الدليل الثالث : في إثبات ونفي التعاقد موضوع دعوى الصحة  والنفاذ ( شهادة الشهود )
 
شهادة الشهود هي الدليل الثالث في سلسلة الأدلة المقبولة في إثبات ونفي التعاقد موضوع دعوى الصحة والنفاذ ؛  وللشهادة لغة عدة معان يمكننا القول بأنها رغم تعددها متجانسة قريبة الدلالة :-
 
يقصد بالشهادة الخبر القاطع المسلم به .
ويقصد بالشهادة الحلف فيقال أشهد بكذا أي أحلف .(1)
ويقصد بالشهادة أيضاً إخبـار بصحة عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان
ويقصد بالشهادة في الاصطلاح القضائي هي الإخبار بلفظ الشهادة ، يعنى قول الشاهد اشهد بإثبات حق أحد الناس الذي هو في ذمة الآخر  
وفي تعريف الشهود قيل إن الشهود هم الأشخاص الذين يؤيدون صحة الحادث او العمل القانوني المدعى بهما اعتبار أنهم على علم بوقوعهما . أو هم بتعبير آخر الأشخاص الذين يؤيدون مزاعم المدعى او المدعى عليه ، والشهادة  بطبيعتها إجراءات متفرعة عن خصومة أصلية يراد بها تكوين دليل على تلك الخصومة او ضدها ، ولذلك فان الأصل ألا يلجأ إليها ، إلا أثناء قيام نزاع أصلى أمام القضاء ، ومع ذلك فقد يجوز على وجه الاستثناء - الاستشهاد بشاهد على موضوع لم يعرض بعد أمام القضاء ويحتمل عرضه عليه ، وجعل الاختصاص بمثل هذه الدعوى لقاضى الأمور المستعجلة ، وهو ما يمكن أن يسمى بدعوى الإثبات بشهادة الشهود بصفة أصلية  .(2)
أنواع شهادة الشهود ؛
 
تتعدد مصادر علم الشاهد بالوقائع التي تكون محلاً وموضوعاً للشهادة ، أيا كانت هذه الوقائع ، بتعدد الحواس البشرية التي يدرك من خلالها الشاهد ما يشهد عليه ، ويمكننا القول بوجود ست أنواع من الشهادة نستعرضها إيجازاً علي النحو التالي :
 
النوع الأول : الشهادة المباشرة
 
تكون الشهادة مباشرة متي أدرك الشاهد الوقائع التي يشهد بها بحاسة البصر والسمع معاً ، أو بأحد هذه الحواس ، وذلك بشكل مباشر ، أي يري أو يسمع بشكل مباشر وليس نقلاً عن الغير ، فيقول الشاهد ما وقع تحت بصره وسمعه ، فالشاهد يشهد على وقائع أدركها وعرفها بنفسه معرفة شخصية ، ولهذا سمى شاهداً ، فمرد الإدراك في هذا النوع من الشهادة أن  الشاهد رأي بعينه ، كما إذا رأى حادثا ، أو سمعها بأذنه ، كما إذا سمع تعاقدا ، فجاء إلي القضاء ليشهد بما رأى وسمع ، أو رأي أو سمع فقط .(3)
 
والشهادة المباشرة علي النحو السابق أقوي أنواع الشهادة ، كما سيتضح ، فالشاهد كان علي اتصال مباشر بالواقعة موضوع ومحل الشهادة .
 
النوع الثاني  : الشهادة  الغير مباشرة - الشهادة السماعية
 
النوع الثاني من الشهادة . الشهادة غير المباشرة ، أو الشهادة السماعية او الشهادة على الشهادة ، والشهادة الغير مباشرة أو السماعية تختلف عن الشهادة المباشرة في أن الشاهد يشهد بما سمع رواية عن غيره ، أي نقلاً عن هذا الغير ، ومن ثم سميت شهادة سماعية ، فالشهادة السماعية إذن هي شهادة على الشهادة ، فموضوع الشهادة ليست الواقعة نفسها موضوع ومحل الشهادة ، بل ما وصل الشاهد عنها ، والشهادة الشهادة السماعية يأبى الأصل والقياس قبولها كدليل ، إذ من شروط الشهادة كدليل أن يكون الشاهد قد رأى أو سمع وبشكل مباشر الواقعة موضوع أو محل الشهادة ، فمن عيوب هذه الشهادة السماعية أن الأقوال عادة تتعرض للتبديل والتغيير بصورة مطردة عند نقلها من شخص إلي آخر  .(4)
النوع الثالث  : الشهادة  بالتسامع
 
النوع الثالث من أنواع الشهادة . الشهادة بالتسامع ، وهي شهادة بما تتسامعه الناس وتتدواله الألسن دون أن تنسب إلي أصل او مصدر معين ، ولا تنصب هذه الشهادة على الواقعة المراد إثباتها بالذات بل على الرأي الشائع فى جماهير الناس عن هذه الواقعة ، ويعد ذلك استثناء لمبدأ شخصية الشهادة ، والفرق بينها وبين الشهادة السماعية ان الثانية - السماعية - تنصب على ذات الواقعة وإنها تنسب إلي شخص معين بالذات ، وبالتالي يمكن التحري عنها ، او عن مدى صدقها ، أما الأولى - التسامع- فهي ، على العكس ، لا تنصب على الواقعة ، ولا تنسب إلي شخص معين ، وبالتالي لا يمكن التحري عنها او عن مدى صدقها .
وبسبب ما سبق فإن الشهادة بالتسامع كأصل غير مقبولة إلا فيما نص عليه فى القانون ، كما فى المسائل التجارية ، وفى كل الأحوال التي يقبل فيها الإثبات بالبينة والقرائن فتقبل الشهادة بالتسامع على سبيل الاستئناس وباعتبار أنها مجرد قرينة بسيطة .
 
النوع الرابع : الشهادة بالشهرة العامة
 
النوع الرابع من أنواع الشهادة . الشهادة بالشهرة العامة ، وهي ليست شهادة بالمعنى الصحيح ، بل هي ورقة مكتوبة ، تحرر أمام جهة رسمية ، تدون فيها وقائع معينة ، تشهد بها شهود يعرفون هذه الوقائع عن طريق الشهرة العامة كشهادة الوفاة والوراثة ، ومحضر حصر التركة ، وتقرير غيبة المفقود ، وشهادة الميلاد وشهادة الوفاة ، وشهادة الزواج والطلاق ، ولهذا النوع من شهادة قوة فى الإثبات يحددها القانون فى كل حال على حده .
 
النوع الخامس : الشهادة الصكية
 
النوع الخامس من أنواع الشهادة . الشهادة الصكية هي التي تشترطها بعض القوانين الخاصة لبعض العقود والالتزامات او لبعض الأوراق والصكوك القضائية ، لزيادة التأكد والتوثق من صحة الصك وسلامة التوقيع لما يترتب على هذه الأوراق عادة من آثار قانونية كانتقال ملكية ، او ترتب حق عيني عقاري ، او فرض او رهن ، أو توكيل رسمي او براءة ذمة ، الخ كما أن عدم حضور هؤلاء الشهود قد يجعل العمل او التصرف القانوني غير تام ، وكم كسبت حقوق وضاعت حقوق كبيرة بسبب هذه الشهادة ، ومما يزيد الطين بلة ان هناك فريقا من " الشهود المحترفين" الذين يضعون توقيعاتهم على أي ورقة هينة او خطيرة بمجرد دفع " المعلوم" ولو كان ذلك زورا وبهتانا مع علمهم التام بخطورة عملهم  .(5)
 
النوع السادس: شهادة التعرف
النوع السادس من أنواع الشهادة . شهادة التعرف ومضمونها أن يقرر الشاهد ما إذا كان الشخص المعروض عليه هو الذي عناه في شهادته أم لا ؟ هل ان هذا الشخص موجود أمامه بين زمرة الأشخاص المعروضين عليه أم لا ؟ وتجرى هذه الشهادة عادة فى المواد الجنائية ، وذلك انه فى القوانين الجنائية القاعدة أن الإثبات في الأصل يكون بالبينة لأنه ينصب على وقائع مادية خلاف بعض أحوال محدودة يحتم القانون فيها الرجوع إلي القواعد المدنية كما فى جريمة خيانة الأمانة  .
 
هل تعد شهادة الشهود دليلاً …؟
وإذا كانت دليلاً فهل تعد كل الأنواع السابقة من الشهادة متساوية القيمة في الإثبات  ..؟
 
- ننتهي من الاستعراض السابق إلى أن شهادة الشهود كأصل عام دليل .
 
- كما ننتهي من الاستعراض السابق أن المقصود بالشهادة كدليل هي الشهادة المباشرة فهي تكفي كدليل في تكوين عقيدة المحكمة وتكفي لحمل قضاء وحكم ، أما ما عدا ذلك من أنواع الشهادة فلا تقبل إلا كقرائن بسيطـة وليست أدلـة كاملة  
 
كما ننتهي أخيراً إلى أن الإثبات بشهادة الشهود - ونعني شهادة الشهود كدليل - يأتي في مرتبة أدنى من الإثبات بالكتابة ، ونعني الدليل الكتابي سواء الرسمي أو العرفي ، ويرجع ذلك إلى أن الإثبات بالكتابة له حجية مطلقة إلى أن يثبت العكس ، ولا يخضع الدليل الكتابي لتقدير القاضي ، مثل الشهادة ، هذا فضلاً عن أن الإثبات بالكتابة يصح في جميع التصرفات سواء كانت تصرفات قانونية أو وقائع مادية . بينما نجد أن الإثبات بشهادة الشهود ذو حجية نسبية تخضع لتقدير القاضي ، ولا يجوز الإثبات فيما جاوز قيمته خمسمائة جنية إلا بالكتابة ـ إلا في حالات استثنائية على نحو ما سيلي تفصيلاً ، ويرجع التقليل من شأن أهمية الإثبات بشهادة الشهود كطريق من طرق الإثبات ، إلى أن الشهادة تتعرض لمخاطر التأثير على ذمـة الشاهد أو  نسيان الواقعة أو جزء منها ، أو عدم الدقة في الأدلة بشهادتـه ، رغم توافر حسن النية لدية .
 
وفي اعتبار طلب سماع الشهود من وسائل الدفاع  قضت محكمة النقض : طلب سماع الشهود - كدليل - جائز تقديمه في أية حالة تكون عليها الدعي باعتباره من وسائل الدفاع التي يجوز إبداؤها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف إلا أنه متى كانت محكمة أول درجة ، قد أمرت بإجرائه وأحضر الخصم المكلف بالإثبات شهوده ، وتقاعس خصمه عن إحضار شهود للنفي ، فإنه لا على محكمة الاستئناف إذا لم تستجيب إلى طلبه إحالة الدعـوى إلى التحقيق من جديد طالما أن محكمة أول درجة قد مكنته من نفي الوقائع المراد إثباتها بالبينة  .(6)
 
التصرفات التي لا يجوز إثباتها  بشهادة الشهود - كدليل ؛
تنص المادة 60 من قانون الإثبات : في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على ألف جنيه أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه مـا لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك 
ويقدر الالتزام باعتبار قيمته وقت صدور التصرف ، ويجوز الإثبات بشهادة الشهود إذا كانت زيادة الالتزام على ألف جنية لم تأت إلا من ضم الفوائد والملحقات إلى الأصل .
وإذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة جاز الإثبات بشهادة الشهود في كل طلب لا تزيد قيمته على ألف جنيه ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات من طبيعة واحدة .
وتكون العبرة في الوفاء إذا كان جزئيا بقيمة الالتزام الأصلي .
 
وتنص المادة 61 من قانون الإثبات : لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على ألف جنيه .
أ- فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي .
ب - إذا كان المطلوب هــو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة .
ج - إذا طالب أحد الخصوص في الدعوى بما تزيد قيمته على ألف جنيه ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة .
طبقاً لصريح نص المادتين 60 ، 61 من قانون الإثبات فإنه لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود - أي لا يجوز قبول شهادة الشهود كدليل - في ثلاث حالات عددتها النصوص المشار إليها :
الحالة الأولي
لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود في  التصرفات المدنية التي تزيد قيمتها على ألف  جنية
 
الأساس القانوني وتبرير الحالة : تنص المادة 60 فقرة 1 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية : في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على ألف جنية أو كان غير محدد القيمة ، فلا يجوز شهادة الشهود في إثبات وجودة أو انقضائه ، ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضي بغير ذلك .
 
وفي تبرير ذلك قيل أن التصرفات القانونية المدنية التي تزيد قيمتها على ألف جنية ، لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود ، سواء أكانت تصرفات تتم بتلاقي إرادتين مثل العقود ، أو كانت تصرفات تتم بإرادة منفردة كالإجازة والإقرار والإبراء .
 
ويراعي في ذلك :
1- أن هذا الحظر خاص بالإثبات في المواد المدنية فقط دون المواد التجارية.
2- أن هذا الاستثناء خاص بالتصرفات القانونية ، أما الأعمال المادية فيجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات وهو ما يتفق مع طبيعتها الخاصة .
3- يجوز الاتفاق مسبقاً علي مخالفة هذا الحظر ، فيكون اتفاق الأطراف هو قانونهم النافذ فيما يخص نصاب التصرفات التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود .
4- قل يقل نصاب التصرف عن 1000 جنية ورغم ذلك يجب أن يثبت بالكتابة أي بدليل كتابي ، فالمادة 552 من القانون المدني من أن الصلح لا يثبت إلا بالكتابة أو بمحضر رسمي ، والمادة 773 مدني من أن الكفالة لا تثبت إلا بالكتابة ، ولو كان من الجائز إثبات الالتزام الأصلي بالبينة أي بشهادة الشهود .
 
الحالة الثانية
لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود في  التصرفات غير محدد القيمة .
 
الأساس القانوني وتبرير الحالة : تنص المادة 60 فقرة 1 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية : في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على ألف جنية أو كان غير محدد القيمة ، فلا يجوز شهادة الشهود في إثبات وجودة أو انقضائه ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك .
 
فالتصرفات القانونية المدنية غير محددة القيمة لا يجوز إثباتها بشهادة الشهود في إثبات وجودها أو انقضائها ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك . (7)
 
الحالة الثالثة
لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما يجاوز أو يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي
 
الأساس القانوني وتبرير الحالة : تنص المادة 61 من قانون الإثبات : لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود ولو لم تزد القيمة على ألف جنيه .
أ- فيما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي .
 
فلا يجوز الإثبات بشهادة الشهود فيما يجاوز أو يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي ، حتى ولو كانت قيمة التصرف لا تجاوز ألف جنية ، ويرجع ذلك إلى أن الكتابة أعلى من الشهادة في الإثبات قيمة ، أي كدليل ، ومن ثم فلا يجوز نقض الكتابة بشهادة الشهود .
 
شروط صحة الدفع بعد جوزا الإثبات بشهادة الشهود ما يجاوز أو يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي
 
الشرط الأول : أن يوجد دليل كتابي كامل ، ونعني بالدليل الكتابي الكامل وجود ورقة عرفية موقعه أو معدة أصلاً للإثبات ، فإذا كانت هناك ورقة عرفية موقعة ممن نسبت إليه ولم ينكرها أو ورقة رسمية ، فلا يجوز إثبات عكسها إلا بالكتابة . فلا تصلح شهادة الشهود لنقض ما تضمنه دليل كتابي كامل علي المعني السابق . فإذا كانت الكتابة في صورة دفاتر تجارية أو أوراق منزلية ، أو تأشير ببراءة ذمة المدين أو رسائل غير موقعة ، فلا تصلح لأن تكون دليل كتابي كامل ، ومن ثم جاز إثبات ما يخالفها بشهادة الشهود . (Cool
 
الشرط الثاني : أن يكون الإثبات بين المتعاقدين ، ومن ثم فيجوز للغير إثبات ذلك بشهادة الشهود  ، لأنه يكن في وضـــع لا يمكنه من الحصول علي دليل كتابي  .(9)
 
الشرط الثالث :  أن يكون محل الإثبات ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل عليه دليل كتابي . أي أن يكون الهدف من اللجوء إلى الإثبات بشهادة الشهود ، وهو إثبات عكس المكتوب أو تعديله أو الإضافة إليه .
الشرط الرابع: إلا يكون هناك غش نحو القانون أو تحايل على القانون . إذ يجوز
في حالة وجود غش أو تحايل على أحكام القانون ، إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات ، بما فيها شهادة الشهود ، ولو كان ذلك بما يخالف ما اشتمل عليه دليل كتابي  . (10)
فالغش يفسد كافة التصرفات ، وبالتالي يجوز للمتعاقدين أو أحدهما أن يثبت بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة ، أن التصرف القانوني أيا كانت قيمته ، ولو كان ثابتاً بالكتابة ، أنه ينطوي على غش أو تحايل على أحكام القانون ، أو قصد التهرب من قاعدة قانونية أمره تتعلق بالنظام العام ، فيجوز إثبات هذا الغش أو التحايل على أحكام القانون بكافة طرق الإثبات ، بما فيها البينة ، ذلك أن التقيد بحجية الدليل الكتابي سوف يؤدي إلى سهولة التهرب من تطبيق القواعد القانونية الآمر ، بإخفاء الأمر غير المشروع في صورة أمر آخـر مشروع محرر بالكتابة .
 
وقد قضت محكمة النقض : المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن قاعدة " الغش يبطل التصرفات " هي قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجز بها نص خاص فى القانون، وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية فى محاربة الغش والخديعة والاحتيال ، وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره فى التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات ولذا يبطل الحكم إذا ثبت أنه صدر عن إجراءات تنطوي على غش بقصد منع المدعى عليه من العلم الدعوى وإبداء دفاعه فيها رغم استيفائها ظاهريا لأوامر القانون  .(11)
 
الحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود :
أوضحنا أن ثمة حالات لا يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود مطلقاً ، وأوضحنا المبررات التي دفعت المشرع إلى ذلك ، وفيما يلي نتعرض للحالات التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود ، ويعد الدليل المستمد من شهادة الشهود في هذه الحالات دليل كامل :-
الحالة الأولي
يجوز إثبات كافة الوقائع المادية ذات الأثر القانوني بشهادة الشهود  - دليل كامل
 
الوقائع المادية عموماً نوعين ، النوع الأول وهي الوقائع المادية البحتة وهي تلك الوقائع التي لا يتولد عنها أي أثر قانوني ، كسقوط حائط دون أن يسفر ذلك عن إصابات أو وفيات ، والنوع الثاني وهي الوقائع المادية ذات الأثر القانوني التي يجوز إثباتها بشهادة الشهود ؛ وتعد شهادة الشهود في هذه الحالة دليل كامل كف وحده لحمل قضاء هي أعمال مادية من فعل الإنسان وترتب أثر قانوني معيناً ، ومن ثم فلا يكون الوضع يسيراً لإمكانية الحصول على دليل كتابي عند وقوعها . ومن أمثله ذلك إصابة إنسان في حادث سيارة أو إصابة شخص من واقع تعرضه لوقوع جسم صلب عليه أو الوفاء بغير المستحق أو إثبات واقعة الحيازة ، أو حدوث إعصار أو زلزال أو فيضان ، لذلك أجاز المشرع إثبات الواقعة المادة بكافة طرق الإثبات ، أياً كان الالتزام الذي تكون الواقعة المادية مصدراً له  . (12)
 
الحالة الثانية
إثبات كافة التصرفات التجارية بشهادة الشهود
التصرفات التجارية التي تتم بين التجار أنفسهم أو بينهم بين الغير ، متى كان تتعلق بأمور تجارية ، يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات أياً كانت قيمة التصرف حتى وأن زادت قيمة التصرف على ألف جنية ، بل ولـو كانت التصرفـات التجارية غير محددة القيمة ، ومهما بلغت قيمتها ، ويرجع ذلك إلى ما للتصرفات التجارية من سرعة ومرونة في التعامل وصعوبة الحصول على دليل كتابي في بعضها ، ولسهولة وسرعـة المعاملات التجارية ، لذلك أجـاز المشـرع إثبات التصرفات التجارية بشهادة الشهود ، أياً كانت قيمة التصرف التجاري ، كذلك إذا كان التصرف تجارياً وتم تحريره في محرر كتابي ، جاز إثبات ما يخالف ذلك أو يجاوزه بشهادة الشهود  .(13)
 
ما هو حكم التصرفات المختلطة …؟
قد يكون التصرف تجارياً بالنسبة لأحد الطرفين ومدنياً بالنسبة للطرف الآخر ، وهو ما يعرف بالتصرفات المختلطة ، مثال : عقد البيع بين المستهلك والتاجر أو المؤلف والناشر ، ففي هذه الحالات تتبع القواعد التجارية في الإثبات في مواجهة من كان التصرف تجارياً بالنسبة له ، وتتبع القواعد المدنية في الإثبات بالنسبة لمن كن التصرف مدنيا بالنسبة له ، ولا يخل ذلك بما يقض به المشرع التجارية من اشتراط عدم جواز الإثبات إلا بالكتابة بالنسبة لبعض المسائل التجارية ، مثل عقود الشركات التجارية وعقد بيع السفينة وتأجيرها والتأمين عليها .
كما أنه ليس للقاضي أن يرفض الإثبات بشهادة الشهود في المسائل التجارية استنادا إلى سلطته التقديرية . إذ هو بذلك يحاسب المدعى على عدم تهيئه دليل كتابي في وقت كان القانون لا يتطلب منه ذلك .
 
الحالة الثالثة
إثبات  الغير لكافة التصرفات القانونية بشهادة الشهود
 
يقصد بالغير الذي يجوز له إثبات كافة التصرفات القانونية بشهادة الشهود ، من
يكن طرف في التصرف وقت إبرامه ، وتبرير تخويله سلطة الإثبات بشهادة الشهود أنه - ونعني هذا الغير - لم يكن في استطاعته الحصول على دليل كتابي هذا من ناحية .
ويبرر البعض من الفقه سلطة تخويل هذا الغير إثبات كافة التصرفات القانونية بكافة طرق الإثبات - بما فيها بالطبع شهادة الشهود - أن التصرف القانوني بالنسبة للغير لا يعدو أن يكون واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات 
 
وبناء علي ما سبق :
وبناء علي ما سبق فالتصرفات القانونية أيا كانت قيمتها ، ولو كانت مدنية أو كانت ثابتة بالكتابة ، فإن الغير يجوز له إثباتها بكافة طرق الإثبات ، فيجوز للغير إثبات التصرف أياً كانت قيمته ، كما يجوز للغير إثبات ما يخالف الكتابة بشهادة الشهود ، وعلى ذلك فإنه يجوز للدائن أن يثبت بكافة طرق الإثبات صورية التصرف الصادر من مدينة . فقد قضى بأن : طعن الأب في البيع الصادر إلى أبنه بالصورية وإنه يخفي وصية وقد قصد به التحايل على قواعد الميراث ، يكون غير مقبول ما يقدم الأب كتابة مضادة . ولكن مثل هذا الطعن من جانب وارث آخر يكون مقبولاً بشهادة الشهود ، لأنه هنا يستمد حقه في الطعن من القانون مباشرة وليس من مورثة  . (14)
 
وفي ثبوت حق أحد الوريث في إثبات صورية البيع لبعض الورثة بكافة طرق الإثبات قررت محكمة النقض في قضاء ذي شأن نجله .  الطعن علي عقد البيع بأنه يستر وصية ولم يدفع فيه أي ثمن هو طعن بالصورية النسبية بطريق التستر ، وإذن فمتي كان العقد الظاهر المطعون عليه بهذه الصورية مكتوباً ، فإنه لا يجوز لأي من عاقديه أن يثبت هذه الصورية إلا بالكتابة ، ولا يصح قياس هذه الحالة علي حالة الوارث الذي يجوز له إثبات طعنه علي العقد بأنه يخفي وصية بجميع طرق الإثبات لأن الوارث لا يستمد حقه في الطعن - في هذه الحالة - من المورث وإنما من القانون مباشرة علي أساس أن التصرف قد صدر إضراراً بحقـه في الإرث فيكون تحايلاً علي القانون  . (15)       
 
وفي تأكيد ثبوت حق أحد الوريث في إثبات صورية البيع لبعض الورثة بكافة طرق الإثبات قررت محكمة النقض كذلك .
الصورية التدليسية التي تقوم علي إخفاء وصية وراء بيع - وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة - يعد تحايلاً علي القانون ، بما يترتب عليه بطلان البيع ، وللوارث أن يثبت بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن أن العقد لم يكن بيعاً وإنما هو خلاف نصوصه يستر وصية  .  (16)
 
الحالة الرابعة
إثبات  كافة التصرفات القانونية بشهادة الشهود في حالة الغش والتحايل
 
الغش كما أشرنا سلفاً يفسد كافة التصرفات ، وبالتالي يجوز للمتعاقدين أو أحدهما أن يثبت بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة ، أن التصرف القانوني أيا كانت قيمته ، ولو كان ثابتاً بالكتابة ، أنه ينطوي على غش أو تحايل على أحكام القانون ، أو قصد التهرب من قاعدة قانونية أمره تتعلق بالنظام العام .
فيجوز إثبات هذا الغش أو التحايل على أحكام القانون بكافة طرق الإثبات ، بما فيها البينة ، ذلك أن التقيد بحجية الدليل الكتابي سوف يؤدي إلى سهولة التهرب من تطبيق القواعد القانونية الآمر ، بإخفاء الأمر غير المشروع في صورة أمر آخر مشروع محرر بالكتابة .
وقد قضت محكمة النقض : المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن قاعدة " الغش يبطل التصرفات " هي قاعدة قانونية سليمة ولو لم يجز بها نص خاص فى القانون، وتقوم على اعتبارات خلقية واجتماعية فى محاربة الغش والخديعة والاحتيال ، وعدم الانحراف عن جادة حسن النية الواجب توافره فى التصرفات والإجراءات عموما صيانة لمصلحة الأفراد والجماعات ولذا يبطل الحكم إذا ثبت أنه صدر عن إجراءات تنطوي على غش بقصد منع المدعى عليه من العلم الدعوى وإبداء دفاعه فيها رغم استيفائها ظاهريا لأوامر القانون  .(17)
ومن حيثيات ذات الحكم : يجوز إثبات الغش _ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة  بكافة طرق الإثبات القانونية ومنها البينة ، ولئن كان استخلاص عناصر الغش وتقدير ما يثبت به هذا الغش وما لا يثبت به من سلطة محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.
 
 
الحالات التي يجوز الإثبات فيها بشهادة الشهود استثناء .
الأصل أن هذه التصرفات يجب أن يتم إثباتها بالكتابة ، ولكن المشرع أجاز إثباتها استثناء بشهادة الشهود ، لاعتبارات راعاها في كل حالة ، من هذه الحالات ، وهذه الحالات هي : ـ
الحالة الأولي : حالة وجود مبدأ ثبوت بالكتابة .
الحالة الثانية : حالة وجود مانع أدبي أو مادي ، حال دون الحصول على دليل
كتابي .
الحالة الثالثة : حالة فقد السند الكتابي بسبب أجنبي .
الحالة الرابعة : حالة امتناع الخصم عن الرد على الاستجواب .
 ______________________________
 (1) م . حسين المؤمن - نظرية الإثبات فى الشهادة - ج 2ص16
(2)  د . عبد الوهاب العشماوى - الإثبات - ص 534 .
 (3)  م . حسين المؤمن ص 156 ، ويقرر سيادته ان فقهاء الشريعة الإسلامية ، ومن بعدهم رجال القانون ، قد سوغوا قبول الشهادة على الشهادة على سبيل الاستحسان فقط ، وعند الضرورة او شدة الحاجة ، وذلك انه قد يتعذر حضور او إحضار الشاهد الأصلي لأداء الشهادة بسبب وفاة او جنون او سفر طويل ... الخ ثم أن عدم قبول الشهادة على الشهادة قد يؤدى إلي ضياع حقوق كثيرة بينما ان الضرورات تبيح المحظورات .
(4)  د . فوده - المرجع السابق - المجلد الثاني .
 (5) م . حسين المؤمن - المرجع السابق - ص 172 وما بعدها .
(6)  راجع ما سبق في بيان حكم الشهادة السماعية .
 (7) الطعن رقم 857 لسنة 52 ق ـ جلسة 2/1/1986
  (Cool المادة معدلة بالقانون رقم 76 لسنة 2007 برفع النصاب من 500 الي 1000 جنية .
(9)  يجوز للغير إثبات كافة التصرفات القانونية بكافة طرق الإثبات دون التقييد بدليل بعينة .
(10)  للمؤلف - الدفع بالغش مشكلاته القانونية وتطبيقاته العملية - الناشرون المتحدون - ط 1 2007 .
 (11) الطعن رقم  1629لسنة 60  مكتب فني 46  صفحة رقم 1363بتاريخ 12-12-1995
 (12) د . سليمان مرقص - المرجع السابق - ص 254 وما بعدها ، د . محمد علي عمران - المرجع السابق - ص 244 وما بعدها .
 (13) سمير الأمين - الموسوعة التجارية الشاملة - مرجع مبرمج - 2006م
 (14) نقض مدني 13/12/1976 ـ مجموعة أحكام النقض السنة 27 ـ ص 1738
  (15) الطعن  5611 لسنة 71 ق جلسة 23 / 5/ 2001 - طعن مدني .
 (16) الطعن  345 لسنة 66 ق جلسة 5/3/1994
 (17) الطعن رقم  1629لسنة 60  مكتب فنى 46  صفحة رقم 1363بتاريخ 12-12-1995