التحكيم في اتفاقيات
استثمار البترول وخلافها



بقلم : احمد
المفتي



فيما يتعلق بأهمية التحكيم
بالنسبة للاستثمار فقد أشار إليه فاتورس موضحاً أن المستثمر يعني كثيراً
بإيجاد
وسيلة مستقلة ومحايدة وفعالة لحسم ما قد ثور من منازعات واوضح دكتور
الغنيمي من
جانب آخر أن الدولة المضيفة نفسها تدرك أهمية وجود جهاز مستقل غير متحيز
لحسم
المنازعات بين الطرفين لأن ذلك يساهم في خلق مناخ استثماري جيد (1)



أن الأصل حسبما تقضي
القواعد العامة في الاختصاص أن ينعقد الاختصاص للقضاء الوطني في الدولة
المضيفة
لحسم المنازعات الاستثمارية ما لم يكن هنالك نص تعاقدية يقضي بخلاف ذلك أو
نص في
معاهدة بين الدولة المضيفة ودولة المستثمر ، إلا أن الأصل في مجال اتفاقيات
البترول أصبح هو وجود النص التعاقدي الذي يلزم بالتحكيم وذلك دون أي
استثناء .
ولعل أهم التبريرات في ذلك الصدد أن إجراءات المحاكم المحلية سوف يطالها
مبدأ
حصانة الدولة فضلاً عن عدم المام المستثمر بإجراءات المحاكم المحلي والتخوف
من أنه
لا توجد إجراءات تستوعب منازعات الاستثمار (2)



وتجدر الإشارة إلى أنه
لا يوجد في القانون الدولي العرفي ما يلزم أية دولة بقبول اللجوء إلى تحكيم
يقع
خارج أراضيها برئاسة محكم أجنبي لتسوية منازعاتها مع المستثمرين الأجانب ،
كما أن
لجوء المستثمر الخاص إلى التحكيم والقضاء الدولي لازال أمرا استثنائياص في
القانون
الدولي المعاصر ولا يتم إلا بموجب قبول صريح من الدولة التي تكون طرفاً في
المنازعة ، على الرغم من ذلك نجد أن معظم اتفاقات البترول تتضمن نصاً
صريحاً بقبول
الدولة المضيفة بتسوية المنازعات عن طريق محاكم تحكيم تعقد في الخارج.(3)



ولقد لاقت الوسائل
الدولية لتسوية المنازعات والتحكيم الدولي على وجه الخصوص قبولاً متزايداً
في
السلوك الدولي وانعكست في العديد من الاتفاقيات الجماعية والثنائية وفي
التشريعات
الوطنية وذلك لأنها تعطي ضمانات للمستثمر الأجنبي وتغنيه عن الانتظار
الطويل
والتعقيدات التي غالباً ما تتسم بها إجراءات التقاضي والانتقاد الأساسي
الذي يوجه
لتلك الوسائل الدولية هوأنها تخالف سيادة الدولة المضيفة باعتبار أن إقامة
العدالة
جزء من عمل الدولة ويجب ألا تعامل الدولة المضيفة كما لو كانت غير قادرة
على القيام
بتلك الوظيفة الجوهرية(4)



ونشير
إلى أنه فيما يتعلق بالوسائل الدولية لتسوية المنازعات الاستثمارية (عدا
التحكيم
المنصوص عليه صراحة في الاتفاق المبرم بين الطرفين) تكون الوسيلة الوحيدة
المتاحة
للشخص الخاص (طبيعي أوقانوني) لاتخاذ إجراءات ضد الدولةالمضيفة هي :



موافقة
دولة أخرى على تبني مطالبته وتوليها أمر الدعوى أمام القضاء الدولي .



ويعتبر كثير من الفقهاء
أن الطرق الودية والمفاوضات والتوفيق وما إلى ذلك هي أفضل الوسائل لتسوية
منازعات
الاستثمار ولقد أسهمت المفاوضات خاصة في النصف الثاني من هذا العام في
التوصل إلى
حل كثير من منازعات اتفاقات البترول ،ولعل أهل أهم تلك الحلول كان بشأن
المشاركة
في الأرباح (مبدأ مناصفة الأرباح) وتنفيق الأتاوة وتنظيم معدلات الانتاج
(5)



ومن ناحية
أخرى نجد ان منطقة الأمم المتحدة قد اهتمت كذلك بتسوية المنازعات التي
تنشأ
بين الدول المضيفة والمستثمرين حيث نصت في قرار الجمعية العمومية رقم 1803
في الفقرة (3) على الآتي : ويراعى في حال نشوء أي نزاع حول موضوع التعويض
استيفاء
الطرق القضائية الوطنية للدولة التي تتخذ تلك الإجراءات ويراعى في ذلك حال
توفر
الاتفاق بين الدولة ذات السيادة والأطراف المعنيين الآخرين ، تسوية النزاع
بطريق
التحكيم أو القضاء الدولي.



وتجدر
الإشارة إلى أن اتفاقات البترول المصرية دون عداها من الاتفاقيات التي
أبرمت في
البلاد العربية تبنت اللجوء إلى المحاكم الوطنية للفصل في المنازعات اتي
تثور ولقد
انعقد الاختصاص للقضاء الوطني في ظل الاتفاقات البترولية الأولى بطريق سلبي
حيث
خلت الاتفاقات التي أبرمت قبل عام 1938 من أي نص ينظم وسيلة تسوية
المنازعات وبذلك
تسري القواعد العامة في الاختصاص القضائي والتي مؤداها أن ينعقد للقضاء
الوطني
الاختصاص بالفعل باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل (7).



ويلاحظ أنه منذ عام
1938 اقتصر الأخذ بنظام التحكيم في اتفاقيات البترول التي أبرمتها مصر على
المنازعات المتعلقة بمسائل فنية مثل بلوغ الحد الأقصى للاستغلال ، أما
المنازعات
المتعلقة بتفسير وتنفيذ الاتفاقية فقد ظلت خاضعة بمقتضى نص صريح للمحاكم
المصرية ، ومثال ذلك ما ضمنته الاتفاقية المبرمة بين مصر وشركة آبار
الزيوت الانجلو مصرية 19/12/1938 حيث نصت المادة 38 منها على الآتي : " كل
نزاع يقوم بين الحكومة وبين المستأجر فيما يتعلق بتفسير أي بند من بنود هذا
العقد
، أو فيما له ارتباط به يكون الفصل فيه من اختصاص المحاكم المصرية طبقاً
للقوانين
المعمول بها في مصر في حين نصت المادة 39 على الآتي " تحقيقا لأغراض طرفي
هذا
العقد وهو العمل على استثمار المنطقة والوصول باستغلالها إلى حدها الأقصى
.. وإذا
رأت الحكومة في أي وقت أن المستأجر قد قصر في استغلال المنطقة على الوجه
الذي يتفق
وهذا العقد ، كان للحكومة الحق في احالة الأمر إلى التحكيم ،ويكون التحكيم
لمجلس
تصدر قراراته بصفة نهائية وتلزم كلا الطرفين ويتألف المجلس على الوجه
التالي :-



# مستشار من محكمة
الاستئناف الوطنية يختاره رئيسها أو من يقوم مقامه (عضواً)



# مندوبان تختار
الحكومة أحدهما ويختار المستأجر المندوب الثاني (عضوان).



# عضو خامس ينتخبه
الأعضاء الاربعة السابقون الذكر في كل حالة تحكيم وتكون له الرئاسة وإذا لم
يصل
الأعضاء الأربعة إلى اتفاق لاختيار العضو الخامس يكون لوزير المالية الحق
في تعيين
أحد المرشحين المقترحين بواسطة المحكمة رئيساً(Cool



وعلى
الرغم من أن التجربة المصرية المذكورة أعلاه فيما يتعلق بالتحكيم توفر
حماية
للدولة المضيفة أكثر من نصوص التحكيم الواردة في بقية اتفاقات البترول
المبرمة في
الدول العربية الا ان التجربة المصرية لم تقف ند ذلك الحد حيث أن الموقف
المصري في
الاتفاقيات وهما المؤسسة المصرية العامة للبترول والشركة الأجنبية إلى
التحكيم اما
المنازعات التي قد تنشأ بين مصر من جانب والشريكين في الامتياز من جانب آخر
فقد
ظلت خاضعة بنص صريح في تلك الاتفاقات للمحاكم القضائية المصرية ، ولعل أوضح
مثال
على ذلك المادة الثالثة والعشرين من الاتفاقية المصرية التي تنص على الآتي :



أ/أي نزاع ينشأ بين
الحكومة والطرفين يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها أو تنفيذها يحال
إلى
محاكم جمهورية مصر العربية المختصة قضائيت للفصل فيه.



ب/ (1) يفصل في أي نزاع
يثور بين المقاول والهيئة فيما يتعلق بهذه الاتفاقية بطريقة التحكيم ،ويعقد
التحكيم في استكهولم بالسويد ويجري طبقاً لقواعد التوفيق والتحكيم لغرفة
التجارة
الدولية ، وفي حالة عدم وجود نص في تلك القواعد لبعض الحالات فإن المحكمين
يقومون
بوضع قواعد السير في إجراءات التحكيم(9).




وفي وقت لا حق فطنت بعض الدول العربية الأخرى إلى أهمية عقد الاختصاص
بالفصل في
بعض المنازعات للقضاء الوطني، ولعل أوضح مثال على ذلك القرار رقم 432
الصادر من
مجلس الوزراء السعودي في 25 يونيو سنة 1963م الذي يقضي بمنع احالة
المنازعات بين
الحكومة وفرد أوشركة أو مؤسسة خاصة إلى التحكيم إلا في حدود ضيقة للغاية
تقتضيها
المصلحة العامة السعودية وأوضح القرار أنه لايسري على الاتفاقات المبرمة
قبل صدوره
، ولقد ورد نفس الموقف في المادة 19 من القانون الليبي رقم 67 لسنة 1970م



وتوضيحاً
لتنوع الخيارات المتاحة في مجال التحكيم نشير إلى أن أولى الاتفاقات التي
ابرمتها
السعوديةة في تاريخ لاحق للقرار المذكور أعلاه هي اتفاقيتها مع شركة أو
كسيراب سنة
1965م والتي نصت في المادة 63 على الآتي " إذ نشأ بين الحكومة وصاحب
الامتياز
خلاف حول تفسير أو تنفيذ هذه الاتفاقية ولم يتم الاتفاق على تسويته بأي
طريقة أخرى
فإنه يجب احالته إلى لجنة خبراء مكونة من خبيرين تختار الحكومة واحداً منها
ويختار
صاحب الامتياز الخبير الآخر . وإذا لم تصل لجنة الخبراء إلى اتفاق فيجب طرح
النزاع
على هيئة تمييز المنازعات المنصوص عليها في المادة 50 من نظام التعدين
السعودي
(10) ومن الموضوعات ذات الصلة باخضاع المستثمر الأجنبي الخاص للقضاء المحلي
موضوع
اخضاع الدولة المضيفة للقضاء الأجنبي وفي ذلك الصدد تفيد النظرية التقليدية
في
القانون العام الانجليزي بعدم جواز خضوع الدولة لاختصاص المحاكم الأجنبية
حتى
في الحالات التي تشتغل فيها الدولة بالنشاط التجاري إلا أن تلك النظرية
التقليدية لا تجد القبول في الوقت الراهن وظهرت بدل تلك الحصانة المطلقة
نظرية
الحصانة النسبية التي لا تغطي أنشطة الدولة التجارية(11)



ومنذ عام
1952م توسعت الولايات المتحدة الأمريكية في التمسك بمبدأ الحصانة النسبية
للدولة
وأخرجت أنشطة الدول في مجال التصنيع والتنمية وصناعة السفن والأنشطة
المهنية
الأخرى بالإضافة إلى النشاط التجاري من منطقة الحصانة ونجد النص صراحة على
ذلك في
معاهدات الصداقة والتجارة والملاحة التي تعقدها الحكومة الأمريكية(12)



وصفوة القول أن
الاتجاه السائد في الدول المتقدمة هو الحد من نظرية الحصانة المطلقة للدولة
إذا
تعلق النزاع بنشاط تجاري إلا أن هناك العديد من الدول ما زالت تأخذ
بالحصانة
المطلقة.



ومن
الموضوعات الأخرى التي تثار فيما يتعلق بالتحكيم سواء كان في اتفاقات
البترول أو
خلافها مدى تعارض الاحالة إلى التحكيم مع سيادة الدولة . وفي ذلك الصدد
أوضح دكتور
الغنيمي أن اللجوء إلى التحكيم لا يتعارض مع سيادة الدولة وذلك لأن امتياز
البترول
يدخل في نطاق النشاط التجاري ويملك المتعاقدون تقييد نشاطهم بمقتضى الاتفاق
ويكون
ذلك العقد ملزماً للدولة لأنه يتم برضائها وبمقتضى مالها من سيادة ولقد
ورد
تدعيم ذلك الرأي في حكم التحكيم الصادر في النزاع بين حكومة المملكة
العربية
السعودية وشركة أرامكو(14)



وعلى
الرغم من القبول الذي لقيه التحكيم والتوسع في استخدامه إلا أن بعض الفقهاء
قد عارضوه
بدعوى مخالفته لسيادة الدولة ويرون أن القضاء مظهراً من مظاهراً السيادة
وغير قابل للتصرف ، وإن التحكيم يمس مبادئ القانون العام التي تخول الدولة
سلطة
تقديرية تسمح لها بأن تأتي بما تراه مناسباً للصالح العام ومن ثم فإن
اشتراط
التحكيم لا يقيم على الدولة التزاماً قانونياً وإنما هو التزام أولى لحسب(15)



ومن المعارضين
لفكرة اللجوء إللى جهاز دولي للتحكيم الفقهاء السوفيت ،وقد أسسسوا
معارضتهم
على أساس أن اللجوء إلى جهاز تحكيم دولي تظهر فيه الدولة والمواطنين
الأجانب
باعتبارهم أطرافاً متساوين يضفي على أشخاص القانون المحلي ( الطبيعين
والقانونيين)
صفة الشخصية الدولية ، كما أن قيام جهة دولية بالنظر في مثل تلك المنازعات
سوف
يستدعي بالضرورة مناقشة وتقييم أعمال الدولة وفي ذلك اعتداء جسيم على
سيادتها(16)
وذهب بعض المعارضين لنظام التحكيم إلى أن كافة الشروط المقررة في
عقود
البترول التي أبرمتها الدول العربية والتي تفرض إجراء تحكيم في بلد أجنبي
تخالف
النظام العام ولا يعتد بها لما فيها من خروج على اختصاص المحاكم الوطنية
بنظر كافة
المنازعات التي تقع داخل إقليم الدولة المعنية ، وأن ما تضمنته شروط
التحكيم في
بعض الاتفاقيات من تعيين محكم ثالث بواسطة هيئة أجنبية تجاهل من ناحية أخرى
للسيادة كما أنه يفرض نوعاً من القضاء الدولي لحسم منازعات البترول وهو أمر
غير
مقبول (17) واستكمالاً لموضوع لحل المنازعات نشير إلى أن الحل لا يقتصر
على
اللجوء إلى الحالات القضائية أو هيئات التحكيم بل أن الدول قد تتدخ
دبلوماسياً
لحماية أموال مواطنيها ولقد أوضحت محكمة العدل الدولية أن ممارسة الدولة
لحق
الحماية الدبلوماسية يجب أن يفهم في ضوء أن الدولة وحدها هي التي تملك حق
الإدعاء
المباشر أمام المحاكم الدولية لحماية مواطنيها وأموالهم بالخارج دون أن يدل
ذلك على
ملكية الدولة لتلك الأموال(18) أما فيما يتعلق بحق دولة جنسية
حملة
أسهم شركة معينة في التدخل دبلوماسياً لرعاية مصالح مواطنيها المساهمين في
الشركة
المعنية فقد أصدرت محكمة العدل الدولية حكماً واضحاً قررت فيه أنه إذا
امتنعت دولة
جنسية الشركة عن حمايتها دبلوماسياً أو إذا توقفت عن متابعة الدعوى حتى
النهاية أو
إذا انهت الدعوى بالاتفاق مع الدولة المعتدية على دفع تعويض غير مناسب في
نظر حملة
الأسهم . فلا يجوز لدول حملة الأسهم التدخل لحماية مواطنيهم في مواجهة
الدولة التي
أضرت بالشركة وذلك لأن السماح لدول جنسية حملة الأسهم بتقديم دعوى مؤسسة
على نفس
الوقائع يخل بالضمان والاستقرار الذي يهدف القانون الدولي إلى إشاعته في
العلاقات
الدولية(19) وفيما يتعلق بوجهة نظر المنظمات البترولية المختلفة في موضوع
التحكيم
نشير إلى أن منظمة الأوبك قد دعت إلى الأخذ بنظام التحكيم كوسيلة لتسوية
المنازعات
البترولية مفضلة أياه على القضاء الوطني لمرونة إجراءاته واختصاره للوقت
فضلاً عن
أنه يشجع المستثمرين الأجانب(20) ونشير من ناحية
أخرى إلى أنه حتى في حالة الأخذ بنظام التحكيم فإن بعض الفقهاء يرون أن
طبيعة
اتفاقات البترول القانونية لا تسمح للتحكيم بأن يجري على كافة المنازعات
التي تنشأ
وتوضيحاً لذلك الرأي يقول د. الغنيمي أنه نظراً لأن المبادئ العامة للقانون
السائدة في الأمم المتحدة تقضي بأن حق استغلال المعادن التي توجد في باطن
الأرض
إنما يعود إلى الدولة وحدها ولو كان سطح الارض مملوكاً لشخص ما ، فإن
استغلال تلك
المعادن يحتاج إلى ترخيص بذلك من الدولة بما لها من ولاية ويتصرف من
جانبها
وحدها وليس لإرادة الشركة أي دور في ذلك واستناداً على ذلك فإن الامتياز
البترولي
في ذلك الجانب يعتبر رخصة أو بعبارة أخرى قراراً إدارياً فردياً ولكن وبما
أن الامتياز
البترولي له جانب آخر يتعق بتنظيم ممارسة الشركة لحقها الذي منحها أياه
القرار الإداري فإن الامتياز البترولي يعتبر في ذلك الجانب عقداً وصفوه
القول أن الامتياز البترولي (او امتياز استغلال أي معادن) عبارة عن تصرف
قانوني
مزدوج يتضمن بعض النصوص التي تعتبر رخصة وبعض النصوص التي تعتبر عقداً
وأهمية
توضيح تلك الطبيعة المزدوجة للاتفاقات البترولية تكمن في أن ما يدخل في
دائرة
التحكيم هو النصوص التعاقدية من الاتفاقية ، أما ما يتعلق برخص الامتياز
فلا يجوز
عرضها على التحكيم ويجوز للشركة فيما يتعلق بذلك الجانب اللجوء للإجراءات
التي
يسمح بها القانون الوطني(21) وفيما يتعلق بطريقة اختيار المحكمين نلاحظ أن
بعض
الخيارات المتاحة أن يكون النص كما يلي :-




وعلى المحكمين الاثنين أن يختارا محكماً ثالثاً خلال ثلاثين يوماً فإذا
أخفقا في ذلك
تتولى محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بناء على طلب أي من الطرفين
تعيين
المحكم الثالث وتلك الطريقة في التحكيم تعني أن القرار يصدر بالأغلبية
ويشترك
الحكم الثالث في اصداره وكثيرا ما تختلط تلك الطريقة بالطريقة التي يخول
فيها
الحكم الثالث سلطات خاصة بحيث يقع عبء اصدار القرار عند غياب اتفاق
المحكمين في
الرأي ويسمى في تلك الحالة بالفيصل(
Umpire) وتبرز التفرقة بين الحكم الثالث
والفيصل في أنه ما
لم يضع اتفاق التحكيم على عاتق الحكم الثالث أي سلطات خاصة فإن سلطاته تظل
مماثلة
لأي من سلطات المحكمين الآخرين ويظل دوره مقتصراً على التصرف بالاشتراك مع
أعضاء
التحكيم حتى وإن قضى الاتفاق بتعيينه رئيساً لمحكمة التحكيم . ومن ذلك يتضح
أن دور
الفيصل هو القضاء بين الأطراف وليس الفصل بين المحكمين ،ومن ذلك يتضح أن
دور
الفيصل هو القضاء بين الأطراف وليس الفصل بين المحكمين عن طريق رأي
الأغلبية ومن
أمثلة اشتراطات التحكيم التي نصت على الحكم الفيصل المادة 31 من اتفاقية
السعودية
وأرامكو سنة 1933 التي قضت : ويعتبر حكم المحكمين في القضية باتاً ، وأما
إذا لم
يتفقا بينهما في الرأي فيعتبر حكم الوازع(الفيصل) في القضية نهائياً "ويوجد
نص مشابه لذلك في المادة 45 من اتفاقية السعودية وشركة حتى سنة 1949(22)
وإلى جانب
التمييز بين الحكم الثالث والحكم الفيصل (الوازع) يأخذ النظام القارئ بنظام
الحكم
الخارج عن الخصومة ، ولا يعد ذلك الحكم حكماً ثالثا حيث أنه لا يشترك مع
المحكمين
الآخرين في اصدار القرار التحكيمي بالأغلبية ، كما لا يعد حكماً فيصلاً حيث
أنه لا
يقضي استغلالاً إنما يقوم بالترجيح بين آراء المحكمين ويختار الأصوب منهما
أي أنه
يقوم بالفصل بين المحكمين وليس بالفصل بين طرفي النزاع كما يعمل الفيصل
(23) وعلى
الرغم من وجود تلك التفرقة من الناحية النظرية إلا أن اتفاقيات البترول لا
تتحرى
الدقة دائماً في التمييز بين الحكم الثالث والحكم الفيصل فقد يستخدم أحد
الاصطلاحيين ويقصد به الآخر مثال ذلك ما نصت عليه اتفاقية ايران
والكنوسوريتوم سنة
1954 باحالة النزاع آلي مجلس تحكيم يشكل من ثلاثة محكمين يعين كل طرف
واحداً منهما
ويختار الحكمان حكماً فيصلاً ، وعند عدم اتفاق المحكمين في الرأي يصدر
قرار
مجلس التحكيم بأغلبية الأصوات(24)إن أعمال مبدأ الرضا الذي يحكم نظام
التحكيم ككل
يخول أطراف النزاع مطلق الحرية في اختيار القواعد المناسبة التي تحكم
إجراءات
التحكيم ، ولقد اختلفت نصوص الاتفاقات البترولية في ذلك الجانب اختلافاً
كبيراً
ففي حين نجد أن بعضها مقتضباً نجد بعضها الآخر أكثر تفصيلاً حيث يحدد مكان
انعقاد
مجلس التحكيم واللغة المعتمدة وتبادل مذكرات الدفاع والطلبات الاضافية
والشهود
والأدلة والخبراء والنفقات بالإضافة إلى ذلك الاختلاف يلاحظ أن بعض
الاتفاقات
البترولية جاء خلواً من تحديد القواعد التي تنظم إجراءات التحكيم ، ولقد
ذهب
الفقهاء إلى أنه في مثل تلك الحالات على محكمة التحكيم أن تقوم باستخلاص
تلك
القواعد من النية المشتركة للأطراف.



وإذا لم
يمكن ذلك تطبق القواعد العامة في القانون الدولي الخاص والتي تقضي بخضوع
المسائل
الإجرائية لقانون محل الفصل في النزاع أي أنه على محكمة التحكيم أن تتبع
الإجراءات
المقررة للتحكيم في الدولة التي تعقد فيها جلساتها(25)



ويتطابق رأي الفقهاء
المذكور أعلاه مع الممارسات الدولية حيث تضمنته اتفاقية جنيف الصادرة في 24
سبتمبر
سنة 1922 الخاصة بالتحكيم واتفاقية نيويورك الموقعة في 10 يونيو 1958 والتي
اقرها
مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجاري الدولي (26)



ونشير في ذلك الصدد إلى
أنه عندما يكون تنفيذ قرار التحكيم في مواجهة الدولة فإن ذلك يثير عقبات قد
تجعل
التنفيذيب مستحيلاً على الرغم من وجود ذلك النص في الاتفاقية حيث أنه على
الرغم من
خضوع الدولة برضائها لاختصاص محكمة التحكيم إلا أن ذلك لا يحول دون تمسكها
عند
تنفيذ قرار التحكيم على أموالها بحصانة السيادة(27).



إن موضوع التحكيم من
ناحية عامة اصبح موضوعاً يستقطب اهتمام كافة الجهات العاملة في مجال
الاقتصاد
والتجارة مهما اختلف مجال عملها ، ولقد أجمع على ذلك الأمر كافة الشخصيات
العالمية
البارزة التي شاركت في المؤتمر الثاني للتحكيم العربي الأوربي الذي اختتم
أعماله
في المنامة بدولة البحرين بتاريخ 29/اكتوبر 1987م ولقد أوضح الشيخ عبد
الرحمن بن
محمد بن راشد آل خليفة وكيل وزارة العدل والشئون الاسلامية البحريني في
افتتاح
الجلسة الختامية "إن التحكيم والقضاء رافدان من نهر واحد هو نهر العدالة
"وفي نفس المؤتمر أوضح الشيخ صالح الحجيلان الرئيس الأعلى للتحكيم العربي
الأوربي في الجلسة الختامية أن الدول العربية ستعمل على دعم التحكيم
وتقديم
العون له كما أكد على أنه لن يحدث تدخل من الدول العربية المعارضة.



وأشار الشيخ الحجيلان
إلى أن بعض رجال القانون العالميين يشككون في قبول أحكام التحكيم في
البلدان
العربية ونبه إلى ضرورة التصدي لتلك الحملات ، وفي الجلسة قبل الختامية
طالب مقدم
التقرير الختامي بتلاحم أكبر بين المحامين العرب والأوربيين لتحسين المناخ
التحكيمي وبذل مجهود أكبر لتزويد الأوساط العربية وحكومية وأهلية بقدر كاف
من
المعلومات عن اتفاقية نيويورك لعام 1958م (بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام
التحكيم
الأجنبية) ومدى أهمية الانضمام إليها وكذلك أهمية تحديث التشريعات الوطنية
لتتماشى
مع القانون النموذجي الذي أعدته الأمم المتحدة لقانون التجارة الدول(28).



* د. أحمد
المفتي كبير المستشارين القانونيين بديوان النائب العام بكالريوس جامعة
الخرطوم (مرتبة
الشرف 1973م – ماجستير جامعة انديانا بالولايات المتمحدة 1982م – دكتوراة
جامعة الخرطوم 1990م.



1- Fatouros, A.A Government Guarantees to Foreign
Investors p.
180(1962)



طلعت
الغنيمي " شرط التحكيم في اتفاقيات البترول" بحث مقدم آلي مؤتمر البترول
العربي الثالث الذي عقد في الاسكندرية سنة 1961م ص 1



د.إبراهيم شحاته
" معاملة الاستثمارات الأجنبية في مصر ص 63 (1972) د. عصام بسيم
"النظام القانوني للاستثمارات الأجنبية في الدول الآخذة في النمو ص 167
(1972)



3-د.
ابراهيم العناني " اللجوء إلى التحكيم الدولي" ص 77 – 80 رسالة دكتوراة
مقدمة لكلية الحقوق جامعة عين
شمس 1970م


4-انظر
اتفاقية تسوية المنازعات الاستثمارية بين الدولة ومواطني الدول الأخرىى
التي أعدها
البنك الدولي للإنشاء والتعمير ودخلت دور التنفيذ اعتباراً من 14/1/ 1966م



القانون
التونسي رقم 69/35 الصادر في 26/6/1969م



قانون
تشجيع الاستثمار لسنة 1981م السودان يعتمد تطبيق اتفاقية تحكيم مبرمة بين
الدول
العربية.



5-تقرير عن
البترول في الوطن العربي حتى نهاية عام 1971م اعدته جامعة الدول العربية
ادارة
شئون البترول 1972م



-6U.n Gen Ass .Res 18-3 (xviii)
Dec 14 , 1962 Gen Ass off rec 17th
Sess No . 17 (A. 5217) p. 15 1963



7-د.
أحمد ابو الوفا "التحكيم في عقود البترول في البلاد العربية " بحث مقدم
لمؤتمر البترول العربي الرابع المنعقد ببيروت اكتوبر سنة 1960 ص 5



8-د.
صاحب ذهب "اتفاقيات وعقود البترول في البلاد العربية" الجزء الأول ،ا
لطبعة الثانية ص 384 (1969).



9-الاتفاقية
المصرية لسنة 1980 هي الاتفاقية التي تم إبرامها بموجب الترخيص المضمن في
القانون
رقم 99 لسنة 1980م والوارد نصها في الجريدة الرسمية لجمهورية مصر العربية
العدد 2
تابع (ب) في 30 جمادي الآخرة سنة 1400 (15/5/1980) السنة 23 ص 5



10-د.
احمد عبد المجيد عشوش "النظام القانوني للاتفاقيات البترولية في البلاد
العربية ص 293 طبع عام 1974م بمعرفة الشركة المتحدة للنشر والتوزيع –ا
لقاهرة.



-11Sucharitkul , state immunity and trading activities in
international law p133et seq 1959 . king aom of greeece
v. garent , I l. r (1957) p . 209



-12Bishop w.w new uninted
states policy Limitin g
sovereign immunity 47 a .j. i. l. p. 93 et seq
.
1953



-13Schmitthoff , c. m the claim . of sovereign immunity inthelaw
of
international trade , 7 , I c.l. q . p 452
1958



14- انظر ص 8 من المرجع
المشار إليه في الحاشية رقم 1 أعلاه



15-انظر ص 242 من المرجع
اليه في الحاشية رقم 10 أعلاه



-16Memorandum
of soviet associationof
interational of law on the question of
establishing arbitraion center for foreigninvestment
int law ass report of 5th con
1962 ann b.p.
151



17-أنظر
ص 5 من المرجع المشار اليه في الحاشية رقم 7 أعلاه



-18Nottebohm case (liechtensteint
v.
guatemala lcj reprorts
p 22 (1955



-19Barcelona
traction belguim
v.
spain ,second phase , judgment of 5 th
february 1970 l,c.
j
reports 1970



-20Opec . seleted
documents of the international petroleum industry p 269 vinna
(1968)



21-انظر ص 3-6 من المرجع
المشار إليه في الحاشية رقم 1 أعلاه



22-انظر ص 523 من المرجع
المشار اليه في الحاشية رقم 10 أعلاه.



23-كما
سبق



24-كما
سبق



-25Dicey
international confict
of laws , 5th ed p 859 simoson
and fox interntional arbitration law and practicep
67 1959



26-أنظر ص 247 من المرجع
المشار إليه في الحاشية رقم 1 أعلاه



-27Fededrated peoples republic of yugoslavia
v. kafr el zyat cotton co . ltd . i.l. r case .no 54.
Egypt 1951


28-جريدة
السياسة الكويت العدد رقم 6948 الصادر بتاريخ 29 اكتوبر 1987 ص9