البحث الرابع
في قانون
المعاملات المدنية لسنة 1984
الحقوق المتفرعة عن حق
الملكية
مقدمــة:
هذا البحث
في قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 يختص بالباب العشرين الذي سماه
الحقوق
المتفرعة عن حق الملكية. وهو يشتمل على خمسة فصول هي: الفصل الأول حق
التصرف،
والفصل الثاني حق الانتفاع والفصل الثالث حق الاستعمال وحق السكن والفصل
الرابع حق
المساطحة الخامس الوقف.
كانت
أبحاثنا السابقة الأول والثاني والثالث في الباب التاسع عشر المعنون
الملكية
وأنواعها والقيود التي ترد عليها وأسباب كسبها. ونترك وراءنا فصولاً كثيرة
من هذا
الباب وننتقل إلى الباب العشرين بالبحث: لأننا وجدنا فيه من النصوص ما يخرج
عن
معاني النصوص التي سبق بحثها، خاصة حق المنفعة الذي جعله هذا القانون حكما
ونظاما
سائداً، وألغى به حقل الملكية. ذلك الرأي المبتدع الذي بينا خطأه وعدم
صلاحية
تطبيقه في البحث الأول. وسندرس فيما يلي تفاصيل النصوص التي جاءت في هذا
الباب
العشرين.
حـق
التصــرف:
ابتداء الفصل الأول بالمادة 287 التي تنص على الآتي:-
1- يجوز للدولة أن تبيح حق التصرف في منافع الأرض المملوكة لها لمن يرغب
بالشروط
التي يفرضها القانون.
2- يجب أهن يكون سند التصرف مسجلاً حسب ما
تقتضيه القوانين الخاصة.
هذا عن الأراضي
المملوكة للدولة، وإن الدولة تبيح حق التصرف في منافعها لمن يرغب وبطبيعة
الحال لا
يجوز إعطاء أو منح شئ لمن لا يرغب. ويجب أن يسبق الإباحة المنح أي أن
الدولة تمنح
الراغب المنفعة أولا ثم تبيح له حق التصرف فيها. والدولة لها أن تفرض من
الشروط ما
تراه مناسباًُ فيما يختص بالتصرف أو غيره. وأضاف أن سند التصرف يجب أن يكون
مسجلاً
ومتمشياً مع الصياغ كان عليه أن يقول "سند حق التصرف" إن هذه المادة
تظهر كأنها تبتكر أو تخلق حقاً معيناً يعرف بحق التصرف في منافع الأرض
المملوكة
للدولة.
وعندما نرجع إلى المادة 559 نجد أن الدولة تمنح حق المنفعة لمن يرغب
بالشروط التي
تفرضها، وتجعل لمالك حق المنفعة الحق في التصرف فيها بما يشاء من أنواع
التصرف،
وذلك بعد تسجيلها رسمياًٍ. لا أظن أن يوجد فرق في الحالتين بين منح حق
المنفعة
وبين حق التصرف في المنفعة. والمنفعة جمعها منافع كما جاءت في المادة 687.
التصرف
في منافع الأراضي الحكومية
تحت هذا العنوان في المادة 688 يأتي بنص طويل يبدؤه بقوله "يحق للمتصرف في
منافع الأراضي الحكومية أن يزرعها وأن ينتفع بها.." ويستمر في ذكر المنافع
من
بناء الدور والدكاكين والمصانع. ويضيف أن للمتصرف في المنافع أن يؤجرها
ويرهنها.
وفي الفقرة (3) يأتي بما نصه:
"الأبنية وما يتبعها التي تنشأ على الأرض الحكومية وما يغرس فيها من أشجار
ودوالي تسري عليها الأحكام الموضوعة للأراضي المملوكة العين للدولة فيما
يتعلق
بالتصرف والانتقال".
أنه يذكر مرة الأراضي المملوكة العين للدولة ومرة الأراضي المملوكة للحكومة
ولا
يظهر وجود فرق بين العبارتين. بل هو الارتباك والاضطراب السائد في هذا
القانون.
حق المتصرف في الأراضي الحكومية جاء منه في المادة 568 التي تقول "مالك
المنفعة يتمتع بالزراعة والسكن وغيرها. وفي المادة 569 يأتي النص الذي يقول
أن
الأبنية والأغراس التي ينشئها مالك المنفعة هي ملك له، ولا يؤخذ في
الاعتبار عند
تحديد قيمة المنفعة عند التصرف. ونص هنا في هذه المادة 688 أن ما ينشئ في
الأرض
الحكومة فيها حق المنفعة كما جاء في المادة 569. لا يوجد فرق بين هذه
النصوص.
ويظهر أن حق التصرف في منافع الأرض هو نفس المنفعة.
توجد في المادة 688 فقرة فيها تساؤل هو قوله "على أن لا يتوسع في ذلك إلى
إحداث قرية أو محلة. هذا شرط على التصرف في إحداث أي منشآت. وهو يوحي أن حق
التصرف
يكون في أرض لا حدود لها. وهو أمر لا يمكن تصوره لأن الأراضي في أي نظام
تمنح بناء
على مساحات محددة. وكلمة "محلة" هي كلمة غريبة على العرف والمصطلحات
السودانية.
في المادة 689 يقول "يجوز التصرف في تراب الأرض ورمالها
وصحاريها إذا أذنت السلطة بموجب عقد أو قانون لمن له حق الانتفاع". وهذا
ثابت
لمن له حق المنفعة وأن لم ينص عليه، لأنه جزء من المنفعة. وبصفة عامة هو
ثابت
لمالك العين ولمالك المنفعة، ولا يحتاج إلى نص.
في المادة 690 يرد النص الآتي:-
" يرد علىحق التصرف من القيود القانونية والاتفاقية ما يرد على حلق
الملكية" وفي المادة 691 يقول يسري على الشيوع في حق التصرف ما يسري على
الشيوع في حالة لملكية. وجاء في المادة 560 أن حق المنفعة هو كحق الملكية
ويسري
عليه من النصوص ما يسري على حق الملكية. وهنا لا يوجد فرق بين حق التصرف
وحق
المنفعة.
وتأتي في هذا الفصل المادة الأخيرة 692 بنص هو في الغاية من الغرابة وهو
يقول أن
من يملك عين الأرض يملك حق التصرف في العين والمنفعة، ومن يملك المنفعة
يملك حق
التصرف في المنفعة، ويضيف له أن يمنعه من ذلك قانون خاص أو عقد. وسبق أن
ذكرنا أن
مثل هذه الإضافة لا معنى لها. لأن المفروض في التشريع السليم أن يقرر الحق
بطريقة
مطلقة، ويترك ما سوف يأتي من قيود أو قانون لما هو كائن له. والمادة في
ذاتها لا
تشتمل على نص تشريعي لأن البديهيان تقول أن من يملك العين له حق التصرف
فيها وفي
منفعتها وأن من يملك المنفعة فقط فله حق التصرف فيها، وأنه ليس له حق
التصرف في
العين التي لا يملكها.
حــق
الانتفــاع
جاء بفصل جديد وهو الفصل الثاني تحت عنوان حق الانتفاع، وبدأ بتعريفه كما
يلي:-
"الانتفاع حق عيني للمنتفع باستعمال عين تخص الغير واستغلالها ما دامت
قائمة
على حالها وإن لم تكن رقبتها مملوكة للمنتفع".
من ناحية الصياغة فإن عبارة "وإن لم تكن رقبتها مملوكة للمنتفع"
هي حشو فاسد لا قيمة له. لأن عبارة "عين تخص الغير" جعلت المعنى
مستوفياً أن العين التي تخص الغير هي بطبيعة الحال لا تكون تلك العين أو
تلك
الرقبة مملوكة للمنتفع.
لم يأت بتعريف لحق التصرف. ولكن يظهر من آثاره وما يترتب عليه أنه حق عيني
على
أرض. أنه حق تصرف في منفعة أرض وأنه يسجل تسجيلا رسمياً. وأنه ينتفع به بكل
أنواع
المنافع وأنه يجوز التصرف فيه. كما يجوز التصرف في حق المنفعة هذا هو حق
التصرف.
وحق الانتفاع هو حق عيني على أرض يبيح للمنتفع الاستعمال والاستغلال، وكل
ما ينتمي
للاستعمال والاستغلال من تصرفات. على ما يظهر من النصوص يوجد فرق واحد بين
حق
التصرف وحق الانتفاع، وهو أن حق التصرف يكون في الأراضي المملوكة للدولة.
وحق
الانتفاع لا يقتصر على الأراضي المملوكة للدولة بل يجوز في الأراضي
المملوكة
للأفراد. هل هذا هو فرق حقيقي وما نتائجه؟ بعض مواد الفصل ستجيب على هذا
السؤال.
كسـب
حق الانتفــاع
في المادة 694 جاء بالنص الذي يقول:
"يكسب حق الانتفاع بالتصرف القانوني أو الميراث أو الوصية أو بمرور الزمن
والحيازة".
لم يرد نص مماثل لهذا النص بالنسبة لحق التصرف. ولكن بما أنه حق عيني فإنه
ينطبق
عليه مثل هذا النص، ويكسب بالتصرف القانوني والميراث أو الوصية أو بمرور
المن
والحيازة كغيره من الحقوق العينية وكان يمكن الاستغناء عن هذه المادة هنا
وعدم
ذكرها استنادا على ما تقرر بصفة عامة عن التقادم المكسب أو التقادم المسقط
الذي
جاءت نصوصه في الفصل الثالث عشر عن كسب الملكية بالحيازة.
حقوق
المنتفع والتزاماتــه
جاءت المادة 695 تحت هذا القانون وأول ما يلاحظ فيها أنها تستعمل
كلمة"المنتفع" وليس الانتفاع مما يدل على أنه لا يستعمل عبارة "حق
الانتفاع" على أنها عبارة اصطلاحية لمعنى خاص ومعين، وأن الحق الذي تدل
عليه
وهو حق يتميز من غيره من الحقوق. وهذا يؤيد الفهم أن حق المنفعة وحق
الانتفاع وحق
التصرف كلها بمعنى واحد. قالت المادة "يراعى في حقوق المنتفع والتزاماته
السند الذي انشأ حق الانتفاع وكذلك الأحكام المقررة في البنود الآتية"
حق الانتفاع ينشأ بموجب سند وكذلك الحال بالنسبة لحق التصرف وحق المنفعة
وفي كلها
إن الإنشاء من الدولة من الأراضي المملوكة لها، أنها تمنح الأراضي للانتفاع
والاستعمال والاستغلال. ومن ثم تنتقل هذه الحقوق إلى الغير بالتصرفات
العادية أو
التقادم.
بنود الالتزامات طويلة ويمكن تقسيمها إلى أقسام. أول الأقسام انتفاع
المنتفع
وتصرفه، بأن له الحق في الثمار، والتصرف المعتاد، إلا إذا وجد في سند
الانتفاع قيد
فعليه أن يلتزم به /. هذه من البديهيان التي لا تحتاج إلى نص. إن الانتفاع
بالثمار
هو من أول الحقول. وحق التصرف هو أمر طبيعي إن لم يوجد نص مقيد. وسبق النص
عليه في
المادة 6689. وجاء في المادة 690 القول بأن حق التصرف يرد عليه ما يرد من
القيود
على حق الملكية. وهذا مماثل للقول بأن حق الانتفاع ينصرف فيه التصرف
الطبيعي مع
مراعاة أي قيد. وجاء القول بأن المنتفع إذا تصرف تصرفا غير مشروع لا يتفق
مع صفة
الشيء فإن لمالك العين أن يعترض ويطلب من المحكمة إنهاء حق الانتفاع ورد
الشيء دون
إخلال بحقوق الغير. هذا النص يماثل النص الذي يقول أن حق المنفعة يمكن رده
إذا
تصرف مالك المنفعة تصرفا مخالفا لأي شرط من شروط المنفعة ورد المنفعة هو
تدخل
المالك الذي هو الدولة لإنهاء المنفعة.
والقسم الثاني عن صيانة الشئ أو هلاكه إذ يقول أن على المنتفع نفقات
الصيانة
ونفقات الإصلاحات الجسيمة تكون على المالك بلا جبر. وإذا تلف الشئ أو هلك
دون تعد
من المنتفع فلا ضمان عليه، وعليه الضمانة إذا حصل التلف بعد انقضاء مدة
الانتفاع
ولم يرد الشيء. والقسم الثالث أن يخطر المنتفع مالك العين إذا دعى الغير
حقا عليه
أو إذا احتاج إلى إصلاحات جسيمة مما يقع عليه أو إذا احتاج إلى إجراءات
لدفع الخطر
وإذا لم يقم بالإخطار يكن مسئولا عن الضرر الذي يحدثه.
والقسم الرابع ينص على أن النتفع أن يستهلكما استعاره من المنقولات التي لا
يمكن
الانتفاع بها إلا باستهلاك عينها، وعليها رد مثلها أو قيمتها بعد انهاء حقه
في
الإنتفاع، وعليه ضمانها إذا هلكت قبل الانتفاع بها ولو بغير تعديه لكونها
قرضاً وإذا
مات المنتفع قبل أن يردها تضمن تركته قيمتها.
كل هذه النصوص يفهم منها أن الشيء المنتفع به هو منقول وليس عقار.
انتهاء
حق الانتفــاع
جاء في المادة 696 النص على إنهاء حق الانتفاع بأي من الأسباب الآتية:-
أ- بانقضاء الأجل المحدد
له. يعني أن يعقد لأجل محدد، وهو بهذا الوصف يكون كأنه إجارة أو إعارة.
ب-بهلاك العين المنتفع
بها.
ج- بتنازل المنتفع. هنا أيضاً يوجد شبهة بما هو
مقرر في الإجارة أو الإعارة.
د- وبالنسبة لحق المنفعة فإنه يوجد نص مماثل في
المادة 695(ج) أعلاه.
هـ- باتحاد صفتي المالك والمنتفع ما لم يكن للمالك مصلحة في
بقائه كأن كانت الرقبة مرهونة. اتحاد المالك والمنتفع هو شيء واضح ومفهوم،
أما كون
للمالك مصلحة في بقاء حق الانتفاع كان كانت الرقبة مرهونة فهو أمر أجد من
العسير
فهمه أو تصوره. من الأمور العادية وجود مالك ومنتفع للشيء الواحد في الوقت
الواحد
فإذا انتهى الانتفاع بطريقة أو أخرى عاد الشيء المنتفع به إلى المالك فيحصل
الاتحاد في يد المالك ومن الناحية الأخرى يجوز أن يحصل الاتحاد في يد
المنتفع بأن
تنتقل الرقبة إليه بطريقة من طرق التصرف، فيصبح هو المالك مع كونه منتفعا
أما عن
المصلحة والرهن. تظهر تساؤلات كثيرة منها: هل المصلحة للمالك الأول أو
للمالك
الثاني؟ وهل الرهن للمنتفع أو لغيره؟ وإذا افترضنا أن العين كانت مرهونة
للمنتفع رهنا حيازياً، فإن الاتحاد في يد المالك يكون بفك الرهن وإنهاء
الحيازة
والانتفاع الذي كانت مترتباً عليه ورد العين للمالك. ومن الناحية الأخرى
فإن
الاتحاد في يد المنتفع يكون بإحدى التصرفات التي تجعله مالكاً. وفي أي ظرف
من
الظروف أو في غيرها فإن هذه العبارة ما هي إلا خلط مما امتاز به هذا
القانون.
و- بموت المنتفع إذا لم ينص القانون على غير ذلك. إن هذا الكاتب أو المشرع
اعتاد
الإتيان بالحكم الشرطي الذي يقول "إذا لم ينص القانون على ذلك" أو في
عبارات أخرى مماثلة. وسبق أن ذكرنا في بحث سابق أن هذا أسلوب تشريعي خاطئ
ومضلل
ولا معنى له. لأنه أما أن يكون هناك نص قانوني قائم على غير ما ذكر هنا أو
معارض
له، فيكون النص الجديد خطأ ويجب أن لا يوجد. وأما إن كان لا يوجد نص على
غير ما
ذكر فإن المسألة تترك لظروف المستقبل. وإذا صدر قانون آخر معارض لهذا
القانون إنه
يأتي معه النص على إلغاء هذا. وإذا لم يأت نص بإلغاء فإن القاعدة الأصولية
تقول أن
القانون اللاحق يلغي القانون السابق.
ما
يترتب على إنهاء حق الانتفاع:
تحت هذا العنوان توجد المادة 697 وهي تحتوى على أربع فقرات كالآتي:-
1- جاء في
الأولى أنه إذا انقضى الأجل المحدد للانتفاع، وكان الأرض مشغولة بزراعة
تركت الأرض
للمنتفع حتى يدرك الزرع بأجر المثل، وإذا مات المنتفع في أثناء مدة
الانتفاع تركت
الأرض لورثته بأجر المثل وفي آخر الفقرة جاء بالحكم الشرطي قائلا "ما لم
ينص
القانون على غير ذلك" وكما سبق أن ذكرنا فإنه حشو لا معنى له. ونلاحظ
أن الأرض أول مرة تذكر في هذا الفصل مما يدل على أن حق الانتفاع يقصد منه
الشمول
في العقار والمنقول.
2- جاء في
الثانية
أنه إذا انتهى حق المنفعة (لاحظ قوله حق المنفعة) بهلاك الشيء ودفع عنه
تعويض أو
تأمين، فلا يجبر مالك الشيء على إعادته على أصله. ولكنه إذا أعاده رجع
للمنتفع حق
الانتفاع إذا لم يكن الإهلاك بسببه. هذا هو المعنى الذي يفهم من عبارات
النص التي كان مرتبكة، وعندما نعلم أن حالة
الهلاك والتعويض توجد في الإجارة والإعارة فإن النص المعقول هو الذي يقول
أن
التعويض هو حق مالك العين، وإن اعادتها إلى حالتها وردها للمنتفع هو أمر
يخضع
لاتفاق جديد لأن الاتفاق السابق يحكم عليه بالانتهاء بالهلاك.
3- جاء في
الثالثة أن تنازل المنتفع عن حق الانتفاع لا يؤثر على التزاماته لمالك
العين
المنتفع بها، ولا على حقوق الغير. التنازل هو إنهاء العقد من جانب واحد
ويترتب
عليه الوفاء بكل الالتزامات
سقوط
دعوى حق الانتفاع بالنظام
جاء في الفقرة (4) من المادة المذكورة أعلاه مباشرة النص الآتي:-
4- لا
تسمع
دعوى المطالبة بحق الانتفاع إذا انقضت على عدم استعماله خمسة عشر سنة.
إن ما جاء في هذا النص ليس من الأشياء التي تترتب على انتهاء
حق الانتفاع أنه شيء ليس له صلة بالمادة ونصوصها الأخرى، لأنه يتحدث عن
سقوط دعوى
حق الانتفاع بالتقادم. وهو موضوع قائم بذاته وله أحكامه الخاصة به، فكيف
يأتي في
جزء من مادة؟ لا يوجد خلط ولا ارتباك ولا جهل أكبر من هذا.
في المادة 694 قان بأن حق الانتفاع يسكب بمرور الزمن
والحيازة. وفي الفصل الخاص بحقوق الارتفاق أتى بمادتين مماثلتين للمادتين
المذكورتين أعلاه، وهما المادة 576(1) وتنص على الآتي: يكسب حق الارتفاق
بالتصرف
القانوني وتخفيض الحيازة عند عدم سماع الدعوى. والمادة الثانية هي التي تنص
على
الآتي:- لا تسمع الدعوى بحق الارتفاق إذا لم يستعمل مدة عشر سنوات. في
الفصل الخاص
باكتساب الملكية بالحيازة، يوجد النص الذي يقول إن حيازة عقار أو منقول أو
حق عيني
لمدة عشر سنوات لا تسمع ضد الجائز دعوى المالك عند الإنكار (المادة 649).
حق الانتفاع هو حق عيني وحق الارتفاق هو حق عيني، وينطبق
عليها النص العام عند اكتساب الملكية بالحيازة. ولا يوجد مبرر بإفراد نصوص
عن
الاكتساب وعن عدم سماع الدعوى لهما. لم يفرد لحق المنفعة ولا لحق التصرف
نصوص عن
التقادم خاصة بهما. لأنهما باعتبارهما حقين عينيين فإن النص العام ينطبق
عليهما.
ذكرنا في البحث الثاني أن من أظهر مساوئ هذا القانون هو
الخلط في الأحكام بين العقار والمنقول وأكثرها ظهورا في موضوع التقادم في
المادة
649 حيث ذكر مدة التقادم عشر سنوات للعقار والمنقول. وأعاد الكرة في حقوق
الانتفاع حيث لم يفرق بين العقار والمنقول في مدة التقادم. ومن أغرب
الأشياء أنه
جعلها هنا خمس عشرة سنة لماذا وما السبب حيث يشتد العجب؟ لا نعرف السبب ولا
يمكن
تصوره. لا يوجد ما يدعو إلى الحديث عن قواعد التقادم لأننا لا نرى سببا
للنص عليها
هنا وثانياً أنه سبق البحث فيها سابقاً.
حق
الاستعمال وحق السكن
الفصل الثالث في هذا الباب تناول فيه ما سماه حق الاستعمال
أو حق السكن أو السكنى، ونص في المادة 698 على الآتي:-
"يصح أن يقع حق الانتفاع على حق الاستعمال أو السكنى أو
كليهما".
لم يعر حق الاستعمال أو حق السكنى، وحق الانتفاع عرف فيما
سبق بأنه حق عيني للمنتفع لاستعمال أو استغلال عين يملكها الغير. هذا
استعمال
واستغلال وذلك استعمال واستغلال لأن السكنى هي استعمال واستغلال، فكيف يقع
هذا على
ذاك؟ كيف يتصور وقوع حق على حق؟ وكيف يتصور أن يقع استعمال صاحب حق
الانتفاع على
استعمال أو سكن صاحب حق الاستعمال وللسكنى؟ إني أجد تصورا لما هو مقصود
هنا.
المادة 699 تقول :-
"يتحدد مدى حق الاستعمال وحق السكنى بحاجة صاحب الحق
وأسرته لأنفسهم فحسب، وذلك مراعاة السند المنشئ للحق".
الحق محدد بحاجة صاحب الحق وأسرته لأنفسهم فحسب. يفهم من هذا
أنه يقصد السكنى أي السكن العادي، وقاصر على الأسرة التي هي الزوجة
والأبناء. ولكن
من الذي يناط به هذا التحديد وأي سلطة هي؟ وإذا كان هذا عن حق السكنى فما
هو الحال
بالنسبة لحق الاستعمال؟ ومعلوم أن الاستعمال يشمل أغراضاً كثيرة منها
التجارية
والصناعية والزراعية.
المادة 700 في الفقرة (1) تقول:-
يلتزم صاحب السكنى بإجراء عمارة الدار إذا احتاجت لها ويكون
ما بينه ملكا له ولورثته من بعده.
نفهم من هذا أن حق السكنى يقع على دار ما أن تكون معمرة أي
منزلاً جاهزاً للسكنى، وأما أن تكون أرضاً خالية وعليه أن يقوم بعمارتها.
والسؤال
قائم مثل ما سبق من أين أتته الدار، ومن هو الذي منحه الحق فيها وبأي
طريقة؟
والفقرة الثانية أغرب وأعجب: أن صاحب حق السكنى إذا امتنع عن إجراء العمارة
جاز للمحكمة
أن تؤجرها لآخر لعمارتها، وهذا الآخر يستولى على أجرتها حتى يستوفي مبلغ
العمارة
ثم يرده إلى صاحب حق السكنى. وجاء بالحكم الشرطي الذي يقول ما لم ينص السند
المنشئ
لحق السكنى أو أي قانون خاص بغير ذلك ونفهم من هذا أن الحق ينشأ بسند. ولكن
من هو
المنشئ مالك الدار أم غيره، وعلى أي صورة أو شكل يتم الإنشاء. ومن هو الذي
يحرك
المحكمة لكي تعطى الدار لآخر لعمارتها أهو المالك أم هو صاحب الحق؟ كلها
تساؤلات
لا تجد لها جوابا.
المادة 701 تنص على الآتي:-
لا يجوز التنازل للغير عن حق الاستعمال أو حق السكنى إلا بناء على شرط صريح
في سند
انشاء الحق أو ضرورة قصوى.
نفهم من هذا النص بعدم جواز التنازل للغير بأن هذا الحق هو حق شخصي أي
مرتبط
بالشخص لاستعماله الشخصي أو حق السكنى الشخصي ولا يتعداه لغيره. بعبارة
أخرى هو حق
لا يجوزالتصرف فيه للغير. وهذا إن كان مقصود يخرجه عن كونه حق عيني، لأن
طبيعة
الحق العيني أنه قابل للتصرف فيه بصفة عامة بكل أنواع التصرفات بما فيها
التنازل
عنه وانتقاله لشخص آخر.
والماد الأخيرة من هذا الفصل وهي 702 تنص على الآتي:-
تسري أحكام حق الانتفاع على حق الاستعمال وحق السكنى فيما لا يتعارض مع
الأحكام
السابقة وطبيعة هذين الحقين.
سبق القول بعدم وجود تعريف لحق الاستعمال وحق السكنى ولكن بما هو مفهوم أنه
حق
لتعمير أرض مملوكة للغير والسكنى فيها، فإنه حق عيني، وأنه قد يكون محددا
بمدة أو
يكون مدى حياة المنتفع. وأنه لا يجوز التنازل عنه للغير أي لا يجوز التصرف
فيه.
وأنه ينتهي بموت المنتفع، وتؤول العمارة إلى ورثته. وأما حق الانتفاع فقد
جعله
واقعاً على حق السكنى أي الاستعمال. وقلنا أنه ليس من الميسور تخيل أو تصور
الصور
أو الحالة التي يقع فيها حق الانتفاع وهو حق استعمال واستغلال وسكنى على حق
الاستعمال والسكنى الآخر. ومن هذا فإننا لا نجد حكما من أحكام حق الانتفاع
يكن
سريانه أو تطبيقه على هذا الحق المسمى حق الاستعمال أو السكنى، كما ظن في
هذه
المادة الأخيرة.
حق
المساطحة (حق القرار)
هذا هو الفصل الرابع، جاء فيه بما سماه المساطحة، وعرفه في المادة 703
بقوله:
"حق المساطحة حق عيني يعطي صاحبه الحق في إقامة بناء أو أغراس على أرض
الغير".
التعريف واضح، ولكن عبارة المساطحة أو حق القرار ليس لها مكان أو معنى
مفهوم في
العرف والمفاهيم السودانية. وإذا نظرنا إلى الحقوق التي سبق ذكرها نجد أن
حق
المنفعة وحق التصرف وحق الانتفاع وحق الاستعمال والسكنى، كلها حقوق عينية
تبيح
البناء وإغراس الأشجار في أرض مملوكة للغير. وننظر في أحكامه إن كانت تختلف
عن هذه
الحقوق.
المادة 704 تنص على أ، حق المساطحة بالاتفاق أو مرور الزمن والحيازة،
وينتقل
بالميراث والوصية ويرتب السند المنشئ له الحقوق والالتزامات. هذا هو الحال
بالنسبة
لكل الحقوق التي هي موضع المقارنة إلى حق الاستعمال والسكنى الذي قيل أنه
لا ينتقل
بالميراث.
المادة 705 تنص على الآتي:-
1- يجوز
التنازل
عن حق المساطحة أو إجراء رهن عليه.
2- كما
يجوز
التقرير حقوق الارتفاق عليه على ألا تتعارض مع طبيعته.
إن أي حق يجوز التنازل عنه للغير إلا ذلك الحق الشخصي
المرتبط بحياة المنتفع ومثله حق الاستعمال والسكنى، لوجود النص على عدم
جواز
التنازل عنه للغير. وما معنى قوله "إجراء الرهن عليه"؟ إذا كان يمكن
كسبه بالاتفاق، وينتقل بالاتفاق، وينشأ بسند، ويمكن التنازل عنه معنى ذلك
أنه يجوز
أن تجري عليه كل التصرفات. والرهن واحد منها.
في الفقرة الثانية يجوز وقوع حقوق الارتفاق عليه. وأن هذه
الحقوق لا تقع إلا على الأرض المملوكة أو التي هي في حكم المملوكة. ومثالها
حق
المنفعة المقررة في هذا القانون. وهذا الحق بهذا الوصف يكون أقوى مكانا من
حق
التصرف وحق الانتفاع ومن باب أولى حق الاستعمال والسكنى.
المادة 706 تنص على الآتي:-
يملك صاحب حق المساطحة ما أحدثه في الأرض من
مباني أو غرس وله أن يتصرف فيها مقترنة بحق المساطحة.
يعني هذا النص أن حق المساطحة لا ينفصل عن المباني أو
الأغراس. بل هو حق لاقامة المباني والأغراس. فإذا تصرف فيها فإنه تصرف ف حق
المساطحة. وإذا تصرف في الحق فإن تصرف في المباني أو الأشجار. وهو حق –كما
سبق أن
ذكر- يجوز التصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرفات.
والمادة الأخيرة في هذا الفصل وهي المادة 707 تنص على انتهاء حق المساطحة
بالآتي:-
أ – بانتهاء المدة المتفق عليها إن وجدت.
ت-باتحاد صفتي المالك
وصاحب الحق.
ج- إذا تخلف صاحب الحق عن أداء الأجرة المتفق عليها
مدة سنتين ما لم يتفقع على غير ذلك.
كان هذا في الفقرة الأولى من المادة. وفي الفقرة الثانية
قال: لا ينتهي حق المساطحة بزوال البناء أو الغرس قبل انتهاء المدة.
يفهم من هذا أنه حق يجوز أن يحدد بزمن، ويجوز أن لا يحدد
بزمن وفي كلتا الحالتين تدفع عليه أجرة يتفق عليها، وأنه إذا تخلف صاحب
الحق عن
دفع الأجرة مدة محددة، فإنه يستمر في أثناء هذه المدة، وأن زال البناء أو
الغرس.
كان الأنسب أن يقول بانتهاء الحق إذا زال البناء أو الغرس لأنه حق من أجل
البناء
والغراس.
الوقـــف
جاء بالفصل الخامس في هذا الباب بالوقف والأحكام التي تسري على الوقف. وقال
في
المادة 709 تسري بشأن الوقف أحكام القوانين الخاصة بالوقف مع مراعاة
المبادئ
المنصوص عليها في هذا القانون.
ولا نرى أن نناقش الوقف ولا المبادئ المنصوص عليها في هذا القانون بسبب
واحد بسيط،
وهو أن الوقف ليس هو واحد من الحقوق المتفرعة عن الملكية. الوقف ليس حقاً
على عقار
مملوك للغير. بل هو ملك، هو عقار مملوك للجهة الموقف إليها ومسجل باسمها.
وليس
وضعه هنا إلا واحدة من الخلط والارتباط الذي اعتاد عليه هذا القانون.
خلاصـــة
نقرر بصفة عامة أن هذه الحقوق المتفرعة عن حق الملكية التي
ذكرت في هذا الباب، بأسمائها التي سميت بها وبأوصافها التي وصفت بها، ليس
لها
نظائر في قوانين السودان، ولا يعرفها العرف في السودان، ولا التعامل السائد
فيه.
وسنتعرض لهذا فما يلي. ومع ذلك فإنها مسميات لأشياء مكررة في نفس هذا
القانون،
كعادة هذا القانون في الخلط والارتباك.
بالرجوع إلى هذه الفصول، نجد أن حق التصرف هو نفس حق المنفعة، الذي جاء في
الباب
السابق، إذ هو حق عيني تمنحه الحكومة على أراضي الدولة للاستعمال
والاستغلال. وذلك
هو الحال بالنسبة لحق المنفعة. وحق الانتفاع هو حق عيني على شيء مملوك
للغير لأجل
محدد عقارا كان أو منقولاً، ومن الحكومة أو غيرها، وينتهي بموت المنتفع،
ويسكب
بالتصرف القانوني أو الوصية أو الميراث أو التقادم وهو بهذا الوصف إما أن
يكون
إجارة أو عارية. وما يسمى حق الاستعمال وحق السكنى هو حق عيني يقع على عقار
مملوك
للغير للتعمير والسكنى. وتسري عليه أحكام حق الانتفاع. وأغرب ما في الأمر
ما ذكر
على سبيل التعريف لهذا الحق، إن حق الانتفاع يقع عليه. وهو ما لا يمكن
تعريفه.
ويظهر أنه هو نفس حق الانتفاع.
والحق الأخير هو حق المساطحة والقرار، وهو أيضاً عرف بأنه حق عيني يقع على
عقار مملوك
للغير فيه والسكنى، ويكسب بالتصرف القانوني والميراث والوصية والتقادم،
وتحدد له
مدة زمنية وتحدد له أجرة. وبهذا الوصف فهو حق انتفاع أو إجارة.
ونضيف أن هذه الحقوق على حسب أوصافها لا يمكن التمييز بينها. كلها وصفت
بأنها حقوق
عينية ويكسب بالتصرف القانوني وبالميراث والوصية والتقادم. ذكر عن حق
الانتفاع أنه له أجل محدد وأنه ينتهي بموت المنتفع. وأنه أيضا يكسب
بالميراث. من
المعلوم أن الحق الذي ينتقل أو يكسب بالميراث. لا يقال عنه أنه ينتهي بموت
صاحب
الحق. وإذا كان لأجل محدد، فإنه النص الصحيح أن يقال أنه بنهاية الأجل،
وهكذا فإن
الخلط والارتباك ظهر في النصوص ومسمياتها.
الحقوق
المتفرعة عن الملكية في قوانين السودان
ذكرنا فيما مضى أن قوانين الأراضي في السودان، استمدت من العرف السوداني
والتقاليد
السائدة فيه، وليس فيها شيء مستورد من الخارج، وكذلك الحال فيما يختص
بالحقوق
المتفرعة عن ملكية الأرض.
وهي يمكن تعريفها بأنها الحقوق التي يمكن أن تنشأ أو تكتسب على عقار مملوك
للغير.
بحيث يكون الاستعمال والاستغلال والتمتع والانتفاع لشخص غير المالك بينما
تكون
ملكية المالك قائمة وتكون المعاملة ذات طرفين: أحدهما مالك العقار وثانيهما
مالك
الحق الذي تفرع عن الملكية.
وهذه الحقوق لها أنواع كثيرة، وتتعدد بتعدد أنوا استعمال الأراضي والانتفاع
والتمتع بها، وعلى حسب ظروف الناس من ملاك ومنتفعين وكثيراً ما يحصل أن
مالك أرض
ليست له الاستطاعة أو ليست له الرغبة، لتعمير أرضه، فإنه يتفق مع آخر بأنه
يمنحه
حق الاستعمال أو الاستغلال بأي طريقة من الطرق، سواء أكانت زراعية أو سكنية
أو
صناعية، أو غير هذه أو تلك من أنواع التعمير والاستثمار. وفي هذه الظروف
يكون مالك
العقار محتفظا بحق الملكية، ومال الحق الفرعي محتفظا بحقه، الذي هو حق عيني
لا
ينتهي إلا بسبب من الأسباب القانونية. وأمثلة هذه كثيرة نذكر منها:-
1- الاجارة.
2- الحق
العرفي
في سكنى المباني القائمة على الأرض بموافقة المالك.
3- الحقوق
المتعلقة بأشجار النخيل والأشجار الأخرى المغروسة في أرض الغير.
4- الحق
العرفي
في البناء في أرض الغير بموافقته.
5- الحق
العرفي
في الزراعة في أرض الغير.
6- حق
العمارة.
7- حق
الرعي.
8- حق
منتجات
الغابات.
9- حق
الشراكة
مع مالك الأرض لتعمير الأرض واستعمالها والانتفاع بها.
10- أي حق
آخر
يبيح حيازة الأرض واستعمالها والانتفاع بها.
11- حقوق
الارتفاق.
أقر العرف السوداني بوجود الحقوق، وتعامل الناس بها، وبعد
ذلك جاء القانون للاعتراف بها. قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925.
المادة 14
تنص على أن ضابط التسوية إذا اقتنع بوجود مثل هذه الحقوق وذكر بعضها على
أرض
مملوكة للحكومة أو غيرها، وقد تثبت لأي شخص عليه أن يسجلها لمن تثبت له.
وفي نفس
القانون المادة 27 نصت على أن ملكية الأرض المسجلة خاضعة لمثل هذه الحقوق
إن وجدت
– بدو إدخالها في السجل. وذكرت المادة بعضا منها.
جاءت سوابق قضائية كثيرة عن حالات الحق العرفي في السكنى في
أربض الغير، والحق العرفي في البناء في أرض الغير والسكنى فيها. ومنها حالة
الابن
الذي بنى في الأرض المملوكة لأبيه. بإذن ورضاء الأب ، بنى الابن منزلاًَ
وسكن فيه.
وعندما رفع الابن دعوى مدنية لامتلاك الأرض بالتقادم نجح الدفع بأن صلة
القرابة
التي هي الأبوة والبنوة لا تبيح للابن التملك ضد أبيه، حسب قاعدة التقادم
المعروفة. ولكن كان للابن الحق في المباني. وقضت المحكمة بأنه يفقد حق
السكنى في
مقابل تعويض هو عبارة عن قيمة تلك المباني.
ويوجد عدد من القضايا عن مباني وسكنى الرقيق السابقة الأراضي
التي يملكها ملاكهم السابقون. إذ كان العرف يقضي بأن الرقيق يسمح لهم
بالبناء
والسكنى في الأراضي المملوكة لملاكهم. ويحصل النزاع عادة بين ورثة هؤلاء
وورثة
أولئك. يطالب ورثة الملك باسترداد الحيازة ويطالب الآخرون باكتساب ملكية
الأرض
بالتقادم. وبما أن العلاقة الشخصية كانت تعتبر كأنها علاقة نسب مثل البنوة
والاخوة، وهي تمنع من التملك بالتقادم، فإن الدعوى ترفض. ولكن الحق ي
البناء
والسكنى يظل قائماً ويعوض عنه بقيمة المباني.
إن زراعة وغرس النخيل في أرض الغير هو أمر شائع في الإقليم الشمالي، يقره
العرف،
ويقرر أيضاً نصيب مالك الأرض من الثمار. وهو لا يملك جزأ من عود النخلة،
ولكن يملك
الحق في جزء من ثمارها، ويجوز أن يمتلك اثنين أو أكثر عود النخلة على
الشيوع إذا
اشتركوا في غرسها وتعهدوا ريها ونموها. وكذلك الحال بالنسبة للأشجار الأخرى
كالموالح والمانجو التي كثر غرسها وقيمتها في الوقت الحاضر. وبينما مالك
الأرض حقا
عينا في ثمار النخيل، فإن مالك النخيل يمتلك حقا عينيا في الأرض القائم
عليها
النخيل.
إن العرف في السودان يعترف بحق الزراعة في أرض الغير. حين يمكن المزارع من
حيازة
الأرض والزراعة فيها- في نظير أن يعطى مالك الأرض جزءا من المحصول. ويحدد
العرف
مقدار المحصول الذي يدفع لمالك الأرض، ويكون للمزارع حقا عينيا على الأرض
التي
تقوم عليها الزراعة، وهو حق الزراعة أو حق العمارة أو حق المسوق ومالك
الأرض له
الحق في نصيب من المحصول، وهو يعرف بأسماء مختلفة باختلاف المناطق، ومن تلك
الأسماء حق التزرعة وحق الأرض، وحق التقندي.
وحق الزراعة المطرية، وحق المرعى وحق منتجات الغابات، وهي تكون غالباً في
الأراضي
التي تروى وتزرع بالأمطار، سواء أكانت الأرض ملك الحكومة أو ملك الأفراد،
هي حقوق
يقرها العرف في السودان. وعندما تثبت هذه الحقوق فإنها غالبا تسجل باسم أهل
القرية
التي تقع الأراضي حولها. وقد حصل أن سجلت بعض التسويات أراضي من هذا النوع
في بعض
الأماكن لأهالي القرية أو للأفراد. وهي الأراضي التي تعرف بالبقر. وهي
تعتبر حقوقا
عينية يشترك فيها أهالي القرية بالزراعة أو المرعى أو منتجات الغابات.
وحقوق الارتفاق هي حقوق عينية، متفرعة من حق الملكية، وحق الارتفاق وهو حق
لمنفعة
عقار يقع على عقار آخر، ومثاله حق المرور وحق مرور ماء الري. وجرى البحث
فيها في
أماكنها.
إن الشراكة في تعمير الأرض، ينشأ منها حق عيني فرعي: إذا اتفق مالك الأرض
مع آخر
على أن يشتركا في تعمير الأرض في النفقات وفي الأعمال وعلى المشاركة في
المحصول أو
الناتج من أي نوع، فإن الشريك غير المالك يكون اكتسب حقا عينيا على تلك
الأرض
المعمرة. وبصفة عامة فإن في أي اتفاق صريح أو ضمني يسمح أو يمنح لغير مالك
الأرض
الحق في استعمالها أو استغلالها والانتفاع بها بوجه من وجوه المنافع سواء
أكان
محددا بزمن أو غير محدد، وسواء أكان مقيدا بقيود أو غير مقيد، يكون المنتفع
قد
اكتسب حقا عينيا فرعيا.
اكتســاب
هذه
الحقــوق
إن هذه الحقوق باعتبارها حقوقا عينية، فإنها تكسب بالتصرف القانوني
وبالميراث
وبالتقادم. التصرف القانوني يبدأ به إنشاء الحق ويتم به نقل الحق، اتفاق
مالك
الأرض مع غيره للاستعمال أو التعمير ينشئ الحق، وبعد ذلك يمكن أن ينتقل هذه
الحق
من شخص إلى آخر بالتصرف القانوني. وبالنسبة للميراث، فإن أي واحد من هذه
الحقوق
يفترض فيه الدوام والاستمرار، بمعنى أنه لا ينتهي بوفاة صاحبته، وحين يكون
محدداً
بزمن فإنه لا ينتهي إلا بانتهاء الزمن المحدد. وبطبيعة الحال فإن الحق الذي
لا
ينتهي بوفاة صاحبه، فإنه ينتقل لورثته.
وتكتسب هذه الحقوق الفرعية بالتقادم المكسب للملكية أو
المسقط للحق. وهذا هو الحال بالنسبة لأي حق عيني. لقد رأينا في البحث عن
حقوق الارتفاق،
أنها تكسب بالتقادم وتنتهي به. وكذلك الحال بالنسبة لغيرها من هذه الحقوق
والمسألة
واضحة في قانون التقادم المكسب والمسقط لسنة 1928 (الملغي) يعرف هذا
القانون الأرض
بأنها "تشمل المنفعة الناشئة عن الأرض والأشياء المتصلة بالأرض بصفة دائمة
وأي مصلحة في الأرض.." والمادة 3 من نفس القانون تقول "يجوز لأي شخص
بشرط أن لا يكون منتفعاً أن يكسب ملكية أرض في حالة..." وإذا ضممنا تعريف
الأرض إلى هذه المادة نجد أن معنى النص يكون "يكسب ملكية أرض أو أي منفعة
أو
مصلحة في أرض". والحقوق الفرعية هي عبارة عن منفعة أو مصلحة في أرض، وإن حق
البناء والسكنى وحق الزراعة وغيرها ليست هي إلا منفعة أو مصلحة في أرض،
ولذلك فإن
هذه الحقوق يجوز أن تكتسب بالتقادم باعتبارها أرضاً. ويظهر أن قواعد
التقادم التي
يكتسب بها حقوق الارتفاق تنطبق على اكتساب هذه الحقوق الفرعية، والقاعدة
الأساسية
هي التمتع بالحق للمدة القانونية باستمرار وبدون انقطاع.
وتنتهي الحقوق الفرعية بنس الطريقة التي ينتهي بها حق
الارتفاق بالانقطاع عن التمتع أو لاستعمال من عند صاحب الحق أو بفعل مالك
الأرض أو
بفعل آخر، أو أن الحق أصبح لا فائدة فيه، إن الاستمرارية في الاستعمال هي
الأساس
في بقاء الحق. إن البناء المسكون لا نهاية للسكنى فيه،ولكن الحكم في حالة
الابن
والرقيق السابق بإنهاء الحق – كما سبق ذكره- مع دفع التعويض الذي هو قيمة
المباني،
كان خروجاً عن مبدأ التقادم الذي لا يسمح لصاحب البناء والسكنى من اكتساب
ملكية
الأرض بالتقادم. أن النخيل والأشجار الأخرى والزراعة، تبقى ما بقيت قائمة
ومثمرة،
وأن مالك الأرض ليس له إلا نصيبه في الثمار.
وإلى هنا ننتهي من تقري الحقوق المتفرعة من حق الملكية في
الأرض، تلك الحقوق التي يقرها العرف السوداني، ويقرها القانون المطبق في
السودان، وهي
واضحة في أوصافها ومبانيها ومعانيها. وتدخل في إطار قاعدة واحدة عامة، وهي
أن
الحيازة مع الاستعمال والانتفاع ينتج عنه حق عيني فرعي لحق ملكية الأرض.
وإن ما جاء في قانون المعاملات لسنة1984، هو أولا نصوص نقلت
بغير تصرف من قوانين أجنبية، مثلا أن عبارة حق المساطحة والقرار هي عبارة
غريبة
على المفاهميم السودانية، وثانياً فإن هذا النصوص تكاد تكون مترادفة، ولا
توجد
فوارق بينها وبين غيرها. وسبق الذكر أن ما سمي بحق التصرف هو نفس حق
المنفعة، ذلك
الحق الذي استبدل به هذا القانون حق ملكية الأرض واجارتها. ونرى أ، كل ما
جاء في
هذا الباب العشرين ما هو إلا خلط وارتباط ولا يستحق البقاء.
عثمان الطيب
في قانون
المعاملات المدنية لسنة 1984
الحقوق المتفرعة عن حق
الملكية
مقدمــة:
هذا البحث
في قانون المعاملات المدنية لسنة 1984 يختص بالباب العشرين الذي سماه
الحقوق
المتفرعة عن حق الملكية. وهو يشتمل على خمسة فصول هي: الفصل الأول حق
التصرف،
والفصل الثاني حق الانتفاع والفصل الثالث حق الاستعمال وحق السكن والفصل
الرابع حق
المساطحة الخامس الوقف.
كانت
أبحاثنا السابقة الأول والثاني والثالث في الباب التاسع عشر المعنون
الملكية
وأنواعها والقيود التي ترد عليها وأسباب كسبها. ونترك وراءنا فصولاً كثيرة
من هذا
الباب وننتقل إلى الباب العشرين بالبحث: لأننا وجدنا فيه من النصوص ما يخرج
عن
معاني النصوص التي سبق بحثها، خاصة حق المنفعة الذي جعله هذا القانون حكما
ونظاما
سائداً، وألغى به حقل الملكية. ذلك الرأي المبتدع الذي بينا خطأه وعدم
صلاحية
تطبيقه في البحث الأول. وسندرس فيما يلي تفاصيل النصوص التي جاءت في هذا
الباب
العشرين.
حـق
التصــرف:
ابتداء الفصل الأول بالمادة 287 التي تنص على الآتي:-
1- يجوز للدولة أن تبيح حق التصرف في منافع الأرض المملوكة لها لمن يرغب
بالشروط
التي يفرضها القانون.
2- يجب أهن يكون سند التصرف مسجلاً حسب ما
تقتضيه القوانين الخاصة.
هذا عن الأراضي
المملوكة للدولة، وإن الدولة تبيح حق التصرف في منافعها لمن يرغب وبطبيعة
الحال لا
يجوز إعطاء أو منح شئ لمن لا يرغب. ويجب أن يسبق الإباحة المنح أي أن
الدولة تمنح
الراغب المنفعة أولا ثم تبيح له حق التصرف فيها. والدولة لها أن تفرض من
الشروط ما
تراه مناسباًُ فيما يختص بالتصرف أو غيره. وأضاف أن سند التصرف يجب أن يكون
مسجلاً
ومتمشياً مع الصياغ كان عليه أن يقول "سند حق التصرف" إن هذه المادة
تظهر كأنها تبتكر أو تخلق حقاً معيناً يعرف بحق التصرف في منافع الأرض
المملوكة
للدولة.
وعندما نرجع إلى المادة 559 نجد أن الدولة تمنح حق المنفعة لمن يرغب
بالشروط التي
تفرضها، وتجعل لمالك حق المنفعة الحق في التصرف فيها بما يشاء من أنواع
التصرف،
وذلك بعد تسجيلها رسمياًٍ. لا أظن أن يوجد فرق في الحالتين بين منح حق
المنفعة
وبين حق التصرف في المنفعة. والمنفعة جمعها منافع كما جاءت في المادة 687.
التصرف
في منافع الأراضي الحكومية
تحت هذا العنوان في المادة 688 يأتي بنص طويل يبدؤه بقوله "يحق للمتصرف في
منافع الأراضي الحكومية أن يزرعها وأن ينتفع بها.." ويستمر في ذكر المنافع
من
بناء الدور والدكاكين والمصانع. ويضيف أن للمتصرف في المنافع أن يؤجرها
ويرهنها.
وفي الفقرة (3) يأتي بما نصه:
"الأبنية وما يتبعها التي تنشأ على الأرض الحكومية وما يغرس فيها من أشجار
ودوالي تسري عليها الأحكام الموضوعة للأراضي المملوكة العين للدولة فيما
يتعلق
بالتصرف والانتقال".
أنه يذكر مرة الأراضي المملوكة العين للدولة ومرة الأراضي المملوكة للحكومة
ولا
يظهر وجود فرق بين العبارتين. بل هو الارتباك والاضطراب السائد في هذا
القانون.
حق المتصرف في الأراضي الحكومية جاء منه في المادة 568 التي تقول "مالك
المنفعة يتمتع بالزراعة والسكن وغيرها. وفي المادة 569 يأتي النص الذي يقول
أن
الأبنية والأغراس التي ينشئها مالك المنفعة هي ملك له، ولا يؤخذ في
الاعتبار عند
تحديد قيمة المنفعة عند التصرف. ونص هنا في هذه المادة 688 أن ما ينشئ في
الأرض
الحكومة فيها حق المنفعة كما جاء في المادة 569. لا يوجد فرق بين هذه
النصوص.
ويظهر أن حق التصرف في منافع الأرض هو نفس المنفعة.
توجد في المادة 688 فقرة فيها تساؤل هو قوله "على أن لا يتوسع في ذلك إلى
إحداث قرية أو محلة. هذا شرط على التصرف في إحداث أي منشآت. وهو يوحي أن حق
التصرف
يكون في أرض لا حدود لها. وهو أمر لا يمكن تصوره لأن الأراضي في أي نظام
تمنح بناء
على مساحات محددة. وكلمة "محلة" هي كلمة غريبة على العرف والمصطلحات
السودانية.
في المادة 689 يقول "يجوز التصرف في تراب الأرض ورمالها
وصحاريها إذا أذنت السلطة بموجب عقد أو قانون لمن له حق الانتفاع". وهذا
ثابت
لمن له حق المنفعة وأن لم ينص عليه، لأنه جزء من المنفعة. وبصفة عامة هو
ثابت
لمالك العين ولمالك المنفعة، ولا يحتاج إلى نص.
في المادة 690 يرد النص الآتي:-
" يرد علىحق التصرف من القيود القانونية والاتفاقية ما يرد على حلق
الملكية" وفي المادة 691 يقول يسري على الشيوع في حق التصرف ما يسري على
الشيوع في حالة لملكية. وجاء في المادة 560 أن حق المنفعة هو كحق الملكية
ويسري
عليه من النصوص ما يسري على حق الملكية. وهنا لا يوجد فرق بين حق التصرف
وحق
المنفعة.
وتأتي في هذا الفصل المادة الأخيرة 692 بنص هو في الغاية من الغرابة وهو
يقول أن
من يملك عين الأرض يملك حق التصرف في العين والمنفعة، ومن يملك المنفعة
يملك حق
التصرف في المنفعة، ويضيف له أن يمنعه من ذلك قانون خاص أو عقد. وسبق أن
ذكرنا أن
مثل هذه الإضافة لا معنى لها. لأن المفروض في التشريع السليم أن يقرر الحق
بطريقة
مطلقة، ويترك ما سوف يأتي من قيود أو قانون لما هو كائن له. والمادة في
ذاتها لا
تشتمل على نص تشريعي لأن البديهيان تقول أن من يملك العين له حق التصرف
فيها وفي
منفعتها وأن من يملك المنفعة فقط فله حق التصرف فيها، وأنه ليس له حق
التصرف في
العين التي لا يملكها.
حــق
الانتفــاع
جاء بفصل جديد وهو الفصل الثاني تحت عنوان حق الانتفاع، وبدأ بتعريفه كما
يلي:-
"الانتفاع حق عيني للمنتفع باستعمال عين تخص الغير واستغلالها ما دامت
قائمة
على حالها وإن لم تكن رقبتها مملوكة للمنتفع".
من ناحية الصياغة فإن عبارة "وإن لم تكن رقبتها مملوكة للمنتفع"
هي حشو فاسد لا قيمة له. لأن عبارة "عين تخص الغير" جعلت المعنى
مستوفياً أن العين التي تخص الغير هي بطبيعة الحال لا تكون تلك العين أو
تلك
الرقبة مملوكة للمنتفع.
لم يأت بتعريف لحق التصرف. ولكن يظهر من آثاره وما يترتب عليه أنه حق عيني
على
أرض. أنه حق تصرف في منفعة أرض وأنه يسجل تسجيلا رسمياً. وأنه ينتفع به بكل
أنواع
المنافع وأنه يجوز التصرف فيه. كما يجوز التصرف في حق المنفعة هذا هو حق
التصرف.
وحق الانتفاع هو حق عيني على أرض يبيح للمنتفع الاستعمال والاستغلال، وكل
ما ينتمي
للاستعمال والاستغلال من تصرفات. على ما يظهر من النصوص يوجد فرق واحد بين
حق
التصرف وحق الانتفاع، وهو أن حق التصرف يكون في الأراضي المملوكة للدولة.
وحق
الانتفاع لا يقتصر على الأراضي المملوكة للدولة بل يجوز في الأراضي
المملوكة
للأفراد. هل هذا هو فرق حقيقي وما نتائجه؟ بعض مواد الفصل ستجيب على هذا
السؤال.
كسـب
حق الانتفــاع
في المادة 694 جاء بالنص الذي يقول:
"يكسب حق الانتفاع بالتصرف القانوني أو الميراث أو الوصية أو بمرور الزمن
والحيازة".
لم يرد نص مماثل لهذا النص بالنسبة لحق التصرف. ولكن بما أنه حق عيني فإنه
ينطبق
عليه مثل هذا النص، ويكسب بالتصرف القانوني والميراث أو الوصية أو بمرور
المن
والحيازة كغيره من الحقوق العينية وكان يمكن الاستغناء عن هذه المادة هنا
وعدم
ذكرها استنادا على ما تقرر بصفة عامة عن التقادم المكسب أو التقادم المسقط
الذي
جاءت نصوصه في الفصل الثالث عشر عن كسب الملكية بالحيازة.
حقوق
المنتفع والتزاماتــه
جاءت المادة 695 تحت هذا القانون وأول ما يلاحظ فيها أنها تستعمل
كلمة"المنتفع" وليس الانتفاع مما يدل على أنه لا يستعمل عبارة "حق
الانتفاع" على أنها عبارة اصطلاحية لمعنى خاص ومعين، وأن الحق الذي تدل
عليه
وهو حق يتميز من غيره من الحقوق. وهذا يؤيد الفهم أن حق المنفعة وحق
الانتفاع وحق
التصرف كلها بمعنى واحد. قالت المادة "يراعى في حقوق المنتفع والتزاماته
السند الذي انشأ حق الانتفاع وكذلك الأحكام المقررة في البنود الآتية"
حق الانتفاع ينشأ بموجب سند وكذلك الحال بالنسبة لحق التصرف وحق المنفعة
وفي كلها
إن الإنشاء من الدولة من الأراضي المملوكة لها، أنها تمنح الأراضي للانتفاع
والاستعمال والاستغلال. ومن ثم تنتقل هذه الحقوق إلى الغير بالتصرفات
العادية أو
التقادم.
بنود الالتزامات طويلة ويمكن تقسيمها إلى أقسام. أول الأقسام انتفاع
المنتفع
وتصرفه، بأن له الحق في الثمار، والتصرف المعتاد، إلا إذا وجد في سند
الانتفاع قيد
فعليه أن يلتزم به /. هذه من البديهيان التي لا تحتاج إلى نص. إن الانتفاع
بالثمار
هو من أول الحقول. وحق التصرف هو أمر طبيعي إن لم يوجد نص مقيد. وسبق النص
عليه في
المادة 6689. وجاء في المادة 690 القول بأن حق التصرف يرد عليه ما يرد من
القيود
على حق الملكية. وهذا مماثل للقول بأن حق الانتفاع ينصرف فيه التصرف
الطبيعي مع
مراعاة أي قيد. وجاء القول بأن المنتفع إذا تصرف تصرفا غير مشروع لا يتفق
مع صفة
الشيء فإن لمالك العين أن يعترض ويطلب من المحكمة إنهاء حق الانتفاع ورد
الشيء دون
إخلال بحقوق الغير. هذا النص يماثل النص الذي يقول أن حق المنفعة يمكن رده
إذا
تصرف مالك المنفعة تصرفا مخالفا لأي شرط من شروط المنفعة ورد المنفعة هو
تدخل
المالك الذي هو الدولة لإنهاء المنفعة.
والقسم الثاني عن صيانة الشئ أو هلاكه إذ يقول أن على المنتفع نفقات
الصيانة
ونفقات الإصلاحات الجسيمة تكون على المالك بلا جبر. وإذا تلف الشئ أو هلك
دون تعد
من المنتفع فلا ضمان عليه، وعليه الضمانة إذا حصل التلف بعد انقضاء مدة
الانتفاع
ولم يرد الشيء. والقسم الثالث أن يخطر المنتفع مالك العين إذا دعى الغير
حقا عليه
أو إذا احتاج إلى إصلاحات جسيمة مما يقع عليه أو إذا احتاج إلى إجراءات
لدفع الخطر
وإذا لم يقم بالإخطار يكن مسئولا عن الضرر الذي يحدثه.
والقسم الرابع ينص على أن النتفع أن يستهلكما استعاره من المنقولات التي لا
يمكن
الانتفاع بها إلا باستهلاك عينها، وعليها رد مثلها أو قيمتها بعد انهاء حقه
في
الإنتفاع، وعليه ضمانها إذا هلكت قبل الانتفاع بها ولو بغير تعديه لكونها
قرضاً وإذا
مات المنتفع قبل أن يردها تضمن تركته قيمتها.
كل هذه النصوص يفهم منها أن الشيء المنتفع به هو منقول وليس عقار.
انتهاء
حق الانتفــاع
جاء في المادة 696 النص على إنهاء حق الانتفاع بأي من الأسباب الآتية:-
أ- بانقضاء الأجل المحدد
له. يعني أن يعقد لأجل محدد، وهو بهذا الوصف يكون كأنه إجارة أو إعارة.
ب-بهلاك العين المنتفع
بها.
ج- بتنازل المنتفع. هنا أيضاً يوجد شبهة بما هو
مقرر في الإجارة أو الإعارة.
د- وبالنسبة لحق المنفعة فإنه يوجد نص مماثل في
المادة 695(ج) أعلاه.
هـ- باتحاد صفتي المالك والمنتفع ما لم يكن للمالك مصلحة في
بقائه كأن كانت الرقبة مرهونة. اتحاد المالك والمنتفع هو شيء واضح ومفهوم،
أما كون
للمالك مصلحة في بقاء حق الانتفاع كان كانت الرقبة مرهونة فهو أمر أجد من
العسير
فهمه أو تصوره. من الأمور العادية وجود مالك ومنتفع للشيء الواحد في الوقت
الواحد
فإذا انتهى الانتفاع بطريقة أو أخرى عاد الشيء المنتفع به إلى المالك فيحصل
الاتحاد في يد المالك ومن الناحية الأخرى يجوز أن يحصل الاتحاد في يد
المنتفع بأن
تنتقل الرقبة إليه بطريقة من طرق التصرف، فيصبح هو المالك مع كونه منتفعا
أما عن
المصلحة والرهن. تظهر تساؤلات كثيرة منها: هل المصلحة للمالك الأول أو
للمالك
الثاني؟ وهل الرهن للمنتفع أو لغيره؟ وإذا افترضنا أن العين كانت مرهونة
للمنتفع رهنا حيازياً، فإن الاتحاد في يد المالك يكون بفك الرهن وإنهاء
الحيازة
والانتفاع الذي كانت مترتباً عليه ورد العين للمالك. ومن الناحية الأخرى
فإن
الاتحاد في يد المنتفع يكون بإحدى التصرفات التي تجعله مالكاً. وفي أي ظرف
من
الظروف أو في غيرها فإن هذه العبارة ما هي إلا خلط مما امتاز به هذا
القانون.
و- بموت المنتفع إذا لم ينص القانون على غير ذلك. إن هذا الكاتب أو المشرع
اعتاد
الإتيان بالحكم الشرطي الذي يقول "إذا لم ينص القانون على ذلك" أو في
عبارات أخرى مماثلة. وسبق أن ذكرنا في بحث سابق أن هذا أسلوب تشريعي خاطئ
ومضلل
ولا معنى له. لأنه أما أن يكون هناك نص قانوني قائم على غير ما ذكر هنا أو
معارض
له، فيكون النص الجديد خطأ ويجب أن لا يوجد. وأما إن كان لا يوجد نص على
غير ما
ذكر فإن المسألة تترك لظروف المستقبل. وإذا صدر قانون آخر معارض لهذا
القانون إنه
يأتي معه النص على إلغاء هذا. وإذا لم يأت نص بإلغاء فإن القاعدة الأصولية
تقول أن
القانون اللاحق يلغي القانون السابق.
ما
يترتب على إنهاء حق الانتفاع:
تحت هذا العنوان توجد المادة 697 وهي تحتوى على أربع فقرات كالآتي:-
1- جاء في
الأولى أنه إذا انقضى الأجل المحدد للانتفاع، وكان الأرض مشغولة بزراعة
تركت الأرض
للمنتفع حتى يدرك الزرع بأجر المثل، وإذا مات المنتفع في أثناء مدة
الانتفاع تركت
الأرض لورثته بأجر المثل وفي آخر الفقرة جاء بالحكم الشرطي قائلا "ما لم
ينص
القانون على غير ذلك" وكما سبق أن ذكرنا فإنه حشو لا معنى له. ونلاحظ
أن الأرض أول مرة تذكر في هذا الفصل مما يدل على أن حق الانتفاع يقصد منه
الشمول
في العقار والمنقول.
2- جاء في
الثانية
أنه إذا انتهى حق المنفعة (لاحظ قوله حق المنفعة) بهلاك الشيء ودفع عنه
تعويض أو
تأمين، فلا يجبر مالك الشيء على إعادته على أصله. ولكنه إذا أعاده رجع
للمنتفع حق
الانتفاع إذا لم يكن الإهلاك بسببه. هذا هو المعنى الذي يفهم من عبارات
النص التي كان مرتبكة، وعندما نعلم أن حالة
الهلاك والتعويض توجد في الإجارة والإعارة فإن النص المعقول هو الذي يقول
أن
التعويض هو حق مالك العين، وإن اعادتها إلى حالتها وردها للمنتفع هو أمر
يخضع
لاتفاق جديد لأن الاتفاق السابق يحكم عليه بالانتهاء بالهلاك.
3- جاء في
الثالثة أن تنازل المنتفع عن حق الانتفاع لا يؤثر على التزاماته لمالك
العين
المنتفع بها، ولا على حقوق الغير. التنازل هو إنهاء العقد من جانب واحد
ويترتب
عليه الوفاء بكل الالتزامات
سقوط
دعوى حق الانتفاع بالنظام
جاء في الفقرة (4) من المادة المذكورة أعلاه مباشرة النص الآتي:-
4- لا
تسمع
دعوى المطالبة بحق الانتفاع إذا انقضت على عدم استعماله خمسة عشر سنة.
إن ما جاء في هذا النص ليس من الأشياء التي تترتب على انتهاء
حق الانتفاع أنه شيء ليس له صلة بالمادة ونصوصها الأخرى، لأنه يتحدث عن
سقوط دعوى
حق الانتفاع بالتقادم. وهو موضوع قائم بذاته وله أحكامه الخاصة به، فكيف
يأتي في
جزء من مادة؟ لا يوجد خلط ولا ارتباك ولا جهل أكبر من هذا.
في المادة 694 قان بأن حق الانتفاع يسكب بمرور الزمن
والحيازة. وفي الفصل الخاص بحقوق الارتفاق أتى بمادتين مماثلتين للمادتين
المذكورتين أعلاه، وهما المادة 576(1) وتنص على الآتي: يكسب حق الارتفاق
بالتصرف
القانوني وتخفيض الحيازة عند عدم سماع الدعوى. والمادة الثانية هي التي تنص
على
الآتي:- لا تسمع الدعوى بحق الارتفاق إذا لم يستعمل مدة عشر سنوات. في
الفصل الخاص
باكتساب الملكية بالحيازة، يوجد النص الذي يقول إن حيازة عقار أو منقول أو
حق عيني
لمدة عشر سنوات لا تسمع ضد الجائز دعوى المالك عند الإنكار (المادة 649).
حق الانتفاع هو حق عيني وحق الارتفاق هو حق عيني، وينطبق
عليها النص العام عند اكتساب الملكية بالحيازة. ولا يوجد مبرر بإفراد نصوص
عن
الاكتساب وعن عدم سماع الدعوى لهما. لم يفرد لحق المنفعة ولا لحق التصرف
نصوص عن
التقادم خاصة بهما. لأنهما باعتبارهما حقين عينيين فإن النص العام ينطبق
عليهما.
ذكرنا في البحث الثاني أن من أظهر مساوئ هذا القانون هو
الخلط في الأحكام بين العقار والمنقول وأكثرها ظهورا في موضوع التقادم في
المادة
649 حيث ذكر مدة التقادم عشر سنوات للعقار والمنقول. وأعاد الكرة في حقوق
الانتفاع حيث لم يفرق بين العقار والمنقول في مدة التقادم. ومن أغرب
الأشياء أنه
جعلها هنا خمس عشرة سنة لماذا وما السبب حيث يشتد العجب؟ لا نعرف السبب ولا
يمكن
تصوره. لا يوجد ما يدعو إلى الحديث عن قواعد التقادم لأننا لا نرى سببا
للنص عليها
هنا وثانياً أنه سبق البحث فيها سابقاً.
حق
الاستعمال وحق السكن
الفصل الثالث في هذا الباب تناول فيه ما سماه حق الاستعمال
أو حق السكن أو السكنى، ونص في المادة 698 على الآتي:-
"يصح أن يقع حق الانتفاع على حق الاستعمال أو السكنى أو
كليهما".
لم يعر حق الاستعمال أو حق السكنى، وحق الانتفاع عرف فيما
سبق بأنه حق عيني للمنتفع لاستعمال أو استغلال عين يملكها الغير. هذا
استعمال
واستغلال وذلك استعمال واستغلال لأن السكنى هي استعمال واستغلال، فكيف يقع
هذا على
ذاك؟ كيف يتصور وقوع حق على حق؟ وكيف يتصور أن يقع استعمال صاحب حق
الانتفاع على
استعمال أو سكن صاحب حق الاستعمال وللسكنى؟ إني أجد تصورا لما هو مقصود
هنا.
المادة 699 تقول :-
"يتحدد مدى حق الاستعمال وحق السكنى بحاجة صاحب الحق
وأسرته لأنفسهم فحسب، وذلك مراعاة السند المنشئ للحق".
الحق محدد بحاجة صاحب الحق وأسرته لأنفسهم فحسب. يفهم من هذا
أنه يقصد السكنى أي السكن العادي، وقاصر على الأسرة التي هي الزوجة
والأبناء. ولكن
من الذي يناط به هذا التحديد وأي سلطة هي؟ وإذا كان هذا عن حق السكنى فما
هو الحال
بالنسبة لحق الاستعمال؟ ومعلوم أن الاستعمال يشمل أغراضاً كثيرة منها
التجارية
والصناعية والزراعية.
المادة 700 في الفقرة (1) تقول:-
يلتزم صاحب السكنى بإجراء عمارة الدار إذا احتاجت لها ويكون
ما بينه ملكا له ولورثته من بعده.
نفهم من هذا أن حق السكنى يقع على دار ما أن تكون معمرة أي
منزلاً جاهزاً للسكنى، وأما أن تكون أرضاً خالية وعليه أن يقوم بعمارتها.
والسؤال
قائم مثل ما سبق من أين أتته الدار، ومن هو الذي منحه الحق فيها وبأي
طريقة؟
والفقرة الثانية أغرب وأعجب: أن صاحب حق السكنى إذا امتنع عن إجراء العمارة
جاز للمحكمة
أن تؤجرها لآخر لعمارتها، وهذا الآخر يستولى على أجرتها حتى يستوفي مبلغ
العمارة
ثم يرده إلى صاحب حق السكنى. وجاء بالحكم الشرطي الذي يقول ما لم ينص السند
المنشئ
لحق السكنى أو أي قانون خاص بغير ذلك ونفهم من هذا أن الحق ينشأ بسند. ولكن
من هو
المنشئ مالك الدار أم غيره، وعلى أي صورة أو شكل يتم الإنشاء. ومن هو الذي
يحرك
المحكمة لكي تعطى الدار لآخر لعمارتها أهو المالك أم هو صاحب الحق؟ كلها
تساؤلات
لا تجد لها جوابا.
المادة 701 تنص على الآتي:-
لا يجوز التنازل للغير عن حق الاستعمال أو حق السكنى إلا بناء على شرط صريح
في سند
انشاء الحق أو ضرورة قصوى.
نفهم من هذا النص بعدم جواز التنازل للغير بأن هذا الحق هو حق شخصي أي
مرتبط
بالشخص لاستعماله الشخصي أو حق السكنى الشخصي ولا يتعداه لغيره. بعبارة
أخرى هو حق
لا يجوزالتصرف فيه للغير. وهذا إن كان مقصود يخرجه عن كونه حق عيني، لأن
طبيعة
الحق العيني أنه قابل للتصرف فيه بصفة عامة بكل أنواع التصرفات بما فيها
التنازل
عنه وانتقاله لشخص آخر.
والماد الأخيرة من هذا الفصل وهي 702 تنص على الآتي:-
تسري أحكام حق الانتفاع على حق الاستعمال وحق السكنى فيما لا يتعارض مع
الأحكام
السابقة وطبيعة هذين الحقين.
سبق القول بعدم وجود تعريف لحق الاستعمال وحق السكنى ولكن بما هو مفهوم أنه
حق
لتعمير أرض مملوكة للغير والسكنى فيها، فإنه حق عيني، وأنه قد يكون محددا
بمدة أو
يكون مدى حياة المنتفع. وأنه لا يجوز التنازل عنه للغير أي لا يجوز التصرف
فيه.
وأنه ينتهي بموت المنتفع، وتؤول العمارة إلى ورثته. وأما حق الانتفاع فقد
جعله
واقعاً على حق السكنى أي الاستعمال. وقلنا أنه ليس من الميسور تخيل أو تصور
الصور
أو الحالة التي يقع فيها حق الانتفاع وهو حق استعمال واستغلال وسكنى على حق
الاستعمال والسكنى الآخر. ومن هذا فإننا لا نجد حكما من أحكام حق الانتفاع
يكن
سريانه أو تطبيقه على هذا الحق المسمى حق الاستعمال أو السكنى، كما ظن في
هذه
المادة الأخيرة.
حق
المساطحة (حق القرار)
هذا هو الفصل الرابع، جاء فيه بما سماه المساطحة، وعرفه في المادة 703
بقوله:
"حق المساطحة حق عيني يعطي صاحبه الحق في إقامة بناء أو أغراس على أرض
الغير".
التعريف واضح، ولكن عبارة المساطحة أو حق القرار ليس لها مكان أو معنى
مفهوم في
العرف والمفاهيم السودانية. وإذا نظرنا إلى الحقوق التي سبق ذكرها نجد أن
حق
المنفعة وحق التصرف وحق الانتفاع وحق الاستعمال والسكنى، كلها حقوق عينية
تبيح
البناء وإغراس الأشجار في أرض مملوكة للغير. وننظر في أحكامه إن كانت تختلف
عن هذه
الحقوق.
المادة 704 تنص على أ، حق المساطحة بالاتفاق أو مرور الزمن والحيازة،
وينتقل
بالميراث والوصية ويرتب السند المنشئ له الحقوق والالتزامات. هذا هو الحال
بالنسبة
لكل الحقوق التي هي موضع المقارنة إلى حق الاستعمال والسكنى الذي قيل أنه
لا ينتقل
بالميراث.
المادة 705 تنص على الآتي:-
1- يجوز
التنازل
عن حق المساطحة أو إجراء رهن عليه.
2- كما
يجوز
التقرير حقوق الارتفاق عليه على ألا تتعارض مع طبيعته.
إن أي حق يجوز التنازل عنه للغير إلا ذلك الحق الشخصي
المرتبط بحياة المنتفع ومثله حق الاستعمال والسكنى، لوجود النص على عدم
جواز
التنازل عنه للغير. وما معنى قوله "إجراء الرهن عليه"؟ إذا كان يمكن
كسبه بالاتفاق، وينتقل بالاتفاق، وينشأ بسند، ويمكن التنازل عنه معنى ذلك
أنه يجوز
أن تجري عليه كل التصرفات. والرهن واحد منها.
في الفقرة الثانية يجوز وقوع حقوق الارتفاق عليه. وأن هذه
الحقوق لا تقع إلا على الأرض المملوكة أو التي هي في حكم المملوكة. ومثالها
حق
المنفعة المقررة في هذا القانون. وهذا الحق بهذا الوصف يكون أقوى مكانا من
حق
التصرف وحق الانتفاع ومن باب أولى حق الاستعمال والسكنى.
المادة 706 تنص على الآتي:-
يملك صاحب حق المساطحة ما أحدثه في الأرض من
مباني أو غرس وله أن يتصرف فيها مقترنة بحق المساطحة.
يعني هذا النص أن حق المساطحة لا ينفصل عن المباني أو
الأغراس. بل هو حق لاقامة المباني والأغراس. فإذا تصرف فيها فإنه تصرف ف حق
المساطحة. وإذا تصرف في الحق فإن تصرف في المباني أو الأشجار. وهو حق –كما
سبق أن
ذكر- يجوز التصرف فيه بأي نوع من أنواع التصرفات.
والمادة الأخيرة في هذا الفصل وهي المادة 707 تنص على انتهاء حق المساطحة
بالآتي:-
أ – بانتهاء المدة المتفق عليها إن وجدت.
ت-باتحاد صفتي المالك
وصاحب الحق.
ج- إذا تخلف صاحب الحق عن أداء الأجرة المتفق عليها
مدة سنتين ما لم يتفقع على غير ذلك.
كان هذا في الفقرة الأولى من المادة. وفي الفقرة الثانية
قال: لا ينتهي حق المساطحة بزوال البناء أو الغرس قبل انتهاء المدة.
يفهم من هذا أنه حق يجوز أن يحدد بزمن، ويجوز أن لا يحدد
بزمن وفي كلتا الحالتين تدفع عليه أجرة يتفق عليها، وأنه إذا تخلف صاحب
الحق عن
دفع الأجرة مدة محددة، فإنه يستمر في أثناء هذه المدة، وأن زال البناء أو
الغرس.
كان الأنسب أن يقول بانتهاء الحق إذا زال البناء أو الغرس لأنه حق من أجل
البناء
والغراس.
الوقـــف
جاء بالفصل الخامس في هذا الباب بالوقف والأحكام التي تسري على الوقف. وقال
في
المادة 709 تسري بشأن الوقف أحكام القوانين الخاصة بالوقف مع مراعاة
المبادئ
المنصوص عليها في هذا القانون.
ولا نرى أن نناقش الوقف ولا المبادئ المنصوص عليها في هذا القانون بسبب
واحد بسيط،
وهو أن الوقف ليس هو واحد من الحقوق المتفرعة عن الملكية. الوقف ليس حقاً
على عقار
مملوك للغير. بل هو ملك، هو عقار مملوك للجهة الموقف إليها ومسجل باسمها.
وليس
وضعه هنا إلا واحدة من الخلط والارتباط الذي اعتاد عليه هذا القانون.
خلاصـــة
نقرر بصفة عامة أن هذه الحقوق المتفرعة عن حق الملكية التي
ذكرت في هذا الباب، بأسمائها التي سميت بها وبأوصافها التي وصفت بها، ليس
لها
نظائر في قوانين السودان، ولا يعرفها العرف في السودان، ولا التعامل السائد
فيه.
وسنتعرض لهذا فما يلي. ومع ذلك فإنها مسميات لأشياء مكررة في نفس هذا
القانون،
كعادة هذا القانون في الخلط والارتباك.
بالرجوع إلى هذه الفصول، نجد أن حق التصرف هو نفس حق المنفعة، الذي جاء في
الباب
السابق، إذ هو حق عيني تمنحه الحكومة على أراضي الدولة للاستعمال
والاستغلال. وذلك
هو الحال بالنسبة لحق المنفعة. وحق الانتفاع هو حق عيني على شيء مملوك
للغير لأجل
محدد عقارا كان أو منقولاً، ومن الحكومة أو غيرها، وينتهي بموت المنتفع،
ويسكب
بالتصرف القانوني أو الوصية أو الميراث أو التقادم وهو بهذا الوصف إما أن
يكون
إجارة أو عارية. وما يسمى حق الاستعمال وحق السكنى هو حق عيني يقع على عقار
مملوك
للغير للتعمير والسكنى. وتسري عليه أحكام حق الانتفاع. وأغرب ما في الأمر
ما ذكر
على سبيل التعريف لهذا الحق، إن حق الانتفاع يقع عليه. وهو ما لا يمكن
تعريفه.
ويظهر أنه هو نفس حق الانتفاع.
والحق الأخير هو حق المساطحة والقرار، وهو أيضاً عرف بأنه حق عيني يقع على
عقار مملوك
للغير فيه والسكنى، ويكسب بالتصرف القانوني والميراث والوصية والتقادم،
وتحدد له
مدة زمنية وتحدد له أجرة. وبهذا الوصف فهو حق انتفاع أو إجارة.
ونضيف أن هذه الحقوق على حسب أوصافها لا يمكن التمييز بينها. كلها وصفت
بأنها حقوق
عينية ويكسب بالتصرف القانوني وبالميراث والوصية والتقادم. ذكر عن حق
الانتفاع أنه له أجل محدد وأنه ينتهي بموت المنتفع. وأنه أيضا يكسب
بالميراث. من
المعلوم أن الحق الذي ينتقل أو يكسب بالميراث. لا يقال عنه أنه ينتهي بموت
صاحب
الحق. وإذا كان لأجل محدد، فإنه النص الصحيح أن يقال أنه بنهاية الأجل،
وهكذا فإن
الخلط والارتباك ظهر في النصوص ومسمياتها.
الحقوق
المتفرعة عن الملكية في قوانين السودان
ذكرنا فيما مضى أن قوانين الأراضي في السودان، استمدت من العرف السوداني
والتقاليد
السائدة فيه، وليس فيها شيء مستورد من الخارج، وكذلك الحال فيما يختص
بالحقوق
المتفرعة عن ملكية الأرض.
وهي يمكن تعريفها بأنها الحقوق التي يمكن أن تنشأ أو تكتسب على عقار مملوك
للغير.
بحيث يكون الاستعمال والاستغلال والتمتع والانتفاع لشخص غير المالك بينما
تكون
ملكية المالك قائمة وتكون المعاملة ذات طرفين: أحدهما مالك العقار وثانيهما
مالك
الحق الذي تفرع عن الملكية.
وهذه الحقوق لها أنواع كثيرة، وتتعدد بتعدد أنوا استعمال الأراضي والانتفاع
والتمتع بها، وعلى حسب ظروف الناس من ملاك ومنتفعين وكثيراً ما يحصل أن
مالك أرض
ليست له الاستطاعة أو ليست له الرغبة، لتعمير أرضه، فإنه يتفق مع آخر بأنه
يمنحه
حق الاستعمال أو الاستغلال بأي طريقة من الطرق، سواء أكانت زراعية أو سكنية
أو
صناعية، أو غير هذه أو تلك من أنواع التعمير والاستثمار. وفي هذه الظروف
يكون مالك
العقار محتفظا بحق الملكية، ومال الحق الفرعي محتفظا بحقه، الذي هو حق عيني
لا
ينتهي إلا بسبب من الأسباب القانونية. وأمثلة هذه كثيرة نذكر منها:-
1- الاجارة.
2- الحق
العرفي
في سكنى المباني القائمة على الأرض بموافقة المالك.
3- الحقوق
المتعلقة بأشجار النخيل والأشجار الأخرى المغروسة في أرض الغير.
4- الحق
العرفي
في البناء في أرض الغير بموافقته.
5- الحق
العرفي
في الزراعة في أرض الغير.
6- حق
العمارة.
7- حق
الرعي.
8- حق
منتجات
الغابات.
9- حق
الشراكة
مع مالك الأرض لتعمير الأرض واستعمالها والانتفاع بها.
10- أي حق
آخر
يبيح حيازة الأرض واستعمالها والانتفاع بها.
11- حقوق
الارتفاق.
أقر العرف السوداني بوجود الحقوق، وتعامل الناس بها، وبعد
ذلك جاء القانون للاعتراف بها. قانون تسوية الأراضي وتسجيلها لسنة 1925.
المادة 14
تنص على أن ضابط التسوية إذا اقتنع بوجود مثل هذه الحقوق وذكر بعضها على
أرض
مملوكة للحكومة أو غيرها، وقد تثبت لأي شخص عليه أن يسجلها لمن تثبت له.
وفي نفس
القانون المادة 27 نصت على أن ملكية الأرض المسجلة خاضعة لمثل هذه الحقوق
إن وجدت
– بدو إدخالها في السجل. وذكرت المادة بعضا منها.
جاءت سوابق قضائية كثيرة عن حالات الحق العرفي في السكنى في
أربض الغير، والحق العرفي في البناء في أرض الغير والسكنى فيها. ومنها حالة
الابن
الذي بنى في الأرض المملوكة لأبيه. بإذن ورضاء الأب ، بنى الابن منزلاًَ
وسكن فيه.
وعندما رفع الابن دعوى مدنية لامتلاك الأرض بالتقادم نجح الدفع بأن صلة
القرابة
التي هي الأبوة والبنوة لا تبيح للابن التملك ضد أبيه، حسب قاعدة التقادم
المعروفة. ولكن كان للابن الحق في المباني. وقضت المحكمة بأنه يفقد حق
السكنى في
مقابل تعويض هو عبارة عن قيمة تلك المباني.
ويوجد عدد من القضايا عن مباني وسكنى الرقيق السابقة الأراضي
التي يملكها ملاكهم السابقون. إذ كان العرف يقضي بأن الرقيق يسمح لهم
بالبناء
والسكنى في الأراضي المملوكة لملاكهم. ويحصل النزاع عادة بين ورثة هؤلاء
وورثة
أولئك. يطالب ورثة الملك باسترداد الحيازة ويطالب الآخرون باكتساب ملكية
الأرض
بالتقادم. وبما أن العلاقة الشخصية كانت تعتبر كأنها علاقة نسب مثل البنوة
والاخوة، وهي تمنع من التملك بالتقادم، فإن الدعوى ترفض. ولكن الحق ي
البناء
والسكنى يظل قائماً ويعوض عنه بقيمة المباني.
إن زراعة وغرس النخيل في أرض الغير هو أمر شائع في الإقليم الشمالي، يقره
العرف،
ويقرر أيضاً نصيب مالك الأرض من الثمار. وهو لا يملك جزأ من عود النخلة،
ولكن يملك
الحق في جزء من ثمارها، ويجوز أن يمتلك اثنين أو أكثر عود النخلة على
الشيوع إذا
اشتركوا في غرسها وتعهدوا ريها ونموها. وكذلك الحال بالنسبة للأشجار الأخرى
كالموالح والمانجو التي كثر غرسها وقيمتها في الوقت الحاضر. وبينما مالك
الأرض حقا
عينا في ثمار النخيل، فإن مالك النخيل يمتلك حقا عينيا في الأرض القائم
عليها
النخيل.
إن العرف في السودان يعترف بحق الزراعة في أرض الغير. حين يمكن المزارع من
حيازة
الأرض والزراعة فيها- في نظير أن يعطى مالك الأرض جزءا من المحصول. ويحدد
العرف
مقدار المحصول الذي يدفع لمالك الأرض، ويكون للمزارع حقا عينيا على الأرض
التي
تقوم عليها الزراعة، وهو حق الزراعة أو حق العمارة أو حق المسوق ومالك
الأرض له
الحق في نصيب من المحصول، وهو يعرف بأسماء مختلفة باختلاف المناطق، ومن تلك
الأسماء حق التزرعة وحق الأرض، وحق التقندي.
وحق الزراعة المطرية، وحق المرعى وحق منتجات الغابات، وهي تكون غالباً في
الأراضي
التي تروى وتزرع بالأمطار، سواء أكانت الأرض ملك الحكومة أو ملك الأفراد،
هي حقوق
يقرها العرف في السودان. وعندما تثبت هذه الحقوق فإنها غالبا تسجل باسم أهل
القرية
التي تقع الأراضي حولها. وقد حصل أن سجلت بعض التسويات أراضي من هذا النوع
في بعض
الأماكن لأهالي القرية أو للأفراد. وهي الأراضي التي تعرف بالبقر. وهي
تعتبر حقوقا
عينية يشترك فيها أهالي القرية بالزراعة أو المرعى أو منتجات الغابات.
وحقوق الارتفاق هي حقوق عينية، متفرعة من حق الملكية، وحق الارتفاق وهو حق
لمنفعة
عقار يقع على عقار آخر، ومثاله حق المرور وحق مرور ماء الري. وجرى البحث
فيها في
أماكنها.
إن الشراكة في تعمير الأرض، ينشأ منها حق عيني فرعي: إذا اتفق مالك الأرض
مع آخر
على أن يشتركا في تعمير الأرض في النفقات وفي الأعمال وعلى المشاركة في
المحصول أو
الناتج من أي نوع، فإن الشريك غير المالك يكون اكتسب حقا عينيا على تلك
الأرض
المعمرة. وبصفة عامة فإن في أي اتفاق صريح أو ضمني يسمح أو يمنح لغير مالك
الأرض
الحق في استعمالها أو استغلالها والانتفاع بها بوجه من وجوه المنافع سواء
أكان
محددا بزمن أو غير محدد، وسواء أكان مقيدا بقيود أو غير مقيد، يكون المنتفع
قد
اكتسب حقا عينيا فرعيا.
اكتســاب
هذه
الحقــوق
إن هذه الحقوق باعتبارها حقوقا عينية، فإنها تكسب بالتصرف القانوني
وبالميراث
وبالتقادم. التصرف القانوني يبدأ به إنشاء الحق ويتم به نقل الحق، اتفاق
مالك
الأرض مع غيره للاستعمال أو التعمير ينشئ الحق، وبعد ذلك يمكن أن ينتقل هذه
الحق
من شخص إلى آخر بالتصرف القانوني. وبالنسبة للميراث، فإن أي واحد من هذه
الحقوق
يفترض فيه الدوام والاستمرار، بمعنى أنه لا ينتهي بوفاة صاحبته، وحين يكون
محدداً
بزمن فإنه لا ينتهي إلا بانتهاء الزمن المحدد. وبطبيعة الحال فإن الحق الذي
لا
ينتهي بوفاة صاحبه، فإنه ينتقل لورثته.
وتكتسب هذه الحقوق الفرعية بالتقادم المكسب للملكية أو
المسقط للحق. وهذا هو الحال بالنسبة لأي حق عيني. لقد رأينا في البحث عن
حقوق الارتفاق،
أنها تكسب بالتقادم وتنتهي به. وكذلك الحال بالنسبة لغيرها من هذه الحقوق
والمسألة
واضحة في قانون التقادم المكسب والمسقط لسنة 1928 (الملغي) يعرف هذا
القانون الأرض
بأنها "تشمل المنفعة الناشئة عن الأرض والأشياء المتصلة بالأرض بصفة دائمة
وأي مصلحة في الأرض.." والمادة 3 من نفس القانون تقول "يجوز لأي شخص
بشرط أن لا يكون منتفعاً أن يكسب ملكية أرض في حالة..." وإذا ضممنا تعريف
الأرض إلى هذه المادة نجد أن معنى النص يكون "يكسب ملكية أرض أو أي منفعة
أو
مصلحة في أرض". والحقوق الفرعية هي عبارة عن منفعة أو مصلحة في أرض، وإن حق
البناء والسكنى وحق الزراعة وغيرها ليست هي إلا منفعة أو مصلحة في أرض،
ولذلك فإن
هذه الحقوق يجوز أن تكتسب بالتقادم باعتبارها أرضاً. ويظهر أن قواعد
التقادم التي
يكتسب بها حقوق الارتفاق تنطبق على اكتساب هذه الحقوق الفرعية، والقاعدة
الأساسية
هي التمتع بالحق للمدة القانونية باستمرار وبدون انقطاع.
وتنتهي الحقوق الفرعية بنس الطريقة التي ينتهي بها حق
الارتفاق بالانقطاع عن التمتع أو لاستعمال من عند صاحب الحق أو بفعل مالك
الأرض أو
بفعل آخر، أو أن الحق أصبح لا فائدة فيه، إن الاستمرارية في الاستعمال هي
الأساس
في بقاء الحق. إن البناء المسكون لا نهاية للسكنى فيه،ولكن الحكم في حالة
الابن
والرقيق السابق بإنهاء الحق – كما سبق ذكره- مع دفع التعويض الذي هو قيمة
المباني،
كان خروجاً عن مبدأ التقادم الذي لا يسمح لصاحب البناء والسكنى من اكتساب
ملكية
الأرض بالتقادم. أن النخيل والأشجار الأخرى والزراعة، تبقى ما بقيت قائمة
ومثمرة،
وأن مالك الأرض ليس له إلا نصيبه في الثمار.
وإلى هنا ننتهي من تقري الحقوق المتفرعة من حق الملكية في
الأرض، تلك الحقوق التي يقرها العرف السوداني، ويقرها القانون المطبق في
السودان، وهي
واضحة في أوصافها ومبانيها ومعانيها. وتدخل في إطار قاعدة واحدة عامة، وهي
أن
الحيازة مع الاستعمال والانتفاع ينتج عنه حق عيني فرعي لحق ملكية الأرض.
وإن ما جاء في قانون المعاملات لسنة1984، هو أولا نصوص نقلت
بغير تصرف من قوانين أجنبية، مثلا أن عبارة حق المساطحة والقرار هي عبارة
غريبة
على المفاهميم السودانية، وثانياً فإن هذا النصوص تكاد تكون مترادفة، ولا
توجد
فوارق بينها وبين غيرها. وسبق الذكر أن ما سمي بحق التصرف هو نفس حق
المنفعة، ذلك
الحق الذي استبدل به هذا القانون حق ملكية الأرض واجارتها. ونرى أ، كل ما
جاء في
هذا الباب العشرين ما هو إلا خلط وارتباط ولا يستحق البقاء.
عثمان الطيب