-        الجريمة المستمرة :
     هى الجريمة التى يتكون الركن المادى فيها من فعل يحتمل بطبيعته الاستمرار ، وذلك بالمقابلة مع الجريمة الوقتية التى يتكون الركن المادى فيها من فعل ينتج أثره المطلوب او نتيجة الاجرامية حال وقوعه او فى وقت محدود ، والامثلة كثيرة للجرائم الوقتية كالسرقة والضرب والقتل والنصب، وهى تشمل معظم الجرائم .
      أما الجريمة المستمرة فالواقعة الاجرامية فيها عبارة عن حالة تنشأ عن فعل أو عن امتناع، وتستمر الا اذا اوقفت هذه الحالة بإرادة الجانى أو بالقبض عليه وتقديمه للمحاكمة وامثلة الجريمة المستمرة التى تنشأ عن فعل هى حيازة او احراز المخدرات أو إحراز سلاح بدون ترخيص او حبس شخص بدون وجه حق . اما الجريمة المستمرة التى تنشأ عن امتناع او عن عمل سلبى فمثالها جريمة الامتناع عن تسليم طفل الى من له الحق فى حضانته شرعا ، او الامتناع عن الاداء بالشهادة .
       ويفرق الفقه بين الجريمة المستمره استمرارا ثابتا والجريمة المستمرة استمرارا متجددا . والاستمرار الثابت هو بقاء الحالة على ما اصبحت عليه بعد ارتكاب الفعل ، دون حاجة الى تدخل ارادة الجانى لبقاء حالة الاستمرار، مثل اقامة جدار او بناء خارج التنظيم او لصق الاعلانات فى مكان غير مسموح به .
 
     أما الاستمرار المتجدد : فهو الذى يتطلب تدخلا اراديا من جانب الجانى لابقاء حالة الاستمرارونبادر الى القول بأن صورة الاستمرار الثابت لا تمثل بحال من الاحوال وضع الاستمرار الذى يميز الجريمة المستمرة . فمادام هذا الاستمرار لا تتدخل فيه اراده الجانى فإن الجريمة لا تكون حينئذ الا جريمة وقتية ذات اثر مستمر ، وهذا هو الوضع بالنسبة لمعظم الجرائم الوقتية مثل القتل او الضرب الذى يقضى الى عاهة مستديمة او الكثير من حالات جريمة السرقة .
    فالجريمة ذاتها لاتستمر وانما أثرها هو الذى يستمر ، ولذلك فإننا نستعيد هذه الصورة من حالات الجريمة المستمرة ، لانها تدخل فى عداد الجريمة الوقتية.
       ويميز الفقه من جهة اخرى بين الجريمة المستمرة والجريمة الوقتية المتتابعة .
        فالجريمة الوقتية المتتابعة هى الصورة التى يرتكب فيها الجانى جريمته على دفعات تنفيذا لغرض اجرامى واحد واضرارا بمال قانون واحد ، كمن يضرب غريمة عدة ضربات ، او من يسرق خزانة على دفعات او من يقوم بتزييف عدة قطع من النقود وهذه الجريمة ليست جريمة مستمرة ولكنها جريمة وقتية بطبيعتها ، ثم انها جريمة واحدة بالرغم من تكرار الافعال وتعدد القصد الجنائى، وذلك نظرا لوحدة الغرض الاجرامى ووحدة المال القانونى الذى يحميه الشرع .
      وتكرار الافعال فى الجرائم الوقتية المتتابعة ، يمكن ان يجعلها تختلط مع تعدد الجرائم ، وخاصة اذا نظرنا الى كل فعل على حدة مع نتيجة الوقتية التى حققها فى الحال ولكن هناك اتفاقا تاما فى الفقه على انه لا تتوافر فى هذه الصورة سوى جريمة واحدة ، وذلك تطبيقا لمعيار التفرقة بين وحدة الجريمة وتعددها ففى هذه الحالات التى ذكرناها سابقا ، نجدان السلوك الغائى واحد بالرغم من تعدد الافعال المكونة له، والتى جمعت بينها وحدة الغاية ، ونجد من ناحية اخرى وحدة المال القانونى المعتدى عليه.
       ولقد نص القانون الايطالى على هذه الحالة وعرفها فى المادة 81/2 بقوله " لا تطبيق النصوص السابقة ( المتعلقة بنوعى التعدد الحقيقى للجرائم) على من يرتكب ولو فى اوقات مختلفة ، عده انتهاكات انفس النص القانونى بواسطة عدة افعال ايجابية او سلبية ناتجة عن غرض اجرامى واحد ، حتى ولو كانت هذه الانتهاكات على درجات متفاوته من الجسامه" وفى هذه الصورة فقد قرر قانون العقوبات الايطالى تطبيق العقوبة الاشد فى هذه الانتهاكات بزيادة مقدارها الثلث " .
       ومن الطبيعى ان تكون العقوبة هى تلك المقررة فى النص المتعلق بنفس المال القانونى وفق ما تحقق فى النهاية من نتيجة اجرامية. وتلك صورة من صور التعدد الظاهرى للنصوص الجنائية لان هذا النص الذى يتضمن الوصف الاشد يستوعب النصوص الاخرى ويكون اصليا بالمقارنة مع النصوص الاخرى التى تعتبر احتياطية .
       ولتوضيح هذه الحالة نفرض ان شخصا قام بضرب غريمه عده ضربات بعصى غليظة قاصدا قتلة واصابته الضربة الاولى اصابة خفيفة ، والثانية سببت له عاهة مستديمة ، والثالثة قضيت عليه . فتكون الواقعة فى النهاية واقعة قتل ويطبق عليها النص الخاص بالقتل . وهذا النص الاخير يستوعب النص الخاص بجريمة الضرب , والنص الخاص بالضرب الذى افضى الى عاهة مستديمة . وبالمثل اذا كان المقصود ضرب المجنى عليه فقط ، ثم انتهى الامر بضربة ضربة افضت الى عاهة مستديمة وترتب عليها الوفاة فيكون النص المطبق هو النص الخاص بجريمة الضرب الذى افضى الى عاهة مستديمة . ويجوز الحكم الصادر فى هذه الواقعة حجية الشىء المقضى فيه بالنسبة للوقائع الاخرى .