مقدمة :
من الحقائق الثابتة التي لا جدال فيها أن القانون
ما وجد إلا لكي يطبق على أرض الواقع. ويبقى هذا التطبيق رهينا بعملية فنية و هي عملية
التكييف القانوني، تلك العملية التي تسمح للقاضي بالتأكد من مطابقة واقعة محددة مع
مفترض نص قانوني معين . ومن ثم يشكل التكييف أهمية قصوى باعتباره عملية أولية ضرورية
لتحليل التصرف أو الواقعة المعروضة على القاضي، وإخضاعها بالتالي للنص القانوني الذي
يحكمها ، فما هو مفهوم العقد؟ و ما هي عناصره؟ و ما هو المسلك الذي يتعين على
القاضي نهجه لتكييف العقد؟ و غيرها من التساؤلات سنجيب عليها في بحثنا هذا و الذي
قسمناه إلى ثلاث مباحث تناولنا في المبحث الأول مفهوم تكييف العقد و أهميته و دور
كل من القاضي و محكمة النقض في تكييف العقد أما المبحث الثاني فخصصناه لعناصر
تكييف العقد بجانبيه العناصر العرضية و العناصر الأساسية و المبحث الثالث و الأخير
فهو بعنوان التكييفات الراجعة إلى بنيان العقد بمباحثه الثلاث التكييفات المسماة و
التكييفات غير المسماة و التكييف إستنادا إلى نظرية تحول العقد.
المبحث الأول : ماهية تكييف العقد و المختصون بالتكييف
المطلب الأول : مفهوم تكييف العقد و أهميته
الفرع الأول : مفهوم تكييف العقد :
ظاهر كلمة التكييف أنها
على وزن تفعيل من فعل كيف، فيدل هذا التأصيل اللغوي على أن معناها ينصرف إلى تحديد
الكيف، أي بيان الطبيعة.
و تكييف العقد هو إعطاؤه
الوصف القانوني الذي يتحدد بالآثار الأساسية التي اتجه طرفاه إلى تحقيقها، فهذا الوصف
يترتب على تحديد مقاصد طرفي العقد، وتحديد هذه المقاصد يجب أن يكون بيانا للغايات العملية
التي اتجه طرفا العقد إلى تحقيقها بصرف النظر عن أية تسمية يطلقها المتعاقدان على هذه
المقاصد أو على العقد في جملته.
فالتكييف باعتباره عملية
تحديد الوصف القانوني للعقد، هو عمل قانوني صرف، لا سلطة فيه لإرادة العاقدين، فالعاقدان
لهما حق تحديد الآثار العملية التي يرغبان في تحقيقها بالعقد، فان تحددت هذه الآثار،
يكون وصف هذا العقد عملا قانونيا محضا، لأنه يعني إدخال صورة الآثار كما حددها العاقدان
في إطار قانوني معين، ولذا يكون تحديد الوصف القانوني للعقد مسألة ذات أهمية عملية،
ذلك انه بناء على التكييف الذي يأخذ به القاضي للعقد، قد تتحدد به آثاره العملية التي
لم يواجه طرفاه تنظيمها بإتفاقهما والتي تكفل بها القانون في قواعده المكملة للعقود،
بل إنّ جواز بعض آثار العقد أو عدم جوازها يرتبط بالتكييف الذي يعطى له فالتكييف لازم
لتقدير الصحة والبطلان معا. وبعبارة أخرى فان التكييف يعتبر وسيلة لتحديد مضمون العقد،
لأنه يضعه في الإطار القانوني الذي يسمح ببيان آثاره في جملتها، سواء التي واجهها طرفاه
أو التي لم يتضمنها إتفاقهما .
الفرع الثاني : أهمية تكييف العقود :
تكمن أهمية تحديد الوصف القانوني للعقد، أي تكييفه، من كونها مسألة أساسية وضرورية لتحديد ما إذا كان العقد
مسمى قد أسمى القانون شرائطه وظروفه القانونية وفق نصوص محددة، أم كان عقد غير
مسمى لم يسمه القانون بوضع معين من النصوص. وتكمن الأهمية لعملية التكييف هذه، في
تعيين القواعد واجبة التطبيق عليه، حال عرضه على القضاء أو النزاع بشأنه كعقد ما
في خصومة معروضة على القضاء، والتكييف يجري ويتم على أساس تحري المقاصد العملية
لأطراف العقد، ومطابقة هذه المقاصد على النظام القانوني للعقود المعروفة، ليحدد
الوصف القانوني للاتفاق، و لا أهمية للتسميات التي يطلقها أطراف العقد عليه إذا
كانت معارضة لحقيقة هذا العقد.
المطلب الثاني : دور كل من القاضي و محكمة النقض في
تكييف العقود
الفرع الأول : دور القاضي في تكييف العقد :
تعتبر عملية تكييف
العقد من صميم عمل القاضي و يتعين عليه القيام بتكييف العقد المتصل بالنزاع
المعروض عليه ولكنه لا يلتزم فيه برغبة هذين العاقدين إن كانت تتعارض مع صورة الآثار
المقصودة، فان سميا العقد تسمية لا تتفق مع حقيقته عن جهل أو عن عمد، كان للقاضي أن
يصحح هذه التسمية، من تلقاء نفسه، ودون حاجة إلى موافقتهما على هذا التصحيح، بل ودون
أن يطلب أي منهما إجراء هذا التصحيح، فقد يجد
القاضي أن العقد بيع وان سماه العاقدان إيجارا وقد يجد انه عقد شركة وان سمياه
قرضا، وبذلك فالتكييف مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض.
يقوم القاضي بتكييف
العقد إستنادا إلى حقيقة ما قصده المتعاقدان بعد إستخلاصه من واقع شروط العقد
المعروض عليه و ما إتجهت إليه الإرادة المشتركة للطرفين.
و يجب أن يتم التكييف في ضوء عبارات العقد و حقيقة
الواقع و النية المشتركة.
و المعيار الأساسي الذي
يعتد بع القاضي لتكييف العقد هو الإلتزامات الرئيسية التي تنبئ عن حقيقة قصد
المتعاقدين من العقد، فالعبرة بالغرض العملي الذي قصد إليه الطرفان من تعاقدهما و
الذي تكشف عنه طبيعة الإلتزامات التي يتحملها كل منهما.
الفرع الثاني : دور محكمة النقض في تكييف العقد :
قضت محكمة النقض
المصرية بأنه ولئن كان التصرف على ما عناه الطرفان من المحرر موضوع الدعوى و هو ما
يدخل في سلطة محكمة الموضوع، إلا أنه متى استخلصت المحكمة ذلك، فإن التكييف
القانوني الصحيح لما قصده العاقدان، و إنزال حكم القانون على العقد، و هو مسألة
قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
كما قضت بأنه لمحكمة النقض
أن تعطي الوقائع الثابتة في الحكم المطعون فيه التكييف القانوني الصحيح مادامت لا
تعتد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع.
و قضت أيضا بأن حقها أن
تشرف على محكمة الموضوع فيما تعطيه من الأوصاف و التكييف القانوني لما تثبته في
حكمها من الوقائع، و على ذلك لتعرف ما إذا كان التكييف قد جاء موافقا للقانون أم
مخالفا له.
فالمحكمة العليا في
الدولة لها الرقابة التامة على تكييف العقد.
المبحث الثاني
: عناصر تكييف العقد
يرمي التشريع
في
تنظيم العقود إلى تحقيق أهداف تتجاوز أحيانا
خبايا التكييف، ويرتبط هذا التنظيم إما بضمان حماية خاصة لأحد المتعاقدين، وإما
بإخضاع فئة من العقود لنظام قانوني خاص،
ويمكن ربط هاتين الفرضيتين بالنظام
العام كإطار يطوق الحرية التعاقدية، وبالتالي فإن نمو عدد العناصر المطلوبة
لتكييف العقد يقلص بالضرورة من الحرية المتروكة للمتعاقدين.
وتتمثل عناصر هاتين الفرضيتين في صفة المتعاقدين وشكل العقد، غير
أنها
لا تشكل سوى عناصر عرضية في التكييف، حيث إنه في غياب أية قواعد تتعلق
بالنظام العام، فإن القاضي يأخذ بالالتزامات التي يولدها توافق الإرادتين لتكييف
العقد، وبالتالي فإن العنصر الأساسي والضروري للتكييف هو دائما مكون من
طبيعة الالتزامات التي ينشئها العقد.
المطلب الأول: العناصر العرضية لتكييف العقد.
ويتعلق الأمر بصفة المتعاقدين وبشكل العقد
أولا- صفة المتعاقدين:
تلعب صفة المتعاقدين، أحيانا، دورا حاسما في تكييف العقود، ذلك أنه يتعذر فهم بعض العقود إلا بالاستناد إلى صفة المتعاقدين. فعقد النقل مثال على تأثير صفة المتعاقد على طبيعة العقد
فهو عبارة اتفاق يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل ثمن بأن ينقل شخصا أو أشياء إلى مكان معين، مع مراعاة مقتضيات النصوص الخاصة
بهذا العقد.
وتظهر أهمية عنصر الصفة في التكييف بالنسبة لبعض العقود ذات الطبيعة الخاصة، فمثلا تعتبر عمليات البنوك تجارية بذاتها وبطبيعتها، وكذلك تأسيسا على نظرية المقاولة أو المشروع، وبالتالي فإن عقد القرض الذي تبرمه المؤسسة
البنكية يعتبر دائما تجاريا بغض النظر عن صفة المقترض، هل هو تاجر أم غير تاجر.
ولا يتعلق الأمر في الحقيقة إلا بنظام العقد الذي يخضع لتأثير صفة أحد المتعاقدين، ذلك أن وصف العقد بالمعنى الضيق في هذا المثال بعقد قرض يتوقف على وجود
العناصر الموضوعية لنموذج القرض. على أن تكييف القرض التجاري بدلا من
القرض المدني له أهميته في تحديد النظام القانوني المطبق على العقد، وبالتالي يمكن أن يكون لصفة المتعاقد تأثيرا غير مباشرا في تكييف العقد.
وحسب بعض الفقهاء فإن صفة المتعاقدين تنزع – على الأقل بالنسبة لبعض العقود- إلى اتخاذ منزلة لا يستهان بها في تحديد الالتزامات الملزم بها، فإذا أخذنا, مثلا، العقود المبرمة بين المهني وزبونه، فإن هذه العقود لا ترتب التزامات مهنية حقيقية، فمصدر هذه الالتزامات لا يكون في العقد وإنما في صفة مقدم الخدمة، وهذا يعني أن العقود الخاصة أو معظمها تتميز بمحتواها المرتبط بصفة
المتعاقدين، بالإضافة إلى ذلك فإن شكل العقد قد يقوم أحيانا بدور هام في التكييف.
ثانيا- شكل العقد:
الشكلية في العقود هي التي يلزم لذات انعقاد هذه الأخيرة، ورود الرضاء
بها في شكل خاص محدد.
والجدير بالذكر أن المشرع خول للأشخاص جعل تصرفاتهم
خاضعة لشكلية خاصة لا تتم إلا بها.
و لا تعتبر الشكلية سوى عنصرا عرضيا في تكييف العقد، مما يستدعي بالتالي ألا يكون اتفاق الإرادتين مجردا من أي أثر.
المطلب الثاني: العنصر الأساسي في تكييف العقد:
يرتكز تكييف العقد بصورة خاصة على تفريد الالتزامات التي يولدها وعلى
البحث عن الالتزامات الجوهرية منها. وينبغي التساؤل حول تأثير الإرادة في تحديد
الالتزامات الناشئة عن العقد.
أولا-أهمية الالتزامات الجوهرية بالنسبة للتكييف:
يتضمن كل عقد عدة التزامات، ويقتضي التكييف التمييز بين الالتزامات الأصلية والالتزامات التابعة.
1- الالتزامات الأصلية:
لا يكفي القول بأنه يوجد في كل عقد التزامات أصلية، بل من الضروري
واللازم أن تكون هذه الأخيرة محددة بدقة وإلا كان التكييف مستحيلا. والمشرع هو
الذي
يحدد الالتزامات التي تعتبر جوهرية، ونجد هذا التحديد المسبق في عقود،
ففي
عقد البيع، نجد التزامين أصليين، أحدهما
يقع
على البائع بتسليم المبيع والآخر يتحمله المشتري بدفع الثمن.
ويلعب الاجتهاد القضائي دورا متميزا في تحديد الالتزامات الأصلية،
خصوصا بالنسبة للحالات التي يكون فيها هذا التحديد ناقصا من جانب المشرع.
وإذا كان الالتزام الأصلي قد يساهم في تكييف العقد، فإن عدم الإشارة إليه - دون إقصائه - لا يرتب البطلان في جميع الفروض، بل يتعين البحث عن تكييف
يناسب توافق الإرادتين في إنتاج الآثار المرغوب فيها، ذلك أن التكييف الظاهر قد
لا
يطابق حقيقة الواقع إما عمدا لرغبة المتعاقدين في التهرب من بعض الأحكام، أو
للتمتع بأحكام لا تنطبق على تصرفاتهم، وإما خطأ من المتعاقدين أو جهلا منهم
بالتكييف القانوني الصحيح، ولذا كان لزاما على القاضي أن لا يعتد إلا
بالتكييف القانوني للعقد.
من الحقائق الثابتة التي لا جدال فيها أن القانون
ما وجد إلا لكي يطبق على أرض الواقع. ويبقى هذا التطبيق رهينا بعملية فنية و هي عملية
التكييف القانوني، تلك العملية التي تسمح للقاضي بالتأكد من مطابقة واقعة محددة مع
مفترض نص قانوني معين . ومن ثم يشكل التكييف أهمية قصوى باعتباره عملية أولية ضرورية
لتحليل التصرف أو الواقعة المعروضة على القاضي، وإخضاعها بالتالي للنص القانوني الذي
يحكمها ، فما هو مفهوم العقد؟ و ما هي عناصره؟ و ما هو المسلك الذي يتعين على
القاضي نهجه لتكييف العقد؟ و غيرها من التساؤلات سنجيب عليها في بحثنا هذا و الذي
قسمناه إلى ثلاث مباحث تناولنا في المبحث الأول مفهوم تكييف العقد و أهميته و دور
كل من القاضي و محكمة النقض في تكييف العقد أما المبحث الثاني فخصصناه لعناصر
تكييف العقد بجانبيه العناصر العرضية و العناصر الأساسية و المبحث الثالث و الأخير
فهو بعنوان التكييفات الراجعة إلى بنيان العقد بمباحثه الثلاث التكييفات المسماة و
التكييفات غير المسماة و التكييف إستنادا إلى نظرية تحول العقد.
المبحث الأول : ماهية تكييف العقد و المختصون بالتكييف
المطلب الأول : مفهوم تكييف العقد و أهميته
الفرع الأول : مفهوم تكييف العقد :
ظاهر كلمة التكييف أنها
على وزن تفعيل من فعل كيف، فيدل هذا التأصيل اللغوي على أن معناها ينصرف إلى تحديد
الكيف، أي بيان الطبيعة.
و تكييف العقد هو إعطاؤه
الوصف القانوني الذي يتحدد بالآثار الأساسية التي اتجه طرفاه إلى تحقيقها، فهذا الوصف
يترتب على تحديد مقاصد طرفي العقد، وتحديد هذه المقاصد يجب أن يكون بيانا للغايات العملية
التي اتجه طرفا العقد إلى تحقيقها بصرف النظر عن أية تسمية يطلقها المتعاقدان على هذه
المقاصد أو على العقد في جملته.
فالتكييف باعتباره عملية
تحديد الوصف القانوني للعقد، هو عمل قانوني صرف، لا سلطة فيه لإرادة العاقدين، فالعاقدان
لهما حق تحديد الآثار العملية التي يرغبان في تحقيقها بالعقد، فان تحددت هذه الآثار،
يكون وصف هذا العقد عملا قانونيا محضا، لأنه يعني إدخال صورة الآثار كما حددها العاقدان
في إطار قانوني معين، ولذا يكون تحديد الوصف القانوني للعقد مسألة ذات أهمية عملية،
ذلك انه بناء على التكييف الذي يأخذ به القاضي للعقد، قد تتحدد به آثاره العملية التي
لم يواجه طرفاه تنظيمها بإتفاقهما والتي تكفل بها القانون في قواعده المكملة للعقود،
بل إنّ جواز بعض آثار العقد أو عدم جوازها يرتبط بالتكييف الذي يعطى له فالتكييف لازم
لتقدير الصحة والبطلان معا. وبعبارة أخرى فان التكييف يعتبر وسيلة لتحديد مضمون العقد،
لأنه يضعه في الإطار القانوني الذي يسمح ببيان آثاره في جملتها، سواء التي واجهها طرفاه
أو التي لم يتضمنها إتفاقهما .
الفرع الثاني : أهمية تكييف العقود :
تكمن أهمية تحديد الوصف القانوني للعقد، أي تكييفه، من كونها مسألة أساسية وضرورية لتحديد ما إذا كان العقد
مسمى قد أسمى القانون شرائطه وظروفه القانونية وفق نصوص محددة، أم كان عقد غير
مسمى لم يسمه القانون بوضع معين من النصوص. وتكمن الأهمية لعملية التكييف هذه، في
تعيين القواعد واجبة التطبيق عليه، حال عرضه على القضاء أو النزاع بشأنه كعقد ما
في خصومة معروضة على القضاء، والتكييف يجري ويتم على أساس تحري المقاصد العملية
لأطراف العقد، ومطابقة هذه المقاصد على النظام القانوني للعقود المعروفة، ليحدد
الوصف القانوني للاتفاق، و لا أهمية للتسميات التي يطلقها أطراف العقد عليه إذا
كانت معارضة لحقيقة هذا العقد.
المطلب الثاني : دور كل من القاضي و محكمة النقض في
تكييف العقود
الفرع الأول : دور القاضي في تكييف العقد :
تعتبر عملية تكييف
العقد من صميم عمل القاضي و يتعين عليه القيام بتكييف العقد المتصل بالنزاع
المعروض عليه ولكنه لا يلتزم فيه برغبة هذين العاقدين إن كانت تتعارض مع صورة الآثار
المقصودة، فان سميا العقد تسمية لا تتفق مع حقيقته عن جهل أو عن عمد، كان للقاضي أن
يصحح هذه التسمية، من تلقاء نفسه، ودون حاجة إلى موافقتهما على هذا التصحيح، بل ودون
أن يطلب أي منهما إجراء هذا التصحيح، فقد يجد
القاضي أن العقد بيع وان سماه العاقدان إيجارا وقد يجد انه عقد شركة وان سمياه
قرضا، وبذلك فالتكييف مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض.
يقوم القاضي بتكييف
العقد إستنادا إلى حقيقة ما قصده المتعاقدان بعد إستخلاصه من واقع شروط العقد
المعروض عليه و ما إتجهت إليه الإرادة المشتركة للطرفين.
و يجب أن يتم التكييف في ضوء عبارات العقد و حقيقة
الواقع و النية المشتركة.
و المعيار الأساسي الذي
يعتد بع القاضي لتكييف العقد هو الإلتزامات الرئيسية التي تنبئ عن حقيقة قصد
المتعاقدين من العقد، فالعبرة بالغرض العملي الذي قصد إليه الطرفان من تعاقدهما و
الذي تكشف عنه طبيعة الإلتزامات التي يتحملها كل منهما.
الفرع الثاني : دور محكمة النقض في تكييف العقد :
قضت محكمة النقض
المصرية بأنه ولئن كان التصرف على ما عناه الطرفان من المحرر موضوع الدعوى و هو ما
يدخل في سلطة محكمة الموضوع، إلا أنه متى استخلصت المحكمة ذلك، فإن التكييف
القانوني الصحيح لما قصده العاقدان، و إنزال حكم القانون على العقد، و هو مسألة
قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض.
كما قضت بأنه لمحكمة النقض
أن تعطي الوقائع الثابتة في الحكم المطعون فيه التكييف القانوني الصحيح مادامت لا
تعتد في هذا التكييف على غير ما حصلته محكمة الموضوع من هذه الوقائع.
و قضت أيضا بأن حقها أن
تشرف على محكمة الموضوع فيما تعطيه من الأوصاف و التكييف القانوني لما تثبته في
حكمها من الوقائع، و على ذلك لتعرف ما إذا كان التكييف قد جاء موافقا للقانون أم
مخالفا له.
فالمحكمة العليا في
الدولة لها الرقابة التامة على تكييف العقد.
المبحث الثاني
: عناصر تكييف العقد
يرمي التشريع
في
تنظيم العقود إلى تحقيق أهداف تتجاوز أحيانا
خبايا التكييف، ويرتبط هذا التنظيم إما بضمان حماية خاصة لأحد المتعاقدين، وإما
بإخضاع فئة من العقود لنظام قانوني خاص،
ويمكن ربط هاتين الفرضيتين بالنظام
العام كإطار يطوق الحرية التعاقدية، وبالتالي فإن نمو عدد العناصر المطلوبة
لتكييف العقد يقلص بالضرورة من الحرية المتروكة للمتعاقدين.
وتتمثل عناصر هاتين الفرضيتين في صفة المتعاقدين وشكل العقد، غير
أنها
لا تشكل سوى عناصر عرضية في التكييف، حيث إنه في غياب أية قواعد تتعلق
بالنظام العام، فإن القاضي يأخذ بالالتزامات التي يولدها توافق الإرادتين لتكييف
العقد، وبالتالي فإن العنصر الأساسي والضروري للتكييف هو دائما مكون من
طبيعة الالتزامات التي ينشئها العقد.
المطلب الأول: العناصر العرضية لتكييف العقد.
ويتعلق الأمر بصفة المتعاقدين وبشكل العقد
أولا- صفة المتعاقدين:
تلعب صفة المتعاقدين، أحيانا، دورا حاسما في تكييف العقود، ذلك أنه يتعذر فهم بعض العقود إلا بالاستناد إلى صفة المتعاقدين. فعقد النقل مثال على تأثير صفة المتعاقد على طبيعة العقد
فهو عبارة اتفاق يتعهد بمقتضاه الناقل مقابل ثمن بأن ينقل شخصا أو أشياء إلى مكان معين، مع مراعاة مقتضيات النصوص الخاصة
بهذا العقد.
وتظهر أهمية عنصر الصفة في التكييف بالنسبة لبعض العقود ذات الطبيعة الخاصة، فمثلا تعتبر عمليات البنوك تجارية بذاتها وبطبيعتها، وكذلك تأسيسا على نظرية المقاولة أو المشروع، وبالتالي فإن عقد القرض الذي تبرمه المؤسسة
البنكية يعتبر دائما تجاريا بغض النظر عن صفة المقترض، هل هو تاجر أم غير تاجر.
ولا يتعلق الأمر في الحقيقة إلا بنظام العقد الذي يخضع لتأثير صفة أحد المتعاقدين، ذلك أن وصف العقد بالمعنى الضيق في هذا المثال بعقد قرض يتوقف على وجود
العناصر الموضوعية لنموذج القرض. على أن تكييف القرض التجاري بدلا من
القرض المدني له أهميته في تحديد النظام القانوني المطبق على العقد، وبالتالي يمكن أن يكون لصفة المتعاقد تأثيرا غير مباشرا في تكييف العقد.
وحسب بعض الفقهاء فإن صفة المتعاقدين تنزع – على الأقل بالنسبة لبعض العقود- إلى اتخاذ منزلة لا يستهان بها في تحديد الالتزامات الملزم بها، فإذا أخذنا, مثلا، العقود المبرمة بين المهني وزبونه، فإن هذه العقود لا ترتب التزامات مهنية حقيقية، فمصدر هذه الالتزامات لا يكون في العقد وإنما في صفة مقدم الخدمة، وهذا يعني أن العقود الخاصة أو معظمها تتميز بمحتواها المرتبط بصفة
المتعاقدين، بالإضافة إلى ذلك فإن شكل العقد قد يقوم أحيانا بدور هام في التكييف.
ثانيا- شكل العقد:
الشكلية في العقود هي التي يلزم لذات انعقاد هذه الأخيرة، ورود الرضاء
بها في شكل خاص محدد.
والجدير بالذكر أن المشرع خول للأشخاص جعل تصرفاتهم
خاضعة لشكلية خاصة لا تتم إلا بها.
و لا تعتبر الشكلية سوى عنصرا عرضيا في تكييف العقد، مما يستدعي بالتالي ألا يكون اتفاق الإرادتين مجردا من أي أثر.
المطلب الثاني: العنصر الأساسي في تكييف العقد:
يرتكز تكييف العقد بصورة خاصة على تفريد الالتزامات التي يولدها وعلى
البحث عن الالتزامات الجوهرية منها. وينبغي التساؤل حول تأثير الإرادة في تحديد
الالتزامات الناشئة عن العقد.
أولا-أهمية الالتزامات الجوهرية بالنسبة للتكييف:
يتضمن كل عقد عدة التزامات، ويقتضي التكييف التمييز بين الالتزامات الأصلية والالتزامات التابعة.
1- الالتزامات الأصلية:
لا يكفي القول بأنه يوجد في كل عقد التزامات أصلية، بل من الضروري
واللازم أن تكون هذه الأخيرة محددة بدقة وإلا كان التكييف مستحيلا. والمشرع هو
الذي
يحدد الالتزامات التي تعتبر جوهرية، ونجد هذا التحديد المسبق في عقود،
ففي
عقد البيع، نجد التزامين أصليين، أحدهما
يقع
على البائع بتسليم المبيع والآخر يتحمله المشتري بدفع الثمن.
ويلعب الاجتهاد القضائي دورا متميزا في تحديد الالتزامات الأصلية،
خصوصا بالنسبة للحالات التي يكون فيها هذا التحديد ناقصا من جانب المشرع.
وإذا كان الالتزام الأصلي قد يساهم في تكييف العقد، فإن عدم الإشارة إليه - دون إقصائه - لا يرتب البطلان في جميع الفروض، بل يتعين البحث عن تكييف
يناسب توافق الإرادتين في إنتاج الآثار المرغوب فيها، ذلك أن التكييف الظاهر قد
لا
يطابق حقيقة الواقع إما عمدا لرغبة المتعاقدين في التهرب من بعض الأحكام، أو
للتمتع بأحكام لا تنطبق على تصرفاتهم، وإما خطأ من المتعاقدين أو جهلا منهم
بالتكييف القانوني الصحيح، ولذا كان لزاما على القاضي أن لا يعتد إلا
بالتكييف القانوني للعقد.