القانون الواجب التطبيق
على اتفاقية شيفرون



بقلم احمد
المفتي



تنص المادة الثامنة عشرة
من اتفاقية شيفرون على الآتي :-



أ/ يخضع المقاول
لقوانين السودان واللوائح الصادرة لتنفيذها بما في ذلك اللوائح الخاصة
بسلامة
وكفاءة أداء العمليات التي تتم تنفيذاً لهذه الاتفاقية وللمحافظة على
الثروات البترولية للسودان بشرط ألا يكون أي من تلك القوانين أو اللوائح أو
التعديلات أو التغييرات متعارضة أو غير متمشية مع نصوص هذه الاتفاقية.



ب/ تكون مصالح وحقوق
والتزامات الحكومة والوزير والمقاول الواردة في هذه الاتفاقية والسارية
طوال
أجلها خاضعة لأحكام هذه الاتفاقية وطبقاً لها ولا يمكن تغييرها أوتعديلها
إلا
باتفاق مشترك بين الأطراف المتعاقدة.



ج/ يخض مقالو المقاول
ومقاولوه من الباطن للأحكام الخاصة بهم في هذه الاتفاقية كما يخضعون لجميع
اللوائح
التي تصدرها الحكومة بصورة صحيحة من وقت إلى آخر ولم يطرأ أي تبديل على
المادة
المذكورة.



ننوه ابتداء إلى أن
المادة الثامنة عشرة الوارد نصها أعلاه تتضمن موضوعاً قانونياً هو أكثر
الموضوعات
القانونية جدلاً في الاتفاقيات المذكورة دون منازع والموضوع المعني هو أن
شيفرون
لا تخضع للقانون المحلي (قوانين السودان) إذا ما تعارض ذلك القانون مع نصوص
الاتفاقية فالفقرة (أ) من المادة المذكورة تنص صراحة على أن تخضع شيفرون
لقوانين
السودان بشرط عدم تعارضها مع نصوص الاتفاقية ، ولقد نصت اتفاقية شيفرون على
ذك
الموضوع مرة أخرى في المادة الرابعة والعشرين التي تنص على الآتي :



"تطبيق قوانين
جمهورية السودان على هذه الاتفاقية وذلك مع مراعاة أحكام المادة الثامنة
عشرة".



إن استبعاد
تطبيق القوانين السودانية على النحو الموضح أعلاه له سابقة في القانون
السوداني
حيث أن المادة 25 من قانون الثروة البترولية لسنة 1972م (أضيفت عام 1975
)تنص على
أن تسود نصوص الاتفاقية على أي حكم مخالف من أحكام ذلك القانون بالقدر الذي
يزيل التعارض
بينهما.



ونشير
بوضوح إلى أن المادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون أبعد مدى حيث أنها
تجعل نصوص
الاتفاقية تسود على كافة القوانين السودانية التي تتعارض معها في

حين
أن المادة 25 من
قانون الثروة البترولية المشار إليها أعلاه تجعل أحكام الاتفاقية تسود فقط
على
أحكام قانون الثروة البترولية التي تتعارض مع الاتفاقية وبناء على ذلك لا
يمكن
القول بأن المادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون لها سند قانوني في نص
المادة 25
من قانون الثروة البترولية لسنة 1972م



إن
موضوع القانون الواجب التطبيق في اتفاقيات البترول هو أهم موضوع قانوني في
تلك
الاتفاقية لأنه يتعلق بسيادة الدولة وحق السلطة التشريعية أو التنفيذية
(كما هو
الحال في اتفاقيات شيفرون) في تقييد السلطة التشريعية في تاريخ لاحق ومدى
دستورية
مثل تلك النصوص وما إلى ذلك ، ولقد تناول ذلك تاريخ لاحق ومدى دستورية مثل
تلك
النصوص وما إلى ذلك ،ولقد تناول ذلك تاريخ لاحق ومدى دستورية مثل تلك
النصوص وما
إلى ذلك ،ولقد تناول ذلك تاريخ لاحق ومدى دستورية مثل تلك النصوص وما إلى
ذلك .
ولقد تناول ذلك الموضوع العديد من الفقهاء كما أنه كان موضوع العديد من
القرارات
الصادرة من محكمة العدل الدولية ومن هيئات التحكيم ومن منظمة الأمم المتحدة
ومن
منظمة البلدان المصدرة للبترول ، وسوف نتناول الموضوع بشئ من الإسهاب نسبة
لأن
حقوق الطرفين والتزاماتها لا تتبلور ولاتنفذ بصورة واضحة إلا في ظل القانون
الواجب
التطبيق ، ولقد رأينا أن نتناول القانون الواجب التطبيق بالشرح والتحليل
على النحو
التالي :-



أولاً : القانون المحلي
، ثانياً :ا لقوانين الأخرى (وهي عبارة عن ثلاثة أنواع : أ- القانون الذاتي
للاتفاق ب- قانون عبر الدول ج- القانون الدولي).



أولاً : القانون المحلي
:



من
المقبول بصفة عامة أن القانون الذي يتفق عليه طرفا الاتفاقية له الصدارة في
التطبيق على كافة القوانين الأخرى القابلة للتطبيق عند عدم وجود مثل ذلك
الاتفاق
وتجدر الإشارة إلى أن موضوع تحديد القانون الواجب التطبيق بوساطة الطرفين
ليس
موضوعاً سهلاً كما يبدو حيث أن هنالك خيارات كثيرة متاحة . فقد يتفق
الطرفان على
اختيار قانون معين ليحكم كافة جوانب العقد ويسمى ذلك بالاختيار العام
للقانون
الواجب التطبيق ،وقد يتفق الطرفان على اختيار جزء من قانون أو اختيار قانون
ليحكم
جزء فقط من الاتفاق ويسمى ذلك بالاختيار المحدود للقانون الواجب التطبيق
بالإضافة
إلى ذلك فقد يتفق الطرفان على عدم تطبيق قانون معين ويسمى ذلك بالاختيار
السلبي
للقانون الواجب التطبيق ،وقد يقوم الطرفان باختيار عدد من القوانين بحيث
يحكم كل
منها جانباً معيناً نم من الاتفاق ويسمى ذلك بالاختيار المتعدد للقانون
الواجب التطبيق .



وهناك
أنواع أخرى من الخيارات ومجمل القول أن الاتفاقيات البترولية في البلاد
العربية
تتضمن أنواعا متباينة من طرق اختيار القانون الواجب التطبيق ، ومن ناحية
أخرى نشير
إلى أن اختيار القانون المحلي في دولة معينة يشمل اختيار قواعد تنازع
القوانين
المضمنة في ذلك القانون المحلي الذي تم اختياره(1).



وفيما
يتعلق بحرية الطرفين في اختيار القانون الذي يحكم اتفاقهما ينبغي التفرقة
بين ذلك
الاختيار وبين صحة ونفاذ العقد شكلا وموضوعاً وهو أمر يخرج عن دائرة إرادة

الطرفين
واختيارهما وينظم بصفة مطلقة بوساطة القانون المحلي للدولة المتعاقد (3)
ولعل أوضح
مثال على ذلك الموضوع هو أن المادة 25 من قانون الثروة البترولية لسنة
1972م تجيز
لوزير الطاقة والتعدين إبرام الاتفاق بموافقة رأس الدولة وبناء على ذك لا
يكون
الاتفاق نافذاً إلا إذا وافق عليه رأس الدولة حتى لو رأى الطرفان خلاف ذلك
اعترافاً بذلك الوضع نجد أن ديباجة اتفاقية شيفرون تضمنت إشارة لذلك حيث
نصت على
الآتي " وحيث أن قراراً جمهورياً سوف يصدر ليفوض الوزير صراحة السلطة في
إبرام اتفاقية اقتسام الإنتاج هذا وتنفيذها" وذلك حتى تؤكد أنها قد أبرمت
وفقاً لنصوص القانون المحلي الذي يلزم الوزير بأخذ موافقة راس الدولة ،وعلى
الرغم
من وجود ذلك النص إلا أننا نعتقد أن إبرام اتفاقية البترول في السودان
بموافقة رأس
الدولة ودون أخذ موافقة السلطة التشريعية هو أمر غير دستوري لأنه يتعارض مع
دستور
1973م كما سبق أن أوضحنا ونشير في ذلك الصدد إلى أن غالبية اتفاقيات
البترول تشترط
إصدارها في شكل قانون صادر من السلطة التشريعية(3).



بالإضافة إلى صحة نفاذ العقد شكلاً وموضوعاً وفقاً للقانون المحلي نجد أن
الأمور
الداخلية المألوفة مثل علاقات العمل ورخص الإنشاءات والمرور والإجراءات
القضائية
يحكمها جميعاً في غالبية الحالات القانون المحلي إذا لم يتفق الطرفان على
غير ذلك
وقد ورد ذلك المعنى في قضاء المحكمة في تحكيم أرامكو(4) أما فيما يتعلق
بخضوع
العقود المبرمة بين الدولة والأجانب إلى القانون المحلي نجد أن المحكمة
الدولية قد
قضبت بذلك في كثير من القضايا ولعل أشهرها قضية شركة البترول الانجلو
ايرانية وقضية الفنارات وقضية القروض العربية(5) وإلى جانب قضاء
المحكمة الدوية نجد أن هنالك آراء فقهية كثيرة تؤيد خضوع العقود المذكورة
للقانون المحلي وأن الخرق التعسفي للعقد من جانب الدولة المضيفة والذي يبلغ
حد
إنكار العدالة هو فقط الذي يدعو دولة جنسية الطرف الأجنبي للتدخل
دبلوماسياً.




وعلى الرغم من أن تلك الآراء تؤيد تطبيق القانون المحلي على العقود المشار
إليها
إلا أنها لا تتفق على الأسس النظرية لتطبيق ذلك القانون كما أنها لا تتفق
على تحديد مجال تطبيق القانون المحلي بالنسبة للقانون الدولي(6)



بالإضافة إلى ما ذكر
أعلاه نلاحظ أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت في قرارها رقم 1803
الخاص
بالسيادة الدائمة على الموارد الطبيعية في الفقرة (3) إلى الآتي في حالة
منح الإذن
يسري على رأس المال المستورد ودخله شروط ذلك الإذن وأحكام التشريع الوطني
النافذ ،
والقانون الدولي.. (7).




ولقد كررت الجمعية العامة ذلك الاتجاه في تاريخ لاحق وأشارت إلى ضرورة خضوع
نشاط
رؤوس الأموال الأجنبية إلى أشراف حكومي يهدف إلى ضمان استخدامها لمصلحة
التنمية
القومية للبلد المعني وأكدت أن استغلال الموارد الطبيعية في كل دولة يجب
أن
يجري دائماً وفقاً لقوانينها وأنظمتها الوطنية.(Cool




ومن جانب آخر نشير إلى أنه حتى بعد اعتماد تطبيق القانون المحلي توجد مشاكل
تتعلق بالتطبيق ومثال ذلك ما حدث في قضية مافروماتس حيث ـأنه وعلى الرغم
من
أن اليونان وبريطانيا اتفقتا على أن القانون الذي يحكم مشروعية اتفاقات
الامتياز
هو القانون العثماني إلا أنهما اختلفتا فيما إذا كانت اتفاقات الامتياز تعد
مشروعة
طبقاً للقانون العثماني كما طلبت اليونان أم تعد باطلة كما طلبت بريطانيا
(9)



ومثال آخر على ما ذكر
أعلاه يوجد في قضية شركة البترول الانجلو ايرانية حيث أقرت كل من بريطانيا
وايران
بخضوع العقد (المبرم بين الدولة وأجنبي) لقانون الدولة الطرف ومع ذلك
اختلفتا فيما
إذا كان هناك مجرد وجود لقواعد دولية تمنع الدولة من أن تنهي بتشريع عقد
امتياز
مبرم مع طرف أجنبي خاص بالمخالفة لأحكام العقد المبرم بين الطرفين(10) ولعل
أوضح
مثال عى المشاكل القانونية التي يمكن أن تطرأ على الرغم من اتفاق الطرفين
على
القانون الواجب التطبيق هو قضية أرامكو ، لقد اتفق الطرفان في القضية
المذكورة على
وجوب تطبيق نصوص عقد امتياز سنة 1933 والقانون السعودي والمبادئ العامة
بالقانون
المعترف به في الأمم المتحدة والقانون الدولي إلا أنهما اختلفا حول طبيعة
ومضمون
عقد الامتياز والقواعد واجبة التطبيق في القوانين المذكورة وكيفية
تفسيرها(11).



وبالمثل في قضية
التحكيم بين حاكم قطر وشركة البترول البحرينية الدولية المحدودة سنة 1953م
قرر
المحكم سير الفرد بكنل إلى أن هنالك عوامل موضوعية عديدة تشير إلى أن
القانون
الإسلامي هو القانون المطبق في قطر باعتباره القانون المناسب بيد أنه غير
مقتنع
بأن القانون المذكور يتضمن مبادئاً كافية لتفسير ذلك النوع من العقود (12)



ثانياً : القوانين
الأخرى :



وهي ثلاثة أنواع كما
سبق أن ذكرنا ونتناولها كلا على حده وذلك على النحو التالي :



(أ‌) القانون الذاتي للاتفاق
:



يقسم بعض مؤيدي
استبعاد القانون المحلي الاتفاقات المبرمة بين دولة وأجنبي إلى اتفاقات
عادية
واتفاقات تنمية اقتصادية ويثير ذلك التقسيم خلافاً قديماً حول ما إذا كانت
الاستثمارات
الأجنبية المتعلقة باستغلال الموارد الطبيعية في الدول النامية حققت زيادة
في دخل
تلك الدول بحيث تعتبر اتفاقيات تنمية اقتصادية أم أنها كانت مجرد مصدر ربح
فاحش
للمستثمرين(14).



بالإضافة إلى
ما ذكر نجد أنه في تقرير أعده بنك مانهاتن لنشاط تسع وعشرين شركة بترولية
أمريكية
يلاحظ أنه فيما يتعلق بتأثير الاستثمارات الأمريكية الخاصة في صناعة
البترول في
الخارج على ميزان المدفوعات الأمريكي أن العائدات من صناعة البترول تعد
نصراً
أساسياً في ميزان المدفوعات الأمريكي وتبلغ 1/10 التدفق
الدولاري الدولي تقريبا في السنوات الخمسين الأخيرة (15) وسواء وجدت
مبررات لذلك التقسيم أم لا فإن مؤيدوه يرون استغلال تلك الاتفاقات بذاتها
على أساس
أنها تبرم بين الأطراف وفق مبدأ المتعاقد عند تعاقده
servanda
pacta sunt
ولذلك فهي تنشأ مستقلة عن أي قواعد قانونية وضعية موجودة من قبل
(16).




وحول نفس الفكرة نادى الأستاذ فيردوورس بفكرة الانفائي شبه الدولي المستقل
بذاته
على أساس أن الاتفاقات التي تبرمها الدولة مع أجانب لا تعد خاضعة للقانون
المحلي
لدولة معينة وذلك لأن الأطراف لا يخضعون لقانون محلي واحد فضلاً عن أنها
ليست
معاهدات يحكمها القانون الدولي وتوصل إلى أن ذلك النوع من الاتفاقات طائفة
ثالثة
جديدة يحكمها نظام قانوني جديد أنشأته إرادة الأطراف وذلك النظام القانوني
وهو
قانون العقد الذي أبرمه الطرفان(17) مما سبق يتضح أن فكرة القانون القائم
بذاته أو الاتفاق الذي يحكم نفسه أو القانون الذاتي للاتفاق فكرة جديدة
تتعارض مع
كثير من المبادئ الأساسية للقانون كما أوضح العديد من الفقهاء ، ومن ذلك أن
الاتفاق لا يكون ملزماً قانوناً إلا إذا اعترف له نظام قانوني بتلك الصفة .
ويرى
د.عشوش أن نظرية القانون الذاتي للاتفاق لا تؤهل نفسها لحل المشكلات
المرتبطة
باتفاقات التنمية الاقتصادية حيث نجد في مجال اتفاقات البترول مشكلات
المحافظة على
الموارد الحيوية الآيلة للنضوب ودمج صناعة البترول في الصناعات الأخرى
ولذلك فإنه
يرى أن الحماية التي تسعى النظرية المذكورة إلى توفيرها لحقوق المستثمرين
الأجانب
هي حماية نظرية أكثر منها واقعية(18)




(ب‌)قانون
عبر الدول أوالمبادئ العامة للقانون يرى قسم آخر من مؤيدي استبعاد القانون
المحلي وجوب تطبيق قانون آخر على الاتفاق بخلاف القانون الذاتي للاتفاق
الذي نادى
به الأستاذ فيردورس بخلاف القانون الدولي ، ويتكون النظام القانوني الذي
يدعون إلى
تطبيقه من المبادئ العامة للقانون ويطلقون عليه قانون عبر الدول ، وما زال
ذلك
النظام القانوني يؤسس على دراسات لفقهاء أكثر من استناده على سلوك الدول
والمنظمات
الدولية والأجهزة القضائية ، ويتناول قانون عبر الدول كافة المسائل التي
يدخل فيها
عنصر أجنبي وعليه فهو يشمل القانون الدولي العام والخاص بالإضافة إلى بعض
القواعد التي يصعب ادخالها في القانونيين المذكورين حيث أنه يتضمن القواعد
التي
تطبق على الجماعة الدولية بمختلف تركيباتها ، فعلى سبيل المثال فهو
يحكم العلاقات بين المنظمات الدولية والأفراد وبين المنظمات الدولية
والدول
بالإضافة إلى العلاقات التعاقدية بين الدول والأجانب وهو الجانب الذي
يعنينا
في هذه الدراسة , ولقد أوضح فاتورس أن الاعتبارات التي عارضت تطبيق كل من
القانون
الدولي والعام أو القانون المحلي على عقود الدولة هي ذاتها التي تدعو
لتطبيق قانون
عبر الدول على العقود المذكورة (19)


أما فيما
يتعلق بتطبيق قانون عبر الدول يلاحظ أنه لا يزال هنالك العديد من المشاكل
تعترض
ذلك التطبيقي ،ولعل أكثر تلك المشكلات أهمية هو تحديد شروط التطبيق وتحديد
مضمون
القانون المذكور ومن الحلول المقدمة لبعض تلك المشاكل ما ذهب إليه كارلستون
من أن
قانون عبر الدول يطبق عندما لا ينص في الاتفاق على نظام قانوني آخر يحكم
العقد أو
من أجل تكملة قواعد قانونية أخرى قابلة للتطبيق أو عندما ينص الأطراف صراحة
على
ذلك (20) وفي الختام نشير إى أن الأعما التحضيرية للمادة 38 من النظام
الأساسي
لمحكمة العدل الدولية توضح أن اضافة المبادئ العامة للقانون( قانون عبر
الدول)
باعتبارها أحد المصادر الرسمية للقانون الدولي لم تهدف إلى اعتبارها بديلاً
للمصادر الاتفاقية أو العرفية للقانون الدوي إنما قصد تزويد تلك المصادر
بمصدر
احتياطي ليسد ثغراتها و لا يمكنها بمفردها تقديم حلول ذات فاعلية لكافة
المشكلات
والمنازعات المتعلقة بالاتفاقية البترولية الأكثر تعقيداً بسبب اختلاف
جنسية
الأطراف وشخصياتهم القانونية والملكية العامة والأهمية المتعاظمة للموارد
الطبيعية
،ونخلص إلى أنه وإن كان لا يحق التشكيك في وجود مثل تلك المبادئ العامة إلا
أن
كفايتها ما زالت محل شك كبير(21).




ويلاحظ أنه في جميع المنازعات التي عرضت على التحكيم بشأن اتفاقات البترول
التي
أبرمتها الدول العربية مع الشركات وعلى الرغم من تسليم محاكم التحكيم بأن
القانون
المحلي للدولة هو الواجب التطبيق إلا أنها تبادر إلى عدم تطبيقه بدعوى
كفايته
وتلجأ المحاكم المذكورة إلى تطبيق المبادئ العامة للقانون (قانون عبر
الدول) وتضفي
عليها مسميات مختلفة أما "القانون الحديث للطبيعة" أو المبادئ التي تأصلت
في الفهم الواعي والممارسة الشائعة لكافة الدول المتمدنة كما في تحكيم أبي
ظبي
مبادئ العدالة والمساواة وحسن النية كما في تحكيم قطر أو المبادئ الأمة
للقانون
كما في تحكيم أرامكوا وتطبق من تلك المبادئ العامة للقانون مبدأ (المتعاقد
عند
تعاقده ) الحقوق المكتسبة أو الإثراء بلا سبب )أو التعسف في استعمال الحق )
وكلها
مبادئ موجودة في الشريعة الإسلامية التي تمثل القانون المحلي لكل دولة من
تلك
الدول المعنية بالتحكيم"(22) .



(ج) القانون
الدولي



يمكن
القول بوجه عام بان القانون الدولي ينطبق إذا سمح القانون المحلي بذلك
وفقاً لقوة
القانون الدولي ذاته وذلك عندما ينص على ذلك في أحد المعاهدات أو أخيراً
إذا قضي
الاشتراطات العقدية بذلك ، بالإضافة إلى ذلك فإن كثيراً من قوانين الدول
تعترف بأن
القانون الدولي يشكل جزءاً من قانون الدولة المحلي ويمكن بتلك الصفة تطبيقه
كلما
كان القانون المحلي واجب التطبيق.



ويلاحظ أن
المحاكم الدولية أكدت في مناسبات عديدة سمو القانون الدولي على القانون
المحلي
مثال ذلك قرار محكمة العدل الدولية في قضية المناطق الحرة سنة 1925م




والذي ورد فيه أن فرنسا لا يمكنها أن تعول على تشريعها المحلي للحد من مجال
التزاماتها الدولية (23) ومما يلاحظ كذلك أنه يندر أن يشير اتفاق امتياز
بترولي إلى القانون الدولي باعتباره القانون الذي يحكم تفسير الاتفاق ولعل
من
أمثلة تلك الاتفاقيات النادرة ما تضمنته الفقرة (و) من المادة 22 من
الاتفاق
المبرم بين حكومة إيران وشركة البترول الانجلو فارسية سنة 1933 ولقد توالى
إبرام
اتفاقات امتياز بترولية في البلاد العربية منذ ذلك التاريخ ، وقد تضمنت تلك
الاتفاقات نصوص صريحة تحدد القانون الواجب التطبيق بيد أن أياً منها لم يشر
إلى
القانون الدولي باعتباره القانون الذي يحكم الاتفاق وذلك يوضح عدم رغبة
الدول العربية
في تحكيم القانون الدوي(24).



على الرغم
مما ذكر أعلاه ذهب جانب من الفقهاء إلى إمكانية إخضاع اتفاقات البترول
والاتفاقات
الأخرى المشابهة إلى أحكام القانون الدولي العام مباشرة وترتبط تلك الفكرة
باسم
الفقيه الألماني مان ويستند مويدو تلك الفكرة إلى نظرية القانون المناسب
للعقد
وأنه للأطراف الحرية في اختيار القانون الدولي العام عندما يكون العقد
مبرماً مع
شخص دولي(25).



ولا
شك في تقديرنا أن وجهة النظر الواردة أعلاه تتجاهل حقيقة أن بعض الدول
لديها قواعد
تشريعية تلزم بتطبيق القانون المحلي واستبعاد أي قانون آخر فيما يتعلق
باستغلال
المواد المنجمية مثال ذلك ما نصت عليه امادة 57 من قانون البترول الأسباني
الصادر
في 20 ديسمبر 1958م والمادة الرابعة من قانون الهيدروكربونات الفنزويلي سنة
1943م.(26)




الخلاصة



تعرضنا في شرحنا
وتحليلنا الوارد أعلاه للمادة الثامنة عشرة من اتفاقية شيفرون آلي كافة
الاتجاهات
الفقهية والعلمية التي تتعلق باختيار القانون الواجب التطبيق على الاتفاقات
التي
تبرم بين دولة ذات سيادة وشخص أجنبي وعلى وجه الخصوص الاتفاقات البترولية.




ونخلص من شرحنا وتحليلنا آلي ان المادة الثامنة عشرة الوارد نصها في مقدمة
هذا
الفصل والمادة الرابعة والشعرين التي تحدد القانون الواجب التطبيق يخضعان
اتفاقية
شيفرون إلى أحكام الاتفاقية حيث تنصان صراحة على أنه في حالة وجود تعارض
بين
القوانين السودانية وأحكام الاتفاقية تسود أحكام الاتفاقية.



وتضيف إلى التحفظات
التي ذكرناها الآن فيما يتعلق بتطبيق القانون الذاتي للاتفاق واستبعاد
القانون
المحلي إلى أن وجوب تطبيق قانون الدولة الطرف في الاتفاق البترولي لا يقوم
فقط على أساس من النظرية التقليدية المذكورة في أولاً أعلاه ولكن أيضاً
كنتيجة للاتجاه
الذي ساد في فترة ما بعد الحرب والذي يدعو لتطبيق قانون الدولة الطرف
لتحقيق تنمية
الاقتصاد القومي للدولة المعنية وتشجيع التعاون الاقتصادي الإقليمي والدولي
،ولقد
أكد ذلك المعنى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 183 الذي ركز على
عدم إنكار
سيادة الدولة على مواردها الطبيعية وعلى تأثير الوظيفة الاقتصادية للسيادة
كوسيلة
لزيادة التنمية الاقتصادية الوطنية والتعاون الدولي ، ولقد أعادت الجمعية
العامة
تأكيد ذلك المعنى في قرارها رقم 2158 الذي نص على أن استغلا الموارد
الطبيعية في
كل دولة يجب أن يجري وفقاً قوانينها وأنظمتها الوطنية(27).



ومن ناحية أخرى يمكن
القول من خلال تحليل المنازعات القضائية والتحكيمية المتعلقة بالقانون
الواجب
التطبيق أن معظمها يؤكد وجوب اللجوء إلى القانون المحلي باعتباره أكثر
النظم
القانونية التصاقاً بالاتفاق ومشاكله.



د. أحمد
المفتي كبير المستشارين القانونيين بديوان النائب العام بكالريوس جامعة
الخرطوم
(مرتبة الشرف 1973م – ماجستير جامعة انديانا بالولايات المتحدة 1982م –
دكتوراه جامعة الخرطوم 1990م.



1- د. أحمد عبد المجيد عشوش "النظام
القانوني للاتفاقيات البترولية في البلاد العربية" ص 921 ،طبع عام 1974م
بمعرفة الشركة المتحدة للنشر والتوزيع ، القاهرة.



2- Anbari,
A, The Law of petroleum Concesion in the Middle East, pp 450 – 52


3- د. عز الدين عبد الله " القانون
الدولي الخاص " ص 438 ، 1965



4- I.L.
R.
Vol. 27 p. 188


5- United
Kingdom
Iran, 1952 I.c.j rep pp 92 –113 lightouses case 1934 p.c.i
j. ser
A/B No. 62 p.90, serbian loans case 1924
P.C.I.J SER
A,NOS 20/22.PP.3-4


6- Rabel”
conflict oflaws” pp.14-15 1950


7-
Wolff “ private International Law
p. 417 and
ed 1950 fawcett, legal aspedctos
of state trading 25 B.Y. B.L.L.PP 34-37 1948


8-
U.N. Gen Ass Fes 1803 (XVIII) dec.
14 1962
Gen Ass. Off Rec. 17 th
Sess Supp No 17 (A/5217), P.15 1966


9-
The mavrommats
Jerusalem concessions case 1925 p.l.J.Ser
a,no 5 p. 9-10


10-
انظر
الحاشية رقم 5 أعلاه.


11- Aramco case I.C.J. Pleadings pp. 90-=91


12- I.L.R.
1953, P534.


13-
انظر ص 3
أعلاه .


14- Walden, the international petroleum cartel in Iran – private power and the public interest 11, j
pub l.p 64 1962. Mold,
the politics of
private foreign investment, 45
for
aff.p.638 1967.


Singer, the
Distribution of Gains Between Investing and Borrowing countries, Am, Ecom, Rev. vol. 40 Issue No. 2, p. 473 1950.


15- Chase manhattan
Bank, Balance of payments of the petroleum industry p.3 (published on Dec
, 27,1972


16- Wolff ,some observations on the Autonomy of contracting
parties
in the conflit of laws,35 Transact ,Grot . Soc’y p. 143 (1950)


17- Verdross, quasi- international Agreements and
International
Economic Transactions y. B world Aff.p.246 (1964)


18- Friedmann, W.The changing structure of International Law, p. 175 (1964)
Mann, F.A, The
proper Law of Contracts Concluded by International persons, 35 B.Y.
B.I.L .P.
49(1959)


انظر
ص 711 من المرجع المشار إليه في الحاشية رقم 1


19- Jessup Philip C. Transntional
Law, new Haven, pp. 102-109 (1966) fatouros,
Gooverment Guarantees to Foreign Investors,
pp .283- 87
(1955).


20- Carlston, concession agreement and Nationalization, 52 A.J.I.L
P. 265 (1985)


21- Kelsen, principles of International Law, p.539 (2end. Rev.ed. Tucher 1966)


22-
تحكيم
ابي ظبي سنة 1952
21.C.l.Q. 1952,p.247- 251


تحكيم
قطر سنة 1953م
I.L.R. 1953
,P.544-545


تحكيم
أرامكو سنة 1958

I.L.R.VOL27,P.257-251


23- Free Zones case,
1932) P. CIJ. Ser A/b, no.
46,
p.167


24-
انظر ص 837
–45 من المرجع المشار إليه في الحاشية رقم 1 أعلاه.


25- Mann,
the lawgoverming
state contracts, 21b.y.b.l.p.19(1944)


26- U.n.secretariat, the status of permanent sovereignty over
natural rersources, p.29 (a.ac, 97l5lrev,
2,el3511, a/ac. 9713) 1962


27-
انظر
الحاشيتين رقمي 7 و 8 أعلاه.