جريمة الاعتياد علي ممارسة الفجور أو الدعارة
نص قانوني :
تنص المادة 9 / ج من القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة علي أن " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيـد علي ثلاث سنوات وبغرامـة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه في الإقليم المصري ولا تقل عن مائتين وخمسين ليرة ولا تزيد علي ثلاثـة آلاف ليرة في الإقليم السـوري أو بإحدي هاتين العقوبتين :
.... ( ج ) كل من اعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة ".
تقوم جريمـة الاعتياد علي ممارسة الفجور أو الدعـارة علي أركان ثلاثة هي :
(1) الركن المادي (ممارسة البغاء).
(2) أن يكون ممارسة البغاء علي سبيل الاعتياد.
(3) القصد الجنائي.
وسوف نتناول هذه الموضوعات من خلال ثلاثة مباحث ، ثم نخصص الرابع للعقوبة المقررة للجريمة.
الركن المادى ( ممارسة
عناصر الركن المادي :
يتكون الركن المادي في هذه الجريمة من سلوك مادي يتمثل في أفعال الفحش التي يأتيها الجاني ، وذلك بقصد إشباع شهوته أو شهوة الغير بطريق مباشر ، وأن يكون ذلك بدون تمييز ، وسوف نتناول فيما يلي كل عنصر من هذه العناصر بالشرح والتحليل .
(أولاً) أفعال الفحش :
سبق لنا أن بينا المقصود " بالفحش " ، وتتضمن هذه الأفعال كل اتصال جنسي سواء بن رجل وامرأة ، أو بين رجلين كاللواط ، أو بين أنثتين كالمساحقة أو ما دون ذلك من أفعال ، ويدخل فيها كافة طرق المساس بالجسد بقصد إرضاء شهوة الجاني أو الغير سواء كان ذلك عن طريق طبيعي أو غير طبيعي ، كاستعمال الأعضاء الجنسية في ملامسة جسد شخص آخر ، أو استعمال الأعضاء الجنسية لشخص آخر في ملامسة جسد البغي(1).
كما يمكن أن تقع أفعال الفحش في صورة ملامسة تقع من شخص علي آخر إرضاء لشهوات الغير في الاستمتاع جنسياً برؤية ذلك ، ويستوي أن يقع هذا الفعل من رجل أو إمرأة. وقد تتحقق أفعال الفحش في صورة ممارسات جنسية يقوم بها الشخص علي نفسه إرضاء لشهوات الآخرين ، وذلك بأن يقوم باستظهار أعضائه التناسيلة والعبث بها ، أو استعمال أدوات أو وسائل جنسية تهدف الي الإثارة الجنسية إرضاء لشهوات الغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وذلك كالتفخيذ أو التبطين أو استعمال الفم أو اليد علي الأعضاء التناسلية أو ما بين الاليتين ، أو جماع ما بين الثديين Coit Intemammaire ) (ثانياً) أن تكون أفعال الفحش بقصد إرضاء شهوة الجاني أو شهوة الآخرين :
يشترط في أفعال الفحش الذي يقارفها الجاني أن تكون بقصد إرضاء شهوته الشخصية ، أو شهوة الآخرين(2) ، وعلي ذلك فإن الرجل الذي يسعي الي الرجال لمواقعته إرضاء لشهوته لإصابته بالشذوذ الجنسي يعتبر فاجراً وينطبق عليه نص المادة 9 / ج من قانون مكافحة الدعارة ، كما تعتبر المرأة الغلمة التي تسعي الي إرضاء شهواتها الجنسية مـع كـل من هيـأتـه الظروف لها بدون تمييز بغيـاً ،
وكذلك يعـد مرتكباً للبغـاء الرجـل الذي يتجول في الطرقات ليتصل جنسياً بأية امـرأة تسوقها الظروف اليه ، كما يعتبر بغيـاً الرجل الذي يدعي القدرة علي إخصاب النساء المصابـات بالعقم ، ثم يواقعهن بهذه الطريقة (3).
وقد استقرت محكمة النقض في مصر علي أن البغاء كما هو معرف به في القانون هو مباشرة الفحشاء مع الناس بغير تمييز (4)، كما قضت بأن هذه الجريمـة ( الفجور أو الدعارة ) تتحقق بمباشرة الفحشاء مع النـاس بغير تمييز (5) ، وأن يكون ذلك علي وجه الاعتياد ، ولا يستلزم لتوافرها أن تكون ممارسة الفجور أو الدعارة مقابل أجر ، وإن كان الحصول علي مقابل نظير ذلك قـد يقوم قرينـة علي عدم التمييز بين النـاس في قبول ارتكـاب الفحشاء معهم(6). ويشترط أن يكون إشـباع شهـوات الجـاني أو شهوات الغير بطريـق مباشـر ، وذلك بأن يكون هناك اتصال بين الطرفين علي أي نحو ، أما ارتكاب أفعال الفحش ونقلها للآخرين عن طريق أفلام الفيديو أو أفـلام السينما أو المطبوعات فإنها لا تشكل أفعال البغاء ، وذلك لأن الذي يرضي شهوات الآخرين هو الصـورة التي التقطت وليس من قارف الفعل (7).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(2) أنظر عكس هذا الرأي الدكتور إدوار غالي الدهبي ، حيث يري أن هذا الرأي يوسع من تعريف البغاء.
أنظر الدكتور إدوار غالي الدهبي : الجرائم الجنسية ، القاهرة ، مكتبة غريب ، 1988 ، ص 186 ، هامش 1 .
(3) أنظر الدكتور محمد نيازي حتاته : المرجع السابق ، بند 89 ، ص 163 .
(4) بينما عرفت محكمة النقض الفرنسية البغاء بأنه " استخدام الجسم فى ارضاء شهوات الناس الجنسية بقصد الحصول علي أجر ، أياً كان جنس الشخص ، وأياً كانت طبيعة الأفعال التي ارتكبها " .
Cass 19 Nov 1912. , Dalloz 1913. 1. 353 .
(5) أنظر نقض 18 يناير سنة 1970 مجموعة أحكام محكمة النقض س 21 رقم 27 ص 110 .
(6) أنظر نقض 12 مايو سنة 1975 مجموعة أحكام محكمة النقض س 26 رقم 97 ص 420 .
(7) وإن كان القضاء الايطالي قد حكم بأن تحريض فتاة قاصرة علي الاتصال بعشيقها فى أوضاع فاحشة أمام آلة تصوير بقصد التقاط صور تستعمل فى إشباع شهوة شخص ثالث مجهول ، يعتبر تحريضاً علي البغاء .
أنظر
MANINI ( Vincenzo ) : Trattato Diritto Penale Italiano. Torino , V. II , 1936 , P. 446.
(ثالثاً) أن يكون إرضاء الشهوة بغير تمييز :
والمقصود بذلك ألا تكون هناك علاقة عاطفية قائمة علي الإنتقاء والتخيير بين الطرفين ، ولا يقدح في ذلك أن يكون للبغي حرية اختيار نوع العميل الذي يرغب في إقامة الصلة الجنسية معه ، فقد يفضل اختيار العملاء من الأثرياء أو من الشباب ، ولا يعتبر ذلك تمييزاً بين الطبقات أو الفئات. ويستوي أن يتقاضي من يمارس البغاء أجراً أم لا ، فالأجر ليس شرطاً لازماً لممارسة البغاء ، ولكنه يعد قرينة علي عدم التمييز بين الناس في ارتكاب الفحشاء معهم (.
ولا يقتضي شرط عدم التمييز أن يكون هناك تعدداً للعملاء ، فمن يمارس الفحشاء لمرة واحدة مع عميل واحد بغير تمييز يتوافر في حقـه هذا الشرط ، ولو تعددت أعمـال الفحش مع نفس الشخص لكان هذا الشرط متوافراً من باب أولي .
ـــــــــــــــــــــــ
( أنظر الدكتور محمد نيازي حتاتة : المرجع السابق ، بند 89 ، ص 163 .
أن يكون ممارسة البغاء على سبيل
طبيعة الجريمة :
هذه الجريمة جريمة اعتياد ، ومن ثم لا يكفي لقيامها مجرد ارتكاب فعل واحد من أفعال الفجور أو الدعارة ، وإنما يتعين أن تتعدد الجرائم التي تصدر عن المتهم ، ذلك أن الشارع لا يعاقب علي فعل الفجور أو الدعارة في ذاته ، إذ المفترض أنه لا يجعل صاحبه خطراً علي المجتمع إذا ارتكبه لمرة واحدة ، ولكن ارتكاب أفعال الفجور أو الدعارة علي سبيل الإعتياد يجعل مرتكبها خطراً علي المجتمع وجديراً لذلك بالعقاب.
والعادة لا تستخلص من فعل واحد ، وإنما تستخلص من تكرار نوع معين من الأفعال ، إذ يعني التكرار ممارسة هذه الأفعال علي سبيل الانتظام والإضطراد مما يسمح بالقول بتوافر الاعتياد عليها. وبرغم أن هذه الجريمة من جرائم العادة ، إلا أنها ليست بالضرورة من الجرائم المستمرة ، فهي تتم متي تكونت العادة ويكون تاريخ ارتكابها هو التاريخ الذي تمت فيه الواقعة الأخيرة ، وتحسب منه المدة المسقطة للدعوي العمومية.
عدد الأفعال المتطلبة للكشف عن الاعتياد :
يثـور التساؤل عن عـدد الأفعال المتطلبة لقيام الجريمة ، وقد استقر القضاء علي أنه يكفي أن يرتكب المتهم فعل الفحشاء المؤثم مرتين أو أكثر ، بشرط أن يكون ذلك في مناسبتين أو ظرفين متكررين ، يستوي في ذلك أن يكون ارتكاب الفعل مع نفس الشخص أم مع شخص آخر ، ويختلف الاعتياد في هذا مع مجرد تكرار الفعل الذي قد يقع في ظرف واحد أو علي مسرح واحد ، ففي هذه الحالة لا يتحقق توافر الاعتياد.
وقد حكم تطبيقاً لذلك بأن تكرار الفعل ممن تأتي الدعارة في مسرح واحد للإثم لا يكفي لتكوين العادة ولو ضم المجلس أكثر من رجل ، ذلك أن الاعتياد إنما يتميز بتكرار المناسبة أو الظرف ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من تكرار الفعل مرتين مع الطاعنة الثانية في مجلس واحد دليله علي ثبوت الاعتياد في حقها مضافاً اليه ثبوت الاعتياد في حق الطاعنة الأولي صاحبة المنزل ، وكان ما أورده الحكم من ذلك لا يكفي بهذا القدر لإثبات توافر الركن الذي لا تقوم الجريمة عند تخلفه ، فإنه يتعين نقض الحكم والقضاء ببراءة الطاعنة مما أسند اليها (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) أنظر نقض 7 مايو سنة 1962 مجموعة أحكام محكمة النقض س 13 رقم 110 ص 437 .
المدة التي يتعين أن تقع أفعال الفجور أو الدعارة
خلالها :
يجب ألا ينقضي بين آخر فعل متطلب للكشف عن الاعتياد واتخاذ الإجراءات الجنائية المدة المحددة لتقادم الدعوي الجنائية ، أي مدة ثلاث سنوات باعتبار هذه الجريمة جنحة. ولكن يثـور التساؤل عن المدة التي تفصل بين كل فعل وما يسبقه أو يليه ، وما إذا كان يشترط ألا يجاوز زمناً معيناً.
فقد ذهب رأي الي أنه لا عبرة بطول المدة التي تمر بين كل فعل وآخر أو قصرها بشرط ألا تكون هذه المدة من الطول بحيث يمكن القول بأن الجاني قد عزم علي التوبة وأنه كان عازم علي عدم الرجوع الي هذا الفعل وأن عودته اليه إنما كانت تحت تأثير الحاجـة أو بدافع عاطفي (10) ، بينما يذهب قضاء النقض صوب عدم مضي مدة ثلاث سنوات بين كل فعل وآخر من الأفعال المكونة للاعتياد (11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) أنظر الأستاذ حسن البغال : الجرائم المخلة بالآداب. القاهرة ، 1962 ، دار الفكـر العربـي ، بند 496 ، ص 289 .
(11) أنظر نقض 16 أكتوبر سنة 1950 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 2 رقم 19 ص 45 .
إثبات توافر الإعتياد :
يخضع إثبات الاعتياد علي ممارسة البغاء للقاعدة العامة في الإثبات التي تقضي بأن يحكم القاضي في الدعوي حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته.
وتطبيقاً لذلك فقد حكم بأنه متي أثبت الحكم أن أحد الرجال اعتاد التردد علي منزل معد للدعارة يرتكب فيه الفحشاء مع من تحضره له المرأة التي تدير هذا المنزل وأنه ارتكب الفحشاء بناء علي ذلك عدة مرات مع امرأة معينة تستخدم في إدارة المنزل للدعارة ، فهذا تتوافر به في حق هذه المرأة عناصر جريمة الاعتياد علي ممارسة الدعـارة (12).
كما قضي بأنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه عول في إثبات ركن الاعتياد علي ممارسة الدعارة علي ما دلت عليه التحريات وعلي أقوال الشاهد ..... الذي ضبط في حالة اتصال جنسي بالطاعنة فوق سطح المنزل في محضر جمع الاستدلالات وفي تحقيق النيابة من سبق تردده علي الطاعنة أربع مرات لممارسة الجنس لقاء خمسين قرشاً لكل مرة وكان يشاركه أحد أصدقائه ، وعلي إقرار الطاعنة في محضر الضبط من أنها صعدت الي سطح منزلها ففوجئت بالشاهد المذكور يطلب مواقعتها فوافقته ، وتم ضبطهما ومعها المبلغ الذي دفعه الشاهد ، ولما كان القانون لا يستلزم لثبوت العادة في جريمة ممارسة الدعارة طريقة معينة من طـرق الإثبـات ، وكان ما أورده الحكم في مدوناته يكفي في اثبات أن الطاعنة قد اعتادت ارتكاب الفحشاء مع الناس بغير تمييز مقابل أجر بما تتوافر به أركان الجريمة المسندة اليها ، وكان إثبات العناصر الواقعية للجريمة وركن الاعتياد علي ممارسة الدعارة مرجعه الي محكمة الموضوع بغير معقب مادام تدليل الحكم علي ذلك سائغاً كما هو الحال في الدعوي الماثلة فإن منعي الطاعنة في هذا الصـدد ينحـل الي جـدل موضوعي وهو ما لا يجوز اثارتـه أمام محكمة النقض (13).
كما قضي بأنه من حيث إن الحكم المطعون فيه عول فى إثبات ركن الاعتياد
على ممارسة الدعارة على ما دلت عليه التحريات وعلى إقرار الطاعنة - فى محضر الضبط بممارستها الدعارة منذ سنة سابقة على تاريخ الضبط مع أناس آخرين كانوا يترددون عليها وعلى أقوال المحكوم عليه الآخر.....فى محضر الضبط من سبق تردده على الطاعنة وممارسة الجنس معها أكثر من مرة ، ولما كان القانون لا يستلزم لثبوت العادة فى جريمة ممارسة الدعارة طريقة معينة من طرق الإثبات ، وكان ما أورده الحكم فى مدوناته يكفى فى إثبات أن الطاعنة قد اعتادت ارتكاب الفحشاء مع آخرين بغير تمييز بما تتوافر به أركان الجريمة المسندة إليها ، وكان إثبات العناصر الواقعية للجريمة وركن الاعتياد على ممارسة الدعارة مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب مادام تدليل الحكم على ذلك سائغاً ـ كما هو الحال فى الدعوى الماثلة ـ فإن منعى الطاعنة فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى وهو مـا لا يجوز إثارته أمـام محكمـة النقض(14).
ــــــــــــــــــــــــــ
(12) أنظر نقض 3 أبريل سنة 1956 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 7 رقم 143 ص 489 .
(13) أنظر نقض 8 مايو سنة 1980 مجموعة أحكام محكمة النقض س 31 رقم 114 ص 593 .
(14) أنظر الطعن رقم 1146 - لسنــة 67 - تاريخ الجلسة 16 / 2 / 2006 .
أثر الحكم النهائي علي حالة الاعتياد :
إذا حكـم نهائياً بالبراءة أو الادانة في تهمة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة ، فإن الحكم يكون شاملاً للوقائع التي تمت قبله ولو لم يعرف بعضها ، ولا يرتكب هذا الشخص جريمة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة إلا إذا ارتكبت واقعتين علي الأقل ، أما إذا ارتكب واقعة واحدة فلا يسوغ القول بأنه ارتكب الجريمة ، ذلك أن الحكم السابق قد عاقبه علي الوقائـع السابقـة عليه باعتبارها عنصراً من عناصر الاعتياد الذي دانه به ، ومن ثم فلا يجوز اتخاذها عنصـراً لإعتياد جديد وإلا كان ذلك تكراراً لمحاكمته علي ذات الوقائع ، الأمر الذي تنص المـادة 454 من قانـون الإجراءات الجنائية صراحة علي عدم جوازه (15).
وقد استقر قضاء محكمـة النقض علي أنه لا يقبل ممن وقع عليه الفعل الفاحش أن يرفع دعواه مباشرة أمام المحاكم الجنائية أو أن يدعي بحقوق مدنية في الدعوي المرفوعة من النيابة ، وذلك لأن القانون لا يعاقب علي فعل الفجور أو الدعارة في ذاته ، وإنما يعاقب علي الاعتياد علي هذا الفعل وهو وصف معنوي قائم بذات الموصوف يستحيل عقلاً أن يضر بأحد معين(16).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(15) أنظر نقض 19 أكتوبر سنة 1953 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 5 رقم 11 ص 33. وهذا الحكم خاص بتهمة اقراض بفوائد تزيد علي الحد الأقصي ، إلا أن المبادئ العامة الخاصة بركن الاعتياد تسري علي حالة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة لإتحادهما فى شرط الاعتياد .
(16) أنظر نقض 2 أبريل سنة 1945 مجموعة القواعد القانونية جـ 6 رقم 543 ص 671 ، وهذا الحكم خاص بجريمة الاعتياد علي الإقراض بربا فاحش وهو يتماثل مع حالة الاعتياد علي الفجور والدعارة .
بيان الواقعة :
يقتضي بيان الواقعة في هذه الجريمة أن تبين محكمة الموضوع وقائع الفجور أو الدعارة تواريخها ، وذلك حتي يتسني لمحكمة النقض مراجعة صحة تطبيق القانون عليها ، وإلا كان الحكم بالإدانة قاصراً (17) ، ولكن إذا لم تتوصل محكمة الموضوع الي معرفة اليوم أو الشهر اللذين وقعت فيهما كل واقعة من وقائع الفجور أو الدعارة فيكفي التحديد فيها بالتقريب ، وإذا إستبانت المحكمة أنه
لم يمض بين كل واقعة وأخري وبين الواقعة الأخيرة أو رفع الدعوي مدة السقوط فلا معقب عليها متي كان استخلاصها لذلك من الوقائع التي ساقتها سليمـاً (18).
كما قضي بأنه لما كانت جرائم إدارة بيت للدعارة وممارسة الفجور والدعارة هي من جرائم العادة التي لا تقوم إلا بتحقق ثبوتها، ولئن كان من المقرر أن تحقق ثبوت الاعتياد على الدعارة هو من الأمور التي تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون تقديرها في ذلك سائغا، وكان هذا الذي أورده الحكم لا ينبئ على إطلاقه عن توافر ركن الاعتياد وخاصة وأن الحكم لم يحصل في مدوناته شهادة شاهد أنه التقى بالطاعنتين أو المتهمة الأخرى قبل تلك المرة وفي وقت لا يعاصر وقت الضبط وكان تكرار الفعل ممن تأتي الدعارة في مسرح واحد للإثم لا يكفي لتكوين العادة ولو ضم المجلس أكثر من رجل ذلك أن الاعتياد إنما يتميز بتكرار المناسبة أو الظروف وكان الحكم بما أورده لا يكفي لإثبات توافر ركن الاعتياد الذي لا تقوم الجرائم المتقدم بيانها عند تخلفه فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة(19).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) أنظر نقض 16 ديسمبر سنة 1947 مجموعة القواعـد القانونية ج 7 رقم 457 ص 429 ؛ نقض 18 ديسمبر سنة 1939 ج 5 رقم 31 ص 48 - وهذه الأحكام فى شأن اقراض بالربا الفاحش وهي تنطبق علي جرائم الفجور والدعارة .
(18) أنظر نقض 27 ديسمبر سنة 1933 مجموعة القواعـد القانونيـة ج 3 رقم 178 ص 222 .
(19) أنظر الطعن رقم 20574 - لسنــة 66 - تاريخ الجلسة 7 / 12 / 2005 .
القصد الجنائى
عناصر القصد الجنائى فى جريمة الاعتياد على الفجور أو الدعارة :
هذه الجريمة عمدية ، ومن ثم فإنه يتعين أن يتوافر لدي المتهم القصد الجنائي ، ويكتفي المشرع بالقصد العام في هذه الجريمة (20) ، وهو يقوم علي عنصري العلم والارادة ، فيجب أن تتجه إرادة الجاني صوب ارتكاب الفعل المكون للركن المادي للجريمة مع انصراف علمه الي عناصر الجريمة .
ــــــــــــــــــــــــ
(20) أنظر عكس هذا الرأي الدكتور ادوار غالي الذهبي الذي يري أنه يجب توافر قصد جنائي خاص فى هذه الجريمة هو قصد " ارضــاء شهوة الغير بدون تمييز " .
المرجع السابق : بند 130 ، ص 203 .
(أولاً) العلم :
العلم الذي يتطلب القانون ثبوته لقيام القصد الجنائي في جريمة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة هو علم الجاني بأنه يباشر فعل الفحشاء مع الغير ، أما لو اتصلت الأنثي التي تمارس الدعارة بزوجها ثم تبين فيما بعد أنه كان قد طلقها دون أن تعلم فإن فعلها هذا لا يعتبر ممارسة للدعارة لأن القصد الجنائي لديها غير متوافر لإنتفاء العلم.
أما العلم بالقانون فهو مفترض ، فلا يقبل الدفـع بالقول بأن القانون يبيح الأفعال الجنسية بالرضا لمن بلغ ثمانية عشر عاماً ، فهذا الدفع غير صحيح لأن ممارسة هذا الفعل مشروطة بألا يكون ذلك بدون تمييز.
ولا حرج علي القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوي وملابساتها علي أي نحو يراه مؤدياً الي ذلك مادام يتضح من مدونات حكمه توافر هذا القصد توافراً فعلياً ، فلمحكمة الموضوع استخلاص القصد الجنائي في جرائم الدعارة علي أي نحو تراه متي كان ما حصلته لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كانت الطاعنة لا تجادل في علمها بممارسة الفتيات المقيمات بمسكنها الدعارة وانما تقتصر مجادلتها علي انتفاء القصد الجنائي لديها ، وكان تقدير القصد الجنائي أو عدم قيامه من ظروف الدعوي يعد مسألة تتعلق بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ، وكان ما أثبته الحكم علي ما تقدم ذكره من أن ممارسة الفتيات السالف ذكرهن الدعارة كان معلوماً للطاعنة مما قررته من أنها كانت تعلم بذلك ، فإن هذا الذي أورده الحكم يعد سائغاً لإستظهار تحقق القصد الجنائي لدي الطاعنة في الجريمة التي دانها بها
(21).
ولكن إذا دفع المتهم بإنتفاء العلم لديه فإنه يجب علي المحكمة أن ترد علي هذا الدفع بأسباب صحيحة سائغة مستمدة من أوراق الدعوي لاسيما إذا كان في ظروف الدعوي ما يسمح بإنتفاء العلم .
ـــــــــــــــــــــ
(21) أنظر نقض 4 أبريل سنة 1977 مجموعـة أحكـام محكمة النقض س 28 رقم 96 ص 463 .
(ثانياً ) الإرادة :
يجب أن تكون إرادة المتهم قد اتجهت الي ارتكاب الفعل المكون للجريمة ، وأن تكون إرادة معتبرة قانوناًً ، أي إرادة متميزة مختارة. وبناء علي ذلك إذا أكره شخص علي ممارسة أفعال الفحشاء تنتفي الجريمة لتخلف عنصر الإرادة ، وإذا دفع المتهم بإنتفاء الإرادة لديه فقد وجب علي المحكمة أن ترد عليه بأسباب سائغـة ، ولكنها لا تلتزم بالرد عليه صراحة ، فيجوز أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت الأخري التي عول عليها الحكم في الإدانة.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كان دفاع الطاعنة من أن زوجها كان يكرهها علي ممارسة الدعارة طوال السبع سنوات السابقة علي الحادث لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً ، فان النعي علي الحكم في هـذا الخصوص لا يكون في محله (22).
ومن المستقر فقهاً وقضاء أن الباعث علي ارتكاب الجريمة لا يعتبر من عناصر القصد الجنائي ، ومن ثم فإن دفع المتهمة بجريمة الاعتياد علي الدعارة بأنها فقيرة وتمارس هذا العمل بقصد إعالة أسرتها لا ينفي توافـر القصد الجنائي في حقها .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(22) أنظر نقض 3 مايو سنة 1971 مجموعة أحكام محكمة النقض سنة 22 رقم 95 ص 390
المسئولية الجنائية عن أفعال شريك المـرأة الداعـرة :
يسأل الشريك عن الأفعال التي قارفها والتي إما أن تشكل أفعال مساهمة أصلية ، أو أفعال مساهمة تبعية .
عقوبة جريمة الاعتياد علي ممارسة الفجور
( أولاً ) العقوبة الأصلية :
تنص المادة 9 /ج من القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة علي أن يعاقب مرتكب هذه الجريمة " بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد علي ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين ".
ويلاحظ أن المشرع قد حدد حداً أدني لعقوبة الحبس لا يقل عن ثلاثة أشهر ، وبالتالي فلا يجوز للقاضي النزول عن هذا الحد وإلا أصبح حكمه مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وتطبيقاً لذلك فقد حكم بأنه لما كـان نص المادة التاسعة من القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقـل عن ثلاثة شهور ولا تزيد علي ثلاثة سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه ، كل من اعتـاد ممارسة الفجـور أو الدعارة ، وكان الحكم المستأنف قد قضي في حدود القانون بعقوبة الحبس بحدها الأدني ، بيد أن الحكـم المطعون فيه قد نـزل بهذه العقوبة الي شهر واحد مع الشغل وهو دون ذلك الحد الأدني فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ممـا يتعين معه تصحيحه والحكم بمقتضي القانون بتأييد الحكم المستأنف (23).
ـــــــــــــــــــــ
(23) أنظر نقض 17 أكتوبر سنة 1982 طعن رقم 114 سنة 50 قضائية.
(ثانياً) عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة :
تنص المادة 15 من قانون مكافحة الدعارة علي أنه " يستتبـع الحكم في إحدي الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة وذلك دون إخـلال بالأحكـام الخاصـة بالمتشردين ".
ومفاد النص سالف الذكر أنه لا يجوز الحكم بعقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة إلا في حالة الحكم بإدانة المتهم في إحدي الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
كما يلاحظ أن الوضع تحت مراقبة الشرطة لا يقضي به إلا إذا قضي بعقوبة الحبس.
وقد حكم تطبيقاً لذلك بأن دلالة هذا النص في صريح عبارته أنه لا يقضي بوضع الجاني تحت مراقبة الشرطة إلا إذا قضي بحبسه ، ذلك أنه حدد مدة المراقبة بجعلها مساوية لمدة العقوبة ، ولا يمكن بداهة إجراء تحديد هذه المدة إلا في حالة القضاء بعقوبة الحبس ، ولو أراد المشرع أن يقضي بوضع المتهم تحت
مراقبة الشرطة في حالة الحكم عليه بالغرامة لنص علي ذلك صراحة وبتحديد لمدتها (24).
ويقرر القانون أن التاريخ المحدد لإنقضاء مراقبة الشرطة لا يجوز أن يمتد بسبب قضاء الشخص المراقب مدة الحبس أو بسبب تغيبه عن محـل إقامتـه (25) ، ويعني ذلك أن اليـوم المحدد لإنقضاء مراقبة الشرطة لا يقبل إرجاء ، ولو تهرب المحكوم عليه أثناء مدة المراقبة بعد الخضوع لأحكامها ، وذلك لأن الهدف من المراقبة هو منع المحكوم عليه بها من تهديد الأمن العام ، فهي تستنفذ أغراضها عند مضي المدة المحددة لها ، دون أن تقع أية جريمة منه ، وإذا وقعت منه أية جريمة فهو يخضع للقانون من جديد ويعاقب بمقتضاه. لذا فإنه إذا قضي حكم الإدانة بعقوبتي الحبس والوضع تحت مراقبة الشرطة معاً وجب عليه أن يحدد بدء المراقبة من يوم الإفــراج عن المحكوم عليه لا من يوم صدوره (26) ، وذلك حتي لا يؤدي إغفال هذا التحديد الي عدم تنفيذ المراقبة التي قضي بها ، وتفويت ما قصد اليه الشارع من تقريرها.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لم يحدد مبدأ المراقبة ومدتها ، فإنه طبقاً للفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض يتعين نقض الحكم نقضاً جزئياً وجعل مدة المراقبة المحكوم بها مساوية لعقوبة الحبس علي أن يبدأ تنفيذها من تاريخ انتهاء عقوبة الحبس (27).
ويترتب علي الإنتهاء الحتمي لمراقبة الشرطة ، أنها تعبر منفذة من تلقاء ذاتها ، أي أنه لا يتصور أن تبقي دون تنفيذ ، ومؤدي ذلك أنها لا تسقط بالتقادم لأن هذا السبب لإنقضاء العقوبة يفترض عدم تنفيذهـا (28).
ـــــــــــــــــــــــ
(24) أنظر نقض 3 مايو سنة 1971 سالف الذكر .
(25) أنظر نقض 7 مايو سنة 1957 مجموعة أحكام محكمة النقض س 8 رقم 132 ص 480 .
(26) أنظر نقض 13 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام محكمة النقض س 4 رقم 253 ص 697 .
(27) أنظر نقض 8 يناير سنة 1973 مجموعة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 14 ص 54 .
(28) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفي : شرح قانون العقوبات " القسم العام ". القاهرة ، بند 430 ، ص 596 .
نص قانوني :
تنص المادة 9 / ج من القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة علي أن " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيـد علي ثلاث سنوات وبغرامـة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه في الإقليم المصري ولا تقل عن مائتين وخمسين ليرة ولا تزيد علي ثلاثـة آلاف ليرة في الإقليم السـوري أو بإحدي هاتين العقوبتين :
.... ( ج ) كل من اعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة ".
تقوم جريمـة الاعتياد علي ممارسة الفجور أو الدعـارة علي أركان ثلاثة هي :
(1) الركن المادي (ممارسة البغاء).
(2) أن يكون ممارسة البغاء علي سبيل الاعتياد.
(3) القصد الجنائي.
وسوف نتناول هذه الموضوعات من خلال ثلاثة مباحث ، ثم نخصص الرابع للعقوبة المقررة للجريمة.
الركن المادى ( ممارسة
عناصر الركن المادي :
يتكون الركن المادي في هذه الجريمة من سلوك مادي يتمثل في أفعال الفحش التي يأتيها الجاني ، وذلك بقصد إشباع شهوته أو شهوة الغير بطريق مباشر ، وأن يكون ذلك بدون تمييز ، وسوف نتناول فيما يلي كل عنصر من هذه العناصر بالشرح والتحليل .
(أولاً) أفعال الفحش :
سبق لنا أن بينا المقصود " بالفحش " ، وتتضمن هذه الأفعال كل اتصال جنسي سواء بن رجل وامرأة ، أو بين رجلين كاللواط ، أو بين أنثتين كالمساحقة أو ما دون ذلك من أفعال ، ويدخل فيها كافة طرق المساس بالجسد بقصد إرضاء شهوة الجاني أو الغير سواء كان ذلك عن طريق طبيعي أو غير طبيعي ، كاستعمال الأعضاء الجنسية في ملامسة جسد شخص آخر ، أو استعمال الأعضاء الجنسية لشخص آخر في ملامسة جسد البغي(1).
كما يمكن أن تقع أفعال الفحش في صورة ملامسة تقع من شخص علي آخر إرضاء لشهوات الغير في الاستمتاع جنسياً برؤية ذلك ، ويستوي أن يقع هذا الفعل من رجل أو إمرأة. وقد تتحقق أفعال الفحش في صورة ممارسات جنسية يقوم بها الشخص علي نفسه إرضاء لشهوات الآخرين ، وذلك بأن يقوم باستظهار أعضائه التناسيلة والعبث بها ، أو استعمال أدوات أو وسائل جنسية تهدف الي الإثارة الجنسية إرضاء لشهوات الغير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وذلك كالتفخيذ أو التبطين أو استعمال الفم أو اليد علي الأعضاء التناسلية أو ما بين الاليتين ، أو جماع ما بين الثديين Coit Intemammaire ) (ثانياً) أن تكون أفعال الفحش بقصد إرضاء شهوة الجاني أو شهوة الآخرين :
يشترط في أفعال الفحش الذي يقارفها الجاني أن تكون بقصد إرضاء شهوته الشخصية ، أو شهوة الآخرين(2) ، وعلي ذلك فإن الرجل الذي يسعي الي الرجال لمواقعته إرضاء لشهوته لإصابته بالشذوذ الجنسي يعتبر فاجراً وينطبق عليه نص المادة 9 / ج من قانون مكافحة الدعارة ، كما تعتبر المرأة الغلمة التي تسعي الي إرضاء شهواتها الجنسية مـع كـل من هيـأتـه الظروف لها بدون تمييز بغيـاً ،
وكذلك يعـد مرتكباً للبغـاء الرجـل الذي يتجول في الطرقات ليتصل جنسياً بأية امـرأة تسوقها الظروف اليه ، كما يعتبر بغيـاً الرجل الذي يدعي القدرة علي إخصاب النساء المصابـات بالعقم ، ثم يواقعهن بهذه الطريقة (3).
وقد استقرت محكمة النقض في مصر علي أن البغاء كما هو معرف به في القانون هو مباشرة الفحشاء مع الناس بغير تمييز (4)، كما قضت بأن هذه الجريمـة ( الفجور أو الدعارة ) تتحقق بمباشرة الفحشاء مع النـاس بغير تمييز (5) ، وأن يكون ذلك علي وجه الاعتياد ، ولا يستلزم لتوافرها أن تكون ممارسة الفجور أو الدعارة مقابل أجر ، وإن كان الحصول علي مقابل نظير ذلك قـد يقوم قرينـة علي عدم التمييز بين النـاس في قبول ارتكـاب الفحشاء معهم(6). ويشترط أن يكون إشـباع شهـوات الجـاني أو شهوات الغير بطريـق مباشـر ، وذلك بأن يكون هناك اتصال بين الطرفين علي أي نحو ، أما ارتكاب أفعال الفحش ونقلها للآخرين عن طريق أفلام الفيديو أو أفـلام السينما أو المطبوعات فإنها لا تشكل أفعال البغاء ، وذلك لأن الذي يرضي شهوات الآخرين هو الصـورة التي التقطت وليس من قارف الفعل (7).
ـــــــــــــــــــــــــــ
(2) أنظر عكس هذا الرأي الدكتور إدوار غالي الدهبي ، حيث يري أن هذا الرأي يوسع من تعريف البغاء.
أنظر الدكتور إدوار غالي الدهبي : الجرائم الجنسية ، القاهرة ، مكتبة غريب ، 1988 ، ص 186 ، هامش 1 .
(3) أنظر الدكتور محمد نيازي حتاته : المرجع السابق ، بند 89 ، ص 163 .
(4) بينما عرفت محكمة النقض الفرنسية البغاء بأنه " استخدام الجسم فى ارضاء شهوات الناس الجنسية بقصد الحصول علي أجر ، أياً كان جنس الشخص ، وأياً كانت طبيعة الأفعال التي ارتكبها " .
Cass 19 Nov 1912. , Dalloz 1913. 1. 353 .
(5) أنظر نقض 18 يناير سنة 1970 مجموعة أحكام محكمة النقض س 21 رقم 27 ص 110 .
(6) أنظر نقض 12 مايو سنة 1975 مجموعة أحكام محكمة النقض س 26 رقم 97 ص 420 .
(7) وإن كان القضاء الايطالي قد حكم بأن تحريض فتاة قاصرة علي الاتصال بعشيقها فى أوضاع فاحشة أمام آلة تصوير بقصد التقاط صور تستعمل فى إشباع شهوة شخص ثالث مجهول ، يعتبر تحريضاً علي البغاء .
أنظر
MANINI ( Vincenzo ) : Trattato Diritto Penale Italiano. Torino , V. II , 1936 , P. 446.
(ثالثاً) أن يكون إرضاء الشهوة بغير تمييز :
والمقصود بذلك ألا تكون هناك علاقة عاطفية قائمة علي الإنتقاء والتخيير بين الطرفين ، ولا يقدح في ذلك أن يكون للبغي حرية اختيار نوع العميل الذي يرغب في إقامة الصلة الجنسية معه ، فقد يفضل اختيار العملاء من الأثرياء أو من الشباب ، ولا يعتبر ذلك تمييزاً بين الطبقات أو الفئات. ويستوي أن يتقاضي من يمارس البغاء أجراً أم لا ، فالأجر ليس شرطاً لازماً لممارسة البغاء ، ولكنه يعد قرينة علي عدم التمييز بين الناس في ارتكاب الفحشاء معهم (.
ولا يقتضي شرط عدم التمييز أن يكون هناك تعدداً للعملاء ، فمن يمارس الفحشاء لمرة واحدة مع عميل واحد بغير تمييز يتوافر في حقـه هذا الشرط ، ولو تعددت أعمـال الفحش مع نفس الشخص لكان هذا الشرط متوافراً من باب أولي .
ـــــــــــــــــــــــ
( أنظر الدكتور محمد نيازي حتاتة : المرجع السابق ، بند 89 ، ص 163 .
أن يكون ممارسة البغاء على سبيل
طبيعة الجريمة :
هذه الجريمة جريمة اعتياد ، ومن ثم لا يكفي لقيامها مجرد ارتكاب فعل واحد من أفعال الفجور أو الدعارة ، وإنما يتعين أن تتعدد الجرائم التي تصدر عن المتهم ، ذلك أن الشارع لا يعاقب علي فعل الفجور أو الدعارة في ذاته ، إذ المفترض أنه لا يجعل صاحبه خطراً علي المجتمع إذا ارتكبه لمرة واحدة ، ولكن ارتكاب أفعال الفجور أو الدعارة علي سبيل الإعتياد يجعل مرتكبها خطراً علي المجتمع وجديراً لذلك بالعقاب.
والعادة لا تستخلص من فعل واحد ، وإنما تستخلص من تكرار نوع معين من الأفعال ، إذ يعني التكرار ممارسة هذه الأفعال علي سبيل الانتظام والإضطراد مما يسمح بالقول بتوافر الاعتياد عليها. وبرغم أن هذه الجريمة من جرائم العادة ، إلا أنها ليست بالضرورة من الجرائم المستمرة ، فهي تتم متي تكونت العادة ويكون تاريخ ارتكابها هو التاريخ الذي تمت فيه الواقعة الأخيرة ، وتحسب منه المدة المسقطة للدعوي العمومية.
عدد الأفعال المتطلبة للكشف عن الاعتياد :
يثـور التساؤل عن عـدد الأفعال المتطلبة لقيام الجريمة ، وقد استقر القضاء علي أنه يكفي أن يرتكب المتهم فعل الفحشاء المؤثم مرتين أو أكثر ، بشرط أن يكون ذلك في مناسبتين أو ظرفين متكررين ، يستوي في ذلك أن يكون ارتكاب الفعل مع نفس الشخص أم مع شخص آخر ، ويختلف الاعتياد في هذا مع مجرد تكرار الفعل الذي قد يقع في ظرف واحد أو علي مسرح واحد ، ففي هذه الحالة لا يتحقق توافر الاعتياد.
وقد حكم تطبيقاً لذلك بأن تكرار الفعل ممن تأتي الدعارة في مسرح واحد للإثم لا يكفي لتكوين العادة ولو ضم المجلس أكثر من رجل ، ذلك أن الاعتياد إنما يتميز بتكرار المناسبة أو الظرف ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اتخذ من تكرار الفعل مرتين مع الطاعنة الثانية في مجلس واحد دليله علي ثبوت الاعتياد في حقها مضافاً اليه ثبوت الاعتياد في حق الطاعنة الأولي صاحبة المنزل ، وكان ما أورده الحكم من ذلك لا يكفي بهذا القدر لإثبات توافر الركن الذي لا تقوم الجريمة عند تخلفه ، فإنه يتعين نقض الحكم والقضاء ببراءة الطاعنة مما أسند اليها (9).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(9) أنظر نقض 7 مايو سنة 1962 مجموعة أحكام محكمة النقض س 13 رقم 110 ص 437 .
المدة التي يتعين أن تقع أفعال الفجور أو الدعارة
خلالها :
يجب ألا ينقضي بين آخر فعل متطلب للكشف عن الاعتياد واتخاذ الإجراءات الجنائية المدة المحددة لتقادم الدعوي الجنائية ، أي مدة ثلاث سنوات باعتبار هذه الجريمة جنحة. ولكن يثـور التساؤل عن المدة التي تفصل بين كل فعل وما يسبقه أو يليه ، وما إذا كان يشترط ألا يجاوز زمناً معيناً.
فقد ذهب رأي الي أنه لا عبرة بطول المدة التي تمر بين كل فعل وآخر أو قصرها بشرط ألا تكون هذه المدة من الطول بحيث يمكن القول بأن الجاني قد عزم علي التوبة وأنه كان عازم علي عدم الرجوع الي هذا الفعل وأن عودته اليه إنما كانت تحت تأثير الحاجـة أو بدافع عاطفي (10) ، بينما يذهب قضاء النقض صوب عدم مضي مدة ثلاث سنوات بين كل فعل وآخر من الأفعال المكونة للاعتياد (11).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(10) أنظر الأستاذ حسن البغال : الجرائم المخلة بالآداب. القاهرة ، 1962 ، دار الفكـر العربـي ، بند 496 ، ص 289 .
(11) أنظر نقض 16 أكتوبر سنة 1950 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 2 رقم 19 ص 45 .
إثبات توافر الإعتياد :
يخضع إثبات الاعتياد علي ممارسة البغاء للقاعدة العامة في الإثبات التي تقضي بأن يحكم القاضي في الدعوي حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته.
وتطبيقاً لذلك فقد حكم بأنه متي أثبت الحكم أن أحد الرجال اعتاد التردد علي منزل معد للدعارة يرتكب فيه الفحشاء مع من تحضره له المرأة التي تدير هذا المنزل وأنه ارتكب الفحشاء بناء علي ذلك عدة مرات مع امرأة معينة تستخدم في إدارة المنزل للدعارة ، فهذا تتوافر به في حق هذه المرأة عناصر جريمة الاعتياد علي ممارسة الدعـارة (12).
كما قضي بأنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه عول في إثبات ركن الاعتياد علي ممارسة الدعارة علي ما دلت عليه التحريات وعلي أقوال الشاهد ..... الذي ضبط في حالة اتصال جنسي بالطاعنة فوق سطح المنزل في محضر جمع الاستدلالات وفي تحقيق النيابة من سبق تردده علي الطاعنة أربع مرات لممارسة الجنس لقاء خمسين قرشاً لكل مرة وكان يشاركه أحد أصدقائه ، وعلي إقرار الطاعنة في محضر الضبط من أنها صعدت الي سطح منزلها ففوجئت بالشاهد المذكور يطلب مواقعتها فوافقته ، وتم ضبطهما ومعها المبلغ الذي دفعه الشاهد ، ولما كان القانون لا يستلزم لثبوت العادة في جريمة ممارسة الدعارة طريقة معينة من طـرق الإثبـات ، وكان ما أورده الحكم في مدوناته يكفي في اثبات أن الطاعنة قد اعتادت ارتكاب الفحشاء مع الناس بغير تمييز مقابل أجر بما تتوافر به أركان الجريمة المسندة اليها ، وكان إثبات العناصر الواقعية للجريمة وركن الاعتياد علي ممارسة الدعارة مرجعه الي محكمة الموضوع بغير معقب مادام تدليل الحكم علي ذلك سائغاً كما هو الحال في الدعوي الماثلة فإن منعي الطاعنة في هذا الصـدد ينحـل الي جـدل موضوعي وهو ما لا يجوز اثارتـه أمام محكمة النقض (13).
كما قضي بأنه من حيث إن الحكم المطعون فيه عول فى إثبات ركن الاعتياد
على ممارسة الدعارة على ما دلت عليه التحريات وعلى إقرار الطاعنة - فى محضر الضبط بممارستها الدعارة منذ سنة سابقة على تاريخ الضبط مع أناس آخرين كانوا يترددون عليها وعلى أقوال المحكوم عليه الآخر.....فى محضر الضبط من سبق تردده على الطاعنة وممارسة الجنس معها أكثر من مرة ، ولما كان القانون لا يستلزم لثبوت العادة فى جريمة ممارسة الدعارة طريقة معينة من طرق الإثبات ، وكان ما أورده الحكم فى مدوناته يكفى فى إثبات أن الطاعنة قد اعتادت ارتكاب الفحشاء مع آخرين بغير تمييز بما تتوافر به أركان الجريمة المسندة إليها ، وكان إثبات العناصر الواقعية للجريمة وركن الاعتياد على ممارسة الدعارة مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب مادام تدليل الحكم على ذلك سائغاً ـ كما هو الحال فى الدعوى الماثلة ـ فإن منعى الطاعنة فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى وهو مـا لا يجوز إثارته أمـام محكمـة النقض(14).
ــــــــــــــــــــــــــ
(12) أنظر نقض 3 أبريل سنة 1956 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 7 رقم 143 ص 489 .
(13) أنظر نقض 8 مايو سنة 1980 مجموعة أحكام محكمة النقض س 31 رقم 114 ص 593 .
(14) أنظر الطعن رقم 1146 - لسنــة 67 - تاريخ الجلسة 16 / 2 / 2006 .
أثر الحكم النهائي علي حالة الاعتياد :
إذا حكـم نهائياً بالبراءة أو الادانة في تهمة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة ، فإن الحكم يكون شاملاً للوقائع التي تمت قبله ولو لم يعرف بعضها ، ولا يرتكب هذا الشخص جريمة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة إلا إذا ارتكبت واقعتين علي الأقل ، أما إذا ارتكب واقعة واحدة فلا يسوغ القول بأنه ارتكب الجريمة ، ذلك أن الحكم السابق قد عاقبه علي الوقائـع السابقـة عليه باعتبارها عنصراً من عناصر الاعتياد الذي دانه به ، ومن ثم فلا يجوز اتخاذها عنصـراً لإعتياد جديد وإلا كان ذلك تكراراً لمحاكمته علي ذات الوقائع ، الأمر الذي تنص المـادة 454 من قانـون الإجراءات الجنائية صراحة علي عدم جوازه (15).
وقد استقر قضاء محكمـة النقض علي أنه لا يقبل ممن وقع عليه الفعل الفاحش أن يرفع دعواه مباشرة أمام المحاكم الجنائية أو أن يدعي بحقوق مدنية في الدعوي المرفوعة من النيابة ، وذلك لأن القانون لا يعاقب علي فعل الفجور أو الدعارة في ذاته ، وإنما يعاقب علي الاعتياد علي هذا الفعل وهو وصف معنوي قائم بذات الموصوف يستحيل عقلاً أن يضر بأحد معين(16).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(15) أنظر نقض 19 أكتوبر سنة 1953 مجموعة أحكـام محكمة النقض س 5 رقم 11 ص 33. وهذا الحكم خاص بتهمة اقراض بفوائد تزيد علي الحد الأقصي ، إلا أن المبادئ العامة الخاصة بركن الاعتياد تسري علي حالة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة لإتحادهما فى شرط الاعتياد .
(16) أنظر نقض 2 أبريل سنة 1945 مجموعة القواعد القانونية جـ 6 رقم 543 ص 671 ، وهذا الحكم خاص بجريمة الاعتياد علي الإقراض بربا فاحش وهو يتماثل مع حالة الاعتياد علي الفجور والدعارة .
بيان الواقعة :
يقتضي بيان الواقعة في هذه الجريمة أن تبين محكمة الموضوع وقائع الفجور أو الدعارة تواريخها ، وذلك حتي يتسني لمحكمة النقض مراجعة صحة تطبيق القانون عليها ، وإلا كان الحكم بالإدانة قاصراً (17) ، ولكن إذا لم تتوصل محكمة الموضوع الي معرفة اليوم أو الشهر اللذين وقعت فيهما كل واقعة من وقائع الفجور أو الدعارة فيكفي التحديد فيها بالتقريب ، وإذا إستبانت المحكمة أنه
لم يمض بين كل واقعة وأخري وبين الواقعة الأخيرة أو رفع الدعوي مدة السقوط فلا معقب عليها متي كان استخلاصها لذلك من الوقائع التي ساقتها سليمـاً (18).
كما قضي بأنه لما كانت جرائم إدارة بيت للدعارة وممارسة الفجور والدعارة هي من جرائم العادة التي لا تقوم إلا بتحقق ثبوتها، ولئن كان من المقرر أن تحقق ثبوت الاعتياد على الدعارة هو من الأمور التي تخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع إلا أنه يشترط أن يكون تقديرها في ذلك سائغا، وكان هذا الذي أورده الحكم لا ينبئ على إطلاقه عن توافر ركن الاعتياد وخاصة وأن الحكم لم يحصل في مدوناته شهادة شاهد أنه التقى بالطاعنتين أو المتهمة الأخرى قبل تلك المرة وفي وقت لا يعاصر وقت الضبط وكان تكرار الفعل ممن تأتي الدعارة في مسرح واحد للإثم لا يكفي لتكوين العادة ولو ضم المجلس أكثر من رجل ذلك أن الاعتياد إنما يتميز بتكرار المناسبة أو الظروف وكان الحكم بما أورده لا يكفي لإثبات توافر ركن الاعتياد الذي لا تقوم الجرائم المتقدم بيانها عند تخلفه فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة(19).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(17) أنظر نقض 16 ديسمبر سنة 1947 مجموعة القواعـد القانونية ج 7 رقم 457 ص 429 ؛ نقض 18 ديسمبر سنة 1939 ج 5 رقم 31 ص 48 - وهذه الأحكام فى شأن اقراض بالربا الفاحش وهي تنطبق علي جرائم الفجور والدعارة .
(18) أنظر نقض 27 ديسمبر سنة 1933 مجموعة القواعـد القانونيـة ج 3 رقم 178 ص 222 .
(19) أنظر الطعن رقم 20574 - لسنــة 66 - تاريخ الجلسة 7 / 12 / 2005 .
القصد الجنائى
عناصر القصد الجنائى فى جريمة الاعتياد على الفجور أو الدعارة :
هذه الجريمة عمدية ، ومن ثم فإنه يتعين أن يتوافر لدي المتهم القصد الجنائي ، ويكتفي المشرع بالقصد العام في هذه الجريمة (20) ، وهو يقوم علي عنصري العلم والارادة ، فيجب أن تتجه إرادة الجاني صوب ارتكاب الفعل المكون للركن المادي للجريمة مع انصراف علمه الي عناصر الجريمة .
ــــــــــــــــــــــــ
(20) أنظر عكس هذا الرأي الدكتور ادوار غالي الذهبي الذي يري أنه يجب توافر قصد جنائي خاص فى هذه الجريمة هو قصد " ارضــاء شهوة الغير بدون تمييز " .
المرجع السابق : بند 130 ، ص 203 .
(أولاً) العلم :
العلم الذي يتطلب القانون ثبوته لقيام القصد الجنائي في جريمة الاعتياد علي الفجور أو الدعارة هو علم الجاني بأنه يباشر فعل الفحشاء مع الغير ، أما لو اتصلت الأنثي التي تمارس الدعارة بزوجها ثم تبين فيما بعد أنه كان قد طلقها دون أن تعلم فإن فعلها هذا لا يعتبر ممارسة للدعارة لأن القصد الجنائي لديها غير متوافر لإنتفاء العلم.
أما العلم بالقانون فهو مفترض ، فلا يقبل الدفـع بالقول بأن القانون يبيح الأفعال الجنسية بالرضا لمن بلغ ثمانية عشر عاماً ، فهذا الدفع غير صحيح لأن ممارسة هذا الفعل مشروطة بألا يكون ذلك بدون تمييز.
ولا حرج علي القاضي في استظهار هذا العلم من ظروف الدعوي وملابساتها علي أي نحو يراه مؤدياً الي ذلك مادام يتضح من مدونات حكمه توافر هذا القصد توافراً فعلياً ، فلمحكمة الموضوع استخلاص القصد الجنائي في جرائم الدعارة علي أي نحو تراه متي كان ما حصلته لا يخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كانت الطاعنة لا تجادل في علمها بممارسة الفتيات المقيمات بمسكنها الدعارة وانما تقتصر مجادلتها علي انتفاء القصد الجنائي لديها ، وكان تقدير القصد الجنائي أو عدم قيامه من ظروف الدعوي يعد مسألة تتعلق بالوقائع تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ، وكان ما أثبته الحكم علي ما تقدم ذكره من أن ممارسة الفتيات السالف ذكرهن الدعارة كان معلوماً للطاعنة مما قررته من أنها كانت تعلم بذلك ، فإن هذا الذي أورده الحكم يعد سائغاً لإستظهار تحقق القصد الجنائي لدي الطاعنة في الجريمة التي دانها بها
(21).
ولكن إذا دفع المتهم بإنتفاء العلم لديه فإنه يجب علي المحكمة أن ترد علي هذا الدفع بأسباب صحيحة سائغة مستمدة من أوراق الدعوي لاسيما إذا كان في ظروف الدعوي ما يسمح بإنتفاء العلم .
ـــــــــــــــــــــ
(21) أنظر نقض 4 أبريل سنة 1977 مجموعـة أحكـام محكمة النقض س 28 رقم 96 ص 463 .
(ثانياً ) الإرادة :
يجب أن تكون إرادة المتهم قد اتجهت الي ارتكاب الفعل المكون للجريمة ، وأن تكون إرادة معتبرة قانوناًً ، أي إرادة متميزة مختارة. وبناء علي ذلك إذا أكره شخص علي ممارسة أفعال الفحشاء تنتفي الجريمة لتخلف عنصر الإرادة ، وإذا دفع المتهم بإنتفاء الإرادة لديه فقد وجب علي المحكمة أن ترد عليه بأسباب سائغـة ، ولكنها لا تلتزم بالرد عليه صراحة ، فيجوز أن يكون الرد عليه مستفاداً من أدلة الثبوت الأخري التي عول عليها الحكم في الإدانة.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كان دفاع الطاعنة من أن زوجها كان يكرهها علي ممارسة الدعارة طوال السبع سنوات السابقة علي الحادث لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً ، فان النعي علي الحكم في هـذا الخصوص لا يكون في محله (22).
ومن المستقر فقهاً وقضاء أن الباعث علي ارتكاب الجريمة لا يعتبر من عناصر القصد الجنائي ، ومن ثم فإن دفع المتهمة بجريمة الاعتياد علي الدعارة بأنها فقيرة وتمارس هذا العمل بقصد إعالة أسرتها لا ينفي توافـر القصد الجنائي في حقها .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(22) أنظر نقض 3 مايو سنة 1971 مجموعة أحكام محكمة النقض سنة 22 رقم 95 ص 390
المسئولية الجنائية عن أفعال شريك المـرأة الداعـرة :
يسأل الشريك عن الأفعال التي قارفها والتي إما أن تشكل أفعال مساهمة أصلية ، أو أفعال مساهمة تبعية .
عقوبة جريمة الاعتياد علي ممارسة الفجور
( أولاً ) العقوبة الأصلية :
تنص المادة 9 /ج من القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة علي أن يعاقب مرتكب هذه الجريمة " بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد علي ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين ".
ويلاحظ أن المشرع قد حدد حداً أدني لعقوبة الحبس لا يقل عن ثلاثة أشهر ، وبالتالي فلا يجوز للقاضي النزول عن هذا الحد وإلا أصبح حكمه مشوباً بالخطأ في تطبيق القانون.
وتطبيقاً لذلك فقد حكم بأنه لما كـان نص المادة التاسعة من القانون رقم 10 لسنة 1961 في شأن مكافحة الدعارة يعاقب بالحبس مدة لا تقـل عن ثلاثة شهور ولا تزيد علي ثلاثة سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تزيد علي ثلاثمائة جنيه ، كل من اعتـاد ممارسة الفجـور أو الدعارة ، وكان الحكم المستأنف قد قضي في حدود القانون بعقوبة الحبس بحدها الأدني ، بيد أن الحكـم المطعون فيه قد نـزل بهذه العقوبة الي شهر واحد مع الشغل وهو دون ذلك الحد الأدني فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ممـا يتعين معه تصحيحه والحكم بمقتضي القانون بتأييد الحكم المستأنف (23).
ـــــــــــــــــــــ
(23) أنظر نقض 17 أكتوبر سنة 1982 طعن رقم 114 سنة 50 قضائية.
(ثانياً) عقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة :
تنص المادة 15 من قانون مكافحة الدعارة علي أنه " يستتبـع الحكم في إحدي الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وضع المحكوم عليه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة وذلك دون إخـلال بالأحكـام الخاصـة بالمتشردين ".
ومفاد النص سالف الذكر أنه لا يجوز الحكم بعقوبة الوضع تحت مراقبة الشرطة إلا في حالة الحكم بإدانة المتهم في إحدي الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
كما يلاحظ أن الوضع تحت مراقبة الشرطة لا يقضي به إلا إذا قضي بعقوبة الحبس.
وقد حكم تطبيقاً لذلك بأن دلالة هذا النص في صريح عبارته أنه لا يقضي بوضع الجاني تحت مراقبة الشرطة إلا إذا قضي بحبسه ، ذلك أنه حدد مدة المراقبة بجعلها مساوية لمدة العقوبة ، ولا يمكن بداهة إجراء تحديد هذه المدة إلا في حالة القضاء بعقوبة الحبس ، ولو أراد المشرع أن يقضي بوضع المتهم تحت
مراقبة الشرطة في حالة الحكم عليه بالغرامة لنص علي ذلك صراحة وبتحديد لمدتها (24).
ويقرر القانون أن التاريخ المحدد لإنقضاء مراقبة الشرطة لا يجوز أن يمتد بسبب قضاء الشخص المراقب مدة الحبس أو بسبب تغيبه عن محـل إقامتـه (25) ، ويعني ذلك أن اليـوم المحدد لإنقضاء مراقبة الشرطة لا يقبل إرجاء ، ولو تهرب المحكوم عليه أثناء مدة المراقبة بعد الخضوع لأحكامها ، وذلك لأن الهدف من المراقبة هو منع المحكوم عليه بها من تهديد الأمن العام ، فهي تستنفذ أغراضها عند مضي المدة المحددة لها ، دون أن تقع أية جريمة منه ، وإذا وقعت منه أية جريمة فهو يخضع للقانون من جديد ويعاقب بمقتضاه. لذا فإنه إذا قضي حكم الإدانة بعقوبتي الحبس والوضع تحت مراقبة الشرطة معاً وجب عليه أن يحدد بدء المراقبة من يوم الإفــراج عن المحكوم عليه لا من يوم صدوره (26) ، وذلك حتي لا يؤدي إغفال هذا التحديد الي عدم تنفيذ المراقبة التي قضي بها ، وتفويت ما قصد اليه الشارع من تقريرها.
وتطبيقاً لذلك فقد قضي بأنه لما كان الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه لم يحدد مبدأ المراقبة ومدتها ، فإنه طبقاً للفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات واجراءات الطعن أمام محكمة النقض يتعين نقض الحكم نقضاً جزئياً وجعل مدة المراقبة المحكوم بها مساوية لعقوبة الحبس علي أن يبدأ تنفيذها من تاريخ انتهاء عقوبة الحبس (27).
ويترتب علي الإنتهاء الحتمي لمراقبة الشرطة ، أنها تعبر منفذة من تلقاء ذاتها ، أي أنه لا يتصور أن تبقي دون تنفيذ ، ومؤدي ذلك أنها لا تسقط بالتقادم لأن هذا السبب لإنقضاء العقوبة يفترض عدم تنفيذهـا (28).
ـــــــــــــــــــــــ
(24) أنظر نقض 3 مايو سنة 1971 سالف الذكر .
(25) أنظر نقض 7 مايو سنة 1957 مجموعة أحكام محكمة النقض س 8 رقم 132 ص 480 .
(26) أنظر نقض 13 أبريل سنة 1953 مجموعة أحكام محكمة النقض س 4 رقم 253 ص 697 .
(27) أنظر نقض 8 يناير سنة 1973 مجموعة أحكام محكمة النقض س 24 رقم 14 ص 54 .
(28) أنظر الدكتور محمود محمود مصطفي : شرح قانون العقوبات " القسم العام ". القاهرة ، بند 430 ، ص 596 .