مقدمــــــة
:
عندما كان الأمر يتعلق بدراسة دور الدولة ,
كان ذلك يثار بمناسبة دراسة الحريات العامة و الدستورية , وما كان يثور نقاش حول
الموضوعات الاقتصادية كان يرتبط بتحليل وظائف اقتصاديات السيادة و متطلباتها ,
بهدف تحديد دور وحدود تصرفات الدولة .
وفي خلال القرنين السابع و الثامن عشر ساد
الاعتقاد بأن المصلحة الخاصة الفردية هي
تعبير عن مصلحة المجتمع , و المجتمع هو الدولة ن و
الفرد عندما يسعى إلى تحقيق مصلحته الخاصة و هي الربح في إطار المنافسة الحرة فهو
يحقق في ذات الوقت مصلحة المجتمع .
وفي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت مدرسة
الطبيعيون في فرنسا , و كانت المدرسة ترى القوانين التي تحكم كافة مظاهر الحياة
الاقتصادية تقوم على مبدأين هما : المنفعة الشخصية و المنافسة . فالأولى تؤدي إلى
تحقيق المنفعة الجماعية و الثانية تؤدي إلى زيادة معدلات الإنتاج .
وبعد ذلك نادى الطبيعيون بضرورة ترك النشاط
الاقتصادي حرا و على الدولة أن تمتنع عن التدخل في الحياة الاقتصادية وكانت
عبارتهم المشهورة :
"
دعه يعمل دعه يمر " .
ثم ظهرت بعد ذلك المدرسة الكلاسيكية في
إنجلترا التي نادت بابتعاد الدولة عن الحياة الاقتصادية و بأن تدخلها يعوق جهاز
المنافسة و الأثمان المحقق للتوازن الاقتصادي التلقائي , ودور الدولة يكون مقصورا
على حماية الأمن في الداخل و الخارج , و تحقيق العدالة .
غير أن الأزمات التي عرفتها الرأسمالية بدءا
من عام 1901 إلى غاية أزمة 1929 التي كانت الأكثر حدة , دفعت كينز إلى إصدار كتابة
" النظرية العامة " و الذي دعا من خلاله الدولة إلى ضرورة التدخل لسد
العجز الذي أحدثه الأفراد و المشروعات الخاصة نتيجة حذرهم الشديد في نفقاتهم على
الاستهلاك و الاستثمار.
وقد دفع هذا معظم الدول الرأسمالية إلى التدخل في الحياة الاقتصادية من
أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي , ففي بريطانيا قامت الحكومة بمنح معونات للتخفيف
من آثار البطالة و الفقر , كما تدخلت في الأسواق بمراقبة الأسعار , وفي ألمانيا
نفذت الحكومة برامج ضخمة في الأشغال العمومية و البنية الأساسية , وفي فرنسا كما
في بريطانيا قامت الحكومة بتأميم الكثير من الشركات و المؤسسات المصرفية و قطاعات
المناجم و الغاز و الكهرباء .
ومع الأزمة الاقتصادية لعام 1971 نتيجة
المضاربة ضد الدولار تعالت الأصوات بضرورة تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية
, و ازداد هذا الطرح قوة مع تولي حزب المحافظين و الرئيس ريجال مقاليد السلطة في
بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية . حيث شرعت بريطانيا في عهد تاتشر في
برنامج خوصصة واسع مس جميع القطاعات بما في ذلك الإستراتيجية , مما أدى إلى ارتفاع
معدلات النمو الاقتصادية إلى مستويات قياسية .
ومع اشتداد تيار العولمة ازداد ضغط
المؤسسات الدولية على الحكومات بضرورة الانسحاب من الحياة الاقتصادية و فسح المجال
أمام القطاع الخاص ليلعب دوره في تحقيق التوازن الاقتصادي , غير أن ذلك لا يعني
انتفاء دور الدولة بصورة نهائية إذا يبقى لها هامش للتحرك من أجل ضبط الأمور في
حال انحرافها عن مسارها الطبيعي .
فإذن يغدو تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي
مسألة مفروغا منها في النظام الرأسمالي بالذات , إنما تطرح القضية على الشكل التالي
:
كيف يتحقق هذا التدخل ؟ ما هي ضروراته أو
موجباته ؟ وهل هو استكمال آليات السوق أم للحلول محلها ؟
1 –
دور الدولة في ظل الأنظمة الرأسمالية :
قبل نهاية القرن العشرين حسم الجدول بين
المذهبين الرأسمالي و الاشتراكي لا ليحل أحدهما محل الآخر , وإنما لينجح كلاهما في
الاستفادة من تجارب الآخر , فأخذت النظم
الرأسمالية من النظم الاشتراكية , تحت ظروف الأزمات الاقتصادية و الحروب , إجراءات
تهدف إلى تحقيق العدالة و المساواة , و تدخلت الدولة في مجالات اقتصادية كانت من
صميم أعمال القطاع الخاص , واتسع مجال القطاع العام في كثير من الأنشطة .
خصائص
الأنشطة التي تقوم بها الدولة :
تؤدي قواعد و آليات السوق إلى تخصيص الموارد
نتيجة تفاعل قوى العرض و الطلب و الأثمان
الناتجة من هذا التفاعل و المحددة لمعدل الربحية و من ثم فإن القاعدة
المحددة لسلوك القطاع الخاص هي معدل الربحية المتوقع عند مستوى الأثمان السائدة و
المتوقعة .
أما الاقتصاد العام أي الأنشطة التي تقوم
بها الدولة لإنتاج السلع و الخدمات ", فيخضع كثير منها لقواعد حساب اقتصادي
قد تختلف كثيرا عن قواعد الحساب الاقتصادي التي تحكم سلوك القطاع الخاص .
حيث تخضع بعض القرارات العامة الخاصة
بالإنتاج لاعتبارات الكفاءة الإنتاجية " المقارنة بين التكلفة / الربح "
و أحوال أخرى تبتعد عن المعايير الاقتصادية تحقيقا لأهداف اجتماعية كإعادة توزيع
الدخل و إشباع حاجات إنسانية بأقل من تكلفتها الحقيقية(1)
.
كما تخضع كثير من القرارات العامة الخاصة
بالإنتاج لمعايير اجتماعية تهتم بالعوائد المباشرة , المادية و غير المادية ,
وتهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح المتناقضة .
ولكن هناك بعض السلع و الخدمات لا يصلح نظام
السوق و المنافسة لإشباعها نظرا لما تتسم به من خصائص تحول دون صلاحية هذا النظام
لإشباعها, حيث توجد بعض السلع و الخدمات تقتضي الاحتكار لإشباعها و من ثم يمكن
للمحتكر التحكم في سعرها في غير صالح المستهلك , وبعض السلع و الخدمات تحقق و
فورات خارجية إيجابية أو سلبية لا يستطيع المنتج الفرد أن يدخلها في حساب التكلفة أو
الربح . وسلع وخدمات أخرى لا يمكن استبعاد من لا يدفع مقابل الخدمة للاستفادة منها
. و مثل هذه الأنواع يجب أن تقوم الدولة بإشباعها , وسوف نتناول ذلك فيما يلي :
أولا
: حالة الاحتكار .
ثانيا
: حالة الوفورات الخارجية .
ثالثا
: حالة انتقاء عنصر المنافسة و عدم القدرة على الاستبعاد من لا يدفع مقابل الخدمة
.
أولا
: الاحتكار :
تحتاج بعض السلع و الخدمات إلى أن يتم
إنتاجها في إطار ما يسمى بالاحتكار الطبيعي Natural Monopoly حيث لا يصلح نظام المنافسة في إطار السوق لإنتاجها .
ومن المعلوم أن شرط الكفاءة الاقتصادية يتحقق عندما تحدث المساواة بين
التكلفة الحدية و المنفعة الحدية ويتطلب ذلك توافر شرط المنافسة الكاملة , أما
حالة الاحتكار فهي تفتقد هذا الشرط , ويتحقق التوازن لدى المنشأة حينما يتعادل
الإيراد الحدي مع التكلفة الحدية وذلك في ظل المنافسة , في حين أنه في حالة
الاحتكار غالبا ما يتوقف المحتكر عن الإنتاج عندما تكون النفقة المتوسطة عند حدها
الأدنى مما يعني إمكانية وجود موارد معطلة.
ومن أمثلة هذه الحالات شبكات المياه والصرف الصحي و شبكات توليد الكهرباء ,
حيث لا يمكن تصور وجود أكثر من شبكة في مدينة واحدة لإنتاج هذه السلع أو تلك
الخدمات.
وإذا كان من الضروري تركيز الإنتاج في إطار منشأة واحدة لتعظيم الاستفادة
من ظاهرة اقتصاد الوفرة فيجب أن تكون هذه المنشأة مملوكة للدولة أو على الأقل
خاضعة لسيطرة و إشراف الدولة , خاصة أن مثل هذه الخدمات تتسم بما يلي.(2)
-
تحتاج المشروعات التي تقدم مثل هذه الخدمات إلى استثمارات ثابتة و مرتفعة, فضلا عن
كونها المحرك الأساسي لعملية التنمية.
-
انخفاض التكلفة الحدية للوحدات الإضافية من الإنتاج , ويرجع ذلك إلى أنه في حالة
الاحتكار لا تتوافر لعوامل الإنتاج حرية الاختيار و حرية الدخول في الصناعة, و
ينفرد المشروع المحتكر بعرض السلعة أو الخدمة .
ويستطيع
المنتج أن يحقق أقصى ربح حينما تكون النفقة المتوسطة عند حدها الأدنى , ويسعى
تحقيقا لهذا الغرض إلى خفض الإنتاج إلى أدنى حد ممكن ورفع الثمن إلى أقصى مستوى
ممكن , ويترتب عن هذا المسلك أن ينتج المشروع المحتكر كمية أقل من تلك التي يتحقق
عندها التساوي بين النفقة الحدية و الإيراد الحدي , الأمر الذي ينجم عنه زيادة
الندرة الاقتصادية للموارد و ليس الإقلال منها.
ثانيا
: الوفورات الخارجية :
تتحد اتجاهات القطاع الخاص الاستثماري
في مجال معين بعد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع , و تركز دراسات الجدوى على
المقارنة بين العائد و التكلفة وفقا لحالة السوق السائد و المتوقعة , ومعيار
الربحية المالية هو المعيار الأساسي لاتخاذ القطاع الخاص قراراته الاستثمارية ,
والتي على أساسها يتحقق تخصيص عناصر الإنتاج المختلفة بين الاستخدامات المتاحة في
السوق(3)
أما بالنسبة إلى قرارات الدولة بإنشاء
مشروع عام أو الاستثمار في مجال معين فهي و إن كانت تهتم عند دراسة جدواها
الاقتصادية بالربحية المالية , إلا أن هذا الهدف لا يعتبر الهدف الأساسي من
المشروع , و لكن غالبا ما يكون الهدف اجتماعي من خلال المقارنة بين التكلفة و
العائد الاجتماعي .
ومن ثم نلاحظ أن الدولة تقوم بإنتاج سلع
و خدمات تعتبر ضرورية للاقتصاد القومي على الرغم من أن معدل ربحيتها المالي قد
يكون أقل بكثير من التكلفة المالية و ذلك لما تحققه من وفورات اجتماعية مرتفعة وهو
ما يسمى بالوفورات الخارجية .
و يقصد بالوفورات الخارجية الآثار
الاقتصادية التي تلحق إحدى الوحدات الاقتصادية نتيجة تصرف اقتصادي قامت به وحدة
اقتصادية أخرى لا يسجلها اقتصاد السوق ,و هذا الأمر هو الذي يؤدي إلى اختلاف
المنفعة و النفقة الخاصتين عن المنفعة و النفقة الاجتماعيتين .
و الوفورات الخارجية قد تكون موجبة وقد تكون
سالبة
ومن أمثلة الوفورات الموجبة ما قد يترتب على
مدى خط سكة حديد إلى منطقة نائية من تعمير لهذه المنطقة , و بالتالي من إمكانية
قيام مشروعات جديدة بها , تستطيع أن تستفيد من خدمات هذا الخط الحديدي دون أن
تتحمل نفقات إقامته و تشغيله , ومن ذلك يتضح أن الربح الاجتماعي الذي يعود على
المجتمع بأسره من إقامة خط السكك الحديدية يفوق الربح الفردي الذي يعود على
المشروع الذي أقام هذا الخط الحديدي دون أن تتحمل نفقات إقامته و تشغيله , وتكون
بالتالي النفقة الاجتماعية " النفقة التي تحملها المجتمع
بأسره أقل من النفقة الخاصة , ولهذا السبب لا يستطيع القطاع الخاص إقامة مثل هذه
المشروعات ذات الوفورات الخارجية الموجبة , كما لا يستطيع تحصيل مقابل ما يحصل
عليه الآخرون من مزايا " الوفورات الخارجية " , ومن ثم يفشل نظام السوق
في تحقيق التخصيص الأمثل لعناصر الإنتاج في مثل هذه الحالات , وينجح في تحقيق
التخصيص الأمثل لعناصر الإنتاج عندما يستطيع تحميل الآخرين مقابل الاستفادة من
الوفورات الخارجية .
ومن الأمثلة المعروفة أيضا حالات إنشاء الطرق الكبرى و
الأنفاق , حيث يجب أن تقوم الدولة بإنشائها وتمويل , وقد يمكن تصور إمكانية
إسنادها إلى القطاع الخاص و تحصيل رسوم مقابل الاستخدام مثلما هو معروف من حالات
تقاضي رسوم مرور في بعض الطرق , و لكن كما هو معلوم أنه في حالة إسناد هذه
العمليات إلى القطاع الخاص , معنى ذلك أن هذه الرسوم يجب أن تتلاءم مع التكلفة
الحدية الإنشاء . هذا ما يؤدي إلى ارتفاع قيمة الرسوم إلى الحد الذي يعرقل حركة
المرور بالبحث عن طرق بديلة , ومن ثم تصبح هذه الوسيلة عديمة الفاعلية.
و أيضا من الأمثلة المعروفة و المحققة للوفورات الخارجية
البحوث التي تعكس فوائدها على المجتمع كله , فإذا ما تركت للقطاع الخاص لن تجد من
يقبل على القيام بها لأنه يفشل في تحصيل مقابل الاستفادة بها , ومن ثم توفير
الدولة بتمويلها و بمكافأة القائمين بها من خلال نظام براءات الاختراع و توفير
الحماية القانونية لها .
أما عن الوفورات السلبية فمن
أمثلتها إلقاء المخلفات في الطبيعة التي تستلزم زيادة التكاليف نتيجة عمليات
التطهير اللازمة .
ومن الوفورات السلبية – إقامة مصانع القمامة التي تحقق أضرار
بالبيئة المحيطة بها , والبيئة تعتبر بالمفهوم الواسع ما لا عاما تلتزم الدولة
بحمايته .
ثالثا : انتفاء عنصر
المنافسة وعدم القدرة على استبعاد من لا يدفع مقابل الخدمة :
Non Rival Consumption
&Non exclusion
تتميز بعض الخدمات التي يجب على الدولة
أن تقوم بها ويصعب التخلي عنها للقطاع
الخاص
بخاصية الاستهلاك غير التنافسي وعدم القدرة على
استبعاد من لا يدفع مقابل الاستهلاك أو الفائدة .
وتتوفر خاصية الاستهلاك غير التنافسي
عندما لا يقلل استهلاك البعض من قدرة الآخرين على استهلاك ذات الخدمة .
و تتوفر خاصية عدم القدرة على استبعاد
من لا يدفع مقابل الاستفادة من الخدمة عندما يستطيع كل مقيم داخل الدولة الاستفادة
من الخدمة و يستوي في ذلك من يدفع مقابل الاستفادة و من لا يدفع هذا المقابل .
ومن أمثلة ذلك استفادة المقيمين داخل
الدولة من إقامة الجسور و الطرق و السدود وإنارة الشوارع وخدمات الدفاع و العدالة
.
مثل هذه الخدمات تتسم بصفة عامة بأن
تقديمها إلى مستهلك إضافي لا يكلف شيئا أو لا يكلف كثيرا , ولذلك يكون من مصلحة
المجتمع تعميم الاستفادة منها إلى أقصى قدر ممكن ولو دون دفع مقابل الاستفادة حيث
تكون تكلفتها الحدية مساوية للصفر أو قريبة من الصفر .
و
تعتبر مثل هذه الخدمات ضرورية للمستهلك و يصعب توفير البديل لها حيث يكون مرتفع
التكلفة (4) . وتسمى هذه الأموال بالأموال العامة .
أهداف
الأنشطة التي تقوم بها الدولة :
يعتبر توفير الخدمات الأساسية للمجتمع
هو مبرر وجود الدولة , وقد صاحب ذلك جميع المجتمعات الإنسانية , حيث قامت السلطات السياسية بتوفير الحد
الأدنى من الخدمات الأساسية اللازمة لحفظ المجتمع وحمايته , بالإضافة إلى تدخل
الدولة لتوفير عدد من الخدمات الأساسية اللازمة للمجتمع .
و الدولة ببعض الأنشطة لأسباب التي سبق
إيضاحها و أيضا لتحقيق أهداف أخرى و أهمها تصحيح انحرافات السوق , حيث قد يؤدي
نظام السوق و المنافسة إلى سوء تخصيص الموارد , و إلى سوء توزيع الدخل , كما قد
يؤدي إلى عدم التوازن الهيكلي , وقد لا تستطيع قوى السوق أن تصحح نفسها , ومن ثم
يجب أن تتدخل الدولة لتحقيق هذه الأهداف , وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي :
أولا
: التخصيص الأفضل للموارد .
ثانيا
: إعادة توزيع الدخل .
ثالثا
: تحقيق الاستقرار الاقتصادي .
أولا
: التخصيص الأفضل للموارد :
عرفنا أن بعض السلع و الخدمات تتميز
بانتفاء عنصر المنافسة بين المستهلكين أو عدم القدرة على استبعاد من لا يدفع مقابل
الخدمة أو السلعة , ومثل هذه السلع والخدمات إذا ما تركت للقطاع الخاص و حساب
التكلفة / الربحية لن يقدم على إنتاجها , ولما كانت مثل هذه السلع و الخدمات
ضرورية للمجتمع و يرتبط بعضها بالبنية الأساسية للدولة فيجب على الدولة أن تتخذ
قراراتها المتعلقة بتخصيص الموارد و إنتاجها و من ثم فإن مقتضيات التخصيص الأمثل للموارد تستلزم قيام
الدولة بإنتاج هذه النوعية من السلع و الخدمات .
يتوقف اختيار حجم ونوعية هذه السلع و
الخدمات على طبيعة الأهداف المتوخاة من السياسة الاقتصادية و الاجتماعية للدولة .
ثانيا
: إعادة توزيع الدخل :
تعني عملية إعادة توزيع الدخل بواسطة
الدولة , كل التعديلات التي تدخل على الدخول النقدية و الدخول العينية و يتحقق ذلك
إما عن طريق السياسة المالية:
الضرائب
وخاصة الضرائب التصاعدية و الإعانات , و إما
عن طريق توزيع الخدمات و السلع بالمجان أو بسعر
أقل من سعر السوق , وسعر السوق يعني السعر الذي يتضمن التكلفة بالإضافة إلى هامش
ربح وإما عن طريق تدخل الدولة بسياسة تسعير بعض المنتجات وبيعها بأقل من السعر
الاقتصادي , ومن أمثلة ذلك الخبز و السلع التي توزع بنظام البطاقات في بعض الدول .
ولا شك أن إبعاد الدولة لتحقيق هذا الهدف
يعني تجاهل البعد الاجتماعي تحت دعوى أن السوق ينظم نفسه بنفسه , وأن كل فرد يأخذ
بحسب إنتاجيته وهذه أوهام ستؤدي إلى تدمير الاستقرار الاجتماعي , ومن ثم يجب على
الدولة أن تتدخل لتحقيق إعادة توزيع الدخل لوضع الأفراد في مأمن ضد الفقر و المرض
و البطالة .
ثالثا
: تحقيق الاستقرار الاقتصادي :
يؤدي نظام السوق إلى عدم توازنات هيكلية
( بطالة – انكماش – تضخم ) وذلك من مظاهر فشل أو انحراف السوق الذي يحتاج إلى تدخل
الدولة لتصحيح هذه الانحرافات لتجنب الآثار السيئة على الهيكل الاقتصادي الكلي .
تستخدم الدولة عدة سياسات لتحقيق
الاستقرار الاقتصادي , ففي حالة التضخم قد تلجأ الدولة إلى الحد من الإنفاق العام
و إلى زيادة عبء الضرائب , وكثيرا ما تعجز الدولة عن ضغط الإنفاق العام لذلك تلجأ
ترشيده , وعادة ما تكون الضرائب وسيلة أكثر سهولة للالتجاء إليها في حالات التضخم
, أما في حالات الانكماش , تستطيع الدولة بسهولة أن تزيد من حجم الإنفاق العام و
تقلل من حجم الضرائب .
كما تسعى الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي
من خلال معالجة مشكلة البطالة و إيجاد فرص العمل بما يتناسب مع نوعية البطالة
السائدة و تحديد الحد الأدنى للأجور لضمان مستوى ملائم لدخول الطبقة العاملة .
وكذلك تعمل الدولة على تحقيق التوازن
بين النتائج القومي من السلع و الخدمات وما يقابله من تيار نقدي للسيطرة على مشكلة
التضخم .
ولقد استقر الفقه على أهمية هذه الأهداف
و إن اختلف حول مضمون بعض الأنشطة المتعلقة بإنتاج السلع و الخدمات المحققة لها ,
و يرتبط ذلك بمشكلة تخصيص الموارد بين القطاع و القطاع الخاص , وتحديد الموارد
المخصصة للقطاع العام يقتضي الفهم الكامل للطرق و الأدوات التي يستخدمها القطاع
الخاص لتخصيص الموارد و ذلك من خلال فحص علاقات التبادل بين المنتج و المستهلك ,
تلك العلاقات التي تعطي دلالات لما يستطيع القطاع الخاص أن ينتجه وما لا يستطيع ,
ومن ثم يقوم القطاع العام بإنتاجه .
مجالات
الأنشطة التي تقوم بها الدولة :
في مجال سياسة الخوصصة , يجمع الكثير من
الاقتصاديين على أن هناك أنشطة يجب أن يختص بها القطاع العام بصفة أساسية أو على
نحو يكون له فيها السيطرة , تلك المجالات تتمثل فيما يلي (5):
أ
. الأنشطة المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية .
ب
. المشروعات التي تمثل احتكار طبيعيا مثل : السكك الحديدية , الاتصالات السلكية
واللاسلكية و المياه ,... إلخ .
ج.
الصناعات الأساسية ذات التكلفة الرأسمالية العالية و المخاطرة الكبيرة مثل :
صناعات الحديد و الصلب و الألمنيوم و الكيماويات الثقيلة.
د.
المشروعات والمرافق التي تقوم بإنتاج وتقديم سلع وخدمات محققة لأهداف اجتماعية
ووفورات خارجية يصعب تقييمها ماليا مثل : التعليم الأساسي , الرعاية الصحية
الأولية , السكن الاجتماعي بعض طرق الموصلات.
هـ.
الأنشطة التي تترتب عنها نتائج اجتماعية أو سياسية أو تحقق أهدافا اجتماعية سياسية
.
وهناك أنشطة أخرى تعتبر محل تنافس بين القطاع العام و الخاص مثل : نشاط
المصارف و التأمين و أنشطة الاستيراد و التصدير .
وبعيدا عن المبررات النظرية لتدخل الدولة
, فإن الواقع يثبت أن هناك أنشطة يجب أن تقوم بها الدولة لعدم صلاحية أو قدرة
القطاع الخاص على القيام بها لاعتبارات متعددة. وهناك أنشطة يمكن أن يقوم بها
القطاع الخاص ولكن لاعتبارات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية يجب أن تشارك الدولة
في تحقيقها و الرقابة عليها , ولا توجد معايير واضحة للتفرقة بين هذه المجالات و
إنما يتوقف الاختيار على الظروف التاريخية الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي
لكل دولة .
ولقد
أوضح التاريخ الاقتصادي في كل بلاد العالم تقريبا أن الدولة لعبت دورا هاما في
تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال ما حققته الحكومات من التحسين في مجال التعليم
ومجال الصحة و الحد من التفاوت الاجتماعي بين الطبقات ومن ثم , أيا كانت مبررات
سياسية الخوصصة ومهما ساهم القطاع الخاص في مجال التعليم و الصحة يجب أن تبقى
الدولة إلى جانب القطاع الخاص في هذه المجالات تحقيقا لاعتبارات العدالة
الاجتماعية وضمان نشر التعليم و الرعاية الصحية لذوي الدخول المحدود , وضمان
الرقابة و السيطرة على القطاع الخاص في تأديته لهذه الخدمات.
وكذلك عندما لا يصلح نضام السوق كما هو الحال بالنسبة إلى
معظم السلع و الخدمات العامة كإنشاء خطوط السلك الحديدية أو الطرق الريفية و
الإمداد بالمياه الصالحة للشرب و الصرف الصحي مثل هذه الخدمات تقوم بها الدولة مع
إمكانية إسناد الخدمات الملحقة بها للقطاع الخاص .
وهناك قطاعات أخرى يمكن للقطاع الخاص أن
يقوم بها كاملا بدون حاجة إلى تدخل الدولة و مع
ذلك لاعتبارات اجتماعية و اقتصادية تقوم الدولة بالمساهمة إلى جانب القطاع
الخاص في تقديم الخدمة وذلك مثل عمليات بناء المساكن لذوي الدخول المحدودة .
وفيما يلي قائمة للأنشطة التي يجب على
الدولة المساهمة فيها (6)
أولا
: إنشاء خطوط السلك الحديدية و إنشاء الطرق .
من المعروف أن إنشاء السكك الحديدية و
الطرق من أهم عناصر البنية الأساسية للمجتمع ومن أهم العوامل التي تساهم في تحقيق
تنمية الاقتصادية , كما أن هذه المرافق من أكثر المرافق تحقيقا للوفورات الخارجية
الإيجابية التي لا يمكن تقييمها ماليا , و إنشاء هذه المرافق يستلزم نفقات ضخمة لا
يستطيع القطاع تحملها و استهلاك تكلفتها يستغرق سنوات طويلة كما أن مثل هذه
المرافق لا تحتمل المنافسة , حيث لا يتصور وجود أكثر من خط سكة حديدية في منطقة
واحدة.
لكن
يمكن أن تستند عمليات تسيير القطاعات الخاص حتى نضمن خدمة أحسن و بتسعيرة معقولة ,
وإذا كان هذا النظام يؤدي إلى أن الدولة تتحمل تكاليف الإنشاء , ثم يقوم القطاع
الخاص بتحصيل الأرباح , ولذلك يجب تطبيق نظام ضريبي كفيل بتعويض الدولة عن منشآتها
.
ثانيا
: الإمداد بالمياه و الصرف الصحي :
خدمات توفير المياه الصالحة للشرب و
الصرف الصحي من الخدمات التي تحتاج إلى الاحتكار الطبيعي حيث لا تحتمل المنافسة
ونقصد في هذا المجال خدمات الإمداد بشبكات المياه و الصرف الصحي ,أما الخدمات
الخاصة بتوفير عدادات المحاسبة و التحصيل و الصيانة فيمكن إسنادها للقطاع الخاص .
ثالثا
: توليد الكهرباء :
صناعات توليد الكهرباء و نقلها و توزيعها
من الصناعات التي تستفيد من اقتصاديات الحجم الكبير , ولذلك تستلزم أن يتم الإنتاج
في ظل الاحتكار الطبيعي .
غير
أن ذلك لا يمنع من مساهمة القطاع الخاص فيمكن مثلا للقطاع الخاص القيام بعمليات
التوليد على أن تتولى الهيئة العامة للكهرباء شراء الطاقة من محطات التوليد الخاصة
ثم القيام بعمليات التوزيع .
رابعا
: التعليم :
يلعب التدخل الحكومي في التعليم دورا
هاما في تقليل عدم المساواة بين المواطنين , فهو يفتح الطريق أمام الفقراء و
المحرومين و الدولة هي الأكثر قدرة على التخصيص الفعال للموارد في هذا القطاع.
و
باعتبار أن التعليم هو أهم عناصر تكوين الهيكل الاقتصادي الكلي ومن أكثر الأنشطة
تحقيق للوفورات الخارجية الإيجابية فتكون الدولة هي القادرة على إشباع احتياجات
المجتمع بعيدا عن اعتبارات الربحية الفردية و العائد المباشر .
خامسا
: قطاع الصحة :
رغم أن هذا القطاع يعتبر من القطاعات
الغير خاضعة للاحتكار الطبيعي أي يمكن ممارستها في ظل المنافسة , إلا أن دور
الدولة يبقى أكثر من ضروري في هذا المجال لما يمثله من أهمية في حياة أفراد
المجتمع و يبقى تدخل الدولة في هذا الدولة عديدة في أوربا حيث يشمل هذا النظام
99.9 % من القادرين على العمل في فرنسا أما التأمين الصحي فيشمل كافة
أفراد الشعب الياباني و العلاج مجاني بالكامل .
/
- العولمة و التوجه نحو تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية :
جاءت العولمة لتفرض على الدولة نمطا
جديدا في إدارة الحياة الاقتصادية وذلك من خلال انسحاب الدولة من مجال الاقتصاد و
فسح المجال أمام القطاع الخاص ليلعب دوره كمنشط للإطار الاقتصادي العام و اكتفاء
الحكومات بتوفير الجو الملائم لهذا النشاط .
دور
الدولة الحديثة و النماذج المطبعة في الدولة الرأسمالية
.
تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي تحت
إما ضغوط ظرفية كتلك التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية في الدولة الأوربية و
اليابان أو تحت ضغوط هيكلية كما حدث للبلدان النامية بعد الاستقلال .
وتستهدف
الدولة في الحالة الأولى تحقيق الاستقرار الاقتصادي و النمو و العدالة الاجتماعية
... ولكنها تستهدف ما هو أبعد من ذلك في
الحالة الثانية فالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية تتطلب تغييرا جذريا و
إرادة شعبية وتخطيطا جيدا .
وبصفة
عامة قد يأخذ التدخل الحكومي شكل التوجيه و التنظيم و التشجيع باستخدام مختلف
أدوات السياسات الاقتصادية و المالية و النقدية و السعرية , بحيث تتحكم في إطار
العام الذي يمارس من خلاله القطاع الخاص نشاطاته المتعددة .
وتتراوح
التدخل الحكومي في المجال الاقتصادي بين الأشكال التالية مع الإشارة إلى إمكانية
الجمع بين أكثر من شكل منها .
1-
توفير الرأسمال الأساسي بما في ذلك القانون و النظام في المجتمع , أي تحديد
الالتزامات القانونية و التعاقدية و تنفيذها و إقامة التسهيلات التعليمية و الصحية
و الرفاه الاجتماعي و القيام بالوظائف العسكرية و الدفاعية .
2-
توفير البنية الاقتصادية الارتكازية مثل :
المصارف و التسهيلات النقدية و المالية,
الطرق العامة و شبكات الخطوط الحديدية , والمرافق العامة الأخرى كالماء و الكهرباء
و الهاتف.
3- تطبيق رقابات مباشرة أو غير مباشرة من خلال إجراءات
متنوعة مثل التعرفة الجمركية و الضرائب و الدعم و تقنين السلع و الائتمان و
الرقابة على الأسعار ..
4- إقامة مشروعات تتراوح بين إدارة بعض الصناعات أو بعض
المشروعات العالمة في صناعات مختلفة أو الملكية العامة لبعض أو كل وسائل الإنتاج .
5- التخطيط المركزي الذي قد يشتمل على تركيز كامل أو
جزئي في عملية صنع القرار الاقتصادي في مجلس تخطيط قومي مركزي .
و إذا نظرنا إلى الدولة التي تسير وفق نظام اقتصادي
يعتمد على آليات السوق فإننا نراها (7) :
1- تشترك فيما بينها من حيث الجوهر , بقانونها الأساسي
القائم على أولوية المجال الاقتصادي الذي يخضع لمقتضياته كل المجالات الأخرى ,
اعتمادا على فكرة أن الاقتصاد هو الذي يحدد قوة الدولة و مكانتها في ساحة العلاقات
الدولية .
2- وتختلف طرق تطبيقها لآليات السوق عن الرأسمالية
النظرية المثالية اختلافا كبيرا بحسب الشروط التاريخية لنشأتها و الاختلاف ليس فقط
في المنظومة الكلية بل أيضا من حيث المنظومات الاقتصادية الجزئية .
إذا تختلف فيما بينها من حيث مدى وشكل تدخل الدولة في
الإدارة الاقتصاد وضبط علاقات السوق , ومن حيث اضطلاعها بمسؤولية ضمان شروط تطوير
العمل الاقتصادي و الاجتماعي كإقامة البنى الهيكلية و تنظيم و تمويل البحوث العلمية و التعليم و التأهيل و خدمات الضمان
الاجتماعي ويمكن التمييز بين (
الأشكال التالية بحسب تصنيف المنظر الفرنسي : ROBERT POYER :
(1) : الدكتور ماهر ظاهر بطرس – دور الدولة في ظل
اقتصاديات السوق – دار النهضة العربية - , القاهرة , 1993 , ص .56
(2) : الدكتور ظاهر ماهر بطرس – مرجع سابق – ص . 63
.
(3) : الدكتور سيدي عبد المولي – المالية العامة
المصرية – دار النهضة العربية – 1993 – ص . 10 , 11 .
(4) : مصطفى رشدي شيحة – الإقتصاد العام للرفاهية –
دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية ص . 125 .
(5) : الدكتور ماهر ظاهر بطرس – مرجع سابق – ص . 85
.
(6) : الدكتور ماهر ظاهر بطرس – مرجع سابق - ص . 19 .
(7) : نفس الموقع السابق .
( : نفس الموقع السابق .
:
عندما كان الأمر يتعلق بدراسة دور الدولة ,
كان ذلك يثار بمناسبة دراسة الحريات العامة و الدستورية , وما كان يثور نقاش حول
الموضوعات الاقتصادية كان يرتبط بتحليل وظائف اقتصاديات السيادة و متطلباتها ,
بهدف تحديد دور وحدود تصرفات الدولة .
وفي خلال القرنين السابع و الثامن عشر ساد
الاعتقاد بأن المصلحة الخاصة الفردية هي
تعبير عن مصلحة المجتمع , و المجتمع هو الدولة ن و
الفرد عندما يسعى إلى تحقيق مصلحته الخاصة و هي الربح في إطار المنافسة الحرة فهو
يحقق في ذات الوقت مصلحة المجتمع .
وفي منتصف القرن الثامن عشر ظهرت مدرسة
الطبيعيون في فرنسا , و كانت المدرسة ترى القوانين التي تحكم كافة مظاهر الحياة
الاقتصادية تقوم على مبدأين هما : المنفعة الشخصية و المنافسة . فالأولى تؤدي إلى
تحقيق المنفعة الجماعية و الثانية تؤدي إلى زيادة معدلات الإنتاج .
وبعد ذلك نادى الطبيعيون بضرورة ترك النشاط
الاقتصادي حرا و على الدولة أن تمتنع عن التدخل في الحياة الاقتصادية وكانت
عبارتهم المشهورة :
"
دعه يعمل دعه يمر " .
ثم ظهرت بعد ذلك المدرسة الكلاسيكية في
إنجلترا التي نادت بابتعاد الدولة عن الحياة الاقتصادية و بأن تدخلها يعوق جهاز
المنافسة و الأثمان المحقق للتوازن الاقتصادي التلقائي , ودور الدولة يكون مقصورا
على حماية الأمن في الداخل و الخارج , و تحقيق العدالة .
غير أن الأزمات التي عرفتها الرأسمالية بدءا
من عام 1901 إلى غاية أزمة 1929 التي كانت الأكثر حدة , دفعت كينز إلى إصدار كتابة
" النظرية العامة " و الذي دعا من خلاله الدولة إلى ضرورة التدخل لسد
العجز الذي أحدثه الأفراد و المشروعات الخاصة نتيجة حذرهم الشديد في نفقاتهم على
الاستهلاك و الاستثمار.
وقد دفع هذا معظم الدول الرأسمالية إلى التدخل في الحياة الاقتصادية من
أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي , ففي بريطانيا قامت الحكومة بمنح معونات للتخفيف
من آثار البطالة و الفقر , كما تدخلت في الأسواق بمراقبة الأسعار , وفي ألمانيا
نفذت الحكومة برامج ضخمة في الأشغال العمومية و البنية الأساسية , وفي فرنسا كما
في بريطانيا قامت الحكومة بتأميم الكثير من الشركات و المؤسسات المصرفية و قطاعات
المناجم و الغاز و الكهرباء .
ومع الأزمة الاقتصادية لعام 1971 نتيجة
المضاربة ضد الدولار تعالت الأصوات بضرورة تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية
, و ازداد هذا الطرح قوة مع تولي حزب المحافظين و الرئيس ريجال مقاليد السلطة في
بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية . حيث شرعت بريطانيا في عهد تاتشر في
برنامج خوصصة واسع مس جميع القطاعات بما في ذلك الإستراتيجية , مما أدى إلى ارتفاع
معدلات النمو الاقتصادية إلى مستويات قياسية .
ومع اشتداد تيار العولمة ازداد ضغط
المؤسسات الدولية على الحكومات بضرورة الانسحاب من الحياة الاقتصادية و فسح المجال
أمام القطاع الخاص ليلعب دوره في تحقيق التوازن الاقتصادي , غير أن ذلك لا يعني
انتفاء دور الدولة بصورة نهائية إذا يبقى لها هامش للتحرك من أجل ضبط الأمور في
حال انحرافها عن مسارها الطبيعي .
فإذن يغدو تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي
مسألة مفروغا منها في النظام الرأسمالي بالذات , إنما تطرح القضية على الشكل التالي
:
كيف يتحقق هذا التدخل ؟ ما هي ضروراته أو
موجباته ؟ وهل هو استكمال آليات السوق أم للحلول محلها ؟
1 –
دور الدولة في ظل الأنظمة الرأسمالية :
قبل نهاية القرن العشرين حسم الجدول بين
المذهبين الرأسمالي و الاشتراكي لا ليحل أحدهما محل الآخر , وإنما لينجح كلاهما في
الاستفادة من تجارب الآخر , فأخذت النظم
الرأسمالية من النظم الاشتراكية , تحت ظروف الأزمات الاقتصادية و الحروب , إجراءات
تهدف إلى تحقيق العدالة و المساواة , و تدخلت الدولة في مجالات اقتصادية كانت من
صميم أعمال القطاع الخاص , واتسع مجال القطاع العام في كثير من الأنشطة .
خصائص
الأنشطة التي تقوم بها الدولة :
تؤدي قواعد و آليات السوق إلى تخصيص الموارد
نتيجة تفاعل قوى العرض و الطلب و الأثمان
الناتجة من هذا التفاعل و المحددة لمعدل الربحية و من ثم فإن القاعدة
المحددة لسلوك القطاع الخاص هي معدل الربحية المتوقع عند مستوى الأثمان السائدة و
المتوقعة .
أما الاقتصاد العام أي الأنشطة التي تقوم
بها الدولة لإنتاج السلع و الخدمات ", فيخضع كثير منها لقواعد حساب اقتصادي
قد تختلف كثيرا عن قواعد الحساب الاقتصادي التي تحكم سلوك القطاع الخاص .
حيث تخضع بعض القرارات العامة الخاصة
بالإنتاج لاعتبارات الكفاءة الإنتاجية " المقارنة بين التكلفة / الربح "
و أحوال أخرى تبتعد عن المعايير الاقتصادية تحقيقا لأهداف اجتماعية كإعادة توزيع
الدخل و إشباع حاجات إنسانية بأقل من تكلفتها الحقيقية(1)
.
كما تخضع كثير من القرارات العامة الخاصة
بالإنتاج لمعايير اجتماعية تهتم بالعوائد المباشرة , المادية و غير المادية ,
وتهدف إلى تحقيق التوازن بين المصالح المتناقضة .
ولكن هناك بعض السلع و الخدمات لا يصلح نظام
السوق و المنافسة لإشباعها نظرا لما تتسم به من خصائص تحول دون صلاحية هذا النظام
لإشباعها, حيث توجد بعض السلع و الخدمات تقتضي الاحتكار لإشباعها و من ثم يمكن
للمحتكر التحكم في سعرها في غير صالح المستهلك , وبعض السلع و الخدمات تحقق و
فورات خارجية إيجابية أو سلبية لا يستطيع المنتج الفرد أن يدخلها في حساب التكلفة أو
الربح . وسلع وخدمات أخرى لا يمكن استبعاد من لا يدفع مقابل الخدمة للاستفادة منها
. و مثل هذه الأنواع يجب أن تقوم الدولة بإشباعها , وسوف نتناول ذلك فيما يلي :
أولا
: حالة الاحتكار .
ثانيا
: حالة الوفورات الخارجية .
ثالثا
: حالة انتقاء عنصر المنافسة و عدم القدرة على الاستبعاد من لا يدفع مقابل الخدمة
.
أولا
: الاحتكار :
تحتاج بعض السلع و الخدمات إلى أن يتم
إنتاجها في إطار ما يسمى بالاحتكار الطبيعي Natural Monopoly حيث لا يصلح نظام المنافسة في إطار السوق لإنتاجها .
ومن المعلوم أن شرط الكفاءة الاقتصادية يتحقق عندما تحدث المساواة بين
التكلفة الحدية و المنفعة الحدية ويتطلب ذلك توافر شرط المنافسة الكاملة , أما
حالة الاحتكار فهي تفتقد هذا الشرط , ويتحقق التوازن لدى المنشأة حينما يتعادل
الإيراد الحدي مع التكلفة الحدية وذلك في ظل المنافسة , في حين أنه في حالة
الاحتكار غالبا ما يتوقف المحتكر عن الإنتاج عندما تكون النفقة المتوسطة عند حدها
الأدنى مما يعني إمكانية وجود موارد معطلة.
ومن أمثلة هذه الحالات شبكات المياه والصرف الصحي و شبكات توليد الكهرباء ,
حيث لا يمكن تصور وجود أكثر من شبكة في مدينة واحدة لإنتاج هذه السلع أو تلك
الخدمات.
وإذا كان من الضروري تركيز الإنتاج في إطار منشأة واحدة لتعظيم الاستفادة
من ظاهرة اقتصاد الوفرة فيجب أن تكون هذه المنشأة مملوكة للدولة أو على الأقل
خاضعة لسيطرة و إشراف الدولة , خاصة أن مثل هذه الخدمات تتسم بما يلي.(2)
-
تحتاج المشروعات التي تقدم مثل هذه الخدمات إلى استثمارات ثابتة و مرتفعة, فضلا عن
كونها المحرك الأساسي لعملية التنمية.
-
انخفاض التكلفة الحدية للوحدات الإضافية من الإنتاج , ويرجع ذلك إلى أنه في حالة
الاحتكار لا تتوافر لعوامل الإنتاج حرية الاختيار و حرية الدخول في الصناعة, و
ينفرد المشروع المحتكر بعرض السلعة أو الخدمة .
ويستطيع
المنتج أن يحقق أقصى ربح حينما تكون النفقة المتوسطة عند حدها الأدنى , ويسعى
تحقيقا لهذا الغرض إلى خفض الإنتاج إلى أدنى حد ممكن ورفع الثمن إلى أقصى مستوى
ممكن , ويترتب عن هذا المسلك أن ينتج المشروع المحتكر كمية أقل من تلك التي يتحقق
عندها التساوي بين النفقة الحدية و الإيراد الحدي , الأمر الذي ينجم عنه زيادة
الندرة الاقتصادية للموارد و ليس الإقلال منها.
ثانيا
: الوفورات الخارجية :
تتحد اتجاهات القطاع الخاص الاستثماري
في مجال معين بعد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع , و تركز دراسات الجدوى على
المقارنة بين العائد و التكلفة وفقا لحالة السوق السائد و المتوقعة , ومعيار
الربحية المالية هو المعيار الأساسي لاتخاذ القطاع الخاص قراراته الاستثمارية ,
والتي على أساسها يتحقق تخصيص عناصر الإنتاج المختلفة بين الاستخدامات المتاحة في
السوق(3)
أما بالنسبة إلى قرارات الدولة بإنشاء
مشروع عام أو الاستثمار في مجال معين فهي و إن كانت تهتم عند دراسة جدواها
الاقتصادية بالربحية المالية , إلا أن هذا الهدف لا يعتبر الهدف الأساسي من
المشروع , و لكن غالبا ما يكون الهدف اجتماعي من خلال المقارنة بين التكلفة و
العائد الاجتماعي .
ومن ثم نلاحظ أن الدولة تقوم بإنتاج سلع
و خدمات تعتبر ضرورية للاقتصاد القومي على الرغم من أن معدل ربحيتها المالي قد
يكون أقل بكثير من التكلفة المالية و ذلك لما تحققه من وفورات اجتماعية مرتفعة وهو
ما يسمى بالوفورات الخارجية .
و يقصد بالوفورات الخارجية الآثار
الاقتصادية التي تلحق إحدى الوحدات الاقتصادية نتيجة تصرف اقتصادي قامت به وحدة
اقتصادية أخرى لا يسجلها اقتصاد السوق ,و هذا الأمر هو الذي يؤدي إلى اختلاف
المنفعة و النفقة الخاصتين عن المنفعة و النفقة الاجتماعيتين .
و الوفورات الخارجية قد تكون موجبة وقد تكون
سالبة
ومن أمثلة الوفورات الموجبة ما قد يترتب على
مدى خط سكة حديد إلى منطقة نائية من تعمير لهذه المنطقة , و بالتالي من إمكانية
قيام مشروعات جديدة بها , تستطيع أن تستفيد من خدمات هذا الخط الحديدي دون أن
تتحمل نفقات إقامته و تشغيله , ومن ذلك يتضح أن الربح الاجتماعي الذي يعود على
المجتمع بأسره من إقامة خط السكك الحديدية يفوق الربح الفردي الذي يعود على
المشروع الذي أقام هذا الخط الحديدي دون أن تتحمل نفقات إقامته و تشغيله , وتكون
بالتالي النفقة الاجتماعية " النفقة التي تحملها المجتمع
بأسره أقل من النفقة الخاصة , ولهذا السبب لا يستطيع القطاع الخاص إقامة مثل هذه
المشروعات ذات الوفورات الخارجية الموجبة , كما لا يستطيع تحصيل مقابل ما يحصل
عليه الآخرون من مزايا " الوفورات الخارجية " , ومن ثم يفشل نظام السوق
في تحقيق التخصيص الأمثل لعناصر الإنتاج في مثل هذه الحالات , وينجح في تحقيق
التخصيص الأمثل لعناصر الإنتاج عندما يستطيع تحميل الآخرين مقابل الاستفادة من
الوفورات الخارجية .
ومن الأمثلة المعروفة أيضا حالات إنشاء الطرق الكبرى و
الأنفاق , حيث يجب أن تقوم الدولة بإنشائها وتمويل , وقد يمكن تصور إمكانية
إسنادها إلى القطاع الخاص و تحصيل رسوم مقابل الاستخدام مثلما هو معروف من حالات
تقاضي رسوم مرور في بعض الطرق , و لكن كما هو معلوم أنه في حالة إسناد هذه
العمليات إلى القطاع الخاص , معنى ذلك أن هذه الرسوم يجب أن تتلاءم مع التكلفة
الحدية الإنشاء . هذا ما يؤدي إلى ارتفاع قيمة الرسوم إلى الحد الذي يعرقل حركة
المرور بالبحث عن طرق بديلة , ومن ثم تصبح هذه الوسيلة عديمة الفاعلية.
و أيضا من الأمثلة المعروفة و المحققة للوفورات الخارجية
البحوث التي تعكس فوائدها على المجتمع كله , فإذا ما تركت للقطاع الخاص لن تجد من
يقبل على القيام بها لأنه يفشل في تحصيل مقابل الاستفادة بها , ومن ثم توفير
الدولة بتمويلها و بمكافأة القائمين بها من خلال نظام براءات الاختراع و توفير
الحماية القانونية لها .
أما عن الوفورات السلبية فمن
أمثلتها إلقاء المخلفات في الطبيعة التي تستلزم زيادة التكاليف نتيجة عمليات
التطهير اللازمة .
ومن الوفورات السلبية – إقامة مصانع القمامة التي تحقق أضرار
بالبيئة المحيطة بها , والبيئة تعتبر بالمفهوم الواسع ما لا عاما تلتزم الدولة
بحمايته .
ثالثا : انتفاء عنصر
المنافسة وعدم القدرة على استبعاد من لا يدفع مقابل الخدمة :
Non Rival Consumption
&Non exclusion
تتميز بعض الخدمات التي يجب على الدولة
أن تقوم بها ويصعب التخلي عنها للقطاع
الخاص
بخاصية الاستهلاك غير التنافسي وعدم القدرة على
استبعاد من لا يدفع مقابل الاستهلاك أو الفائدة .
وتتوفر خاصية الاستهلاك غير التنافسي
عندما لا يقلل استهلاك البعض من قدرة الآخرين على استهلاك ذات الخدمة .
و تتوفر خاصية عدم القدرة على استبعاد
من لا يدفع مقابل الاستفادة من الخدمة عندما يستطيع كل مقيم داخل الدولة الاستفادة
من الخدمة و يستوي في ذلك من يدفع مقابل الاستفادة و من لا يدفع هذا المقابل .
ومن أمثلة ذلك استفادة المقيمين داخل
الدولة من إقامة الجسور و الطرق و السدود وإنارة الشوارع وخدمات الدفاع و العدالة
.
مثل هذه الخدمات تتسم بصفة عامة بأن
تقديمها إلى مستهلك إضافي لا يكلف شيئا أو لا يكلف كثيرا , ولذلك يكون من مصلحة
المجتمع تعميم الاستفادة منها إلى أقصى قدر ممكن ولو دون دفع مقابل الاستفادة حيث
تكون تكلفتها الحدية مساوية للصفر أو قريبة من الصفر .
و
تعتبر مثل هذه الخدمات ضرورية للمستهلك و يصعب توفير البديل لها حيث يكون مرتفع
التكلفة (4) . وتسمى هذه الأموال بالأموال العامة .
أهداف
الأنشطة التي تقوم بها الدولة :
يعتبر توفير الخدمات الأساسية للمجتمع
هو مبرر وجود الدولة , وقد صاحب ذلك جميع المجتمعات الإنسانية , حيث قامت السلطات السياسية بتوفير الحد
الأدنى من الخدمات الأساسية اللازمة لحفظ المجتمع وحمايته , بالإضافة إلى تدخل
الدولة لتوفير عدد من الخدمات الأساسية اللازمة للمجتمع .
و الدولة ببعض الأنشطة لأسباب التي سبق
إيضاحها و أيضا لتحقيق أهداف أخرى و أهمها تصحيح انحرافات السوق , حيث قد يؤدي
نظام السوق و المنافسة إلى سوء تخصيص الموارد , و إلى سوء توزيع الدخل , كما قد
يؤدي إلى عدم التوازن الهيكلي , وقد لا تستطيع قوى السوق أن تصحح نفسها , ومن ثم
يجب أن تتدخل الدولة لتحقيق هذه الأهداف , وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي :
أولا
: التخصيص الأفضل للموارد .
ثانيا
: إعادة توزيع الدخل .
ثالثا
: تحقيق الاستقرار الاقتصادي .
أولا
: التخصيص الأفضل للموارد :
عرفنا أن بعض السلع و الخدمات تتميز
بانتفاء عنصر المنافسة بين المستهلكين أو عدم القدرة على استبعاد من لا يدفع مقابل
الخدمة أو السلعة , ومثل هذه السلع والخدمات إذا ما تركت للقطاع الخاص و حساب
التكلفة / الربحية لن يقدم على إنتاجها , ولما كانت مثل هذه السلع و الخدمات
ضرورية للمجتمع و يرتبط بعضها بالبنية الأساسية للدولة فيجب على الدولة أن تتخذ
قراراتها المتعلقة بتخصيص الموارد و إنتاجها و من ثم فإن مقتضيات التخصيص الأمثل للموارد تستلزم قيام
الدولة بإنتاج هذه النوعية من السلع و الخدمات .
يتوقف اختيار حجم ونوعية هذه السلع و
الخدمات على طبيعة الأهداف المتوخاة من السياسة الاقتصادية و الاجتماعية للدولة .
ثانيا
: إعادة توزيع الدخل :
تعني عملية إعادة توزيع الدخل بواسطة
الدولة , كل التعديلات التي تدخل على الدخول النقدية و الدخول العينية و يتحقق ذلك
إما عن طريق السياسة المالية:
الضرائب
وخاصة الضرائب التصاعدية و الإعانات , و إما
عن طريق توزيع الخدمات و السلع بالمجان أو بسعر
أقل من سعر السوق , وسعر السوق يعني السعر الذي يتضمن التكلفة بالإضافة إلى هامش
ربح وإما عن طريق تدخل الدولة بسياسة تسعير بعض المنتجات وبيعها بأقل من السعر
الاقتصادي , ومن أمثلة ذلك الخبز و السلع التي توزع بنظام البطاقات في بعض الدول .
ولا شك أن إبعاد الدولة لتحقيق هذا الهدف
يعني تجاهل البعد الاجتماعي تحت دعوى أن السوق ينظم نفسه بنفسه , وأن كل فرد يأخذ
بحسب إنتاجيته وهذه أوهام ستؤدي إلى تدمير الاستقرار الاجتماعي , ومن ثم يجب على
الدولة أن تتدخل لتحقيق إعادة توزيع الدخل لوضع الأفراد في مأمن ضد الفقر و المرض
و البطالة .
ثالثا
: تحقيق الاستقرار الاقتصادي :
يؤدي نظام السوق إلى عدم توازنات هيكلية
( بطالة – انكماش – تضخم ) وذلك من مظاهر فشل أو انحراف السوق الذي يحتاج إلى تدخل
الدولة لتصحيح هذه الانحرافات لتجنب الآثار السيئة على الهيكل الاقتصادي الكلي .
تستخدم الدولة عدة سياسات لتحقيق
الاستقرار الاقتصادي , ففي حالة التضخم قد تلجأ الدولة إلى الحد من الإنفاق العام
و إلى زيادة عبء الضرائب , وكثيرا ما تعجز الدولة عن ضغط الإنفاق العام لذلك تلجأ
ترشيده , وعادة ما تكون الضرائب وسيلة أكثر سهولة للالتجاء إليها في حالات التضخم
, أما في حالات الانكماش , تستطيع الدولة بسهولة أن تزيد من حجم الإنفاق العام و
تقلل من حجم الضرائب .
كما تسعى الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي
من خلال معالجة مشكلة البطالة و إيجاد فرص العمل بما يتناسب مع نوعية البطالة
السائدة و تحديد الحد الأدنى للأجور لضمان مستوى ملائم لدخول الطبقة العاملة .
وكذلك تعمل الدولة على تحقيق التوازن
بين النتائج القومي من السلع و الخدمات وما يقابله من تيار نقدي للسيطرة على مشكلة
التضخم .
ولقد استقر الفقه على أهمية هذه الأهداف
و إن اختلف حول مضمون بعض الأنشطة المتعلقة بإنتاج السلع و الخدمات المحققة لها ,
و يرتبط ذلك بمشكلة تخصيص الموارد بين القطاع و القطاع الخاص , وتحديد الموارد
المخصصة للقطاع العام يقتضي الفهم الكامل للطرق و الأدوات التي يستخدمها القطاع
الخاص لتخصيص الموارد و ذلك من خلال فحص علاقات التبادل بين المنتج و المستهلك ,
تلك العلاقات التي تعطي دلالات لما يستطيع القطاع الخاص أن ينتجه وما لا يستطيع ,
ومن ثم يقوم القطاع العام بإنتاجه .
مجالات
الأنشطة التي تقوم بها الدولة :
في مجال سياسة الخوصصة , يجمع الكثير من
الاقتصاديين على أن هناك أنشطة يجب أن يختص بها القطاع العام بصفة أساسية أو على
نحو يكون له فيها السيطرة , تلك المجالات تتمثل فيما يلي (5):
أ
. الأنشطة المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية .
ب
. المشروعات التي تمثل احتكار طبيعيا مثل : السكك الحديدية , الاتصالات السلكية
واللاسلكية و المياه ,... إلخ .
ج.
الصناعات الأساسية ذات التكلفة الرأسمالية العالية و المخاطرة الكبيرة مثل :
صناعات الحديد و الصلب و الألمنيوم و الكيماويات الثقيلة.
د.
المشروعات والمرافق التي تقوم بإنتاج وتقديم سلع وخدمات محققة لأهداف اجتماعية
ووفورات خارجية يصعب تقييمها ماليا مثل : التعليم الأساسي , الرعاية الصحية
الأولية , السكن الاجتماعي بعض طرق الموصلات.
هـ.
الأنشطة التي تترتب عنها نتائج اجتماعية أو سياسية أو تحقق أهدافا اجتماعية سياسية
.
وهناك أنشطة أخرى تعتبر محل تنافس بين القطاع العام و الخاص مثل : نشاط
المصارف و التأمين و أنشطة الاستيراد و التصدير .
وبعيدا عن المبررات النظرية لتدخل الدولة
, فإن الواقع يثبت أن هناك أنشطة يجب أن تقوم بها الدولة لعدم صلاحية أو قدرة
القطاع الخاص على القيام بها لاعتبارات متعددة. وهناك أنشطة يمكن أن يقوم بها
القطاع الخاص ولكن لاعتبارات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية يجب أن تشارك الدولة
في تحقيقها و الرقابة عليها , ولا توجد معايير واضحة للتفرقة بين هذه المجالات و
إنما يتوقف الاختيار على الظروف التاريخية الواقع السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي
لكل دولة .
ولقد
أوضح التاريخ الاقتصادي في كل بلاد العالم تقريبا أن الدولة لعبت دورا هاما في
تحقيق التنمية الاقتصادية من خلال ما حققته الحكومات من التحسين في مجال التعليم
ومجال الصحة و الحد من التفاوت الاجتماعي بين الطبقات ومن ثم , أيا كانت مبررات
سياسية الخوصصة ومهما ساهم القطاع الخاص في مجال التعليم و الصحة يجب أن تبقى
الدولة إلى جانب القطاع الخاص في هذه المجالات تحقيقا لاعتبارات العدالة
الاجتماعية وضمان نشر التعليم و الرعاية الصحية لذوي الدخول المحدود , وضمان
الرقابة و السيطرة على القطاع الخاص في تأديته لهذه الخدمات.
وكذلك عندما لا يصلح نضام السوق كما هو الحال بالنسبة إلى
معظم السلع و الخدمات العامة كإنشاء خطوط السلك الحديدية أو الطرق الريفية و
الإمداد بالمياه الصالحة للشرب و الصرف الصحي مثل هذه الخدمات تقوم بها الدولة مع
إمكانية إسناد الخدمات الملحقة بها للقطاع الخاص .
وهناك قطاعات أخرى يمكن للقطاع الخاص أن
يقوم بها كاملا بدون حاجة إلى تدخل الدولة و مع
ذلك لاعتبارات اجتماعية و اقتصادية تقوم الدولة بالمساهمة إلى جانب القطاع
الخاص في تقديم الخدمة وذلك مثل عمليات بناء المساكن لذوي الدخول المحدودة .
وفيما يلي قائمة للأنشطة التي يجب على
الدولة المساهمة فيها (6)
أولا
: إنشاء خطوط السلك الحديدية و إنشاء الطرق .
من المعروف أن إنشاء السكك الحديدية و
الطرق من أهم عناصر البنية الأساسية للمجتمع ومن أهم العوامل التي تساهم في تحقيق
تنمية الاقتصادية , كما أن هذه المرافق من أكثر المرافق تحقيقا للوفورات الخارجية
الإيجابية التي لا يمكن تقييمها ماليا , و إنشاء هذه المرافق يستلزم نفقات ضخمة لا
يستطيع القطاع تحملها و استهلاك تكلفتها يستغرق سنوات طويلة كما أن مثل هذه
المرافق لا تحتمل المنافسة , حيث لا يتصور وجود أكثر من خط سكة حديدية في منطقة
واحدة.
لكن
يمكن أن تستند عمليات تسيير القطاعات الخاص حتى نضمن خدمة أحسن و بتسعيرة معقولة ,
وإذا كان هذا النظام يؤدي إلى أن الدولة تتحمل تكاليف الإنشاء , ثم يقوم القطاع
الخاص بتحصيل الأرباح , ولذلك يجب تطبيق نظام ضريبي كفيل بتعويض الدولة عن منشآتها
.
ثانيا
: الإمداد بالمياه و الصرف الصحي :
خدمات توفير المياه الصالحة للشرب و
الصرف الصحي من الخدمات التي تحتاج إلى الاحتكار الطبيعي حيث لا تحتمل المنافسة
ونقصد في هذا المجال خدمات الإمداد بشبكات المياه و الصرف الصحي ,أما الخدمات
الخاصة بتوفير عدادات المحاسبة و التحصيل و الصيانة فيمكن إسنادها للقطاع الخاص .
ثالثا
: توليد الكهرباء :
صناعات توليد الكهرباء و نقلها و توزيعها
من الصناعات التي تستفيد من اقتصاديات الحجم الكبير , ولذلك تستلزم أن يتم الإنتاج
في ظل الاحتكار الطبيعي .
غير
أن ذلك لا يمنع من مساهمة القطاع الخاص فيمكن مثلا للقطاع الخاص القيام بعمليات
التوليد على أن تتولى الهيئة العامة للكهرباء شراء الطاقة من محطات التوليد الخاصة
ثم القيام بعمليات التوزيع .
رابعا
: التعليم :
يلعب التدخل الحكومي في التعليم دورا
هاما في تقليل عدم المساواة بين المواطنين , فهو يفتح الطريق أمام الفقراء و
المحرومين و الدولة هي الأكثر قدرة على التخصيص الفعال للموارد في هذا القطاع.
و
باعتبار أن التعليم هو أهم عناصر تكوين الهيكل الاقتصادي الكلي ومن أكثر الأنشطة
تحقيق للوفورات الخارجية الإيجابية فتكون الدولة هي القادرة على إشباع احتياجات
المجتمع بعيدا عن اعتبارات الربحية الفردية و العائد المباشر .
خامسا
: قطاع الصحة :
رغم أن هذا القطاع يعتبر من القطاعات
الغير خاضعة للاحتكار الطبيعي أي يمكن ممارستها في ظل المنافسة , إلا أن دور
الدولة يبقى أكثر من ضروري في هذا المجال لما يمثله من أهمية في حياة أفراد
المجتمع و يبقى تدخل الدولة في هذا الدولة عديدة في أوربا حيث يشمل هذا النظام
99.9 % من القادرين على العمل في فرنسا أما التأمين الصحي فيشمل كافة
أفراد الشعب الياباني و العلاج مجاني بالكامل .
/
- العولمة و التوجه نحو تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية :
جاءت العولمة لتفرض على الدولة نمطا
جديدا في إدارة الحياة الاقتصادية وذلك من خلال انسحاب الدولة من مجال الاقتصاد و
فسح المجال أمام القطاع الخاص ليلعب دوره كمنشط للإطار الاقتصادي العام و اكتفاء
الحكومات بتوفير الجو الملائم لهذا النشاط .
دور
الدولة الحديثة و النماذج المطبعة في الدولة الرأسمالية
.
تتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي تحت
إما ضغوط ظرفية كتلك التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية في الدولة الأوربية و
اليابان أو تحت ضغوط هيكلية كما حدث للبلدان النامية بعد الاستقلال .
وتستهدف
الدولة في الحالة الأولى تحقيق الاستقرار الاقتصادي و النمو و العدالة الاجتماعية
... ولكنها تستهدف ما هو أبعد من ذلك في
الحالة الثانية فالتنمية الاقتصادية و الاجتماعية تتطلب تغييرا جذريا و
إرادة شعبية وتخطيطا جيدا .
وبصفة
عامة قد يأخذ التدخل الحكومي شكل التوجيه و التنظيم و التشجيع باستخدام مختلف
أدوات السياسات الاقتصادية و المالية و النقدية و السعرية , بحيث تتحكم في إطار
العام الذي يمارس من خلاله القطاع الخاص نشاطاته المتعددة .
وتتراوح
التدخل الحكومي في المجال الاقتصادي بين الأشكال التالية مع الإشارة إلى إمكانية
الجمع بين أكثر من شكل منها .
1-
توفير الرأسمال الأساسي بما في ذلك القانون و النظام في المجتمع , أي تحديد
الالتزامات القانونية و التعاقدية و تنفيذها و إقامة التسهيلات التعليمية و الصحية
و الرفاه الاجتماعي و القيام بالوظائف العسكرية و الدفاعية .
2-
توفير البنية الاقتصادية الارتكازية مثل :
المصارف و التسهيلات النقدية و المالية,
الطرق العامة و شبكات الخطوط الحديدية , والمرافق العامة الأخرى كالماء و الكهرباء
و الهاتف.
3- تطبيق رقابات مباشرة أو غير مباشرة من خلال إجراءات
متنوعة مثل التعرفة الجمركية و الضرائب و الدعم و تقنين السلع و الائتمان و
الرقابة على الأسعار ..
4- إقامة مشروعات تتراوح بين إدارة بعض الصناعات أو بعض
المشروعات العالمة في صناعات مختلفة أو الملكية العامة لبعض أو كل وسائل الإنتاج .
5- التخطيط المركزي الذي قد يشتمل على تركيز كامل أو
جزئي في عملية صنع القرار الاقتصادي في مجلس تخطيط قومي مركزي .
و إذا نظرنا إلى الدولة التي تسير وفق نظام اقتصادي
يعتمد على آليات السوق فإننا نراها (7) :
1- تشترك فيما بينها من حيث الجوهر , بقانونها الأساسي
القائم على أولوية المجال الاقتصادي الذي يخضع لمقتضياته كل المجالات الأخرى ,
اعتمادا على فكرة أن الاقتصاد هو الذي يحدد قوة الدولة و مكانتها في ساحة العلاقات
الدولية .
2- وتختلف طرق تطبيقها لآليات السوق عن الرأسمالية
النظرية المثالية اختلافا كبيرا بحسب الشروط التاريخية لنشأتها و الاختلاف ليس فقط
في المنظومة الكلية بل أيضا من حيث المنظومات الاقتصادية الجزئية .
إذا تختلف فيما بينها من حيث مدى وشكل تدخل الدولة في
الإدارة الاقتصاد وضبط علاقات السوق , ومن حيث اضطلاعها بمسؤولية ضمان شروط تطوير
العمل الاقتصادي و الاجتماعي كإقامة البنى الهيكلية و تنظيم و تمويل البحوث العلمية و التعليم و التأهيل و خدمات الضمان
الاجتماعي ويمكن التمييز بين (
الأشكال التالية بحسب تصنيف المنظر الفرنسي : ROBERT POYER :
(1) : الدكتور ماهر ظاهر بطرس – دور الدولة في ظل
اقتصاديات السوق – دار النهضة العربية - , القاهرة , 1993 , ص .56
(2) : الدكتور ظاهر ماهر بطرس – مرجع سابق – ص . 63
.
(3) : الدكتور سيدي عبد المولي – المالية العامة
المصرية – دار النهضة العربية – 1993 – ص . 10 , 11 .
(4) : مصطفى رشدي شيحة – الإقتصاد العام للرفاهية –
دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية ص . 125 .
(5) : الدكتور ماهر ظاهر بطرس – مرجع سابق – ص . 85
.
(6) : الدكتور ماهر ظاهر بطرس – مرجع سابق - ص . 19 .
(7) : نفس الموقع السابق .
( : نفس الموقع السابق .