ماهية الخلع
أولاً : المقصود بالخلع :
لكي نوضح المراد بالخلع يجب إيضاح معناه في اللغة ثم في الفقه :
1- الخلع لغة : الخلع بضم الخاء في اللغة يعني النزع ، والخلع يؤخذ من خلع الثوب أو نزعه ، وذلك لأن كل من الزوجين لباساً للآخر ، حيث يقول تعالي : هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ " ، فإذا وقع الخلع كان كمن نزع ثوبه عنه والخلع عند علماء اللغة أيضاً ، هو التفرقة بين الزوجين بعوض للزوج .
2- الخلع فقهاً : وردت العديد من التعريفات للخلع عند أئمة الفقه الإسلامي ، ونكتفي في هذا الصدد بإيراد تعريف الخلع في المذاهب الأربعة ومن بينها المذهب الحنفي باعتباره المعمول به في مصر ، كما أنه يعد المصدر للعديد من قوانين الأحوال الشخصية والوقف ، إضافة إلي كونه المرجع في حالة عدم وجود نص قانوني .
الخلع عند الحنفية هو : إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع " ، كما أنه - أي الخلع - في اصطلاح الفقهاء افتراق بالتراضي مقابل عوض تدفعه الزوجة عوضا لزوجها عن خسارته بسبب الطلاق .
أما الشافعية فالخلع عندهم هو : " في الشرع فرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع " .
ويري المالكية أن الخلع هو : " طلاق بعوض " .
والخلع عند الحنابلة هو : " فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة " .
وفى الفقه المصرى يعرف الخلع بأنه : افتداء المرأة من زوجها الكارهة له بمال تدفعه إليه ليخلى عنها ، وعرفة الفقهاء أيضا بأنه " فراق الرجل زوجته ببدل يحصل عليه " .
ثانياً : أساس مشروعية الخلع .
لا شك أن الشريعة الإسلامية تعد المصدر الأول لنظام الخلع ، وقد استقي منها القانون رقم (1) لسنة 2000 هذا النظام ، وفيما يلي نورد الأساس الشرعي للخلع في الكتاب والسنة :
القرآن الكريم : يتجلى السند الشرعي للخلع في قوله تعالي : " الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ " .( )
ووجه الاستدلال أن الآية الكريمة أجازت للزوجة افتداء نفسها بعوض أو بدل إذا خافت ألا تقيم حدود الله.
السنة النبوية الشريفة : وردت العديد من الحالات التي تبيح الخلع في السنة النبوية الشريفة وهي :
وما رواه النسائي ، والبخاري عن عكرمة عن إبن عباس t " أن جميله بنت عبد الله بن أبي ، أمرآة ثابت بن قيس ، وكانت تبغضه ويحبها ، أتت رسول الله e فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ما أطيقه بغضاً ، وكان قد أصدقها حديقة ، فقال رسول الله e أتردين عليه حديقته ؟ فقالت نعم وزيادة ، فقال لها أما الزيادة فلا ، وقال لثابت بن قيس ٌبل الحديقة وطلقها تطليقه ، فاختلعت منه بمهرها .
وورد في تفسير القرطبي عن هذه الواقعة ما نصه " أول من خالع في أخت عبد الله بن أبي ، أتت النبي فقالت يا رسول الله ، لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً ، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عده إذ هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً ، فقال أتردين عليه حديقته ؟ قالت نعم وإن شاء زدته ، ففرق بينهما " . (2 )
-لم تكن حالة قيس بن ثابت وجميلة بنت عبد الله بن أبي ، هي الوحيدة التي دللت علي مشروعية الخلع في السنة ، بل هناك حالتين أخرتين ، فقد روي أن (حبيبية بنت سهل ) افتدت من زوجها بحديقتين كانتا مهرها ، وطلقت منه . ( 3)
-أما الحالة الثالثة فكانت لأخت الصحابي الجليل (أبي سعيد الخدري ) t ، والتي تشاكت هي وزوجها إلي المصطفي e ، وكان قد أصدقها حديقة أيضاً ، فأمرها الرسول e أن ترد إليه حديقته (مهرها) في سبيل تطليقها ( 4)
حكمة مشروعية الخلع : يقول تعالي : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " (5 ).
ويقول تعالي " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً "(6 ).
ومن هذه الآيات الكريمة ، يتضح أن الأساس في الحياة الزوجية هو المودة والرحمة وحسن المعاشرة ، وحرص كل من الزوجين علي الآخر ، إلا أنه قد يحدث الشقاق والكراهية بين الزوجين ، ويتضاعف البغض وتصبح الحياة الزوجة والعشرة بين الزوجين مستحيلة ، وتضحي هذه الحياة عبء لا يطاق في كل جوانبها فلا يأنس زوج بزوجته ، ولا تشتاق هي إليه .
وقد يرفض الرجل الطلاق لما في ذلك من أعباء مالية عليه للزوجة كحقوقها الشرعية إضافة إلي ما أنفقه في سبيل تأسيس هذه الحياة الزوجية ، لذلك أباح الإسلام للزوجة افتداء نفسها بأن تخالع زوجها في سبيل تنازلها عن حقوقها المالية الشرعية المترتبة علي عقد الزواج ، وكان في مثل هذا الحل رفع للحرج والضيق بين الزوجين ، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق ، وتحريراً لكل من الزوجين ، حتي يمضي في طريقة فقد يرزق الله كلاهما ببديلاً خيراً من صاحبه ، مصداقاً لقوله تعالي : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً " (7 )
كما أن الخلع يعفي الزوجة أيضاًً من البوح بأسرار حياتها الزوجية ، وقد يكون في إفشائها لهذه الأسرار ما يؤدي إلي إيذاء مشاعر الزوج أمام الناس أو أمام أولاده
ثالثاً: الأساس القانونى .
نصت المادة 20 من القانون 1 لسنة 2000 على أنه : للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا فيما بينهما عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلقة وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه .
ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبها لحكمين لموالاة مساعى الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر على الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة 18 والفقرتين الأولى والثانية من المادة 19 من هذا القانون .
وبعد أن تقرر الزوجة صراحة إنها تبغض الحياة مع زوجها وإنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو آى حق من حقوقهم ، ويقع الخلع فى جميع الأحوال طلاق بائن.
ويكون الحكم- فى جميع الأحوال- غير قابل للطعن عليه باى طريق من طرق الطعن.
رابعاً: شروط الخلع . (8 )
أ ) أن يكون البغض من الزوجة .
ب) أن تطالب به عندما تبلغ بها درجة من الضرر تخشى معها ألا تقيم به حدود الله فى نفسها أو فى حقوق زوجها .
ج) ألا يتعمد الزوج إيذاء الزوجة حتى تخالع منه فإن فعل ذلك لا يحل له أن يأخذ شيئاً .
د) عدة المخالعة أن كانت بلفظ الخلع أعتدت بحيضه واحدة لأمر رسول الله r لامرأة ثابت أن تعتد بحيضه وإن كان بلفظ الطلاق يرى الجمهور إنها تعتد بثلاث قروء والقرْء هو الطهر والطهر هو الحيض لقوله تعالى : "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ" . ( 9)
هـ) لا يملك الزوج المخالع مراجعة المخالعة فى العدة لصيرورته بائناً .
و) يجوز للأب أن يخالع عن أبنته الصغيرة نيابة عنها لعدم رشدها .
ويمكن توضيح هذه الشروط توضيحاً بسيطاً كما يلى :
1. رضاء الزوجين : لأن الزوج يسقط حقه قبل زوجته فيشترط رضاه كم يترتب عليه إلزام الزوجة بالعوض الذى تم الاتفاق عليه فلابد من رضاها .
2. أن تكون الزوجة محلاً للطلاق : فلا يصح للزوج أن يخلع زوجته فى حالة كونها مطلقه منه طلقة بائنـه ولا بعد الردة ولا فى النكاح الفاسد لزوال الملك بالبينونة والردة وفساد النكاح ، ولكن يصح له أن يخالعها إن كان الطلاق رجعى لأنه يملك مراجعتها .
3. أهليه الزوج : فلا يصح الخلع لو كان الزوج صغير أو مجنون أو معتوه لأن الأصل لا يصح الطلاق منهم كذلك لا يصح الخلع منهم .
4. أن يكون بصيغه الخلع : أو ما يدل على معناه كالافتداء أو الإبراء وقول الزوج خالعتك على خمسمائه جنيه أو على مؤخر الصداق فتقبل ذلك .
5. أن يكون الخلع على بدل من الزوجة : أى بعوض زوجها حتى يصبح أمرها بيدها فإن خلا الخلع من ذكر العوض لا يكون خلعاً ويصبح طلاقاً بلفظ من ألفاظ الكناية بنية الطلاق فهو رجعى وإلا لا يقع الطلاق .
_______________________
(1) - الآية (229) من سورة البقرة .
(2) - الأستاذة أماني السكري - دعوي الخلع في ضوء قانون إنشاء محاكم الأسرة - ص (41)- دار المجد للنشر والتوزيع .
(3) - شرح السنة للبغوي - ج9- ص194.
(4) - رواه الدارقطني والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، كما ورد في تفسير القرطبي ج3-ص141.
(5) - الآية (21) من سورة الروم.
(6) - الآية (19) من سورة النساء .
(7) - الآية (130) من سورة النساء .
( - راجع الخلع للمسلمين وغير المسلمين للأستاذ/ عبد الحكم سلمان .
(9) - الآية (228) من سورة البقرة .
أولاً : المقصود بالخلع :
لكي نوضح المراد بالخلع يجب إيضاح معناه في اللغة ثم في الفقه :
1- الخلع لغة : الخلع بضم الخاء في اللغة يعني النزع ، والخلع يؤخذ من خلع الثوب أو نزعه ، وذلك لأن كل من الزوجين لباساً للآخر ، حيث يقول تعالي : هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ " ، فإذا وقع الخلع كان كمن نزع ثوبه عنه والخلع عند علماء اللغة أيضاً ، هو التفرقة بين الزوجين بعوض للزوج .
2- الخلع فقهاً : وردت العديد من التعريفات للخلع عند أئمة الفقه الإسلامي ، ونكتفي في هذا الصدد بإيراد تعريف الخلع في المذاهب الأربعة ومن بينها المذهب الحنفي باعتباره المعمول به في مصر ، كما أنه يعد المصدر للعديد من قوانين الأحوال الشخصية والوقف ، إضافة إلي كونه المرجع في حالة عدم وجود نص قانوني .
الخلع عند الحنفية هو : إزالة ملك النكاح ببدل بلفظ الخلع " ، كما أنه - أي الخلع - في اصطلاح الفقهاء افتراق بالتراضي مقابل عوض تدفعه الزوجة عوضا لزوجها عن خسارته بسبب الطلاق .
أما الشافعية فالخلع عندهم هو : " في الشرع فرقة بين الزوجين بعوض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خلع " .
ويري المالكية أن الخلع هو : " طلاق بعوض " .
والخلع عند الحنابلة هو : " فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة " .
وفى الفقه المصرى يعرف الخلع بأنه : افتداء المرأة من زوجها الكارهة له بمال تدفعه إليه ليخلى عنها ، وعرفة الفقهاء أيضا بأنه " فراق الرجل زوجته ببدل يحصل عليه " .
ثانياً : أساس مشروعية الخلع .
لا شك أن الشريعة الإسلامية تعد المصدر الأول لنظام الخلع ، وقد استقي منها القانون رقم (1) لسنة 2000 هذا النظام ، وفيما يلي نورد الأساس الشرعي للخلع في الكتاب والسنة :
القرآن الكريم : يتجلى السند الشرعي للخلع في قوله تعالي : " الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ " .( )
ووجه الاستدلال أن الآية الكريمة أجازت للزوجة افتداء نفسها بعوض أو بدل إذا خافت ألا تقيم حدود الله.
السنة النبوية الشريفة : وردت العديد من الحالات التي تبيح الخلع في السنة النبوية الشريفة وهي :
وما رواه النسائي ، والبخاري عن عكرمة عن إبن عباس t " أن جميله بنت عبد الله بن أبي ، أمرآة ثابت بن قيس ، وكانت تبغضه ويحبها ، أتت رسول الله e فقالت يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام ما أطيقه بغضاً ، وكان قد أصدقها حديقة ، فقال رسول الله e أتردين عليه حديقته ؟ فقالت نعم وزيادة ، فقال لها أما الزيادة فلا ، وقال لثابت بن قيس ٌبل الحديقة وطلقها تطليقه ، فاختلعت منه بمهرها .
وورد في تفسير القرطبي عن هذه الواقعة ما نصه " أول من خالع في أخت عبد الله بن أبي ، أتت النبي فقالت يا رسول الله ، لا يجتمع رأسي ورأسه أبداً ، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عده إذ هو أشدهم سواداً وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهاً ، فقال أتردين عليه حديقته ؟ قالت نعم وإن شاء زدته ، ففرق بينهما " . (2 )
-لم تكن حالة قيس بن ثابت وجميلة بنت عبد الله بن أبي ، هي الوحيدة التي دللت علي مشروعية الخلع في السنة ، بل هناك حالتين أخرتين ، فقد روي أن (حبيبية بنت سهل ) افتدت من زوجها بحديقتين كانتا مهرها ، وطلقت منه . ( 3)
-أما الحالة الثالثة فكانت لأخت الصحابي الجليل (أبي سعيد الخدري ) t ، والتي تشاكت هي وزوجها إلي المصطفي e ، وكان قد أصدقها حديقة أيضاً ، فأمرها الرسول e أن ترد إليه حديقته (مهرها) في سبيل تطليقها ( 4)
حكمة مشروعية الخلع : يقول تعالي : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " (5 ).
ويقول تعالي " وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً "(6 ).
ومن هذه الآيات الكريمة ، يتضح أن الأساس في الحياة الزوجية هو المودة والرحمة وحسن المعاشرة ، وحرص كل من الزوجين علي الآخر ، إلا أنه قد يحدث الشقاق والكراهية بين الزوجين ، ويتضاعف البغض وتصبح الحياة الزوجة والعشرة بين الزوجين مستحيلة ، وتضحي هذه الحياة عبء لا يطاق في كل جوانبها فلا يأنس زوج بزوجته ، ولا تشتاق هي إليه .
وقد يرفض الرجل الطلاق لما في ذلك من أعباء مالية عليه للزوجة كحقوقها الشرعية إضافة إلي ما أنفقه في سبيل تأسيس هذه الحياة الزوجية ، لذلك أباح الإسلام للزوجة افتداء نفسها بأن تخالع زوجها في سبيل تنازلها عن حقوقها المالية الشرعية المترتبة علي عقد الزواج ، وكان في مثل هذا الحل رفع للحرج والضيق بين الزوجين ، وعدم تحميل النفس ما لا تطيق ، وتحريراً لكل من الزوجين ، حتي يمضي في طريقة فقد يرزق الله كلاهما ببديلاً خيراً من صاحبه ، مصداقاً لقوله تعالي : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً " (7 )
كما أن الخلع يعفي الزوجة أيضاًً من البوح بأسرار حياتها الزوجية ، وقد يكون في إفشائها لهذه الأسرار ما يؤدي إلي إيذاء مشاعر الزوج أمام الناس أو أمام أولاده
ثالثاً: الأساس القانونى .
نصت المادة 20 من القانون 1 لسنة 2000 على أنه : للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع فإن لم يتراضيا فيما بينهما عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلقة وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية وردت عليه الصداق الذى أعطاه لها حكمت المحكمة بتطليقها عليه .
ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين وندبها لحكمين لموالاة مساعى الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر على الوجه المبين بالفقرة الثانية من المادة 18 والفقرتين الأولى والثانية من المادة 19 من هذا القانون .
وبعد أن تقرر الزوجة صراحة إنها تبغض الحياة مع زوجها وإنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض ولا يصح أن يكون مقابل الخلع إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو آى حق من حقوقهم ، ويقع الخلع فى جميع الأحوال طلاق بائن.
ويكون الحكم- فى جميع الأحوال- غير قابل للطعن عليه باى طريق من طرق الطعن.
رابعاً: شروط الخلع . (8 )
أ ) أن يكون البغض من الزوجة .
ب) أن تطالب به عندما تبلغ بها درجة من الضرر تخشى معها ألا تقيم به حدود الله فى نفسها أو فى حقوق زوجها .
ج) ألا يتعمد الزوج إيذاء الزوجة حتى تخالع منه فإن فعل ذلك لا يحل له أن يأخذ شيئاً .
د) عدة المخالعة أن كانت بلفظ الخلع أعتدت بحيضه واحدة لأمر رسول الله r لامرأة ثابت أن تعتد بحيضه وإن كان بلفظ الطلاق يرى الجمهور إنها تعتد بثلاث قروء والقرْء هو الطهر والطهر هو الحيض لقوله تعالى : "وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ" . ( 9)
هـ) لا يملك الزوج المخالع مراجعة المخالعة فى العدة لصيرورته بائناً .
و) يجوز للأب أن يخالع عن أبنته الصغيرة نيابة عنها لعدم رشدها .
ويمكن توضيح هذه الشروط توضيحاً بسيطاً كما يلى :
1. رضاء الزوجين : لأن الزوج يسقط حقه قبل زوجته فيشترط رضاه كم يترتب عليه إلزام الزوجة بالعوض الذى تم الاتفاق عليه فلابد من رضاها .
2. أن تكون الزوجة محلاً للطلاق : فلا يصح للزوج أن يخلع زوجته فى حالة كونها مطلقه منه طلقة بائنـه ولا بعد الردة ولا فى النكاح الفاسد لزوال الملك بالبينونة والردة وفساد النكاح ، ولكن يصح له أن يخالعها إن كان الطلاق رجعى لأنه يملك مراجعتها .
3. أهليه الزوج : فلا يصح الخلع لو كان الزوج صغير أو مجنون أو معتوه لأن الأصل لا يصح الطلاق منهم كذلك لا يصح الخلع منهم .
4. أن يكون بصيغه الخلع : أو ما يدل على معناه كالافتداء أو الإبراء وقول الزوج خالعتك على خمسمائه جنيه أو على مؤخر الصداق فتقبل ذلك .
5. أن يكون الخلع على بدل من الزوجة : أى بعوض زوجها حتى يصبح أمرها بيدها فإن خلا الخلع من ذكر العوض لا يكون خلعاً ويصبح طلاقاً بلفظ من ألفاظ الكناية بنية الطلاق فهو رجعى وإلا لا يقع الطلاق .
_______________________
(1) - الآية (229) من سورة البقرة .
(2) - الأستاذة أماني السكري - دعوي الخلع في ضوء قانون إنشاء محاكم الأسرة - ص (41)- دار المجد للنشر والتوزيع .
(3) - شرح السنة للبغوي - ج9- ص194.
(4) - رواه الدارقطني والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، كما ورد في تفسير القرطبي ج3-ص141.
(5) - الآية (21) من سورة الروم.
(6) - الآية (19) من سورة النساء .
(7) - الآية (130) من سورة النساء .
( - راجع الخلع للمسلمين وغير المسلمين للأستاذ/ عبد الحكم سلمان .
(9) - الآية (228) من سورة البقرة .