مقدمة:
لقد قدس الإسلام الزواج و سماه ميثاقا غليظا و
وضع له من القواعد ما يضمن به
بقاؤه واستمراره إلا أنه و مع ذلك فقد شرع الطلاق استثناءا و اعتبره أبغض الحلال
إلى الله عز وجل علاجا للحياة المتفككة، وقيده
بجملة من الأحكام والإجراءات ينبغي على الزوج إتباعها حتى يقع طلاقه و يعتبر سنيا و صحيحا، و الطلاق لغة مأخوذ من
الإطلاق و هو الإرسال والترك، وفي الشرع
هو حل رابطة الزواج و إنهاء العلاقة الزوجية، فالأصل أن عقد الزواج يعقد للدوام و
التأبيد.
و قد اختلف الفقهاء في حكم الطلاق و
الأصح هو رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة وهم الأحناف و الحنابلة و استدلوا
على ذلك بقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «لعن الله كل مذواق مطلاق» ، كما قال أيضا صلى الله عليه وسلم: «أبغض
الحلال إلى الله عزوجل الطلاق»
و قبل طرح مختلف الإشكاليات التي سوف نحاول
معالجتها في بحثنا هذا ينبغي علينا الإشارة بنوع من الإيجاز إلى مسألة إثبات
الطلاق قبل صدور قانون الأسرة الجزائري بدءا بفترة الاحتلال الفرنسي لبلادنا أين
كانت تطبق على المسلمين أحكام الشريعة الإسلامية، وأنشأت لهذا الغرض المحاكم
الشرعية وأهم قانون كان يطبق آنذاك هو
الأمر294-59 الصادر في04/02/1959بالإضافة إلى النصوص التطبيقية له[1]والجدير
بالذكر في هذا المجال أنه في هذه المرحلة وإلى غاية صدور الأمر 294- 59 كان الطلاق إجراءا بسيطا لا يتطلب
أية شكلية إذ يتم بإعلان الزوج عنه لدى القاضي الشرعي ويتعين فيما بعد على الزوجة
المطلقة رفع دعواها من أجل المطالبة بحقوقها المالية ، إلا أنه بعد 1959 أصبح
انحلال العلاقة الزوجية يخضع بصفة إلزامية إلى القضاء و ينظمه بصفة خاصة المرسوم
رقم 7082-59 المؤرخ في 17/09/1959 الذي تضمن اللائحة التنفيذية لأمر294- 59.[2]
أما بعد الاستقلال فقد صدر القانون رقم
218- 63 المؤرخ في 18/05/1963 و الذي ألغى ولاية محكمة النقض الفرنسية على
القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الجزائرية و أنشأ مكانه المجلس القضائي
الأعلى ، بالإضافة إلى المرسوم 261- 63 المؤرخ في 22/07/1963 و الذي ألغى المحاكم
الشرعية و نقل إلى المحاكم
المدنية العادية[3]،
واستمر الحال على ما هو عليه إلى غاية صدور قانون الأسرة الجزائري حيث أصبح الطلاق
لا يمكن أن يتم إلا بتصريح من القاضي بعد محاولة الصلح.[4]
و قد عرفه المشرع الجزائري في المادة 48
منه بأنه حل عقد الزواج و يتم
بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53و54 من
هذا القانون.
إلا أن ما يعنينا في بحثنا هذا هو
الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج
ذلك أنه وان كان المشرع الجزائري قد أطلق لفظ الطلاق على كل من الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج أو
بالخلع أو بطلب الزوجة إلا أن
مسألة إثبات الطلاق في حد ذاتها لا تتعلق إلا بالطلاق بالإرادة المنفردة،
لأن دور القاضي هنا يكون سلبيا إذ يتحقق فقط من إرادة الزوج في إيقاع الطلاق ليحكم بإثبات هذه الإرادة دون أن
يكون له الحق في مناقشتها .
و عليه ومتى وقع الطلاق بهذه الصفة وجب
على الزوجة أن تعتد و بانتهاء عدتها تبين من زوجها إما بينونة صغرى أو بينونة
كبرى، ولكن ورغم صحة وقوع الطلاق من الناحية الشرعية إلا أنه قد يتدخل المشرع و
يقيد إرادة الزوج في إيقاع الطلاق باللجوء إلى القضاء و التصريح به أمامه، ومن ثمة
فلا يمكن تصور وقوع الطلاق خارج إطار القضاء، ولكن ومع ذلك فإن الواقع العملي أثبت
وجود هذه الحالات وهنا يطرح التساؤل: كيف يتصرف القاضي أمام هذا الموقف مع وجود
نص قانوني صريح ؟
هل يحكم بإثبات الطلاق العرفي بأثر
رجعي أم من تاريخ صدور الحكم ؟
و
فيما إذا كانت الإجابة بنعم كيف يتعامل مع آثار الطلاق مع العلم أن العدة
تكون قد انقضت ؟
هذا من جهة و من جهة أخرى تطرح إشكالية
الطعن في الحكم القاضي بالطلاق خاصة مع غموض نص المادة 57 من قانون الأسرة و عدم
النص على مسألة الطلاق العرفي.
وعليه سوف نحاول الإجابة على مختلف هذه
الإشكاليات و غيرها مما قد يطرح علينا من خلال الخطة التالية :
الخطــــة:
الفصل الأول : كيفية إثبات الطلاق
.
المبحث الأول : كيفية إثبات
الطلاق في قانون الأسرة الجزائري .
المطلب الأول : ثبوت الطلاق بحكم
.
المطلب الثاني : إشكالية الطلاق
العرفي على ضوء التطبيقات
القضائية .
المبحث الثاني : كيفية
إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية .
المطلب الأول : الإشهاد على
الطلاق في الشريعة الإسلامية .
المطلب الثاني : طرق إثبات الطلاق شرعا و
قانونا .
الفصل الثاني : إجراءات إثبات
الطلاق
المبحث الأول : إجراءات
استصدار الحكم المثبت للطلاق .
المطلب الأول : اتصال القاضي
بالدعوى .
المطلب الثاني : تعامل القاضي مع دعوى
إثبات الطلاق
المبحث الثاني : طرق الطعن
في الحكم بالطلاق و تنفيذه .
المطلب الأول : طرق الطعن في
حكم الطلاق .
المطلب الثاني : تنفيذ الحكم
المثبت للطلاق .
الفصل الأول: كيفية إثبات الطلاق
.
في حقيقة الأمر أن مسألة إثبات الطلاق و
إن كانت للوهلة الأولى تبدوا بسيطة إلا أنها تنطوي على غموض كبير خاصة في تفسير نص
المادة 49 من قانون الأسرة إذ يثار الإشكال حول الحكم الصادر بالطلاق فيما إذا كان
منشئا أو مقررا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه نظرا لخصوصية الحكم بإثبات الطلاق
فإنه لا مجال لإعمال سلطة القاضي فيه ذلك أنه يتعين عليه أن يحكم بالطلاق متى رفع
إليه بناءا على إرادة الزوج المنفردة دون أن يكون له الحق في مناقشته، و عليه فإن
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يدخل الحكم بالطلاق في الوظيفة الولائية للقاضي أم
في الوظيفة القضائية له ؟
وعلى
صعيد آخر نجد أن التطبيقات القضائية تذهب إلى إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة
القضاء وبأثر رجعي مع العلم أن هذا الاتجاه كان معمولا به قبل صدور قانون الأسرة
الجزائري تطبيقا لقواعد الشريعة الإسلامية، وعليه هل يمكن القول بأن مسلك
القضاء سليم في هذا المجال أم أن ذلك بدعة قضائية ينبغي النزوح عنها ؟
خاصة و أن المادة 222 من قانون الأسرة تحيل على
أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لكل ما لم يرد النص عليه في قانون الأسرة.
إجابة
على مختلف هذه التساؤلات و غيرها فإننا سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في
المبحث الأول كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري و الذي نتطرق فيه إلى
المبدأ الوارد به و هو عدم ثبوت الطلاق إلا بحكم قضائي في مطلب أول و خروج القضاء
عن هذا المبدأ بإثباتهم الطلاق العرفي بأثر رجعي في مطلب ثاني ، في حين نخصص
المبحث الثاني إلى كيفية إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية على أساس أن المادة
222 من ق. أ أحالت عليها في حالة الغموض ، و على أساس أن المرجع القضائي في إثبات
الطلاق العرفي بأثر رجعي هو الشريعة الإسلامية و سوف نتطرق فيه إلى الإشهاد على
الطلاق في الشريعة الإسلامية في المطلب الأول أما المطلب الثاني فنخصصه لطرق
الإثبات المقررة شرعا وقانونا.
المبحث
الأول: كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري.
نص المشرع الجزائري في المادة 49 من ق.أ
على ما يلي : لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن
تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر .
يتضح لنا من
خلال هذه المادة أن إرادة المشرع تتجه إلى إخضاع مسألة إثبات الطلاق إلى القضاء
إلا أن الإشكالية التي تثار في هذه الحالة هي مسألة إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة
القضاء بحكم قضائي وبأثر رجعي و هذا الاتجاه كان معمولا به قبل صدور قانون الأسرة
الجزائري إلا أن القضاء استمر يحكم به حتى بعد صدور قانون الأسرة وعليه فإن السؤال
المطروح هو كيف يتم إثبات الطلاق في قانون الأسرة و ما مدى صحة اتجاه القضاء في
هذا المجال ؟ وهذا ما سوف نتناول الإجابة عنه فيما يلي:
المطلب
الأول : ثبوت الطلاق بحكم قضائي .
كما سبق وأن ذكرنا فإن المادة 49 من قانون
الأسرة استعملت عبارة لا يثبت و ليس لا ينعقد أو لا ينشأ أو لا
يقع الطلاق إلا بحكم . [5]
وعليه يطرح
التساؤل حول ما يرمي إليه المشرع الجزائري من خلال هذه العبارة : هل يقصد أن
الطلاق يمكن أن يقع خارج ساحة القضاء إلا أن إثباته يكون باللجوء إلى القضاء أم
أنه لا يمكن تصور الطلاق خارج ساحة القضاء
؟
وهذا ما سوف
نجيب عنه من خلال الفروع التالية :
الفرع
01/ ضرورة صدور حكم لإثبات الطلاق .
للوهلة الأولى يفهم من
سياق المادة 49 من ق . أ : أنه فقط مسألة الإثبات هي التي تبقى خاضعة للقضاء إلا
أن وقوع الطلاق في حد ذاته يمكن أن يكون خارج ساحة القضاء .
ولكن
: وبالرجوع
إلى مواد قانون الأسرة نجدها تعتبر أن الطلاق لا يكون إلا بموجب حكم قضائي و أن
العدة تبدأ من تاريخ التصريح بالطلاق من القاضي و أن هذا الطلاق هو طلاق بائن رغم
أنه يعد انطلاقة لبداية احتساب العدة و بالتالي فإن المراجعة تكــــون قبل
صدورالحكم
بالطلاق أي أثناء محاولة الصلح فما طبيعة الرجعة في هذه الحالةو هل يمكن
اعتبارها طلقة تدخل ضمن الطلقات الثلاثة التي يملكها الزوج على زوجته أم لا
؟
و بعبارة
أخرى هل يفهم من ذلك بأن المشرع اعترف ضمنيا بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء أم
أن المراجعة لا تنصرف إلى الطلاق الرجعي ؟
و إذا قلنا بأن الأمر كذلك فهل يعني
ذلك أن المشرع الجزائري لا يعترف بوجود الطلاق الرجعي لأنه بصدور الحكم
تبين الزوجة من زوجها ؟
إجابة على هذه الأسئلة نقول في البداية
بأن المشرع قد حدد فترة زمنية تجرى خلالها محاولة الصلح وهي ثلاثة أشهر ممنوحة
للزوجين من أجل مراجعة نفسيهما ،و بالتالي لا يجوز للقاضي أن يحكم قبل مضي هذه
المدة إلا أنه في حالة امتداد المصالحة إلى أكثر من ثلاثة أشهر فإن المشرع لم يرتب
أي جزاء على ذلك.
وفي رأيي أن عدة الزوجة عادة ثلاثة أشهر
وعليه فقد رأى المشرع أن المصالحة خلال العدة لا تحتاج إلى عقد جديد ومن هنا جاءت
مدة الثلاثة أشهر وبما أن الأمر كذلك فإننا نفهم أن المشرع قد اعترف بوقوع الطلاق
خارج ساحة القضاء [6]
ضمنيا و يبقى الإشكال في كون أن المشرع لم يرتب جزاءا عن المصالحة التي تقع بعد
مضي مدة الثلاثة أشهر .
وفي هذا المجال يرى الأستاذ زودة عمر أن
الرجعة التي تقع بعد الإعلان عن الطلاق من قبل القاضي لا تدخل في مفهوم الرجعة
التي يملكها الزوج في الطلاق الرجعي ،لأن الطلاق لم يقع بعد ، و تبعا لذلك يستطيع
الزوج أن يعيد الزوجة إلى بيت الزوجية في أي وقت ما دامت العلاقة الزوجية ما تزال قائمة.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري لم
يميز بين الطلاق الرجعي و الطلاق البائن هذا إذا أخذنا بحرفية النص و بفكرة عدم
وقوع الطلاق خارج ساحة القضـاء، أما إذا أخذنا بالمفهوم المقابل له و هو وقوع
الطلاق خارج ساحة القضاء و ثبوته بحكم قضائي فإننا نكون كما سبق البيان أمام نوعين
من الطلاق طلاق رجعي و آخر بائن.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد فرق بين
الطلاق البائن بينونة كبرى و الطلاق البائن بينونة صغرى ، و ذلك بنصه في المادة 51
من ق. أ على أنه لا يمكن أن يراجع الرجل من طلقها ثلاث مرات متتالية إلا بعد أن
تتزوج غيره وتطلق منه أو يموت عنها بعد البناء .
و قد ذهبت المحكمة العليا إلى التفرقة بين
الطلاق الرجعي و الطلاق البائن حيث جاء في قرارها أنه من المتفق عليه فقها و قضاءا
في أحكام الشريعة الإسلامية أن الطلاق الذي يقــع
من
الزوج هو الطلاق الرجعي وأن حكم القاضي به لا يغير من رجعيته لأنه إنما نزل على
طلب الطلاق.
أما الطلاق البائن فهو الذي يقع ما قبل الدخول أو وقع بناءا على عوض تدفعه الزوجة
لزوجها للتخلص من الرابطة الزوجية معه، و كذلك الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءا على
طلب الزوجة لدفع الضرر عنها و حسم النزاع بينها و بين زوجها.
و إن القضاء
بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية و لذلك يستوجب نقض القرار
الذي اعتبر الطلاق بإرادة الزوج طلاقا بائنا.[7]
وعلى صعيد آخر نجد أن عبارات قانون
الأسرة جاءت غامضة، إذ نجد في المادة 58 منه عبارة تاريخ التصريح بالطلاق
فما لمقصود منها ؟ هل نعني بها تلفظ الزوج بالطلاق أم نعني بها تصريح
القاضي به ؟
يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن الطلاق لا
يقع إلا بموجب حكم فهو ليس شرطا للإثبات و إنما هو شرط للانعقاد، ذلك أن المشرع
عندما نص على أنه لا يمكن إثبات الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح فهو ينفي وقوع
أي طلاق مالم تسبقه محاولة الصلح التي يقوم بها القاضي و من ثمة يكون المشرع قد
انحاز إلى الاتجاه الشكلي، فلا يعتد بالطلاق الواقع خارج مجلس القضاء بل يجب على
الزوج أن يعلن عن إرادته في استعمال حقه في الطلاق أمام القاضي بعد أن يستوفي
إجراء الصلح، وينتهي استعمـال الزوج لحقه الإرادي بصدور إشهاد من القاضي يثبت فيه
استيفاء إجراء الصلح و تعبير الزوج عن إرادته في ذلك، و من ثمة يعدّ المحرر
القضائي شرطا لصحة وقوع الطلاق و ليس وسيلة لإثباته.[8]
ونجد أن المشرع الجزائري لم يستحدث أمرا
جديدا و إنما أخذ برأي الفقهاء الذين يقولون بضرورة الإشهاد على الطلاق.[9]
وعلى غرار التشريع الجزائري فقد ذهب
التشريع التونسي إلى عدم وقوع الطلاق خارج ساحة القضاء.[10]وذلك
على خلاف التشريع المصري و الذي يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحة القضاء، حيث يثبت
بجميع طرق الإثبات الشرعية من إقرار و بينة ويمين.[11]
وقد ذهب الاجتهاد المصري إلى أن إقرار
الزوج بطلاق زوجته مسندا إلى تاريخ سابق لا يعد إنشاء لطلاق جديد، و حجتهم في ذلك
هو حتى لا يحل له التزوج بأختها أو بأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها و هو المختار.[12]
كما ورد في اجتهاد آخر أن يعامل المطلق
في حق نفسه وحق الشرع بإقراره بالطلاق ، و بانقضاء العدة في زمن يحتمل فيه ذلك
فليس له حق مراجعة مطلقته.[13]
وتجدر الإشارة إلى أنه
و إن كان المشرع الجزائري لم ينص على إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاء بأثر
رجعي إلا أن التطبيقات القضائية في مختلف المحاكم تعمل على إثبات الطلاق العرفي
وترتب عليه آثاره بأثر رجعي، وقد عمت هذه الظاهرة في معظم محاكم البلاد و على
رأسها محكمتي الجلفة و البويرة وقبل التطرق إلى مسألة الطلاق العرفي و الإشكاليات الناجمة عنه ينبغي علينا
معرفة أولا طبيعة الحكم بالطلاق فهل هو حكما منشئا أم مقررا ؟ وهل هو عملا قضائيا أم عملا ولائيا
؟
الفرع الثاني:طبيعة
الحكم بإثبات الطلاق.
إن البحث في طبيعة الحكم المثبت للطلاق
يقودنا إلى البحث أولا في أنواع الأحكام القضائية و التي تنقسم إلى أحكام تقريرية،
أحكام منشئة و أحكام إلزام،وكل حكم تقابله دعوى خاصة به[14]
، ثم البحث في طبيعة الحكم في حد ذاته فيما إذا كان حكما قضائيا بأتم معنى الكلمة
أم لا يعدوا أن يكون مجرد عملا ولائيا .
ونعلم أنه وكما سبق بيانه فإن حق الطلاق
المقرر للزوج هو حق إرادي و الحق الإرادي يعرف بأنه سلطة إحداث الأثر القانوني
بمحض إرادة صاحبه ما دام ذلك يوافق القانون
وبمجرد استعماله يترتب عليه الأثر القانونـي و هنا يجب تمييزه عن الحـــــق
الإرادي
الذي لا
يولد مع ميلاد الحق أو المركز القانوني إذ لا ينشأ هذا الأخير إلا بناءا على ما
يرتكبه الطرف الآخر في الرابطة من إخلال بالتزاماته و مثالها حق الزوجة في التطليق
.[15]
ولذلك فإن طرق استعمال هذا الحق تختلف عن
طرق استعمال الحق الإرادي الذي ولد مع ميلاد الحق أو المركز القانوني .[16]
إلا أنه ورغم كون حق الزوج في الطلاق هو
حق إرادي فقد قيده المشرع باللجوء إلى القضاء ، وتبعا لذلك أصبحت إرادة الزوج
عاجزة لوحدها على ترتيب الأثـر القانوني إلا باستيفاء الشكل المقرر قانونا، و ذلك
باستصدار حكم قضائي يثبت إرادة الزوج في الطلاق[17].
وقد جعل
المشرع لهذا الحكم طبيعة الإنشاء لأنه ينهي العلاقة الزوجية بين الطرفين و يخلق
بذلك وضعا جديدا و ذلك من تاريخ صريح القاضي به[18]
،إلا أن السؤال الذي يبـقـــى مطروحا هو ماهي طبيعة هذا الحكم ؟ هل يدخل في
الوظيفة الولائية للقاضي أم أنه عملا قضائيا ؟
الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا التمييز بين
الأعمال القضائية و الأعمال الولائية للقاضي ، فالأصل في أعمال القضاء أنها ذات
طبيعة قضائية بحتة واستثناءا تكون ذات طبيعة ولائية[19]
،و يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن الفرق بينهما يكمن في وجود النزاع من عدمه و عليه و طالما أن الحكم بإثبات الطلاق لا
ينطوي على أي نزاع فإنه من المفروض أن يكون عملا ولائيا، إلا أن المشرع ارتأى
إصداره في شكل حكم قضائي تماما كالأعمال القضائية .
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري و إن
كان قد منح للزوج حق الطلاق بإرادته المنفردة دون الحاجة إلى إبداء الأسباب [20]و
دون أن يكون للقاضي فيها دورا إيجابيا -و
هـذا
ما يفيد أنه يدخل في الوظيفة الولائية للقاضي- فإنه قيده
باستيفاء الشكل المقرر قانونا وجعل له طبيعة الإنشاء و هذا ما انتهى إليه الأستاذ
زودة عمر، ذلك أنه من المفروض أن القاضي يقرر وجود هذا الطلاق من عدمه فقط في حين
أن القانون يذهب إلى وقوع الطلاق من تاريـخ إعلان القاضي عنه و ليس من تاريخ تصريح
الزوج به ، و بالتالي فإن آثاره تترتب من تاريخ الحكم و هذا ما يدعونا إلى التساؤل
حول مضمون الحكم المثبت للطلاق، فما هو مضمونه ؟
الفرع الثالث:مضمون
الحكم بإثبات الطلاق.
يتضمن
الحكم بالطلاق عادة شقين اثنين:
فأما الشق
الأول فهو يتعلق بالطلاق و يصدر ابتدائيا نهائيا في حين نجد أن الشق الثاني يتعلق
بالآثار المترتبة على الطلاق و يصدر ابتدائيا و عادة تكون صيغةالمنطوق كما يلي :
حكمت
المحكمة حال فصلها في قضايا الأحوال الشخصية حكما علنيا حضوريا :
في الشكل : بصحة
الإجراءات و بالتالي قبول الدعوى شكلا .
في الموضوع
:
القضاء نهائيا
بالطلاق بين كل من …… و …… مع أمر ضابط الحالة المدنية بتسجيله بسجلات الحالة المدنية لبلدية
…… و التأشير به على هامش عقد زواج الطرفين و شهادتي ميلادهما .
و
القضاء ابتدائيا: بتحميل الزوج مسؤولية الطلاق و إلزامه بأن يدفع للزوجة مبلغ …… تعويضا عن الطلاق التعسفي،
ومبلغ …… كنفقة عدة و إسناد حضانة الأبناء …… لأمهم على نفقة
أبيهم بواقع …… شهريا لكل واحد منهم تسري من تاريخ النطق بالحكم تستمر إلى غاية
سقوطها شرعا أو قانونا، مــع منـح الأب حق الزيارة يومي الخميس والجمعة و في المناسبات و الأعياد الدينية و أيام
العطل، و إلزام الزوج بأن يخصص للحاضنة سكنا لممارسة الحضانة فيه أو بدل إيجار
بواقع …… شهريا.
و تجدر الإشارة إلى أن أساس التعويض عن
الطلاق التعسفي هو الضرر المادي و
المعنوي اللاحق بالزوجة المطلقة، و من ثمة يتعين التمييز بينه و بين حق المتعة و
الذي يعد حقا معترفا به لكل مطلقة بغض النظر عما إذا كان قد لحق بها ضرر أم لا .
الملاحظ في الواقع العملي أن قضاة الأحوال الشخصية لا يبادرون إلى سؤال
الزوجين
فيما إذا سبق و أن وقع طلاق بينهما كما
أنني لم أجد حكما واحدا يتضمـــن عدد الطلـقات
مع العلم أن القانون الجزائري يفرق بين الطلاق
البائن بينونة صغرى و الطلاق البائن بينونة كبرى .
وعليه
و إذا قلنا أن الطلاق يثبت بحكم قضائي منشئ فما مدى صحة التطبيقات القضائية بشأن
إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي ؟ وهذا ما سوف نتناوله في المطلب الموالي :
المطلب
الثاني: إشكالية الطلاق العرفي على ضوء التطبيقات
القضائية لقانون الأسرة الجزائري:
رغم عدم وجود نص قانوني يسمح بإثبات
الطلاق بأثر رجعي إلا أن التطبيقات القضائية تذهب في جميع الأحوال إلى إثباته بأثر
رجعي، ونجد أن كلا من محكمـــة البويرة و كذا محكمة الجلفة تعملان على إثباته بأثر
رجعي بعد التحقيق في واقعة الطلاق في حد ذاتها ، بسماع الأطراف و كذا الشهود، و قد صدرت عدة أحكام عن محكمة الجلفة مؤيدة بقرار
من المجلس تصب في هذا الغرض و أهمها القرار رقم 19/99 الصادر بتاريخ 30/01/1999
والذي صدر إثر استئناف حكم قضى بالإشهاد على واقعة الطلاق العرفي الواقع بين
الطرفين خلال شهر أوت 1996 و إلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعية مبلغ 40.000 دج
عن الطلاق التعسفي و مبلغ 10000 دج نفقة عدة و مبلغ 1000 دج نفقة إهمال للابن تسري
من تاريخ 01/06/1998 إلى غاية النطق بالحكم و إسناد حضانة الابن لأمه.
وقد كان
قرار المجلس بتأييد الحكم مبدئيا مع تعديله بحذف مبلغ التعويض عن الطلاق التعسفي.
وتجدر الملاحظة أن حذف التعويض
لم يكن لعدم جوازه بل لكون أن الزوجة قد اعترفت بوجود اتفاق بينها و بين الزوجعلى
الطلاق ، وبالتالي فقد أسسوا قرارهم على أساس المادة 442 و ما بعدها من القانون
المدني واعتبروا أن الصلح ينهي النزاع.
وفي حقيقة الأمر أن الفراغ القانوني
الموجود في قانون الأسرة بخصوص النصوص التي تحكم الطلاق أدى بنا إلى مشاكل عويصة
خاصة و أن المشرع سمح بإثبات الزواج العرفي و سكت عن إثبات الطلاق العرفي، فما
هي أهم هذه الإشكاليات ؟
الفرع الأول:حالة عدم
تسجيل عقد الزواج.
تنص
المادة 22 من قانون الأسرة على أنه: يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية
وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون.
وقد حددت المادة 9 من قانون الأسرة
أركان عقد الزواج بنصها على أنه يتم عقد الزواج برضا الزوجين و بولي الزوجة و
شاهدين و صداق.
يتضح لنا من خلال هاتين المادتين أن
المشرع الجزائري يعترف بوجود عقد الزواج العرفي و يرتب عليه آثاره كاملة من إثبات
النسب ووجوب النفقة ... إلا أنه قد يحدث أن يقدم الزوج على طلاق زوجته عرفيا أمام
جماعة من المسلمين و ينصرف كل منهما إلى حال سبيله فما مصير هذا الزواج و ما مصير الأولاد إن وجدوا ؟
بادئ ذي بدء يجب القول أنه لا يمكن رفع
دعوى إثبات الطلاق العرفي ما لم يكن الزواج العرفي قد تم تسجيله، هذا من جهة ومن
جهة أخرى فإن دعوى الطلاق العرفي تختلف عن دعوى تسجيل الزواج ومن ثمة وجب رفع أولا
دعوى تسجيل الزواج وإلحاق النسب ثم رفع دعوى إثبات الطلاق بصفة مستقلة، هذا طبعا
إذا سايرنا الواقع وسلمنا بقبول دعوى إثبات الطلاق العرفي و التي فرضت نفسها بشدة
في الواقع العملي.
إلا أن
المعمول به على مستوى مجلس قضاء الجلفة هو أن يتم رفع دعوى إثبات الزواج والطلاق
العرفي في نفس الوقت ، وجرت التطبيقات القضائية على قبول مثل هذه الدعاوى و الحكم
فيها بحكم واحد ، وقد صدر عن مجلس قضاء الجلفة القرار رقم 178/2002 بتاريخ
26/10/2002 بين ر. عبد القادر و ج . زوينة و الذي قضى بتأييد الحكم القاضي علنيا
حضوريا نهائيا بالنسبة للطلاق وابتدائيا بالنسبة لما ســواه بالإشهاد على صحة
الزواج العرفي بين كل من ر . عبد القادر والمسماة ج . زوينة الحاصل سنة 1994 وكذا
الإشهاد على صحة الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين سنة 1996 و الحكمة من عدم جواز
رفع الدعويين بموجب عريضة واحدة تكمن في اختلاف دعوى الطلاق عن دعوى إثبات الزواج
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حكم الطلاق يكون نهائيا في حين أن الحكم بإثبات
الزواج يكون ابتدائيا ومن ثمة يمكـــن استئناف الحكم بإثبات الزواج وقد يتم إلغاؤه
من المجلس و هنا نكون أمام حالة وجود طلاق دون وجود زواج ؟
الفرع الثاني: حالة
إعادة أحد الزوجين الزواج
أ -حالة إعادة الزوج الزواج: و هذه الحالة
لا تطرح إشكالا إلا في حالة تزوج الزوج بإحدى المحرمات حرمة مؤقتة كأخت الزوجة
مثلا أو الزواج بأكثر من أربعة، فهنا من الناحية الشرعية فإن طلاقه واقع طالما تم وفقا
للشروط الواردة في السنة النبويـــة الشريفــة إلا
أنه من الناحية
القانونية يطرح إشكالا كبيرا، فإذا ذهبنا إلى عدم إمكان إثبات الطلاق العرفـي بأثر
رجعي فإن الزواج الذي تم فيما بعد يكون زواجا فاسدا، يترتب عليه الفسخ قبل الدخـول
ووجوب الإستبراء، و من
ثمة كان يستحسن إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي حتى يبقــى الزواج الثاني صحيحا،
وتتعقد المسألة أكثر بوجود أولاد منه.
ب- حالة إعادة الزوجة الزواج :
و هذه الحالة تطرح إشكاليات كبيرة على الصعيدين القضائي و الشرعي ، وهنا ينبغي
علينا أن نفرق بين حالتين :
-حالة المطلقة عرفيا من زواج عرفي : يعتبر الزواج العرفي الأرضية الخصبة للطلاق
العرفي ذلك أن المفروض أن الطلاق العرفي لايمكن أن يكون في زواج رسمي إذ لا يقع
الطلاق إلا بحكم و هو ما نصت عليه المادة 49 من قانون الأسرة ، أما الزواج العرفي
فيصح فيه الطلاق العرفي شرعا لا قانونا لأن الزواج عرفيا[21]،
و المفروض أن هذه المسألة لا تطرح أي إشكال طالما أنه ليس من مصلحة الطرفين تسجيل
عقد الزواج ثم المطالبة بإثبات وقوع الطلاق ، إلا أن الإشكال يكمن في حالة وجود
الأولاد ، إذ ينبغي إلحاق نسبهم للزوج الأول مما يتعين معه رفع دعوى تسجيل عقد
الزواج الأول وإلحاق نسب الأولاد مع الإشارة إلى أن الزوجة على ذمة زوج آخر، ثم
رفع دعوى إثبات الطلاق العرفي ، وهنا حتى وإن كان القانون لا يعترف بالطلاق العرفي
فإن المصلحة الاجتماعية تقتضي الاعتراف به .
-حالة المطلقة عرفيا من زواج مسجل : و
نكون بصدد هذه الحالة عندما تعيد المطلقة الزواج عرفيا .
و تجدر الملاحظة أنه يمكن في هذه الحالة حسب القانون الجزائري متابعة
الزوجة بجريمة الزنا، وذلك لكون أن المشرع لا يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحـة
القضاء ومن ثمة فإن علاقة الزواج لم تنقطع بعد، و بالتالي يحق للزوج تقديم شكوى
إلى السيد وكيل الجمهورية، وفعلا حدث ذلك بمحكمة الجلفة قسم الجنح حيث أدينت
المطلقة عرفيا التي أعادت الزواج عرفيا بجريمة الزنا.
وهنا يبرز التناقض الكبير بين أحكام
الجهة القضائية الواحدة إذ من جهة نجد أن الزوجة دفعت بوقوع طلاق عرفي و بشرعية
زواجها الثاني ، و هو الأمر الذي لم يعترف به قاضي الجنح، ومن جهة أخرى فإن محكمة
الأحوال الشخصية تسير في اتجاه إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي ، ومن ثمة كان ينبغي
على القاضي أن يعتبر ذلك مسألة عارضة و يوقف الفصل في دعوى إثبات الطلاق لأنه
بثبوت وقوع الطلاق نخرج من دائرة التجريم ، هذا طبعا
من الناحية
الواقعية العملية ، إلا أنه من الناحية القانونية البحتة فإن حكم القاضي الجزائي
جاء صائبا و في محله لعدم اعتراف المشرع الجزائري بوقوع الطلاق خارج ساحـة القضـــاء
و هذا ما أكدته المحكمة العليا في عدة
قرارات لها في هذا الصدد ، حيث ورد في أحد قراراتها أنه يعتبر زنا حالة الزوجة التي
تزوجت مع شخص آخر دون أن تنتظر الفصل في القضية المنشورة بينها وبين زوجها ، بل
ذهبت المحكمة العليا أبعد من ذلك إذ اعتبرت أنه يعتبر زنا حالة الزوجة التي أبرمت
عقد زواج قبل أن يصبح حكم الطلاق نهائيا ، وقد ورد في قرار آخر أنه إذا دفعت
المتهمة بالزنا بأن الرابطة الزوجية بينها وبين الشاكي قد انحلت و استشهدت بحكم
يقضي بالطلاق بينهما فادعى الزوج الشاكي أن هذا الحكم محل استئناف تعين على المجلس
قبل الفصل في الدعوى و القضاء بإدانة المتهمة بالزنا ، أن يتأكد من أن الحكم المذكور لم يصر نهائيا بعد و إلا كان
قراره مخالفا للقانون و يستوجب نقضه. [22]
الفرع الثالث :احتساب العدة.
تثار إشكالية احتساب العدة عند إثبات
الطلاق العرفي ذلك أن القواعد العامة تقتضي أن تعتد المطلقة من تاريخ وقوع الطلاق،
ولكن وبالعودة إلى قانون الأسرة الجزائري نجده ينص على تاريخ التصريح بالطلاق ،
إلا أن هذا النص المقصود به هـو الطلاق بالإرادة المنفردة أمام القضاء و ليس مسألة
الطلاق العرفي، ومن ثمة لا يمكن اعتبار أن العدة تبدأ من تاريخ الحكم بالطلاق في
هذه الحالة الأخيرة و إنما ينبغي على القاضي أن يحكم بها من تاريخ واقعة الطلاق المثبتة.
و نجد أن الإشكال يثور بصفة خاصة في نفقة العدة،
وقد درج القضاء الجزائري على منح الزوجة نفقة العدة إذا ما طالبت بها و أمكن
إثباتها وهذا ما يتفق مع القواعد العامة للقانون وطالما كان الأمر كذلك فمن حق الزوجة المطالبة
بها في أي وقت شاءت متى تمكنت من إثبات عدم أدائها.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري و من
استقراء نصوص قانون الأسرة يتبين لنا وأنه لا يعترف بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء،
إلا أته لم ينص صراحة على ذلك ولم ينظم هذه المسألة و هذا ما جعل القضاء يذهب إلى
إثبات الطلاق العرفي و الذي فرضته ضرورة
الحياة بأثر رجعي استنادا إلى الشريعة الإسلامية و التي ورد النص بالإحالة عليـهـا
في
كل ما لم ينص عليه قانون الأسرة وهذا ما يفرض علينا التطرق إلى كيفية إثبات الطلاق
في الشريعة الإسلامية، فكيف يتم ذلك ؟
المبحث الثاني: كيفية إثبات الطلاق
في الشريعة الإسلامية .
نظرا لعدم وضوح اتجاه المشرع الجزائري
فإنه ينبغي علينا الرجوع إلى تنظيم الطلاق في الشريعة الإسلامية ومدى تطابقه مع
قانون الأسرة وبعبارة أخرى هل تركت الشريعة الإسلامية حق الطلاق حرا بلا قيود
أم أنه ثمة هناك قيود يتعين على الزوج الالتزام بها حتى يقع طلاقه؟
و
إذا تم الطلاق فماهي الطرق الشرعية المقررة لإثباته ؟
المطلب الأول: الإشهاد على الطلاق
في الشريعة الإسلامية.
اتفق جمهور الفقهاء على أن الطلاق هو حق
للرجل ، و لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو طريقة استعمال هذا الحق هل يتم بصفة
تلقائية أم يجب أن يحترم فيه الزوج ترتيب معين؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى هل
هو حق مطلق أم مقيد ؟
وعلى
هذا الأساس سوف نتناول بالدراسة فيما يلي كيفية استعمال الزوج لحق الطلاق و مدى إلزامية الإشهاد عليه في الشريعة
الإسلامية، مع العلم أن الحق ينقسمإلى حق يقابله التزام و حق إرادي لا
يقابله أي التزام فهو مقرر لصاحبه. [23]
الفرع الأول: حق الزوج في إيقاع الطلاق.
ذهب جمهور الفقهاء من السلف و الخلف إلى
أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأنه من حقوق الرجل و قد جعله الله بيده و لم يجعل الله
لغيره حقا فيه حيث قال تعالى: » يا أيها الذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن … « و قال ابن القيم:
فجعل الطلاق لمن نكح لأن له الإمساك و له الرجعة.
ولكي يباشر الزوج حقه فلا يحتاج إلى
بينة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد.[24]
وقد اتجه جمهور الفقهاء إلى ذلك بل إنهم
قالوا بأن الإشهاد على الطلاق ليس شرطا لوقوعه
فهو مندوبا لا واجبا وبالتالي وطبقا لهذا الرأي فإن الحق في الطلاق هو من التصرفات
الحرة ، ويكفي لترتيب الأثر القانوني أن يتم التعبير عن الإرادة بأية وسيلة كانت ،
بل و يذهب أبعد من ذلك و هو وقوع الطلاق الواقع وقت حيض الزوجة مع إثم الزوج ديانة.[25]
ونظرا لكون الطلاق هو حق من حقوق الزوج
فإنه له أن ينيب
عنه غيره سواء كانت زوجته أم غيرها و هذا ما ذهب إليه المالكية و تنقسم هذه
النيابة إلـى قسمـين:
الأولى بأن
يرسل الزوج إلى زوجته رسولا يعلمها بالطلاق، فالرسول هنا لم يجعل له الزوج إنشاء
الطلاق ، و إنما له فقط إعلام الزوجة بوقوع الطلاق بعبارة الزوج نفسه والثانية
تفويض الطلاق وهي ثلاثة أنواع توكيل ،تخيير وتمليك .[26]
وباعتبارأن الطلاق هو من التصرفات الشرعية التي تصدرعن الزوج بإرادته
المنفردة فقد قيدته الشريعة الإسلامية بجملةمن الشروط و القيود ينبغي توافرها لوقوعه،
وخارج ذلك إما أن يعتبر بدعيا لعدم احترام الزوج إجراءات الطلاق أو تعسفيا لعدم
وجود المبرر الشرعي ومن هنا جاء تقسيم الطلاق إلى سني و بدعي، فأما الطلاق السني
فهو أن يوقع الزوج على زوجته المد خول بها طلقة واحدة في طهر لم يمسسها فيه، فإذا
طلقها وهي حائض أو في طهر مسها فيه أو أوقع عليها طلقتين متتاليتين أو ثلاث فطلاقه
بدعي.[27]
والطلاق البدعي مكروه و محرم في المذاهب
السنية أما في المذهب الجعفري فهو طلاق فاسد لا يقع. و يجب على الذي يطلق امرأته
أن يردها إليه قبل انتهاء عدتها عند المالكية و الحنفية، ويسن ذلك عند الشافعية والحنابلة،
وذلك لأن عمله معصــية و الرجوع عن
المعصية ضروري ،هذا إذا أمكنت الرجعة أما إذا طلقها ثلاث أو واحدة مكملة للثلاث
فلا رجعة.[28]
و عليه فإن الطلاق هو حق مقرر للزوج
الذي توافرت فيه الشروط الشرعية لإمكانية ممارسة هذا الحق و ذلك بأن يكون عاقلا ، فلا
يصح طلاق المجنون و لو كان جنونه متقطعا.[29]
الفرع الثاني: الإشهاد على الطلاق
كقيد على حق الزوج .
ذهب فقهاء الشيعة
الإمامية إلى اعتبار أن الإشهاد شرط في صحة الطلاق واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه
و تعالى في سورة الطلاق: »وأشهدوا ذوي عدل منكم و أقيموا الشهادة لله « و ظاهر الأمر من
هذه الآية
الكريمة
في الشرع أن الإشهاد يقتضي الوجوب.
وقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره عن
ابن جريح أن عطاء كان يقول في قوله تعالى:»وأشهدوا ذوي عدل منكم « قال: لا يجوز في
نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهد عدل ولم ينفرد بوجوب الإشهاد فقط علماء آل البيت
بل هومذهب عطاء وابن سيرين وابن جريح.[30]
وقد قال الزمحشري : إن المعني بالخطاب
في الآية 229 من سورة البقرة : » فإن خفتم ألا
يقيما حدود الله « هو الأئمة والحكام ، والأمر نفسه في الآية 35 من سورة النساء : »و إن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها
«. حيث لهم أن يتدخلوا لرفع الأذى و المضرة، وكذلك الأمر نفسه في
سورة الطلاق: » واشهدوا ذوي عدل منكم « ، ومن ثمة وجب على
الزوج أن يشهد شهيدين من المسلمين على طلاقه .
والإشكال الذي طرح هنا هو موقف القضاة من
الزوج الذي يطلق زوجته بدون إشهاد فإن
أقروا طلاقه خالفوا الآية الكريمة التي تدعوا إلى الإشهاد على الطـلاق وإن رفضــوا
إقراره سمحوا له بالاستمرار في معاشرة زوجته وهي مطلقة في علم الله.[31]
والإجابة
على ذلك أنه ما دام و أن روح الآيات تساعد على جعل تنظيم الطلاق منوطا بالقضاء وأن
السنة النبوية الشريفة جرت على ذلك وأنه ليس فــي الكتــاب ولا السنة ما يمنعه فإن
أقر بذلك أولياء الأمور وأصبح تشريعا صار الشذوذ عنه باطلا. [32]
ومن محاسن ضرورة الإشهاد على الطلاق مع إتباع
الخطوات الصحيحة في إيقاعه والمتمثلة في طهر المرأة هو إعطاء فرصة للزوج لإعادة
التفكير فإن بقي مصمـــما رغـم
حضور
الشاهدين و مرور الوقت الزمني فإن طلاقه يكون قائما على أسباب قوية وليست عرضية
وهذا هو الطلاق المقصود في الشريعة الإسلامية.[33]
المطلب الثاني: طرق
إثبات الطلاق شرعا وقانونا :
إن مسألة إثبات الطلاق من الناحية الشرعية لا تكتسي غموضا ذلك أنه يثبت
بكافة طرق الإثبات من إقرار و بينة و يمين
، فإذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها و أنكر هو فمذهب المالكية أنه إن أتت بشاهدين
عدلين نفذ الطلاق ، و إن أتت بشاهد واحد حلف الزوج و برئ و إن لم
يحلف سجن حتى يقر أو يحلف ، وان لم تأتي بشاهد فلا شيء على الزوج ، و عليها منع
نفسها منه بقدر جهدها،و إن حلف بالطلاق و ادعت أنه حنث فالقول قول الزوج بيمينه .
و ذكر الحنابلة أنه إذا ادعت المرأة أن
زوجها طلقها فالقول قول الزوج بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح و عدم الطلاق إلا أن
يكون لها بما ادعته بينة ، و لا يقبل فيه إلا عدلان لأن الطلاق ليس بمال ولا
المقصود منه المال و يطلع عليه الرجال في أغلب الأحوال كالحدود و القصاص،
فإن لم تكن هناك بيّنة يستحلف الرجل على الصحيح لحديث: اليمين على من أنكر.[34]
و توضيحا لما سبق ينبغي علينا التطرق
إلى طرق الإثبات المقررة شرعا و مطابقتها بتلك المقررة قانونا لنخلص في النهاية
إلى مسلك القضاء الجزائري في مسألة إثبات الطلاق العرفي:
الفرع الأول: الإقرار.
الإقرار شرعا هو الإخبار بثبوت حق
للغير على نفس المقر ولو في المستقبل باللفظ وما في حكمه، وبذلك يخرج من مدلول
الإقرار ما يدعيه الخصم من حق له على الغير.[35]
فإذا أقر الشخص بحق لزمه، ولكن الإقرار
حجة قاصرة على المقر بخلاف البينة و ذلك لقصور ولاية المقر وعدم امتدادها إلى غيره،
فإذا ادعت الزوجة حصول الطلاق و أقر الزوج بذلك لزمه هذا الإقرار و يثبت الطلا
لقد قدس الإسلام الزواج و سماه ميثاقا غليظا و
وضع له من القواعد ما يضمن به
بقاؤه واستمراره إلا أنه و مع ذلك فقد شرع الطلاق استثناءا و اعتبره أبغض الحلال
إلى الله عز وجل علاجا للحياة المتفككة، وقيده
بجملة من الأحكام والإجراءات ينبغي على الزوج إتباعها حتى يقع طلاقه و يعتبر سنيا و صحيحا، و الطلاق لغة مأخوذ من
الإطلاق و هو الإرسال والترك، وفي الشرع
هو حل رابطة الزواج و إنهاء العلاقة الزوجية، فالأصل أن عقد الزواج يعقد للدوام و
التأبيد.
و قد اختلف الفقهاء في حكم الطلاق و
الأصح هو رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة وهم الأحناف و الحنابلة و استدلوا
على ذلك بقول رسول الله صلى الله
عليه وسلم: «لعن الله كل مذواق مطلاق» ، كما قال أيضا صلى الله عليه وسلم: «أبغض
الحلال إلى الله عزوجل الطلاق»
و قبل طرح مختلف الإشكاليات التي سوف نحاول
معالجتها في بحثنا هذا ينبغي علينا الإشارة بنوع من الإيجاز إلى مسألة إثبات
الطلاق قبل صدور قانون الأسرة الجزائري بدءا بفترة الاحتلال الفرنسي لبلادنا أين
كانت تطبق على المسلمين أحكام الشريعة الإسلامية، وأنشأت لهذا الغرض المحاكم
الشرعية وأهم قانون كان يطبق آنذاك هو
الأمر294-59 الصادر في04/02/1959بالإضافة إلى النصوص التطبيقية له[1]والجدير
بالذكر في هذا المجال أنه في هذه المرحلة وإلى غاية صدور الأمر 294- 59 كان الطلاق إجراءا بسيطا لا يتطلب
أية شكلية إذ يتم بإعلان الزوج عنه لدى القاضي الشرعي ويتعين فيما بعد على الزوجة
المطلقة رفع دعواها من أجل المطالبة بحقوقها المالية ، إلا أنه بعد 1959 أصبح
انحلال العلاقة الزوجية يخضع بصفة إلزامية إلى القضاء و ينظمه بصفة خاصة المرسوم
رقم 7082-59 المؤرخ في 17/09/1959 الذي تضمن اللائحة التنفيذية لأمر294- 59.[2]
أما بعد الاستقلال فقد صدر القانون رقم
218- 63 المؤرخ في 18/05/1963 و الذي ألغى ولاية محكمة النقض الفرنسية على
القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الجزائرية و أنشأ مكانه المجلس القضائي
الأعلى ، بالإضافة إلى المرسوم 261- 63 المؤرخ في 22/07/1963 و الذي ألغى المحاكم
الشرعية و نقل إلى المحاكم
المدنية العادية[3]،
واستمر الحال على ما هو عليه إلى غاية صدور قانون الأسرة الجزائري حيث أصبح الطلاق
لا يمكن أن يتم إلا بتصريح من القاضي بعد محاولة الصلح.[4]
و قد عرفه المشرع الجزائري في المادة 48
منه بأنه حل عقد الزواج و يتم
بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53و54 من
هذا القانون.
إلا أن ما يعنينا في بحثنا هذا هو
الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج
ذلك أنه وان كان المشرع الجزائري قد أطلق لفظ الطلاق على كل من الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج أو
بالخلع أو بطلب الزوجة إلا أن
مسألة إثبات الطلاق في حد ذاتها لا تتعلق إلا بالطلاق بالإرادة المنفردة،
لأن دور القاضي هنا يكون سلبيا إذ يتحقق فقط من إرادة الزوج في إيقاع الطلاق ليحكم بإثبات هذه الإرادة دون أن
يكون له الحق في مناقشتها .
و عليه ومتى وقع الطلاق بهذه الصفة وجب
على الزوجة أن تعتد و بانتهاء عدتها تبين من زوجها إما بينونة صغرى أو بينونة
كبرى، ولكن ورغم صحة وقوع الطلاق من الناحية الشرعية إلا أنه قد يتدخل المشرع و
يقيد إرادة الزوج في إيقاع الطلاق باللجوء إلى القضاء و التصريح به أمامه، ومن ثمة
فلا يمكن تصور وقوع الطلاق خارج إطار القضاء، ولكن ومع ذلك فإن الواقع العملي أثبت
وجود هذه الحالات وهنا يطرح التساؤل: كيف يتصرف القاضي أمام هذا الموقف مع وجود
نص قانوني صريح ؟
هل يحكم بإثبات الطلاق العرفي بأثر
رجعي أم من تاريخ صدور الحكم ؟
و
فيما إذا كانت الإجابة بنعم كيف يتعامل مع آثار الطلاق مع العلم أن العدة
تكون قد انقضت ؟
هذا من جهة و من جهة أخرى تطرح إشكالية
الطعن في الحكم القاضي بالطلاق خاصة مع غموض نص المادة 57 من قانون الأسرة و عدم
النص على مسألة الطلاق العرفي.
وعليه سوف نحاول الإجابة على مختلف هذه
الإشكاليات و غيرها مما قد يطرح علينا من خلال الخطة التالية :
الخطــــة:
الفصل الأول : كيفية إثبات الطلاق
.
المبحث الأول : كيفية إثبات
الطلاق في قانون الأسرة الجزائري .
المطلب الأول : ثبوت الطلاق بحكم
.
المطلب الثاني : إشكالية الطلاق
العرفي على ضوء التطبيقات
القضائية .
المبحث الثاني : كيفية
إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية .
المطلب الأول : الإشهاد على
الطلاق في الشريعة الإسلامية .
المطلب الثاني : طرق إثبات الطلاق شرعا و
قانونا .
الفصل الثاني : إجراءات إثبات
الطلاق
المبحث الأول : إجراءات
استصدار الحكم المثبت للطلاق .
المطلب الأول : اتصال القاضي
بالدعوى .
المطلب الثاني : تعامل القاضي مع دعوى
إثبات الطلاق
المبحث الثاني : طرق الطعن
في الحكم بالطلاق و تنفيذه .
المطلب الأول : طرق الطعن في
حكم الطلاق .
المطلب الثاني : تنفيذ الحكم
المثبت للطلاق .
الفصل الأول: كيفية إثبات الطلاق
.
في حقيقة الأمر أن مسألة إثبات الطلاق و
إن كانت للوهلة الأولى تبدوا بسيطة إلا أنها تنطوي على غموض كبير خاصة في تفسير نص
المادة 49 من قانون الأسرة إذ يثار الإشكال حول الحكم الصادر بالطلاق فيما إذا كان
منشئا أو مقررا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه نظرا لخصوصية الحكم بإثبات الطلاق
فإنه لا مجال لإعمال سلطة القاضي فيه ذلك أنه يتعين عليه أن يحكم بالطلاق متى رفع
إليه بناءا على إرادة الزوج المنفردة دون أن يكون له الحق في مناقشته، و عليه فإن
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل يدخل الحكم بالطلاق في الوظيفة الولائية للقاضي أم
في الوظيفة القضائية له ؟
وعلى
صعيد آخر نجد أن التطبيقات القضائية تذهب إلى إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة
القضاء وبأثر رجعي مع العلم أن هذا الاتجاه كان معمولا به قبل صدور قانون الأسرة
الجزائري تطبيقا لقواعد الشريعة الإسلامية، وعليه هل يمكن القول بأن مسلك
القضاء سليم في هذا المجال أم أن ذلك بدعة قضائية ينبغي النزوح عنها ؟
خاصة و أن المادة 222 من قانون الأسرة تحيل على
أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة لكل ما لم يرد النص عليه في قانون الأسرة.
إجابة
على مختلف هذه التساؤلات و غيرها فإننا سوف نقسم هذا الفصل إلى مبحثين نتناول في
المبحث الأول كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري و الذي نتطرق فيه إلى
المبدأ الوارد به و هو عدم ثبوت الطلاق إلا بحكم قضائي في مطلب أول و خروج القضاء
عن هذا المبدأ بإثباتهم الطلاق العرفي بأثر رجعي في مطلب ثاني ، في حين نخصص
المبحث الثاني إلى كيفية إثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية على أساس أن المادة
222 من ق. أ أحالت عليها في حالة الغموض ، و على أساس أن المرجع القضائي في إثبات
الطلاق العرفي بأثر رجعي هو الشريعة الإسلامية و سوف نتطرق فيه إلى الإشهاد على
الطلاق في الشريعة الإسلامية في المطلب الأول أما المطلب الثاني فنخصصه لطرق
الإثبات المقررة شرعا وقانونا.
المبحث
الأول: كيفية إثبات الطلاق في قانون الأسرة الجزائري.
نص المشرع الجزائري في المادة 49 من ق.أ
على ما يلي : لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن
تتجاوز هذه المدة ثلاثة أشهر .
يتضح لنا من
خلال هذه المادة أن إرادة المشرع تتجه إلى إخضاع مسألة إثبات الطلاق إلى القضاء
إلا أن الإشكالية التي تثار في هذه الحالة هي مسألة إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة
القضاء بحكم قضائي وبأثر رجعي و هذا الاتجاه كان معمولا به قبل صدور قانون الأسرة
الجزائري إلا أن القضاء استمر يحكم به حتى بعد صدور قانون الأسرة وعليه فإن السؤال
المطروح هو كيف يتم إثبات الطلاق في قانون الأسرة و ما مدى صحة اتجاه القضاء في
هذا المجال ؟ وهذا ما سوف نتناول الإجابة عنه فيما يلي:
المطلب
الأول : ثبوت الطلاق بحكم قضائي .
كما سبق وأن ذكرنا فإن المادة 49 من قانون
الأسرة استعملت عبارة لا يثبت و ليس لا ينعقد أو لا ينشأ أو لا
يقع الطلاق إلا بحكم . [5]
وعليه يطرح
التساؤل حول ما يرمي إليه المشرع الجزائري من خلال هذه العبارة : هل يقصد أن
الطلاق يمكن أن يقع خارج ساحة القضاء إلا أن إثباته يكون باللجوء إلى القضاء أم
أنه لا يمكن تصور الطلاق خارج ساحة القضاء
؟
وهذا ما سوف
نجيب عنه من خلال الفروع التالية :
الفرع
01/ ضرورة صدور حكم لإثبات الطلاق .
للوهلة الأولى يفهم من
سياق المادة 49 من ق . أ : أنه فقط مسألة الإثبات هي التي تبقى خاضعة للقضاء إلا
أن وقوع الطلاق في حد ذاته يمكن أن يكون خارج ساحة القضاء .
ولكن
: وبالرجوع
إلى مواد قانون الأسرة نجدها تعتبر أن الطلاق لا يكون إلا بموجب حكم قضائي و أن
العدة تبدأ من تاريخ التصريح بالطلاق من القاضي و أن هذا الطلاق هو طلاق بائن رغم
أنه يعد انطلاقة لبداية احتساب العدة و بالتالي فإن المراجعة تكــــون قبل
صدورالحكم
بالطلاق أي أثناء محاولة الصلح فما طبيعة الرجعة في هذه الحالةو هل يمكن
اعتبارها طلقة تدخل ضمن الطلقات الثلاثة التي يملكها الزوج على زوجته أم لا
؟
و بعبارة
أخرى هل يفهم من ذلك بأن المشرع اعترف ضمنيا بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء أم
أن المراجعة لا تنصرف إلى الطلاق الرجعي ؟
و إذا قلنا بأن الأمر كذلك فهل يعني
ذلك أن المشرع الجزائري لا يعترف بوجود الطلاق الرجعي لأنه بصدور الحكم
تبين الزوجة من زوجها ؟
إجابة على هذه الأسئلة نقول في البداية
بأن المشرع قد حدد فترة زمنية تجرى خلالها محاولة الصلح وهي ثلاثة أشهر ممنوحة
للزوجين من أجل مراجعة نفسيهما ،و بالتالي لا يجوز للقاضي أن يحكم قبل مضي هذه
المدة إلا أنه في حالة امتداد المصالحة إلى أكثر من ثلاثة أشهر فإن المشرع لم يرتب
أي جزاء على ذلك.
وفي رأيي أن عدة الزوجة عادة ثلاثة أشهر
وعليه فقد رأى المشرع أن المصالحة خلال العدة لا تحتاج إلى عقد جديد ومن هنا جاءت
مدة الثلاثة أشهر وبما أن الأمر كذلك فإننا نفهم أن المشرع قد اعترف بوقوع الطلاق
خارج ساحة القضاء [6]
ضمنيا و يبقى الإشكال في كون أن المشرع لم يرتب جزاءا عن المصالحة التي تقع بعد
مضي مدة الثلاثة أشهر .
وفي هذا المجال يرى الأستاذ زودة عمر أن
الرجعة التي تقع بعد الإعلان عن الطلاق من قبل القاضي لا تدخل في مفهوم الرجعة
التي يملكها الزوج في الطلاق الرجعي ،لأن الطلاق لم يقع بعد ، و تبعا لذلك يستطيع
الزوج أن يعيد الزوجة إلى بيت الزوجية في أي وقت ما دامت العلاقة الزوجية ما تزال قائمة.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري لم
يميز بين الطلاق الرجعي و الطلاق البائن هذا إذا أخذنا بحرفية النص و بفكرة عدم
وقوع الطلاق خارج ساحة القضـاء، أما إذا أخذنا بالمفهوم المقابل له و هو وقوع
الطلاق خارج ساحة القضاء و ثبوته بحكم قضائي فإننا نكون كما سبق البيان أمام نوعين
من الطلاق طلاق رجعي و آخر بائن.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع قد فرق بين
الطلاق البائن بينونة كبرى و الطلاق البائن بينونة صغرى ، و ذلك بنصه في المادة 51
من ق. أ على أنه لا يمكن أن يراجع الرجل من طلقها ثلاث مرات متتالية إلا بعد أن
تتزوج غيره وتطلق منه أو يموت عنها بعد البناء .
و قد ذهبت المحكمة العليا إلى التفرقة بين
الطلاق الرجعي و الطلاق البائن حيث جاء في قرارها أنه من المتفق عليه فقها و قضاءا
في أحكام الشريعة الإسلامية أن الطلاق الذي يقــع
من
الزوج هو الطلاق الرجعي وأن حكم القاضي به لا يغير من رجعيته لأنه إنما نزل على
طلب الطلاق.
أما الطلاق البائن فهو الذي يقع ما قبل الدخول أو وقع بناءا على عوض تدفعه الزوجة
لزوجها للتخلص من الرابطة الزوجية معه، و كذلك الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءا على
طلب الزوجة لدفع الضرر عنها و حسم النزاع بينها و بين زوجها.
و إن القضاء
بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية و لذلك يستوجب نقض القرار
الذي اعتبر الطلاق بإرادة الزوج طلاقا بائنا.[7]
وعلى صعيد آخر نجد أن عبارات قانون
الأسرة جاءت غامضة، إذ نجد في المادة 58 منه عبارة تاريخ التصريح بالطلاق
فما لمقصود منها ؟ هل نعني بها تلفظ الزوج بالطلاق أم نعني بها تصريح
القاضي به ؟
يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن الطلاق لا
يقع إلا بموجب حكم فهو ليس شرطا للإثبات و إنما هو شرط للانعقاد، ذلك أن المشرع
عندما نص على أنه لا يمكن إثبات الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح فهو ينفي وقوع
أي طلاق مالم تسبقه محاولة الصلح التي يقوم بها القاضي و من ثمة يكون المشرع قد
انحاز إلى الاتجاه الشكلي، فلا يعتد بالطلاق الواقع خارج مجلس القضاء بل يجب على
الزوج أن يعلن عن إرادته في استعمال حقه في الطلاق أمام القاضي بعد أن يستوفي
إجراء الصلح، وينتهي استعمـال الزوج لحقه الإرادي بصدور إشهاد من القاضي يثبت فيه
استيفاء إجراء الصلح و تعبير الزوج عن إرادته في ذلك، و من ثمة يعدّ المحرر
القضائي شرطا لصحة وقوع الطلاق و ليس وسيلة لإثباته.[8]
ونجد أن المشرع الجزائري لم يستحدث أمرا
جديدا و إنما أخذ برأي الفقهاء الذين يقولون بضرورة الإشهاد على الطلاق.[9]
وعلى غرار التشريع الجزائري فقد ذهب
التشريع التونسي إلى عدم وقوع الطلاق خارج ساحة القضاء.[10]وذلك
على خلاف التشريع المصري و الذي يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحة القضاء، حيث يثبت
بجميع طرق الإثبات الشرعية من إقرار و بينة ويمين.[11]
وقد ذهب الاجتهاد المصري إلى أن إقرار
الزوج بطلاق زوجته مسندا إلى تاريخ سابق لا يعد إنشاء لطلاق جديد، و حجتهم في ذلك
هو حتى لا يحل له التزوج بأختها أو بأربع سواها زجرا له حيث كتم طلاقها و هو المختار.[12]
كما ورد في اجتهاد آخر أن يعامل المطلق
في حق نفسه وحق الشرع بإقراره بالطلاق ، و بانقضاء العدة في زمن يحتمل فيه ذلك
فليس له حق مراجعة مطلقته.[13]
وتجدر الإشارة إلى أنه
و إن كان المشرع الجزائري لم ينص على إثبات الطلاق الواقع خارج ساحة القضاء بأثر
رجعي إلا أن التطبيقات القضائية في مختلف المحاكم تعمل على إثبات الطلاق العرفي
وترتب عليه آثاره بأثر رجعي، وقد عمت هذه الظاهرة في معظم محاكم البلاد و على
رأسها محكمتي الجلفة و البويرة وقبل التطرق إلى مسألة الطلاق العرفي و الإشكاليات الناجمة عنه ينبغي علينا
معرفة أولا طبيعة الحكم بالطلاق فهل هو حكما منشئا أم مقررا ؟ وهل هو عملا قضائيا أم عملا ولائيا
؟
الفرع الثاني:طبيعة
الحكم بإثبات الطلاق.
إن البحث في طبيعة الحكم المثبت للطلاق
يقودنا إلى البحث أولا في أنواع الأحكام القضائية و التي تنقسم إلى أحكام تقريرية،
أحكام منشئة و أحكام إلزام،وكل حكم تقابله دعوى خاصة به[14]
، ثم البحث في طبيعة الحكم في حد ذاته فيما إذا كان حكما قضائيا بأتم معنى الكلمة
أم لا يعدوا أن يكون مجرد عملا ولائيا .
ونعلم أنه وكما سبق بيانه فإن حق الطلاق
المقرر للزوج هو حق إرادي و الحق الإرادي يعرف بأنه سلطة إحداث الأثر القانوني
بمحض إرادة صاحبه ما دام ذلك يوافق القانون
وبمجرد استعماله يترتب عليه الأثر القانونـي و هنا يجب تمييزه عن الحـــــق
الإرادي
الذي لا
يولد مع ميلاد الحق أو المركز القانوني إذ لا ينشأ هذا الأخير إلا بناءا على ما
يرتكبه الطرف الآخر في الرابطة من إخلال بالتزاماته و مثالها حق الزوجة في التطليق
.[15]
ولذلك فإن طرق استعمال هذا الحق تختلف عن
طرق استعمال الحق الإرادي الذي ولد مع ميلاد الحق أو المركز القانوني .[16]
إلا أنه ورغم كون حق الزوج في الطلاق هو
حق إرادي فقد قيده المشرع باللجوء إلى القضاء ، وتبعا لذلك أصبحت إرادة الزوج
عاجزة لوحدها على ترتيب الأثـر القانوني إلا باستيفاء الشكل المقرر قانونا، و ذلك
باستصدار حكم قضائي يثبت إرادة الزوج في الطلاق[17].
وقد جعل
المشرع لهذا الحكم طبيعة الإنشاء لأنه ينهي العلاقة الزوجية بين الطرفين و يخلق
بذلك وضعا جديدا و ذلك من تاريخ صريح القاضي به[18]
،إلا أن السؤال الذي يبـقـــى مطروحا هو ماهي طبيعة هذا الحكم ؟ هل يدخل في
الوظيفة الولائية للقاضي أم أنه عملا قضائيا ؟
الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا التمييز بين
الأعمال القضائية و الأعمال الولائية للقاضي ، فالأصل في أعمال القضاء أنها ذات
طبيعة قضائية بحتة واستثناءا تكون ذات طبيعة ولائية[19]
،و يذهب الأستاذ زودة عمر إلى أن الفرق بينهما يكمن في وجود النزاع من عدمه و عليه و طالما أن الحكم بإثبات الطلاق لا
ينطوي على أي نزاع فإنه من المفروض أن يكون عملا ولائيا، إلا أن المشرع ارتأى
إصداره في شكل حكم قضائي تماما كالأعمال القضائية .
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري و إن
كان قد منح للزوج حق الطلاق بإرادته المنفردة دون الحاجة إلى إبداء الأسباب [20]و
دون أن يكون للقاضي فيها دورا إيجابيا -و
هـذا
ما يفيد أنه يدخل في الوظيفة الولائية للقاضي- فإنه قيده
باستيفاء الشكل المقرر قانونا وجعل له طبيعة الإنشاء و هذا ما انتهى إليه الأستاذ
زودة عمر، ذلك أنه من المفروض أن القاضي يقرر وجود هذا الطلاق من عدمه فقط في حين
أن القانون يذهب إلى وقوع الطلاق من تاريـخ إعلان القاضي عنه و ليس من تاريخ تصريح
الزوج به ، و بالتالي فإن آثاره تترتب من تاريخ الحكم و هذا ما يدعونا إلى التساؤل
حول مضمون الحكم المثبت للطلاق، فما هو مضمونه ؟
الفرع الثالث:مضمون
الحكم بإثبات الطلاق.
يتضمن
الحكم بالطلاق عادة شقين اثنين:
فأما الشق
الأول فهو يتعلق بالطلاق و يصدر ابتدائيا نهائيا في حين نجد أن الشق الثاني يتعلق
بالآثار المترتبة على الطلاق و يصدر ابتدائيا و عادة تكون صيغةالمنطوق كما يلي :
حكمت
المحكمة حال فصلها في قضايا الأحوال الشخصية حكما علنيا حضوريا :
في الشكل : بصحة
الإجراءات و بالتالي قبول الدعوى شكلا .
في الموضوع
:
القضاء نهائيا
بالطلاق بين كل من …… و …… مع أمر ضابط الحالة المدنية بتسجيله بسجلات الحالة المدنية لبلدية
…… و التأشير به على هامش عقد زواج الطرفين و شهادتي ميلادهما .
و
القضاء ابتدائيا: بتحميل الزوج مسؤولية الطلاق و إلزامه بأن يدفع للزوجة مبلغ …… تعويضا عن الطلاق التعسفي،
ومبلغ …… كنفقة عدة و إسناد حضانة الأبناء …… لأمهم على نفقة
أبيهم بواقع …… شهريا لكل واحد منهم تسري من تاريخ النطق بالحكم تستمر إلى غاية
سقوطها شرعا أو قانونا، مــع منـح الأب حق الزيارة يومي الخميس والجمعة و في المناسبات و الأعياد الدينية و أيام
العطل، و إلزام الزوج بأن يخصص للحاضنة سكنا لممارسة الحضانة فيه أو بدل إيجار
بواقع …… شهريا.
و تجدر الإشارة إلى أن أساس التعويض عن
الطلاق التعسفي هو الضرر المادي و
المعنوي اللاحق بالزوجة المطلقة، و من ثمة يتعين التمييز بينه و بين حق المتعة و
الذي يعد حقا معترفا به لكل مطلقة بغض النظر عما إذا كان قد لحق بها ضرر أم لا .
الملاحظ في الواقع العملي أن قضاة الأحوال الشخصية لا يبادرون إلى سؤال
الزوجين
فيما إذا سبق و أن وقع طلاق بينهما كما
أنني لم أجد حكما واحدا يتضمـــن عدد الطلـقات
مع العلم أن القانون الجزائري يفرق بين الطلاق
البائن بينونة صغرى و الطلاق البائن بينونة كبرى .
وعليه
و إذا قلنا أن الطلاق يثبت بحكم قضائي منشئ فما مدى صحة التطبيقات القضائية بشأن
إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي ؟ وهذا ما سوف نتناوله في المطلب الموالي :
المطلب
الثاني: إشكالية الطلاق العرفي على ضوء التطبيقات
القضائية لقانون الأسرة الجزائري:
رغم عدم وجود نص قانوني يسمح بإثبات
الطلاق بأثر رجعي إلا أن التطبيقات القضائية تذهب في جميع الأحوال إلى إثباته بأثر
رجعي، ونجد أن كلا من محكمـــة البويرة و كذا محكمة الجلفة تعملان على إثباته بأثر
رجعي بعد التحقيق في واقعة الطلاق في حد ذاتها ، بسماع الأطراف و كذا الشهود، و قد صدرت عدة أحكام عن محكمة الجلفة مؤيدة بقرار
من المجلس تصب في هذا الغرض و أهمها القرار رقم 19/99 الصادر بتاريخ 30/01/1999
والذي صدر إثر استئناف حكم قضى بالإشهاد على واقعة الطلاق العرفي الواقع بين
الطرفين خلال شهر أوت 1996 و إلزام المدعى عليه بأن يدفع للمدعية مبلغ 40.000 دج
عن الطلاق التعسفي و مبلغ 10000 دج نفقة عدة و مبلغ 1000 دج نفقة إهمال للابن تسري
من تاريخ 01/06/1998 إلى غاية النطق بالحكم و إسناد حضانة الابن لأمه.
وقد كان
قرار المجلس بتأييد الحكم مبدئيا مع تعديله بحذف مبلغ التعويض عن الطلاق التعسفي.
وتجدر الملاحظة أن حذف التعويض
لم يكن لعدم جوازه بل لكون أن الزوجة قد اعترفت بوجود اتفاق بينها و بين الزوجعلى
الطلاق ، وبالتالي فقد أسسوا قرارهم على أساس المادة 442 و ما بعدها من القانون
المدني واعتبروا أن الصلح ينهي النزاع.
وفي حقيقة الأمر أن الفراغ القانوني
الموجود في قانون الأسرة بخصوص النصوص التي تحكم الطلاق أدى بنا إلى مشاكل عويصة
خاصة و أن المشرع سمح بإثبات الزواج العرفي و سكت عن إثبات الطلاق العرفي، فما
هي أهم هذه الإشكاليات ؟
الفرع الأول:حالة عدم
تسجيل عقد الزواج.
تنص
المادة 22 من قانون الأسرة على أنه: يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية
وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون.
وقد حددت المادة 9 من قانون الأسرة
أركان عقد الزواج بنصها على أنه يتم عقد الزواج برضا الزوجين و بولي الزوجة و
شاهدين و صداق.
يتضح لنا من خلال هاتين المادتين أن
المشرع الجزائري يعترف بوجود عقد الزواج العرفي و يرتب عليه آثاره كاملة من إثبات
النسب ووجوب النفقة ... إلا أنه قد يحدث أن يقدم الزوج على طلاق زوجته عرفيا أمام
جماعة من المسلمين و ينصرف كل منهما إلى حال سبيله فما مصير هذا الزواج و ما مصير الأولاد إن وجدوا ؟
بادئ ذي بدء يجب القول أنه لا يمكن رفع
دعوى إثبات الطلاق العرفي ما لم يكن الزواج العرفي قد تم تسجيله، هذا من جهة ومن
جهة أخرى فإن دعوى الطلاق العرفي تختلف عن دعوى تسجيل الزواج ومن ثمة وجب رفع أولا
دعوى تسجيل الزواج وإلحاق النسب ثم رفع دعوى إثبات الطلاق بصفة مستقلة، هذا طبعا
إذا سايرنا الواقع وسلمنا بقبول دعوى إثبات الطلاق العرفي و التي فرضت نفسها بشدة
في الواقع العملي.
إلا أن
المعمول به على مستوى مجلس قضاء الجلفة هو أن يتم رفع دعوى إثبات الزواج والطلاق
العرفي في نفس الوقت ، وجرت التطبيقات القضائية على قبول مثل هذه الدعاوى و الحكم
فيها بحكم واحد ، وقد صدر عن مجلس قضاء الجلفة القرار رقم 178/2002 بتاريخ
26/10/2002 بين ر. عبد القادر و ج . زوينة و الذي قضى بتأييد الحكم القاضي علنيا
حضوريا نهائيا بالنسبة للطلاق وابتدائيا بالنسبة لما ســواه بالإشهاد على صحة
الزواج العرفي بين كل من ر . عبد القادر والمسماة ج . زوينة الحاصل سنة 1994 وكذا
الإشهاد على صحة الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين سنة 1996 و الحكمة من عدم جواز
رفع الدعويين بموجب عريضة واحدة تكمن في اختلاف دعوى الطلاق عن دعوى إثبات الزواج
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن حكم الطلاق يكون نهائيا في حين أن الحكم بإثبات
الزواج يكون ابتدائيا ومن ثمة يمكـــن استئناف الحكم بإثبات الزواج وقد يتم إلغاؤه
من المجلس و هنا نكون أمام حالة وجود طلاق دون وجود زواج ؟
الفرع الثاني: حالة
إعادة أحد الزوجين الزواج
أ -حالة إعادة الزوج الزواج: و هذه الحالة
لا تطرح إشكالا إلا في حالة تزوج الزوج بإحدى المحرمات حرمة مؤقتة كأخت الزوجة
مثلا أو الزواج بأكثر من أربعة، فهنا من الناحية الشرعية فإن طلاقه واقع طالما تم وفقا
للشروط الواردة في السنة النبويـــة الشريفــة إلا
أنه من الناحية
القانونية يطرح إشكالا كبيرا، فإذا ذهبنا إلى عدم إمكان إثبات الطلاق العرفـي بأثر
رجعي فإن الزواج الذي تم فيما بعد يكون زواجا فاسدا، يترتب عليه الفسخ قبل الدخـول
ووجوب الإستبراء، و من
ثمة كان يستحسن إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي حتى يبقــى الزواج الثاني صحيحا،
وتتعقد المسألة أكثر بوجود أولاد منه.
ب- حالة إعادة الزوجة الزواج :
و هذه الحالة تطرح إشكاليات كبيرة على الصعيدين القضائي و الشرعي ، وهنا ينبغي
علينا أن نفرق بين حالتين :
-حالة المطلقة عرفيا من زواج عرفي : يعتبر الزواج العرفي الأرضية الخصبة للطلاق
العرفي ذلك أن المفروض أن الطلاق العرفي لايمكن أن يكون في زواج رسمي إذ لا يقع
الطلاق إلا بحكم و هو ما نصت عليه المادة 49 من قانون الأسرة ، أما الزواج العرفي
فيصح فيه الطلاق العرفي شرعا لا قانونا لأن الزواج عرفيا[21]،
و المفروض أن هذه المسألة لا تطرح أي إشكال طالما أنه ليس من مصلحة الطرفين تسجيل
عقد الزواج ثم المطالبة بإثبات وقوع الطلاق ، إلا أن الإشكال يكمن في حالة وجود
الأولاد ، إذ ينبغي إلحاق نسبهم للزوج الأول مما يتعين معه رفع دعوى تسجيل عقد
الزواج الأول وإلحاق نسب الأولاد مع الإشارة إلى أن الزوجة على ذمة زوج آخر، ثم
رفع دعوى إثبات الطلاق العرفي ، وهنا حتى وإن كان القانون لا يعترف بالطلاق العرفي
فإن المصلحة الاجتماعية تقتضي الاعتراف به .
-حالة المطلقة عرفيا من زواج مسجل : و
نكون بصدد هذه الحالة عندما تعيد المطلقة الزواج عرفيا .
و تجدر الملاحظة أنه يمكن في هذه الحالة حسب القانون الجزائري متابعة
الزوجة بجريمة الزنا، وذلك لكون أن المشرع لا يعترف بوقوع الطلاق خارج ساحـة
القضاء ومن ثمة فإن علاقة الزواج لم تنقطع بعد، و بالتالي يحق للزوج تقديم شكوى
إلى السيد وكيل الجمهورية، وفعلا حدث ذلك بمحكمة الجلفة قسم الجنح حيث أدينت
المطلقة عرفيا التي أعادت الزواج عرفيا بجريمة الزنا.
وهنا يبرز التناقض الكبير بين أحكام
الجهة القضائية الواحدة إذ من جهة نجد أن الزوجة دفعت بوقوع طلاق عرفي و بشرعية
زواجها الثاني ، و هو الأمر الذي لم يعترف به قاضي الجنح، ومن جهة أخرى فإن محكمة
الأحوال الشخصية تسير في اتجاه إثبات الطلاق العرفي بأثر رجعي ، ومن ثمة كان ينبغي
على القاضي أن يعتبر ذلك مسألة عارضة و يوقف الفصل في دعوى إثبات الطلاق لأنه
بثبوت وقوع الطلاق نخرج من دائرة التجريم ، هذا طبعا
من الناحية
الواقعية العملية ، إلا أنه من الناحية القانونية البحتة فإن حكم القاضي الجزائي
جاء صائبا و في محله لعدم اعتراف المشرع الجزائري بوقوع الطلاق خارج ساحـة القضـــاء
و هذا ما أكدته المحكمة العليا في عدة
قرارات لها في هذا الصدد ، حيث ورد في أحد قراراتها أنه يعتبر زنا حالة الزوجة التي
تزوجت مع شخص آخر دون أن تنتظر الفصل في القضية المنشورة بينها وبين زوجها ، بل
ذهبت المحكمة العليا أبعد من ذلك إذ اعتبرت أنه يعتبر زنا حالة الزوجة التي أبرمت
عقد زواج قبل أن يصبح حكم الطلاق نهائيا ، وقد ورد في قرار آخر أنه إذا دفعت
المتهمة بالزنا بأن الرابطة الزوجية بينها وبين الشاكي قد انحلت و استشهدت بحكم
يقضي بالطلاق بينهما فادعى الزوج الشاكي أن هذا الحكم محل استئناف تعين على المجلس
قبل الفصل في الدعوى و القضاء بإدانة المتهمة بالزنا ، أن يتأكد من أن الحكم المذكور لم يصر نهائيا بعد و إلا كان
قراره مخالفا للقانون و يستوجب نقضه. [22]
الفرع الثالث :احتساب العدة.
تثار إشكالية احتساب العدة عند إثبات
الطلاق العرفي ذلك أن القواعد العامة تقتضي أن تعتد المطلقة من تاريخ وقوع الطلاق،
ولكن وبالعودة إلى قانون الأسرة الجزائري نجده ينص على تاريخ التصريح بالطلاق ،
إلا أن هذا النص المقصود به هـو الطلاق بالإرادة المنفردة أمام القضاء و ليس مسألة
الطلاق العرفي، ومن ثمة لا يمكن اعتبار أن العدة تبدأ من تاريخ الحكم بالطلاق في
هذه الحالة الأخيرة و إنما ينبغي على القاضي أن يحكم بها من تاريخ واقعة الطلاق المثبتة.
و نجد أن الإشكال يثور بصفة خاصة في نفقة العدة،
وقد درج القضاء الجزائري على منح الزوجة نفقة العدة إذا ما طالبت بها و أمكن
إثباتها وهذا ما يتفق مع القواعد العامة للقانون وطالما كان الأمر كذلك فمن حق الزوجة المطالبة
بها في أي وقت شاءت متى تمكنت من إثبات عدم أدائها.
وخلاصة القول أن المشرع الجزائري و من
استقراء نصوص قانون الأسرة يتبين لنا وأنه لا يعترف بالطلاق الواقع خارج ساحة القضاء،
إلا أته لم ينص صراحة على ذلك ولم ينظم هذه المسألة و هذا ما جعل القضاء يذهب إلى
إثبات الطلاق العرفي و الذي فرضته ضرورة
الحياة بأثر رجعي استنادا إلى الشريعة الإسلامية و التي ورد النص بالإحالة عليـهـا
في
كل ما لم ينص عليه قانون الأسرة وهذا ما يفرض علينا التطرق إلى كيفية إثبات الطلاق
في الشريعة الإسلامية، فكيف يتم ذلك ؟
المبحث الثاني: كيفية إثبات الطلاق
في الشريعة الإسلامية .
نظرا لعدم وضوح اتجاه المشرع الجزائري
فإنه ينبغي علينا الرجوع إلى تنظيم الطلاق في الشريعة الإسلامية ومدى تطابقه مع
قانون الأسرة وبعبارة أخرى هل تركت الشريعة الإسلامية حق الطلاق حرا بلا قيود
أم أنه ثمة هناك قيود يتعين على الزوج الالتزام بها حتى يقع طلاقه؟
و
إذا تم الطلاق فماهي الطرق الشرعية المقررة لإثباته ؟
المطلب الأول: الإشهاد على الطلاق
في الشريعة الإسلامية.
اتفق جمهور الفقهاء على أن الطلاق هو حق
للرجل ، و لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو طريقة استعمال هذا الحق هل يتم بصفة
تلقائية أم يجب أن يحترم فيه الزوج ترتيب معين؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى هل
هو حق مطلق أم مقيد ؟
وعلى
هذا الأساس سوف نتناول بالدراسة فيما يلي كيفية استعمال الزوج لحق الطلاق و مدى إلزامية الإشهاد عليه في الشريعة
الإسلامية، مع العلم أن الحق ينقسمإلى حق يقابله التزام و حق إرادي لا
يقابله أي التزام فهو مقرر لصاحبه. [23]
الفرع الأول: حق الزوج في إيقاع الطلاق.
ذهب جمهور الفقهاء من السلف و الخلف إلى
أن الطلاق يقع بدون إشهاد لأنه من حقوق الرجل و قد جعله الله بيده و لم يجعل الله
لغيره حقا فيه حيث قال تعالى: » يا أيها الذين
آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن … « و قال ابن القيم:
فجعل الطلاق لمن نكح لأن له الإمساك و له الرجعة.
ولكي يباشر الزوج حقه فلا يحتاج إلى
بينة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد.[24]
وقد اتجه جمهور الفقهاء إلى ذلك بل إنهم
قالوا بأن الإشهاد على الطلاق ليس شرطا لوقوعه
فهو مندوبا لا واجبا وبالتالي وطبقا لهذا الرأي فإن الحق في الطلاق هو من التصرفات
الحرة ، ويكفي لترتيب الأثر القانوني أن يتم التعبير عن الإرادة بأية وسيلة كانت ،
بل و يذهب أبعد من ذلك و هو وقوع الطلاق الواقع وقت حيض الزوجة مع إثم الزوج ديانة.[25]
ونظرا لكون الطلاق هو حق من حقوق الزوج
فإنه له أن ينيب
عنه غيره سواء كانت زوجته أم غيرها و هذا ما ذهب إليه المالكية و تنقسم هذه
النيابة إلـى قسمـين:
الأولى بأن
يرسل الزوج إلى زوجته رسولا يعلمها بالطلاق، فالرسول هنا لم يجعل له الزوج إنشاء
الطلاق ، و إنما له فقط إعلام الزوجة بوقوع الطلاق بعبارة الزوج نفسه والثانية
تفويض الطلاق وهي ثلاثة أنواع توكيل ،تخيير وتمليك .[26]
وباعتبارأن الطلاق هو من التصرفات الشرعية التي تصدرعن الزوج بإرادته
المنفردة فقد قيدته الشريعة الإسلامية بجملةمن الشروط و القيود ينبغي توافرها لوقوعه،
وخارج ذلك إما أن يعتبر بدعيا لعدم احترام الزوج إجراءات الطلاق أو تعسفيا لعدم
وجود المبرر الشرعي ومن هنا جاء تقسيم الطلاق إلى سني و بدعي، فأما الطلاق السني
فهو أن يوقع الزوج على زوجته المد خول بها طلقة واحدة في طهر لم يمسسها فيه، فإذا
طلقها وهي حائض أو في طهر مسها فيه أو أوقع عليها طلقتين متتاليتين أو ثلاث فطلاقه
بدعي.[27]
والطلاق البدعي مكروه و محرم في المذاهب
السنية أما في المذهب الجعفري فهو طلاق فاسد لا يقع. و يجب على الذي يطلق امرأته
أن يردها إليه قبل انتهاء عدتها عند المالكية و الحنفية، ويسن ذلك عند الشافعية والحنابلة،
وذلك لأن عمله معصــية و الرجوع عن
المعصية ضروري ،هذا إذا أمكنت الرجعة أما إذا طلقها ثلاث أو واحدة مكملة للثلاث
فلا رجعة.[28]
و عليه فإن الطلاق هو حق مقرر للزوج
الذي توافرت فيه الشروط الشرعية لإمكانية ممارسة هذا الحق و ذلك بأن يكون عاقلا ، فلا
يصح طلاق المجنون و لو كان جنونه متقطعا.[29]
الفرع الثاني: الإشهاد على الطلاق
كقيد على حق الزوج .
ذهب فقهاء الشيعة
الإمامية إلى اعتبار أن الإشهاد شرط في صحة الطلاق واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه
و تعالى في سورة الطلاق: »وأشهدوا ذوي عدل منكم و أقيموا الشهادة لله « و ظاهر الأمر من
هذه الآية
الكريمة
في الشرع أن الإشهاد يقتضي الوجوب.
وقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره عن
ابن جريح أن عطاء كان يقول في قوله تعالى:»وأشهدوا ذوي عدل منكم « قال: لا يجوز في
نكاح ولا طلاق ولا إرجاع إلا شاهد عدل ولم ينفرد بوجوب الإشهاد فقط علماء آل البيت
بل هومذهب عطاء وابن سيرين وابن جريح.[30]
وقد قال الزمحشري : إن المعني بالخطاب
في الآية 229 من سورة البقرة : » فإن خفتم ألا
يقيما حدود الله « هو الأئمة والحكام ، والأمر نفسه في الآية 35 من سورة النساء : »و إن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها
«. حيث لهم أن يتدخلوا لرفع الأذى و المضرة، وكذلك الأمر نفسه في
سورة الطلاق: » واشهدوا ذوي عدل منكم « ، ومن ثمة وجب على
الزوج أن يشهد شهيدين من المسلمين على طلاقه .
والإشكال الذي طرح هنا هو موقف القضاة من
الزوج الذي يطلق زوجته بدون إشهاد فإن
أقروا طلاقه خالفوا الآية الكريمة التي تدعوا إلى الإشهاد على الطـلاق وإن رفضــوا
إقراره سمحوا له بالاستمرار في معاشرة زوجته وهي مطلقة في علم الله.[31]
والإجابة
على ذلك أنه ما دام و أن روح الآيات تساعد على جعل تنظيم الطلاق منوطا بالقضاء وأن
السنة النبوية الشريفة جرت على ذلك وأنه ليس فــي الكتــاب ولا السنة ما يمنعه فإن
أقر بذلك أولياء الأمور وأصبح تشريعا صار الشذوذ عنه باطلا. [32]
ومن محاسن ضرورة الإشهاد على الطلاق مع إتباع
الخطوات الصحيحة في إيقاعه والمتمثلة في طهر المرأة هو إعطاء فرصة للزوج لإعادة
التفكير فإن بقي مصمـــما رغـم
حضور
الشاهدين و مرور الوقت الزمني فإن طلاقه يكون قائما على أسباب قوية وليست عرضية
وهذا هو الطلاق المقصود في الشريعة الإسلامية.[33]
المطلب الثاني: طرق
إثبات الطلاق شرعا وقانونا :
إن مسألة إثبات الطلاق من الناحية الشرعية لا تكتسي غموضا ذلك أنه يثبت
بكافة طرق الإثبات من إقرار و بينة و يمين
، فإذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها و أنكر هو فمذهب المالكية أنه إن أتت بشاهدين
عدلين نفذ الطلاق ، و إن أتت بشاهد واحد حلف الزوج و برئ و إن لم
يحلف سجن حتى يقر أو يحلف ، وان لم تأتي بشاهد فلا شيء على الزوج ، و عليها منع
نفسها منه بقدر جهدها،و إن حلف بالطلاق و ادعت أنه حنث فالقول قول الزوج بيمينه .
و ذكر الحنابلة أنه إذا ادعت المرأة أن
زوجها طلقها فالقول قول الزوج بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح و عدم الطلاق إلا أن
يكون لها بما ادعته بينة ، و لا يقبل فيه إلا عدلان لأن الطلاق ليس بمال ولا
المقصود منه المال و يطلع عليه الرجال في أغلب الأحوال كالحدود و القصاص،
فإن لم تكن هناك بيّنة يستحلف الرجل على الصحيح لحديث: اليمين على من أنكر.[34]
و توضيحا لما سبق ينبغي علينا التطرق
إلى طرق الإثبات المقررة شرعا و مطابقتها بتلك المقررة قانونا لنخلص في النهاية
إلى مسلك القضاء الجزائري في مسألة إثبات الطلاق العرفي:
الفرع الأول: الإقرار.
الإقرار شرعا هو الإخبار بثبوت حق
للغير على نفس المقر ولو في المستقبل باللفظ وما في حكمه، وبذلك يخرج من مدلول
الإقرار ما يدعيه الخصم من حق له على الغير.[35]
فإذا أقر الشخص بحق لزمه، ولكن الإقرار
حجة قاصرة على المقر بخلاف البينة و ذلك لقصور ولاية المقر وعدم امتدادها إلى غيره،
فإذا ادعت الزوجة حصول الطلاق و أقر الزوج بذلك لزمه هذا الإقرار و يثبت الطلا