/ الاقتصاد الجزائري في ظل النظام الاشتراكي
:
1:
اختيار النظام الاشتراكي و اتباع نظام المخططات :
إن رفض الجزائر للنظام الرأسمالي كان منذ وقت
مبكر وهو ما أقره بيان 1954 وهذا الرفض لم يكن عفويا . فقد اعتبرت هذا الأسلوب
مرادفا للاستعمار الذي ضحى الشعب الجزائري بالكثير من أجل محاربته وهدم بنيانه ,
ولا غرابة في ذلك ما دامت القوة التي كانت الجزائر تحاربها بالسلاح لم تكن متمثلة
فقط في الاستعمار الفرنسي و انما كانت دعائمها هي دول الحلف الأطلسي التي يجمعها
نظام اقتصادي واحد هو النظام الرأسمالي.
ونتيجة
لرفض الجزائر للنظام الرأسمالي تم اختيار النظام الاشتراكي وهو اختيار لم يكن
عفويا هو الآخر . فالعون المادي لدى البلدان الاشتراكية وتعاطف حكوماتها مع الثروة
المسلحة بالإضافة إلى الميل النفسي أيضا
للإنسان الجزائري نحو النظام الاشتراكي لأنه نظام يقدس العمل كوسيلة لكسب الحلال
وعلى مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات وعلى مبدأ التضامن الاجتماعي في
الحياة , تعتبر عوامل دفعت بالجزائر إلى
اختيار هذا النظام الاشتراكي .
أما
من الجانب الاقتصادي فان هذا الاختيار مبنى على أساسين هما :
-إن
إمكانيات القطاع الخاص الوطني (المالية و الفنية ) ضعيفة و عاجزة عن إحداث التنمية
-
الخوف من خضوع السوق لاستغلال أجنبي إذا ما ترك تنظيم الاقتصاد لقانون السوق مما
ينتج عنه تنامي طبقة طفيلية تكون مجرد آلة استغلال اجتماعية للجمهور الواسع من
الشعب . (1)
و
أدى اختيار الجزائر منهج العمل الاشتراكي في التنمية اقتصادها الوطني إلى ضرورة
تطبيق أسلوب التخطيط لأداء العملية الاقتصادية و كان أول مخطط أقرته هو المخطط
الثلاثي 1967 / 1969 ثم المخطط الرباعي الأول 1970 / 1973 ثم المخطط الرباعي
الثاني 1974 / 1977 ثم المخطط الخماسي الأول 1980 / 1984 و آخر مخطط تبنته الجزائر
هو المخطط الخماسي الثاني 1985 / 1989 .
2:
تطور نظام التخطيط في الجزائر :
لقد
تميز نظام التخطيط بتطورات هامة تمثلت على
الخصوص في ما يلي :
1) الطابع المركزي
للتخطيط الذي ميز مرحلة المخططين الأول و الثاني (1967 / 1973 )
2)
التوجه المركزي الديمقراطي للتخطيط حيث تم إشراك الجماعات المحلية في تحضير
المخططات وفي تسيير برامج استثمارية قطاعية و تجسد الطابع المركزي لنظام التخطيط
هذا بوضوح في المادة الثانية , الفقرة الثانية من قانون المخطط الخماسي الثاني
" يسطر و ينظم برامج الأعمال الرامية إلى دعم التكفل بتطلعات الأمة و تلبية
مقتظيات بناء اشتراكية و تدعيم الاستقلال الاقتصادي للبلاد "
3)
التخطيط اللامركزي الذي جاء مع الإصلاحات الاقتصادية المعبرة عنها بسياسة استقلالية
المؤسسات و تجسد أسس هذا النظام الجديد في القانون رقم 88 – 20 الصادر بتاريخ 13/
01 / 1988 و المتعلق بالتخطيط .
وتنص
المادة السادسة من نفس القانون على أن المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام هي
" أن المحاور القيادية لتنظيم الاقتصاد و تسييره المنبثقة من نظام التخطيط
محاور تعتمد على إعداد ديمقراطية للمخططات وعلى احترام المسؤوليات الشرعية و
التنظيمية عبر تقييم للعمل يضمن استقلالية تسيير كل متعامل في مجال إنجاز أهدافه
المحددة في المخطط الدوري " (2)
3
: وضعية الاقتصاد الجزائري في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات :
يرى المحللون و القارؤون للاقتصاد
الجزائري لمرحلة الاقتصاد الموجه أن الجزائر حققت الكثير من الإيجابيات يفتخر بها
الشعب لكن في المقابل ظهرت نتائج سلبية ليست بسبب التوجه الأيديولوجي و إنما
لهفوات التطبيق و المعادين لهذا الأسلوب من التنمية و نقص التجربة . ضف إلى ذلك
الإختلالات التوازنية التي عرفها نظام التسيير في هذه المرحلة و يمكن تصنيف هذه
الإختلالات التوازنية الكبرى إلى ثلاثة هي :
أ –
الخلل التوازني في تسيير التنمية : اتكأ سير التنمية في المرحلة الأولى من التخطيط
من سنة 1967 إلى سنة 1979 على الاستثمار و استخف بقواعد التسيير الاقتصادي لحساب
قواعد التسيير الاجتماعي , أما المرحلة الثانية من سنة 1980 إلى سنة 1989 على
تحسين مستوى التسيير تحت شعار تثمين الطاقة مع إهمال واضح لحركة الاستثمار
الإنتاجي .
ب-
الخلل التوازني في تسيير التجارة الخارجية : لقد كانت هيمنة المحروقات على
الصادرات واضحة حتى أصبحت المورد المالي الخارجي الأحادي الجانب حيث بلغت نسبة
المحروقات من الصادرات 97 % و تعبر هذه النسبة على عجز
السياسة الاقتصادية عن تنويع الإنتاج الوطني , أما فيما يخص الواردات فاستمرت
تبعية التنمية للخارج نسبة 80% من وسائل الاستثمار و من المعرفة التقنية و التكنولوجيا.
ج-
الخلل التوازني في استراتيجيات التنمية المطبقة في مجال تعبئة الموارد الوطنية
المتاحة سواء كانت مادية أو مالية أو بشرية وهذا راجع إلى سوء تقدير أهمية القطاع
الخاص الوطني المحلي و الخارجي , وهي استراتيجية تنموية أهملت إمكانيات القطاع
الخاص و اعتمدت كثيرا على إمكانيات القطاع العام (3)
.
ولقد
صاحب هذه الإختلالات في التسيير أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت منذ سنة 1986 عندما
إنهار سعر البترول الخام ( البرانت) حيث انخفض سعر البترول إلى 15 دولار للبرميل
بعدما كانت 30 دولار للبرميل أي ما يعادل نصف السعر السابق و يعكس الأثر الكبير
الذي أحدثه هذا الانخفاض سلبية الاعتماد على المحروقات في تحصيل العملة الصعبة حيث
انهارت إيرادات الجزائر المالية و الخارجية من المحروقات من 12,270 مليار دولار
إلى أقل من 7,26 مليار دولار أي بنسبة 43%
.
وكان أثر هذه التدهورات كبيرة على ميزان المواد الخارجية , الذي تضاعف عجزه
عن تغطية المستحقات للخارج عن الواردات و خدمات الدين من 1,270 مليار دولار سنة
1985 إلى 6.600 مليار سنة 1993 , لتمويل هذا العجز استوجب اللجوء السنوي المتكرر
إلى الاقتراض الخارجي القصير الأجل , و أدى حتما إلى تزايد المديونية الخارجية
للبلاد التي بلغت في هذا التاريخ الأخير حجم 26 مليار دولار . (4)
وقد أدى ضعف الإنتاج نتيجة لسياسات نظام التخطيط مع ارتفاع معدلات نمو
السكان من سنة لأخرى , وزيادة طفيفة في معدل النمو ى تتماشى وحاجيات المواطنين إلى
تراكم في العجز الدائم في توفير الأمن الغذائي للمستهلكين , كما كان نتاجا لنظام
المخططات اتساع التباين بين الريف و المدينة نظرا نظرا لانعدام فرص العمل أمام
الفلاحين نتيجة لموسمية العمل و الظروف المناخية المحيطة بالإنتاج الزراعي و تركيز
الدولة على الصناعة في أغلب مراحل هذه الفترة وكلها عوامل أدت إلى إضعاف الاقتصاد
الوطني .
ومن خلال تتبعنا للنتائج التي حققتها الجزائر إلى غاية بداية التسعينات
نستنتج أن أهم العوامل التي أضعفت الاقتصاد الجزائري هي التبعية الاقتصادية وتفاقم
أزمة الديون الخارجية نتيجة الاستيراد المكثف لسلع الاستهلاك النهائي في بداية
الثمانينات تحت شعار " من أجل حياة أفضل " بالإضافة إلى ضخامة الجهود
الاستثمارية وخاصة الاستثمار في المجال الصناعي و الاعتماد على الصناعات الثقيلة .
ونجد الاعتماد المطلق على تصدير منتوج واحد وهو النفط الذي حصيلة إيراداتها
تمثل 97% من مجموع إيرادات الدولة
يعتبر من العوامل الرئيسية التي جعلت الاقتصاد الجزائري يستجيب للصدمات الخارجية
خاصة ما أفرزته الصدمة النفطية العكسية سنة 1986 وما كان لها من أثار سلبية على
الاقتصاد الوطني على جميع الأصعدة .
// الإصلاحات الاقتصادية في ظل النظام العالمي الجديد :
إن
تفاقم أزمة المديونية واعتماد الجزائر على النفط في حصيلة إيراداتها زاد من حدة
الاستجابة للصدمات الخارجية و في ظل ميلاد نظام دولي جديد – العولمة – ارتبطت
آلياته في وجهها الاقتصادي بالمؤسسات العملاقة للتمويل و أبرزها صندوق النقد
الدولي و البنك العالمي . نتيجة لاتجاه تفكير الحكومات الجزائرية المتعاقبة إلى
الحلول المستوردة التي يقترحها كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي
محاولة منها لتسكين الأزمات المتنامية بادرت الجزائر إلى اتصالات مع هاتين
المنظمتين وهكذا دخلت في تطبيق برامج للإصلاح الاقتصادي تعتمد أساسا على الحلول
المستوردة وخاصة تلك التي يفرضها صندوق النقد الدولي .
1 : مفهوم النظام العالمي و دور المؤسسات الدولية في تدعيمه :
في بداية العقد الأخير من
القرن العشرين شهد العالم موجة جديدة أطلق عليها اسم العولمة الاقتصادية ,
وبمرور الزمن تزايدت الدعوة لها حيث بدأت ملامح و مرجعيات وخصائص هذه
الظاهرة تتسارع لتشكل الهندسة الجديدة لاقتصاد القرن الحادي و العشرين , وإذا كانت
العولمة الاقتصادية قد ولدت مع بدية عقد التسعينات فإن جذورها تعود إلى عودة
المدرسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة مع بداية الثمانينات .
إن العولمة الاقتصادية كظاهرة لتطور النظام الرأسمالي تعني الانتقال من
الاقتصاد الدولي الذي تتكون خلاياه القاعدية من اقتصاديات متنافسة و متمركزة على
الذات إلى الاقتصاد العالمي القائم على النظم الاقتصادية و المؤسسات الاقتصادية
الكونية وعلى سلطة القرار الاقتصادي الكوني .
لذا فإن العولمة بهذا المعنى تصنف ضمن مرحلة متقدمة من مراحل تطور
الرأسمالية بما يهدف إلى تحقيق وحدة العالم الاقتصادية , منظورا إليها من وجهة
الرأسمالية نظام اقتصادي عالمي قائم على آليات السوق الرأسمالية كعلاج شاف لكل
مشاكل الكون الاقتصادية , أي بمعنى تحقيق الطابع العالمي الرأسمالي كنظام اقتصادي
عالمي متكامل , وهي بهذا المعنى نزوع للهيمنة على الطريقة الإمبراطورية , أي أنها
غير مرئية , بحيث تحددها طبيعة عمل شبكات الهيمنة العالمية على الاقتصاد . وهذا ما
يضفي عليها بعدا آخر يستهدف كيانات الدولة والوطن و الأمة , فإذا ما تم سحب هذه
الكيانات الثلاثة , تتحقق هيمنة الإمبراطورية العالمية . وأساس هذا النظام تعميم
الديمقراطية الليبرالية , ويقوم على أربع عمليات أساسية هي :
المنافسة بين القوى العظمى و الابتكار التكنولوجي و انتشار عولمة الإنتاج و
التبادل و التحديث و في الواقع ما هي إلا عمليات تمثل حقبة التحول الرأسمالي
العميق للإنسانية جمعاء وهو تحول يقوم على تعميم الديمقراطية الليبرالية وتتجلى
العولمة في المجال الاقتصادي في :
1-
نمو وتعمق الاعتماد المتبادل
بين الدول و الاقتصاديات الوطنية .
2-
وحدة الأسواق المالية .
3-
تعميق المبادلات التجارية .
4-
إنشاء المنظمة التجارية
العالمية .
5-
التكتلات الاقتصادية العالمية .
6-
نشاط الشركات الدولية .
7-
نشاط المؤسسات الدولية
الاقتصادية (البنك العالمي , صندوق النقد الدولي.... إلخ )
8-
حل مشكلة الديون الخارجية .
* دور المؤسسات الدولية في تدعيم النظام العالمي الجديد :
يقول أحد الباحثين في
طبيعة العلاقة بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي : " وفي الواقع تتجسد
طبيعة العلاقة بين هاتين المنظمتين الدوليتين في كونهما أهم الأدوات التي أوجدت
لصيانة النظام الإقتصادي العالمي الحالي و ضمان إستمراريته , وهذا يعني أنهما
ينتميان إلى ايديولوجية واحدة و أن سياستها تأخذ مسبقا صيغة تتفق مع مبادئ هذا
النظام و أهدافه " (5)
انطلاقا من هذا القول يتضح لنا الدور
الكبير الذي لعبه و يلعبه كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في تدعيم
النظام العالمي الجديد .
ففيما يخص صندوق النقد الدولي الذي كأكبر مؤسسة مؤثرة في النظام النقدي
الدولي و ما أصبح يلعبه من دور خطيرا في إدارة أزمة المديونية العالمية حسب رؤيته
الخاصة التي تعكس مصالح الدائنين فإنه انتهج فرض سياسة إدخال إصلاحات هيكلية و
برامج الاستقرار كمدخل لدمج اقتصاديات الدول المدنية في النظام الرأسمالي العالمي
في مقابل استفادة هذه الدول من مساعدات جديدة و إعادة جدولة الديون السابقة .
وتمثلت أهم السياسات و النصائح التي يقدمها صندوق النقد الدولي من أجل
ادخال إصلاحات هيكلية و برامج الاستقرار في :
-
تخفيض سعر صرف العملة الوطنية
اتجاه العملات الأجنبية .
-
تحرير الإستراد من جميع القيود
-
تخفيض الإنفاق العام .
-
إلغاء دعم المواد الأساسية .
-
زيادة موارد الدولة عن طريق
زيادة الضرائب و الرسوم .
-
وضع إجراءات للحد من عرض النقود
وتنمية السوق النقدي و المالي .
أما البنك العالمي فإن تأثيراته على اقتصاد الدول التي تطلب المساعدة فتظهر
من
خلال تدخلاته في الشؤون
الداخلية عن طريق الدراسة التي يقوم بها خبرائه على اقتصاد الدول التي تطلب
المساعدة , كدراسة متوسطة نصيب الفرد من الدخل القومي و احتمالات تطوره , وحصيلة
الدولة من النقد الأجنبي و مصادر الاقتراض و القواعد للضريبية ودراسة الهيكل
الجمركي و التعريفات المفروضة و مصادر الطاقة و حجم الاعتماد على الخارج في مجال
الغذاء ... إخ
وعلى ضوء هذه الدراسة يقوم البنك بفرض توجيهات وبرامج في ظل
فلسفة البنك التغريبية الليبرالية و من أهم توجيهات البنك ما يلي :
-
تشجيع الاستثمار الأجنبي و توفير الشروط و الضمانات
اللازمة لذلك .
-
حرية التجارة و الاعتماد على قوى السوق و المنافسة .
-
تشجيع القطاع الخاص المحلي و الأجنبي .
-
التخلص من القطاع العام عن طريق ما يدعى بالخصخصة .
-
إلغاء الدعم الحكومي للأسعار .
-
تشجيع السياسات المتجهة للتصدير
.
وإلى جانب هاتين المنظمتين نجد المنظمة العالمية
للتجارة التي ستكمل الدور الذي تقوم به حاليا المؤسسات المالية و النقدية الدولية
في إدارة الاقتصاد العالمي و توجيه السياسات الاقتصادية للبلدان النامية بصورة
تضمن العولمة القسرية للمذهبية الرأسمالية بموجتها الليبرالية الجديدة , ويتضح ذلك
من خلال أحد مهام المنظمة العالمية للتجارة التي نصت عليها المادة الثالثة من مواد
اتفاقية التأسيس وهي " التعاون و التنسيق مع صندوق النقد الدولي و البنك الدولي
و المؤسسات المرتبطة بهما من أجل توجيه وضع السياسات الاقتصادية على المستوى
الدولي ولاشك أن هذه المهمة لن تكون صعبة لما تقوم به هذه المنظمة بدور كبير في
الإشراف على تطبيق الاتفاقيات التجارية و مساهمتها في تنظيم المفاوضات التجارية
المتعددة الأطراف .
(1) : د / بلقاسم حسن بهلول " سياسة تخطيط التنمية و إعادة
تنظيمها في الجزائر " الجزء الأول – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر 1999
. ص 98 / ص 346 .
(3) : د / بلقاسم حسن بهلول , الجزء الثاني – مرجع
سابق - ص 292 , 293 .
(4) : د / بلقاسم حسن بهلول , الجزء الثاني – مرجع
سابق – ص 292 .
(5) صالح صالحي : دراسات
إقتصادية : - مادا تعرف عن صندوق النقد الدولي – العدد الأول 1999 – مركز البحوث و
الدراسات الانسانية الجزائر ص 111.
:
1:
اختيار النظام الاشتراكي و اتباع نظام المخططات :
إن رفض الجزائر للنظام الرأسمالي كان منذ وقت
مبكر وهو ما أقره بيان 1954 وهذا الرفض لم يكن عفويا . فقد اعتبرت هذا الأسلوب
مرادفا للاستعمار الذي ضحى الشعب الجزائري بالكثير من أجل محاربته وهدم بنيانه ,
ولا غرابة في ذلك ما دامت القوة التي كانت الجزائر تحاربها بالسلاح لم تكن متمثلة
فقط في الاستعمار الفرنسي و انما كانت دعائمها هي دول الحلف الأطلسي التي يجمعها
نظام اقتصادي واحد هو النظام الرأسمالي.
ونتيجة
لرفض الجزائر للنظام الرأسمالي تم اختيار النظام الاشتراكي وهو اختيار لم يكن
عفويا هو الآخر . فالعون المادي لدى البلدان الاشتراكية وتعاطف حكوماتها مع الثروة
المسلحة بالإضافة إلى الميل النفسي أيضا
للإنسان الجزائري نحو النظام الاشتراكي لأنه نظام يقدس العمل كوسيلة لكسب الحلال
وعلى مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات وعلى مبدأ التضامن الاجتماعي في
الحياة , تعتبر عوامل دفعت بالجزائر إلى
اختيار هذا النظام الاشتراكي .
أما
من الجانب الاقتصادي فان هذا الاختيار مبنى على أساسين هما :
-إن
إمكانيات القطاع الخاص الوطني (المالية و الفنية ) ضعيفة و عاجزة عن إحداث التنمية
-
الخوف من خضوع السوق لاستغلال أجنبي إذا ما ترك تنظيم الاقتصاد لقانون السوق مما
ينتج عنه تنامي طبقة طفيلية تكون مجرد آلة استغلال اجتماعية للجمهور الواسع من
الشعب . (1)
و
أدى اختيار الجزائر منهج العمل الاشتراكي في التنمية اقتصادها الوطني إلى ضرورة
تطبيق أسلوب التخطيط لأداء العملية الاقتصادية و كان أول مخطط أقرته هو المخطط
الثلاثي 1967 / 1969 ثم المخطط الرباعي الأول 1970 / 1973 ثم المخطط الرباعي
الثاني 1974 / 1977 ثم المخطط الخماسي الأول 1980 / 1984 و آخر مخطط تبنته الجزائر
هو المخطط الخماسي الثاني 1985 / 1989 .
2:
تطور نظام التخطيط في الجزائر :
لقد
تميز نظام التخطيط بتطورات هامة تمثلت على
الخصوص في ما يلي :
1) الطابع المركزي
للتخطيط الذي ميز مرحلة المخططين الأول و الثاني (1967 / 1973 )
2)
التوجه المركزي الديمقراطي للتخطيط حيث تم إشراك الجماعات المحلية في تحضير
المخططات وفي تسيير برامج استثمارية قطاعية و تجسد الطابع المركزي لنظام التخطيط
هذا بوضوح في المادة الثانية , الفقرة الثانية من قانون المخطط الخماسي الثاني
" يسطر و ينظم برامج الأعمال الرامية إلى دعم التكفل بتطلعات الأمة و تلبية
مقتظيات بناء اشتراكية و تدعيم الاستقلال الاقتصادي للبلاد "
3)
التخطيط اللامركزي الذي جاء مع الإصلاحات الاقتصادية المعبرة عنها بسياسة استقلالية
المؤسسات و تجسد أسس هذا النظام الجديد في القانون رقم 88 – 20 الصادر بتاريخ 13/
01 / 1988 و المتعلق بالتخطيط .
وتنص
المادة السادسة من نفس القانون على أن المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام هي
" أن المحاور القيادية لتنظيم الاقتصاد و تسييره المنبثقة من نظام التخطيط
محاور تعتمد على إعداد ديمقراطية للمخططات وعلى احترام المسؤوليات الشرعية و
التنظيمية عبر تقييم للعمل يضمن استقلالية تسيير كل متعامل في مجال إنجاز أهدافه
المحددة في المخطط الدوري " (2)
3
: وضعية الاقتصاد الجزائري في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات :
يرى المحللون و القارؤون للاقتصاد
الجزائري لمرحلة الاقتصاد الموجه أن الجزائر حققت الكثير من الإيجابيات يفتخر بها
الشعب لكن في المقابل ظهرت نتائج سلبية ليست بسبب التوجه الأيديولوجي و إنما
لهفوات التطبيق و المعادين لهذا الأسلوب من التنمية و نقص التجربة . ضف إلى ذلك
الإختلالات التوازنية التي عرفها نظام التسيير في هذه المرحلة و يمكن تصنيف هذه
الإختلالات التوازنية الكبرى إلى ثلاثة هي :
أ –
الخلل التوازني في تسيير التنمية : اتكأ سير التنمية في المرحلة الأولى من التخطيط
من سنة 1967 إلى سنة 1979 على الاستثمار و استخف بقواعد التسيير الاقتصادي لحساب
قواعد التسيير الاجتماعي , أما المرحلة الثانية من سنة 1980 إلى سنة 1989 على
تحسين مستوى التسيير تحت شعار تثمين الطاقة مع إهمال واضح لحركة الاستثمار
الإنتاجي .
ب-
الخلل التوازني في تسيير التجارة الخارجية : لقد كانت هيمنة المحروقات على
الصادرات واضحة حتى أصبحت المورد المالي الخارجي الأحادي الجانب حيث بلغت نسبة
المحروقات من الصادرات 97 % و تعبر هذه النسبة على عجز
السياسة الاقتصادية عن تنويع الإنتاج الوطني , أما فيما يخص الواردات فاستمرت
تبعية التنمية للخارج نسبة 80% من وسائل الاستثمار و من المعرفة التقنية و التكنولوجيا.
ج-
الخلل التوازني في استراتيجيات التنمية المطبقة في مجال تعبئة الموارد الوطنية
المتاحة سواء كانت مادية أو مالية أو بشرية وهذا راجع إلى سوء تقدير أهمية القطاع
الخاص الوطني المحلي و الخارجي , وهي استراتيجية تنموية أهملت إمكانيات القطاع
الخاص و اعتمدت كثيرا على إمكانيات القطاع العام (3)
.
ولقد
صاحب هذه الإختلالات في التسيير أزمة اقتصادية خانقة تفاقمت منذ سنة 1986 عندما
إنهار سعر البترول الخام ( البرانت) حيث انخفض سعر البترول إلى 15 دولار للبرميل
بعدما كانت 30 دولار للبرميل أي ما يعادل نصف السعر السابق و يعكس الأثر الكبير
الذي أحدثه هذا الانخفاض سلبية الاعتماد على المحروقات في تحصيل العملة الصعبة حيث
انهارت إيرادات الجزائر المالية و الخارجية من المحروقات من 12,270 مليار دولار
إلى أقل من 7,26 مليار دولار أي بنسبة 43%
.
وكان أثر هذه التدهورات كبيرة على ميزان المواد الخارجية , الذي تضاعف عجزه
عن تغطية المستحقات للخارج عن الواردات و خدمات الدين من 1,270 مليار دولار سنة
1985 إلى 6.600 مليار سنة 1993 , لتمويل هذا العجز استوجب اللجوء السنوي المتكرر
إلى الاقتراض الخارجي القصير الأجل , و أدى حتما إلى تزايد المديونية الخارجية
للبلاد التي بلغت في هذا التاريخ الأخير حجم 26 مليار دولار . (4)
وقد أدى ضعف الإنتاج نتيجة لسياسات نظام التخطيط مع ارتفاع معدلات نمو
السكان من سنة لأخرى , وزيادة طفيفة في معدل النمو ى تتماشى وحاجيات المواطنين إلى
تراكم في العجز الدائم في توفير الأمن الغذائي للمستهلكين , كما كان نتاجا لنظام
المخططات اتساع التباين بين الريف و المدينة نظرا نظرا لانعدام فرص العمل أمام
الفلاحين نتيجة لموسمية العمل و الظروف المناخية المحيطة بالإنتاج الزراعي و تركيز
الدولة على الصناعة في أغلب مراحل هذه الفترة وكلها عوامل أدت إلى إضعاف الاقتصاد
الوطني .
ومن خلال تتبعنا للنتائج التي حققتها الجزائر إلى غاية بداية التسعينات
نستنتج أن أهم العوامل التي أضعفت الاقتصاد الجزائري هي التبعية الاقتصادية وتفاقم
أزمة الديون الخارجية نتيجة الاستيراد المكثف لسلع الاستهلاك النهائي في بداية
الثمانينات تحت شعار " من أجل حياة أفضل " بالإضافة إلى ضخامة الجهود
الاستثمارية وخاصة الاستثمار في المجال الصناعي و الاعتماد على الصناعات الثقيلة .
ونجد الاعتماد المطلق على تصدير منتوج واحد وهو النفط الذي حصيلة إيراداتها
تمثل 97% من مجموع إيرادات الدولة
يعتبر من العوامل الرئيسية التي جعلت الاقتصاد الجزائري يستجيب للصدمات الخارجية
خاصة ما أفرزته الصدمة النفطية العكسية سنة 1986 وما كان لها من أثار سلبية على
الاقتصاد الوطني على جميع الأصعدة .
// الإصلاحات الاقتصادية في ظل النظام العالمي الجديد :
إن
تفاقم أزمة المديونية واعتماد الجزائر على النفط في حصيلة إيراداتها زاد من حدة
الاستجابة للصدمات الخارجية و في ظل ميلاد نظام دولي جديد – العولمة – ارتبطت
آلياته في وجهها الاقتصادي بالمؤسسات العملاقة للتمويل و أبرزها صندوق النقد
الدولي و البنك العالمي . نتيجة لاتجاه تفكير الحكومات الجزائرية المتعاقبة إلى
الحلول المستوردة التي يقترحها كل من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي
محاولة منها لتسكين الأزمات المتنامية بادرت الجزائر إلى اتصالات مع هاتين
المنظمتين وهكذا دخلت في تطبيق برامج للإصلاح الاقتصادي تعتمد أساسا على الحلول
المستوردة وخاصة تلك التي يفرضها صندوق النقد الدولي .
1 : مفهوم النظام العالمي و دور المؤسسات الدولية في تدعيمه :
في بداية العقد الأخير من
القرن العشرين شهد العالم موجة جديدة أطلق عليها اسم العولمة الاقتصادية ,
وبمرور الزمن تزايدت الدعوة لها حيث بدأت ملامح و مرجعيات وخصائص هذه
الظاهرة تتسارع لتشكل الهندسة الجديدة لاقتصاد القرن الحادي و العشرين , وإذا كانت
العولمة الاقتصادية قد ولدت مع بدية عقد التسعينات فإن جذورها تعود إلى عودة
المدرسة الاقتصادية الليبرالية الجديدة مع بداية الثمانينات .
إن العولمة الاقتصادية كظاهرة لتطور النظام الرأسمالي تعني الانتقال من
الاقتصاد الدولي الذي تتكون خلاياه القاعدية من اقتصاديات متنافسة و متمركزة على
الذات إلى الاقتصاد العالمي القائم على النظم الاقتصادية و المؤسسات الاقتصادية
الكونية وعلى سلطة القرار الاقتصادي الكوني .
لذا فإن العولمة بهذا المعنى تصنف ضمن مرحلة متقدمة من مراحل تطور
الرأسمالية بما يهدف إلى تحقيق وحدة العالم الاقتصادية , منظورا إليها من وجهة
الرأسمالية نظام اقتصادي عالمي قائم على آليات السوق الرأسمالية كعلاج شاف لكل
مشاكل الكون الاقتصادية , أي بمعنى تحقيق الطابع العالمي الرأسمالي كنظام اقتصادي
عالمي متكامل , وهي بهذا المعنى نزوع للهيمنة على الطريقة الإمبراطورية , أي أنها
غير مرئية , بحيث تحددها طبيعة عمل شبكات الهيمنة العالمية على الاقتصاد . وهذا ما
يضفي عليها بعدا آخر يستهدف كيانات الدولة والوطن و الأمة , فإذا ما تم سحب هذه
الكيانات الثلاثة , تتحقق هيمنة الإمبراطورية العالمية . وأساس هذا النظام تعميم
الديمقراطية الليبرالية , ويقوم على أربع عمليات أساسية هي :
المنافسة بين القوى العظمى و الابتكار التكنولوجي و انتشار عولمة الإنتاج و
التبادل و التحديث و في الواقع ما هي إلا عمليات تمثل حقبة التحول الرأسمالي
العميق للإنسانية جمعاء وهو تحول يقوم على تعميم الديمقراطية الليبرالية وتتجلى
العولمة في المجال الاقتصادي في :
1-
نمو وتعمق الاعتماد المتبادل
بين الدول و الاقتصاديات الوطنية .
2-
وحدة الأسواق المالية .
3-
تعميق المبادلات التجارية .
4-
إنشاء المنظمة التجارية
العالمية .
5-
التكتلات الاقتصادية العالمية .
6-
نشاط الشركات الدولية .
7-
نشاط المؤسسات الدولية
الاقتصادية (البنك العالمي , صندوق النقد الدولي.... إلخ )
8-
حل مشكلة الديون الخارجية .
* دور المؤسسات الدولية في تدعيم النظام العالمي الجديد :
يقول أحد الباحثين في
طبيعة العلاقة بين صندوق النقد الدولي و البنك الدولي : " وفي الواقع تتجسد
طبيعة العلاقة بين هاتين المنظمتين الدوليتين في كونهما أهم الأدوات التي أوجدت
لصيانة النظام الإقتصادي العالمي الحالي و ضمان إستمراريته , وهذا يعني أنهما
ينتميان إلى ايديولوجية واحدة و أن سياستها تأخذ مسبقا صيغة تتفق مع مبادئ هذا
النظام و أهدافه " (5)
انطلاقا من هذا القول يتضح لنا الدور
الكبير الذي لعبه و يلعبه كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في تدعيم
النظام العالمي الجديد .
ففيما يخص صندوق النقد الدولي الذي كأكبر مؤسسة مؤثرة في النظام النقدي
الدولي و ما أصبح يلعبه من دور خطيرا في إدارة أزمة المديونية العالمية حسب رؤيته
الخاصة التي تعكس مصالح الدائنين فإنه انتهج فرض سياسة إدخال إصلاحات هيكلية و
برامج الاستقرار كمدخل لدمج اقتصاديات الدول المدنية في النظام الرأسمالي العالمي
في مقابل استفادة هذه الدول من مساعدات جديدة و إعادة جدولة الديون السابقة .
وتمثلت أهم السياسات و النصائح التي يقدمها صندوق النقد الدولي من أجل
ادخال إصلاحات هيكلية و برامج الاستقرار في :
-
تخفيض سعر صرف العملة الوطنية
اتجاه العملات الأجنبية .
-
تحرير الإستراد من جميع القيود
-
تخفيض الإنفاق العام .
-
إلغاء دعم المواد الأساسية .
-
زيادة موارد الدولة عن طريق
زيادة الضرائب و الرسوم .
-
وضع إجراءات للحد من عرض النقود
وتنمية السوق النقدي و المالي .
أما البنك العالمي فإن تأثيراته على اقتصاد الدول التي تطلب المساعدة فتظهر
من
خلال تدخلاته في الشؤون
الداخلية عن طريق الدراسة التي يقوم بها خبرائه على اقتصاد الدول التي تطلب
المساعدة , كدراسة متوسطة نصيب الفرد من الدخل القومي و احتمالات تطوره , وحصيلة
الدولة من النقد الأجنبي و مصادر الاقتراض و القواعد للضريبية ودراسة الهيكل
الجمركي و التعريفات المفروضة و مصادر الطاقة و حجم الاعتماد على الخارج في مجال
الغذاء ... إخ
وعلى ضوء هذه الدراسة يقوم البنك بفرض توجيهات وبرامج في ظل
فلسفة البنك التغريبية الليبرالية و من أهم توجيهات البنك ما يلي :
-
تشجيع الاستثمار الأجنبي و توفير الشروط و الضمانات
اللازمة لذلك .
-
حرية التجارة و الاعتماد على قوى السوق و المنافسة .
-
تشجيع القطاع الخاص المحلي و الأجنبي .
-
التخلص من القطاع العام عن طريق ما يدعى بالخصخصة .
-
إلغاء الدعم الحكومي للأسعار .
-
تشجيع السياسات المتجهة للتصدير
.
وإلى جانب هاتين المنظمتين نجد المنظمة العالمية
للتجارة التي ستكمل الدور الذي تقوم به حاليا المؤسسات المالية و النقدية الدولية
في إدارة الاقتصاد العالمي و توجيه السياسات الاقتصادية للبلدان النامية بصورة
تضمن العولمة القسرية للمذهبية الرأسمالية بموجتها الليبرالية الجديدة , ويتضح ذلك
من خلال أحد مهام المنظمة العالمية للتجارة التي نصت عليها المادة الثالثة من مواد
اتفاقية التأسيس وهي " التعاون و التنسيق مع صندوق النقد الدولي و البنك الدولي
و المؤسسات المرتبطة بهما من أجل توجيه وضع السياسات الاقتصادية على المستوى
الدولي ولاشك أن هذه المهمة لن تكون صعبة لما تقوم به هذه المنظمة بدور كبير في
الإشراف على تطبيق الاتفاقيات التجارية و مساهمتها في تنظيم المفاوضات التجارية
المتعددة الأطراف .
(1) : د / بلقاسم حسن بهلول " سياسة تخطيط التنمية و إعادة
تنظيمها في الجزائر " الجزء الأول – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر 1999
. ص 98 / ص 346 .
(3) : د / بلقاسم حسن بهلول , الجزء الثاني – مرجع
سابق - ص 292 , 293 .
(4) : د / بلقاسم حسن بهلول , الجزء الثاني – مرجع
سابق – ص 292 .
(5) صالح صالحي : دراسات
إقتصادية : - مادا تعرف عن صندوق النقد الدولي – العدد الأول 1999 – مركز البحوث و
الدراسات الانسانية الجزائر ص 111.