هذا الحديث يتوجه في الأساس
إلى المواطنين الذين تُهمهم مسألة التحقق الأمثل للمساواة بين المواطنين في
عيشهم المشترك، وإن اختلفت أديانهم. وهو ليس موجّهًا في الأساس إلى من
يتخذون موقف المعارضة الفكرية لدخول الشأن الديني في شئون الحياة الدنيوية
نظمًا ومعاملات.
المادة الثانية تحقق المساواة
في تصوري أن المادة
2 من الدستور الحالي لازمة بصيغتها الحاضرة لتحقِّق الإسناد الشرعي
الإسلامي لمبدأ المساواة التامة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين في تولي
الوظائف العامة، والمشاركة الكاملة في ممارسة الولايات العامة
، وفي تولي المناصب ذات الشأن العام في قيادات الأعمال والقضاء والإدارة
وغير ذلك.
وتنص المادة 2 من الدستور على أن: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية
لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وهذا
النص الوارد في صدر أحكام الدستور يستفاد منه أنه يشكل مرجعية إسلامية لكل
المبادئ الواردة بالدستور المتعلقة بالمساواة وبحقوق المواطنين وغير ذلك.
وإن مبدأ المواطنة يجد دعامته المستقاة من أحكام
الشرع الإسلامي بموجب المادة 2 هذه، وهو يستبعد أي زعم بأن مبدأ
المساواة بين المواطنين متعارض مع الشرع الإسلامي، وأنه مبدأ لا يمليه إلا
الفكر الوضعي المنفصل عن الدين، ومن ثم فهو يقيم بناء المواطنة بعيدًا عن
التوترات العقيدية.
ونحن نريد أن يتداخل بعضنا
في بعض، لا أن ينفصل بعضنا عن بعض، ومما يهيئ لهذا التداخل أن تتداخل
المفاهيم الطيبة بعضها في بعض، مثل: الدين والمواطنة، لا أن تتصارع ويقف
بعضها دون بعض.
ومن جهة أخرى، فإن فكرة
المساواة بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب في بلادنا كانت متحققة في غالب
الفقه الإسلامي بالنسبة للحقوق الخاصة والفردية، بموجب أن لهم ما
للمسلمين، وعليهم ما عليهم، إنما كانت تقوم المشكلة في الفقه الإسلامي فيما
يتعلق بالولايات العامة، أي الحق في تولي مناصب الدولة في الوظائف
القيادية ذات القرار، سواء في القضاء أو الإدارة أو غيرهما، وهذه ما كانت
تحتاج إلى اجتهاد فقهي يوطئ من أكنافها في إطار المواطنة، وما انبعث في
مجتمعاتنا الحديثة من تكوينات سياسية أنشأتها حركات الاستقلال الوطني
والمقاومة الوطنية التي تشارك فيها المسلمون والمسيحيون من أهالي بلادنا.
فحق للجميع أن يقيموا جماعاتهم السياسية طبقًا لهذا المفهوم، وأن يجتهدوا
في البحث عن إمكانيات الفقه الإسلامي في هذا الشأن، مستقًى من مرجعيته
الشرعية ومطبقا على الواقع المعيش.
ويقوم الاجتهاد الفقهي في
هذا الشأن على أن مناصب الولاية العامة التي كان الفقه الإسلامي التقليدي
يشترط فيمن يتولاها أن يكون مسلمًا، هذه المناصب لم تعد الوظائف التي
تتولاها بيد أشخاص ولا أفراد كما كان الشأن قديمًا، إنما صارت إلى هيئات
جماعية. وذلك بفعل تطور أساليب الإدارة وتقسيم العمل وتوزيعه وحلول
القرارات الجماعية محل القرارات الفردية، فمن يدير أي شأن لم يعد فردا
واحدا، إنما صار هيئة وإدارات، ومن يحكم في الدعوى ليس قاضيا فردا إلا فيما
قل شأنه، إنما صار هيئة من ثلاثة قضاة أو خمسة مثلا، ومن يصدر التشريع ليس
فردا إنما مجلس يتكون من مئات الأفراد يجتمعون ويصوتون، ويؤخذ القرار
بالأغلبية، وينسب إلى الهيئة كلها لا لأشخاص من أيدوه.. وهكذا. وصار
الأفراد الذين تتكون منهم أية هيئة من هذه الهيئات هم مجرد مشاركين في
الرأي. والمعروف أن الفقه التقليدي يقبل أن يكون غير المسلمين مشاركين في
الرأي، وقد صار الجميع كذلك مسلمين وغير مسلمين.
بهذا النظر تبقى مسألة واحدة
من ناحية الفقه الإسلامي، وهي: هل يكون للهيئة دين كما أن للأفراد دينا؟
وكيف يتأتى للهيئة أن تمارس دينها؟ والحال أن الأفراد يمارسونه بذكر
الشهادتين وإقامة العبادات والانصياع لأوامر الدين ونواهيه. وهنا نجد
الإبداع الفكري والفقهي الذي قام به الشيخ محمد بخيت المطيعي المفتي الأسبق
للديار المصرية، عندما اقترح على لجنة إعداد الدستور المصري لسنة 1923
بأن ينص فيه على أن دين الدولة هو الإسلام. وأقر بذلك معه أهل جيله كله
من الفقهاء بأن يكون للهيئة دين، وأن الدين ليس من خصائص الإنسان فقط، إنما
يمكن أن يكون للهيئات التي تنظم أمور البشر وتدير شئونهم وتتكون منهم.
ما دام ذلك كذلك، فكيف يكون
للهيئة دين، وهي بوصفها المعنوي لا تصلي ولا تصوم... إلخ؟ الجواب على ذلك
بأن دين الهيئة هو مرجعيتها، وهو الأصل المرجوع إليه فيما يصدر عنها من
نشاط، ومدى التزامها بهذا الأصل بحسبانه موردا لها. وما دامت الهيئة
مرجعيتها إسلامية فقد صارت الولاية بها إسلامية في الفقه الإسلامي، وإن
تشارك فيها مسلمون وغير مسلمين.
بهذه الطريقة تكون المادة
2 من الدستور لازمة بنصها الحالي وبصيغتها هذه لكي يقوم السياق النظري من
داخل الفقه الإسلامي بما يحقق المساواة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين
في المشاركة واتخاذ القرارات في شأن الولايات العامة. وما دامت نصوص
الدستور -مع تأكيدها على إسلامية الدولة- قد أكدت أيضا على حقوق المساواة
بين المواطنين جميعا، فهي تكون اعتمدت -من وجوه النظر المختلفة في الفقه
الإسلامي- وجهة النظر المؤكدة على المساواة بين المواطنين، مع الإقرار
بأنه نظر يسعه الفقه الإسلامي، ولا يشوب دين الدولة ومصدريتها التشريعية.
وبذلك فإن المساس بنص
المادة 2 من الدستور هو مما يفقد هذا التسلسل المنطقي النظري معناه،
وسيضيق كثيرا من القدرة على أن يستمد من داخل الفقه الإسلامي الأساس الداعم
للمساواة والمشاركة بين المسلمين والمسيحيين في بلادنا.
لذلك أرجو من الحريصين على تأكيد مبدأ المساواة أن ندعمه بكل الإمكانات
الفكرية، وأن نقيمه لدى المؤمنين بالإسلام على أسس تصدر من مرجعيتهم، وأن
المساواة تؤدي إلى الاندماج، أما من كان يقصد من تعديل هذه المادة إضعاف
إسلامية الدولة، فإن نص المادة الثانية المذكورة هو كاشف عن
واقع استتباب الإسلام لدى المسلمين في مصر وليس منشئا له طبعا.
ولن يغير التعديل واقعا، ولكن يثير حفيظة ويعمق جرحا، ويقيم تناقضا على
المدى الطويل، تناقضا ليس بين المواطنين المسلمين والمسيحيين، ولكنه تناقض
بين مبدأ المرجعية الإسلامية ومبدأ اللادينية السياسية.
أصل المادة الثانية ومنشؤها
من أين ظهرت المادة 2 من
الدستور؟ إن أصلها الدستوري يرد من المادة 149 من دستور مصر في سنة
1923 الذي استمر معمولا به حتى 1953، وهي المادة الأولى من الباب
السادس من الدستور وعنوانه: أحكام عامة، ونصت على أن الإسلام دين الدولة،
واللغة العربية لغتها الرسمية. وكانت شكلت لجنة وضع هذا الدستور في أبريل
سنة 1922 من ثلاثين عضوا، عدا رئيسها حسين رشدي باشا رئيس الوزارة
السابق ونائب رئيسها أحمد حشمت باشا وزير المعارف السابق، وكان أعضاؤها
الثلاثون من النخب السياسية العليا ذات الاتصال الوثيق بالحكم ورجاله، وهم
إما من رجال السياسة المتصلين بالملك، وإما من رجال حزب الأحرار
الدستوريين، وهم جلهم من ذوي التعليم والثقافة غير التقليدية،
وليس فيهم من يمكن أن يكون ممثلا لما نسميه اليوم بالتيار السياسي
الإسلامي، وجلهم ذوو تعليم حديث ونزوع ثقافي آخذ من الفكر الوافد ومدارسه
، مثل: علي ماهر، وعبد اللطيف المكباتي، وعبد الحميد بدوي، ومحمد علي
علوبة، وعبد العزيز فهمي، وإبراهيم الهلباوي، وفيها من ذوي الثقافة
والتعليم الديني الشيخ محمد بخيت المطيعي المفتي الأسبق، والسيد عبد الحميد
البكري شيخ الطرق ونقيب الأشراف، والشيخ محمد خيرت راضي، كما كان فيها من
المسيحيين يوسف سابا باشا، وقليني فهمي باشا، وإلياس عوض بك، وتوفيق دوس
بك، كما كان عضوا بها الأنبا يؤانس نائب البطريرك وقتها، وهو من تولي
البطريركية عقب وفاة الأنبا كيرلس الخامس في سنة 1927، واستمر بطريركا
بضع عشرة سنة حتى وفاته، كما كان فيها يوسف أصلان قطاوي باشا من اليهود.
وتذكر مضابط أعمال اللجنة أن
لجنة وضع المبادئ اقترح عليها الشيخ محمد بخيت في 19 مايو سنة 1922 أن
ينص الدستور على أن دين الدولة الرسمي الإسلام، فطرح الرئيس حسين رشدي
باشا الاقتراح للتصويت فتقرر بالإجماع قبوله.. ولما تلا النص في اللجنة
العامة في 14 أغسطس 1922 قررت الهيئة الموافقة عليه بالإجماع، وتلا نص
المادة بجلسة 3 أكتوبر 1922، فوافقت الهيئة عليه بالإجماع، ومعنى ذلك
أنه بمجرد اقتراح هذا النص ووفق عليه بالإجماع بغير تحفظ ولا
مناقشة، وبغير أن يظهر أنه أثار حرجًا أو قلقًا أو عنتًا، وذلك في جو فكري
يفوح في فكره عبير الليبرالية ، والإجماع يشمل هنا أعضاء
اللجنة غير المسلمين، وهم يبلغون نسبة تشارف 20% من العدد الكلي، وأن من
يطالع أعمال هذا الدستور إبان إعداده في داخل اللجنة أو في خارجها على
صفحات الصحف، يعرف إلى أي مدى كُفل لإعداده جو من حرية التعبير ومناقشة
سلطات الملك والشعب والتمثيل النسبي لغير المسلمين وغير ذلك، كفل له من ذلك
ما يكشف عن أن الرضاء الذي قوبل به نص دين الدولة كان يفيد القبول الأوسع
والأشمل.
لقد كان الجميع على وعي
بأنهم بصدد وضع دستور يصوغ التوجه الأساسي للدولة الحديثة بمصر، ويحدد
المبادئ التي ترسم هويتها الحضارية، لذلك انتهوا إلى أن دين الدولة الرسمي
الإسلام ولغتها الرسمية اللغة العربية قولا واحدا لم يكن بحاجة إلى جدل،
وهو تقرير لأمر واقع.
والحاصل بعد ذلك، أن هذا
الحكم الدستوري ظل مرعيًّا ضمن التراث الدستوري الأصيل للدولة المصرية على
مدى القرن العشرين، وكل دستور كامل صدر في مصر أورد هذا النص بهذا الحكم،
دستور1930 (استمر نحو خمس سنوات ثم عاد دستور 1923) ودستور1956 في
عهد ثورة 23 يوليو 1952، ودستور 1964، ودستور1971. ولم يشذ من ذلك
إلا دستور 1958 في عهد وحدة مصر مع سوريا؛ لأنه لم يكن دستورا مكتملا،
بدليل أن مجلسه النيابي كان بالتعيين من رئيس الجمهورية من بين أعضاء مجلس
البرلمان المصري والسوري، وقد زال بانفصال سوريا في1961.
وإن دلالة استمرار النص على
دين الدولة الرسمي الإسلام عبر الدساتير المختلفة دلالة مهمة جدًّا؛ لأن
مقارنة هذه الدساتير بعضها ببعض تكشف عن أنه لم يكن ثمة نظام دائم لمصر على
هذا المدى، فيما عدا الإقرار بعدد من المسلمات؛ منها أن دين الدولة
الرسمي الإسلام.
كانت هذه الدساتير تتراوح
بين النظام الملكي والنظام الجمهوري، وتتراوح بين الملكية المستبدة
(1930م) والملكية البرلمانية (1923)، وتتراوح في النظام الجمهوري بين
النظام الرئاسي والنظام القريب من البرلماني، وتتراوح بين نظام الحزب
الواحد ونظام تعدد الأحزاب، وتتراوح بين النظام الاشتراكي القائم على تقييد
الملكية العامة وبين النظام الرأسمالي الذي يطلق حرية الملكية الخاصة،
وبين... وبين... إلخ.
ولكن بقيت اللغة عربية
والدين الإسلامي، وهذا يكشف وجه الثبات الذي لا يوجده الدستور، ولكنه لا
يملك إلا أن يعترف به، ويكشف عن أنه نص حاكم لغيره وليس محكومًا بغيره،
والمعنى هنا يستفاد بالاستقراء العلمي للتجربة التاريخية للأمة ودولتها.
معنى دين الدولة الرسمي الإسلام
معنى أن يكون دين
الدولة الرسمي الإسلام أن تكون مرجعيتها الفكرية إسلامية، وأن تكون هذه
المرجعية الإسلامية إنما تترجح من داخلها الآراء والاجتهادات لما أورده
الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات،
وذلك كله في إطار ما تسعه المرجعية الشرعية وما تتقبله بأي من وجوه
الاجتهاد الفقهي المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح
العامة للأمة.
ومعناه أيضا أن يكون النظام
العام الذي تشير إليه القوانين مشمولاً بهذه المبادئ والقيم، وما تتوافق
عليه الجماعة. وسنلاحظ تاريخيًّا أن النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي
للدولة، إنما يتضمن إقرارا بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر
التشريع، ومصدرية التشريع تعني مرجعيته، وتشير إلى المورد الذي تستقي منه
الأحكام؛ لأن دين الهيئة إنما يعني مصدريتها، وإلا كان النص لغوا.
والحاصل أنه لما وضع هذا
النص في دستور 1923، لم يظهر سريعا هذا المعنى المستفاد صراحة، أو لم يظهر
ظهورا كاملا؛ لأن استقلال مصر الذي عبر عنه هذا الدستور كان استقلالا
منقوصا، فهو استقلال يصدعه الوجود العسكري البريطاني في مصر، وينعكس في
إرادة سياسية أجنبية استعمارية، كما كان يصدعه وجود الامتيازات الأجنبية.
فلم تكن مصر مكتملة السيادة فيما تصدر من تشريعات لا تطبق على الأجانب إلا
بموافقة المحكمة المختلطة، ولم تكن مكتملة السيادة القضائية لانحسار سلطة
القضاء المصري الوطني عن الأجانب كلهم، وعن كل المنازعات التي يكون الأجنبي
طرفا فيها، حتى لو كانت منازعات ضد المصريين أو ضد حكومة مصر.
لذلك لم يمكن أن ينعكس حكم هذا النص على الواقع التشريعي سريعا، ولم يتحقق
الاستقلال التشريعي لمصر إلا بعد إبرام اتفاقية منترو في 1937 التي أنهت
الامتيازات الأجنبية، ولم تنته المحاكم المختلطة طبقًا لهذه الاتفاقية
وتسترد مصر سيادتها القضائية كاملة إلا في 1949.
ومع بدء الاستقلال التشريعي
بدأت في مصر مرحلة إعداد مجموعات من التشريعات، كان أشهرها طبعا القانون
المدني الذي استغرق العمل فيه بضع عشرة سنة حتى صدر في 1948، وبدأ تطبيقه
مع إلغاء المحاكم المختلطة في أكتوبر 1949. وكان نص مادته الأولى أنه
عند غياب النصوص التشريعية يرجع القاضي إلى العرف، فإن لم يجد لجأ إلى
مبادئ الشريعة الإسلامية، فإن لم يجد لجأ إلى القانون الطبيعي وقواعد
العدالة. ويتعين ألا نفهم خطأ من تقديم القانون المدني للعرف على الشريعة
الإسلامية أنه تفضيل له عليها؛ لأن من يعرف مصر يعرف أنه لا يقوم بها عرف
معترف به من الناس، ومعترف بالالتزام به بينهم، لا يقوم عرف بها ويكون
مخالفا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
ونحن نلحظ أن من
أعاد الفاعلية للكثير من أحكام الشريعة في الدراسات المقارنة ومن طالب بها
هم مجموعات من الفقهاء المحدثين وعلماء القانون، وعلى رأسهم
الدكتور عبد الرزاق السنهوري؛ ذلك لأنه ليس هناك أجدر من هؤلاء معرفة بعمق
الفقه الإسلامي ومبادئه القانونية وقدرته بمناهجه التفسيرية على التجدد. وهؤلاء
في غالبهم هم من خريجي كليات الحقوق التي لم تكن لها صلة عضوية بالأزهر
الشريف، ولم يكن بها من الأزهريين إلا الأعلام الذين يدرسون
الفقه الإسلامي، بحسبانه مادة واحدة في كل سنة، والغالبية من الأساتذة هم
ممن درسوا الفقه الفرنسي بمصر وفرنسا، فلم يكن من هؤلاء من
يسمى الآن بالتيار الإسلامي أو التيار السياسي الإسلامي.
وأنا أذكر أن من هؤلاء
الأساتذة الذين درسنا على أيديهم الدكتور شفيق شحاتة، وهو فقيه قبطي مصري،
كانت دراساته غاية في العمق، وكانت كتاباته في القانون المدني شديدة التأثر
بالفقه الإسلامي، وبعد سنوات عرفنا أن رسالته للدكتوراة كانت عن نظرية
الالتزامات في القانون المدني على المذهب الحنفي، وكان الأستاذ المشرف عليه
هو فضيلة الشيخ أحمد إبراهيم.
فالشريعة الإسلامية فيها جانب
ديني عند المسلم، وهي عند المسيحي فقه وأحكام ووجهات نظر. ومنذ
الثلاثينيات من القرن العشرين اعترفت المجامع الفقهية الدولية بها
باعتبارها من المدارس في الفقه العالمي.
هل صارت مصر إسلامية بقرار
السادات؟
إن
العرض السابق يظهر بجلاء أن المادة 2 من دستور 1971 لم يضعها الرئيس
السادات من عنده ليكسب شعبية زائفة، ولا كانت مجرد نص مصطنع ليدغدغ به
عواطف الجهلة. والنص موجود من 1923 بإجماع واضعيه، وباق أيضا باستقراء
تاريخي كامل، وهو أثبت من غيره إطلاقا. وهو ليس نصا يقوم به حزب أو جماعة
سياسية من أجل الانتشار ودغدغة العواطف، ودين الدولة الإسلام يقتضي بذاته
الجزم بمصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، وإلا كان النص لغوا، وليس يصح في
الأذهان أن يكون أثبت نص في الدستور هو ما يوصف بكونه لغوا، ولا يصح في
الأذهان قط أن يقال: إن المجتمع المصري عرف الشريعة الإسلامية مصدرا
للتشريع منذ اعتلاء السادات أريكة حكم مصر في 1971، وإنه عرف الشريعة
بوصفها المصدر الرئيسي للتشريع منذ شهر مايو سنة 1981 بالتعديل الدستوري
الذي أدخله السادات. والسؤال العجيب هو: هل صارت مصر إسلامية بقرار من
الرئيس السادات ولم تكن كذلك قبله؟
أنا لا أجحد حقيقة أن الرئيس
السادات إنما أراد بهذا النص أن يؤلف قلوب المصريين؛ ليتمكن من تعديل
الدستور بما يتيح له الترشيح للرئاسة لأكثر من مدتين، ولكن هذا لا يعني أن
مصدرية الشريعة الإسلامية كانت أمرا غير وارد ولا مهم، بل إن
محاولته استغلال هذا الهدف الشعبي العام لتحقيق مصلحة ذاتية له في أمر آخر
إنما هو إقرار بأهمية هذا الهدف العام، وإلا لما كان سانحا له أن يؤلف به
القلوب.
ونحن نعرف في مناهج تحليل
الأحداث التاريخية أن الحدث التاريخي أو الحدث العام الذي يشمل أو يؤثر في
جماعة كبيرة يندر أن يكون له سبب وحيد، إنما هي مجموعة من الأسباب تتجمع
لإحداثه بأثره البعيد، وفي وقت محدد بعينه، وفي مكان معين. هناك ما يمكن
أن نسميه وعاء السببية لهذا الحدث، أو مجموعة الأسباب المحدثة له. ونقول
أيضا: إن أمرا حدث عندما توافرت أسبابه وانتفت موانعه؛ لأن السبب عندما
يتوافر يمكن أن يبطله مانع معاصر له أو لاحق عليه. وتتراوح الأسباب بين
الجوهري والثانوي، وبين العام والخاص، وكل ذلك يؤثر في تشكيل الحدث، وفي
أنواع الآثار التي تترتب عليه.
فمثلا، اشتعال الحرب
العالمية الثانية في سبتمبر 1939، وهي الحرب التي استمرت على نطاق العالم
لمدة ست سنوات، وحطمت مدنا ودولا، وقتلت عددا من البشر يتراوح بين 32
و60 مليون شخص، حسب اختلاف التقديرات. هذه الحرب يمكن أن يقال: إن
سببها هو احتلال هتلر زعيم ألمانيا النازية وقتها لميناء دانزج التابع
لبولندا رغبة في التوسع والمجد الذاتي للزعيم الدكتاتور، ويمكن أن يقال: إن
سببها أن هذا الميناء متنازع عليه تاريخيا بين ألمانيا وبولندا، ويمكن أن
يقال: إن ألمانيا كانت تثأر لنفسها مما فرض عليها من هزيمة في الحرب
العالمية الأولى (1914ـ 1918)، ويمكن أن يقال: إنه صراع عالمي بين الدول
الاستعمارية الكبرى حول إعادة تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بينها حسب
قوتها المتغيرة. وكل هذه الأسباب صحيحة، وإن تجمعها بين سبب خاص وسبب عام
هو ما أدى إلى حدوث الحرب في وقت معين ومكان محدد، وشمولها للعالم
واستمرارها سنوات.
ومثلا النحاس باشا رئيس
الوزارة الوفدية بمصر ألغى معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، وذلك في
أكتوبر سنة1951، وكان ذلك استجابة لمطلب شعبي وطني شامل، كما كان استجابة
لتراث الوفد الوطني وقتها، كما كان من شأنه أن يقوي وزارة الوفد ضد مؤامرات
القصر الملكي ويضعف المعارضة الشعبية ضدها.. وكل هذه الأسباب صحيحة، وإن
تجمعها هو ما قام به الحدث من وزارة معينة في تاريخ محدد، وامتد أثره من
بعد فيما لا وجه لتكراره الآن.
وبالمثل فإن نص المادة 2
من دستور 1971 هو أولا سار على نهج سوابقه فيما يتعلق بأن دين الدولة
الرسمي الإسلام، ونص على مصدرية الشريعة الإسلامية، وهو حكم لا يزيد عن
كونه تطبيقا؛ لأن دين الدولة الإسلام، لأن الدين هو المرجعية أو المصدرية،
والسادات أراد أن يؤلف قلوب المصريين لنفسه بأن يستجيب لمطلب لديهم له هذه
الأهمية.
النصوص يفسر بعضها بعضًا
نقطة أخيرة أختتم بها حديثي،
فنحن عندما نفسر أي قانون ونستقرئ أحكامه لا ننظر إلى كل نص فيه على حدة،
نحن نتفهم كل حكم بما يعنيه، ثم نضع أحكام القانون كلها جنبا إلى جنب؛ لأن
كل نص إنما يحد من إطلاق غيره، ولأن المعنى المستفاد من أي نص إنما يتداخل
في المعاني المستفادة من النصوص الأخرى، ولأن السياق هو الذي يضبط المعنى
ويظهر وجه التفسير، واللفظ الواحد يتكشف معناه من موضعه في الجملة، والحكم
الواحد تتكشف حدود معناه وضوابطه من موضعه من الأحكام الأخرى، وهذا ما يطلق
عليه تعبير: النصوص يفسر بعضها بعضا.
وطبقًا لهذا المفاد فإن وجود
نص المادة الثانية من الدستور بين نصوص هذا الدستور وبين الأحكام الأخرى
المتعلقة بالمساواة بين المواطنين، وإن اختلفت أديانهم أو مذاهبهم، إنما
يجعل حكم الدستور دائرا في تفسير كل نص ما يفضي به النص الآخر، ومن ثم يكون
ملزما -من وجهة النظر الدستورية في تفسير مصدرية الشريعة الإسلامية
للقوانين- أن يكون ما هو دستوري من هذه المصدرية ما يتجانس مع
مبادئ الدستور الأخرى وأحكامه الأخرى، وذلك في نطاق ما تسعه مبادئ الشريعة
الإسلامية من وجهات نظر.
إن الفقه الإسلامي يقر تعددا في الآراء وتنوعا في الحلول في إطار ما تسعه
نصوص الأحكام، وفي هذا التعدد والتنوع يعرف الفقهاء أن صاحب الولاية يمكن
أن يرجح رأيا من هذه الآراء على رأي آخر، فيصير هو الرأي الفقهي الملزم
للجماعة. ونحن عندما نحيط الدولة رسميا بدين الإسلام، ونقرر مصدرية
الشريعة في ذات الأحكام الدستورية التي تقر بالمواطنة والمساواة في الحقوق
والواجبات العامة والخاصة، نحن بذلك نكون قد أقررنا -بما للدستور من تنظيم
الولايات العامة- بأننا ملتزمون دستوريا بتبني الرأي الفقهي الذي تسعه
أحكام الشرع الإسلامي، وهو ما يدعم ويؤكد مبدأ المساواة بين المواطنين
وغيره من المبادئ الواردة بالدستور مما تسعه مبادئ الشريعة.
أما إذا أسقطنا هذا الحكم
الوارد بالمادة 2 من الدستور، فإن الدستور يفقد هذه الصلة الوثيقة بين
المبادئ التي يحرص على تثبيتها لدى الجماعة السياسية وبين مبادئ الشريعة
الإسلامية فيما تسعه من أحوال ومبادئ، ومن ثم لا يقوم هذا الترجيح الذي
يملكه ولي الأمر في الجماعة بين ما تحتمله نصوص الأحكام الشرعية وأحكامها
من تباين وتنوع واختلاف.
والإسلام، كما نعرف جميعا،
أيا كانت درجة إيماننا به، هو قديم لم يأت به نص دستوري، وهو باق لا يلغيه
تجاهل دستوري، ولذلك فإن التعامل معه خير للدولة بمؤسساتها وللجماعة
بفصائلها من التجاهل له، والحمد لله.
قاضٍٍٍِ ومؤرخ مصري
* الموضوع سبق نشره في صحيفة الأهرام
إلى المواطنين الذين تُهمهم مسألة التحقق الأمثل للمساواة بين المواطنين في
عيشهم المشترك، وإن اختلفت أديانهم. وهو ليس موجّهًا في الأساس إلى من
يتخذون موقف المعارضة الفكرية لدخول الشأن الديني في شئون الحياة الدنيوية
نظمًا ومعاملات.
المادة الثانية تحقق المساواة
في تصوري أن المادة
2 من الدستور الحالي لازمة بصيغتها الحاضرة لتحقِّق الإسناد الشرعي
الإسلامي لمبدأ المساواة التامة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين في تولي
الوظائف العامة، والمشاركة الكاملة في ممارسة الولايات العامة
، وفي تولي المناصب ذات الشأن العام في قيادات الأعمال والقضاء والإدارة
وغير ذلك.
وتنص المادة 2 من الدستور على أن: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية
لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وهذا
النص الوارد في صدر أحكام الدستور يستفاد منه أنه يشكل مرجعية إسلامية لكل
المبادئ الواردة بالدستور المتعلقة بالمساواة وبحقوق المواطنين وغير ذلك.
وإن مبدأ المواطنة يجد دعامته المستقاة من أحكام
الشرع الإسلامي بموجب المادة 2 هذه، وهو يستبعد أي زعم بأن مبدأ
المساواة بين المواطنين متعارض مع الشرع الإسلامي، وأنه مبدأ لا يمليه إلا
الفكر الوضعي المنفصل عن الدين، ومن ثم فهو يقيم بناء المواطنة بعيدًا عن
التوترات العقيدية.
ونحن نريد أن يتداخل بعضنا
في بعض، لا أن ينفصل بعضنا عن بعض، ومما يهيئ لهذا التداخل أن تتداخل
المفاهيم الطيبة بعضها في بعض، مثل: الدين والمواطنة، لا أن تتصارع ويقف
بعضها دون بعض.
ومن جهة أخرى، فإن فكرة
المساواة بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب في بلادنا كانت متحققة في غالب
الفقه الإسلامي بالنسبة للحقوق الخاصة والفردية، بموجب أن لهم ما
للمسلمين، وعليهم ما عليهم، إنما كانت تقوم المشكلة في الفقه الإسلامي فيما
يتعلق بالولايات العامة، أي الحق في تولي مناصب الدولة في الوظائف
القيادية ذات القرار، سواء في القضاء أو الإدارة أو غيرهما، وهذه ما كانت
تحتاج إلى اجتهاد فقهي يوطئ من أكنافها في إطار المواطنة، وما انبعث في
مجتمعاتنا الحديثة من تكوينات سياسية أنشأتها حركات الاستقلال الوطني
والمقاومة الوطنية التي تشارك فيها المسلمون والمسيحيون من أهالي بلادنا.
فحق للجميع أن يقيموا جماعاتهم السياسية طبقًا لهذا المفهوم، وأن يجتهدوا
في البحث عن إمكانيات الفقه الإسلامي في هذا الشأن، مستقًى من مرجعيته
الشرعية ومطبقا على الواقع المعيش.
ويقوم الاجتهاد الفقهي في
هذا الشأن على أن مناصب الولاية العامة التي كان الفقه الإسلامي التقليدي
يشترط فيمن يتولاها أن يكون مسلمًا، هذه المناصب لم تعد الوظائف التي
تتولاها بيد أشخاص ولا أفراد كما كان الشأن قديمًا، إنما صارت إلى هيئات
جماعية. وذلك بفعل تطور أساليب الإدارة وتقسيم العمل وتوزيعه وحلول
القرارات الجماعية محل القرارات الفردية، فمن يدير أي شأن لم يعد فردا
واحدا، إنما صار هيئة وإدارات، ومن يحكم في الدعوى ليس قاضيا فردا إلا فيما
قل شأنه، إنما صار هيئة من ثلاثة قضاة أو خمسة مثلا، ومن يصدر التشريع ليس
فردا إنما مجلس يتكون من مئات الأفراد يجتمعون ويصوتون، ويؤخذ القرار
بالأغلبية، وينسب إلى الهيئة كلها لا لأشخاص من أيدوه.. وهكذا. وصار
الأفراد الذين تتكون منهم أية هيئة من هذه الهيئات هم مجرد مشاركين في
الرأي. والمعروف أن الفقه التقليدي يقبل أن يكون غير المسلمين مشاركين في
الرأي، وقد صار الجميع كذلك مسلمين وغير مسلمين.
بهذا النظر تبقى مسألة واحدة
من ناحية الفقه الإسلامي، وهي: هل يكون للهيئة دين كما أن للأفراد دينا؟
وكيف يتأتى للهيئة أن تمارس دينها؟ والحال أن الأفراد يمارسونه بذكر
الشهادتين وإقامة العبادات والانصياع لأوامر الدين ونواهيه. وهنا نجد
الإبداع الفكري والفقهي الذي قام به الشيخ محمد بخيت المطيعي المفتي الأسبق
للديار المصرية، عندما اقترح على لجنة إعداد الدستور المصري لسنة 1923
بأن ينص فيه على أن دين الدولة هو الإسلام. وأقر بذلك معه أهل جيله كله
من الفقهاء بأن يكون للهيئة دين، وأن الدين ليس من خصائص الإنسان فقط، إنما
يمكن أن يكون للهيئات التي تنظم أمور البشر وتدير شئونهم وتتكون منهم.
ما دام ذلك كذلك، فكيف يكون
للهيئة دين، وهي بوصفها المعنوي لا تصلي ولا تصوم... إلخ؟ الجواب على ذلك
بأن دين الهيئة هو مرجعيتها، وهو الأصل المرجوع إليه فيما يصدر عنها من
نشاط، ومدى التزامها بهذا الأصل بحسبانه موردا لها. وما دامت الهيئة
مرجعيتها إسلامية فقد صارت الولاية بها إسلامية في الفقه الإسلامي، وإن
تشارك فيها مسلمون وغير مسلمين.
بهذه الطريقة تكون المادة
2 من الدستور لازمة بنصها الحالي وبصيغتها هذه لكي يقوم السياق النظري من
داخل الفقه الإسلامي بما يحقق المساواة بين المواطنين المسلمين والمسيحيين
في المشاركة واتخاذ القرارات في شأن الولايات العامة. وما دامت نصوص
الدستور -مع تأكيدها على إسلامية الدولة- قد أكدت أيضا على حقوق المساواة
بين المواطنين جميعا، فهي تكون اعتمدت -من وجوه النظر المختلفة في الفقه
الإسلامي- وجهة النظر المؤكدة على المساواة بين المواطنين، مع الإقرار
بأنه نظر يسعه الفقه الإسلامي، ولا يشوب دين الدولة ومصدريتها التشريعية.
وبذلك فإن المساس بنص
المادة 2 من الدستور هو مما يفقد هذا التسلسل المنطقي النظري معناه،
وسيضيق كثيرا من القدرة على أن يستمد من داخل الفقه الإسلامي الأساس الداعم
للمساواة والمشاركة بين المسلمين والمسيحيين في بلادنا.
لذلك أرجو من الحريصين على تأكيد مبدأ المساواة أن ندعمه بكل الإمكانات
الفكرية، وأن نقيمه لدى المؤمنين بالإسلام على أسس تصدر من مرجعيتهم، وأن
المساواة تؤدي إلى الاندماج، أما من كان يقصد من تعديل هذه المادة إضعاف
إسلامية الدولة، فإن نص المادة الثانية المذكورة هو كاشف عن
واقع استتباب الإسلام لدى المسلمين في مصر وليس منشئا له طبعا.
ولن يغير التعديل واقعا، ولكن يثير حفيظة ويعمق جرحا، ويقيم تناقضا على
المدى الطويل، تناقضا ليس بين المواطنين المسلمين والمسيحيين، ولكنه تناقض
بين مبدأ المرجعية الإسلامية ومبدأ اللادينية السياسية.
أصل المادة الثانية ومنشؤها
من أين ظهرت المادة 2 من
الدستور؟ إن أصلها الدستوري يرد من المادة 149 من دستور مصر في سنة
1923 الذي استمر معمولا به حتى 1953، وهي المادة الأولى من الباب
السادس من الدستور وعنوانه: أحكام عامة، ونصت على أن الإسلام دين الدولة،
واللغة العربية لغتها الرسمية. وكانت شكلت لجنة وضع هذا الدستور في أبريل
سنة 1922 من ثلاثين عضوا، عدا رئيسها حسين رشدي باشا رئيس الوزارة
السابق ونائب رئيسها أحمد حشمت باشا وزير المعارف السابق، وكان أعضاؤها
الثلاثون من النخب السياسية العليا ذات الاتصال الوثيق بالحكم ورجاله، وهم
إما من رجال السياسة المتصلين بالملك، وإما من رجال حزب الأحرار
الدستوريين، وهم جلهم من ذوي التعليم والثقافة غير التقليدية،
وليس فيهم من يمكن أن يكون ممثلا لما نسميه اليوم بالتيار السياسي
الإسلامي، وجلهم ذوو تعليم حديث ونزوع ثقافي آخذ من الفكر الوافد ومدارسه
، مثل: علي ماهر، وعبد اللطيف المكباتي، وعبد الحميد بدوي، ومحمد علي
علوبة، وعبد العزيز فهمي، وإبراهيم الهلباوي، وفيها من ذوي الثقافة
والتعليم الديني الشيخ محمد بخيت المطيعي المفتي الأسبق، والسيد عبد الحميد
البكري شيخ الطرق ونقيب الأشراف، والشيخ محمد خيرت راضي، كما كان فيها من
المسيحيين يوسف سابا باشا، وقليني فهمي باشا، وإلياس عوض بك، وتوفيق دوس
بك، كما كان عضوا بها الأنبا يؤانس نائب البطريرك وقتها، وهو من تولي
البطريركية عقب وفاة الأنبا كيرلس الخامس في سنة 1927، واستمر بطريركا
بضع عشرة سنة حتى وفاته، كما كان فيها يوسف أصلان قطاوي باشا من اليهود.
وتذكر مضابط أعمال اللجنة أن
لجنة وضع المبادئ اقترح عليها الشيخ محمد بخيت في 19 مايو سنة 1922 أن
ينص الدستور على أن دين الدولة الرسمي الإسلام، فطرح الرئيس حسين رشدي
باشا الاقتراح للتصويت فتقرر بالإجماع قبوله.. ولما تلا النص في اللجنة
العامة في 14 أغسطس 1922 قررت الهيئة الموافقة عليه بالإجماع، وتلا نص
المادة بجلسة 3 أكتوبر 1922، فوافقت الهيئة عليه بالإجماع، ومعنى ذلك
أنه بمجرد اقتراح هذا النص ووفق عليه بالإجماع بغير تحفظ ولا
مناقشة، وبغير أن يظهر أنه أثار حرجًا أو قلقًا أو عنتًا، وذلك في جو فكري
يفوح في فكره عبير الليبرالية ، والإجماع يشمل هنا أعضاء
اللجنة غير المسلمين، وهم يبلغون نسبة تشارف 20% من العدد الكلي، وأن من
يطالع أعمال هذا الدستور إبان إعداده في داخل اللجنة أو في خارجها على
صفحات الصحف، يعرف إلى أي مدى كُفل لإعداده جو من حرية التعبير ومناقشة
سلطات الملك والشعب والتمثيل النسبي لغير المسلمين وغير ذلك، كفل له من ذلك
ما يكشف عن أن الرضاء الذي قوبل به نص دين الدولة كان يفيد القبول الأوسع
والأشمل.
لقد كان الجميع على وعي
بأنهم بصدد وضع دستور يصوغ التوجه الأساسي للدولة الحديثة بمصر، ويحدد
المبادئ التي ترسم هويتها الحضارية، لذلك انتهوا إلى أن دين الدولة الرسمي
الإسلام ولغتها الرسمية اللغة العربية قولا واحدا لم يكن بحاجة إلى جدل،
وهو تقرير لأمر واقع.
والحاصل بعد ذلك، أن هذا
الحكم الدستوري ظل مرعيًّا ضمن التراث الدستوري الأصيل للدولة المصرية على
مدى القرن العشرين، وكل دستور كامل صدر في مصر أورد هذا النص بهذا الحكم،
دستور1930 (استمر نحو خمس سنوات ثم عاد دستور 1923) ودستور1956 في
عهد ثورة 23 يوليو 1952، ودستور 1964، ودستور1971. ولم يشذ من ذلك
إلا دستور 1958 في عهد وحدة مصر مع سوريا؛ لأنه لم يكن دستورا مكتملا،
بدليل أن مجلسه النيابي كان بالتعيين من رئيس الجمهورية من بين أعضاء مجلس
البرلمان المصري والسوري، وقد زال بانفصال سوريا في1961.
وإن دلالة استمرار النص على
دين الدولة الرسمي الإسلام عبر الدساتير المختلفة دلالة مهمة جدًّا؛ لأن
مقارنة هذه الدساتير بعضها ببعض تكشف عن أنه لم يكن ثمة نظام دائم لمصر على
هذا المدى، فيما عدا الإقرار بعدد من المسلمات؛ منها أن دين الدولة
الرسمي الإسلام.
كانت هذه الدساتير تتراوح
بين النظام الملكي والنظام الجمهوري، وتتراوح بين الملكية المستبدة
(1930م) والملكية البرلمانية (1923)، وتتراوح في النظام الجمهوري بين
النظام الرئاسي والنظام القريب من البرلماني، وتتراوح بين نظام الحزب
الواحد ونظام تعدد الأحزاب، وتتراوح بين النظام الاشتراكي القائم على تقييد
الملكية العامة وبين النظام الرأسمالي الذي يطلق حرية الملكية الخاصة،
وبين... وبين... إلخ.
ولكن بقيت اللغة عربية
والدين الإسلامي، وهذا يكشف وجه الثبات الذي لا يوجده الدستور، ولكنه لا
يملك إلا أن يعترف به، ويكشف عن أنه نص حاكم لغيره وليس محكومًا بغيره،
والمعنى هنا يستفاد بالاستقراء العلمي للتجربة التاريخية للأمة ودولتها.
معنى دين الدولة الرسمي الإسلام
معنى أن يكون دين
الدولة الرسمي الإسلام أن تكون مرجعيتها الفكرية إسلامية، وأن تكون هذه
المرجعية الإسلامية إنما تترجح من داخلها الآراء والاجتهادات لما أورده
الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات،
وذلك كله في إطار ما تسعه المرجعية الشرعية وما تتقبله بأي من وجوه
الاجتهاد الفقهي المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح
العامة للأمة.
ومعناه أيضا أن يكون النظام
العام الذي تشير إليه القوانين مشمولاً بهذه المبادئ والقيم، وما تتوافق
عليه الجماعة. وسنلاحظ تاريخيًّا أن النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي
للدولة، إنما يتضمن إقرارا بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر
التشريع، ومصدرية التشريع تعني مرجعيته، وتشير إلى المورد الذي تستقي منه
الأحكام؛ لأن دين الهيئة إنما يعني مصدريتها، وإلا كان النص لغوا.
والحاصل أنه لما وضع هذا
النص في دستور 1923، لم يظهر سريعا هذا المعنى المستفاد صراحة، أو لم يظهر
ظهورا كاملا؛ لأن استقلال مصر الذي عبر عنه هذا الدستور كان استقلالا
منقوصا، فهو استقلال يصدعه الوجود العسكري البريطاني في مصر، وينعكس في
إرادة سياسية أجنبية استعمارية، كما كان يصدعه وجود الامتيازات الأجنبية.
فلم تكن مصر مكتملة السيادة فيما تصدر من تشريعات لا تطبق على الأجانب إلا
بموافقة المحكمة المختلطة، ولم تكن مكتملة السيادة القضائية لانحسار سلطة
القضاء المصري الوطني عن الأجانب كلهم، وعن كل المنازعات التي يكون الأجنبي
طرفا فيها، حتى لو كانت منازعات ضد المصريين أو ضد حكومة مصر.
لذلك لم يمكن أن ينعكس حكم هذا النص على الواقع التشريعي سريعا، ولم يتحقق
الاستقلال التشريعي لمصر إلا بعد إبرام اتفاقية منترو في 1937 التي أنهت
الامتيازات الأجنبية، ولم تنته المحاكم المختلطة طبقًا لهذه الاتفاقية
وتسترد مصر سيادتها القضائية كاملة إلا في 1949.
ومع بدء الاستقلال التشريعي
بدأت في مصر مرحلة إعداد مجموعات من التشريعات، كان أشهرها طبعا القانون
المدني الذي استغرق العمل فيه بضع عشرة سنة حتى صدر في 1948، وبدأ تطبيقه
مع إلغاء المحاكم المختلطة في أكتوبر 1949. وكان نص مادته الأولى أنه
عند غياب النصوص التشريعية يرجع القاضي إلى العرف، فإن لم يجد لجأ إلى
مبادئ الشريعة الإسلامية، فإن لم يجد لجأ إلى القانون الطبيعي وقواعد
العدالة. ويتعين ألا نفهم خطأ من تقديم القانون المدني للعرف على الشريعة
الإسلامية أنه تفضيل له عليها؛ لأن من يعرف مصر يعرف أنه لا يقوم بها عرف
معترف به من الناس، ومعترف بالالتزام به بينهم، لا يقوم عرف بها ويكون
مخالفا لمبادئ الشريعة الإسلامية.
ونحن نلحظ أن من
أعاد الفاعلية للكثير من أحكام الشريعة في الدراسات المقارنة ومن طالب بها
هم مجموعات من الفقهاء المحدثين وعلماء القانون، وعلى رأسهم
الدكتور عبد الرزاق السنهوري؛ ذلك لأنه ليس هناك أجدر من هؤلاء معرفة بعمق
الفقه الإسلامي ومبادئه القانونية وقدرته بمناهجه التفسيرية على التجدد. وهؤلاء
في غالبهم هم من خريجي كليات الحقوق التي لم تكن لها صلة عضوية بالأزهر
الشريف، ولم يكن بها من الأزهريين إلا الأعلام الذين يدرسون
الفقه الإسلامي، بحسبانه مادة واحدة في كل سنة، والغالبية من الأساتذة هم
ممن درسوا الفقه الفرنسي بمصر وفرنسا، فلم يكن من هؤلاء من
يسمى الآن بالتيار الإسلامي أو التيار السياسي الإسلامي.
وأنا أذكر أن من هؤلاء
الأساتذة الذين درسنا على أيديهم الدكتور شفيق شحاتة، وهو فقيه قبطي مصري،
كانت دراساته غاية في العمق، وكانت كتاباته في القانون المدني شديدة التأثر
بالفقه الإسلامي، وبعد سنوات عرفنا أن رسالته للدكتوراة كانت عن نظرية
الالتزامات في القانون المدني على المذهب الحنفي، وكان الأستاذ المشرف عليه
هو فضيلة الشيخ أحمد إبراهيم.
فالشريعة الإسلامية فيها جانب
ديني عند المسلم، وهي عند المسيحي فقه وأحكام ووجهات نظر. ومنذ
الثلاثينيات من القرن العشرين اعترفت المجامع الفقهية الدولية بها
باعتبارها من المدارس في الفقه العالمي.
هل صارت مصر إسلامية بقرار
السادات؟
إن
العرض السابق يظهر بجلاء أن المادة 2 من دستور 1971 لم يضعها الرئيس
السادات من عنده ليكسب شعبية زائفة، ولا كانت مجرد نص مصطنع ليدغدغ به
عواطف الجهلة. والنص موجود من 1923 بإجماع واضعيه، وباق أيضا باستقراء
تاريخي كامل، وهو أثبت من غيره إطلاقا. وهو ليس نصا يقوم به حزب أو جماعة
سياسية من أجل الانتشار ودغدغة العواطف، ودين الدولة الإسلام يقتضي بذاته
الجزم بمصدرية الشريعة الإسلامية للتشريع، وإلا كان النص لغوا، وليس يصح في
الأذهان أن يكون أثبت نص في الدستور هو ما يوصف بكونه لغوا، ولا يصح في
الأذهان قط أن يقال: إن المجتمع المصري عرف الشريعة الإسلامية مصدرا
للتشريع منذ اعتلاء السادات أريكة حكم مصر في 1971، وإنه عرف الشريعة
بوصفها المصدر الرئيسي للتشريع منذ شهر مايو سنة 1981 بالتعديل الدستوري
الذي أدخله السادات. والسؤال العجيب هو: هل صارت مصر إسلامية بقرار من
الرئيس السادات ولم تكن كذلك قبله؟
أنا لا أجحد حقيقة أن الرئيس
السادات إنما أراد بهذا النص أن يؤلف قلوب المصريين؛ ليتمكن من تعديل
الدستور بما يتيح له الترشيح للرئاسة لأكثر من مدتين، ولكن هذا لا يعني أن
مصدرية الشريعة الإسلامية كانت أمرا غير وارد ولا مهم، بل إن
محاولته استغلال هذا الهدف الشعبي العام لتحقيق مصلحة ذاتية له في أمر آخر
إنما هو إقرار بأهمية هذا الهدف العام، وإلا لما كان سانحا له أن يؤلف به
القلوب.
ونحن نعرف في مناهج تحليل
الأحداث التاريخية أن الحدث التاريخي أو الحدث العام الذي يشمل أو يؤثر في
جماعة كبيرة يندر أن يكون له سبب وحيد، إنما هي مجموعة من الأسباب تتجمع
لإحداثه بأثره البعيد، وفي وقت محدد بعينه، وفي مكان معين. هناك ما يمكن
أن نسميه وعاء السببية لهذا الحدث، أو مجموعة الأسباب المحدثة له. ونقول
أيضا: إن أمرا حدث عندما توافرت أسبابه وانتفت موانعه؛ لأن السبب عندما
يتوافر يمكن أن يبطله مانع معاصر له أو لاحق عليه. وتتراوح الأسباب بين
الجوهري والثانوي، وبين العام والخاص، وكل ذلك يؤثر في تشكيل الحدث، وفي
أنواع الآثار التي تترتب عليه.
فمثلا، اشتعال الحرب
العالمية الثانية في سبتمبر 1939، وهي الحرب التي استمرت على نطاق العالم
لمدة ست سنوات، وحطمت مدنا ودولا، وقتلت عددا من البشر يتراوح بين 32
و60 مليون شخص، حسب اختلاف التقديرات. هذه الحرب يمكن أن يقال: إن
سببها هو احتلال هتلر زعيم ألمانيا النازية وقتها لميناء دانزج التابع
لبولندا رغبة في التوسع والمجد الذاتي للزعيم الدكتاتور، ويمكن أن يقال: إن
سببها أن هذا الميناء متنازع عليه تاريخيا بين ألمانيا وبولندا، ويمكن أن
يقال: إن ألمانيا كانت تثأر لنفسها مما فرض عليها من هزيمة في الحرب
العالمية الأولى (1914ـ 1918)، ويمكن أن يقال: إنه صراع عالمي بين الدول
الاستعمارية الكبرى حول إعادة تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ بينها حسب
قوتها المتغيرة. وكل هذه الأسباب صحيحة، وإن تجمعها بين سبب خاص وسبب عام
هو ما أدى إلى حدوث الحرب في وقت معين ومكان محدد، وشمولها للعالم
واستمرارها سنوات.
ومثلا النحاس باشا رئيس
الوزارة الوفدية بمصر ألغى معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، وذلك في
أكتوبر سنة1951، وكان ذلك استجابة لمطلب شعبي وطني شامل، كما كان استجابة
لتراث الوفد الوطني وقتها، كما كان من شأنه أن يقوي وزارة الوفد ضد مؤامرات
القصر الملكي ويضعف المعارضة الشعبية ضدها.. وكل هذه الأسباب صحيحة، وإن
تجمعها هو ما قام به الحدث من وزارة معينة في تاريخ محدد، وامتد أثره من
بعد فيما لا وجه لتكراره الآن.
وبالمثل فإن نص المادة 2
من دستور 1971 هو أولا سار على نهج سوابقه فيما يتعلق بأن دين الدولة
الرسمي الإسلام، ونص على مصدرية الشريعة الإسلامية، وهو حكم لا يزيد عن
كونه تطبيقا؛ لأن دين الدولة الإسلام، لأن الدين هو المرجعية أو المصدرية،
والسادات أراد أن يؤلف قلوب المصريين لنفسه بأن يستجيب لمطلب لديهم له هذه
الأهمية.
النصوص يفسر بعضها بعضًا
نقطة أخيرة أختتم بها حديثي،
فنحن عندما نفسر أي قانون ونستقرئ أحكامه لا ننظر إلى كل نص فيه على حدة،
نحن نتفهم كل حكم بما يعنيه، ثم نضع أحكام القانون كلها جنبا إلى جنب؛ لأن
كل نص إنما يحد من إطلاق غيره، ولأن المعنى المستفاد من أي نص إنما يتداخل
في المعاني المستفادة من النصوص الأخرى، ولأن السياق هو الذي يضبط المعنى
ويظهر وجه التفسير، واللفظ الواحد يتكشف معناه من موضعه في الجملة، والحكم
الواحد تتكشف حدود معناه وضوابطه من موضعه من الأحكام الأخرى، وهذا ما يطلق
عليه تعبير: النصوص يفسر بعضها بعضا.
وطبقًا لهذا المفاد فإن وجود
نص المادة الثانية من الدستور بين نصوص هذا الدستور وبين الأحكام الأخرى
المتعلقة بالمساواة بين المواطنين، وإن اختلفت أديانهم أو مذاهبهم، إنما
يجعل حكم الدستور دائرا في تفسير كل نص ما يفضي به النص الآخر، ومن ثم يكون
ملزما -من وجهة النظر الدستورية في تفسير مصدرية الشريعة الإسلامية
للقوانين- أن يكون ما هو دستوري من هذه المصدرية ما يتجانس مع
مبادئ الدستور الأخرى وأحكامه الأخرى، وذلك في نطاق ما تسعه مبادئ الشريعة
الإسلامية من وجهات نظر.
إن الفقه الإسلامي يقر تعددا في الآراء وتنوعا في الحلول في إطار ما تسعه
نصوص الأحكام، وفي هذا التعدد والتنوع يعرف الفقهاء أن صاحب الولاية يمكن
أن يرجح رأيا من هذه الآراء على رأي آخر، فيصير هو الرأي الفقهي الملزم
للجماعة. ونحن عندما نحيط الدولة رسميا بدين الإسلام، ونقرر مصدرية
الشريعة في ذات الأحكام الدستورية التي تقر بالمواطنة والمساواة في الحقوق
والواجبات العامة والخاصة، نحن بذلك نكون قد أقررنا -بما للدستور من تنظيم
الولايات العامة- بأننا ملتزمون دستوريا بتبني الرأي الفقهي الذي تسعه
أحكام الشرع الإسلامي، وهو ما يدعم ويؤكد مبدأ المساواة بين المواطنين
وغيره من المبادئ الواردة بالدستور مما تسعه مبادئ الشريعة.
أما إذا أسقطنا هذا الحكم
الوارد بالمادة 2 من الدستور، فإن الدستور يفقد هذه الصلة الوثيقة بين
المبادئ التي يحرص على تثبيتها لدى الجماعة السياسية وبين مبادئ الشريعة
الإسلامية فيما تسعه من أحوال ومبادئ، ومن ثم لا يقوم هذا الترجيح الذي
يملكه ولي الأمر في الجماعة بين ما تحتمله نصوص الأحكام الشرعية وأحكامها
من تباين وتنوع واختلاف.
والإسلام، كما نعرف جميعا،
أيا كانت درجة إيماننا به، هو قديم لم يأت به نص دستوري، وهو باق لا يلغيه
تجاهل دستوري، ولذلك فإن التعامل معه خير للدولة بمؤسساتها وللجماعة
بفصائلها من التجاهل له، والحمد لله.
قاضٍٍٍِ ومؤرخ مصري
* الموضوع سبق نشره في صحيفة الأهرام
|