أزمة الاقتصاد العالمي والتضخم
I -
الأزمات الاقتصادية والتضخم
1) ماهية الأزمات الاقتصادية :
يحتل موضوع الأزمات الاقتصادية أهمية خاصة في
الأدبيات الاقتصادية ، بسبب طبيعة الأزمات الدورية وارتباطها بدورات الأعمال وهنا
سنحاول التطرق إلى أهم النقاط المتعلقة بالأزمات الاقتصادية ، من حيث المفهوم و
الأنواع وملامحها الأساسية .
أنواع الأزمات الاقتصادية :
تختلف التقسيمات التي وضعها الاقتصاديون
للأزمات الاقتصادية حسب المظاهر التي تميز الأزمة ، إلا أننا اخترنا التقسيم
التالي ([1]) :
1- أزمات عملة : تحدث مثل
الأزمة عندما تتعرض عملة بلد ما لهجوم مضاربي عنيف يؤدي لانخفاض قيمتها انخفاضا
شديدا ، أو إلى إكراه السلطات الحكومية لهذا البلد على الدفاع عن عملتها عن طريق
إنفاق جانب كبير من احتياطات الدولية أو عن طريق رفع أسعار الفائدة عليها بشكل حاد
.
2- أزمات مصرفية : هي نوع من
الأزمات يتعرض فيه بنك أو عدد من البنوك إلى تدافع شديد من جانب المودعين لسحب
ودائعهم مع عدم القدرة على مواجهة طلبات السحب .
3- أزمات مديونية خارجية :
هي أزمات تعني إن بلدا أو مجموعة بلدان أصبحت غير قادرة على خدمة ديونها الخارجية
.
4- أزمات مالية شاملة : هي أزمات
تتميز باضطرابات شديدة في الأسواق المالية تضعف من قدرتها على العمل بكفاءة وتؤدي
آثارا غير مواتية للاقتصادية الحقيقي ، ولها عدة صور :
أ- أزمة سيولة :
هي غالبا ما تنتج عن الاندفاع نحو سحب الودائع من البنوك ، ويمكن التغلب على هذه
المشكلة إذا كانت تتعلق ببنك واحد ، حيث يستطيع في هذه الحالة بيع بعض أصوله
للبنوك الأخرى للحصول على السيولة ، إما إذا كان التزاحم على سحب الودائع يمثل
ظاهرة عامة تتعلق بكل النظام المصرفي ، فإن تنافس البنوك على التصرف في أصولها
ومحاولة تسبيلها يؤدي لانهيار قيمتها ، ومن ثم تتحول مشكلة السيولة إلى مشكلة عدم
القدرة على الفاء بالالتزامات .
ب- أزمة التوقف عن الوفاء بالالتزامات : تنتج هذه
الأزمات عن اختلال الهياكل التمويلية للمشروعات وعدم توافق هياكل الاستحقاق بين
أصول وخصوم البنوك و محدودبة رؤوس الأموال , وحينما تتعرض المشروعات والبنوك إلى
التعثر و تصبح على وشك التوقف عن الوفاء بالتزاماتها , فإنها تميل للدخول في
مجالات تتسم بالمغامرة و ارتفاع درجة المخاطر على أمل الحصول على عوائد مرتفعة ,
بدلا من الدخول في مجالات استثمار آمنة منخفضة العائد .
وفي
معظم الأحيان ينتهي بها السلوك إلى الإفلاس ، وهو ما حدث في كثير من البنوك في
الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل الثمانينات .
جـ - أزمة انفجار فقاقيع الأصول : وتنتج هذه الأزمات عند ارتفاع أسعار الأصول
ارتفاعا شديدا بسبب هجوم مضاربي عنيف ، حيث يعتقد كل مضارب أنه بعيد عن مخاطر
انهيار السوق لأنه يستطيع الخروج منه في الوقت المناسب ، أو لأنه حقق مكاسب
رأسمالية ضخمة تحميه من الخسارة ولكن بمجرد عودة الأسعار للأصول لقيمتها الحقيقية
يحدث الانهيار ، و من اشهر الأمثلة على هذا النوع من الأزمات ، انهيار سوق الأوراق
المالية في الو.م.ا الذي يساهم في اندلاع أزمة الكساد الكبير عام 1929 وانهيار سوق
الأوراق المالية في اليابان عام 1990.
د- أزمة استراتيجيات وقف
الخسائر : تنشأ هذه الأزمة عندما يصدر التجار أوامرهم إلى السماسرة بسعر معين
، فإن انخفاضا في الأسعار قد يتفاقم بشكل كبير نتيجة هذه الممارسات.
وأهم الأمثلة عن هذه الأزمات ، أزمة الولايات المتحدة الأمريكية سنة
1987.
الملامح
الأساسية للأزمات الاقتصادية : ([sup][2][/sup])
بذلت
عدة محاولات من طرف الاقتصاديين لتحديد الخصائص المميزة للأنواع المختلفة للأزمات
الاقتصادية ، وبصفة خاصة أزمات العملة والأزمات المصرفية، فأزمة العملات هي انخفاض
شديد في القيمة الاسمية للعملة ، هذا المعيار يستبعد الحالات التي تتعرض فيها
العملة لضغوط شديدة ، لكن السلطات الحكومية تنجح في الدفاع عنها عن طريق تدخلها في
سوق الصرف الأجنبي أو رفع أسعار الفائدة.
لهذا تم تطوير معيار آخر عبارة عن مؤشر على الضغوط
المضاربية يأخذ في اعتباره تغيرات سعرالصرف، تحركات الاحتياطية الدولية و تحركات
أسعار الفائدة التي يمكن أن تمتص أو تلطف الضغوط التضخمية التي تتعرض لها العملة.
أما
الأزمات المصرفية فهي اكثر صعوبة في التعرف عليها ، أما بسبب المشكلات المصرفية
ذاتها أو لنقص المعلومات المتاحة بشأنها.
فالاندفاع
نحو هذه البنوك لسحب الودائع غالبا ما يكون نتيجة المشكلات المصرفية لا سببا لها ،
كما أن هذه المشكلات وما ينتج عنها من أزمات غالبا ما تكون ناتجة عن ممارسات تتعلق
بجانب أصول البنك وليس الخصوم.
ولقد استخدمت هذه المعايير في دراسة عملية
للتعرف على أزمات العملات والأزمات المصرفية التي شهدها أكثر من 50 بلدا في الفترة
1975- 1997 .
وقد كانت أزمات
العملة أكثر انتشارا في الفترة 1986-1995 بسبب الصدمات الخارجية القوية التي تعرضت
لها الكثير من البلدان خلال تلك الفترة .
في حين انتشرت الأزمات المصرفية في الفترة ما
بين 1987- 1997 بسبب تزايد عمليات تحرير القطاع المصرفي المالي في العديد
من الدول ،
والملاحظ أن الدول المتقدمة أكثر تعرضا لمثل هذه لأزمات الاقتصادية بالرغم من أنه
لا توجد مؤشرات دقيقة عن حدوث الأزمات الاقتصادية إلا أنه هناك مجموعة من المؤشرات
الاقتصادية الدالة فقط على مواقف تتسم بتزايد الخطر وتعرض للعرض للأزمات.
ولبناء نظام إنذار مبكر يجب
تحديد متغيرات اقتصادية يختلف سلوكها في الفترة ما قبل الأزمة عن السلوك المعتاد .
ومن خلال مراقبة هذه
المتغيرات يمكن التنبؤ بالأزمة ، ويختلف اختيار وبناء هذه المتغيرات حسب مفهوم كل
شخص للأزمة .
فإذا كانت الأزمة مالية مجموعة المتغيرات
تتكون من : العجز المالي ، الاستهلاك الحكومي ، الإئتمانات المصرفية للقطاع العام
، ... الخ.
وإذا كان ينظر لضعف القطاع المالي على أنه سبب الأزمة ، المتغيرات تشمل : تزايد
الإئتمانات الممنوحة للقطاع الخاص ، إجراءات تحرير القطاع المالي ،... الخ.
أما إذا كان ينظر للقطاع الخارجي على انه سبب
الأزمة ، فتعطى الأولوية لمؤشرات أخرى تشمل : سعر الصرف الحقيقي ، ميزان الحساب
الجاري ، معدل التبادل الدولي ، ...الخ.
ولقد أجريت دراسة شملت 53 دولة متقدمة ومتخلفة
بشأن أزمة 1975- 1997 ، أثبتت الدراسة أن سلوك المتغيرات الاقتصادية أو بعضا منها
مثل أسعار الصرف ، مؤشرات ألا سواق النقدية والمالية ، وبعض المؤشرات الخاصة
بالتجارة الخارجية ، كان سلوكها في الفترة ما قبل الأزمة يختلف عن سلوكها ففي كثير
من الحالات ارتبطت الأزمة بارتفاع حقيقي في قيمة العملات المحلية ، ارتفاع معدلات
التضخم تراجع تدفقات رأس المال الوافدة وتزايد التدفقات العكسية ، توسع نقدي
وائتماني ، دورة من انكماش وانتعاش في أسعار الأصول ... الخ.
2 ) ماهية التضخم :
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي
بدأت ظاهرة التضخم في الظهور منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية و أصبحت من أكثر
الظواهر الاقتصادية أهمية و ارتباطا بالاقتصاديات المتقدمة والمتخلفة معا، واكتملت
صورتها بشمل واضح .
مفهـوم
الـتضخـم : ([3])
ا إهتم الاقتصاديون بدراسة
ظاهرة التضخم كاصطلاح يعبر عن ظاهرة اقتصادية معينة أو مجموعة من الظواهر
الاقتصادية ، ولذلك يهدف الوصول إلى تفسير وتحديد تعريف دقيق لهذه الظاهرة من حيث
المضمون والأهداف .
ونظرا لعدم اتفاق الاقتصاديين حول تعريف محدد
للتضخم ، وذلك بسبب اختلاف النظريات التي يراها كل فريق تفسيرا لهذه الظاهرة .
سنحاول تعريف هذه الظاهرة أو الأزمة من خلال تقديم مختصر للنظريات التي تفسرها .
نظرية
تضخم جذب الطلب :
تعرف هذه النظرية التضخم
على انه الارتفاع في المستوى العام للأسعار نتيجة وجود فائض في الطلب الكلي ، لا
يقابله زيادة في العرض .
فالارتفاع في الأسعار هو
نتيجة إفراط الطلب على السلع والخدمات ، سواء كان الطلب استهلاكيا أو استثماريا ،
بأكثر مما تستطيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي ، مقابلة هذه الزيادة في الطلب
استجابة لظاهرة حركة الأسعار .
ويمكن حدوث هذا النوع من التضخم عندما ترتفع
أسعار الفائدة إلى مستوى معين ، وينخفض الطلب على النقود بدافع المضاربة ، ويكون
الطلب على النقود بدافع المعاملات غير مرن ، فانه يمكن تمويل هذا الطلب الفائض عن
طريق زيادة تداول النقود لأغراض المبادلات .
نظرية
تضخم دفع النفقة :
تهتم هذه النظرية بتفسير
التضخم من جانب العرض وليس الطلب، حيث يلجأ المنتجون إلى تحديد معدلات للأرباح عند
مستوى معين مرتفع، لا يمكنهم التنازل عنه، كما يلجأ العمال من خلال النقابات
العمالية إلى تحديد الأجور عند مستوى لا يمكنهم التنازل عنه، والضغط على المنتجين
لزيادة الأجور، مما يؤدي إلي زيادة التكاليف الإنتاجية، الأمر الذي يدفع المنتجين
لرفع أسعار المنتجات، لتعويض الزيادة في التكاليف والحفاظ على نسب الربح العالية.
وبهذا تفسرنظرية التضخم
بسبب تكلفه عوامل الإنتاج وخاصة أجور العمال، حيث تشكل نسبة كبيرة من التكاليف
الإنتاجية، وعادة ما يرتبط تضخم التكلفة بأحد العوامل التالية :
أ–
ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج : قد يكون ارتفاع التكاليف ناشئا
عن نقص المحاصيل الزراعية ، التي تدخل في الإنتاج الصناعي ، أو عن ارتفاع أسعار
المواد الأولية ، أو عن ارتفاع تكاليف نقلها أو التأمين عليها ... الخ ، مما يؤدي
إلى ارتفاع نفقة استهلاكها ويدفع هذا إلى ارتفاع أسعار المنتجات .
ب-
ارتفاع أسعار الواردات : تعتمد بعض الدول اعتمادا كبيرا على
الواردات والمواد الأولية والوسيطة ، وتدخل هذه الواردات في شكل مواد وسيطة لصنع
منتجات نهائية ، وارتفاع أسعارها يؤدي لزيادة نفقات إنتاج السلع والخدمات ويؤدي
هذا لزيادة أسعارها .
ج-
قيام المشاريع الاحتكارية برفع هوامش الأرباح والأسعار : من
الأسباب التلقائية لارتفاع الأسعار ، هو ما تسمى إليه المشروعات الاحتكارية
والمشروعات العاملة في أسواق احتكار القلة ،من زيادة أرباحها عن طريق زيادة النسبة
المئوية التي تضيفها إلى نفقة الإنتاج ،في صورة ربع أو عائد على استثماراتها ، بما
لا يتناسب مع الزيادة في الكفاية الإنتاجية وتبعا لذلك سوف ترتفع أسعار المنتجات .
د- ارتفاع تكاليف الأجور : تشكل التكليف
الأجور أهم سبب لحدوث التضخم ، فقد تستطيع النقابات العمالية بحكم قوتها التفاوضية
، وقوة ضغطها المنظم ،إن تقنع المنتجين برفع الأجور ، وقد تنجح هذه النقابات في
تحقيق مطالبها ، مما يؤدي لزيادة تكاليف الإنتاج التي يتحملها المنتجون ونظرا
لاعتقاد المنتجين أنهم يستطيعون أن ينقلوا
تلك الزيادة في الأجور إلى كاهل المستهلك عن طريق رفع الأسعار، بحكم قوتهم
الاحتكارية، فإن الأجور لا تلبث أن تزداد عندما يشعر العمال بعبء زيادة الأسعار
فيطالبون بزيادة الأجور مرة أخرى وتبدأ الدور من جديد ويدخل الاقتصاد في حلقة
مفرغة للتضخم بين الأجر والسعر.
هذا فيما إذا كان الاقتصاد في مرحلة التشغيل
الكامل ، أما إذا كان في مرحلة التشغيل الجزئي ،فقد ترافق زيادة الأجور زيادة في
الإنتاجية، زيادة تكفي لتعويض زيادة الأجور.
نظرية التضخم الهيكلي :
تقرر
هذه النظرية أن التضخم الهيكلي يصيب الدول المتخلفة عند سعيها لتحقيق التنمية
الاقتصادية، وينشأ هذا التضخم نتيجة الاختلال في هيكل كل من الطلب الكلي والعرض
الكلي.
ويلجأ
بعض الاقتصاديين إلى تحديد الخصائص التي تتميز بها الدول المتخلفة لتحديدها
والتعرف عليها.
وتشكل
هذه الخصائص المشتركة عوامل رئيسية في حدوث التضخم.
فالدول المتخلفة عندما تضع الخطط التنموية وتبدأ
في تنفيذها، لا بد وأن يصاحبها تضخما نقديا ، يتولد عن زيادة الدخول النقدية،
والدخول الجديدة الناجمة عن توظيف عوامل الإنتاج، بمعدل يفوق معدل الزيادة الإنتاج
القومي وهو تضخم تقضي به العملية التنموية.
ويتميز التضخم الذي يسود الدول المتخلفة أنه
تضخم جذب طلب ألا أنه في الواقع تضخم هيكلي ، ينتج عن اختنا قات مادية في الإنتاج
خلال عملية التنمية الاقتصادية.
ولو
لم يعتمد في تمويلها على مصادر تضخمية وحتى إذا لم يكن هناك زيادة في الإنفاق
الكلي وذلك لانخفاض مرونة العرض وخاصة القطاع الزراعي وهو ما يعني أن استجابة
العرض غير قائمة على التوقعات النقدية ، بل بسبب الاختناقات المادية.
[1]) ) أحمد يوسف الشحات , الأزمات المالية في السوق
الناشئة مع إشارة خاصة لأزمة جنوب شرق آسيا دار النيل للطباعة والنشر , 2001 ص
14-16.
([2])
أحمد
يوسف الشحات ، مرجع سابق ، ص 16- 17.
([3])
محمد
مروان السمان وآخرون ، مبادئ التحليل الاقتصادي الجزئي والكلي ، مكتبة دار الثقافة
للنشر والتوزيع ، طبعة 2 ، 1998 ، ص 320-325.
I -
الأزمات الاقتصادية والتضخم
1) ماهية الأزمات الاقتصادية :
يحتل موضوع الأزمات الاقتصادية أهمية خاصة في
الأدبيات الاقتصادية ، بسبب طبيعة الأزمات الدورية وارتباطها بدورات الأعمال وهنا
سنحاول التطرق إلى أهم النقاط المتعلقة بالأزمات الاقتصادية ، من حيث المفهوم و
الأنواع وملامحها الأساسية .
أنواع الأزمات الاقتصادية :
تختلف التقسيمات التي وضعها الاقتصاديون
للأزمات الاقتصادية حسب المظاهر التي تميز الأزمة ، إلا أننا اخترنا التقسيم
التالي ([1]) :
1- أزمات عملة : تحدث مثل
الأزمة عندما تتعرض عملة بلد ما لهجوم مضاربي عنيف يؤدي لانخفاض قيمتها انخفاضا
شديدا ، أو إلى إكراه السلطات الحكومية لهذا البلد على الدفاع عن عملتها عن طريق
إنفاق جانب كبير من احتياطات الدولية أو عن طريق رفع أسعار الفائدة عليها بشكل حاد
.
2- أزمات مصرفية : هي نوع من
الأزمات يتعرض فيه بنك أو عدد من البنوك إلى تدافع شديد من جانب المودعين لسحب
ودائعهم مع عدم القدرة على مواجهة طلبات السحب .
3- أزمات مديونية خارجية :
هي أزمات تعني إن بلدا أو مجموعة بلدان أصبحت غير قادرة على خدمة ديونها الخارجية
.
4- أزمات مالية شاملة : هي أزمات
تتميز باضطرابات شديدة في الأسواق المالية تضعف من قدرتها على العمل بكفاءة وتؤدي
آثارا غير مواتية للاقتصادية الحقيقي ، ولها عدة صور :
أ- أزمة سيولة :
هي غالبا ما تنتج عن الاندفاع نحو سحب الودائع من البنوك ، ويمكن التغلب على هذه
المشكلة إذا كانت تتعلق ببنك واحد ، حيث يستطيع في هذه الحالة بيع بعض أصوله
للبنوك الأخرى للحصول على السيولة ، إما إذا كان التزاحم على سحب الودائع يمثل
ظاهرة عامة تتعلق بكل النظام المصرفي ، فإن تنافس البنوك على التصرف في أصولها
ومحاولة تسبيلها يؤدي لانهيار قيمتها ، ومن ثم تتحول مشكلة السيولة إلى مشكلة عدم
القدرة على الفاء بالالتزامات .
ب- أزمة التوقف عن الوفاء بالالتزامات : تنتج هذه
الأزمات عن اختلال الهياكل التمويلية للمشروعات وعدم توافق هياكل الاستحقاق بين
أصول وخصوم البنوك و محدودبة رؤوس الأموال , وحينما تتعرض المشروعات والبنوك إلى
التعثر و تصبح على وشك التوقف عن الوفاء بالتزاماتها , فإنها تميل للدخول في
مجالات تتسم بالمغامرة و ارتفاع درجة المخاطر على أمل الحصول على عوائد مرتفعة ,
بدلا من الدخول في مجالات استثمار آمنة منخفضة العائد .
وفي
معظم الأحيان ينتهي بها السلوك إلى الإفلاس ، وهو ما حدث في كثير من البنوك في
الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل الثمانينات .
جـ - أزمة انفجار فقاقيع الأصول : وتنتج هذه الأزمات عند ارتفاع أسعار الأصول
ارتفاعا شديدا بسبب هجوم مضاربي عنيف ، حيث يعتقد كل مضارب أنه بعيد عن مخاطر
انهيار السوق لأنه يستطيع الخروج منه في الوقت المناسب ، أو لأنه حقق مكاسب
رأسمالية ضخمة تحميه من الخسارة ولكن بمجرد عودة الأسعار للأصول لقيمتها الحقيقية
يحدث الانهيار ، و من اشهر الأمثلة على هذا النوع من الأزمات ، انهيار سوق الأوراق
المالية في الو.م.ا الذي يساهم في اندلاع أزمة الكساد الكبير عام 1929 وانهيار سوق
الأوراق المالية في اليابان عام 1990.
د- أزمة استراتيجيات وقف
الخسائر : تنشأ هذه الأزمة عندما يصدر التجار أوامرهم إلى السماسرة بسعر معين
، فإن انخفاضا في الأسعار قد يتفاقم بشكل كبير نتيجة هذه الممارسات.
وأهم الأمثلة عن هذه الأزمات ، أزمة الولايات المتحدة الأمريكية سنة
1987.
الملامح
الأساسية للأزمات الاقتصادية : ([sup][2][/sup])
بذلت
عدة محاولات من طرف الاقتصاديين لتحديد الخصائص المميزة للأنواع المختلفة للأزمات
الاقتصادية ، وبصفة خاصة أزمات العملة والأزمات المصرفية، فأزمة العملات هي انخفاض
شديد في القيمة الاسمية للعملة ، هذا المعيار يستبعد الحالات التي تتعرض فيها
العملة لضغوط شديدة ، لكن السلطات الحكومية تنجح في الدفاع عنها عن طريق تدخلها في
سوق الصرف الأجنبي أو رفع أسعار الفائدة.
لهذا تم تطوير معيار آخر عبارة عن مؤشر على الضغوط
المضاربية يأخذ في اعتباره تغيرات سعرالصرف، تحركات الاحتياطية الدولية و تحركات
أسعار الفائدة التي يمكن أن تمتص أو تلطف الضغوط التضخمية التي تتعرض لها العملة.
أما
الأزمات المصرفية فهي اكثر صعوبة في التعرف عليها ، أما بسبب المشكلات المصرفية
ذاتها أو لنقص المعلومات المتاحة بشأنها.
فالاندفاع
نحو هذه البنوك لسحب الودائع غالبا ما يكون نتيجة المشكلات المصرفية لا سببا لها ،
كما أن هذه المشكلات وما ينتج عنها من أزمات غالبا ما تكون ناتجة عن ممارسات تتعلق
بجانب أصول البنك وليس الخصوم.
ولقد استخدمت هذه المعايير في دراسة عملية
للتعرف على أزمات العملات والأزمات المصرفية التي شهدها أكثر من 50 بلدا في الفترة
1975- 1997 .
وقد كانت أزمات
العملة أكثر انتشارا في الفترة 1986-1995 بسبب الصدمات الخارجية القوية التي تعرضت
لها الكثير من البلدان خلال تلك الفترة .
في حين انتشرت الأزمات المصرفية في الفترة ما
بين 1987- 1997 بسبب تزايد عمليات تحرير القطاع المصرفي المالي في العديد
من الدول ،
والملاحظ أن الدول المتقدمة أكثر تعرضا لمثل هذه لأزمات الاقتصادية بالرغم من أنه
لا توجد مؤشرات دقيقة عن حدوث الأزمات الاقتصادية إلا أنه هناك مجموعة من المؤشرات
الاقتصادية الدالة فقط على مواقف تتسم بتزايد الخطر وتعرض للعرض للأزمات.
ولبناء نظام إنذار مبكر يجب
تحديد متغيرات اقتصادية يختلف سلوكها في الفترة ما قبل الأزمة عن السلوك المعتاد .
ومن خلال مراقبة هذه
المتغيرات يمكن التنبؤ بالأزمة ، ويختلف اختيار وبناء هذه المتغيرات حسب مفهوم كل
شخص للأزمة .
فإذا كانت الأزمة مالية مجموعة المتغيرات
تتكون من : العجز المالي ، الاستهلاك الحكومي ، الإئتمانات المصرفية للقطاع العام
، ... الخ.
وإذا كان ينظر لضعف القطاع المالي على أنه سبب الأزمة ، المتغيرات تشمل : تزايد
الإئتمانات الممنوحة للقطاع الخاص ، إجراءات تحرير القطاع المالي ،... الخ.
أما إذا كان ينظر للقطاع الخارجي على انه سبب
الأزمة ، فتعطى الأولوية لمؤشرات أخرى تشمل : سعر الصرف الحقيقي ، ميزان الحساب
الجاري ، معدل التبادل الدولي ، ...الخ.
ولقد أجريت دراسة شملت 53 دولة متقدمة ومتخلفة
بشأن أزمة 1975- 1997 ، أثبتت الدراسة أن سلوك المتغيرات الاقتصادية أو بعضا منها
مثل أسعار الصرف ، مؤشرات ألا سواق النقدية والمالية ، وبعض المؤشرات الخاصة
بالتجارة الخارجية ، كان سلوكها في الفترة ما قبل الأزمة يختلف عن سلوكها ففي كثير
من الحالات ارتبطت الأزمة بارتفاع حقيقي في قيمة العملات المحلية ، ارتفاع معدلات
التضخم تراجع تدفقات رأس المال الوافدة وتزايد التدفقات العكسية ، توسع نقدي
وائتماني ، دورة من انكماش وانتعاش في أسعار الأصول ... الخ.
2 ) ماهية التضخم :
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي
بدأت ظاهرة التضخم في الظهور منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية و أصبحت من أكثر
الظواهر الاقتصادية أهمية و ارتباطا بالاقتصاديات المتقدمة والمتخلفة معا، واكتملت
صورتها بشمل واضح .
مفهـوم
الـتضخـم : ([3])
ا إهتم الاقتصاديون بدراسة
ظاهرة التضخم كاصطلاح يعبر عن ظاهرة اقتصادية معينة أو مجموعة من الظواهر
الاقتصادية ، ولذلك يهدف الوصول إلى تفسير وتحديد تعريف دقيق لهذه الظاهرة من حيث
المضمون والأهداف .
ونظرا لعدم اتفاق الاقتصاديين حول تعريف محدد
للتضخم ، وذلك بسبب اختلاف النظريات التي يراها كل فريق تفسيرا لهذه الظاهرة .
سنحاول تعريف هذه الظاهرة أو الأزمة من خلال تقديم مختصر للنظريات التي تفسرها .
نظرية
تضخم جذب الطلب :
تعرف هذه النظرية التضخم
على انه الارتفاع في المستوى العام للأسعار نتيجة وجود فائض في الطلب الكلي ، لا
يقابله زيادة في العرض .
فالارتفاع في الأسعار هو
نتيجة إفراط الطلب على السلع والخدمات ، سواء كان الطلب استهلاكيا أو استثماريا ،
بأكثر مما تستطيع الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي ، مقابلة هذه الزيادة في الطلب
استجابة لظاهرة حركة الأسعار .
ويمكن حدوث هذا النوع من التضخم عندما ترتفع
أسعار الفائدة إلى مستوى معين ، وينخفض الطلب على النقود بدافع المضاربة ، ويكون
الطلب على النقود بدافع المعاملات غير مرن ، فانه يمكن تمويل هذا الطلب الفائض عن
طريق زيادة تداول النقود لأغراض المبادلات .
نظرية
تضخم دفع النفقة :
تهتم هذه النظرية بتفسير
التضخم من جانب العرض وليس الطلب، حيث يلجأ المنتجون إلى تحديد معدلات للأرباح عند
مستوى معين مرتفع، لا يمكنهم التنازل عنه، كما يلجأ العمال من خلال النقابات
العمالية إلى تحديد الأجور عند مستوى لا يمكنهم التنازل عنه، والضغط على المنتجين
لزيادة الأجور، مما يؤدي إلي زيادة التكاليف الإنتاجية، الأمر الذي يدفع المنتجين
لرفع أسعار المنتجات، لتعويض الزيادة في التكاليف والحفاظ على نسب الربح العالية.
وبهذا تفسرنظرية التضخم
بسبب تكلفه عوامل الإنتاج وخاصة أجور العمال، حيث تشكل نسبة كبيرة من التكاليف
الإنتاجية، وعادة ما يرتبط تضخم التكلفة بأحد العوامل التالية :
أ–
ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج : قد يكون ارتفاع التكاليف ناشئا
عن نقص المحاصيل الزراعية ، التي تدخل في الإنتاج الصناعي ، أو عن ارتفاع أسعار
المواد الأولية ، أو عن ارتفاع تكاليف نقلها أو التأمين عليها ... الخ ، مما يؤدي
إلى ارتفاع نفقة استهلاكها ويدفع هذا إلى ارتفاع أسعار المنتجات .
ب-
ارتفاع أسعار الواردات : تعتمد بعض الدول اعتمادا كبيرا على
الواردات والمواد الأولية والوسيطة ، وتدخل هذه الواردات في شكل مواد وسيطة لصنع
منتجات نهائية ، وارتفاع أسعارها يؤدي لزيادة نفقات إنتاج السلع والخدمات ويؤدي
هذا لزيادة أسعارها .
ج-
قيام المشاريع الاحتكارية برفع هوامش الأرباح والأسعار : من
الأسباب التلقائية لارتفاع الأسعار ، هو ما تسمى إليه المشروعات الاحتكارية
والمشروعات العاملة في أسواق احتكار القلة ،من زيادة أرباحها عن طريق زيادة النسبة
المئوية التي تضيفها إلى نفقة الإنتاج ،في صورة ربع أو عائد على استثماراتها ، بما
لا يتناسب مع الزيادة في الكفاية الإنتاجية وتبعا لذلك سوف ترتفع أسعار المنتجات .
د- ارتفاع تكاليف الأجور : تشكل التكليف
الأجور أهم سبب لحدوث التضخم ، فقد تستطيع النقابات العمالية بحكم قوتها التفاوضية
، وقوة ضغطها المنظم ،إن تقنع المنتجين برفع الأجور ، وقد تنجح هذه النقابات في
تحقيق مطالبها ، مما يؤدي لزيادة تكاليف الإنتاج التي يتحملها المنتجون ونظرا
لاعتقاد المنتجين أنهم يستطيعون أن ينقلوا
تلك الزيادة في الأجور إلى كاهل المستهلك عن طريق رفع الأسعار، بحكم قوتهم
الاحتكارية، فإن الأجور لا تلبث أن تزداد عندما يشعر العمال بعبء زيادة الأسعار
فيطالبون بزيادة الأجور مرة أخرى وتبدأ الدور من جديد ويدخل الاقتصاد في حلقة
مفرغة للتضخم بين الأجر والسعر.
هذا فيما إذا كان الاقتصاد في مرحلة التشغيل
الكامل ، أما إذا كان في مرحلة التشغيل الجزئي ،فقد ترافق زيادة الأجور زيادة في
الإنتاجية، زيادة تكفي لتعويض زيادة الأجور.
نظرية التضخم الهيكلي :
تقرر
هذه النظرية أن التضخم الهيكلي يصيب الدول المتخلفة عند سعيها لتحقيق التنمية
الاقتصادية، وينشأ هذا التضخم نتيجة الاختلال في هيكل كل من الطلب الكلي والعرض
الكلي.
ويلجأ
بعض الاقتصاديين إلى تحديد الخصائص التي تتميز بها الدول المتخلفة لتحديدها
والتعرف عليها.
وتشكل
هذه الخصائص المشتركة عوامل رئيسية في حدوث التضخم.
فالدول المتخلفة عندما تضع الخطط التنموية وتبدأ
في تنفيذها، لا بد وأن يصاحبها تضخما نقديا ، يتولد عن زيادة الدخول النقدية،
والدخول الجديدة الناجمة عن توظيف عوامل الإنتاج، بمعدل يفوق معدل الزيادة الإنتاج
القومي وهو تضخم تقضي به العملية التنموية.
ويتميز التضخم الذي يسود الدول المتخلفة أنه
تضخم جذب طلب ألا أنه في الواقع تضخم هيكلي ، ينتج عن اختنا قات مادية في الإنتاج
خلال عملية التنمية الاقتصادية.
ولو
لم يعتمد في تمويلها على مصادر تضخمية وحتى إذا لم يكن هناك زيادة في الإنفاق
الكلي وذلك لانخفاض مرونة العرض وخاصة القطاع الزراعي وهو ما يعني أن استجابة
العرض غير قائمة على التوقعات النقدية ، بل بسبب الاختناقات المادية.
[1]) ) أحمد يوسف الشحات , الأزمات المالية في السوق
الناشئة مع إشارة خاصة لأزمة جنوب شرق آسيا دار النيل للطباعة والنشر , 2001 ص
14-16.
([2])
أحمد
يوسف الشحات ، مرجع سابق ، ص 16- 17.
([3])
محمد
مروان السمان وآخرون ، مبادئ التحليل الاقتصادي الجزئي والكلي ، مكتبة دار الثقافة
للنشر والتوزيع ، طبعة 2 ، 1998 ، ص 320-325.