضائي يخضع للقواعد العامة فهو حجة على المقر ، ما لم يثبت عدم صحته ، وهو قابل للتجزئة ، وهو كذلك قابل للرجوع فيه في الحدود والتي تسمح به القواعد العامة أي لغير غلط في القانون ، وأضافوا بأن الإقـرار غير القضائي ليس له حجية ، قانونية ملزمة للقاضي ، فله سلطــة واسعة في تقديره ، وهذا الرأي هو ما اعتنقته محكمة النقض ، فذهبت محكمة النقض كما أشرنا سلفاً إلى إن الإقرار غير القضائي يخضع لتقدير القاضي الذي يجوز له تجزئته ، وله حسب الظروف أن يعتبروا دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلاً .(21)
ورغم الخلاف السابق فإن الفقه يجمع على أن القاضي إذا اطمأن إلى أن الإقرار غير القضائي كان مقصودًا من المقر ، بهدف حسم النزاع ، فيجب على القاضي
أن يرتب كل آثار الإقرار القضائي .
الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوي على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية .
قضت محكمة النقض : الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوى على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية ، فيجب أن يكون صادراً عن إرادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة ، فان شاب الإرادة غلط أو تدليس كان قابلاً للإبطال وحق المقر الرجوع فيه .(22)
الأصل في الإقرار بوجه عام انه اعتراف شخص بواقعة من شانها ان تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات و ينحسم النزاع فى شانها.
قررت محكمة النقض : ........ أنه وان كان الأصل فى الإقرار بوجه عام انه اعتراف شخص بواقعة من شانها ان تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات و ينحسم النزاع فى شانها وان الإقرار القضائي قد يرد فى صحيفة الدعوى التى يرفعها المقر ، إلا انه يشترط فيه ما يشترط فى الأعمال القانونية من وجود الإرادة ، بمعنى انه يجب ان يدرك المقر مرمى إقراره ، وان يقصد به إلزام نفسه بمقتضاه ، وان يكون مبصرا انه سيتخذ حجه عليه ، وان خصمه سيعفى بموجبه من تقديم أي دليل فلا يعد من قبيل الإقرار الملزم ما يرد على لسان الشخص تأييدا لادعائه من أقوال فيها مصلحة لخصمه
مادام لم يقصد الالتزام بها .
الإنذار الرسمي لا يعد إقرار قضائيا :
الإنذار الرسمي لا يعد إقرار قضائيا ، لأنه لم يصدر في مجلس القضاء والإقرار الذي يصدر في غير مجلس القضاء لا يكون ملزما حتما بل يخضع لتقدير قاضى الموضوع .(23)
__________________________
(1) الطعن رقم 394 لسنة 38 ق - جلسة 19/2/1984
(2) نقض 26/2/1974 سنة 25 ص 428 ، نقض 28/3/1982 طعن رقم 318 لسنة 48 ق
(3) نقض 26/2/1974 سنة 25 ص 428
(4) الطعن رقم 225 لسنة 51 ق - جلسة 26/3/1985
(5) نقض 19/1/1967 سنة 18 ص 156 ، نقض 5/5/1966 .
(6) م . عز الدين الدناصوري - المرجع السابق - المجلد الثاني - ص 1041 .
(7) نقض 30/6/1965 مجموعة المكتب الفني سنة 16 ص 849
( نقض 23/5/1935 مجموعة القواعد القانونية فى 25 سنة الجزء الأول ص 32 قاعدة رقم 51
(9) نقض 19/1/1967 سنة 18 ص 156 ، نقض 5/5/1966 سنة 17 ص 1019
(10) م . عز الدين الدناصوري - المرجع السابق - المجلد الثاني - ص 1044 .
(11) نقض 21/4/1993 الطعن رقم 629 لسنة 59 ق
(12) د . محمود سلامة - التحكيم والمحكم - دار مصر للموسوعات القانونية - ط 2009
(13) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 122 وما بعدها
(14) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 122 وما بعدها
(15) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 124 وما بعدها
(16) أصول الإثبات - مستشار أحمد مرجان - ط 2000م - دار النهضة العربية .
(17) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 127 وما بعدها
(18) الموسوعة الشاملة في البطلان ودفوعه - مرجع سابق - المجلد الأول .
(19) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 131 وما بعدها
(20) مستشار أحمد مرجان - مرجع سابق - ص 138
(21) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 147 وما بعدها
(22) الطعن رقم 34 لسنة 51 ق - جلسة 27/2/1985
(23) الطعن رقم 1694 لسنة 49 ق - جلسة 28/4/1985
نقض 26/5/1980 مجموعة المكتب الفني سنة 14 ص 43 .
الطعن رقم 645 لسنة 50 ق - جلسة 31/3/1983
د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 151 وما بعدها
نقض مدني في 4/2/1975 - مجموعة أحكم النقض لسنة 26- ص 323
نقض 19/1/1967 سنة 18 ص 156 ، نقض 5/5/1966 سنة 17 ص 1019 ، نقض 11/3/1969 سنة 20 ص 404
نقض 5/4/1977 سنة 28 ص 768
نقض 27/1/1976 سنة 27 ص 307
عرف قانون الإثبات - المادة 103- الإقرار بأنه اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعـة .
ويعرف المستشار عز الدين الدناصوري الإقرار بأنه اعتراف الشخص بحق لآخر بقصد اعتبار هذا الحق ثابتاً في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته ، والإقرار تصرف قانوني إخباري أي أنه يصدر من جانب واحد ويعتبر بمثابة عمل من أعمال التصرف لذا فإن حجيته قاصرة علي المقر به كأساس .
وتعريف الإقرار لدي محكمة النقض لا يتغير كثيراً عما سلف اللهم الإشارة الدائمة إلى حدود حجية الإقرار ، فتقرر محكمة النقض أن الإقرار هو اعتراف المقر بحق عليه لآخر في صيغة تغير ثبوت الحق المقر به على سبيل الجزم واليقين ، وتكون حجيته قاصرة على المقر ، فلا تتعداه إلا إلى ورثته بصفتهم خالفاً عاماً لـه ، ولا يحتج بها على دائنيه أو خلفه الخاص .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه أثناء السير فى الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ، بما ينبنى عليه إقالة خصمه من إقامة الدليل على تلك الواقعة .(1)
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الأصل فى الإقرار أن يكون صريحا وان الاقتضاء فيه استثناء من حكم هذا الأصل ، فلا يجوز قبول الإقرار الضمني ما
لم يقم دليل يقيني على وجود مرماه .
وفي بيان قيمة الإقرار كدليل قررت محكمة النقض : المقرر وفقا لنص المادة 104 من قانون الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الإقرار الذي يعتبر حجة قاطعة على المقر هو الإقرار القضائي الصادر منه في مجلس القضاء ، وفي ذات النزاع من المقر في نزاع أو في غير مجلس القضاء ، فهو يخضع طبقًا للقواعد العامة في الإثبات لتقدير محكمة الموضوع ، التي يكون لها بعد بحث الظروف والملابسات التي صدر فيها أن تأخذ به كدليل في الدعوى أو كقرينة أو لا تأخذ به أصلاً ، دون معقب عليهـا في ذلك متى كان تقديرها سائغًا .
شروط صحة الإقرار عموماً :
لما كان الإقرار بمثابة تصرف قانوني فإنه يشترط فيه ما يشترط في التصرفات القانونية عموماً :
1- يجب لصحة الإقرار - كدليل - وجود إرادة صحيحة قانوناُ ، فتتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار .
ولذا لا يعد ما يصدر عن الشخص - الخصم - إقراراً ما يرد علي لسان الشخص تأييداً لادعاءاته من أقوال فيها مصلحة لخصمه ما دام لم يقصد من الإدلاء بهذه الأقوال أن يتخذها خصمه دليلاً عليه ، ولذا لا يعد كذلك ما يصـدر عـن الشخص - الخصم - إقراراً إذا كانت أقواله مجرد مناقشة لفرض جدلي ، فهو لم يسلم لخصمه بما يدعي .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوى على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية ، فيجب ان يكون صادرا عن إرادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة ، فان شاب الإرادة غلط أو تدليس كان قابلا للإبطال وحق المقر الرجوع فيه .
2- ويجب لصحة الإقرار - كدليل - أن يعبر عنه ، والتعبير إما أن يكون صريحاً وهو لا يشترط لفظ معين ، وإما أن يكون ضمنياً وهو الذي يؤخذ استنتاجاً كالإقرار بعدم ملكية الشيء يستفاد ضمنـاً من استئجاره أو من استعارته .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : يشترط فى الإقرار ان يكون صدرا من الخصم عن قصد الاعتراف بالحق المدعى به لخصمه ، وفى صيغة تفيد ثبوت الحق المقر به على سبيل اليقين والجزم (2) .
3- ويجب لصحة الإقرار - كدليل - أن يكون المقر شخصاً مميزاً وأهلاً للإقرار لأن الإقرار يعتبر كما سلف من أعمال التصرف .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الأهلية التى تشترط لصحة الإقرار هي أهلية المقر للتصرف فيما اقر ، أما المقر له فلا يشترط فيه أهلية ما ، بل يجوز الإقرار للصغير غير المميز والمجنون .(3)
4- ويجب لصحة الإقرار - كدليل - أن يكون تعبير المقر تعبيراً عن إرادة جدية حقيقية لا يشوبها عيب من عيوب الرضا وهي الغلط والتدليس والإكراه ، فإذا كان المقر مازحاً انتفي قصـده وكذلك إذا كان تعبيره صورياً فلا يعول عليه .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوى على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية ، فيجب ان يكون صادرا عن إرادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة ، فان شاب الإرادة غلط أو تدليس كان قابلا للإبطال وحق المقر الرجوع فيه (4) .
الإقرار ومدي اعتباره دليلاً … ؟
الإقرار عمل إخباري بمعني أنه لا ينشئ وإنما هو إخبار بحدوث واقعة معينة في وقت مضي أو ثبوت حق معين قبل تاريخه ، ويعتبر الإقرار قرينة قانونية علي حقيقة المقر به ، وهذه القرينة غير قاطعة إذ يجوز لمن تكون له مصلحة في هدمها أن يثبت كذب الإقرار ، بل يجوز لمحكمة الموضوع ألا يأخذ بالإقرار إذا كان ظاهر الحال يكذبه ، فلو أقر شخص ببنوة آخر أكبر منه في السن لا يصح إقراره ، فالإقرار ، ومعني ما سبق أن الإقرار يثبت به حق لم يكن ثابتاً من قبل ، وإعطاء دليل الحق غير الثابت يعدل من الناحية العملية إنشاء هذا الحق .(5)
ويدعم القول بأن الإقرار دليل ، أن الإقرار طبقاً للمادة 104 من قانون الإثبات حجة قاطعه على المقر ، فيجري نص الفقرة الأولي من المادة 104 : الإقـرار
حجة قاطعة على المقر .
وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض : الإقرار القضائي هو اعتراف الخصم بالحق المدعى به لخصمه في مجلس القضاء بشرط أن يكون صادرا من الخصم بقصد الاعتراف بالحق المدعى به في صيغة تفيد ثبوته على المقر على سبيل اليقين والجزم .(6)
النوع الأول : الإقرار القضائي كدليل
سبق أن عرفنا الإقرار ، وانتهينا إلى أنه دليل ، والإقرار كدليل إما أن يكون إقراراً قضائياً أو إقراراً غير قضائي ، و الإقرار القضائي هو اعتراف شخص بواقعة قانونية مدعى بها عليه أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة ، فيسمى هذا الإقرار بالإقرار القضائي .
والتساؤل : كيف يكون الإقرار القضائي دليلاً صحيحاً … ؟
يشترط لكي يعتبر الإقرار قضائياً ، ولكي يعتبر من بعد إقراراً صحيحاً ما يلي من شروط :
الشرط الأول : أن يصدر الإقرار بالحق أمام القضاء ونعني أن يصدر الإقرار في مجلس القضاء ، أي أمام جهة قضائية - محكمة أو هيئة محكمين أو محكم ، وعلى ذلك فالإقرار الذي يصدر أمام جهة إدارية كمجالس التأديب أو محاضر الشرطة أو النيابة لا يعتبر إقراراً قضائياً .
ويراعي في إعمال وتطبيق هذا الشرط :
1- يجب أن يكون الإقرار بالحق أمام المحكمة أو الجهة أو الهيئة المختصة ينظر النزاع سواء كانت محكمة تتبع جهة القضاء العادي - مدنية أو جنائية أو محكمة تتبع جهة القضاء الإداري ، كما أنه يجوز الاعتداد بالإقرار القضائي الصادر أمام محكمة الموضوع أو المحكمة المستعجلة ، أو أمام قاضى التنفيذ أو أمام قاض التحقيق أو أمام محكمة الدرجة الثانية.
والتساؤل : هل يعد الإقرار الصادر أمام محكمة غير مختصة بالنزاع إقراراً قضائياً …؟
يري البعض أن الإقرار الذي يتم أمام محكمة غير مختصة بنظر النزاع يعد إقراراً قضائياً صحيحاً فيعتد به ، واستثنوا من ذلك الإقرار الذي يصدر أمام محكمة غير مختصة ، إذا كان الاختصاص لا يتعلق بالنظام العام ، ورتبوا على ذلك أن الإقرار الذي يصدر أما محكمة من محاكم مجلس الدولة في منازعة من اختصاص القضاء العادي ، لا يعتد به .(7)
ويري البعض أنه يشترط لكي يعتبر الإقرار قضائياً ، أن تكون المحكمة التي صدر أمامها مختصة بنظر النزاع أو أصبحت مختصة ينظرها أصبح صحيحاً ويعد إقرارا قضائياً ، حتى وإن قضت المحكمة بعدئذ بعدم اختصاصها بنظر الدعوى سواء كان عدم اختصاصها نوعياً أو قيمياً أو محلياً . أو ألغى حكمها الصادر باختصاصها بعدئذ . فإذا قضت محكمة باختصاصها بنظر دعوى صدر فيها من أحد الخصوم إقرار قضائي ثم طعن في هذا الحكم في الموضوع والاختصاص والغي من محكمة الطعن وأحيلت الدعوى لمحكمة الدرجة الأولى فإن إلغاء الحكم السابق لا يؤثر في صحة الإقرار القضائي .(
2- وإذا صدر إقرار قضائي أمام محكمة الدرجة الأولى ، فإن هذا الإقرار يلزم محكمة الدرجة الثانية ، فلا تملك عند استئناف الحكم اتخاذ إجراء يخالف ما سبق الإقرار به أمام محكمة الدرجة الأولى .(9)
3- لا يعتبر الإقرار قضائياً إذا كان صادراً في دعوى أخرى ، ولو كان بين ذات الخصوم ، فالإقرار القضائي الصادر في الدعوى المستعجلة لا يعتبر إقراراً قضائياً بصدد الدعوى الموضوعية المتعلقة بأصل الحق ولو كانت بين ذات الخصوم ، لأن دعوى أصل الحق تختلف سبباً وموضوعاً عن الدعوى المستعجلة .
4- يجب إثبات الإقرار في محضر الجلسة ، إذا كان المقر أصدره شفاهه ، حتى يكون حجة عليه وسهل إثباته ، و حتى يتسنى للمحكمة الاستناد إليه في قضائها ، كما يمكن محكمة الاستئناف من أعمال رقابتها عليه سواء من ناحية صدوره ممن أقر به أو صحته أو تفسيره أو تأويله ، وكذلك لكي تستطيع محكمة النقض أن تعمل رقابتها على محكمة الموضوع من ناحية تطبيق القانون وتأويله وتفسيره ، وتكييف الواقعة والإقرار ، وبيان ما إذا كان يعد قضائياً أم لا .(10)
الشرط الثاني : يشترط أن يصدر الإقرار حتى يكون إقراراً قضائياً أن يصدر أثناء سير الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة والتي يكون الإقرار فيها دليل إثبات . فيصح أن يكون الإقرار في صحيفة الدعوى ذاتها أو المذكرات التي قدمت بعد ذلك ، أو أثناء استجواب المحكمة للشخص ، ويجوز أن يصدر الإقرار في جلسات المرافعة أو عند إبداء الطلبات الختامية ، وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى ، أما الإقرار في خطاب فلا يصلح أن يعتبر إقراراً قضائياً ولو كان أثناء سير الدعوى .
ويراعي في إعمال وتطبيق هذا الشرط :
1- يصح الإقرار ويكون قضائياً في أية مرحلة تكون عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع أي سواء أكان الإقرار أمام محكمة أول درجة أو أمام محكمة - الاستئناف .
2- لا يصح الإقرار أمام محكمة النقض ، فالإقرار الذي يصدر أمام محكمة النقض لا يعتبر إقرارا قضائي لأن محكمة النقض لا تعتبر درجة من درجات التقاضي ، فليس لها أن تقبل أدلة جديدة .(11)
3- لا يشترط لصحة الإقرار القضائي أن يصدر في مواجهة الخصم الآخر ، أو إعلانه به أو قبوله له ، وذلك لأنه الإقرار هو إسقاط وتصرف قانوني يصدر من جانب واحد ، فإذا كان المقر صاحب صفة قانونية مثل إقرار المحامى أو الممثل القانوني للشخص الاعتباري ، فإن الإقرار القضائي الصادر منه يكون صحيحا ، طالما صدر منه أثناء تمتعه بهذه الصفة ولو زالت عنه بعد ذلك ، فالعبرة في كون الإقرار قضائياً هي بوقت صدوره ، متى كان قد صدر من شخص صاحب حقه في وقت صدوره ، ويعتبر الإقرار قضائياً متى توافرت فيه هذه الشروط سواء صدر من المقر من تلقاء نفسه ، أو بناء على استجواب للخصوم من جانب المحكمة .(12)
وعن لحظة تحول الإقرار القضائي إلى دليل :
إذا توافرت الشروط القانونية في الإقرار القضائي أصبح طبقاً للمادة 104 من قانون الإثبات حجة قاطعة على المقر ، بما يعني إعفاء الخصم الذي صدر لصالحة الإقرار من إقامة الدليل على الحق المتنازع عليه ، ولا يجوز للمقر الرجوع في إقراره أو إقامة الدليل على عكس ما أقربه . كما أن الإقرار يلزم القاضي ، ويتعين عليه الأخذ به ، والحكم من تلقاء نفسه بقبول دعوى المدعى على أساس الإقرار ، ولو كان القاضي مقتنعاً بأن المقرر يقول غير الواقع .
والتساؤل هل يجوز لمن صدر عنه الإقرار القضائي الطعن عليه …؟
يشترط لصحة الإقرار - كدليل - وجود إرادة صحيحة قانوناُ ، فتتجه إرادة المقر نحو اعتبار الحق المقر به ثابتاً في ذمته وتمكين خصمه من التمسك بهذا الإقرار ، ومن ثم يجوز للمقر - بعد تمام الإقرار - أن يطعن في إقراره بالبطلان إذا شاب إقراره عيب من عيوب الإرادة ، بأن يشوب إرادته غلط أو إكراه أو تدليس .(13)
الإقرار القضائي كتصرف قانوني ، إما أن يكون صحيح قانوناً ، وإما أن يكون باطلاً ، لكنه إذا كان باطلاً فإن ثمة نوعين من البطلان ، النوع الأول هو البطلان المطلق ، والنوع الثاني هو البطلان النسبي .
لذا فإنه يجب علي المقر قبل التمسك ببطلان إقراره القضائي ، أو قبل رفع دعوى بطلان الإقرار القضائي أو عدم رفعها إدراك حقيقة تلك التفرقة ، تلك التفرقة ترتب أثاراً قانونية هامة جداً :-
والآن نوضح - وببساطة - كيف ومتي يكون الإقرار كتصرف قانوني صحيحاً ، ومتي يكون باطلاً - كيف ومتي يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً - وكيف ومتي يكون العقد باطلاً بطلاناً نسبياً .
متي وكيف يكون الإقرار القضائي صحيحاً …؟
يكون الإقرار صحيحاً - وبالتالي لا محل للتمسك ببطلانه ، سواء بدفع أو بدعوى إذا توافرت لهذا الإقرار القضائي جميع أركانه القانونية وهي :
أولا : ركن الرضاء
ثانياً : ركن المحل .
ثالثاً : ركن السبب .
متي وكيف يكون العقد باطل بطلاناً مطلقاً …؟
يكون الإقرار القضائي باطل بطلاناً مطلقاً - وبالتالي يجوز الدفع به أو رفع دعوى البطلان إذا حصل إخلال بأي ركن من أركـان العقد المشار إليها بالتساؤل السابق ، وعليه يكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً :
* انعدام ركن الرضا .
* انعدام محل العقد أو عدم تعينه أو عدم قابليته للتعامل فيه .
* عدم مشروعية سبب الالتزام في العقد .
متي وكيف يكون الإقرار القضائي باطل بطلاناً نسبياً …؟
يكون الإقرار القضائي باطلاً بطلاناً نسبياً - وبالتالي يجوز رفع دعوى البطلان - في حالات الإخلال بشرط من شروط الصحة التي يتطلبها القانون في أركان العقد ، وقد أوضحنا سابقاً أن للعقد أربع أركان أساسية هي " ركن الرضاء - ركن المحل - ركن السبب - ركن الشكل إذا كان العقد من العقود الشكلية " ونضيف أن لكل ركن من هذه الأركان الأربع السابقة شروط صحة إذا تخلف أي شرط من هذه الشروط كان العقد باطلاً بطلاناً نسبياً ، ومن أمثلة هذه الشروط التي ترتب البطلان النسبي نقص أهليه أحد طرفي العقد ، فالقانون يعتبر الرضا ركن من أركان العقد لكنه يشترط لصحة هذا الرضاء أن يكون صاحبه بالغاً رشيداً غير ناقص الأهلية ، ولذات العلة يعد العقد باطلاً بطلاناً نسبياً إذا شاب إرادة أحد المتعاقدين عيب من عيوب الرضا كالغلط والتدليس والاستغلال والإكراه .
التساؤل : هل يجوز العدول عن الإقرار القضائي …؟
متى صدر الإقرار من الشخص في مجلس القضاء لزمه ، فلا يجوز له أن يعدل
عنه أو يرجع فيه لو كان المقر له لم يقبل هذا الإقرار ، فلا يصح له أن يدعى
أنه كان فادياً في إقراره أو أنه أقر على سبيل الهزل . وإن كان ذلك لا يمنعه من أن يتمسك بالبطلان ، ويقع عليه إثبات ذلك ، فله أن يطلب أبطال الإقرار كما لو أثبت أنه وقع في إقراره في غلط أو إكراه أو غش أو تدليس شاب رضاه أو إنه كان سكراناً أثناء الإدلاء بإقراره ، ويقع عليه وجده عبء إثبات سبب البطلان ، الذي يحيز له التخلص من إقراره .(14)
أما ورثه المقر فإن الإقرار الصادر من مورثهم يكون حجة عليهم ولا يجوز العدول عنه أو المنازعة فيه ، إذا كان قد صدر حكم في الدعوى التي صدر فيها الإقرار . أما إذا كان المقر قد توفى قبل صدور حكم في الدعوى التي صدر فيه الإقرار ، فإن للورثة حق المنازعة في هذا الإقرار صدر عن غش أو إكراه ، أو كذب عمداً للاحتيال على القانون أو الإضرار بهم ، لأن الغش يفسد كل شيء ، كما أن الغش واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات . وفيما عداد ذلك تبقى للإقرار حجيته على الورثة كما على المقر نفسه ، أما الخلف الخاص فإن الإقرار الصادر من سلفه يلزمه ويكون حجة عليه إذا كان صادر من المقر قبل انتقال الحق إليه . لأن الخلافة الخاصة يقتصـر أثرها على التصرفات السابقة على انتقال الحق إلى الخلف .
أما إذا كان الإقرار صادر بعد انتقال الحق إلى المشتري ، فيجوز له إثبات عدم صحته بكافة طرق الإثبات ، وذلك إما بالتدخل في الدعوى التي هو صدر فيها الإقرار إذا لم يكن قد فصل فيها أو برفع دعوى ، بصورية أو عدم نفاذه ، إذا توافرت شروط أي منهما .
هل يجوز تجزئه الإقرار القضائي …؟
القاعدة التي قررتها المادة 104 من قانون الإثبات هي أن الإقرار القضائي لا
يتجزأ على صاحبة إلا إذا انصب على وقائع متعددة فكان وجود واقعة منها ، لا
يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى .
وطبقاً للقاعدة المشار إليها بالمادة 104 فقرة 2 من قانون الإثبات فإن الإقرار القضائي من حيث قابليته للتجزئة ينقسم إلى ثلاثة أنواع :-
النوع الأول : الإقرار القضائي البسيط .
النوع الثاني : الإقرار القضائي الموصوف .
النوع الثالث : الإقرار القضائي المركب .
ويمكنا القول بأن الإقرار البسيط هو إقرار المدعي عليه بما يدعيها الخصم والاعتراف به دون تعديل أو إضافة ، مثال ذلك اعتراف المدين - المدعي عليه - بالدين الذي يطالب به دائنه وفوائده فأخذ بالإقرار بحالته .(15)
ويمكنا القول بأن الإقرار الموصوف أو الإقرار الموضوعي هو الإقرار بالواقعة
المدعي بها فلكنه بإضافة من شأنها أن تغير من أثرها القانوني ، مثال : أن يدعي الدائن بدين باتا حالا ، فأقر المدين -المدعي عليه - بأن الدين مضافا إلى أجل أو معلق على شرطا ، أو أن المدعي عليه يتسلم المنقول ولكن على أساس الهبة ، وليس على أساس البيع كما يزعم المدعي ، فلا يمكن تجزئة الإقرار في هذه الحالة فهو إما أن يأخذ بالإقرار كله أو يرفضه كله ن وفي هذه الحالة يكون للمدعي أن يثبت أن الدين باتا ، حالا بكافة طرق الإثبات ، وللمدعي عليه ان يثبت أن الدين مضافا إلى أجل أو معلق على شرط .
ويمكنا القول بأن الإقرار المركب هو الإقرار بالواقعة المدعاة مع إضافة واقعة أخرى منشآت بعدها من شأنها أن تمس آثار الواقعة الأولى مثال ذلك : أن يقر المدعي بالدين ، ولكنه يضيف أنه انقضى بالوفاء أو الإيراد أو المقاصة أو اتحاد الذمة ، والقاعدة أن الإقرار المركب لا يتجزأ إلا إذا كان وجود الواقعة اللاحقة لا يستلزم حتما وجود الواقعة الأخرى .
ونخلص مما تقدم :
1- لا تجوز التجزئة في الإقرار بالدين المضاف إليه الوفاء أو الإيراد لأن واقعة الإيراد أو الوفاء لا يتصور وجودها دون الواقعة الأخرى .
2- تجوز التجزئة في الإقرار في حالة الإقرار بالدين مع المقاصة ، فالإقرار هنا يمكن تجزئته لأن المقاصة تقتضي وجود دين آخر في ذمة الدائن للمدين ، وهذا الدين مستقل في وجود ، من الدين الأول ، فيكون للدائن ان يحتج عليه بإقراره
بالمديونية ، يرفض الاعتراف بالمقاصة ، فيجب على المدين ان يقيم الدليل عليها .
ويتجزأ الاعتراف إذا كان منصبا على جملة تعهدات ، فاعتراف ببعضها ، أنكر البعض الآخر .
3- سواء كان الإقرار موصفا أو مركبا ، فإن للمدعي أن يثبت الواقعة المضافة غير صحيحة ، فليس هناك ما يمنع قانونا من أن يستبقي الدائن من الإقرار ما هو في صالحه ، ويدحض بدليل آخر ، يقدمه هو ما ليس في صالحه ، كما أن إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إنما يكون بنفس الطرق التي كان يمكن بها إثبات الواقعة الأصلية ، فإذا كانت الواقعة المعترف بها تصرفا قانونيا بما يوجب القانون إثباته بالكتابة ، فلا يجوز إثبات عدم صحة الواقعة المضافة إلا بالكتابة .
4- لا يجوز للمقر بتمسك بقاعدة عدم تجزئة الإقرار ، إلا إذا كان المدعي قد استند إلى الإقرار باعتباره هو الدليل الوحيد في الدعوى ، أما إذا كانت الواقعة المدعاة ثابتة بدليل آخر ، وكان هذا الدليل كاملا فلا حاجة إلى المدعي للتمسك بالإقرار .
النوع الثاني : الإقرار غير القضائي كدليل
يمكننا تعريف الإقرار غير القضائي بأنه كل إقرار لم يستوفي الشروط القانونية للإقرار القضائي ، كان يتخلف شرط صدوره في مجمل القضـاء أو في ذات الدعوى المتعلقة بالواقعة المتنازع عليها .(16)
وتعريف الإقرار الغير قضائي علي النحو السابق لا يعني مغايرته كلياً للإقرار القضائي ، فالإقرار القضائي والإقرار الغير قضائي يشتركان في لمحات وصفات مشتركة ، فكلاهما عمل قانوني اختياري من جانب واحد وكلاهما عمل من أعمال التصرف ، وكلاهما ذي حجة قاصرة ، ويبقي الفارق المميز بينهما في اختلاف مكان صدور الإقرار ، فالإقرار القضائي لا يصدر إلا قي مجلس القضاء . أما
الإقرار غير القضائي فيصدر دون التقييد بهذا القيد المكاني .
أمثلة للإقرار غير القضائي :
1- الإقرار الذي يصدر عن صاحبه - المقر - في رسالة أو خطاب موجه منه إلى الغير ولو لم يكن الخصم .
2- الإقرار الذي يصدر ويثبت في تحقيق تجربة النيابة العامة أو النيابة الإدارية أو لجنة تحقيق إدارية .
3- الإقرار الذي يصدر من المقر ويثبت في محضر جميع استدلالات أو في تحقيق إداري .(17)
مدي اعتبار الإقرار غير القضائي دليلاً …؟
يسبق الحديث عن مدي اعتبار الإقرار غير القضائي دليلاً ، الحديث عن إثبات
حصول الإقرار القضائي ، والثابت أن الإقرار غير القضائي يخضع في إثبات وقوعه للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية ، فلا يجوز إثباته بغير الكتابة ، أية كانت الواقعة محل الإقرار لا تثبت إلا بالكتابة .
بعد الحديث عن إثبات الإقرار الغير قضائي يثور التساؤل عن قيمة هذا الإقرار كدليل …؟
أجابت محكمة النقض : الإقرار غير القضائي يخضع بهذه المثابة - أي باعتباره إقرار غير قضائي - لتقدير القاضي الذي له مطلق الحرية في تقدير قوته في الإثبات ، فيجوز له أن يعتبر دليـلاً كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابـة أو مجرد قرينة .(18)
كما قررت محكمة النقض في سبيل بيان قيمة الإقرار الغير قضائي : الإقرار المقصود في المادة 104 من قانون الإثبات باعتباره حجة قاطعة على المقر ، هو الإقرار الصادر أمام القضاء ، أما الإقرار في غير مجلس القضاء فيخضع في تقدير قوته في الإثبات لمحكمة الموضوع بغير معقب عليها في ذلك . متى كان تقديرها سائغاً . (19)
وقررت محكمة النقض : الإقرار غير القضائي وان كان لا يعتبر حجة قاطعة على المقر فانه يكون خاضعا لتقدير محكمة الموضوع ولهذه المحكمة تقدير الظروف التي صدر فيها وملابسات الدعوى وأن تعتبره دليلا مكتوبا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة ، كما أن لها ألا تأخذ به أصلا ولا معقب على تقديرها في ذلك متى بنى على أسباب سائغة . (20)
مشكلة تفسير الإقرارات عموماً وتفسير الإقرار غير القضائي وحدود محكمة الموضوع قررت محكمة النقض : إذا كان تفسير الإقرارات أمر تستقل به محكمة الموضوع ، طالما أنها لم تخرج في تفسيرها لها عن المعنى الظاهر لعبراتها ، فلا يجوز لها تحت ستار التفسير الانحراف عن مؤداها الواضح إلى معنى آخر ، ولئن كان المقصود بالوضوح هو وضوح الإرادة لا اللفظ ، إلا أن المفروض في الأصل أن اللفظ يعبر بصدق عما تقصده الإرادة ، وعلى القاضي إذا أراد حمل العبارة على معنى آخر مغاير لظاهرها ، أن يبين في حكمه الأسباب المعقولة التي تبرر هذا الملك .
وعلي نقيض موقف محكمة النقض من قيمة الإقرار غير القضائي ، فإن البعض من الفقه يقرر أن الإقرار غير القضائي نفس آثار الإقرار القضائي ، ويري البعض أن الإقرار غير القضائي يخضع للقواعد العامة فهو حجة على المقر ، ما لم يثبت عدم صحته ، وهو قابل للتجزئة ، وهو كذلك قابل للرجوع فيه في الحدود والتي تسمح به القواعد العامة أي لغير غلط في القانون ، وأضافوا بأن الإقـرار غير القضائي ليس له حجية ، قانونية ملزمة للقاضي ، فله سلطــة واسعة في تقديره ، وهذا الرأي هو ما اعتنقته محكمة النقض ، فذهبت محكمة النقض كما أشرنا سلفاً إلى إن الإقرار غير القضائي يخضع لتقدير القاضي الذي يجوز له تجزئته ، وله حسب الظروف أن يعتبروا دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلاً .(21)
ورغم الخلاف السابق فإن الفقه يجمع على أن القاضي إذا اطمأن إلى أن الإقرار غير القضائي كان مقصودًا من المقر ، بهدف حسم النزاع ، فيجب على القاضي
أن يرتب كل آثار الإقرار القضائي .
الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه فى مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوي على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية .
قضت محكمة النقض : الإقرار - قضائيا كان أو غير قضائي - يتضمن نزول المقر عن حقه في مطالبة خصمه بإثبات ما يدعيه وهو بهذه المثابة ينطوى على تصرف قانوني من جانب واحد فيشترط لصحته ما يشترط سائر التصرفات القانونية ، فيجب أن يكون صادراً عن إرادة غير مشوبة بأي عيب من عيوب الإرادة ، فان شاب الإرادة غلط أو تدليس كان قابلاً للإبطال وحق المقر الرجوع فيه .(22)
الأصل في الإقرار بوجه عام انه اعتراف شخص بواقعة من شانها ان تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات و ينحسم النزاع فى شانها.
قررت محكمة النقض : ........ أنه وان كان الأصل فى الإقرار بوجه عام انه اعتراف شخص بواقعة من شانها ان تنتج ضده آثارا قانونية بحيث تصبح فى غير حاجة إلى الإثبات و ينحسم النزاع فى شانها وان الإقرار القضائي قد يرد فى صحيفة الدعوى التى يرفعها المقر ، إلا انه يشترط فيه ما يشترط فى الأعمال القانونية من وجود الإرادة ، بمعنى انه يجب ان يدرك المقر مرمى إقراره ، وان يقصد به إلزام نفسه بمقتضاه ، وان يكون مبصرا انه سيتخذ حجه عليه ، وان خصمه سيعفى بموجبه من تقديم أي دليل فلا يعد من قبيل الإقرار الملزم ما يرد على لسان الشخص تأييدا لادعائه من أقوال فيها مصلحة لخصمه
مادام لم يقصد الالتزام بها .
الإنذار الرسمي لا يعد إقرار قضائيا :
الإنذار الرسمي لا يعد إقرار قضائيا ، لأنه لم يصدر في مجلس القضاء والإقرار الذي يصدر في غير مجلس القضاء لا يكون ملزما حتما بل يخضع لتقدير قاضى الموضوع .(23)
__________________________
(1) الطعن رقم 394 لسنة 38 ق - جلسة 19/2/1984
(2) نقض 26/2/1974 سنة 25 ص 428 ، نقض 28/3/1982 طعن رقم 318 لسنة 48 ق
(3) نقض 26/2/1974 سنة 25 ص 428
(4) الطعن رقم 225 لسنة 51 ق - جلسة 26/3/1985
(5) نقض 19/1/1967 سنة 18 ص 156 ، نقض 5/5/1966 .
(6) م . عز الدين الدناصوري - المرجع السابق - المجلد الثاني - ص 1041 .
(7) نقض 30/6/1965 مجموعة المكتب الفني سنة 16 ص 849
( نقض 23/5/1935 مجموعة القواعد القانونية فى 25 سنة الجزء الأول ص 32 قاعدة رقم 51
(9) نقض 19/1/1967 سنة 18 ص 156 ، نقض 5/5/1966 سنة 17 ص 1019
(10) م . عز الدين الدناصوري - المرجع السابق - المجلد الثاني - ص 1044 .
(11) نقض 21/4/1993 الطعن رقم 629 لسنة 59 ق
(12) د . محمود سلامة - التحكيم والمحكم - دار مصر للموسوعات القانونية - ط 2009
(13) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 122 وما بعدها
(14) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 122 وما بعدها
(15) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 124 وما بعدها
(16) أصول الإثبات - مستشار أحمد مرجان - ط 2000م - دار النهضة العربية .
(17) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 127 وما بعدها
(18) الموسوعة الشاملة في البطلان ودفوعه - مرجع سابق - المجلد الأول .
(19) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 131 وما بعدها
(20) مستشار أحمد مرجان - مرجع سابق - ص 138
(21) د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 147 وما بعدها
(22) الطعن رقم 34 لسنة 51 ق - جلسة 27/2/1985
(23) الطعن رقم 1694 لسنة 49 ق - جلسة 28/4/1985
نقض 26/5/1980 مجموعة المكتب الفني سنة 14 ص 43 .
الطعن رقم 645 لسنة 50 ق - جلسة 31/3/1983
د. إسلام شريف - المرجع السابق - ص 151 وما بعدها
نقض مدني في 4/2/1975 - مجموعة أحكم النقض لسنة 26- ص 323
نقض 19/1/1967 سنة 18 ص 156 ، نقض 5/5/1966 سنة 17 ص 1019 ، نقض 11/3/1969 سنة 20 ص 404
نقض 5/4/1977 سنة 28 ص 768
نقض 27/1/1976 سنة 27 ص 307