الوضع القانوني لتكوين
نقابات العالمين
( دراسة مقارنة )
للدكتور / حسن محمد
علوب .
قاضي المحكمة العليا
قدم هذا البحث للحلقة الدراسية الرابعة في القانون والتي نظمها المجلس
الأعلى
لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية لجمهورية مصر العربية بالخرطوم في
مارس
1972 .
تحت موضوع :
( نحو توحيد نظام
العاملين المدنيين في الدول العربية )
1- العاملون المدنيون :
يشير عنوان
الموضوع الثالث المطروح للبحث في هذه الحلقة
الدراسية إلى أنه سيعني بموضوع ( توحيد نظام العاملين المدنيين في الدول
العربية )
. ألا أنه يلاحظ أن هذا الموضوع يتسم بالغموض . فيثور التساؤل عن الوصف
الذي يشير
إليه تعبير ( المدنيين ) وهل هم جميع من يعملون في خدمة الدولة في مرافقها
المختلفة ، وهل يشمل ذلك العاملين في المؤسسات التي تتبع الدولة وتمارس
نشاطها
اقتصاديا يهدف إلى تحقيق الأرباح . كما لا يبدد من هذا الغموض رجوعنا إلى
مبادئ
علم الإدارة والقانون الإداري .
ولن اصرف كثيرا من الجهد في تقصي تعريف الخدمة المدنية أو مدلولها علي
النطاق
العالمي ، أو السائد في البلدان العربية ، تاركا هذه النقطة الجوهرية لغيري
من
الباحثين ولمداولات المؤتمر ، التي ستعكس جوانب الاتفاق والتنافر حول فحوي
هذا
التعبير . وسأتقبل بصفة مبدئية النتيجة التي توصلت إليها ( لجنة تنظيم
الخدمة
المدنية بالسودان ) في تقريرها ( 1)
الصادر عام 1968 حيث يقول ( أن بلاد العالم وفقهاء الإدارة العامة لم
يتفقوا علي
تعريف موحد ( للخدمة المدنية ) مختلفون في ذلك اختلافات كثيرة . ولكن في
جميع الأحوال حينما يجد البحث في مفهوم إصلاح ( الخدمة المدنية ) يدور
الحديث عن
صلتها بالخدمة العسكرية والخدمة القضائية والكادر السياسي والمستخدمين
المؤقتين (
خارج الهيئة ) هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري يدور الحديث عن موظفي الحكومة
المركزية ، وموظفي الحكومة المحلية ، وموظفي الهيئات العامة شبه الحكومة
المركزية
)(1)
كما لا يسعني ألا أن استرشد بالمفهوم الذي حددته لجنة تنظيم الخدمة المدنية
في
السودان المشار إليها آنفا ، باعتباره التفسير الرسمي السائد في السودان عن
مفهوم
الخدمة المدنية ، كما توصلت إليه تلك اللجنة وأتخذته أساسا لدراساتها ،
باعتبار أن
الخدمة المدنية تضم ( كل العاملين الذين يتقاضون مرتباتهم من دافع الضرائب
السوداني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في المستوي المركزي والمحلي والهيئات
شبه
الحكومية وذلك باستثناء الوزراء والنواب والمناصب السياسية الأخرى ورجال
القضاء
والقوات المسلحة ) . والجدير بالذكر أن تقرير تلك اللجنة قد أعتبر الخدمة
المدنية
جزءا من كل اشمل واعم وهو الخدمة العامة (2)
. ألا أن الجانب الذي اخترته من موضوع نظام العاملين المدنيين يملي علي أن
اجتزئ
مما يتضمنه تعريف تلك اللجنة للعاملين المدنيين أولئك الذي يجيز لهم تشريع
السودان
تكوين النقابات . فالنظر في توحيد نظام العاملين في الدول العربية يتطلب
الإحاطة
بوضعهم القانوني في تلك الدول والذي يحكم علاقتهم بالدولة وباعتبارهم من
أكثر
قطاعات الشعب .
2- الجانب الذي اعني ببحثه
من الموضوع :
ومهما يكن
التحديد الذي نصل إليه لمدلول تعبير (
العاملين المدنيين ) أو مقوماته ، ألا لابد أن يشمل علاقة أولئك العاملين
المدنيين
بالدولة وشروط خدمتهم وضماناتهم ومشروعية تكوينهم لنقابات أو منظمات تعني
بشئونهم
، خاصة وأن قانون نقابات العمل في السودان يجيز للعاملين ( عمالا كانوا أو
موظفين
) تكوين النقابات باستثناء فئات معينة يحددها القانون (3)
وهم أفراد قوات الشعب المسلحة ، أفراد قوات البوليس والسجون .أعضاء الهيئة
القضائية ، ضباط وكشافة الصيد والأسماك وإفراد قوات المطافئ . لذلك عنيت
باستعراض
هذا الجانب من الموضوع والمتعلق بالوضع القانوني لتكوين نقابات العاملين
وذلك وفقا
لمفهوم تعبير العاملين في تشريع السودان ووفقا لمفهوم المدنيين الذي
اجتزناه من مفهوم
الخدمة المدنية في السودان والذي قصرناه لأغراض هذا البحث علي العاملين
الذين يجيز
لهم تشريع السودان تكوين النقابات ، عمالا كانوا أو موظفين .
ومما يبرر
اختيارنا لهذا الجانب من الموضوع ما توصل عليه
تقرير لجنة تنظيم الخدمة المدنية المشار إليه في السودان عن المسائل التي
ينبغي أن
يتضمنها قانون الخدمة المدنية الموحد المقترح وضعه في السودان ، حيث جاء
فيها
موضوع ( الاتحادات والنقابات للخدمة المدنية ) (1
) .
3- التكييف القانوني لعلاقة
العاملين المدنيين بالدولة :
يتنازع هذا
التكييف اتجاهات أولهما يعتبر هذه العلاقة
تعاقدية بنظمها العقد ، وثانيهما يعتبرها مركزا قانونيا تحدده القوانين
واللوائح ،
أي أن تلك الرابطة بما تكلفه من حقوق وما يترتب عليها من واجبات مستمدة
مباشرة من
نصوص القوانين واللوائح المنظمة لها . فإذا كان العقد يعتمد إلى حد كبير
علي أراده
الطرفين ، فالأمر يختلف عند تشغل العامل المدني لوظيفته ، إذ أن القرار
بتعيينه لا
ينشئ مركزا قانونيا جديدا كما في حالة العقد ، حيث أن هذا المركز تحدده
القوانين
واللوائح التي تنشئ الوظيفة التي يشغلها العامل المدني (2)
. وقد زادت حدة هذا الخلاف الذي نشأ في مصر قبل سيادة المفاهيم الاشتراكية
فيها ،
وانتصر فيه القضاء هناك بشقيه المدني والإداري لفكرة المراكز القانونية وما
يترتب
عليها من يثار نجملها فيما يلي :
أولا : تقوم رابطة العمل بصدور قرار التعيين لا
بقبول العامل له .
ثانيا : بما أن العاملين المدنيين يقمون بالعمل في
مرافق عامة فيلتزمون بالتالي بسير العمل فيها سيرا منتظما بما يفرض عليهم
الامتناع
عن الإشراب عن العمل والاستقالة الجماعية .
ثالثا: كما أن صلة العامل المدني بالوظيفة لا تنتهي
بتقديم الاستقالة بل بقبولها .
رابعا: كما يسري علي العاملين المدنيين كل تعديل في
أحكام القوانين واللوائح ولو ترتب عليه تغيير مرتباتهم أو وضعهم (1)
.
ولم يقتصر شأن
هذا الخلاف علي الفقه بل تردد صداه داخل
الأوساط العمالية ذاتها في مصر ، فقد جاء في توصيات المؤتمر الثقافي الأول
للاتحاد
العام لعمال الجمهورية المنعقد في الإسكندرية في أكتوبر عام 1965 ما يلي :
(
لقد اختفت الفلسفات القديمة لتحل محلها مبادئ جديدة أساسها أن علاقة العمل
علاقة
تنظيمية اشتراكية ، تؤكد حماية العاملين والحفاظ علي حقوقهم ، وحماية
مكاسبهم (2)
باعتبارهم العنصر الأساسي في الإنتاج ) . ألا أن هذا الاتجاه يلقي معارضة
في ظل
المفاهيم الاشتراكية أيضا ، حيث أن السائد في البلاد الاشتراكية باستثناء
يوغسلافيا (3)
هو اعتبار علاقات العمل علاقات تعاقدية تنبع من مبدأ حرية العمل والذي يعني
أن لكل
مواطن أن يختار لنفسه هذا أو ذاك من أماكن العمل بمحض رغبته وأن يترك أحدها
ليلتحق
بغيره (4)
كما أن استثناء يوغسلافيا مرجعه الإدارة الذاتية للعمل بواسطة العمال
أنفسهم .
وبالتالي تقوي حجة الطبيعة التعاقدية لعلاقات العمل في ظل الاشتراكية ،
وزيادة علي
أنه لم يؤثر ذلك التكييف في البلدان الاشتراكية علي مصلحة الإنتاج ، كما أن
تكييف
الطبيعة التنظيمية لعلاقة العمل لم يعد هو الحجة الوحيدة لحماية الصالح
العام
وضمان عدم توقف العمل أو اختلاله في المجتمعات الاشتراكية ، حيث تغيرت
أساسا
العلاقة بين الدول والعاملين والذين لم يعد أنصافهم أو كفالة حقوقهم متوقفا
الأساسي . يبدو لي أنه مع تطور تشريعات العمل حيث صار هناك قانون الأرجح في
تكييف
تلك العلاقة هو اعتبارها علاقة تعاقدية ولكن العقد هنا من نوع متميز ينتمي
إلى
دائرة القانون العام لا القانون الخاص . ويوجد مثل هذا الرأي في فقه
القانون
الإداري وأن كان تعليله لم يعتمد قديما علي فكرة المفاهيم الاشتراكية للعمل
وأنما
علي اتصال ذلك العقد بإدارة المرافق العامة .
ومثل هذا
التكييف يجنبنا الازدواجية في قانون العمل في مرحلة
التحول الاشتراكي فلا يكون هناك مجال لوضع قواعد تحكم العمل في القطاع
الخاص
متميزة عن تلك التي تحكمه في القطاع العام أو في مرافق الدولة المختلفة ،
كما لا
نبحث عن أساس لوجوب أضطر أد سير العمل وانتظامه في المرافق العامة متميزا
عن
علاقات العمل الاشتراكية نفسها ، والتي تتضمن هذا السلوك وتستوجبه . كما
يتيح لنا
هذا التكييف توحيد الوضع القانوني لنقابات العاملين سواء كانوا عاملين
مدنيين ام
عاملين بالقطاع الخاص دون أن يعجزنا فلك التكييف عن وضع الضمانات التي تكفل
انتظام
سير العمل في المرافق العامة والتي تحول دون تأثير العوامل السياسية عليها ،
ألا
أنه يلاحظ أن هذا التكييف يتخذ أساسه من قبول المبدأ الاشتراكي لحكم علاقات
الإنتاج وقضية التطور ، الأمر الذي لم تجمع عليه البلاد العربية بعد ، مما
يبقي
الحاجة إلى تكييف المراكز القانونية في البلاد التي لا تأخذ بالاشتراكية .
4- خطة البحث :
سأعنى أساسا في
هذا البحث بإبراز حكم التشريع السوداني حول
مسالة جواز تأليف نقابات العاملين المدنيين والقواعد التي تحكمها وهي أحكام
تنطبق
في جملتها علي جميع العاملين في السودان مدنيين أو غيرهم ، ونظرا لأن أى
توحيد
يقترح في هذا الشأن بين البلاد العربية لن يحيد عن الإطار الدولي المقرر
والذي
تضمنته الاتفاقيات الدولية ، والذي يكون أيضا التزاما دوليا علي الدول
المنظمة
منها إلى تلك الاتفاقيات ، فسأعنى باستعراض الأحكام السائدة علي النطاق
الدولي
والتي تكون مستوي مقبولا لدي الرأي العام العالمي عن حقوق الإنسان العامل
كما
تضمنتها المواثيق الدولية .
علي أن اهتمامي
بالمستوي الدولي والأحكام السائدة في السودان
لن يحول دون إلقاء نظرة مقارنة علي التشريع السائد في الشقيقة مصر العربية
فعلاوة علي
أنها تمثل أول تجريه في مرحلة التحول الاشتراكي ، فقد كانت علي الدوام
مستودع
الثقافة والمعرفة الو ضاء في الأفق العربي ، زيادة علي أن تشريعها قد راعي
المستويات التي أوصت بها لجنة توحيد تشريعات العمل في الدول العربية ،
وكذلك مبادئ
اتفاقيات العمل الدولية التي أقرتها مؤتمرات العمل (1)
. وكذلك مشروع قانون العمل الموحد الجديد في مصر الذي طرح للنقاش العام في
عام
1969 ، وذلك وفقا لما تتيحه لنا إمكانيات البحث المحددة في السودان في هذا
المجال
، والتي نرجو لها التقدم والازدهار مع انتصار التعريب ، والتي حال شحها دون
التعرض
للوضع في الدول العربية الأخرى .
وسأتناول في
مباحث ستة أهم المسائل القانونية التي تتعلق
بتكوين النقابات وهي كما يلي ، لزوم الأذن ، التسجيل دساتير النقابات
وقواعدها
سلطة حل النقابات ، سلطة النقابات في تكوين الاتحادات والانضمام إليها ثم
حقوق
وامتيازات نقابات واتحادات العمال .
هذا وسنستعرض
في دراستنا للقانون السوداني بشأن تكوين
النقابات مراحل تطوره المختلفة منذ عهد الاستقلال حتى آخر تشريع سار .
الوضع
القانوني لتكوين نقابات العاملين
5- تعريف النقابات
يقوم التعريف
التقليدي لنقابات العمل والذي أخذت به
تشريعات العمل (
trade unions) والذي أخذت به
تشريعات العمل المتعاقبة في إنجلترا ، علي أنها تعني الانضمام في جماعات ،
بصفة
دائمة أو مؤقتة ، بغرض تنظيم العلاقة بين عمال ومخدمين أو بين عمل وعمال
آخرين ،
أو بين ومخدمين آخرين ، أو بغرض الاتفاق علي وضع قيود معينة علي ممارسة أية
تجارة
أو مهنة والحصول علي مزايا لأعضائها (2) . ويتميز
هذا التعريف بأنه يجمع بين نقابات العمال ونقابات المخدمين ، وجماعات أصحاب
المهن
حيث يدخلها جميعها في تعريف النقابة . وقد تأثر قانون العمل والعمال في
السودان (
لسنة 1949 تعديل سنة 1966 ) إلى حد ما بهذا المفهوم ، حيث عرف نقابة العمل
في
المادة 2 كما يلي :
( يقصد به أي تشكيل سواء كان مؤقتا أم مستديما تكون أغراضه بموجب دستوره
تحقيق
أهدافه وتنظيم العلاقات بين عمال ومخدمين أو بين مخدمين ومخدمين بالرغم من
أن ذلك
التشكيل قد يكون غير مشروع قانونا لو لا هذا القانون بسبب أن أيا من أغراضه
يشكل
قيدا علي حرية عمل ) . كما تأثر قانون نقابات العمل لسنة 1971 بهذا المفهوم
، ألا
أنه عدل مؤخرا باستبعاد المخدمين من نطاقه.
وبالرجوع
إلى الفقه الاشتراكي ، لا أجد تعريفا لنقابات العمل ، وأن كان من الممكن
استخلاص
تعريف لها ، بأنها ( منظمات تضم من يتقاضون أجورا أو مرتبات عن عملهم ، في
المؤسسات والهيئات ذات الطبيعة الواحدة للدفاع عن مصالحهم المشتركة ،
وزيادة
الإنتاج (1)
. وستبعد هذا التعريف المخدمين من نطاقه ، كما يظهر فارقا أساسيا بين دور
النقابات
في بلدان الديمقراطية الليبرالية وبلدان النظام الاشتراكي ، حيث تضطلع
النقابات في
الأخيرة بدور بارز في رفع الإنتاج (2)
.
كما
لم تعرف الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي ، والتي
تبنتها
منظمة العمل الدولية ، النقابة ، إلا أنه يستخلص من تلك الاتفاقية بأن
مفهوم
النقابة يشمل منظمات العمال وأصحاب الأعمال ، وذلك وفقا للمادة الثانية
منها
والواردة تحت باب ( الحرية النقابية ) حيث تنص علي حق العمال وأصحاب
الأعمال بدون
تمييز في تكوين المنظمات التي يختارونها (3)
.
البحث الأول
لزوم الأذن
6- في المجال الدولي :
يعتبر
تكوين النقابات والانضمام إليها ، في المجال الدولي ، حقا من الحقوق
الأساسية للإنسان ، وامتيازا للفرد لا يجوز للدولة وضع العراقيل في سبيل
ممارسته .
وتمشيا مع هذا المفهوم ، نصت المادة 23 – 4 من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان ،
بأن كل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.
وقد
ردد المبدأ في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الإنسان (4)
في المادة 8 كما يلي : ( تلتزم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بمراعاة ما
يلي :
1- حق أي شخص في تكوين
والانضمام الي نقابات العمال باختياره وفقا للقواعد التي تضعها هذه
المنظمات وذلك
لحماية مصالحة الاقتصادية والاجتماعية ويجب ألا توضع أي قيود في سبيل
ممارسة هذا
الحق عدا تلك المنصوص عليها في القوانين والتي تكون ضرورية في دولة
ديمقراطية
لحماية الأمن القومي أو النظام أو لحماية حقوق وحريات الآخرين .)
كما
تضمنته المادة 11 من الاتفاقية الأوربي لحقوق الإنسان حيث نصت علي ما يلي :
1- لكل شخص الحق في التجمع
السلمي وتكوين جمعيات مع آخرين بما في ذلك تكوين والانضمام إلى نقابات
لحماية
مصالحه .
2- يجب ألا
تقام أي عقبات في سبيل ممارسة هذا
الحق عدا تلك التي تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية الأمن القومي أو
السلامة
العامة أو لمنع الإخلال بالنظام أو منع الجرائم أو لحماية الصحة والأخلاق
أو
لحماية حقوق وحريات الآخرين .
وهذه
المادة لا تحول دون وضع قيود قانونية علي ممارسة هذه الحقوق بواسطة أفراد
القوات المسلحة أو البوليس أو موظفي الدولة (1)
.
وقد
صاغته الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي في المادة
الثانية
كما يلي :
(
للعمال واصحاب الأعمال بدون أي تمييز الحق في تكوين المنظمات التي
يختارونها أو
الانضمام إليها بدون حاجة إلى أذن سابق وذلك فقط في حدود القواعد المعمول
بها في
هذه المنظمات ) ويتضح من هذه المادة أنها لا تعلق قيام النقابات أو
الانضمام إليها
علي أذن سابق من السلطات ، بل أنها تنص صراحة علي عدم تطلب هذا الأذن . كما
تضمنت
ديباجة دستور منظمة العمل الدولية النص علي الاعتراف بمبدأ الحرية النقابية
(2)
.
7- في النظم المقارنة :
(أ) في إنجلترا : إذا
استثنينا القوات المسلحة والبوليس فان القانون يجز في إنجلترا حرية تكوين
النقابات
والانضمام إليها بالنسبة لكاملي الأهلية وفقا لما تتطلبه دساتيرها من شروط ،
ولا
يعلق ذلك علي الحصول علي أذن (1)
(ب)في الاتحاد السوفيتي : يكفل
الدستور السوفيتي في المادة 126 للمواطنين حرية النقابات حيث نصت علي ما
يلي :
( وفقا
لمصالح الشغيلة
وتطويرا لروح المبادة التنظيمية والنشاط السياسي لدي الجماهير الشعبية يؤمن
لمواطني الاتحاد السوفيتي حرية التجمع في منظمات اجتماعية كالنقابات .....(2)
كما تضمنت المادة في آخرها قيادة الحزب الشرعي لكل منظمات العمال
الاجتماعية منها
والسياسية ، كما يلقي التشريع الجنائي هناك مسئولية علي من يعيق نشاط
النقابات
المشرع (3)
.
(ج) في مصر: تنص
المادة 40 من دستور 1964 علي أن إنشاء النقابات حق مكفول ، وللنقابات شخصية
اعتبارية وذلك علي الوجه المبين في القانون .
كما تنص المادة 160
من
القانون رقم 91 لسنة 1959(4)
علي أن للعمال الذين يشتغلون بمهنة أو صناعة واحة ، أو مهن أو صناعات
متماثلة أو
مرتبطة بعضها ببعض ، أن يكونوا فيها بينهم نقابة واحدة ترعي مصالحهم وتدافع
عن
حقوقهم وتعمل علي تحسين حالتهم المادية والاجتماعية .
8- في السودان :
كانت
المادة 8 من قانون نقابات العمل والعمال لسنة 1949 المعدل سنة 1966 تتطلب
من كل
نقابة أن تتقدم بطلب للتسجيل في خلال شهرين من تكوينها ، ويترتب علي رفض
التسجيل عدم
مشروعية النقابة ، مالم يلع أمر رفض التسجيل عند الطعن القضائي فيه بالطرق
المقررة
. ثم صدر تعديل للقانون بتاريخ 16 / 5 / 1971 بنقل سلطة قاضي المحكمة
العليا في
نظر الطعن إلى وزير العمل ، ويمكن القول بناء علي ذلك بأن قانون نقابات
العمل
والعمال يعلق قيام النقابة علي الحصول علي الأذن ، الأمر الذي يتعارض مع
ديباجة
دستور منظمة العمل الدولية التي صدق عليها السودان من قبل ، كما يتعارض مع
المبادئ
الواردة في الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي (1)
. وقد تخلي قانون العمل الموحد لسنة 1970 عن مبدا التسجيل ولكنه تطلب من كل
نقابة
أن تودع الأوراق المتعلقة بتأسيسها في مدي شهرين من تاريخ تكوينها ( م 161 )
، كما
يعتبر النقابة قائمة بمجرد إتمام إجراءات الإيداع ، وأن كان للجهة الإدارية
المختصة أن تعترض علي تكوين النقابة الأسباب محددة ( م 163) فإذا لم تقم
النقابة
بصحيح ما أعترض عليه خلال ثلاثين يوما ، يكون للجهة الإدارية أن ترفع الأمر
إلى
المحكمة العليا .
وقد اخذ قانون
نقابات عمل لسنة 1971 بنظام الإيداع وأن كان
قد أضاف عدم اعتبار النقابة منشأة إلا بعد قبول الأمين العام للنقابات ،
طلب
الإيداع وتسلمها إيصالا بذلك ( م 27و 28) وقد كفل هذا القانون حق الطعن في
رفض
الإيداع لوزير العمل في أول الأمر ثم صدور تعديل لاحق ينقل هذه السلطة إلى
قاضي
المحكمة العليا .
9- الخلاصة :
نلاحظ أن
قانون العمل الموحد لا يعلق قيام علي
أذن سابق وأن كان يجيز الاعتراض عليها والطعن في شرعية تكوينها أمام
المحكمة
العليا ، وهو يساير بصورة مطلقة الاتجاهات السائدة في المواثيق الدولية
وديباجة
دستور منظمة العمل الدولية .
ويبدو
أن تعليق قانون نقابات العمل لسنة 1971 قيام النقابة علي تسلمها ايصال
الإيداع قد
قصد به أحكام الرقابة علي قيام النقابات وفقا للأسس التي تضعها اللائحة
التي
يصدرها الوزير التي يسترشد فيها بتقسيمات منظمة العمل الدولية للمهن
والصناعات (2)
التي يمكن أن تقوم فيها نقابات وذلك للحيلولة دون تفتيت الحركة النقابية
وهو أمر
اقتضته مرحلة الثورة التنظيمية التي تجتازها البلاد .
المبحث الثاني
التسجيل
10
– في النطاق الدولي :
نعني في هذا
المبحث باستطلاع ما إذا كانت
المبادئ الدولية المتعلقة بحرية تكوين النقابات ، تجيز تطلب سلطات الدولة
من
النقابات القيام بإجراءات تسجيل كوسيلة للاعتراف القانوني بها ، ولحكمة
أخري ، دون
أن يكون شرطا لذلك الاعتراف . ورغما عن أن الوثائق الدولية المشار إليها من
قبل لم
تتعرض صراحة لمسالة التسجيل ، ألا أنه يمكننا القول قياسا علي مبدأ عدم
جواز تطلب
الإذن ، بان التسجيل الذي يكون شرطا للاعتراف القانوني بالنقابة ، يعد
متعارضا مع
مبدأ الحرية النقابية . وكما يقول ( جنكز ) المستشار القانوني لمنظمة العمل
الدولية بأنه ( إذا كان مفهوم الحرية النقابية يتلخص في حق إقامة النقابات
والانضمام إليها اختياريا ، فان أساس هذه الحرية يكون في الحق في ممارستها
بدون
حاجة إلى تفويض سابق (1) .
11- استعراض لجنة ( ما
كنير )
يتضح من
استعراض لجنة ما كنير ، ان الوضع
يختلف بالنسبة لتطلب تسجيل النقابات ، بما يمكن معه تصنيف الوضع السائد في
الدول
الأعضاء بمنظمة العمل الدولية ، عند إعداد التقرير ، إلى عدة أقسام ، وذلك
من حيث
اشتراط التسجيل وحكمته ومزاياه . ولجنة ( ما كنير ) لجنة ترأسها لورد ما
كنير رئيس
محكمة العدل الدولية السابق ، لفحص موقف الحركة النقابية في الدول الأعضاء (
55-
1956) ، (1) وعددها حينذاك كان سبعين دولة (2) وكان ذلك بناء علي قرار من
منظمة
العمل الدولية . وقد قامت اللجنة بتحليل المعلومات التي تلقتها من الدول
الأعضاء
في هذا الشأن ، حيث قامت بتصنيف التسجيل إلى الأنواع التالية :
(أ) تسجيل
اختياري محض : حيث يمكن
للنقابات القيام به إذا رغبت في ذلك ، ويكون لها الحق في أن يعترف لها
بالشخصية
المعنوية بناء عليه ، ويتبع ذلك النظام في بعض الأقطار خاصة في البلاد
الاسكندنافية . وتتم إجراءاته بان تقدم النقابة للجهة المختصة دستورها
وقواعدها
واسماء أعضاء لجنة أدارتها .
كذلك
فان للنقابات في إنجلترا أن تجري التسجيل أو تمتنع عنه ، دون أن يترتب علي
امتناعها عنه ، فقدان المزايا التي يرتبها قانون منازعات العمل.
(ب) تسجيل
اختياري ذو مزايا : فيكون للنقابة أن
تجري التسجيل أو تمتنع عنه ، إلا أن القيام به يكفل للنقابة مزيا مختلفة ،
ففي
فرنسا يترتب علي القيام بالتسجيل ، أن يكون للنقابة الحق في أن تتولى
الدفاع أمام
المحاكم ، ليس عن مصالح أعضائها فحسب ، بل أيضا عن مصالح كل العمال الذين
ينتمون
إلى المهنة التي تمثلها .
كما
أن هذا التسجيل يكفل للنقابة درجة معينة من الحصانة من ناحية المسئولية
المدنية
والجنائية في بورما والهند وباكستان ، كما يتيح التسجيل للنقابة في ايرلندا
الحصول
علي رخصة لأجراء المفاوضات ، والتي يجوز لها بمقتضاها أن تبرم اتفاقيات عمل
جماعية
. كما أن التسجيل اختياري في الولايات المتحدة في النطاق الفدرالي . إلا
أنه يترتب
عليه اكتساب بعض المزايا ، كحماية قانون علاقات العمل ، والحماية ضد
الأساليب غير
العادلة في العمل ، وحق عقد اتفاقات جماعية إلا أنه يشترط للحصول علي هذا
التسجيل
في الولايات المتحدة ، أن يقدم أعضاء النقابة إقرارا مشفوعا باليمين بعدم
انتمائهم
إلى عضوية الحزب الشيوعي . كذلك يلزم التسجيل في استراليا كشرط للاستفادة
من نظام
التحكيم .
(ج) تسجيل
إجباري : يتطلب إجباريا في عدد
من الدول . وتختلف أغراض هذا التسجيل بين الدول ، ففي بعضها يكون مجرد
وسيلة
للتأكد من مطابقة دستور وقواعد النقابة للتشريع ، كما يكون قبول التسجيل
مجرد
مسألة تقدير في بعض الدول . وفي الاتحاد السوفيتي يتطلب أن يتم تسجيل
النقابات الصناعية في الاتحاد المركزي للنقابات الذي تنتمي إليه النقابة ،
وليس
لدي كل دولة من دويلات الاتحاد السوفيتي علي حدة . ويشابه ذلك الوضع في
بلدان
الاشتراكية التالية من حيث اشتراط التسجيل لدي المجلس المركزي للنقابات ،
وهي
بلغاريا وتشيكو سلوفاكيا والمجر وبولندا .
هذا
ويلاحظ أن عددا من الدول التي تتطلب التسجيل الإجباري تكلف حقا في
الاستئناف
للمحكمة بواسطة النقابة عند رفض تسجيلها ، كما قد يكون هذا الاستئناف في
البعض
الأخر لدي موظف إداري ، أو محكمة عمل ، كما يكفل بعضها حق إعادة النظر في
قرار رفض
التسجيل لدي جهة وزارية . هذا ويلاحظ أن مجلس إدارة منظمة العمل الدولية قد
قرر
بأنه ( ولو كان السائد لدي الدول هو تطلب تشريعات عدد منها عدة شكليات تبدو
لها
لازمة للتأكد من أداء النقابة لوظائفها بصورة ملائمة ألا أن أي نص يجعل
قيام
النقابة متوقفا علي تصريح يعطي بناء علي التقدير المطلق لجهة حكومية ، يكون
متعارضا مع مبدا حرية تكوين النقابات ) (1)
.
12- الوضع في مصر :
لا
يتطلب قانون العمل لسنة 1959 في مصر (2)تسجيل
النقابات ، ولكنه يتطلب منها إيداع دساتيرها وبيانات تكوينها ويعطي الجهة
الإدارية
المختصة حق الاعتراض علي إجراءات تكوينها مع طلب تصحيح الإجراءات المعترض
عليها
خلال ثلاثين يوما ( م 167) ، وألا جاز للوزارة المختصة رفع الأمر للمحكمة
الجزئية
الواقع مقر النقابة في دائرة اختصاصها ، حيث تفصل المحكمة في الطعن بحكم
نهائي ،
والجدير بالذكر أن أحكام هذا القانون لا تسري في مصر علي العاملين بالحكومة
والوا
حدات الإدارية ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة إلا فيما يصدر به قرار من
رئيس
الجمهورية .
13- الوضع في السودان :
كانت
المادة 87 من قانون نقابات العمل والعمال لسنة 1949 تتطلب من النقابة
التقدم
للتسجيل في خلال شهرين من تكوينها ، وترتب علي الإخلال بهذا الحكم ، عقوبة
جنائية
علي القائمين بشئون النقابة وأعضاء . كما يحدد ذلك القانون وتعديله عام
1966
الإجراءات التي يلزم اتباعها ، والشروط التي يلزم استيفاؤها عند تقديم طلب
التسجيل
. وتعطي المادة 11 من ذلك القانون للمسجل سلطة رفض التسجيل في حالة تشابه
اسم
النقابة طالبة التسجيل مع اسم نقابة أخري مسجلة أو في حالة الاسم الذي يؤدي
إلى
الالتباس أو الاسم غير الملائم ، وكذلك ما إذا كانت أغراض النقابة غير
مشروعة ، أو
إذا كانت إحدى النقابات المسجلة تمثل المصالح التي تنوي النقابة الجديدة
تمثيلها ،
تمثيلا كافيا . وتجيز المادة 14 من ذلك القانون لأي شخص يتضرر من قرار
المسجل برفض
التسجيل ، أن يرفع الأمر لقاضي المحكمة العليا في خلال ثلاثين يوما ،
وللأخير بعد إجراء أي تحقيق قد يراه ضروريا ، أن يأمر بتسجيل النقابة أو
بعدم
تسجيلها ، حيث يكون قراره نهائيا في الموضوع ، ثم نقلت سلطة نظر الطعن هذا
بموجب
تعديل صدر في 16 / 5 / 1971 أيلي وزير العمل .
أما قانون
العمل الموحد ، فقد أتخذ مسلكا شبيها بقانون سنة
1959 في مصر ، حيث لم يتطلب تسجيل النقابات ، وأن كان قد اشترط إيداع
مستندات
معينة ، بإجراءات خاصة ، ثم أجاز للجهة الإدارية الاعتراض علي تكوين
النقابة ، مع
سلطة طلب حلها بواسطة المحكمة العليا ، إذا لم تقم بتصحيح الإجراءات
المعترض عليها
خلال ثلاثين يوما ، حيث تفصل المحكمة العليا بعد ذلك بقرار نهائي في النزاع
.
أما قانون
نقابات العمل ( المعدل ) لسنة 1971 فقد جعل
قيام النقابة متوقفا علي تسلمها إيصال الإيداع كما حور نظام الطعن القضائي
بان خول
للنقابة التي يرفض طلب إيداعها أن تسعي هي للطعن ، لا الجهة الإدارية التي
ترفض قبول الإيداع .
14- خلاصة :
يبدو
أن اشتراط طلب التسجيل الذي كان منصوصا عليه في قانون تسجيل النقابات لسنة
1949 في
السودان والمعدل سنة 1966 متعارض مع المستوي الدولي المطلوب ، كما اتضح في
الاستعراض السابق ، خاصة بالنسبة للسلطة التقديرية الواسعة للمسجل في رفض
التسجيل
. ويؤخذ علي نظام الإيداع المنصوص عليه في قانون العمل الموحد لسنة 1970
والذي
يتبعه حق الاعتراض المنصوص عليه في هذا القانون ، وللأسباب الواردة فيه مع
حق
الطعن للجهة الإدارية لدي المحكمة العليا في حالة عدم تصحيح المسائل موضوع
الاعتراض ، أنه يترك أمر النقابة المعترض عليها معلقا خلال الفترة التالية
للاعتراض ثم تقديم الطعن ونظره بواسطة المحكمة العليا ، مع احتمال ما يسببه
مباشرة
نشاط النقابة المعترض عليها أو المطعون فيها بعد الاعتراض وخلال نظر الطعن ،
من
ضرر بالمصلحة العليا للمجتمع ، فليزم التوفيق بين هذه الحرية ، والصالح
العام ، إذ
سيكون لهذه النقابة مباشرة كل امتيازات النقابة حتى ولو أدي الطعن القضائي
مؤخرا
إلى قبول الاعتراض ، الأمر الذي يؤدي إلى أن تمارس النقابة غير المشروعة ،
كل
النشاط النقابي ، لذلك يلزم في نظري في حالة الأخذ بهذا الإيداع تعديل هذا
الحكم
بإضافة تحفظ بعدم جواز ممارسة النقابة التي تعترض الجهة الإدارية علي
إجراءات
الإيداع المقدمة منها ، لأي نشاط نقابي ، عدا إجراءات تصحيح الاعتراض أو
متابعة
الخصومة بينها وبين الجهة الإدارية في المحكمة العليا ، وذلك حتى تصحح
الاعتراض ،
أو تنقضي الفترة المحددة للطعن أمام المحكمة العليا بعدم تقديمة أو حتى يتم
الفصل
في الطعن إذا قدم في موعده المقرر ، علي أن يكمل هذا الحظر يفرض جزاءات
جنائية
ومالية علي مخالفة أحكامه .
نقابات العالمين
( دراسة مقارنة )
للدكتور / حسن محمد
علوب .
قاضي المحكمة العليا
قدم هذا البحث للحلقة الدراسية الرابعة في القانون والتي نظمها المجلس
الأعلى
لرعاية الفنون والأدب والعلوم الاجتماعية لجمهورية مصر العربية بالخرطوم في
مارس
1972 .
تحت موضوع :
( نحو توحيد نظام
العاملين المدنيين في الدول العربية )
1- العاملون المدنيون :
يشير عنوان
الموضوع الثالث المطروح للبحث في هذه الحلقة
الدراسية إلى أنه سيعني بموضوع ( توحيد نظام العاملين المدنيين في الدول
العربية )
. ألا أنه يلاحظ أن هذا الموضوع يتسم بالغموض . فيثور التساؤل عن الوصف
الذي يشير
إليه تعبير ( المدنيين ) وهل هم جميع من يعملون في خدمة الدولة في مرافقها
المختلفة ، وهل يشمل ذلك العاملين في المؤسسات التي تتبع الدولة وتمارس
نشاطها
اقتصاديا يهدف إلى تحقيق الأرباح . كما لا يبدد من هذا الغموض رجوعنا إلى
مبادئ
علم الإدارة والقانون الإداري .
ولن اصرف كثيرا من الجهد في تقصي تعريف الخدمة المدنية أو مدلولها علي
النطاق
العالمي ، أو السائد في البلدان العربية ، تاركا هذه النقطة الجوهرية لغيري
من
الباحثين ولمداولات المؤتمر ، التي ستعكس جوانب الاتفاق والتنافر حول فحوي
هذا
التعبير . وسأتقبل بصفة مبدئية النتيجة التي توصلت إليها ( لجنة تنظيم
الخدمة
المدنية بالسودان ) في تقريرها ( 1)
الصادر عام 1968 حيث يقول ( أن بلاد العالم وفقهاء الإدارة العامة لم
يتفقوا علي
تعريف موحد ( للخدمة المدنية ) مختلفون في ذلك اختلافات كثيرة . ولكن في
جميع الأحوال حينما يجد البحث في مفهوم إصلاح ( الخدمة المدنية ) يدور
الحديث عن
صلتها بالخدمة العسكرية والخدمة القضائية والكادر السياسي والمستخدمين
المؤقتين (
خارج الهيئة ) هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري يدور الحديث عن موظفي الحكومة
المركزية ، وموظفي الحكومة المحلية ، وموظفي الهيئات العامة شبه الحكومة
المركزية
)(1)
كما لا يسعني ألا أن استرشد بالمفهوم الذي حددته لجنة تنظيم الخدمة المدنية
في
السودان المشار إليها آنفا ، باعتباره التفسير الرسمي السائد في السودان عن
مفهوم
الخدمة المدنية ، كما توصلت إليه تلك اللجنة وأتخذته أساسا لدراساتها ،
باعتبار أن
الخدمة المدنية تضم ( كل العاملين الذين يتقاضون مرتباتهم من دافع الضرائب
السوداني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في المستوي المركزي والمحلي والهيئات
شبه
الحكومية وذلك باستثناء الوزراء والنواب والمناصب السياسية الأخرى ورجال
القضاء
والقوات المسلحة ) . والجدير بالذكر أن تقرير تلك اللجنة قد أعتبر الخدمة
المدنية
جزءا من كل اشمل واعم وهو الخدمة العامة (2)
. ألا أن الجانب الذي اخترته من موضوع نظام العاملين المدنيين يملي علي أن
اجتزئ
مما يتضمنه تعريف تلك اللجنة للعاملين المدنيين أولئك الذي يجيز لهم تشريع
السودان
تكوين النقابات . فالنظر في توحيد نظام العاملين في الدول العربية يتطلب
الإحاطة
بوضعهم القانوني في تلك الدول والذي يحكم علاقتهم بالدولة وباعتبارهم من
أكثر
قطاعات الشعب .
2- الجانب الذي اعني ببحثه
من الموضوع :
ومهما يكن
التحديد الذي نصل إليه لمدلول تعبير (
العاملين المدنيين ) أو مقوماته ، ألا لابد أن يشمل علاقة أولئك العاملين
المدنيين
بالدولة وشروط خدمتهم وضماناتهم ومشروعية تكوينهم لنقابات أو منظمات تعني
بشئونهم
، خاصة وأن قانون نقابات العمل في السودان يجيز للعاملين ( عمالا كانوا أو
موظفين
) تكوين النقابات باستثناء فئات معينة يحددها القانون (3)
وهم أفراد قوات الشعب المسلحة ، أفراد قوات البوليس والسجون .أعضاء الهيئة
القضائية ، ضباط وكشافة الصيد والأسماك وإفراد قوات المطافئ . لذلك عنيت
باستعراض
هذا الجانب من الموضوع والمتعلق بالوضع القانوني لتكوين نقابات العاملين
وذلك وفقا
لمفهوم تعبير العاملين في تشريع السودان ووفقا لمفهوم المدنيين الذي
اجتزناه من مفهوم
الخدمة المدنية في السودان والذي قصرناه لأغراض هذا البحث علي العاملين
الذين يجيز
لهم تشريع السودان تكوين النقابات ، عمالا كانوا أو موظفين .
ومما يبرر
اختيارنا لهذا الجانب من الموضوع ما توصل عليه
تقرير لجنة تنظيم الخدمة المدنية المشار إليه في السودان عن المسائل التي
ينبغي أن
يتضمنها قانون الخدمة المدنية الموحد المقترح وضعه في السودان ، حيث جاء
فيها
موضوع ( الاتحادات والنقابات للخدمة المدنية ) (1
) .
3- التكييف القانوني لعلاقة
العاملين المدنيين بالدولة :
يتنازع هذا
التكييف اتجاهات أولهما يعتبر هذه العلاقة
تعاقدية بنظمها العقد ، وثانيهما يعتبرها مركزا قانونيا تحدده القوانين
واللوائح ،
أي أن تلك الرابطة بما تكلفه من حقوق وما يترتب عليها من واجبات مستمدة
مباشرة من
نصوص القوانين واللوائح المنظمة لها . فإذا كان العقد يعتمد إلى حد كبير
علي أراده
الطرفين ، فالأمر يختلف عند تشغل العامل المدني لوظيفته ، إذ أن القرار
بتعيينه لا
ينشئ مركزا قانونيا جديدا كما في حالة العقد ، حيث أن هذا المركز تحدده
القوانين
واللوائح التي تنشئ الوظيفة التي يشغلها العامل المدني (2)
. وقد زادت حدة هذا الخلاف الذي نشأ في مصر قبل سيادة المفاهيم الاشتراكية
فيها ،
وانتصر فيه القضاء هناك بشقيه المدني والإداري لفكرة المراكز القانونية وما
يترتب
عليها من يثار نجملها فيما يلي :
أولا : تقوم رابطة العمل بصدور قرار التعيين لا
بقبول العامل له .
ثانيا : بما أن العاملين المدنيين يقمون بالعمل في
مرافق عامة فيلتزمون بالتالي بسير العمل فيها سيرا منتظما بما يفرض عليهم
الامتناع
عن الإشراب عن العمل والاستقالة الجماعية .
ثالثا: كما أن صلة العامل المدني بالوظيفة لا تنتهي
بتقديم الاستقالة بل بقبولها .
رابعا: كما يسري علي العاملين المدنيين كل تعديل في
أحكام القوانين واللوائح ولو ترتب عليه تغيير مرتباتهم أو وضعهم (1)
.
ولم يقتصر شأن
هذا الخلاف علي الفقه بل تردد صداه داخل
الأوساط العمالية ذاتها في مصر ، فقد جاء في توصيات المؤتمر الثقافي الأول
للاتحاد
العام لعمال الجمهورية المنعقد في الإسكندرية في أكتوبر عام 1965 ما يلي :
(
لقد اختفت الفلسفات القديمة لتحل محلها مبادئ جديدة أساسها أن علاقة العمل
علاقة
تنظيمية اشتراكية ، تؤكد حماية العاملين والحفاظ علي حقوقهم ، وحماية
مكاسبهم (2)
باعتبارهم العنصر الأساسي في الإنتاج ) . ألا أن هذا الاتجاه يلقي معارضة
في ظل
المفاهيم الاشتراكية أيضا ، حيث أن السائد في البلاد الاشتراكية باستثناء
يوغسلافيا (3)
هو اعتبار علاقات العمل علاقات تعاقدية تنبع من مبدأ حرية العمل والذي يعني
أن لكل
مواطن أن يختار لنفسه هذا أو ذاك من أماكن العمل بمحض رغبته وأن يترك أحدها
ليلتحق
بغيره (4)
كما أن استثناء يوغسلافيا مرجعه الإدارة الذاتية للعمل بواسطة العمال
أنفسهم .
وبالتالي تقوي حجة الطبيعة التعاقدية لعلاقات العمل في ظل الاشتراكية ،
وزيادة علي
أنه لم يؤثر ذلك التكييف في البلدان الاشتراكية علي مصلحة الإنتاج ، كما أن
تكييف
الطبيعة التنظيمية لعلاقة العمل لم يعد هو الحجة الوحيدة لحماية الصالح
العام
وضمان عدم توقف العمل أو اختلاله في المجتمعات الاشتراكية ، حيث تغيرت
أساسا
العلاقة بين الدول والعاملين والذين لم يعد أنصافهم أو كفالة حقوقهم متوقفا
الأساسي . يبدو لي أنه مع تطور تشريعات العمل حيث صار هناك قانون الأرجح في
تكييف
تلك العلاقة هو اعتبارها علاقة تعاقدية ولكن العقد هنا من نوع متميز ينتمي
إلى
دائرة القانون العام لا القانون الخاص . ويوجد مثل هذا الرأي في فقه
القانون
الإداري وأن كان تعليله لم يعتمد قديما علي فكرة المفاهيم الاشتراكية للعمل
وأنما
علي اتصال ذلك العقد بإدارة المرافق العامة .
ومثل هذا
التكييف يجنبنا الازدواجية في قانون العمل في مرحلة
التحول الاشتراكي فلا يكون هناك مجال لوضع قواعد تحكم العمل في القطاع
الخاص
متميزة عن تلك التي تحكمه في القطاع العام أو في مرافق الدولة المختلفة ،
كما لا
نبحث عن أساس لوجوب أضطر أد سير العمل وانتظامه في المرافق العامة متميزا
عن
علاقات العمل الاشتراكية نفسها ، والتي تتضمن هذا السلوك وتستوجبه . كما
يتيح لنا
هذا التكييف توحيد الوضع القانوني لنقابات العاملين سواء كانوا عاملين
مدنيين ام
عاملين بالقطاع الخاص دون أن يعجزنا فلك التكييف عن وضع الضمانات التي تكفل
انتظام
سير العمل في المرافق العامة والتي تحول دون تأثير العوامل السياسية عليها ،
ألا
أنه يلاحظ أن هذا التكييف يتخذ أساسه من قبول المبدأ الاشتراكي لحكم علاقات
الإنتاج وقضية التطور ، الأمر الذي لم تجمع عليه البلاد العربية بعد ، مما
يبقي
الحاجة إلى تكييف المراكز القانونية في البلاد التي لا تأخذ بالاشتراكية .
4- خطة البحث :
سأعنى أساسا في
هذا البحث بإبراز حكم التشريع السوداني حول
مسالة جواز تأليف نقابات العاملين المدنيين والقواعد التي تحكمها وهي أحكام
تنطبق
في جملتها علي جميع العاملين في السودان مدنيين أو غيرهم ، ونظرا لأن أى
توحيد
يقترح في هذا الشأن بين البلاد العربية لن يحيد عن الإطار الدولي المقرر
والذي
تضمنته الاتفاقيات الدولية ، والذي يكون أيضا التزاما دوليا علي الدول
المنظمة
منها إلى تلك الاتفاقيات ، فسأعنى باستعراض الأحكام السائدة علي النطاق
الدولي
والتي تكون مستوي مقبولا لدي الرأي العام العالمي عن حقوق الإنسان العامل
كما
تضمنتها المواثيق الدولية .
علي أن اهتمامي
بالمستوي الدولي والأحكام السائدة في السودان
لن يحول دون إلقاء نظرة مقارنة علي التشريع السائد في الشقيقة مصر العربية
فعلاوة علي
أنها تمثل أول تجريه في مرحلة التحول الاشتراكي ، فقد كانت علي الدوام
مستودع
الثقافة والمعرفة الو ضاء في الأفق العربي ، زيادة علي أن تشريعها قد راعي
المستويات التي أوصت بها لجنة توحيد تشريعات العمل في الدول العربية ،
وكذلك مبادئ
اتفاقيات العمل الدولية التي أقرتها مؤتمرات العمل (1)
. وكذلك مشروع قانون العمل الموحد الجديد في مصر الذي طرح للنقاش العام في
عام
1969 ، وذلك وفقا لما تتيحه لنا إمكانيات البحث المحددة في السودان في هذا
المجال
، والتي نرجو لها التقدم والازدهار مع انتصار التعريب ، والتي حال شحها دون
التعرض
للوضع في الدول العربية الأخرى .
وسأتناول في
مباحث ستة أهم المسائل القانونية التي تتعلق
بتكوين النقابات وهي كما يلي ، لزوم الأذن ، التسجيل دساتير النقابات
وقواعدها
سلطة حل النقابات ، سلطة النقابات في تكوين الاتحادات والانضمام إليها ثم
حقوق
وامتيازات نقابات واتحادات العمال .
هذا وسنستعرض
في دراستنا للقانون السوداني بشأن تكوين
النقابات مراحل تطوره المختلفة منذ عهد الاستقلال حتى آخر تشريع سار .
الوضع
القانوني لتكوين نقابات العاملين
5- تعريف النقابات
يقوم التعريف
التقليدي لنقابات العمل والذي أخذت به
تشريعات العمل (
trade unions) والذي أخذت به
تشريعات العمل المتعاقبة في إنجلترا ، علي أنها تعني الانضمام في جماعات ،
بصفة
دائمة أو مؤقتة ، بغرض تنظيم العلاقة بين عمال ومخدمين أو بين عمل وعمال
آخرين ،
أو بين ومخدمين آخرين ، أو بغرض الاتفاق علي وضع قيود معينة علي ممارسة أية
تجارة
أو مهنة والحصول علي مزايا لأعضائها (2) . ويتميز
هذا التعريف بأنه يجمع بين نقابات العمال ونقابات المخدمين ، وجماعات أصحاب
المهن
حيث يدخلها جميعها في تعريف النقابة . وقد تأثر قانون العمل والعمال في
السودان (
لسنة 1949 تعديل سنة 1966 ) إلى حد ما بهذا المفهوم ، حيث عرف نقابة العمل
في
المادة 2 كما يلي :
( يقصد به أي تشكيل سواء كان مؤقتا أم مستديما تكون أغراضه بموجب دستوره
تحقيق
أهدافه وتنظيم العلاقات بين عمال ومخدمين أو بين مخدمين ومخدمين بالرغم من
أن ذلك
التشكيل قد يكون غير مشروع قانونا لو لا هذا القانون بسبب أن أيا من أغراضه
يشكل
قيدا علي حرية عمل ) . كما تأثر قانون نقابات العمل لسنة 1971 بهذا المفهوم
، ألا
أنه عدل مؤخرا باستبعاد المخدمين من نطاقه.
وبالرجوع
إلى الفقه الاشتراكي ، لا أجد تعريفا لنقابات العمل ، وأن كان من الممكن
استخلاص
تعريف لها ، بأنها ( منظمات تضم من يتقاضون أجورا أو مرتبات عن عملهم ، في
المؤسسات والهيئات ذات الطبيعة الواحدة للدفاع عن مصالحهم المشتركة ،
وزيادة
الإنتاج (1)
. وستبعد هذا التعريف المخدمين من نطاقه ، كما يظهر فارقا أساسيا بين دور
النقابات
في بلدان الديمقراطية الليبرالية وبلدان النظام الاشتراكي ، حيث تضطلع
النقابات في
الأخيرة بدور بارز في رفع الإنتاج (2)
.
كما
لم تعرف الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي ، والتي
تبنتها
منظمة العمل الدولية ، النقابة ، إلا أنه يستخلص من تلك الاتفاقية بأن
مفهوم
النقابة يشمل منظمات العمال وأصحاب الأعمال ، وذلك وفقا للمادة الثانية
منها
والواردة تحت باب ( الحرية النقابية ) حيث تنص علي حق العمال وأصحاب
الأعمال بدون
تمييز في تكوين المنظمات التي يختارونها (3)
.
البحث الأول
لزوم الأذن
6- في المجال الدولي :
يعتبر
تكوين النقابات والانضمام إليها ، في المجال الدولي ، حقا من الحقوق
الأساسية للإنسان ، وامتيازا للفرد لا يجوز للدولة وضع العراقيل في سبيل
ممارسته .
وتمشيا مع هذا المفهوم ، نصت المادة 23 – 4 من الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان ،
بأن كل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حماية لمصلحته.
وقد
ردد المبدأ في الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الإنسان (4)
في المادة 8 كما يلي : ( تلتزم الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بمراعاة ما
يلي :
1- حق أي شخص في تكوين
والانضمام الي نقابات العمال باختياره وفقا للقواعد التي تضعها هذه
المنظمات وذلك
لحماية مصالحة الاقتصادية والاجتماعية ويجب ألا توضع أي قيود في سبيل
ممارسة هذا
الحق عدا تلك المنصوص عليها في القوانين والتي تكون ضرورية في دولة
ديمقراطية
لحماية الأمن القومي أو النظام أو لحماية حقوق وحريات الآخرين .)
كما
تضمنته المادة 11 من الاتفاقية الأوربي لحقوق الإنسان حيث نصت علي ما يلي :
1- لكل شخص الحق في التجمع
السلمي وتكوين جمعيات مع آخرين بما في ذلك تكوين والانضمام إلى نقابات
لحماية
مصالحه .
2- يجب ألا
تقام أي عقبات في سبيل ممارسة هذا
الحق عدا تلك التي تكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي لحماية الأمن القومي أو
السلامة
العامة أو لمنع الإخلال بالنظام أو منع الجرائم أو لحماية الصحة والأخلاق
أو
لحماية حقوق وحريات الآخرين .
وهذه
المادة لا تحول دون وضع قيود قانونية علي ممارسة هذه الحقوق بواسطة أفراد
القوات المسلحة أو البوليس أو موظفي الدولة (1)
.
وقد
صاغته الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي في المادة
الثانية
كما يلي :
(
للعمال واصحاب الأعمال بدون أي تمييز الحق في تكوين المنظمات التي
يختارونها أو
الانضمام إليها بدون حاجة إلى أذن سابق وذلك فقط في حدود القواعد المعمول
بها في
هذه المنظمات ) ويتضح من هذه المادة أنها لا تعلق قيام النقابات أو
الانضمام إليها
علي أذن سابق من السلطات ، بل أنها تنص صراحة علي عدم تطلب هذا الأذن . كما
تضمنت
ديباجة دستور منظمة العمل الدولية النص علي الاعتراف بمبدأ الحرية النقابية
(2)
.
7- في النظم المقارنة :
(أ) في إنجلترا : إذا
استثنينا القوات المسلحة والبوليس فان القانون يجز في إنجلترا حرية تكوين
النقابات
والانضمام إليها بالنسبة لكاملي الأهلية وفقا لما تتطلبه دساتيرها من شروط ،
ولا
يعلق ذلك علي الحصول علي أذن (1)
(ب)في الاتحاد السوفيتي : يكفل
الدستور السوفيتي في المادة 126 للمواطنين حرية النقابات حيث نصت علي ما
يلي :
( وفقا
لمصالح الشغيلة
وتطويرا لروح المبادة التنظيمية والنشاط السياسي لدي الجماهير الشعبية يؤمن
لمواطني الاتحاد السوفيتي حرية التجمع في منظمات اجتماعية كالنقابات .....(2)
كما تضمنت المادة في آخرها قيادة الحزب الشرعي لكل منظمات العمال
الاجتماعية منها
والسياسية ، كما يلقي التشريع الجنائي هناك مسئولية علي من يعيق نشاط
النقابات
المشرع (3)
.
(ج) في مصر: تنص
المادة 40 من دستور 1964 علي أن إنشاء النقابات حق مكفول ، وللنقابات شخصية
اعتبارية وذلك علي الوجه المبين في القانون .
كما تنص المادة 160
من
القانون رقم 91 لسنة 1959(4)
علي أن للعمال الذين يشتغلون بمهنة أو صناعة واحة ، أو مهن أو صناعات
متماثلة أو
مرتبطة بعضها ببعض ، أن يكونوا فيها بينهم نقابة واحدة ترعي مصالحهم وتدافع
عن
حقوقهم وتعمل علي تحسين حالتهم المادية والاجتماعية .
8- في السودان :
كانت
المادة 8 من قانون نقابات العمل والعمال لسنة 1949 المعدل سنة 1966 تتطلب
من كل
نقابة أن تتقدم بطلب للتسجيل في خلال شهرين من تكوينها ، ويترتب علي رفض
التسجيل عدم
مشروعية النقابة ، مالم يلع أمر رفض التسجيل عند الطعن القضائي فيه بالطرق
المقررة
. ثم صدر تعديل للقانون بتاريخ 16 / 5 / 1971 بنقل سلطة قاضي المحكمة
العليا في
نظر الطعن إلى وزير العمل ، ويمكن القول بناء علي ذلك بأن قانون نقابات
العمل
والعمال يعلق قيام النقابة علي الحصول علي الأذن ، الأمر الذي يتعارض مع
ديباجة
دستور منظمة العمل الدولية التي صدق عليها السودان من قبل ، كما يتعارض مع
المبادئ
الواردة في الاتفاقية الخاصة بالحرية النقابية وكفالة الحق النقابي (1)
. وقد تخلي قانون العمل الموحد لسنة 1970 عن مبدا التسجيل ولكنه تطلب من كل
نقابة
أن تودع الأوراق المتعلقة بتأسيسها في مدي شهرين من تاريخ تكوينها ( م 161 )
، كما
يعتبر النقابة قائمة بمجرد إتمام إجراءات الإيداع ، وأن كان للجهة الإدارية
المختصة أن تعترض علي تكوين النقابة الأسباب محددة ( م 163) فإذا لم تقم
النقابة
بصحيح ما أعترض عليه خلال ثلاثين يوما ، يكون للجهة الإدارية أن ترفع الأمر
إلى
المحكمة العليا .
وقد اخذ قانون
نقابات عمل لسنة 1971 بنظام الإيداع وأن كان
قد أضاف عدم اعتبار النقابة منشأة إلا بعد قبول الأمين العام للنقابات ،
طلب
الإيداع وتسلمها إيصالا بذلك ( م 27و 28) وقد كفل هذا القانون حق الطعن في
رفض
الإيداع لوزير العمل في أول الأمر ثم صدور تعديل لاحق ينقل هذه السلطة إلى
قاضي
المحكمة العليا .
9- الخلاصة :
نلاحظ أن
قانون العمل الموحد لا يعلق قيام علي
أذن سابق وأن كان يجيز الاعتراض عليها والطعن في شرعية تكوينها أمام
المحكمة
العليا ، وهو يساير بصورة مطلقة الاتجاهات السائدة في المواثيق الدولية
وديباجة
دستور منظمة العمل الدولية .
ويبدو
أن تعليق قانون نقابات العمل لسنة 1971 قيام النقابة علي تسلمها ايصال
الإيداع قد
قصد به أحكام الرقابة علي قيام النقابات وفقا للأسس التي تضعها اللائحة
التي
يصدرها الوزير التي يسترشد فيها بتقسيمات منظمة العمل الدولية للمهن
والصناعات (2)
التي يمكن أن تقوم فيها نقابات وذلك للحيلولة دون تفتيت الحركة النقابية
وهو أمر
اقتضته مرحلة الثورة التنظيمية التي تجتازها البلاد .
المبحث الثاني
التسجيل
10
– في النطاق الدولي :
نعني في هذا
المبحث باستطلاع ما إذا كانت
المبادئ الدولية المتعلقة بحرية تكوين النقابات ، تجيز تطلب سلطات الدولة
من
النقابات القيام بإجراءات تسجيل كوسيلة للاعتراف القانوني بها ، ولحكمة
أخري ، دون
أن يكون شرطا لذلك الاعتراف . ورغما عن أن الوثائق الدولية المشار إليها من
قبل لم
تتعرض صراحة لمسالة التسجيل ، ألا أنه يمكننا القول قياسا علي مبدأ عدم
جواز تطلب
الإذن ، بان التسجيل الذي يكون شرطا للاعتراف القانوني بالنقابة ، يعد
متعارضا مع
مبدأ الحرية النقابية . وكما يقول ( جنكز ) المستشار القانوني لمنظمة العمل
الدولية بأنه ( إذا كان مفهوم الحرية النقابية يتلخص في حق إقامة النقابات
والانضمام إليها اختياريا ، فان أساس هذه الحرية يكون في الحق في ممارستها
بدون
حاجة إلى تفويض سابق (1) .
11- استعراض لجنة ( ما
كنير )
يتضح من
استعراض لجنة ما كنير ، ان الوضع
يختلف بالنسبة لتطلب تسجيل النقابات ، بما يمكن معه تصنيف الوضع السائد في
الدول
الأعضاء بمنظمة العمل الدولية ، عند إعداد التقرير ، إلى عدة أقسام ، وذلك
من حيث
اشتراط التسجيل وحكمته ومزاياه . ولجنة ( ما كنير ) لجنة ترأسها لورد ما
كنير رئيس
محكمة العدل الدولية السابق ، لفحص موقف الحركة النقابية في الدول الأعضاء (
55-
1956) ، (1) وعددها حينذاك كان سبعين دولة (2) وكان ذلك بناء علي قرار من
منظمة
العمل الدولية . وقد قامت اللجنة بتحليل المعلومات التي تلقتها من الدول
الأعضاء
في هذا الشأن ، حيث قامت بتصنيف التسجيل إلى الأنواع التالية :
(أ) تسجيل
اختياري محض : حيث يمكن
للنقابات القيام به إذا رغبت في ذلك ، ويكون لها الحق في أن يعترف لها
بالشخصية
المعنوية بناء عليه ، ويتبع ذلك النظام في بعض الأقطار خاصة في البلاد
الاسكندنافية . وتتم إجراءاته بان تقدم النقابة للجهة المختصة دستورها
وقواعدها
واسماء أعضاء لجنة أدارتها .
كذلك
فان للنقابات في إنجلترا أن تجري التسجيل أو تمتنع عنه ، دون أن يترتب علي
امتناعها عنه ، فقدان المزايا التي يرتبها قانون منازعات العمل.
(ب) تسجيل
اختياري ذو مزايا : فيكون للنقابة أن
تجري التسجيل أو تمتنع عنه ، إلا أن القيام به يكفل للنقابة مزيا مختلفة ،
ففي
فرنسا يترتب علي القيام بالتسجيل ، أن يكون للنقابة الحق في أن تتولى
الدفاع أمام
المحاكم ، ليس عن مصالح أعضائها فحسب ، بل أيضا عن مصالح كل العمال الذين
ينتمون
إلى المهنة التي تمثلها .
كما
أن هذا التسجيل يكفل للنقابة درجة معينة من الحصانة من ناحية المسئولية
المدنية
والجنائية في بورما والهند وباكستان ، كما يتيح التسجيل للنقابة في ايرلندا
الحصول
علي رخصة لأجراء المفاوضات ، والتي يجوز لها بمقتضاها أن تبرم اتفاقيات عمل
جماعية
. كما أن التسجيل اختياري في الولايات المتحدة في النطاق الفدرالي . إلا
أنه يترتب
عليه اكتساب بعض المزايا ، كحماية قانون علاقات العمل ، والحماية ضد
الأساليب غير
العادلة في العمل ، وحق عقد اتفاقات جماعية إلا أنه يشترط للحصول علي هذا
التسجيل
في الولايات المتحدة ، أن يقدم أعضاء النقابة إقرارا مشفوعا باليمين بعدم
انتمائهم
إلى عضوية الحزب الشيوعي . كذلك يلزم التسجيل في استراليا كشرط للاستفادة
من نظام
التحكيم .
(ج) تسجيل
إجباري : يتطلب إجباريا في عدد
من الدول . وتختلف أغراض هذا التسجيل بين الدول ، ففي بعضها يكون مجرد
وسيلة
للتأكد من مطابقة دستور وقواعد النقابة للتشريع ، كما يكون قبول التسجيل
مجرد
مسألة تقدير في بعض الدول . وفي الاتحاد السوفيتي يتطلب أن يتم تسجيل
النقابات الصناعية في الاتحاد المركزي للنقابات الذي تنتمي إليه النقابة ،
وليس
لدي كل دولة من دويلات الاتحاد السوفيتي علي حدة . ويشابه ذلك الوضع في
بلدان
الاشتراكية التالية من حيث اشتراط التسجيل لدي المجلس المركزي للنقابات ،
وهي
بلغاريا وتشيكو سلوفاكيا والمجر وبولندا .
هذا
ويلاحظ أن عددا من الدول التي تتطلب التسجيل الإجباري تكلف حقا في
الاستئناف
للمحكمة بواسطة النقابة عند رفض تسجيلها ، كما قد يكون هذا الاستئناف في
البعض
الأخر لدي موظف إداري ، أو محكمة عمل ، كما يكفل بعضها حق إعادة النظر في
قرار رفض
التسجيل لدي جهة وزارية . هذا ويلاحظ أن مجلس إدارة منظمة العمل الدولية قد
قرر
بأنه ( ولو كان السائد لدي الدول هو تطلب تشريعات عدد منها عدة شكليات تبدو
لها
لازمة للتأكد من أداء النقابة لوظائفها بصورة ملائمة ألا أن أي نص يجعل
قيام
النقابة متوقفا علي تصريح يعطي بناء علي التقدير المطلق لجهة حكومية ، يكون
متعارضا مع مبدا حرية تكوين النقابات ) (1)
.
12- الوضع في مصر :
لا
يتطلب قانون العمل لسنة 1959 في مصر (2)تسجيل
النقابات ، ولكنه يتطلب منها إيداع دساتيرها وبيانات تكوينها ويعطي الجهة
الإدارية
المختصة حق الاعتراض علي إجراءات تكوينها مع طلب تصحيح الإجراءات المعترض
عليها
خلال ثلاثين يوما ( م 167) ، وألا جاز للوزارة المختصة رفع الأمر للمحكمة
الجزئية
الواقع مقر النقابة في دائرة اختصاصها ، حيث تفصل المحكمة في الطعن بحكم
نهائي ،
والجدير بالذكر أن أحكام هذا القانون لا تسري في مصر علي العاملين بالحكومة
والوا
حدات الإدارية ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة إلا فيما يصدر به قرار من
رئيس
الجمهورية .
13- الوضع في السودان :
كانت
المادة 87 من قانون نقابات العمل والعمال لسنة 1949 تتطلب من النقابة
التقدم
للتسجيل في خلال شهرين من تكوينها ، وترتب علي الإخلال بهذا الحكم ، عقوبة
جنائية
علي القائمين بشئون النقابة وأعضاء . كما يحدد ذلك القانون وتعديله عام
1966
الإجراءات التي يلزم اتباعها ، والشروط التي يلزم استيفاؤها عند تقديم طلب
التسجيل
. وتعطي المادة 11 من ذلك القانون للمسجل سلطة رفض التسجيل في حالة تشابه
اسم
النقابة طالبة التسجيل مع اسم نقابة أخري مسجلة أو في حالة الاسم الذي يؤدي
إلى
الالتباس أو الاسم غير الملائم ، وكذلك ما إذا كانت أغراض النقابة غير
مشروعة ، أو
إذا كانت إحدى النقابات المسجلة تمثل المصالح التي تنوي النقابة الجديدة
تمثيلها ،
تمثيلا كافيا . وتجيز المادة 14 من ذلك القانون لأي شخص يتضرر من قرار
المسجل برفض
التسجيل ، أن يرفع الأمر لقاضي المحكمة العليا في خلال ثلاثين يوما ،
وللأخير بعد إجراء أي تحقيق قد يراه ضروريا ، أن يأمر بتسجيل النقابة أو
بعدم
تسجيلها ، حيث يكون قراره نهائيا في الموضوع ، ثم نقلت سلطة نظر الطعن هذا
بموجب
تعديل صدر في 16 / 5 / 1971 أيلي وزير العمل .
أما قانون
العمل الموحد ، فقد أتخذ مسلكا شبيها بقانون سنة
1959 في مصر ، حيث لم يتطلب تسجيل النقابات ، وأن كان قد اشترط إيداع
مستندات
معينة ، بإجراءات خاصة ، ثم أجاز للجهة الإدارية الاعتراض علي تكوين
النقابة ، مع
سلطة طلب حلها بواسطة المحكمة العليا ، إذا لم تقم بتصحيح الإجراءات
المعترض عليها
خلال ثلاثين يوما ، حيث تفصل المحكمة العليا بعد ذلك بقرار نهائي في النزاع
.
أما قانون
نقابات العمل ( المعدل ) لسنة 1971 فقد جعل
قيام النقابة متوقفا علي تسلمها إيصال الإيداع كما حور نظام الطعن القضائي
بان خول
للنقابة التي يرفض طلب إيداعها أن تسعي هي للطعن ، لا الجهة الإدارية التي
ترفض قبول الإيداع .
14- خلاصة :
يبدو
أن اشتراط طلب التسجيل الذي كان منصوصا عليه في قانون تسجيل النقابات لسنة
1949 في
السودان والمعدل سنة 1966 متعارض مع المستوي الدولي المطلوب ، كما اتضح في
الاستعراض السابق ، خاصة بالنسبة للسلطة التقديرية الواسعة للمسجل في رفض
التسجيل
. ويؤخذ علي نظام الإيداع المنصوص عليه في قانون العمل الموحد لسنة 1970
والذي
يتبعه حق الاعتراض المنصوص عليه في هذا القانون ، وللأسباب الواردة فيه مع
حق
الطعن للجهة الإدارية لدي المحكمة العليا في حالة عدم تصحيح المسائل موضوع
الاعتراض ، أنه يترك أمر النقابة المعترض عليها معلقا خلال الفترة التالية
للاعتراض ثم تقديم الطعن ونظره بواسطة المحكمة العليا ، مع احتمال ما يسببه
مباشرة
نشاط النقابة المعترض عليها أو المطعون فيها بعد الاعتراض وخلال نظر الطعن ،
من
ضرر بالمصلحة العليا للمجتمع ، فليزم التوفيق بين هذه الحرية ، والصالح
العام ، إذ
سيكون لهذه النقابة مباشرة كل امتيازات النقابة حتى ولو أدي الطعن القضائي
مؤخرا
إلى قبول الاعتراض ، الأمر الذي يؤدي إلى أن تمارس النقابة غير المشروعة ،
كل
النشاط النقابي ، لذلك يلزم في نظري في حالة الأخذ بهذا الإيداع تعديل هذا
الحكم
بإضافة تحفظ بعدم جواز ممارسة النقابة التي تعترض الجهة الإدارية علي
إجراءات
الإيداع المقدمة منها ، لأي نشاط نقابي ، عدا إجراءات تصحيح الاعتراض أو
متابعة
الخصومة بينها وبين الجهة الإدارية في المحكمة العليا ، وذلك حتى تصحح
الاعتراض ،
أو تنقضي الفترة المحددة للطعن أمام المحكمة العليا بعدم تقديمة أو حتى يتم
الفصل
في الطعن إذا قدم في موعده المقرر ، علي أن يكمل هذا الحظر يفرض جزاءات
جنائية
ومالية علي مخالفة أحكامه .