الشروط الواجب توافرها في المحكم :
المحكم بمثابة قاض يباشر سلطاته بمقتضى اتفاق الأطراف على اختياره أوب مقتضى الاتفاق على إحالة النزاع على هيئة التحكيم دون أن تحدد شخصية المحكم الذي سيفصل في النزاع ، فالمحكم لا يعد وكيلا عن أحد الأطراف المتنازعة ، وإنما يقوم بمهمة يتمتع فيها بصفة القاضي ، ومن ثم له أن يصدر حكمه لصالح أحدهم ضد الآخرين ، كما له أن يتقاضى أتعابا عن قيامه بالتحكيم بين أطراف النزاع ، ولذلك فإنه من قواعد النظام العام ألا يكون القاضي صاحب صفة أو مصلحة في النزاع المطروح أمامه ، ويقوم التحكيم على أساسين هما : صاحب إرادة الخصوم وإقرار المشرع لهذه الإرادة ، فالدولة تجيز التحكيم وتمنح الخصوم الحق في اختيار أشخاص المحكمين أو وضع القواعد التي يتم على ضوئها اختيارهم ، وتعترف للمحكمين بسلطة الفصل في بعض المنازعات ، وبذلك يحل المحكم محل المحكمة ويحل حكمه محل حكمها ، ويكون لحكم المحكمين بشروط معينة ما لأحكام القضاء من قوة تنفيذية ، ولذلك يحرص المشرع على أن يتضمن التحكيم الضمانات الأساسية التي يوفرها قضاء الدولة حماية لحقوق الخصوم . (أبو اليزيد علي ، الأصول العلمية والعملية لإجراء التقاضي ص213 وما بعدها - أحمد ابو الوفاء ، مرجع سابق ص16 - آمال أحمد العزيزي) .
والملاحظ أن القوانين الخاصة في النظم الوضعية لم تقم بالربط بين التحكيم والقضاء في خصوص المحكومين وشرائطهم ، فلم تتطلب فيهم توافر الشروط الواجب توافرها في القضاة ، وإنما تطلبت في المحكم ضرورة أن يكون كامل الأهلية المدنية ، فلا يجوز أن يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية أو مفلسا ما لم يدر إليه اعتباره ، كما أسلفنا - بالمحكم لابد أن يكون شخصا طبيعيا متمتعا بكامل أهليته المدنية وغير خصم في النزاع المعروض على التحكيم ، فلا يتصور أن يكون الشخص خصما وحكما في آن واحد ، لذلك فهذا الشرط بديهي لم ينص عليه صراحة إلا في اللائحة التنفيذية لنظم التحكيم السعودي في المادة الرابعة . كما لا يكون محكما من كانت له مصلحة في النزاع المعروض على التحكيم ، على أى وجه من الوجوه .
بناء على ما سبق لا يكون الدائن أو الكفيل أو الضامن محكما في النزاع الذي يتصل به أو تكون له فيه مصلحة أيا كانت هذه المصلحة ، وفيما عدا ذلك من شروط لا يتطلبه التحكيم في الأنظمة الوضعية ، كأن يكون المحكم رجلا ، أو ذا خبرة في المسألة محل التداعي ، أو وطنيا . (محمود هاشم ، مرجع سابق ، ص171 - فتحي والي - أبو الوفا - رمزي سيف قحطان الدوري - حسين المؤمن ووالي - أبو هيف) .
فالمادة 16/1 من قانون التحكيم المصري تشترط ألا يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد إليه اعتباره ، ويستحسن الفقه المصري ضرورة توافر الأهلية الكاملة في المحكم لخطورة مهمته والثقة المفرطة به والحجية اللصيقة بحكمه .
ولم يتطلب المشرع المصري أو الفرنسي درجة معينة من الثقافة يجب توافرها في المحكم ، أو خبرة معين في مجال المنازعة المطروحة عليه ، كما أن هذه القوانين لم تشترط في المحكم أن يكون من رجال القانون ، أو أن يكون من طائفة أو مهنة معينة
إلا أنه في المحكمين شرطان جوهريان هما : الاستقلال والحدية . فالاستقلال يعني ألا توجد للمحكم مصلحة أو ارتباط أو تبعية بأحد الطرفين ، بل يستقل لا عن الخصم الآخر فحسب ، وإنما عن الطرف الذي عينه أيضا ، وتعني الحيدة أن يكون عادلا بين الطرفين متجردا عن كل العوامل الشخصية ويلتزم فقط باعتبارات العدالة ، لذا يجب على المحكمة الابتعاد عن كل ما يمس استقلاله أو حيدته ، معلنا للأطراف عن الصلات والروابط القائمة بينه وبين أحد الأطراف والتي قد تقدح في استقلاله أو تثير الشكوك حول نزاهته ، وليس فقط وقت أو أثناء تعيينه ، وإنما أيضا طوال سير الإجراءات وحتى صدور الحكم .
وباعتبار أن المحكم مفوض من قبل أطراف الخصومة لفض المنازعات التي تثور فيما بينهم ، فأساس حكمه إرادتهم ، وقوامها ثقتهم ، وبالتالي عندما يفقد تلك الثقة أو يتجرد منها ، فإن هناك طريقا لإبعاده عن نظر النزع والفصل فيه وهو الرد .
ومن الجائز أن يكون المحكم شخصا واحدا ومن الجائز تعدده ، وليس هناك ما يمنع أن يكون المحكم امرأة ، أو غير متخصص ولا خبرة له في موضوع النزاع ، أو جاهلا القانون ، ولو كانت المسألة المطروحة عليه قانونية - لأن القانون لا يتطلب ذلك ، ويجوز أن يكون المحكم جاهلا لغة الخصوم فيحكم من واقع الأوراق المقدمة إليه ولو كانت مترجمة ، كما يجوز أن يكون المحكم على غير ديانة الخصوم ولو كان موضوع النزاع يمس الدين عن قرب (بشرط ألا يتصل النزاع النظام العام) ، ويجوز أن يكون المحكم أصما أو أبكما ، لأن القانون لا يمنع ذلك متى اتفق الخصوم على اختياره ، وعندئذ يحكم من واقع الأوراق المقدمة إليه ، ومن الجائز أيضا أن يكون المحكم أعمى لأن القانون لا يمنع ذلك . (انظر موريل وربرتواردالوز - جارسونيه - برنارد) .
ويجوز أن يكون المحكم جاهلا القراءة والكتابة بشرط ألا يكون وحده في هيئة التحكيم ، لأن القانون لا يتطلب إلا أن يوقع على الحكم أغلبية المحكمين . (برنارد - جارسونيه - المرجع السابق) .
ومن الجائز اتفاق الخصوم على تعيين محكم واحد يجهل القراءة والكتابة بشرط أن يعينوا شخصا آخر لمجرد كتابة الحكم والأوراق اللازمة لمباشرة العملية . (برنارد - جارسونيه) .
ومن الجائز أن يكون المحكم أجنبيا ، وقد اتجه رأى في فرنسا وبلجيكا الى عدم جواز ذلك تأسيسا على وجهة نظر معينة مقتضاه أن المحكم إنما يقوم بوظيفة عامة ، ومع ذلك فالرأى الراجح يتجه الى إجازة تعيين محكم على جنسية تختلف عن جنسية الخصوم ، سواء أكان النزاع في الأصل من اختصاص محكمة أجنبية أم من اختصاص محكمة مصرية ، هذا مع ملاحظة وجوب إصدار حكم المحكم وإلا اتبعت في شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة في بلد أجنبي ، ومع مراعاة ، أنه إذا كان النزاع من اختصاص المحاكم المصرية وحدها فمن الواجب أن يصدر حكم المحكم في مصر ، وكل هذا لا يتنافى مع اعتبار المحكم في حكم الموظفين العموميين في صدد جريمة الرشوة . (برنارد - جارسونيه - استئناف باريس 23/3/1939 - دالوز 1939-1-296) .
وليس ثمة ما يمنع أن يكون المحكم موظفا في الحكومة ، وكثيرا ما يتفق على تعيين بعض مهندسيها - على وجه الخصوص - بصفة محكمين في المنازعات بين المقاول ورب العمل .
وليس هناك ما يمنع من أن يعين محكما المحضر أو كاتب الجلسة أو أى موظف في المحكمة على وجه العموم أو عضو نيابة . (جارسونيه ، نقض 25/4/1954 دالوز -250)
ويجيز الشراع في فرنسا أن يكون المحكم أحد قضاة المحاكم أو مستشاريها ، بل يجيز البعض أن يكون المحكم هو ذات القاضي الذي عرض النزاع أمامه . (نقض فرنسي 30/7/1859 دالوز 1-450) .
ولا يجيز بعض الشراع تحكيم محكمة كاملة أو دائرة بأكملها أو تحكيم رئيس المحكمة ، ويرى أن التحكيم يكون باطلا في الحالتين ، وذلك لأن الدائرة تصدر أحكاما لها كامل قوتها وحجيتها ، ولا تعتمد في تنفيذها على أى قرار آخر و أمر فلا يجوز أن تنحدر فتصدر حكما لا يمكن تنفيذه إلا باستصدار أمر ولائي من قاضي الأمور الوقتية . (استئناف باريس 2/2/1861 دالوز 62-2-47) .
وحكم في فرنسا بجواز تعيين القاضي الجزئي محكما مصالحا فيكون حكمه غير قابل لأى طعن منهما كانت قيمة النزاع هذا على الرغم من أن ولايته بوصفه قاضيا جزئيا مقصورة على دعاوى ذات طبيعة معينة وحكمه قابل للاستئناف إذا جاوز قيمة الدعوى النصاب الانتهائي للمحكمة . (شامبيرن - 30/6/1885 دالوز 1886-2-261) .
وفي مصر ينص قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 في المادة 63 منه على أنه لا يجز للقاضي بغير موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يكون محكما ولو بغير أجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء إلا إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية .
وإذن يتضح من النص المتقدم أن المشرع لا يجيز في الأصل تعيين القاضي أو المستشار محكما ، ولو كان ذلك يدون أجر أو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء ، وإنما هو يجيز ذلك بصفة استئنائية - وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى . كما أنه يجيزه بغير هذه الموافقة إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية .
ويلزم أن يكون الطرف المتقدم خصما حقيقيا في النزاع ، فإذا لم يكن خصما أصليا فيه واختصم أو تدخل لمجرد تحليل تعيين القاضي محكما كان التحكيم باطلا بطلانا متصلا بالنظام العام لأنه يمس النظام القضائي ، ويستوي أن يكون ذلك الطرف ضامنا أو كفيلا مادام النزاع يتصل به في واقع الأمر اتصالا مباشرا . أما إذا كان مجرد ضامن أو كفيل أو دائن لأحد الخصوم فإن هذه الصفة لا تكفي وحدها لإجازة تعيين القاضي محكما عملا بالمادة المتقدمة .
ولا يتطلب القانون لإعمال النص المتقدم أن يكون جميع الخصوم من أقارب القاضي بل يكفي فقط أن يكون أحد أطراف الخصومة من أقاربه ، ويلاحظ أن القاضي يعتبر غير صالح لنظر الدعوى إذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم الى الدرجة الرابعة عملا بالمادة 146/1 من قانون المرافعات .
وجزاء مخالفة النص المتقدم هو بطلان من النظام العام لأنه يمس النظام القضائي
ولقد وفق المشرع في وضع النص السابق لأنه من الخير كل الخير أن يترفع القاضي عن قبول وأداء العمل كمحكم أيا كانت الاعتبارات التي تبرر قبوله وذلك حتى يبعد نفسه عن الشبهات وحتى يصون مظهر الحيدة الذي يجب أن يتحلى به ، وفي هذا صيانة للسلطة القضائية برمتها ، وذلك ما لم يتصل النزاع بالحكومة أو بالهيئات العامة . (أبو هيف رقم 1372 ، مرجع سابق) .
ويلاحظ أن المنع المتقدم يتصل بالقضاة والمستشارين ولا يتصل بأعضاء النيابة .
وتنص المادة 63/2 من قانون السلطة القضائية على أنه يجوز بغير موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية ندب القاضي ليكون محكما عن الحكومة أو إحدى الهيئات العامة متى كان طرفا في نزاع يراد فضه بطريق التحكيم ، وفي هذه الحالة يتولى هذا المجلس وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي .
المحكم بمثابة قاض يباشر سلطاته بمقتضى اتفاق الأطراف على اختياره أوب مقتضى الاتفاق على إحالة النزاع على هيئة التحكيم دون أن تحدد شخصية المحكم الذي سيفصل في النزاع ، فالمحكم لا يعد وكيلا عن أحد الأطراف المتنازعة ، وإنما يقوم بمهمة يتمتع فيها بصفة القاضي ، ومن ثم له أن يصدر حكمه لصالح أحدهم ضد الآخرين ، كما له أن يتقاضى أتعابا عن قيامه بالتحكيم بين أطراف النزاع ، ولذلك فإنه من قواعد النظام العام ألا يكون القاضي صاحب صفة أو مصلحة في النزاع المطروح أمامه ، ويقوم التحكيم على أساسين هما : صاحب إرادة الخصوم وإقرار المشرع لهذه الإرادة ، فالدولة تجيز التحكيم وتمنح الخصوم الحق في اختيار أشخاص المحكمين أو وضع القواعد التي يتم على ضوئها اختيارهم ، وتعترف للمحكمين بسلطة الفصل في بعض المنازعات ، وبذلك يحل المحكم محل المحكمة ويحل حكمه محل حكمها ، ويكون لحكم المحكمين بشروط معينة ما لأحكام القضاء من قوة تنفيذية ، ولذلك يحرص المشرع على أن يتضمن التحكيم الضمانات الأساسية التي يوفرها قضاء الدولة حماية لحقوق الخصوم . (أبو اليزيد علي ، الأصول العلمية والعملية لإجراء التقاضي ص213 وما بعدها - أحمد ابو الوفاء ، مرجع سابق ص16 - آمال أحمد العزيزي) .
والملاحظ أن القوانين الخاصة في النظم الوضعية لم تقم بالربط بين التحكيم والقضاء في خصوص المحكومين وشرائطهم ، فلم تتطلب فيهم توافر الشروط الواجب توافرها في القضاة ، وإنما تطلبت في المحكم ضرورة أن يكون كامل الأهلية المدنية ، فلا يجوز أن يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية أو مفلسا ما لم يدر إليه اعتباره ، كما أسلفنا - بالمحكم لابد أن يكون شخصا طبيعيا متمتعا بكامل أهليته المدنية وغير خصم في النزاع المعروض على التحكيم ، فلا يتصور أن يكون الشخص خصما وحكما في آن واحد ، لذلك فهذا الشرط بديهي لم ينص عليه صراحة إلا في اللائحة التنفيذية لنظم التحكيم السعودي في المادة الرابعة . كما لا يكون محكما من كانت له مصلحة في النزاع المعروض على التحكيم ، على أى وجه من الوجوه .
بناء على ما سبق لا يكون الدائن أو الكفيل أو الضامن محكما في النزاع الذي يتصل به أو تكون له فيه مصلحة أيا كانت هذه المصلحة ، وفيما عدا ذلك من شروط لا يتطلبه التحكيم في الأنظمة الوضعية ، كأن يكون المحكم رجلا ، أو ذا خبرة في المسألة محل التداعي ، أو وطنيا . (محمود هاشم ، مرجع سابق ، ص171 - فتحي والي - أبو الوفا - رمزي سيف قحطان الدوري - حسين المؤمن ووالي - أبو هيف) .
فالمادة 16/1 من قانون التحكيم المصري تشترط ألا يكون المحكم قاصرا أو محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بسبب شهر إفلاسه ما لم يرد إليه اعتباره ، ويستحسن الفقه المصري ضرورة توافر الأهلية الكاملة في المحكم لخطورة مهمته والثقة المفرطة به والحجية اللصيقة بحكمه .
ولم يتطلب المشرع المصري أو الفرنسي درجة معينة من الثقافة يجب توافرها في المحكم ، أو خبرة معين في مجال المنازعة المطروحة عليه ، كما أن هذه القوانين لم تشترط في المحكم أن يكون من رجال القانون ، أو أن يكون من طائفة أو مهنة معينة
إلا أنه في المحكمين شرطان جوهريان هما : الاستقلال والحدية . فالاستقلال يعني ألا توجد للمحكم مصلحة أو ارتباط أو تبعية بأحد الطرفين ، بل يستقل لا عن الخصم الآخر فحسب ، وإنما عن الطرف الذي عينه أيضا ، وتعني الحيدة أن يكون عادلا بين الطرفين متجردا عن كل العوامل الشخصية ويلتزم فقط باعتبارات العدالة ، لذا يجب على المحكمة الابتعاد عن كل ما يمس استقلاله أو حيدته ، معلنا للأطراف عن الصلات والروابط القائمة بينه وبين أحد الأطراف والتي قد تقدح في استقلاله أو تثير الشكوك حول نزاهته ، وليس فقط وقت أو أثناء تعيينه ، وإنما أيضا طوال سير الإجراءات وحتى صدور الحكم .
وباعتبار أن المحكم مفوض من قبل أطراف الخصومة لفض المنازعات التي تثور فيما بينهم ، فأساس حكمه إرادتهم ، وقوامها ثقتهم ، وبالتالي عندما يفقد تلك الثقة أو يتجرد منها ، فإن هناك طريقا لإبعاده عن نظر النزع والفصل فيه وهو الرد .
ومن الجائز أن يكون المحكم شخصا واحدا ومن الجائز تعدده ، وليس هناك ما يمنع أن يكون المحكم امرأة ، أو غير متخصص ولا خبرة له في موضوع النزاع ، أو جاهلا القانون ، ولو كانت المسألة المطروحة عليه قانونية - لأن القانون لا يتطلب ذلك ، ويجوز أن يكون المحكم جاهلا لغة الخصوم فيحكم من واقع الأوراق المقدمة إليه ولو كانت مترجمة ، كما يجوز أن يكون المحكم على غير ديانة الخصوم ولو كان موضوع النزاع يمس الدين عن قرب (بشرط ألا يتصل النزاع النظام العام) ، ويجوز أن يكون المحكم أصما أو أبكما ، لأن القانون لا يمنع ذلك متى اتفق الخصوم على اختياره ، وعندئذ يحكم من واقع الأوراق المقدمة إليه ، ومن الجائز أيضا أن يكون المحكم أعمى لأن القانون لا يمنع ذلك . (انظر موريل وربرتواردالوز - جارسونيه - برنارد) .
ويجوز أن يكون المحكم جاهلا القراءة والكتابة بشرط ألا يكون وحده في هيئة التحكيم ، لأن القانون لا يتطلب إلا أن يوقع على الحكم أغلبية المحكمين . (برنارد - جارسونيه - المرجع السابق) .
ومن الجائز اتفاق الخصوم على تعيين محكم واحد يجهل القراءة والكتابة بشرط أن يعينوا شخصا آخر لمجرد كتابة الحكم والأوراق اللازمة لمباشرة العملية . (برنارد - جارسونيه) .
ومن الجائز أن يكون المحكم أجنبيا ، وقد اتجه رأى في فرنسا وبلجيكا الى عدم جواز ذلك تأسيسا على وجهة نظر معينة مقتضاه أن المحكم إنما يقوم بوظيفة عامة ، ومع ذلك فالرأى الراجح يتجه الى إجازة تعيين محكم على جنسية تختلف عن جنسية الخصوم ، سواء أكان النزاع في الأصل من اختصاص محكمة أجنبية أم من اختصاص محكمة مصرية ، هذا مع ملاحظة وجوب إصدار حكم المحكم وإلا اتبعت في شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة في بلد أجنبي ، ومع مراعاة ، أنه إذا كان النزاع من اختصاص المحاكم المصرية وحدها فمن الواجب أن يصدر حكم المحكم في مصر ، وكل هذا لا يتنافى مع اعتبار المحكم في حكم الموظفين العموميين في صدد جريمة الرشوة . (برنارد - جارسونيه - استئناف باريس 23/3/1939 - دالوز 1939-1-296) .
وليس ثمة ما يمنع أن يكون المحكم موظفا في الحكومة ، وكثيرا ما يتفق على تعيين بعض مهندسيها - على وجه الخصوص - بصفة محكمين في المنازعات بين المقاول ورب العمل .
وليس هناك ما يمنع من أن يعين محكما المحضر أو كاتب الجلسة أو أى موظف في المحكمة على وجه العموم أو عضو نيابة . (جارسونيه ، نقض 25/4/1954 دالوز -250)
ويجيز الشراع في فرنسا أن يكون المحكم أحد قضاة المحاكم أو مستشاريها ، بل يجيز البعض أن يكون المحكم هو ذات القاضي الذي عرض النزاع أمامه . (نقض فرنسي 30/7/1859 دالوز 1-450) .
ولا يجيز بعض الشراع تحكيم محكمة كاملة أو دائرة بأكملها أو تحكيم رئيس المحكمة ، ويرى أن التحكيم يكون باطلا في الحالتين ، وذلك لأن الدائرة تصدر أحكاما لها كامل قوتها وحجيتها ، ولا تعتمد في تنفيذها على أى قرار آخر و أمر فلا يجوز أن تنحدر فتصدر حكما لا يمكن تنفيذه إلا باستصدار أمر ولائي من قاضي الأمور الوقتية . (استئناف باريس 2/2/1861 دالوز 62-2-47) .
وحكم في فرنسا بجواز تعيين القاضي الجزئي محكما مصالحا فيكون حكمه غير قابل لأى طعن منهما كانت قيمة النزاع هذا على الرغم من أن ولايته بوصفه قاضيا جزئيا مقصورة على دعاوى ذات طبيعة معينة وحكمه قابل للاستئناف إذا جاوز قيمة الدعوى النصاب الانتهائي للمحكمة . (شامبيرن - 30/6/1885 دالوز 1886-2-261) .
وفي مصر ينص قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 في المادة 63 منه على أنه لا يجز للقاضي بغير موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يكون محكما ولو بغير أجر ولو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء إلا إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية .
وإذن يتضح من النص المتقدم أن المشرع لا يجيز في الأصل تعيين القاضي أو المستشار محكما ، ولو كان ذلك يدون أجر أو كان النزاع غير مطروح أمام القضاء ، وإنما هو يجيز ذلك بصفة استئنائية - وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى . كما أنه يجيزه بغير هذه الموافقة إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغاية الدرجة الرابعة بدخول الغاية .
ويلزم أن يكون الطرف المتقدم خصما حقيقيا في النزاع ، فإذا لم يكن خصما أصليا فيه واختصم أو تدخل لمجرد تحليل تعيين القاضي محكما كان التحكيم باطلا بطلانا متصلا بالنظام العام لأنه يمس النظام القضائي ، ويستوي أن يكون ذلك الطرف ضامنا أو كفيلا مادام النزاع يتصل به في واقع الأمر اتصالا مباشرا . أما إذا كان مجرد ضامن أو كفيل أو دائن لأحد الخصوم فإن هذه الصفة لا تكفي وحدها لإجازة تعيين القاضي محكما عملا بالمادة المتقدمة .
ولا يتطلب القانون لإعمال النص المتقدم أن يكون جميع الخصوم من أقارب القاضي بل يكفي فقط أن يكون أحد أطراف الخصومة من أقاربه ، ويلاحظ أن القاضي يعتبر غير صالح لنظر الدعوى إذا كان قريبا أو صهرا لأحد الخصوم الى الدرجة الرابعة عملا بالمادة 146/1 من قانون المرافعات .
وجزاء مخالفة النص المتقدم هو بطلان من النظام العام لأنه يمس النظام القضائي
ولقد وفق المشرع في وضع النص السابق لأنه من الخير كل الخير أن يترفع القاضي عن قبول وأداء العمل كمحكم أيا كانت الاعتبارات التي تبرر قبوله وذلك حتى يبعد نفسه عن الشبهات وحتى يصون مظهر الحيدة الذي يجب أن يتحلى به ، وفي هذا صيانة للسلطة القضائية برمتها ، وذلك ما لم يتصل النزاع بالحكومة أو بالهيئات العامة . (أبو هيف رقم 1372 ، مرجع سابق) .
ويلاحظ أن المنع المتقدم يتصل بالقضاة والمستشارين ولا يتصل بأعضاء النيابة .
وتنص المادة 63/2 من قانون السلطة القضائية على أنه يجوز بغير موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية ندب القاضي ليكون محكما عن الحكومة أو إحدى الهيئات العامة متى كان طرفا في نزاع يراد فضه بطريق التحكيم ، وفي هذه الحالة يتولى هذا المجلس وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي .