بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة حول اتفاقية
قانون استخدام المجاري المائية الدولية
في الأغراض غير الملاحية*
د. أحمد
المفتي
تتكون هذه الدراسة من ثلاثة أقسام : القسم الأول (تمهيد) والقسم الثاني
(خلفية
تاريخية) والقسم الثالث (استعراض تفصيلي لمواد الاتفاقية) .
القسم الأول :
تمهيد
هناك أكثر
من 245 نهراً مشتركاً في العالم يستفيد من مياهها أو يعتمد عليها حوالي 40%
من
سكان العالم و50% من الأراضي الصالحة للزراعة وعلى الرغم من ذلك لا يوجد
اتفاق
دولي حول القانون الذي يحكم الاستخدامات غير الملاحية تلك الموارد المائية .
وبالإضافة إلي ذلك فإن النزاعات بين الدول المشاطئة وعدم التعاون قد أعاق
الاستخدام الأمثل لتلك الموارد . ولذلك فإن المسرح الدولي قد كان مهيئاً
قبل إجازة
الاتفاقية موضوع الدراسة لاستبدال الأسلوب القديم الذي يتمثل في تنازع
المصالح بين
دول المنبع ودول المصب بأسلوب يركز على التعاون والإدارة الشاملة التي تحقق
مصالح
كل الدول المشاطئة وفي ذات الوقت تحقق الكفاية وحماية البيئة ([1]) .
ومن ناحية أخرى تكمن أهمية وجود مبادئ قانونية دولية تحكم استخدام الموارد
المائية
الدولية المشتركة في أن المتوافر منها قد أصبح في كثير من الحالات أقل من
الاحتياجات , وذلك بسبب الازدياد المطرد في السكان . وعلى المستوى المحلي
نلاحظ
كذلك ازدياد التنافس على الموارد المائية بين الاستخدامات في المجلات
المختلفة
كالاستخدام المنزلي والري والصناعة والتصريف الصحي واحتياجات النظم
الإيكولوجية ,
كما يوجد تنافس محلي بين المستخدمين في كل قطاع من تلك القطاعات .
وكما هو معلوم فإن المياه تعتبر مورداً حرجاً لدرجة لا تتحمل نزاعاً مسلحاً
حولها
لأن كل طرف يعلم أن حرمان العدو من الماء الذي يحتاج إليه لحياته هو واحد
من
الأشياء النادرة التي تجعل الدول الضعيفة فاقدة الأمل بدرجة تجعلها تستهدف
إنشاءات
المياه للطرف الآخر وهي إنشاءات تصعب حمايتها في مواجهة عدو يملك ذاك
الدافع القوي
لمواجهتها . ويلاحظ الفقهاء أن ضرب عاصفة الصحراء لمحطات الكهرباء في
العراق والتي
شملت قدراته على إمداد المدنيين بالماء والهجمات على الخزانات الألمانية
أثناء
الحرب العالمية الثانية وقطع الصرب لإمدادات المياه عن البوسنيين المسلمين
هي
الأمثلة الأساسية للهجمات على الإنشاءات المائية في القرن العشرين وقد حدث
لأن
الطرف المهاجم كان يعلم أنه ليس بمقدور الطرف الآخر الرد عليه بالمثل . أما
ضرب
الصرب لخزان بيريوكا في عام 1993 فإنه يعتبر حالة خاصة توضح عدم معقولية
ذلك
النزاع أكثر منه عدم وجود إمكانية رد بالمثل .
ونتيجة لتلك الأوضاع نلاحظ أنه قد تم مؤخراً إبرام عدد من الاتفاقيات
الدولية من
بينها معاهدة هلنسكي حول حماية واستخدام المجاري المائية العابرة والبحيرات
الدولية لسنة 1992 . ونشير بصفة خاصة إلي اتفاقيات قانون استخدام المجاري
المائية
الدولية في الأغراض غير الملاحية التي أجازتها الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام
1997م وهي موضوع هذه الدراسة . وعلى الرغم من تلك الاتفاقية لم تدخل حيز
التنفيذ
حتى تاريخه إلا أن أهميتهما قد أكدتها محكمة العدل الدولية عام 1997م بعد
أشهر فقط
من تاريخ إجازتها وعلماً بأن تلك القضية كانت هي القضية الأولى في التاريخ
التي
يطلب فيها من محكمة العدل الدولية بحل نزاع بين دولتين حول مجرى مائي دولي
وهو نهر
الدانوب .
القسم الثاني :
خلفية
تاريخية
لقد بدأت
جهود الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشجيع العمل على الإنماء التدريجي
لقانون
المجاري المائية وتدوينه وتركيز ذلك العمل في إطار الأمم المتحدة في العام
1959
الذي أصدرت فيه قراراً أوصحت فيه أن من
المرغوب
الشروع في إجراء دراسات تمهيدية عن المشاكل القانونية المتعلقة باستخدام
الأنهر
الدولية والانتفاع بها .
ولقد ترتب
على القرار جمع معلومات قانونية مفيدة في التقرير الذي قدمه الأمين العم
للأمم
المتحدة في 15 نيسان (أبريل) 1963م
وكذلك أصدر
معهد القانون الدولي قراراً حول الموضوع في بداية الستينات من هذا القرن
أمن فيه
على استخدامات موارد المجاري المائية الدولية ينبغي بين الدول المشاطئة
وفقاً
لمبادئ الإنصاف .
ونلاحظ أن
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر عام 1959 والذي أشرنا إليه
أعلاه قد
نص على أهمية تركيز عمل الإنماء التدريجي لقانون المجاري المائية الدولية
وتدوينه
في إطار الأمم المتحدة مشيراً إلي هيئات دولية عديدة قد اتخذت التدابير
وبذلت
الجهود القيمة للسير قدماً بعملية إنماء قانون المجاري المائية الدولية
وتدوينه .
ولعل ذلك القرار يشير بصفة خاصة إلي مبادرة البروفيسور س ايقلتون من جامعة
نيويورك
التي قدمها في مؤتمر أندبرة والتي اعتمدت عليها رابطة القانون الدولي (ILA) في تأسيس " لجنة استخدامات مياه
الأنهار " في عام 1954
. ونشير إلي تلك اللجنة هي التي اعتمد مؤتمر هلسنكي تقريرها النهائي عام
1966
متضمناً قواعد هلسنكي الشهيرة . وعند انتهاء أعمالها أوصت تلك اللجنة
القديمة بتكوين
لجنة جديدة لقانون الموارد المائية الدولية لتواصل عمل اللجنة القديمة .
ولقد أوصى
مؤتمر هلسنكي بأن تختص اللجنة الجديدة بتدوين ودراسة جوانب مختارة من قانون
الموارد المائية مثال ذلك المياه الجوفية وعلاقة الماء بالموارد المائية
الأخرى
والاستخدامات المنزلية والهيرولوركية للمياه بما في ذلك توليد الطاقة والري
وضبط
الفيضان والترسب وتنظيم الانسياب وقواعد الملاحة على الأنهار وتلوث الشاطئ .
وفقاً
لتوصية مؤتمر هلسنكي تكونت اللجنة الجديدة في نوفمبر عام 1966م .
وفي عام
1970 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ثانياً متابعة للقرار
السابق الذي
أصدرته عام 1959 موضحة أن الماء , بحكم نمو السكان وزيادة حاجات البشر
وتكاثرها ,
أصبح محل اهتمام متزايد لدى السكان ، وأن الموارد المتاحة من الماء العذب
في
العالم محدودة ، وأن صون تلك الموارد وحمايتها هما ذو أهمية لدى جميع الأمم
.
وأوضح القرار كذلك أنه يصدر إدراكاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة
لأهمية
المشاكل القانونية المتعلقة باستخدام المجاري المائية الدولية , ولا سيما
فيما
يتصل بإنماء الموارد المائية الدولية .
ولقد أوضح
ذلك القرار أنه رغم العدد الكبير من المعاهدات الثنائية وغيرها من الأنظمة
الإقليمية , وكذلك رغم الاتفاقيات المتعلقة بنظام الطرق المائية الصالحة
للملاحة
وذات الأهمية الدولية في برشلونة في 20 نيسان (أبريل) 1921 , والاتفاقيات
المتعلقة
بإنماء الطاقة الهيدروليكية على نحو يهم أكثر من دولة واحدة , الموقعة في
جنيف 9
كانون الأول (ديسمبر) 1923 ، فإن الانتفاع بالأنهر والبحيرات الدولية ما
زال يستند
جزئياً على مبادئ القانون العرفي وقواعده العامة .
ومن المهم
جداً أن نذكر بأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يلزم الجمعية
العامة
بإنشاء الدراسات والإشارة بتوصيات بقصد تشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي
وتدوينه .
وفي ذلك
القرار أوصت الجمعية العامة بأن تقوم لجنة القانون الدولي (ILC) كخطوة أولى , وبدراسة القانون
المتعلق بوجوه استخدام المجاري
المائية الدولية لغير أغراض الملاحة في أقرب وقت تراه مناسباً إلا أنه ,
وكما نعلم
, لم تقدم اللجنة مشاريع المواد في مرحلة القراءة الثانية والأخيرة إلا في
عام
1994م . ولقد طلبت الجمعية العامة , في ذات القرار , الأمين العام للأمم
المتحدة
بمواصلة الدراسة التي بدأت بموجب قرار الجمعية العامة الصادر عام 1959م
والذي سبقت
الإشارة إليه بغية أعداد إعداد تقرير تكميلي عن المشاكل القانونية المتعقلة
بالانتفاع بالمجاري المائية الدولية واستخدامها , آخذاً بعين الاعتبار
التطبيقات
الأخيرة لقانون المجاري المائية الدولية في ممارسات الدول وفي أحكام القضاء
الدولي
, وكذلك الدراسات المشتركة بين الحكومات والدراسات غير الحكومية وفي ذلك
الموضوع
وأن يوافي لجنة القانون الدولي بتقريره الذي أصدره بموجب قرار الجمعية
العامة
الصادر عام 1959 .
لقد كان
لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2669 الصادر اعم 1970 والذي كان
نتيجة لمبادرة
من حكومة فنلندا أهمية قصوى بالنسبة لعمل لجنة الأنهار القديمة والتابعة
لرابطة
القانون الدولي (ILC)
. ونشير هنا بصفة خاصة إلي أن الجمعية العامة للأمم المتحدة , عند إصدار
ذلك
القرار , ضمنت فيه توصية لجنتها السادسة بأن تأخذ لجنة القانون الدولي في
الاعتبار
الدراسات الحكومية وغير الحكومية حول الموضوع خاصة تلك التي تمت مؤخراً .
ونتيجة
لذلك فإن رابطة القانون الدولي قد أحالت كل النصوص ذات الصلة بالاستخدامات
غير
الملاحية للأمين العام للأمم المتحدة لإحالتها لجنة القانون الدولي . وكذلك
فإن
عمل لجنة القانون الدولي حول هذا الموضوع أصبح يؤخذ في الاعتبار بواسطة
لجنة
الأنهار الجديدة .
كما ذكرنا أعلاه فإن عمل اللجنة الجديدة المختصة بقانون الموارد المائية
الدولية
التابعة لرابطة القانون الدولي قد بدأ من حيث انتهى عمل لجنة الأنهار
القديمة خاصة
قواعد هلسنكي التي أنجزتها اللجنة القديمة . ولقد أنجزت لجنة الأنهار
الجديدة حتى
1996 اثني عشر مجموعة من القواعد وهي لا تتعارض من حيث المبدأ مع قواعد
هلسنكي
ويمكن اعتبارها تفاصيل أو توضيحات أو تكميلات لقواعد هلسنكي . وفي معظم
الحالات تم
استخدام الاصطلاحات نفسها المستخدمة في قواعد هلسنكي . وتتمثل تلك القواعد
في
الآتي :-
(1) ضبط
الفيضانات (1972).
(2) التلوث
البحري من اليابسة (1972) .
(3) صيانة
وتحسين الطرق المائية الصالحة للملاحة
بطبيعتها والتي تفصل بين عدد من الدول أو تمر عبرها , ونوضح بأن هنالك
إشارة بأنه يجب
اعتبار هذه القواعد جزء من قواعد هلسنكي بعد القاعدة الثامنة عشر مباشرة .
(4) حماية
الموارد والمنشآت المائية في أوقات النزاعات
المسلحة .
(5) إدارة
الموارد المائية الدولية (1976) .
(6) تنظيم
انسياب مياه المجاري المائية الدولية (1980)
.
(7) العلاقة
بين الموارد المائية الدولية والموارد
الطبيعية الأخرى والعناصر البيئية (1980).
( تلوث
المياه في حوض صرفي دولي (1982) .
(9) قانون
موارد المياه الجوفية الدولية (1986).
(10)
القواعد مكتملة تنطبق على المجاري المائية الدولية (1986).
(11)
تعرض القانون الخاص للضرر العابر في المجاري المائية الدولية .
(12)
لتلوث عبر وسيط (Cross-
media)
الناتج عند استخدام مياه حوض صرفي دولي (CMP) : لم يتم التوصل لقواعد حول هذا
الموضوع ولذلك الأسلم تسمية هذه
القواعد (قواعد مكتملة عن التلوث) لأنها تكمل التي أشرنا إليها في (
أعلاه .
يتضح مما ذكر أعلاه أن
قواعد هلسنكي قد تمت تكملتها من قبل رابطة القانون الدولي بالقواعد الاثنتي
عشرة
المشار إليها أعلاه , ولكن كما هو معلوم فإن قواعد هلسنكي لا تتمتع بأي صفة
رسمية
ولذلك قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1970 , كما سبق أن ذكرنا ,
أن
تطلب من لجنة القانون الدولي إعداد مسودة مجموعة من المواد تنظم
الاستخدامات غير
الملاحية للمجاري المائية الدولية . وبعد ثلاثة عشر تقريراً وجهود خمسة
مقررين خاصين , رفعت
اللجنة في عام 1991 أول مسودة تضم 32 مادة إلي الجمعية العامة لمناقشتها في
لجنتها
السادسة وللحصول على تعليقات الحكومة عليها . ولقد قامت لجنة القانون
الدولي بعد
ذلك بإجراء تعديل طفيف على المسودة الأولى خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين
للانتفاع
المنصف وقاعدة عدم الأضرار والتسوية السلمية للمنازعات .
ولقد قررت الجمعية العامة بتاريخ 23 أيلول (ديسمبر) 1994 أن تدرج في جدول
أعمالها
البند المعنون " تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها السادسة
والأربعين " وأن تحيله إلي اللجنة السادسة .
وبتاريخ 25
تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 عرض على اللجنة السادسة مشروع قرار مقدم من
رئيسها
عنوانه " مشاريع المواد المتعلقة بقانون استخدام المجاري المائية الدولية
في
الأغراض غير الملاحية " وينص , ضمن موضوعات أخرى , على الآتي :-
(1) أن يؤخذ
في الاعتبار وجود اتفاقيات ثنائية أو
متعددة الأطراف تنظم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير
الملاحية ,
وهي اتفاقيات ينبغي ألا تتأثر باعتماد صك دولي جديد إلا إذا قررت الأطراف
في تلك
الاتفاقات غير ذلك (الفقرة الخامسة والأخيرة من الديباجة) .
(2) دعوة
الدول بأن تقدم في موعد لا يتجاوز 1 آب
(أغسطس) 1995 تعليقاتها وملاحظاتها الخطية على مشاريع المواد التي اعتمدتها
لجنة
القانون الدولي (الفقرة العامة الثانية) .
(3) تنعقد
اللجنة السادسة في بداية دورتها الخمسين
بوصفها فريقاً عاملاً لفترة ثلاثة أسابيع من 2إلي 20 تشرين الأول (أكتوبر)
1995
لإعداد اتفاقية إطارية بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في
الأغراض غير
الملاحية على أساس مشاريع المواد التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي في ضوء
التعليقات الخطية الواردة من الدول فضلاً عن الآراء المعرب عنها في
المناقشة التي
تجري في الدورة التاسعة والأربعين للجمعية العامة (الفقرة العاملة الثالثة)
.
(4) يدرج في
جدول الأعمال المؤقت للدورة الخمسين للجنة
السادسة بنداً بعنوان اتفاقية بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية
في
الأغراض غير الملاحية (الفقرة العاملة السادسة) .
وبتاريخ 29
تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 عرض مشروع القرار منقحاً بحيث أضيفت لديباجته
فقرة
أخيرة جديدة تنص على الأخذ في الاعتبار أنه على الرغم من وجود عدد من
المعاهدات
الثنائية والاتفاقيات الإقليمية فإن استخدام المجاري المائية الدولية ما
زال يعتمد
جزئياً على المبادئ العامة وقواعد القانون الدولي اعرفي .
وفي جلسة 29 تشرين الثاني (نوفمبر) طلب ممثل السودان إجراء تصويت مستقل على
الفقرة
قبل الأخيرة من ديباجة مشروع القرار المنقح . ولقد قررت اللجنة السادسة ،
بتصويت
مسجل بأغلبية
93 صوتاً مقابل
صوتين (أثيوبيا والسودان) وامتناع 20 عضواً عن التصويت الإبقاء على تلك
الفقرة[2].
ولقد هدف
السودان من ذلك الموقف إلي إلقاء الضوء على موضوع علاقة الاتفاقية
بالاتفاقات
السابقة باعتبار إن ذلك موضوعاً هاماً ينبغي أن تعالجه مواد الاتفاقية وألا
يترك
لقرار الإحالة.
وعلى الرغم
من أن موقف السودان لم يجد المساندة الكافية ابتداءً إلا أن المداولات
اللاحقة
أثبتت سلامة ذلك الموقف. ونتيجة لذلك أضيفت فقرتان للمادة 3 كما سوف نوضح
لاحقاً
عند استعراضنا لتلك المادة[3].
القسم الثالث : استعراض
تفصيلي لمواد الاتفاقية
:
أولاً : المادة 1- نطاق
سريان هذه الاتفاقية :
(1) لا يوجد
اختلاف بين النص الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي لهذه المادة عام 1994م
والنص
الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م سوى إضافة كلمة "الحماية" بحيث
أصبحت الاتفاقية تسري كذلك على تدابير الحماية ولا تقتصر على تدابير
الصيانة
والإدارة فقط. ولا شك أن الإضافة سليمة لأنها تجعل معالجة الاتفاقية تشمل
كل
الجوانب[4].
(2) تؤكد عبارة
"في الأغراض غير الملاحية" الواردة في الفقرة 1 من المادة 1 بأن
الاتفاقية تسرى على جميع استخدامات المجري المائي ما عدا الملاحة.
وتؤكد
كلمة "ومياهها " الواردة في ذات المادة أن مصطلح "المجري المائي
الدولي" يشمل المجري نفسه والمياه الموجود فيه ، في حالة وجود أي اختلاف
بين
الاثنين. كما أن الاتفاقية تنطبق على استخدامات المياه المحولة من المجري
المائي[5].
(3) أرادت بعض
الحكومات في تعليقاتها أن تعيد فتح باب النقاش حول مسألة مصطلح "المجاري
المائية" ، ولكن منذ عام 1993م أوضح المقرر الخاص السيد/ رو برت روزنتسوك
أن
إعادة النظر في مزايا ومثالب استخدام مصطلح "حوض الصرف" لا تخدم أي غرض
معين في تلك المرحلة المتأخرة خاصة في ظل الحل التوفيقي الذي تم التوصل
إليه.
وأوضح المقرر كذلك بأن استخدام مصطلح "المياه العابرة للحدود" في ضوء
استخدام اتفاقية اللجنة الاقتصادية لأوربا لذلك المصطلح (اتفاقية حماية
واستخدام
المياه العابرة للحدود والبحيرات الدولية) لا يغير من الأمر شيئاً ولا
يختلف في
مضمونه عن مصطلح "المجاري المائية الدولية"[6].
(4) أن جعل
سريان الاتفاقية يشمل تدابير الحماية والصيانة والإدارة قد وسع من نطاق
الاتفاقية
لتسرى على كافة المسائل الأخرى المتصلة بالمجاري المائية مثل الموارد الحية
وضبط
الفيضانات والترسيب وشرب الماء الصالح ، علماً بأن ذلك الاتجاه قد أيدته
ردود
العديد من الدول. و بالإضافة إلى ذلك فإن تلك التدابير تدخل كافة أشكال
التعاون
بين الدول تحت نطاق الاتفاقية[7].
ولقد
حاولت كندا إدخال استثناءات على تلك الفقرة لتضييق نطاقها وذلك بإضافة
الجملة
التالية: "باستثناء ما قد ينص عليه خلافاً لذلك بموجب ي اتفاقية أو اتفاق
أو
عرف ملزم بين دول المجري المائي" إلا أن تلك المحاولة لم تجد القبول[8].
(5) تؤكد الفقرة
2 من المادة 1 بأن استبعاد الاستخدامات الملاحية من نطاق الاتفاقية لا يمكن
أن
يكون تاماً حيث أن الملاحة تؤدي إلى تلوث المجاري المائية كما تستلزم
الحفاظ على
مستويات معينة من للمياه والمرور عبر الحواجز وحولها. ولقد وردت الصياغة
بالنفي
لكي تؤكد بأن الاستخدامات الملاحية لا تدخل في نطاق الاتفاقية إلا بقدر ما
تؤثر
الاستخدامات الأخرى للمياه في الملاحة أو تتأثر بها[9].
ولقد اقترحت تركيا حذف تلك الفقرة أو إضافة جملة إلى تلك الفقرة تقرأ: "وفي
هذه الحالة تسرى الاتفاقات القائمة وقواعد القانون الدولي المتصلة
بالاستخدام في
الأغراض الملاحية" ، إلا أن ذلك الاقتراح لم يجد التأييد[10].
(6) عند إجارة
المادة 1 من لجنة الصياغة كانت تتضمن فقرة ثالثة بين قوسين تنص على الآتي:
"لا تسرى هذه الاتفاقية على استخدام الموارد الحية الموجودة في المجاري
المائية الدولية إلا في الحدود المنصوص عليها في الباب الرابع ، وبالقدر
الذي تؤثر
به الاستخدامات الأخرى للمجرى المائي على هذه الموارد" ، إلا أن تلك الفقرة
قد حذفت في مرحلة لاحقة[11].
ثانياً :
المادة 2- المصطلحات المستخدمة :-
(1) يختلف نص
المادة 2 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي في دورتها السادسة والأربعين
عام 1994م
عن النص الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م والذي جعل تعريف "المجري
المائي" مقدماً على تعريف "المجري المائي الدولي" الذي كان يأتي
أولاً في نص اللجنة. ولا شك أن ذلك التغيير سليم ، حيث أن تعريف "المجري
المائي الدولي" ينصب على تعريف كلمة "الدولي" ، ولا يستقيم منطقاً
الشروع في تعريف كلمة "دولي" قبل تعريف عبارة "المجري المائي"
الذي أتت كلمة "دولي" صفة لها. وكذلك هنالك اختلاف ثان وهو أن الفقرة
"ج" قد أدخل عليها تعديلان موضوعيان: الأول هو أن تكون دولة المجري
المائي طرفاً في الاتفاقية ، والثاني هو أن يشمل تعريف "دولة المجري
المائي" أي طرف يكون في منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي يقع في إقليم دولة
أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي. والاختلاف الثالث
والأخير
هو إضافة فقرة جديدة وهي الفقرة (د) التي تعرف "المنظمة الإقليمية للتكامل
الاقتصادي"[12].
ولقد أثار التعديل الثاني لقطاً كثيراً بعد إجازة الاتفاقية باعتباره قد
توسع في
تعريف "دولة المجري المائي" . وما زال ذلك الموضوع محل نظر ويمكن التحفظ
عليه عند التصديق أو الانضمام للاتفاقية وسوف نورد معلومات أكثر عند
تعليقنا على
الفقرة (ج) من المادة 2.
(2) أوصي
المقرر الخاص السيد / رو برت روزنتسوك في تقريره الأول عام 1993م بحذف
عبارة
"تتدفق صوب نقطة وصول مشتركة" الواردة حالياً في الفقرة (أ) من المادة 2
لأنه يعتقد إن تلك العبارة لا تضيف شيئاً وأنها تنشئ حواجز مصطنعة ، كما
أوصى
المقرر الخاص بنقل تعريف مصطلح "التلوث" الوارد حالياً في المادة 21 إلى
المادة 2 إلا أن تلك التوصيات لم يؤخذ بها[13].
(3) إن تعريف
"المجري المائي" بأنه شبكة يعنى أن يتألف من عدد من العناصر المختلفة
التي تتدفق المياه من خلالها وهي تشمل الأنهار والبحيرات الطبقات الصخرية
المحتوية
على الماء والأنهار الجليدية والخزانات والقنوات التي تشكل بحكم علاقاتها
الطبيعية
بعضها ببعض كلاً واحداً. ويترتب على فكرة الكل الواحد الواردة في المادة أن
مصطلح
"المجرى المائي" لا يشمل المياه الجوفية "المحصورة". ولقد
أبدى بعض أعضاء لجنة القانون الدولي تشككهم بشأن إدراج القنوات (Canals) ضمن عناصر المجري المائي ، نظراً لأن
المشروع قد صيغ ، في رأيهم ،
بناء على افتراض أن "المجري المائي" ظاهرة طبيعية[14].
(4) تشترط
المادة 2 أن تتدفق شبكة المياه "عادة صوب نقطة وصول مشتركة "ولقد أضيفت
كلمة "عادة" للتوفيق بين من طالبوا بحذف عبارة "نقطة وصول
مشتركة" لأسباب منها أنها غير صحيحة من الناحية الهيدرولوجية وأنها مضللة
وتستبعد بعض المسطحات المائية المهمة، وبين من طالبوا بالإبقاء على مفهوم
نقطة
الوصول المشتركة ليكون فيه نوع من التحديد الجغرافي لنطاق الاتفاقية. ولذلك
فإن
حوضي صرف
مختلفين
يتصلان بواسطة قناة لا يجعل منها جزءاً من "مجرى مائي" واحد. كما أن لا
يعنى مثلاً أن ألد أنوب والراين يؤلفان شبكة واحدة لمجرد إن المياه تتدفق
في بعض
أوقات السنة من ألد أنوب لمياه جوفية إلى الراين عبر بحرية كونستانس.
ومفهوم
الشبكة ليس مفهوماً جديداً إذ طالما استعمل ذلك التعبير في العديد من
الاتفاقيات
الدولية للإشارة إلى النهر وما يتصل به من قنوات[15].
(5) أضافت
الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1996م إلى الفقرة (ج) من المادة 2 عبارة
"دولة طرف في هذه الاتفاقية" ، وفي تقديرنا أن تلك الإضافة توضح ما هو
واضح وهو إن الاتفاقية لا تلزم إلا أطرافها[16]. وفي عام
1997م أضافت الولايات المتحدة
الأمريكية إلى تلك الفقرة عبارة : " أو طرف يكون في منظمة إقليمية للتكامل
الاقتصادي يقع إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجري مائي
دولي". ولقد دار جدال كبير حول أهداف ذلك التعديل كما سبق أن أوضحنا ولذلك
صدر حوله بيان تفاهم بأن ليس في الفقرة (ج) من المادة 2 ما يمكن أن يؤخذ
على أنه
يشير إلى أن منظمات التكامل الاقتصادي الإقليمية لها مركز الدولة في
القانون
الدولي. كما أن التفسير الذي قدم لتلك الإضافة المتعلقة بمنظمات التكامل هو
أن دول
الاتحاد الأوربي قد حولت العديد من اختصاصاتها في مجال البيئة على الأنهار
إلى
الاتحاد الأوربي والذي هو منظمة للتكامل الاقتصادي. ولكن كما سبق أن أوضحنا
فإن
الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقدمت بالتعديل وليس الاتحاد الأوربي[17].
(6) في
الوقت الذي اقترحت فيه كل من أثيوبيا وتركيا حذف عبارة "المياه الجوفية"
كانت مصر ترى أن يتضمن التعريف المياه الجوفية التي لا تتدفق عادة صوب نقطة
وصول
مشتركة. وذلك الاختلاف الكبير في وجهات النظر يوضح أن ما استقر عليه الرأي
هو حل
وسط بين المتوقفين المذكورين[18] .
(7) نلاحظ أن
قواعد هلسنكي ، فيما يتعلق بنطاق الاستخدام واستخدام المصطلحات ، تختلف عما
ورد
أعلاه في الآتي[19] :-
أ- أوضحت المادة 1 من قواعد
هلسنكي أن تلك القواعد تتضمن
المبادئ العامة للقانون الدولي ، وذلك أمر لم ترد الإشارة إليه في
الاتفاقية حيث
أن الفقرة الثانية من الديباجة تشير إلى الفقرة 1 (أ) من المادة 13 من
ميثاق الأمم
المتحدة التي تنص على قيام الجمعية العامة بإجراء دراسات ووضع توصيات بقصد
تشجيع
التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه كما سبق أن ذكرنا.
ب- القواعد تنطبق وفقاً
للمادة واحد منها على "استخدام
مياه حوض الصرف الدولي" في حين أن الاتفاقية تنطبق على استخدامات المجري
المائي في الأغراض غير الملاحية ولكنها تتوسع بعد ذلك لتجعل الاتفاقية تسرى
كذلك
على تدابير الحماية والصيانة والإدارة ولذلك نقول بأن نطاق سريان
الاتفاقية أوسع بكثير من
نطاق سريان القواعد فيما عدا جانباً
واحداً وهو أن الاتفاقية لا تسرى على الاستخدامات الملاحية إلا في الحدود
التي
تؤثر فيها الاستخدامات الأخرى على الملاحة أو تتأثر بها.
ج – تشير قواعد هلسنكي إلى
"حوض الصرف الدولي"
وليس إلى "المجري المائي" وتعرف ذلك الحوض بأنه المنطقة الجغرافية التي
تمتد فوق دولتين أو أكثر وتحد بحدود خط تقسيم المياه لشبكة المياه وتشمل
المياه
السطحية والجوفية التي تتدفق صوب نقطة وصول مشتركة. ويتضح من ذلك أن الخلاف
الأساسي في هذا الجانب الأساسي في هذا الجانب بين القواعد والاتفاقية هو
الآتي :
- الاتفاقية
لا تتناول المجري كحيز جغرافي وإنما تركز عليه باعتباره شبكة من المياه ،
في حين
أن القواعد تهتم بالحوض كحيز جغرافي. ولا شك أن معالجة القواعد هي معالجة
واضحة خاصة فيما يتعلق بالخلاف حول استخدام المياه داخل الحوض فقط أو كذلك
خارج
الحوض ولكن داخل دولة الحوض.
- أن القواعد
لا تتضمن مفهوم تشكيل المياه بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض كلاً واحداً
والذي
ورد في الاتفاقية.
- أن القواعد
لا تتضمن مفهوم أن يكون التدفق صوب نقطة الوصول المشتركة هو "عادة"، كما
ورد في الاتفاقية.
د – تتضمن القواعد تعريفاً
لدولة الحوض في حين تعرف
الاتفاقية دولة المجري المائي وتضيف الاتفاقية أن تكون الدول طرفاً في
الاتفاقية.
كما يتضمن تعريف الاتفاقية الدولية التي تكون في منظمة إقليمية للتكامل
الاقتصادي
يقع في إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي.
هـ- أن مصطلح "المجري
المائي الدولي" الوارد في
الاتفاقية غير مرادف لمصطلح "نهر دولي" الوارد في القواعد ، إذ أن
المصطلح الأول أوسع نطاقاً لأنه يأخذ في الاعتبار أن معظم المياه العذبة هي
في
الحقيقة مياه جوفية ، وأن معظم المياه الجوفية لها صلة أو تفاعل مع المياه
السطحية.
وعلى سبيل المثال إذا وجد مكمن للمياه الجوفية على الحدود لدولة ما فإن
استخراج
المياه الجوفية أو تدفقان المياه السطحية في الدولة الأخرى. ونلاحظ أن
اشتمال
الاتفاقية على المياه الجوفية كان سبب امتناع دولتين عن التصويت وهما
باكستان
ورواندا[20].
ويرى بعض
الفقهاء أن تعريف المجرى المائي في الاتفاقية لا يشمل أل (Polar ice caps and
glaciers) على الرغم من أنها تذوب
بمعدلات مخيفة ، كما لا يشمل المياه الجوفية المحصورة التي لا تتفاعل مع
المياه
السطحية. وعلى الرغم من ندرة تلك المياه الجوفية المحصورة إلا أنهم يرون
أنها تعد
مصدراً مهماً من مصادر المياه في بعض المناطق الجافة ، وإنها في بعض
الحالات تكون
مشتركة بين دولتين فأكثر ولكن على الرغم من ذلك لا يشملها تعريف الاتفاقية
للمجري
المائي[21].
ولم تر لجنة
القانون الدولي أنه من المناسب تضمين تلك المياه في المواد ولذلك فإنها
اعتمدت في
نهاية أعمالها قراراً بشأن المياه الجوفية العابرة للحدود اعترفت فيه
بالحاجة إلى
مواصلة الجهود من أجل إعداد قواعد تتعلق بالمياه الجوفية المحصورة العابرة
للحدود
وحثت فيه الدول على الاسترشاد بالمبادئ الواردة في مشاريع المواد في تنظيم
المياه
الجوفية المحصورة العابرة للحدود حيثما كان ذلك ملائماً. كما أوصت بأنه في
حالة
نشوب نزاع بشأن المياه الجوفية المحصورة العابرة للحدود فإنه ينبغي حل
النزاع
طبقاً للأحكام الواردة في المادة 33 من مشاريع المواد أو طبقاً لأي طريقة
يمكن
الاتفاق عليها[22].
وعلى الرغم
من تأكيد بعض الفقهاء على انطباق المبادئ العامة في الاتفاقية على المياه
الجوفية
المحصورة العابرة للحدود كما ورد في قرار لجنة القانون الدولي المشار إليه
أعلاه ،
إلا أن بعضهم يرى أن درجة الحرص (diligence)
المطلوبة في حماية المياه المحصورة يمكن أن تكون كبيرة لأن
التلويث الذي يحدث لمكامن تكل المياه لا يحدث إلا عبر سحب الإنسان لتلك
المياه.
كما أنه يرى أن لجنة المياه المحصورة العابرة للحدود في نطاق مشاريع المواد
على
الرغم من أنها قد قربت من فعل ذلك في قرارها الذي أصدرته حول الموضوع والذي
أشرنا
إليه أعلاه[23].
ثالثاً
: المادة 3- اتفاقات المجري المائي :
(1) يتكون نص
المادة 3 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي عام 1994م من ثلاث فقرات وهي
تعادل
الفقرات (3) و (4) و (5) من نص المادة 3 الذي اعتمدته الجمعية العامة عام
1997م مع
اختلاف واحد وهو إضافة الجملة "دون موافقة صريحة منها" إلى الفقرة (4)
من نص المادة 3 الذي اعتمدته الجمعية العامة.
(2) الفقرتان
(1) و (2) من المادة 3 من الاتفاقية لا يوجد لها مقابل في نص المادة 3 الذي
اعتمدته لجنة القانون الدولي لأن اللجنة اعتقدت إن الاتفاقيات القائمة لا
تدخل في
نطاق الاتفاقية وأنه لا حاجة للنص على ذلك كما سنوضح لاحقاً.
(3) إن الحل
الذي وضعته لجنة القانون الدولي لتنوع المجاري المائية الدولية وتنوع
الاحتياجات
البشرية التي تلبيها هو حل الاتفاق الاطاري الذي يوفر للدول الأطراف
المبادئ
والقواعد العامة التي تحكم الاستخدامات في حالة عدم وجود اتفاق ، ويوفر
كذلك
المبادئ الموجهة للتفاوض بشأن الاتفاقات المقبلة ولقد ورد مضمون أن
الاتفاق
اتفاقاً إطارياً في المادة 3 (3) دون النص على ذلك صراحة، علماً بأن النص
الصريح
على ذلك قد ورد في الفقرة الرابعة من ديباجة الاتفاقية وفي الفقرة العامة
الثالثة
من
القرار الذي أصدرته اللجنة السادسة بتاريخ 29 نوفمبر 1994م كما سبق أن
أوضحنا[24].
(4) إن ذلك الحل
الإطاري ليس ابتكاراً وإنما له سوابق مبكرة مثل اتفاقية تنمية القوي
المائية التي
تهم أكثر من دولة واحدة لسنة 1923م ومعاهدة حوض نهر بلاتا لسنة 1969م[25].
(5) أوضحت لجنة
القانون الدولي في تعليقاتها على المادة 3 أنه ، بينما تأمل اللجنة أن تأخذ
الاتفاقات المتصلة بمجار مائية دولية معينة أحكام الاتفاقية في الاعتبار
اللازم ،
تكون الاتفاقية تكميلية أساساً لطبيعتها[26].
(6) توضح
العبارة الاستهلالية للفقرة 4 من المادة 3 والتي تنص على : "عندما يعقد
اتفاق
مجري مائي بين دولتين أو أكثر من دول المجري المائي "عدم وجود التزام
بإبرام
مثل هذه الاتفاقات المحددة[27].
(7) إن أكفأ
طريقة لمعالجة شؤون المجري المائي وأكثرها فائدة هي أخذه ككل بما في ذلك
اهتمامات
جميع دول المجري المائي. ومن أمثلة المعاهدات التي اتبعت ذلك النهج
المعاهدات المتعلقة
بأحواض الأمازون والبلاتا والنيجر وتشاد واتفاقية حماية نهر الراين من
التلوث
الكيميائي لسنة 1976م. ولكن عدداً كبيراً جداً من معاهدا المجاري المائية
النافذة
يقتصر على جزء من شبكة المجري المائي[28].
( نلاحظ أنه
قد نص في الفقرة 4 من المادة 2 وفي كل النصوص الأخرى المعنية أن الأثر
ينبغي أن
يكون "جسيماً" ، ولكن ليس المقصود من ذلك تشديد المعيار الواجب التطبيق
وذلك لأن كلمة "ملموس" تعنى في وقت واحد أنه "يمكن قياسه"
وأنه " جسيم". ولقد أوضحت لجنة القانون الدولي أن الجسيم هو ما يمكن
إثباته بدليل مادي (شريطة الحصول على ذلك الدليل) وأنه يجب أيضاً أن يحدث
انتقاص
حقيقي من الاستخدام لاستبعاد الحالات التي تكون من النوع الذي تنطوي عليه
قضية
بحيرة لانو التي أصرت أسبانيا فيها على توزيع مياه بحيرة لانو عن طريق
الشبكة
الأصلية ولكن وجدت هيئة التحكيم أنه بفضل إعادة المياه إلى الشبكة الأصلية
فإن لن
يتأثر أي من المنتفعين وأنه في أدني منسوب للمياه لن يحدث نقص في أي وقت[29].
ولقد
أوضحت لجنة القانون الدولي أنه بينما يجب أن يكون الأثر مما يمكن إثباته
بدليل
مادي وألا يكون تافهاً فليس من الضروري أن يرقي إلى درجة الأثر الكبير.
ولقد أيدت
بيانات التفاهم التي تمت صياغتها عند إجازة الاتفاقية في اللجنة السادسة
ذلك
المفهوم[30].
(9) إن الالتزام
بالتفاوض بإبرام اتفاق على نحو ما ورد في الفقرة 5 من المادة 3 يمكن إنفاذه
، على
سبيل المثال ، في حالة القيام بلا مبرر بقطع المحادثات أو الارجاءات غير
العادية ،
أو عدم مراعاة الإجراءات المقررة ، أو التمادي في رفض إيلاء الاعتبار
لاقتراحات أو
مصالح الخصم، وبصفة أعم في حالة انتهاك قواعد حسن النية. ولقد نظرت محكمة
العدل
الدولية أيضاً في الالتزام بالتفاوض في قضايا تتعلق بمصائد الأسماك وبتعيين
الحدود
البحرية[31].
(10) الفقرتان
اللتان أضيفتا إلى مشاريع مواد لجنة القانون الدولي هما الفقرتان (1) و (2)
من
المادة 3 من الاتفاقية واللتان تنصان على أنه لا يؤثر أي مما نصت عليه
الاتفاقية
في حقوق والتزامات دولة المجري المائي الناشئة عن اتفاقات يكون معمولاً بها
بالنسبة لهذه الدولة في اليوم الذي تصبح فيه طرفاً في هذه الاتفاقية ، ما
لم يكن
هنالك اتفاق على نقيض ذلك ، وأنه على الرغم من ذلك يجوز للأطراف في
الاتفاقات
المشار إليها أن تنظر عند اللزوم في اتساق تلك الاتفاقات مع المبادئ
الأساسية
للاتفاقية. أن لجنة القانون الدولي لم تتعرض إطلاقاً للاتفاقات القائمة بين
الدول
للأسباب التي سبق أن أوضحناها وأنه إذا أرادت بعض الدول وضع معالجة معينة
فإن ذلك
أمر لا يبت فيه الخبراء وإنما يترك لخيارات الدول السياسية ولأحكام القانون
الدولي. وترى بعض الوفود كالوفد الأثيوبي عند تفسير تصويته على الاتفاقية
أن تحقيق
الاتساق ، الوارد في الفقرة 2 من المادة 3 ، يجب أن يكون إلزامياً. ويرى
بعض
الفقهاء أنه "نظراً لكثرة وتنوع الاتفاقات القائمة ، فإن مثل هذا
الاشتراط
ليس عملياً. إلا أن هذا لا يعنى أن المبادئ التي تجسدها الاتفاقية ليست ذات
أهمية
في تفسير الاتفاقات القائمة" . وفي تقديري أن الزعم بأن الاتساق ليس
عملياً لا يشكل حجة قانونية كما أنه لا يستقيم مع أهمية الاتفاقية وما
تضمنته من
قواعد عرفية[32].
ونوضح
بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من بين الدول التي تعترض على إيراد
الفقرة 2
من المادة 3 وهو موقف يمثل النقيض من الموقف الأثيوبي[33].
(11) نلاحظ أن
الموقف الأثيوبي أعلاه يختلف عن الاقتراحات التي تقدمت بها قبل التصويت وهي[34]:
أ- لا تنطبق
هذه الاتفاقية على اتفاقات المجاري المائية
القائمة إلا في الحالات التي تكون فيها هذه الاتفاقات مخالفة للمبادئ
والقواعد
الجوهرية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.
ب- تحاول دول
المجري المائي في الحالات التي تكون فيها
اتفاقات المجاري المائية القائمة مخالفة لمبادئ هذه الاتفاقية وقواعدها
الجوهرية ،
عقد اتفاق جديد للمجري المائي يعكس بالقدر الكافي أحكام هذه الاتفاقية – لا
تحيد
اتفاقات المجري المائي المستقبلية حيداً كبيراً عن الأحكام الجوهرية
المنصوص عليها
في هذه الاتفاقية.
ج- في حالة عدم
وجود اتفاقات محددة ثنائية أو متعددة الأطراف
بين دول المجري المائي تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على الأغراض التي يستخدم
فيها
ذلك المجري المائي.
(12) أن رئيس
اللجنة السادسة هو الذي تقدم بالنص الموجود حالياً في الفقرتين 1 و 2 من
المادة 3
كتوفيق بين مختلف وجهات النظر ، ولقد كان اقتراحه في مرحلته الأولي قبل
قبوله يضع
الاتساق على سبيل
الإلزام
والجواز كخيارين
(13)
[35].
(14) أما جمهورية
مصر العربية فإنها قد اقترحت في 10 أكتوبر 1996م إضافة فقرتين في نهاية
المادة 3
من مشاريع مواد لجنة القانون على النحو التالي [36]:
- " لا
تؤثر هذه الاتفاقية على الالتزامات والحقوق المكتسبة الناشئة عن الاتفاقات
القائمة
والأعراف السارية بين دول المجري المائي.
- "ومع
ذلك يجوز للدول الأطراف في اتفاق قائم ، إذا ما سمحت الظروف بذلك ، أن تنظر
في
مواءمة هذا الاتفاق مع المبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية ، بموافقة جميع
الدول
الأطراف في هذا الاتفاق على ذلك".
(15) ونستطيع
القول بأن رئيس اللجنة السادسة قد قدم اقتراحه استناداً إلى مواقف العديد
من الدول
التي قدمت اقتراحات تضمنت ذلك المعني ، بما في ذلك مصر كما ذكرنا أعلاه
وإيطاليا
والهند وتركيا وإسرائيل[37].
(16) بالنسبة
للاتفاقات الجديدة ، اقترحت هولندا أمام اللجنة السادسة تأييداً للموقفين
الإيطالي
والبرتغالي الآتي : "ينبغي أن تكون المبادئ الأساسية للاتفاقية إلزامية ،
ويمكن أن تكون الأحكام أكثر تفضيلاً مكملة لها ويمكن بعد مناقشة هذه
المبادئ إجراء
تقييم نهائي بشأن الأحكام التي يتعين اعتبارها إلزامية". كما أن هولندا قد
اقترحت أن تضاف الفقرة 5 من المادة 3 عبارة في نهايتها تقرأ : "دون الإخلال
بالمبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية"[38].
(17) لقد كان
مصير الاتفاقات القائمة بشأن المجاري المائية الدولية إحدى المسائل
الرئيسية التي
توجب على اللجنة السادسة تسويتها. علماً بأن تلك القضية لم تكن مشمولة على
الإطلاق
في مشاريع المواد لأن لجنة القانون الدولي افترضت أن من الطبيعي أن يستمر
العمل
بالاتفاقات القائمة دون تغيير ، ما لم تقرر الأطراف المعنية في تلك
الاتفاقات
إلغاءها أو تعديلها في ضوء الاتفاقية الجديدة ، كما سبق أن أوضحنا[39].
(18) وترى بعض
الدول خاصة البرتغال وأثيوبيا أن بعض أحكام الاتفاقية تقنيناً لقواعد عرفية
قائمة.
ولذلك فإنه بمقتضى المادة 64 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969
ينبغي
بطلان كافة الاتفاقات القائمة بشأن المجاري المائية الدولية التي تخالف تلك
القواعد. وعلى الطرف المقابل أعلنت دولة أخرى مثل مصر وفرنسا وسويسرا رفضها
لذلك
التفسير. وفي نهاية المطاف تم التوصل إلى المعادلة الواردة في الفقرتين 1 و
2 من
المادة 3. وذلك يعنى إن الدول الراغبة في الحفاظ على الاتفاقات القائمة قد
أحرزت
انتصاراً في مقابل تنازل بسيط وهو جواز الاتساق الذي أشرنا إليه أعلاه
والذي يري
بعض الفقهاء أنه ليس له أي أثر قانوني لأنه لن يكون هناك تعديل للاتفاقات
القائمة بدون
موافقة كافة الدول الأطراف في تلك الاتفاقات حسبما تنص القواعد الأساسية
لقانون
المعاهدات ، خاصة وأن "المبادئ الأساسية " التي يمكن تحقيق الاتساق معها
ليست محددة في أي نص من نصوص الاتفاقية. ولقد كانت المادة 3 من بين المواد
التي
طرحت للتصويت منفردة في اللجنة السادسة. ولقد اعتمدت بعد أن صوتت لصالحها
36
دولة
وعارضتها 3 دول (مصر ، فرنسا ، تركيا). ولقد كان ذلك فوزاًَ متواضعاً نظراً
لأنه
كان هنالك 21 دولة امتنعت عن الت
دراسة حول اتفاقية
قانون استخدام المجاري المائية الدولية
في الأغراض غير الملاحية*
د. أحمد
المفتي
تتكون هذه الدراسة من ثلاثة أقسام : القسم الأول (تمهيد) والقسم الثاني
(خلفية
تاريخية) والقسم الثالث (استعراض تفصيلي لمواد الاتفاقية) .
القسم الأول :
تمهيد
هناك أكثر
من 245 نهراً مشتركاً في العالم يستفيد من مياهها أو يعتمد عليها حوالي 40%
من
سكان العالم و50% من الأراضي الصالحة للزراعة وعلى الرغم من ذلك لا يوجد
اتفاق
دولي حول القانون الذي يحكم الاستخدامات غير الملاحية تلك الموارد المائية .
وبالإضافة إلي ذلك فإن النزاعات بين الدول المشاطئة وعدم التعاون قد أعاق
الاستخدام الأمثل لتلك الموارد . ولذلك فإن المسرح الدولي قد كان مهيئاً
قبل إجازة
الاتفاقية موضوع الدراسة لاستبدال الأسلوب القديم الذي يتمثل في تنازع
المصالح بين
دول المنبع ودول المصب بأسلوب يركز على التعاون والإدارة الشاملة التي تحقق
مصالح
كل الدول المشاطئة وفي ذات الوقت تحقق الكفاية وحماية البيئة ([1]) .
ومن ناحية أخرى تكمن أهمية وجود مبادئ قانونية دولية تحكم استخدام الموارد
المائية
الدولية المشتركة في أن المتوافر منها قد أصبح في كثير من الحالات أقل من
الاحتياجات , وذلك بسبب الازدياد المطرد في السكان . وعلى المستوى المحلي
نلاحظ
كذلك ازدياد التنافس على الموارد المائية بين الاستخدامات في المجلات
المختلفة
كالاستخدام المنزلي والري والصناعة والتصريف الصحي واحتياجات النظم
الإيكولوجية ,
كما يوجد تنافس محلي بين المستخدمين في كل قطاع من تلك القطاعات .
وكما هو معلوم فإن المياه تعتبر مورداً حرجاً لدرجة لا تتحمل نزاعاً مسلحاً
حولها
لأن كل طرف يعلم أن حرمان العدو من الماء الذي يحتاج إليه لحياته هو واحد
من
الأشياء النادرة التي تجعل الدول الضعيفة فاقدة الأمل بدرجة تجعلها تستهدف
إنشاءات
المياه للطرف الآخر وهي إنشاءات تصعب حمايتها في مواجهة عدو يملك ذاك
الدافع القوي
لمواجهتها . ويلاحظ الفقهاء أن ضرب عاصفة الصحراء لمحطات الكهرباء في
العراق والتي
شملت قدراته على إمداد المدنيين بالماء والهجمات على الخزانات الألمانية
أثناء
الحرب العالمية الثانية وقطع الصرب لإمدادات المياه عن البوسنيين المسلمين
هي
الأمثلة الأساسية للهجمات على الإنشاءات المائية في القرن العشرين وقد حدث
لأن
الطرف المهاجم كان يعلم أنه ليس بمقدور الطرف الآخر الرد عليه بالمثل . أما
ضرب
الصرب لخزان بيريوكا في عام 1993 فإنه يعتبر حالة خاصة توضح عدم معقولية
ذلك
النزاع أكثر منه عدم وجود إمكانية رد بالمثل .
ونتيجة لتلك الأوضاع نلاحظ أنه قد تم مؤخراً إبرام عدد من الاتفاقيات
الدولية من
بينها معاهدة هلنسكي حول حماية واستخدام المجاري المائية العابرة والبحيرات
الدولية لسنة 1992 . ونشير بصفة خاصة إلي اتفاقيات قانون استخدام المجاري
المائية
الدولية في الأغراض غير الملاحية التي أجازتها الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام
1997م وهي موضوع هذه الدراسة . وعلى الرغم من تلك الاتفاقية لم تدخل حيز
التنفيذ
حتى تاريخه إلا أن أهميتهما قد أكدتها محكمة العدل الدولية عام 1997م بعد
أشهر فقط
من تاريخ إجازتها وعلماً بأن تلك القضية كانت هي القضية الأولى في التاريخ
التي
يطلب فيها من محكمة العدل الدولية بحل نزاع بين دولتين حول مجرى مائي دولي
وهو نهر
الدانوب .
القسم الثاني :
خلفية
تاريخية
لقد بدأت
جهود الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشجيع العمل على الإنماء التدريجي
لقانون
المجاري المائية وتدوينه وتركيز ذلك العمل في إطار الأمم المتحدة في العام
1959
الذي أصدرت فيه قراراً أوصحت فيه أن من
المرغوب
الشروع في إجراء دراسات تمهيدية عن المشاكل القانونية المتعلقة باستخدام
الأنهر
الدولية والانتفاع بها .
ولقد ترتب
على القرار جمع معلومات قانونية مفيدة في التقرير الذي قدمه الأمين العم
للأمم
المتحدة في 15 نيسان (أبريل) 1963م
وكذلك أصدر
معهد القانون الدولي قراراً حول الموضوع في بداية الستينات من هذا القرن
أمن فيه
على استخدامات موارد المجاري المائية الدولية ينبغي بين الدول المشاطئة
وفقاً
لمبادئ الإنصاف .
ونلاحظ أن
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر عام 1959 والذي أشرنا إليه
أعلاه قد
نص على أهمية تركيز عمل الإنماء التدريجي لقانون المجاري المائية الدولية
وتدوينه
في إطار الأمم المتحدة مشيراً إلي هيئات دولية عديدة قد اتخذت التدابير
وبذلت
الجهود القيمة للسير قدماً بعملية إنماء قانون المجاري المائية الدولية
وتدوينه .
ولعل ذلك القرار يشير بصفة خاصة إلي مبادرة البروفيسور س ايقلتون من جامعة
نيويورك
التي قدمها في مؤتمر أندبرة والتي اعتمدت عليها رابطة القانون الدولي (ILA) في تأسيس " لجنة استخدامات مياه
الأنهار " في عام 1954
. ونشير إلي تلك اللجنة هي التي اعتمد مؤتمر هلسنكي تقريرها النهائي عام
1966
متضمناً قواعد هلسنكي الشهيرة . وعند انتهاء أعمالها أوصت تلك اللجنة
القديمة بتكوين
لجنة جديدة لقانون الموارد المائية الدولية لتواصل عمل اللجنة القديمة .
ولقد أوصى
مؤتمر هلسنكي بأن تختص اللجنة الجديدة بتدوين ودراسة جوانب مختارة من قانون
الموارد المائية مثال ذلك المياه الجوفية وعلاقة الماء بالموارد المائية
الأخرى
والاستخدامات المنزلية والهيرولوركية للمياه بما في ذلك توليد الطاقة والري
وضبط
الفيضان والترسب وتنظيم الانسياب وقواعد الملاحة على الأنهار وتلوث الشاطئ .
وفقاً
لتوصية مؤتمر هلسنكي تكونت اللجنة الجديدة في نوفمبر عام 1966م .
وفي عام
1970 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ثانياً متابعة للقرار
السابق الذي
أصدرته عام 1959 موضحة أن الماء , بحكم نمو السكان وزيادة حاجات البشر
وتكاثرها ,
أصبح محل اهتمام متزايد لدى السكان ، وأن الموارد المتاحة من الماء العذب
في
العالم محدودة ، وأن صون تلك الموارد وحمايتها هما ذو أهمية لدى جميع الأمم
.
وأوضح القرار كذلك أنه يصدر إدراكاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة
لأهمية
المشاكل القانونية المتعلقة باستخدام المجاري المائية الدولية , ولا سيما
فيما
يتصل بإنماء الموارد المائية الدولية .
ولقد أوضح
ذلك القرار أنه رغم العدد الكبير من المعاهدات الثنائية وغيرها من الأنظمة
الإقليمية , وكذلك رغم الاتفاقيات المتعلقة بنظام الطرق المائية الصالحة
للملاحة
وذات الأهمية الدولية في برشلونة في 20 نيسان (أبريل) 1921 , والاتفاقيات
المتعلقة
بإنماء الطاقة الهيدروليكية على نحو يهم أكثر من دولة واحدة , الموقعة في
جنيف 9
كانون الأول (ديسمبر) 1923 ، فإن الانتفاع بالأنهر والبحيرات الدولية ما
زال يستند
جزئياً على مبادئ القانون العرفي وقواعده العامة .
ومن المهم
جداً أن نذكر بأن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يلزم الجمعية
العامة
بإنشاء الدراسات والإشارة بتوصيات بقصد تشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي
وتدوينه .
وفي ذلك
القرار أوصت الجمعية العامة بأن تقوم لجنة القانون الدولي (ILC) كخطوة أولى , وبدراسة القانون
المتعلق بوجوه استخدام المجاري
المائية الدولية لغير أغراض الملاحة في أقرب وقت تراه مناسباً إلا أنه ,
وكما نعلم
, لم تقدم اللجنة مشاريع المواد في مرحلة القراءة الثانية والأخيرة إلا في
عام
1994م . ولقد طلبت الجمعية العامة , في ذات القرار , الأمين العام للأمم
المتحدة
بمواصلة الدراسة التي بدأت بموجب قرار الجمعية العامة الصادر عام 1959م
والذي سبقت
الإشارة إليه بغية أعداد إعداد تقرير تكميلي عن المشاكل القانونية المتعقلة
بالانتفاع بالمجاري المائية الدولية واستخدامها , آخذاً بعين الاعتبار
التطبيقات
الأخيرة لقانون المجاري المائية الدولية في ممارسات الدول وفي أحكام القضاء
الدولي
, وكذلك الدراسات المشتركة بين الحكومات والدراسات غير الحكومية وفي ذلك
الموضوع
وأن يوافي لجنة القانون الدولي بتقريره الذي أصدره بموجب قرار الجمعية
العامة
الصادر عام 1959 .
لقد كان
لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2669 الصادر اعم 1970 والذي كان
نتيجة لمبادرة
من حكومة فنلندا أهمية قصوى بالنسبة لعمل لجنة الأنهار القديمة والتابعة
لرابطة
القانون الدولي (ILC)
. ونشير هنا بصفة خاصة إلي أن الجمعية العامة للأمم المتحدة , عند إصدار
ذلك
القرار , ضمنت فيه توصية لجنتها السادسة بأن تأخذ لجنة القانون الدولي في
الاعتبار
الدراسات الحكومية وغير الحكومية حول الموضوع خاصة تلك التي تمت مؤخراً .
ونتيجة
لذلك فإن رابطة القانون الدولي قد أحالت كل النصوص ذات الصلة بالاستخدامات
غير
الملاحية للأمين العام للأمم المتحدة لإحالتها لجنة القانون الدولي . وكذلك
فإن
عمل لجنة القانون الدولي حول هذا الموضوع أصبح يؤخذ في الاعتبار بواسطة
لجنة
الأنهار الجديدة .
كما ذكرنا أعلاه فإن عمل اللجنة الجديدة المختصة بقانون الموارد المائية
الدولية
التابعة لرابطة القانون الدولي قد بدأ من حيث انتهى عمل لجنة الأنهار
القديمة خاصة
قواعد هلسنكي التي أنجزتها اللجنة القديمة . ولقد أنجزت لجنة الأنهار
الجديدة حتى
1996 اثني عشر مجموعة من القواعد وهي لا تتعارض من حيث المبدأ مع قواعد
هلسنكي
ويمكن اعتبارها تفاصيل أو توضيحات أو تكميلات لقواعد هلسنكي . وفي معظم
الحالات تم
استخدام الاصطلاحات نفسها المستخدمة في قواعد هلسنكي . وتتمثل تلك القواعد
في
الآتي :-
(1) ضبط
الفيضانات (1972).
(2) التلوث
البحري من اليابسة (1972) .
(3) صيانة
وتحسين الطرق المائية الصالحة للملاحة
بطبيعتها والتي تفصل بين عدد من الدول أو تمر عبرها , ونوضح بأن هنالك
إشارة بأنه يجب
اعتبار هذه القواعد جزء من قواعد هلسنكي بعد القاعدة الثامنة عشر مباشرة .
(4) حماية
الموارد والمنشآت المائية في أوقات النزاعات
المسلحة .
(5) إدارة
الموارد المائية الدولية (1976) .
(6) تنظيم
انسياب مياه المجاري المائية الدولية (1980)
.
(7) العلاقة
بين الموارد المائية الدولية والموارد
الطبيعية الأخرى والعناصر البيئية (1980).
( تلوث
المياه في حوض صرفي دولي (1982) .
(9) قانون
موارد المياه الجوفية الدولية (1986).
(10)
القواعد مكتملة تنطبق على المجاري المائية الدولية (1986).
(11)
تعرض القانون الخاص للضرر العابر في المجاري المائية الدولية .
(12)
لتلوث عبر وسيط (Cross-
media)
الناتج عند استخدام مياه حوض صرفي دولي (CMP) : لم يتم التوصل لقواعد حول هذا
الموضوع ولذلك الأسلم تسمية هذه
القواعد (قواعد مكتملة عن التلوث) لأنها تكمل التي أشرنا إليها في (
أعلاه .
يتضح مما ذكر أعلاه أن
قواعد هلسنكي قد تمت تكملتها من قبل رابطة القانون الدولي بالقواعد الاثنتي
عشرة
المشار إليها أعلاه , ولكن كما هو معلوم فإن قواعد هلسنكي لا تتمتع بأي صفة
رسمية
ولذلك قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1970 , كما سبق أن ذكرنا ,
أن
تطلب من لجنة القانون الدولي إعداد مسودة مجموعة من المواد تنظم
الاستخدامات غير
الملاحية للمجاري المائية الدولية . وبعد ثلاثة عشر تقريراً وجهود خمسة
مقررين خاصين , رفعت
اللجنة في عام 1991 أول مسودة تضم 32 مادة إلي الجمعية العامة لمناقشتها في
لجنتها
السادسة وللحصول على تعليقات الحكومة عليها . ولقد قامت لجنة القانون
الدولي بعد
ذلك بإجراء تعديل طفيف على المسودة الأولى خاصة فيما يتعلق بالعلاقات بين
للانتفاع
المنصف وقاعدة عدم الأضرار والتسوية السلمية للمنازعات .
ولقد قررت الجمعية العامة بتاريخ 23 أيلول (ديسمبر) 1994 أن تدرج في جدول
أعمالها
البند المعنون " تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها السادسة
والأربعين " وأن تحيله إلي اللجنة السادسة .
وبتاريخ 25
تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 عرض على اللجنة السادسة مشروع قرار مقدم من
رئيسها
عنوانه " مشاريع المواد المتعلقة بقانون استخدام المجاري المائية الدولية
في
الأغراض غير الملاحية " وينص , ضمن موضوعات أخرى , على الآتي :-
(1) أن يؤخذ
في الاعتبار وجود اتفاقيات ثنائية أو
متعددة الأطراف تنظم استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير
الملاحية ,
وهي اتفاقيات ينبغي ألا تتأثر باعتماد صك دولي جديد إلا إذا قررت الأطراف
في تلك
الاتفاقات غير ذلك (الفقرة الخامسة والأخيرة من الديباجة) .
(2) دعوة
الدول بأن تقدم في موعد لا يتجاوز 1 آب
(أغسطس) 1995 تعليقاتها وملاحظاتها الخطية على مشاريع المواد التي اعتمدتها
لجنة
القانون الدولي (الفقرة العامة الثانية) .
(3) تنعقد
اللجنة السادسة في بداية دورتها الخمسين
بوصفها فريقاً عاملاً لفترة ثلاثة أسابيع من 2إلي 20 تشرين الأول (أكتوبر)
1995
لإعداد اتفاقية إطارية بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في
الأغراض غير
الملاحية على أساس مشاريع المواد التي اعتمدتها لجنة القانون الدولي في ضوء
التعليقات الخطية الواردة من الدول فضلاً عن الآراء المعرب عنها في
المناقشة التي
تجري في الدورة التاسعة والأربعين للجمعية العامة (الفقرة العاملة الثالثة)
.
(4) يدرج في
جدول الأعمال المؤقت للدورة الخمسين للجنة
السادسة بنداً بعنوان اتفاقية بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية
في
الأغراض غير الملاحية (الفقرة العاملة السادسة) .
وبتاريخ 29
تشرين الثاني (نوفمبر) 1994 عرض مشروع القرار منقحاً بحيث أضيفت لديباجته
فقرة
أخيرة جديدة تنص على الأخذ في الاعتبار أنه على الرغم من وجود عدد من
المعاهدات
الثنائية والاتفاقيات الإقليمية فإن استخدام المجاري المائية الدولية ما
زال يعتمد
جزئياً على المبادئ العامة وقواعد القانون الدولي اعرفي .
وفي جلسة 29 تشرين الثاني (نوفمبر) طلب ممثل السودان إجراء تصويت مستقل على
الفقرة
قبل الأخيرة من ديباجة مشروع القرار المنقح . ولقد قررت اللجنة السادسة ،
بتصويت
مسجل بأغلبية
93 صوتاً مقابل
صوتين (أثيوبيا والسودان) وامتناع 20 عضواً عن التصويت الإبقاء على تلك
الفقرة[2].
ولقد هدف
السودان من ذلك الموقف إلي إلقاء الضوء على موضوع علاقة الاتفاقية
بالاتفاقات
السابقة باعتبار إن ذلك موضوعاً هاماً ينبغي أن تعالجه مواد الاتفاقية وألا
يترك
لقرار الإحالة.
وعلى الرغم
من أن موقف السودان لم يجد المساندة الكافية ابتداءً إلا أن المداولات
اللاحقة
أثبتت سلامة ذلك الموقف. ونتيجة لذلك أضيفت فقرتان للمادة 3 كما سوف نوضح
لاحقاً
عند استعراضنا لتلك المادة[3].
القسم الثالث : استعراض
تفصيلي لمواد الاتفاقية
:
أولاً : المادة 1- نطاق
سريان هذه الاتفاقية :
(1) لا يوجد
اختلاف بين النص الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي لهذه المادة عام 1994م
والنص
الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م سوى إضافة كلمة "الحماية" بحيث
أصبحت الاتفاقية تسري كذلك على تدابير الحماية ولا تقتصر على تدابير
الصيانة
والإدارة فقط. ولا شك أن الإضافة سليمة لأنها تجعل معالجة الاتفاقية تشمل
كل
الجوانب[4].
(2) تؤكد عبارة
"في الأغراض غير الملاحية" الواردة في الفقرة 1 من المادة 1 بأن
الاتفاقية تسرى على جميع استخدامات المجري المائي ما عدا الملاحة.
وتؤكد
كلمة "ومياهها " الواردة في ذات المادة أن مصطلح "المجري المائي
الدولي" يشمل المجري نفسه والمياه الموجود فيه ، في حالة وجود أي اختلاف
بين
الاثنين. كما أن الاتفاقية تنطبق على استخدامات المياه المحولة من المجري
المائي[5].
(3) أرادت بعض
الحكومات في تعليقاتها أن تعيد فتح باب النقاش حول مسألة مصطلح "المجاري
المائية" ، ولكن منذ عام 1993م أوضح المقرر الخاص السيد/ رو برت روزنتسوك
أن
إعادة النظر في مزايا ومثالب استخدام مصطلح "حوض الصرف" لا تخدم أي غرض
معين في تلك المرحلة المتأخرة خاصة في ظل الحل التوفيقي الذي تم التوصل
إليه.
وأوضح المقرر كذلك بأن استخدام مصطلح "المياه العابرة للحدود" في ضوء
استخدام اتفاقية اللجنة الاقتصادية لأوربا لذلك المصطلح (اتفاقية حماية
واستخدام
المياه العابرة للحدود والبحيرات الدولية) لا يغير من الأمر شيئاً ولا
يختلف في
مضمونه عن مصطلح "المجاري المائية الدولية"[6].
(4) أن جعل
سريان الاتفاقية يشمل تدابير الحماية والصيانة والإدارة قد وسع من نطاق
الاتفاقية
لتسرى على كافة المسائل الأخرى المتصلة بالمجاري المائية مثل الموارد الحية
وضبط
الفيضانات والترسيب وشرب الماء الصالح ، علماً بأن ذلك الاتجاه قد أيدته
ردود
العديد من الدول. و بالإضافة إلى ذلك فإن تلك التدابير تدخل كافة أشكال
التعاون
بين الدول تحت نطاق الاتفاقية[7].
ولقد
حاولت كندا إدخال استثناءات على تلك الفقرة لتضييق نطاقها وذلك بإضافة
الجملة
التالية: "باستثناء ما قد ينص عليه خلافاً لذلك بموجب ي اتفاقية أو اتفاق
أو
عرف ملزم بين دول المجري المائي" إلا أن تلك المحاولة لم تجد القبول[8].
(5) تؤكد الفقرة
2 من المادة 1 بأن استبعاد الاستخدامات الملاحية من نطاق الاتفاقية لا يمكن
أن
يكون تاماً حيث أن الملاحة تؤدي إلى تلوث المجاري المائية كما تستلزم
الحفاظ على
مستويات معينة من للمياه والمرور عبر الحواجز وحولها. ولقد وردت الصياغة
بالنفي
لكي تؤكد بأن الاستخدامات الملاحية لا تدخل في نطاق الاتفاقية إلا بقدر ما
تؤثر
الاستخدامات الأخرى للمياه في الملاحة أو تتأثر بها[9].
ولقد اقترحت تركيا حذف تلك الفقرة أو إضافة جملة إلى تلك الفقرة تقرأ: "وفي
هذه الحالة تسرى الاتفاقات القائمة وقواعد القانون الدولي المتصلة
بالاستخدام في
الأغراض الملاحية" ، إلا أن ذلك الاقتراح لم يجد التأييد[10].
(6) عند إجارة
المادة 1 من لجنة الصياغة كانت تتضمن فقرة ثالثة بين قوسين تنص على الآتي:
"لا تسرى هذه الاتفاقية على استخدام الموارد الحية الموجودة في المجاري
المائية الدولية إلا في الحدود المنصوص عليها في الباب الرابع ، وبالقدر
الذي تؤثر
به الاستخدامات الأخرى للمجرى المائي على هذه الموارد" ، إلا أن تلك الفقرة
قد حذفت في مرحلة لاحقة[11].
ثانياً :
المادة 2- المصطلحات المستخدمة :-
(1) يختلف نص
المادة 2 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي في دورتها السادسة والأربعين
عام 1994م
عن النص الذي اعتمدته الجمعية العامة عام 1997م والذي جعل تعريف "المجري
المائي" مقدماً على تعريف "المجري المائي الدولي" الذي كان يأتي
أولاً في نص اللجنة. ولا شك أن ذلك التغيير سليم ، حيث أن تعريف "المجري
المائي الدولي" ينصب على تعريف كلمة "الدولي" ، ولا يستقيم منطقاً
الشروع في تعريف كلمة "دولي" قبل تعريف عبارة "المجري المائي"
الذي أتت كلمة "دولي" صفة لها. وكذلك هنالك اختلاف ثان وهو أن الفقرة
"ج" قد أدخل عليها تعديلان موضوعيان: الأول هو أن تكون دولة المجري
المائي طرفاً في الاتفاقية ، والثاني هو أن يشمل تعريف "دولة المجري
المائي" أي طرف يكون في منظمة إقليمية للتكامل الاقتصادي يقع في إقليم دولة
أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي. والاختلاف الثالث
والأخير
هو إضافة فقرة جديدة وهي الفقرة (د) التي تعرف "المنظمة الإقليمية للتكامل
الاقتصادي"[12].
ولقد أثار التعديل الثاني لقطاً كثيراً بعد إجازة الاتفاقية باعتباره قد
توسع في
تعريف "دولة المجري المائي" . وما زال ذلك الموضوع محل نظر ويمكن التحفظ
عليه عند التصديق أو الانضمام للاتفاقية وسوف نورد معلومات أكثر عند
تعليقنا على
الفقرة (ج) من المادة 2.
(2) أوصي
المقرر الخاص السيد / رو برت روزنتسوك في تقريره الأول عام 1993م بحذف
عبارة
"تتدفق صوب نقطة وصول مشتركة" الواردة حالياً في الفقرة (أ) من المادة 2
لأنه يعتقد إن تلك العبارة لا تضيف شيئاً وأنها تنشئ حواجز مصطنعة ، كما
أوصى
المقرر الخاص بنقل تعريف مصطلح "التلوث" الوارد حالياً في المادة 21 إلى
المادة 2 إلا أن تلك التوصيات لم يؤخذ بها[13].
(3) إن تعريف
"المجري المائي" بأنه شبكة يعنى أن يتألف من عدد من العناصر المختلفة
التي تتدفق المياه من خلالها وهي تشمل الأنهار والبحيرات الطبقات الصخرية
المحتوية
على الماء والأنهار الجليدية والخزانات والقنوات التي تشكل بحكم علاقاتها
الطبيعية
بعضها ببعض كلاً واحداً. ويترتب على فكرة الكل الواحد الواردة في المادة أن
مصطلح
"المجرى المائي" لا يشمل المياه الجوفية "المحصورة". ولقد
أبدى بعض أعضاء لجنة القانون الدولي تشككهم بشأن إدراج القنوات (Canals) ضمن عناصر المجري المائي ، نظراً لأن
المشروع قد صيغ ، في رأيهم ،
بناء على افتراض أن "المجري المائي" ظاهرة طبيعية[14].
(4) تشترط
المادة 2 أن تتدفق شبكة المياه "عادة صوب نقطة وصول مشتركة "ولقد أضيفت
كلمة "عادة" للتوفيق بين من طالبوا بحذف عبارة "نقطة وصول
مشتركة" لأسباب منها أنها غير صحيحة من الناحية الهيدرولوجية وأنها مضللة
وتستبعد بعض المسطحات المائية المهمة، وبين من طالبوا بالإبقاء على مفهوم
نقطة
الوصول المشتركة ليكون فيه نوع من التحديد الجغرافي لنطاق الاتفاقية. ولذلك
فإن
حوضي صرف
مختلفين
يتصلان بواسطة قناة لا يجعل منها جزءاً من "مجرى مائي" واحد. كما أن لا
يعنى مثلاً أن ألد أنوب والراين يؤلفان شبكة واحدة لمجرد إن المياه تتدفق
في بعض
أوقات السنة من ألد أنوب لمياه جوفية إلى الراين عبر بحرية كونستانس.
ومفهوم
الشبكة ليس مفهوماً جديداً إذ طالما استعمل ذلك التعبير في العديد من
الاتفاقيات
الدولية للإشارة إلى النهر وما يتصل به من قنوات[15].
(5) أضافت
الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1996م إلى الفقرة (ج) من المادة 2 عبارة
"دولة طرف في هذه الاتفاقية" ، وفي تقديرنا أن تلك الإضافة توضح ما هو
واضح وهو إن الاتفاقية لا تلزم إلا أطرافها[16]. وفي عام
1997م أضافت الولايات المتحدة
الأمريكية إلى تلك الفقرة عبارة : " أو طرف يكون في منظمة إقليمية للتكامل
الاقتصادي يقع إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجري مائي
دولي". ولقد دار جدال كبير حول أهداف ذلك التعديل كما سبق أن أوضحنا ولذلك
صدر حوله بيان تفاهم بأن ليس في الفقرة (ج) من المادة 2 ما يمكن أن يؤخذ
على أنه
يشير إلى أن منظمات التكامل الاقتصادي الإقليمية لها مركز الدولة في
القانون
الدولي. كما أن التفسير الذي قدم لتلك الإضافة المتعلقة بمنظمات التكامل هو
أن دول
الاتحاد الأوربي قد حولت العديد من اختصاصاتها في مجال البيئة على الأنهار
إلى
الاتحاد الأوربي والذي هو منظمة للتكامل الاقتصادي. ولكن كما سبق أن أوضحنا
فإن
الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تقدمت بالتعديل وليس الاتحاد الأوربي[17].
(6) في
الوقت الذي اقترحت فيه كل من أثيوبيا وتركيا حذف عبارة "المياه الجوفية"
كانت مصر ترى أن يتضمن التعريف المياه الجوفية التي لا تتدفق عادة صوب نقطة
وصول
مشتركة. وذلك الاختلاف الكبير في وجهات النظر يوضح أن ما استقر عليه الرأي
هو حل
وسط بين المتوقفين المذكورين[18] .
(7) نلاحظ أن
قواعد هلسنكي ، فيما يتعلق بنطاق الاستخدام واستخدام المصطلحات ، تختلف عما
ورد
أعلاه في الآتي[19] :-
أ- أوضحت المادة 1 من قواعد
هلسنكي أن تلك القواعد تتضمن
المبادئ العامة للقانون الدولي ، وذلك أمر لم ترد الإشارة إليه في
الاتفاقية حيث
أن الفقرة الثانية من الديباجة تشير إلى الفقرة 1 (أ) من المادة 13 من
ميثاق الأمم
المتحدة التي تنص على قيام الجمعية العامة بإجراء دراسات ووضع توصيات بقصد
تشجيع
التطوير التدريجي للقانون الدولي وتدوينه كما سبق أن ذكرنا.
ب- القواعد تنطبق وفقاً
للمادة واحد منها على "استخدام
مياه حوض الصرف الدولي" في حين أن الاتفاقية تنطبق على استخدامات المجري
المائي في الأغراض غير الملاحية ولكنها تتوسع بعد ذلك لتجعل الاتفاقية تسرى
كذلك
على تدابير الحماية والصيانة والإدارة ولذلك نقول بأن نطاق سريان
الاتفاقية أوسع بكثير من
نطاق سريان القواعد فيما عدا جانباً
واحداً وهو أن الاتفاقية لا تسرى على الاستخدامات الملاحية إلا في الحدود
التي
تؤثر فيها الاستخدامات الأخرى على الملاحة أو تتأثر بها.
ج – تشير قواعد هلسنكي إلى
"حوض الصرف الدولي"
وليس إلى "المجري المائي" وتعرف ذلك الحوض بأنه المنطقة الجغرافية التي
تمتد فوق دولتين أو أكثر وتحد بحدود خط تقسيم المياه لشبكة المياه وتشمل
المياه
السطحية والجوفية التي تتدفق صوب نقطة وصول مشتركة. ويتضح من ذلك أن الخلاف
الأساسي في هذا الجانب الأساسي في هذا الجانب بين القواعد والاتفاقية هو
الآتي :
- الاتفاقية
لا تتناول المجري كحيز جغرافي وإنما تركز عليه باعتباره شبكة من المياه ،
في حين
أن القواعد تهتم بالحوض كحيز جغرافي. ولا شك أن معالجة القواعد هي معالجة
واضحة خاصة فيما يتعلق بالخلاف حول استخدام المياه داخل الحوض فقط أو كذلك
خارج
الحوض ولكن داخل دولة الحوض.
- أن القواعد
لا تتضمن مفهوم تشكيل المياه بحكم علاقتها الطبيعية بعضها ببعض كلاً واحداً
والذي
ورد في الاتفاقية.
- أن القواعد
لا تتضمن مفهوم أن يكون التدفق صوب نقطة الوصول المشتركة هو "عادة"، كما
ورد في الاتفاقية.
د – تتضمن القواعد تعريفاً
لدولة الحوض في حين تعرف
الاتفاقية دولة المجري المائي وتضيف الاتفاقية أن تكون الدول طرفاً في
الاتفاقية.
كما يتضمن تعريف الاتفاقية الدولية التي تكون في منظمة إقليمية للتكامل
الاقتصادي
يقع في إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي.
هـ- أن مصطلح "المجري
المائي الدولي" الوارد في
الاتفاقية غير مرادف لمصطلح "نهر دولي" الوارد في القواعد ، إذ أن
المصطلح الأول أوسع نطاقاً لأنه يأخذ في الاعتبار أن معظم المياه العذبة هي
في
الحقيقة مياه جوفية ، وأن معظم المياه الجوفية لها صلة أو تفاعل مع المياه
السطحية.
وعلى سبيل المثال إذا وجد مكمن للمياه الجوفية على الحدود لدولة ما فإن
استخراج
المياه الجوفية أو تدفقان المياه السطحية في الدولة الأخرى. ونلاحظ أن
اشتمال
الاتفاقية على المياه الجوفية كان سبب امتناع دولتين عن التصويت وهما
باكستان
ورواندا[20].
ويرى بعض
الفقهاء أن تعريف المجرى المائي في الاتفاقية لا يشمل أل (Polar ice caps and
glaciers) على الرغم من أنها تذوب
بمعدلات مخيفة ، كما لا يشمل المياه الجوفية المحصورة التي لا تتفاعل مع
المياه
السطحية. وعلى الرغم من ندرة تلك المياه الجوفية المحصورة إلا أنهم يرون
أنها تعد
مصدراً مهماً من مصادر المياه في بعض المناطق الجافة ، وإنها في بعض
الحالات تكون
مشتركة بين دولتين فأكثر ولكن على الرغم من ذلك لا يشملها تعريف الاتفاقية
للمجري
المائي[21].
ولم تر لجنة
القانون الدولي أنه من المناسب تضمين تلك المياه في المواد ولذلك فإنها
اعتمدت في
نهاية أعمالها قراراً بشأن المياه الجوفية العابرة للحدود اعترفت فيه
بالحاجة إلى
مواصلة الجهود من أجل إعداد قواعد تتعلق بالمياه الجوفية المحصورة العابرة
للحدود
وحثت فيه الدول على الاسترشاد بالمبادئ الواردة في مشاريع المواد في تنظيم
المياه
الجوفية المحصورة العابرة للحدود حيثما كان ذلك ملائماً. كما أوصت بأنه في
حالة
نشوب نزاع بشأن المياه الجوفية المحصورة العابرة للحدود فإنه ينبغي حل
النزاع
طبقاً للأحكام الواردة في المادة 33 من مشاريع المواد أو طبقاً لأي طريقة
يمكن
الاتفاق عليها[22].
وعلى الرغم
من تأكيد بعض الفقهاء على انطباق المبادئ العامة في الاتفاقية على المياه
الجوفية
المحصورة العابرة للحدود كما ورد في قرار لجنة القانون الدولي المشار إليه
أعلاه ،
إلا أن بعضهم يرى أن درجة الحرص (diligence)
المطلوبة في حماية المياه المحصورة يمكن أن تكون كبيرة لأن
التلويث الذي يحدث لمكامن تكل المياه لا يحدث إلا عبر سحب الإنسان لتلك
المياه.
كما أنه يرى أن لجنة المياه المحصورة العابرة للحدود في نطاق مشاريع المواد
على
الرغم من أنها قد قربت من فعل ذلك في قرارها الذي أصدرته حول الموضوع والذي
أشرنا
إليه أعلاه[23].
ثالثاً
: المادة 3- اتفاقات المجري المائي :
(1) يتكون نص
المادة 3 الذي اعتمدته لجنة القانون الدولي عام 1994م من ثلاث فقرات وهي
تعادل
الفقرات (3) و (4) و (5) من نص المادة 3 الذي اعتمدته الجمعية العامة عام
1997م مع
اختلاف واحد وهو إضافة الجملة "دون موافقة صريحة منها" إلى الفقرة (4)
من نص المادة 3 الذي اعتمدته الجمعية العامة.
(2) الفقرتان
(1) و (2) من المادة 3 من الاتفاقية لا يوجد لها مقابل في نص المادة 3 الذي
اعتمدته لجنة القانون الدولي لأن اللجنة اعتقدت إن الاتفاقيات القائمة لا
تدخل في
نطاق الاتفاقية وأنه لا حاجة للنص على ذلك كما سنوضح لاحقاً.
(3) إن الحل
الذي وضعته لجنة القانون الدولي لتنوع المجاري المائية الدولية وتنوع
الاحتياجات
البشرية التي تلبيها هو حل الاتفاق الاطاري الذي يوفر للدول الأطراف
المبادئ
والقواعد العامة التي تحكم الاستخدامات في حالة عدم وجود اتفاق ، ويوفر
كذلك
المبادئ الموجهة للتفاوض بشأن الاتفاقات المقبلة ولقد ورد مضمون أن
الاتفاق
اتفاقاً إطارياً في المادة 3 (3) دون النص على ذلك صراحة، علماً بأن النص
الصريح
على ذلك قد ورد في الفقرة الرابعة من ديباجة الاتفاقية وفي الفقرة العامة
الثالثة
من
القرار الذي أصدرته اللجنة السادسة بتاريخ 29 نوفمبر 1994م كما سبق أن
أوضحنا[24].
(4) إن ذلك الحل
الإطاري ليس ابتكاراً وإنما له سوابق مبكرة مثل اتفاقية تنمية القوي
المائية التي
تهم أكثر من دولة واحدة لسنة 1923م ومعاهدة حوض نهر بلاتا لسنة 1969م[25].
(5) أوضحت لجنة
القانون الدولي في تعليقاتها على المادة 3 أنه ، بينما تأمل اللجنة أن تأخذ
الاتفاقات المتصلة بمجار مائية دولية معينة أحكام الاتفاقية في الاعتبار
اللازم ،
تكون الاتفاقية تكميلية أساساً لطبيعتها[26].
(6) توضح
العبارة الاستهلالية للفقرة 4 من المادة 3 والتي تنص على : "عندما يعقد
اتفاق
مجري مائي بين دولتين أو أكثر من دول المجري المائي "عدم وجود التزام
بإبرام
مثل هذه الاتفاقات المحددة[27].
(7) إن أكفأ
طريقة لمعالجة شؤون المجري المائي وأكثرها فائدة هي أخذه ككل بما في ذلك
اهتمامات
جميع دول المجري المائي. ومن أمثلة المعاهدات التي اتبعت ذلك النهج
المعاهدات المتعلقة
بأحواض الأمازون والبلاتا والنيجر وتشاد واتفاقية حماية نهر الراين من
التلوث
الكيميائي لسنة 1976م. ولكن عدداً كبيراً جداً من معاهدا المجاري المائية
النافذة
يقتصر على جزء من شبكة المجري المائي[28].
( نلاحظ أنه
قد نص في الفقرة 4 من المادة 2 وفي كل النصوص الأخرى المعنية أن الأثر
ينبغي أن
يكون "جسيماً" ، ولكن ليس المقصود من ذلك تشديد المعيار الواجب التطبيق
وذلك لأن كلمة "ملموس" تعنى في وقت واحد أنه "يمكن قياسه"
وأنه " جسيم". ولقد أوضحت لجنة القانون الدولي أن الجسيم هو ما يمكن
إثباته بدليل مادي (شريطة الحصول على ذلك الدليل) وأنه يجب أيضاً أن يحدث
انتقاص
حقيقي من الاستخدام لاستبعاد الحالات التي تكون من النوع الذي تنطوي عليه
قضية
بحيرة لانو التي أصرت أسبانيا فيها على توزيع مياه بحيرة لانو عن طريق
الشبكة
الأصلية ولكن وجدت هيئة التحكيم أنه بفضل إعادة المياه إلى الشبكة الأصلية
فإن لن
يتأثر أي من المنتفعين وأنه في أدني منسوب للمياه لن يحدث نقص في أي وقت[29].
ولقد
أوضحت لجنة القانون الدولي أنه بينما يجب أن يكون الأثر مما يمكن إثباته
بدليل
مادي وألا يكون تافهاً فليس من الضروري أن يرقي إلى درجة الأثر الكبير.
ولقد أيدت
بيانات التفاهم التي تمت صياغتها عند إجازة الاتفاقية في اللجنة السادسة
ذلك
المفهوم[30].
(9) إن الالتزام
بالتفاوض بإبرام اتفاق على نحو ما ورد في الفقرة 5 من المادة 3 يمكن إنفاذه
، على
سبيل المثال ، في حالة القيام بلا مبرر بقطع المحادثات أو الارجاءات غير
العادية ،
أو عدم مراعاة الإجراءات المقررة ، أو التمادي في رفض إيلاء الاعتبار
لاقتراحات أو
مصالح الخصم، وبصفة أعم في حالة انتهاك قواعد حسن النية. ولقد نظرت محكمة
العدل
الدولية أيضاً في الالتزام بالتفاوض في قضايا تتعلق بمصائد الأسماك وبتعيين
الحدود
البحرية[31].
(10) الفقرتان
اللتان أضيفتا إلى مشاريع مواد لجنة القانون الدولي هما الفقرتان (1) و (2)
من
المادة 3 من الاتفاقية واللتان تنصان على أنه لا يؤثر أي مما نصت عليه
الاتفاقية
في حقوق والتزامات دولة المجري المائي الناشئة عن اتفاقات يكون معمولاً بها
بالنسبة لهذه الدولة في اليوم الذي تصبح فيه طرفاً في هذه الاتفاقية ، ما
لم يكن
هنالك اتفاق على نقيض ذلك ، وأنه على الرغم من ذلك يجوز للأطراف في
الاتفاقات
المشار إليها أن تنظر عند اللزوم في اتساق تلك الاتفاقات مع المبادئ
الأساسية
للاتفاقية. أن لجنة القانون الدولي لم تتعرض إطلاقاً للاتفاقات القائمة بين
الدول
للأسباب التي سبق أن أوضحناها وأنه إذا أرادت بعض الدول وضع معالجة معينة
فإن ذلك
أمر لا يبت فيه الخبراء وإنما يترك لخيارات الدول السياسية ولأحكام القانون
الدولي. وترى بعض الوفود كالوفد الأثيوبي عند تفسير تصويته على الاتفاقية
أن تحقيق
الاتساق ، الوارد في الفقرة 2 من المادة 3 ، يجب أن يكون إلزامياً. ويرى
بعض
الفقهاء أنه "نظراً لكثرة وتنوع الاتفاقات القائمة ، فإن مثل هذا
الاشتراط
ليس عملياً. إلا أن هذا لا يعنى أن المبادئ التي تجسدها الاتفاقية ليست ذات
أهمية
في تفسير الاتفاقات القائمة" . وفي تقديري أن الزعم بأن الاتساق ليس
عملياً لا يشكل حجة قانونية كما أنه لا يستقيم مع أهمية الاتفاقية وما
تضمنته من
قواعد عرفية[32].
ونوضح
بأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من بين الدول التي تعترض على إيراد
الفقرة 2
من المادة 3 وهو موقف يمثل النقيض من الموقف الأثيوبي[33].
(11) نلاحظ أن
الموقف الأثيوبي أعلاه يختلف عن الاقتراحات التي تقدمت بها قبل التصويت وهي[34]:
أ- لا تنطبق
هذه الاتفاقية على اتفاقات المجاري المائية
القائمة إلا في الحالات التي تكون فيها هذه الاتفاقات مخالفة للمبادئ
والقواعد
الجوهرية المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.
ب- تحاول دول
المجري المائي في الحالات التي تكون فيها
اتفاقات المجاري المائية القائمة مخالفة لمبادئ هذه الاتفاقية وقواعدها
الجوهرية ،
عقد اتفاق جديد للمجري المائي يعكس بالقدر الكافي أحكام هذه الاتفاقية – لا
تحيد
اتفاقات المجري المائي المستقبلية حيداً كبيراً عن الأحكام الجوهرية
المنصوص عليها
في هذه الاتفاقية.
ج- في حالة عدم
وجود اتفاقات محددة ثنائية أو متعددة الأطراف
بين دول المجري المائي تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على الأغراض التي يستخدم
فيها
ذلك المجري المائي.
(12) أن رئيس
اللجنة السادسة هو الذي تقدم بالنص الموجود حالياً في الفقرتين 1 و 2 من
المادة 3
كتوفيق بين مختلف وجهات النظر ، ولقد كان اقتراحه في مرحلته الأولي قبل
قبوله يضع
الاتساق على سبيل
الإلزام
والجواز كخيارين
(13)
[35].
(14) أما جمهورية
مصر العربية فإنها قد اقترحت في 10 أكتوبر 1996م إضافة فقرتين في نهاية
المادة 3
من مشاريع مواد لجنة القانون على النحو التالي [36]:
- " لا
تؤثر هذه الاتفاقية على الالتزامات والحقوق المكتسبة الناشئة عن الاتفاقات
القائمة
والأعراف السارية بين دول المجري المائي.
- "ومع
ذلك يجوز للدول الأطراف في اتفاق قائم ، إذا ما سمحت الظروف بذلك ، أن تنظر
في
مواءمة هذا الاتفاق مع المبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية ، بموافقة جميع
الدول
الأطراف في هذا الاتفاق على ذلك".
(15) ونستطيع
القول بأن رئيس اللجنة السادسة قد قدم اقتراحه استناداً إلى مواقف العديد
من الدول
التي قدمت اقتراحات تضمنت ذلك المعني ، بما في ذلك مصر كما ذكرنا أعلاه
وإيطاليا
والهند وتركيا وإسرائيل[37].
(16) بالنسبة
للاتفاقات الجديدة ، اقترحت هولندا أمام اللجنة السادسة تأييداً للموقفين
الإيطالي
والبرتغالي الآتي : "ينبغي أن تكون المبادئ الأساسية للاتفاقية إلزامية ،
ويمكن أن تكون الأحكام أكثر تفضيلاً مكملة لها ويمكن بعد مناقشة هذه
المبادئ إجراء
تقييم نهائي بشأن الأحكام التي يتعين اعتبارها إلزامية". كما أن هولندا قد
اقترحت أن تضاف الفقرة 5 من المادة 3 عبارة في نهايتها تقرأ : "دون الإخلال
بالمبادئ الأساسية لهذه الاتفاقية"[38].
(17) لقد كان
مصير الاتفاقات القائمة بشأن المجاري المائية الدولية إحدى المسائل
الرئيسية التي
توجب على اللجنة السادسة تسويتها. علماً بأن تلك القضية لم تكن مشمولة على
الإطلاق
في مشاريع المواد لأن لجنة القانون الدولي افترضت أن من الطبيعي أن يستمر
العمل
بالاتفاقات القائمة دون تغيير ، ما لم تقرر الأطراف المعنية في تلك
الاتفاقات
إلغاءها أو تعديلها في ضوء الاتفاقية الجديدة ، كما سبق أن أوضحنا[39].
(18) وترى بعض
الدول خاصة البرتغال وأثيوبيا أن بعض أحكام الاتفاقية تقنيناً لقواعد عرفية
قائمة.
ولذلك فإنه بمقتضى المادة 64 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة 1969
ينبغي
بطلان كافة الاتفاقات القائمة بشأن المجاري المائية الدولية التي تخالف تلك
القواعد. وعلى الطرف المقابل أعلنت دولة أخرى مثل مصر وفرنسا وسويسرا رفضها
لذلك
التفسير. وفي نهاية المطاف تم التوصل إلى المعادلة الواردة في الفقرتين 1 و
2 من
المادة 3. وذلك يعنى إن الدول الراغبة في الحفاظ على الاتفاقات القائمة قد
أحرزت
انتصاراً في مقابل تنازل بسيط وهو جواز الاتساق الذي أشرنا إليه أعلاه
والذي يري
بعض الفقهاء أنه ليس له أي أثر قانوني لأنه لن يكون هناك تعديل للاتفاقات
القائمة بدون
موافقة كافة الدول الأطراف في تلك الاتفاقات حسبما تنص القواعد الأساسية
لقانون
المعاهدات ، خاصة وأن "المبادئ الأساسية " التي يمكن تحقيق الاتساق معها
ليست محددة في أي نص من نصوص الاتفاقية. ولقد كانت المادة 3 من بين المواد
التي
طرحت للتصويت منفردة في اللجنة السادسة. ولقد اعتمدت بعد أن صوتت لصالحها
36
دولة
وعارضتها 3 دول (مصر ، فرنسا ، تركيا). ولقد كان ذلك فوزاًَ متواضعاً نظراً
لأنه
كان هنالك 21 دولة امتنعت عن الت