الأوجه القانونية
لمنع التلوث البحري
بما فيها الاتفاقيات
الدولية كاتفاقية ماربل
1973م - 1978م ومشروع
القانون البحري الجديد
بقلم
الأستاذ/ عثمان الشريف
لا يقتصر أثر
التلوث بالنفط والمواد الأخرى الخطرة والضارة أو السامة على ما يعوق
الملاحة في البحر
ويهدد بنشوب الحرائق وغيرها ، بل يمتد الأثر إلى البيئة البحرية بكاملها
فيهدد
حياة الأحياء المائية والحدائق البحرية وأماكن جذب السياح والنزهة البحرية
وغير
ذلك مما يعيه أهل الاختصاص في هذا المجال.
ويلحظ المرء اهتماماً كبيراً ومتزايداً في السودان بالبيئة السودانية في كل
مجالاتها فيما لم تجد البيئة البحرية حظاً من التشريعات القانونية
والتدابير
الأخرى وذلك بالقدر الذي حظيت به البيئة السودانية في المجالات الأخرى ،
وذلك يعزى لعدم مواكبة التدابير الدولية والإقليمية في مجال حماية البيئة
البحرية
والمحافظة عليها ومكافحة مهدداتها . فالسودان ، وإن كان عضواً في المعاهدة
الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وبروتوكولها المتعلق
بالتعاون
الإقليمي في مكافحة التلوث بالنفط والمواد الأخرى الضارة في حالات الطوارئ
الصادرين في 14/2/1984م بمدينة جدة ، لم يوفق في اتخاذ التدابير القانونية
والتشريعات المناسبة لمنع التلوث البحري لمياه السودان وبيئته البحرية ،
فلا يكفي
انضمام السودان إلى هذه المعاهدة وبرتكولها المشار إليه ، الذي صدر
لمكافحة
التلوث إذ لا بد من إصدار تشريعات تفصيلية من شأنها حماية بيئة البحر
الأحمر
والمحافظة عليها بحيث يقف الكافة على الضوابط والقواعد القانونية النافذة
في
السودان والتي يمكن قانوناً تطبيقها كقواعد قانونية على ملاك ناقلات النفط
وغيرها
من السفن البحرية في حالة وقوع أي مخالفة أو جناية أو ارتكاب أي فعل تقصيري
يؤثر
على سلامة البيئة البحرية.
ولعله من مظاهر اهتمام السلطات السودانية بالبيئة البحرية استجابة هيئة
الموانئ
البحرية العاجلة في عام 1996م لطلب السفينة (HorizonIII )
للمساعدة خشية ارتطام السفينة المذكورة بالشعب المرجانية بسبب
قوة التيارات البحرية والرياح لأن ماكيناتها كانت متعطلة . فلقد بادرت
الموانئ
البحرية بالمساعدة إنقاذاً للبيئة البحرية أو منعاً للتلوث البحري الذي كان
في ذلك
الوقت وشيكاً.
كما قامت السلطات
باتخاذ الإجراءات القضائية في مواجهة السفينة ميلورا في عام 1983م بسبب
تسرب بعض
الكيماويات إلى المياه الإقليمية مما أدى إلى موت عدد من الأحياء المائية
وإلى
توقف شركة الملح السودانية عن إنتاج الملح بسبب تلوث ماء البحر بالكيماويات
التي
تسربت ، ومع هذا الوعي بمخاطر التلوث البحري ، فإن القصور في التشريع في
هذا
الجانب لا يختلف حوله اثنان ، فعلى الرغم من أن قوانين السودان تحفل بعدد
كبير من
التشريعات لحماية البيئة والموارد الطبيعية كالتدابير الواردة في قوانين
نزع
وتخصيص الأراضي لاستعمال الإنسان والتدابير القانونية لحجز الغابات وإنشاء
وإعلان
المحميات الطبيعية لحماية الحياة البرية للحيوانات وتخطيط المدن وعمرانها
وحماية
التربة ومصادر المياه والثروة الحيوانية والمواد الخطرة والطاقة والتعدين
والصحة
المهنية والبيئة الثقافية وقانون مصائد الأسماك لسنة 1937م وغيرها ، إلا
أن
الجهد المبذول في مجال التشريع لحماية المياه الإقليمية والسواحل والبيئة
البحرية
من خطر التلوث أي كان مصدره ، قد جاء ناقصاً . فلقد خلا القانون البحري
سنة
1961م من أي نص حول تدابير حماية البيئة البحرية أو المياه الإقليمية أو
السواحل .
ومن جانب آخر فلقد انحصر اهتمام سلطة الميناء بالتلوث في مجرد منع رمي أو
إلغاء
الأوساخ والنفايات في الميناء ، فلقد نص على ذلك التشريع الفرعي والمعروف
باسم :
اللائحة العامة للميناء 1937م تعديل 1979م ، كما لم يعر المشرع هذا الأمر
أي قدر
من الاهتمام حينما شرع قانون هيئة الموانئ البحرية سنة 1974م ، ليس ذلك
فحسب بل
مشروع القانون البحري لسنة 1996م الذي وجد قدراً كبيراً من الدراسة
والتحليل لم
يقترح نصوصاً تعنى بأمر البيئة البحرية أو حماية المياه الإقليمية والسواحل
، إلا
بالقدر اليسير الذي جاء في المشروع قبل أن تقوم اللجنة الوزارية بمراجعته ،
مع أن
كثيراً من دول العالم قد اهتمت كثيراً بهذا الأمر فسارعت إلى الانضمام إلى
الاتفاقات الدولية لمكافحة التلوث البحري بكافة مصادره.
أما مشروع القانون البحري فلقد أوصت اللجنة الوزارية ببعض المعالجات ،
فاقترحت تضمين بعض النصوص المتعلقة بحماية البيئة البحرية ، إضافة إلى أن
المشروع
قد جاء فيه نص يقضى بإمكانية تطبيق المحاكم السودانية - في حالة غياب النص
-
أي حكم أو قاعدة في أي اتفاقية دولية وان لم تكن نافذة في السودان كلما مست
الحاجة
إلى ذلك.
ولما لم يكن السودان قد انضم إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتلوث
البحري
، لم يجد المشرع مبرراً قانونياً لتقنين الأحكام الآمرة الواردة في تلكم
الاتفاقيات لأن ذلك يتطلب - بداية - موافقة الدولة على الاتفاقية الدولية
والانضمام إليها لتتعهد الدولة بالتعهدات والالتزامات الواردة في
الاتفاقيات
الدولية ســواء بســواء مع بقية الدول الأعضاء . والأمل مرجو في مشروع
قانون إنشاء
أو تأسيس الهيئة السودانية البحرية الذي هو الآن قيد النظر بوزارة النقل
فلقد نص
مشروع القانون البحري على سلطات وصلاحيات واسعة لهذه الهيئة لاتخاذ
التدابير
والمبادرات بمشاريع قوانين لمكافحة التلوث ولحماية البيئة البحرية
والمحافظة عليها
حسبما ورد في المشروع المذكور وسوف نعرض الجوانب المتعلقة بالتلوث الواردة
في مشروع
القانون البحري لسنة 1999م بشيء من التفصيل في مكان آخر من هذه الورقة.
ويمثل قانون حماية البيئة تطوراً هاماً في مجال حماية البيئة السودانية ·
صدر هذا
القانون عملاً بأحكام المادة 90(1) من دستور السودان لسنة 1998م كأمر مؤقت
أصبح
نافذاً بعد توقيع السيد رئيس الجمهورية عليه.
وضع هذا القانون نصوصاً
جامعة وموجهات عامة لتصدر - مستقبلاً - بموجبها تشريعات قانونية أو فرعية
أو
أي تدابير قانونية أخرى لمعالجات تفصيلية للمحافظة على البيئة البحرية
والمياه
الإقليمية وسواحل السودان.
فلقد نصت المادة (4) على إلزام الأجهزة المختصة بحماية البيئة والمحافظة
عليها
وترقيتها ، فيما نصت الفقرة (هـ) من المادة (7) على الحاجة إلى تنسيق جهود
الدولة فيما يتعلق بالانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بالبيئة 0 هذا نص
هام جداً
قصد منه المشرع ضمانة عدم تعارض الاختصاصات فيما يتعلق بالانضمام إلى
الاتفاقيات
الدولية ووضعها موضع التنفيذ بالسودان . لم يفوت على المشرع أن ينص على
الحاجة إلى
المراجعة الدورية للتشريعات ذات الصلة للتأكد من مدى مواكبتها وملاءمتها
للمعايير
الدولية المتعارف عليها للمحافظة على البيئة (م-7 فقره(د) ) ويضمن هذا
النص توفر
الوعي التام بالاتفاقيات الدولية في مجال سلامة البيئة ومكافحة التلوث
للبيئة
البحرية والمياه الإقليمية وعلى وجه الخصوص التلوث بالنفط بعد أن أصبح -
بحمد الله
وعونه - أهم جزء من صادرات السودان.
أما المادة ( فلقد أتاحت تطبيق الاتفاقيات الدولية التي لم تكن الدولة قد
انضمت
إليها طالما تزمع ذلك مستقبلاً وعبر هذا النص فإن السلطة المختصة التي
عرفتها
المادة (17) من هذا القانون ملزمة بتطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية تلك
التي انضم
إليها السودان أو التي لم ينضم إليها - دونما إخلال بأي أحكام أخرى في هذا
القانون.
ولكن الالتزام بالاتفاقيات الدولية لا ينبغي أن يكون التزاماً من جانب واحد
حتى لا
تلتزم الدولة بما لم تستطع أن تلتزم به الدول الأخرى المتعاقدة علماً بأن
الالتزامات المنصوص عليها في سائر الاتفاقيات الدولية ما هي إلا التزامات
متبادلة ومنافــع
مشتركة ، فليس من صحيح القانون التشريع بمثل ما جاء في المادة (7)
المشار إليها أعلاه . ولهذا نرى ضرورة أن تسعى الدولة أولاً للانضمام ثم
تلزم نفسها بما تعاقدت وتعاهدت عليه مع شريكاتها من الدول الأخرى المتعاقدة
وتضمن
بالتالي التزام شركاتها الأعضاء سواء بسواء ، ولا بأس من الاهتداء أو
الاستئناس بأحكام الاتفاقيات الدولية التي لم ينضم إليها السودان بعد إذا
دعت
الحاجة إلى ذلك.
الاتفاقيات
الدولية
1 - ما هي
الاتفاقيات الدولية :
لا تعني هذه الورقة بالاتفاقيات الثنائية بين الدول ، فالالتزام في مثل
هذا
المعاهدات التزام تعاقدي تبرمه الدولة كشخص اعتباري ولا يتطلب مثل هذا
الالتزام
ضرورة تقنين الأحكام الآمرة في الاتفاقية أو إعلانها كاتفاقية دولية نافذة
في
السودان بعد إجازتها بواسطة السلطة التشريعية ونشر أحكامها في الجريدة
الرسمية .
ولا تعنى هذه الورقة كذلك
بالاتفاقيات الدولية التي تتعلق بالمسائل الدولية المتعلقة بسيادة دول
العالم على
أراضيها ومياهها فهذا شأن يهتم به القانون الدولي.
ونحن - بالطبع - معنيون بالاتفاقيات الدولية التجارية والفنية التي تقرر
بعض
من أحكامها التزامات محددة على الدولة المتعاقدة وأحكام أو قواعد قانونية
تسري على
الكافة تتأثر بها وجوداً وعدماً المراكز القانونية للأشخاص . مثل هذا النوع
من
الاتفاقيات يفرض على الدولة المتعاقدة أن تتخذ إجراءات قانونية لوضع
الاتفاقية
موضع التنفيذ سواء بتقنين بعض أحكامها في القوانين الوطنية أو إجازتها
بوساطة
السلطة التشريعية كاتفاقية دولة نافذة في السودان ولهذا فإن التنسيق الذي
أشار إليه قانون البيئة لسنة 2000م لأمر ضروري فلا يكفي مجرد التوقيع أو
الانضمــام دونما تنسيق يضع الاتفاقية الدولية موضع التنفيذ بحيث تسرى
أحكامها
- كلما كان ذلك متفقاً عليه كقواعد قانونية آمرة تتأثر بها مراكز الأطراف
المتنازعة - حيث نشب نزاع يتعلق بالمسائل التي تناولتها الاتفاقية وصاغتها
في قواعد قانونية أو أحكام آمرة.
2 -
الاتفاقيات الدولية لمنع ومكافحة التلوث بالنفط ومعالجة آثاره:
كما تتلوث المياه
الإقليمية والسواحل بالمواد الخطرة أو السامة والنفايات والسواقط ومياه
الصرف
الصحي وسائر مخلفات السفن البحرية ، فإن انسكاب أو اندلاق النفط من
الناقلات
يؤدي إلى تلوث ذي آثار مدمرة وكبيرة وذلك بحكم كبر حجم الكميات المنقولة
بحراً من
النفط ، فحيثما انسكب نفط من ناقلة يجب التحوط باعتبار أن الكميات
المنسكبة
- في أغلب الأحيان - كميات كبيرة ، ولهذا نجد أن الاتفاقيات الدولية في
شأن
التلوث الناتج من المواد البترولية تفرق ما بين النفط الثقيل ( المنسكب )
والمواد
البترولية الأخرى (المتسربة) من وقود السفن أو غيرها.
ولقد تنبه العالم إلى هذا الخطر منذ عام 1954م إذ انعقدت بمدينة لندن في
26/4/1954م اتفاقية دولية لمنع تلوث مياه البحر بالنفط سميت :
[Oil
Pollution 1954) International Convention for the Prevaention
of Pollution of the See by Oil(1954.
بدأ نفاذ هذه الاتفاقية
في 26/7/1958م . عدلت الاتفاقية المذكورة في عام 1962م ، 1969م ،1971م.
واستكمالا
للجهــود الدوليــة لمنــع التلوث على نحو ما تم الاتفاق عليه في
الاتفاقيات أعلاه
، فلقـد انعقدت بمدينة بروكسل ببلجيكا في 29/11/1969م اتفاقية
المسئولية المدنية عــن التلف الناتج عن التلوث بالنفط باسم :
( C L C
1969) International Convention on Civil Laibility
for Oil Pollution Damage, Brusseis
29 " Nov 1969"
.
عنيت هذه الاتفاقية
بمعايير تساعد على تقدير وتحديد التعويض الكافي والمناسب لجبر أضرار التلوث
بالنفط
وعنيت كذلك بضمانة تعويض كل من ملاك ناقلات النفط والجهات التى لحقها الضرر
من
التلوث ، كما قننت الاتفاقية مبدأ تحديد مسئولية ملاك الناقلات وحددت
وعرفت
" المحكمة المختصة " بأنها المحكمة التي وقع في دائرتها حادثة التلوث
بغض النظر عن قانون علم السفينة أو قانون جنسية الملاك كما نصت على أن
مسئولية
الملاك عن التلوث بالنفط مسئولية مطلقة strict liability
فلا يلزم لتقرير المسئولية المدنية توفر القصد أو حتى عنصر الإهمال وهذا
يتوافق مع
أحكام القواعد القانونية السودانية المتعلق بالمسئولية التقصيرية . في عام
1969م
صدر برتوكول هذه الاتفاقية باسم :
(1969) Protocol
of the International Convention on Civil Liabillity
for Oil Pollution Damage, 1969.
وللتأكيد على نتائج
الاتفاقية لمنع التلوث صدرت اتفاقية لندن للتدخل في أعالي البحار أو المياه
الدولية لمنع أو درء خطر التلوث حيثما كان وشيكاً وحالاً ولقد سميت :
International
convention relating to the
Intervention on the High seas in Cases of Oil
Pollution Casualties, 1969.
وقد صدرت هذه الاتفاقية
بغرض منع أو تقليل أو إزالة أي خطر كبير للتلوث ماثل وحال أو وشيك يهدد
سواحل
الدول المتعاقدة أو مياهها الإقليمية أو الأماكن السياحية بالبحر الإقليمي
أو
الجرف القاري للدولة أو صحة البيئة للسكان.
وتكمن أهمية هذه الاتفاقية في أنها تمنح الدولة المتعاقدة الحق القانوني
المعترف
به دولياً في القيام بأي عمليات تدخل في المياه الدولية وربما حاسب القانون
الدولي
أي دولة غير متعاقدة على مثل هذا التدخل .
وكثير من الدول التي
انضمت إلى هذه الاتفاقية قامت بإصدار تشريعات وطنية تقنن التدخل في المياه
لدولية
على الوجه المتفق عليه بموجب الاتفاقية المذكورة . واللافت للنظر أن
الاتفاقية
أتاحت للدولة المتعاقدة التدخل لإنقاذ الناقلة كإجراء تحوطي ضروري وعاجل
لحماية
سواحل الدولة ومياهها وسكانها من أي خطر وشيك من التلوث وأن لم يطلب
قبطانها
الإنقاذ حسب ما هو مقرر في القواعد القانونية المتعلقة بإنقاذ السفن.
ولضمانة تنفيذ أحكام
وقواعد المسئولية المدنية عن أضرار التلوث 1969م المذكورة أعلاه صدرت في
28/12/1971م بمدينة بروكسل اتفاقية إنشاء أو تكوين صندوق دولي للتعويض عن
أضرار
التلوث باسم بالنفط :
(Fund
1971) International Convention on the Establishment of International
fund for
the Compensation of Oil Pollution Damage, 1971.
مصادر دخل هذا الصندوق تتمثل في اشتراكات الجهات المستوردة للنفط في الدولة
المنضمة لهذه الاتفاقية . وهذا الصندوق وبجانب ما يوفره من مال للتعويض
، فإنه كذلك يدفع مبالغ لتكملة التعويض المناسب إذا ما عجز ملاك الناقلة
عن
ذلك أو لم يدفعوا التعويض كاملاً أو في الحالة التي لم يتم فيها سداد
التعويض
كاملاً بسبب أعمال مبدأ تحديد المسئولية بمبلغ أقل أو إذا كان التأمين غير
كاف
لتعويض المضرور تعويضاً كاملاً ، كذلك يضمن الصندوق السداد لمن لم يتسلم
التعويض
أصلاً أو لمن تسلم تعويضاً غير كاف بسبب أن الناقلة تعتبر - قانوناً - غير
مسئولة
عن التلف إعمالاً لأي استثناءات تعفيها من المسئولية.
والأهم من كل ذلك أن اتفاقية المسئولية المدنية عن أضرار التلوث عنيت
بمعايير
تقدير التلف الذي يلحق بالبيئة ومن بين هذه المعايير تكاليف إعادة الحال
إلى ما
كان عليه وتقدير مدى الضعف الذي أصاب البيئة البحرية من جراء حادثة التلوث
بالإضافة إلى تكلفة التدابير الوقائية للحيلولة دون حدوث مثل هذا الضرر
مستقبلاً .
وهكذا يتأكد لنا أن الاتفاقية المذكورة تساعد بطريقة عملية على تقدير
وتحديد
التعويض المناسب الذي يجبر ضرر التلوث . وتكمن أهمية اعتماد هذه الاتفاقية ،
إذ ما
انضم إليها السودان - كقانون أو اتفاقية دولية نافذة في السودان ، إن
المحاكم ولجان التحكيم سوف تقوم بتطبيق هذه المعايير كقانون نافذ في أى
منازعة حول
أضرار التلوث ومقدار التعويض الكافي أو المناسب لجبر هذه الأضرار مما يقنع
ملاك
الناقلة بقبول أي مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أحدثتها الناقلة دونما
نزاع أو
جدل مما نشهد في مثل هذه المنازعات لا سيما إذا كانت الناقلة ترفع علم دولة
متعاقدة.
لقد أسست اتفاقيتا المسئولية المدنية 1969م ( CLC96
) وصندوق التعويضات 1971م ( Convention
1971 Fund ) المبادئ والأحكام
المتعلقة بالمسئولية المدنية عن التلف بسبب التلوث البحري ، بيد أنه قد تم
تعديل
للاتفاقيتين المذكورتين ببروتوكلين في عام 1992م وأصبح التعديل نافذاً في
30/5/1996م ومن أهم ما جاء في التعديل زيادة الحد الأعلى للتعويضات وتوسيع
نطاق أو
دائرة الاتفاقيتين الأصليتين المشار إليهما أعلاه (1969م - 1971م ) وتبعاً
لذلك
فقد أعلنت كثير من الدول انسحابها من الاتفاقيتين الأصليتين وانضمت إلى
بروتوكلي
التعديل الصادرين في 1992م ، والسودان إذا ما قرر الانضمام إلى اتفاقيات
المسئولية
المدنية وصندوق التعويضات ، نعتقد أنه من الأولى الانضمام إلى اتفاقيتي
1992م لأن
الاتفاقيتين الأصليتين قد فقدتا فعاليتهما بانسحاب عدد كبير من الدول
المتعاقدة
منهما فضلاً عن أهمية التعديل الذي أشرنا إليه أعلاه.
اتفاقية
ماريل 1973م /1978م MARPOL 1973/1978
الاتفاقية الدولية لمنع
التلوث من السفن التي انعقدت بلندن في 2/11/1973م Marpol 1973, International Convention for
the Prevention of
Pollution from ship
. تحمل هذه الاتفاقية اسم التلوث البحري Marine Pollution
· فيما كان الغرض من اتفاقية 1954م المنعقدة بلندن في 26/4/1954م منع
التلوث
بالنفط ، فإن اتفاقية ماربل 1973م /1978م تسعى لمنع التلوث من السفن من أي
مصدر كان . صدرت هذه الاتفاقية بعد خمسة ملاحق Annexes
أورد الملحق الأول عدد 26 قاعدة لمنع التلوث بسبب النفط ، والثاني تتعلق
أحكامه
بالتلوث بسبب المواد السامة السائلة Noxious Liquid Substances in Bulk .
والثالث تتعلق أحكامه بالتلوث بسبب المواد الضارة المنقولة غير
سائبة ( في أقفاص أو براميل أو خلافه ) والرابع تتعلق أحكامه بالتلوث بسبب
مياه
وأوساخ المجاري ( الصرف الصحي ) من السفن · والخامس يتعلق بالتلوث بسبب
النفايات
أو القمائم من السفن ، ولقد وافق المؤتمر الدولي المنعقد في 1997م
بالاشتراك مع
لجنة حماية البيئة البحرية علي إدخال ملحق سادس يتعلق بمنع التلوث بسبب
تلوث الجو
من السفن ، وهكذا يبين لنا أن الاتفاقية المذكورة تكاد تحصي جميع مصادر
التلوث
البحري وتضع في المقدمة التلوث بسبب انسكاب و اندلاق النفط Oil Spill
الذي وردت تدابير منعه والسيطرة عليه في الملحق الأول من الاتفاقية
المذكورة.
تنص المادة الأولى من الاتفاقية على الالتزامات العامة التي يجب أن تلتزم
بها
الدولة المتعاقدة وتنص المادة الثالثة على نطاق تطبيق الاتفاقية فأوجبت على
كل
دولة متعاقدة أن تطبق أحكام الاتفاقية على سفنها وعلى كل السفن الأخرى (
ماعدا
السفن الحربية أو المملوكة للدولة ) التي تسبب التلوث في موانئ الدولة
المتعاقدة
أو مياهها الإقليمية وسواحلها . وقد نصت الاتفاقية كذلك على حق الدولة
المتعاقدة
في محاسبة أو معاقبة السفينة التي تسبب التلوث في مياهها الإقليمية
وسواحلها .
وهذا النص يمنح الدولة المتعاقدة الاختصاص القضائي لنظر منازعات التلوث
البحري.
وعلى غرار كل الاتفاقيات الدولية نصت المادة 13 على كيفية قبول الاتفاقية
والانضمام إليها بوساطة الدولة التي ترغب في ذلك ويتم القبول عن طريق أحد
أمرين :
إما بالتوقيع بلا تحفظ حول الإجازة أو القبول أو الموافقة أو التوقيع الذي
يخضع
للإجازة أو القبول أو الانضمام أو الموافقة فيما بعد . وهذا ما تنص عليه في
تواتر
الاتفاقيات الدولية سعياً لتأكيد الرضاء الكامل بالاتفاقية وبالطريقة التي
تكفل
للدولة المتعاقدة حقها في السيادة علــى أرضهــا ومياهها والسيــادة
الكاملة
لقوانينهــا الوطنية بحسبان أن الاتفاقيات الدولية ليست تشريعاً دولياً
نافذاً في
حد ذاته في الدول المتعاقدة ، فلكل دولة الحق في اختيار الطريقة التي تضــع
فيها
الاتفاقية الدولية موضـع التنفيذ دونما مســاس بالسيادة الوطنية.
ولقد صدر بموجب الاتفاقية المذكورة بروتوكولان الأول : حول التقارير عن
الحوادث
التي تتعلق بالمواد الضارة والثاني حول التحكيم لنظر وحسم المنازعات ،
بالإضافة إلى
ملاحق الاتفاقية الخمسة المشار إليها أعلاه وإلى البروتوكولين أعلاه فلقد
صدر
بمدينة لندن في 17/2/1978م بروتوكول ماربل 1978م باسم
Protocol of 1978 Relating
to
the international Convention for the Prevention of Pollution from
ship.1978.
كما صدر ملحق بتعديلات
وإضافات لاتفاقية ماربل 1973م ، وفي عام 1990م صدرت الاتفاقية الدولية
للاستعداد
والتصدي والتعاون لمنع التلوث بالنفط باسم
The
International Convention
on Oil Pollution Preparedness, Response and Co operation 1990 .
وقد بدأ نفاذها اعتبارا
من 13/8/1995م بعد أن حصلت على النصاب القانوني بانضمام عدد خمس عشرة دولة
إليها
كما جاء في سياق أحكامها . وهى الآن مطروحة للانضمام بوساطة الدول التي لم
تنضم
إليها بعد.
هدفت هذه الإتفاقية إلي إيجاد نظام تعاوني فعال بين الدول المتعاقدة للتصدي
لحوادث
التلوث بالنفط، وتلتزم الدولة المتعاقدة أو المنضمة بتأسيس إدارة أو سلطة
وطنية
للاستعداد والتصدي بفعالية وعلى نحو عاجل لحوادث التلوث و أن تعتمد كل دولة
خطة
وطنية للطوارئ تنشأ بموجبها إدارة وطنية تقوم بتوفير المعلومات اللازمة عن
مخاطر
التلوث والتدريب اللازم وتوفير المعدات اللازمة في الموانئ وعلى سفنها
الوطنية
وذلك من أجل أن تكون الدولة المتعاقدة مستعدة وبكفاية وفاعلية للتصدي
لحوادث
التلوث بالنفط أو للاشتراك أو الإسهام مع الدول الأعضاء في الإتفاقية
لمكافحة أو
درء آثار التلوث.
اتفاقية منع التلوث البحري الناجم عن إغراق النفايات وأي مواد أخرى 1972م
والتي
تعرف باتفاقية لندن.
Prevention of
Marin Pollution by Dumping of wastes and other Matter 1972.
لا شأن لهذه
الاتفاقية بالنفط وإنما تتعلق بتلوث مياه وبيئة البحر بسبب إغراق النفايات
أو
مخلفات الصناعات في البحر، وفيما كان إغراق بعض من النفايات متاحاً عند بدء
نفاذ
الاتفاقية في عام 1975م مع الاتجاه لدفن النفايات في باطن الأرض، إلا أن
تعديلاً
جوهرياً لملاحق الاتفاقية قد تم في عام 1992م منع هذا التعديل إغراق أنواع
محددة
من النفايات أو مخلفات الصناعة والمواد المشعة أو مواد الإشعاعات الذرية أو
النووية أو مخلفات الصناعة و أوساخ و رسابة المجاري في البحر.
وقد صدر في عام 1996 بروتوكول هذه الاتفاقية في لندن (1972) ليعالج الحاجة
الماسة
إلي إغراق نفايات ومخلفات الصناعة وحرق بعض المواد إلي أن تصير رماداً في
البحر
بحسبان إن الدول المتعاقدة تسعى إلي خلق توازن ما بين الحاجة إلي الإغراق
في البحر
وما بين تلوث البحار الناجم من جراء الإغراق أو إلقاء رماد المواد المحروقة
في
البحر.
وأعتقد إن
هناك اتفاقيات دولية أخرى وقع عليها السودان لم يسعفني الوقت للوقوف على
المصادر
التي تؤكد ذلك، لعدم نشر هذه الاتفاقيات في الجريدة الرسمية ربما لأنها لم
تصبح
بعد اتفاقيات دولية نافذة في السودان بالإجراءات التشريعية المطلوبة في هذا
الخصوص.
هذا في
نظري- كل ما كان من أمر الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتلوث مياه البحر
وبيئة البحر
وموانئ السودان وسواحله، و أرى إن كلاً من ديوان النائب العام- إدارة
المعاهدات
الدولية والقانون الدولي- والمصلحة البحرية التابعة حالياً لهيئة الموانئ
البحرية
يبديان الآن همة عالية لانضمام السودان إلي اتفاقيات التلوث البحري وبعضاً
من
المعاهدات الدولية، إذ أسفر- حتى الآن- جهد المصلحة البحرية عن إنضمام
السودان إلي
معاهدة المنظمة الدولية البحرية 1948م المعروفة بإسم:
I M O Convention 1984
(International Maritime Organization).
وهذه خطوة
كبيرة وهامة لأنه عن طريق هذه المنظمة وحدها يمكن إنضمام السودان إلي
الاتفاقيات الدولية
الفنية التي ترعاها وتبادر بها المنظمة البحرية العالمية المذكورة. كما
انضم
السودان إلي معاهدة سلامة الأرواح في البحر المعروفة باسم (SOLAS Convention 1974 (Safety of Lives at Sea) و
اتفاقية خطوط الحمولة لسنة 1974م المعروفة باسم(Load
Lines Convention1974) واتفاقية معايير تدريب وتأهيل
البحارة في السفن لسنة 1928
المعروفة باسم: (1978
International Convention on Standards of Training and Certification of
Watch
keeping and Seafarers) و اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة
لسنة 1988م المعروفة باسم(International
Convention for Suppression of
Unlawful Acts,1988 ) و بروتوكول قمع الأعمال غير المشروعة
المعروف باسم:(Suppression
of Unlawful Acts Protocol1988) التي انضم إليها وإلي بروتوكولها
عن طريق وزارة الداخلية (ولقد أستقيت هذه المعلومات عن انضمام السودان
للاتفاقيات
أعلاه من سجلات المصلحة البحرية ببورتسودان.
والحقيقة لم أقف حتى تاريخ إعداد هذه الورقة-
على إجراءات التصديق على
الاتفاقيات المذكورة وإجازتها بوساطة سلطة التشريع حتى تصبح اتفاقيات دولية
نافذة
في السودان كالتفصيل الذي أوردناه فيما سبق من هذه الورقة.
الوضع القانوني
الراهن
لما لم يكن السودان عضواً في اتفاقيات التلوث
التي وردت تفاصيله أعلاه ولما
لم يكن في السودان تشريع خاص بالتلوث فإن نظرة المحكمة السودانية إلي حوادث
التلوث
لا تخرج عن أحد أمرين:
1-
إما أن يكون الحادث جناية وفقاً لما يمكن
إثباته أمام
المحكمة حول قصد الناقلة في إحداث التلوث أو تركها لفعل مانع للتلوث أو كان
سلوكها
سلوكاً طائشاً ففي هذه الحالة يمكن توقيع الجزاء المنصوص عليه في القانون
الجنائي
لسنة 1991م جنباً إلي جنب مع الحكم بتعويض المضرور بما يجبر الضرر الذي لحق
به.
2-
إما إن كان الحادث قد وقع بلا عمد أو طيش فإن
القانون
السوداني ينظر إليه كفعل تقصيري ويوجب على فاعله تعويض المضرور مدنياً.
وقد اشتمل القانون السوداني (قانون المعاملات
لسنة 1984م) على معايير و أسس
واضحة تساعد المحكمة بتقدير التعويض الجابر لضرر المضرور سواء كانت محكمة
جنائية
أو مدنية. والفعل التقصيري يوجب للمضرور التعويض ولا يشترط توفر أي قصد أو
إهمال
أو عدم رعاية أي واجب تجاه المضرور وهذا ما يتوافق مع إتفاقية المسئولية
المدنية
(1969) والإتفاقية المعدلة (1992م) التي نصت على إن مسئولية الناقلة عن
التلوث
البحري مطلقة (Strict
Liability).
نضيف إلي
ذلك التدابير القانونية المنصوص عليها في قانون مصائد الأسماك والعقوبات
الواردة
فيه علماً بان هذا القانون قانون جزائي ليس معنياً بالمسئولية المدنية
والتعويضات
المستحقة بموجبها. لكن لكل هذا لا يكفي لدرء خطر التلوث البحري الذي تتضافر
جهود
دول العالم جميعها لمكافحته والتقليل من أضراره فلابد من جهد دولي جاد يسهم
فيه
السودان بكل ما يملك من قدرات وإمكانيات وبسواحله ومياهه الإقليمية إضافة
إلي أنه
الآن دولة مصدرة للنفظ.
وبالتالي
يمكن القول إنه لا يوجد فراغ قانوني يحكم حوادث التلوث البحري ولكن طموحنا
أن تصدر
الدولة قوانين محددة تضبط مسائل و منازعات التلوث البحري بأحكام وقواعد
قانونية
تتوافق مع الاتفاقيات الدولية بعد أن ينضم إليها السودان وذلك لنحقق
التوحيد
المنشود دولياً في القوانين البحرية التي تتعلق بصناعة النقل البحري
والملاحة
البحرية وقانون البحار.
مشروع القانون
البحري
أدرك السودان الحاجة إلي تشريع قانون بحري منذ 1961م حيث صدر القانون
البحري لسنة
1961م متزامناً مع تأسيس شركة للناقل البحري الوطني- شركة الخطوط البحرية
السودانية. وقد قامت حكومة الحكم الثنائي في عام 1951م بإصدار قانون نقل
البضائع
بالحبر لسنة 1951م الذي تبنى قواعد لاهاي لسنة 1921 (معاهدة بروكسل 1924)
ليتكامل
مع قانون نقل البضائع بالبحر لسنة 1924 الإنجليزي و الذي صدر تأكيداً
لإلتزام
إنجلترا بإتفاقية بروكسل لتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن1924.
ومع هذا
الوعي المبكر بأهمية التشريع في مجالات القانون البحري، لم يدخل السودان
التعديلات
المطلوبة في القانونين المشار إليهما لمواكبة التطور الدولي في هذا المجال.
ولأن
أحكام هذين القانونين قد أصبحت غير قادرة على مواكبة القواعد القانونية
الموحدة في
مجالات القانون البحري ولأن كثيراً من أحكامها قد تجاوزها الزمن فقد قامت
وزارة
النقل بالتعاون مع ديوان النائب العام وكل من هيئة الموانئ البحرية و
الخطوط
البحرية السودانية بطرح مسودة القانون البحري لسنة 1996م والتي أعيدت صياغتها
في المشروع المقدم من وزارة النقل.
اهتدى
المشروع بكثير من قوانين دول العالم المواكبة للتطور الذي شهده هذا المجال
واستأنس
بعدد غير قليل من الاتفاقيات الدولية التي لم ينضم إليها السودان. وفي
مجال
البيئة البحرية والتلوث بذلك بعض الجهد والذي نرجو أن نشير إليه بما يلي:
1- أفسح المشروع المجال لتطبيق أحكام
الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي لم ينضم إليها السودان وذلك عن طريق ما
نص
عليه حول تطبيق العرف السائد. وبالتالي يمكن –بعد إجازة هذا المشروع- تطبيق
بعض
أحكام الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتلوث في حالات غياب النص وكلما مست
الحاجة إلي
ذلك ريثما تتم خطوات الإنضمام إلي هذه الاتفاقيات وصيرورتها اتفاقيات دولية
نافذة
في السودان.
2- خول المشروع المصلحة البحرية الحالية- والتي
أقترح المشروع ضرورة إصدار قانون بتأسيسها كهيئة مستقلة قبل إجازة مشروع
القانون
البحري أو بالتزامن معه- سلطة مراقبة و وضع الأسس وإتخاذ التدابير اللازمة
لحماية
البيئة البحرية بالتشاور مع الجهات المختصة. ولعلي لا أكون مخطئاً إن قلت
إن
مقترحات مشروع قانون إنشاء وتأسيس الهيئة البحرية السودانية مواد كاملة عن
ماهية
التدابير والأسس وكيفية المراقبة لحماية البيئة البحرية ومياه السودان
الإقليمية
والجرف القاري وسواحله.
3- أتاح المشروع الحجز التحفظي-قبل إقامة
الدعوى- على السفينة البحرية بسبب الضرر التي تلحقه بالبيئة أو الشريط
الساحي أو
المصالح المتصلة بها أو التدابير المتخذة لتفادي أو تقليل أو إزالة هذا
الضرر
والتعويض عن هذا الضرر وتكاليف التدابير المعقولة المتخذة فعلاً أو التي
يتعين
إتخاذها لإعادة البيئة إلي ما كانت عليه والخسارة التي يتكبدها أو يرجح أن
يتكبدها
الغير بشأن هذا الضرر.
ومصدر هذا
النص هو مشروع الاتفاقية الدولية بشأن حجز السفن التي طرحت في المؤتمر
الدبلوماسي
المعني بحجز السفن الذي أقامته الأمم المتحدة بجنيف بسويسرا والذي شارك فيه
السودان. ولقد كان لسفارة السودان بسويسرا دور بارز في التحضير لمشاركة
السودان في
هذا المؤتمر.
ويلاحظ إن نص هذا المقترح مماثل للنص الذي ورد في هذا الشأن من الاتفاقية
الدولية
للمسئولية المدنية فإذا ما أشتمل القانون البحري المرتقب على النص المقترح،
يكون
السودان قد اهتدى بضوابط ومعايير الاتفاقية المشار إليها في كل ما يتعلق
بالأضرار
الناجمة منه، فضلاً عن إن المقترح يوفر سنداً قانونياً مهماً لحجز السفينة
البحرية
لضمانة أي ضرر تلحقه بالبيئة السودانية، وطبقاً لأحكام اتفاقية حجز السفن
بروكسل
لحجز السفن البحرية 1952 النافذة منذ عام 1952 في كثير من دول العالم فإن
الاختصاص
القضائي في نظر الدعوى اللاحقة للحجز التحفظي الذي تنص عليه الاتفاقية
متروك
لقوانين الدول المتعاقدة.
فإذا ما رأى
السودان الإنضمام إلي اتفاقية المسئولية المدنية المعدلة (1992 CLC) و
اتفاقية الصندوق التابعة لها (Fund
Convention) فإنه بذلك يكون قد سبق
وقنن جزءاً هاماً من الأحكام القانونية يتفق مع الاتفاقيتين المذكورتين
اللتين لا
تتعارض معظم أحكامها مع القانون السوداني.
و ما تجدر الملاحظة فيه إن المشروع السوداني قد قنن حكماً كاملاً من أحكام
مشروع
الاتفاقية الدولية بشأن حجز السفن قبل صيرورة المشروع المذكور اتفاقية
دولية نافذة
وقد كان ذلك- في تقديرنا – حرصاً من الدولة على حماية البيئة البحرية ومياه
السودان وسواحله ولسد النقص الملحوظ في هذا المجال.
4- إدراكاً من المشرع
لمخاطر جنوح السفن بسبب الشعب المرجانية المنتشرة حول مداخل الموانئ
السودانية نص
المشروع على سريان أحكام فصل إنقاذ السفن البحرية- وهو فصل من فصول
المشروع- على
إجراءات إنقاذ البيئة البحرية مفسحاً المجال لتدخل السلطة السودانية لإنقاذ
البيئة
السودانية كما كان الخطر على البيئة محدقاً بسبب أي خطر ماثل يهدد بجنوح أو
غرق
السفينة بحمولتها من المواد الخطرة أو النفط أو خلافها وبذلك يوسع المشروع
في
أسباب إنقاذ السفينة فيضيف إليها سبب إنقاذ البيئة البحرية جنباً إلي جنب
مع إنقاذ
جسم السفينة والبضاعة وبحارتها. وهذا نص جديد استحدثه المشرع ليسد به النقض
الكبير
في التشريع في مجال البيئة البحرية. علماً بأن السودان لم يكن عضواً في
اتفاقية
إنقاذ السفن البحرية لسنة 1910م.
5- وتأكيد لما سبق لقد
أشتمل المشروع على النص التالي: " إذا كانت السفينة في وضع يهدد بخطر
البيئة
البحرية فإن امتناع ربان السفينة عن الموافقة على الإنقاذ أو سداد المكافأة
للأشخاص الذين أسهموا في أعمال الإنقاذ يعتبر في معنى الفقرة (3) أعلاه
امتناعاً
غير مقبول". و يبدو لنظري إن النص أعلاه يوافق تماماً اتفاقية التدخل
(لندن)
إذ يخول للسلطة المختصة في السودان حق التدخل لإملاء الإنقاذ على ربان
السفينة إذا
كان في تقديرها إن خطر التلوث خطر ماثل أو وشيك.
6- أضاف المشرع تحت فصل التأمين
البحري- التأمين ضد المسئولية وهذه تساعد وتستكمل الجهد مع إتفاق الصندوق
1992م.
ولما سبق
يمكن القول إن المشروع بجانب ما ورد من نصوص في قانون المعاملات لسنة 1984م
حول
أحكام المسئولية التقصيرية- قد عالج كثيراً من القصور في تشريعات حماية
البيئة
البحرية الذي أشرنا إليه في صدر هذه الورقة. ويحدونا أمل كبير. بعد أن يقوم
السودان بدراسة التلوث البحري ثم الإنضمام إليها على ضوء دراستها تفصيلياً-
أن
يفرد السودان تشريعاً جامعاً يعنى بحماية البيئة البحرية والمياه الإقليمية
والجرف
القاري من جميع مخاطر التلوث التي نراها محدقة بالبيئة السودانية بسبب
إنتشار
الشعب المرجانية ونشاط حركة صادرات البترول السوداني.
التوصيات
1- إجازة مسودة القانون
البحري لسنة 1999م.
2- إجازة قانون تأسيس
الهيئة البحرية كهيئة مستقلة تمثل السيادة السودانية في كل ما يتعلق
بنشاطات صناعة
النقل البحري والملاحة البحرية بوجه عام وقانون البحار.
3- دراسة اتفاقية التلوث-
ماربل 1973م / 1978م، المسئولية المدنية (1992
CLC)
وصندوق التعويضات (Fund
Convention 1992) دراسة
تحليلية من أجل إتخاذ القرار السوداني سواء أكان بالانضمام إليها أم لا
وذلك على ضوء
حاجة السودان إلي الانضمام إلي هذه الاتفاقيات وإمكانياته وقدراته على
الوفاء
بالتعهدات والالتزامات التي أبرمت من أجلها الاتفاقية.
4- تفعيل عضوية السودان في
الاتفاقية الإقليمية على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وعلى وجه الخصوص
بروتوكول
الاتفاقية المذكورة المتعلق بالتعاون الإقليمي لمكافحة التلوث بالنفط
وبمواد ضارة
أخرى في حالات الطوارئ وذلك بإصدار التشريعات المطلوبة وتأهيل السلطة أو
الجهة
الوطنية المعنية بتطبيق الإتفاقية وبروتوكولها المشار إليها وذلك بتوفير
المال
اللازم والمعادت وخلافه.
5- توجيه الجهات ذات الإختصاص
بتنفيذ الخطة القومية لمكافحة الحالات الطارئة لتسرب النفط في سواحل
السودان Oil
Spill
Contingency (Plan ( N O SC P.)
العاجلة لمكافحة إنسكاب أو إندلاق النفط لانها وفي الوقت الحاضر تساعد
كثيراً في
إيجاد حلول ومعالجات لمنازعات التلوث االبحري وذلك إلي حين اكتمال
التشريعات
والتدابير القانونية في مجال مكافحة التلوث.
6-
تكون لجنة أو مجلس للتنسيق فيما بين الجهات ذات الاختصاص لدراسة وتحليل
الاتفاقيات
الدولية كافة والفنية التي تصدرها المنظمة البحرية العالمية والتجارية التي
تشرف
عليها الأمم المتحدة أو أي مجموعة دولية إذا حازت الاتفاقيات على النصاب
القانوني
لاعتماد نفاذ الاتفاقية الدولية وعلى وجه الخصوص كل ما يجد من بروتوكولات
لاتفاقيات التلوث وحماية البيئة. وتقرر اللجنة جدوى الانضمام إلي تلكم
الاتفاقيات
ومتابعة إجراءات تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي وافق أو قبل السودان
الانضمام
إليها وذلك بلا مساس بالصلاحيات القانونية و الفنية لوزارة العدل.
7- على ضوء انضمام السودان
إلي اتفاقيات التلوث النافذة في غالبية الدول، نوصي بإصدار تشريع او
تشريعات قانونية
مستقلة لحماية البيئة البحرية من التلوث تستقى نصوصه من الاتفاقيات الدولية
التي
انضم السودان ومن العرف البحري السائد حيثما كان ثابتاً ومستقراً فمثلاً
هذا
التشريع يؤكد تنفيذ إلتزامات السودان المتعاقد عليها في الاتفاقيات الدولية
ويفرد
نصوصاً واضحة وخاصة بالتدابير القانونية المطلوبة لحماية البيئة البحرية من
التلوث
والمحافظة عليها.
مراجعة الاتفاقيات الدولية التي وقع أو انضم إليها السودان للتأكد من أنها
قد صارت
اتفاقيات دولية نافذة في السودان حتى يمكن قانوناً تطبيق أحكامها كقانون
وذلك
بوساطة كل من وزارة النقل والخارجية والتجارة الخارجية و وزارة العدل وبعض
ذوي
الخبرة.
لمنع التلوث البحري
بما فيها الاتفاقيات
الدولية كاتفاقية ماربل
1973م - 1978م ومشروع
القانون البحري الجديد
بقلم
الأستاذ/ عثمان الشريف
لا يقتصر أثر
التلوث بالنفط والمواد الأخرى الخطرة والضارة أو السامة على ما يعوق
الملاحة في البحر
ويهدد بنشوب الحرائق وغيرها ، بل يمتد الأثر إلى البيئة البحرية بكاملها
فيهدد
حياة الأحياء المائية والحدائق البحرية وأماكن جذب السياح والنزهة البحرية
وغير
ذلك مما يعيه أهل الاختصاص في هذا المجال.
ويلحظ المرء اهتماماً كبيراً ومتزايداً في السودان بالبيئة السودانية في كل
مجالاتها فيما لم تجد البيئة البحرية حظاً من التشريعات القانونية
والتدابير
الأخرى وذلك بالقدر الذي حظيت به البيئة السودانية في المجالات الأخرى ،
وذلك يعزى لعدم مواكبة التدابير الدولية والإقليمية في مجال حماية البيئة
البحرية
والمحافظة عليها ومكافحة مهدداتها . فالسودان ، وإن كان عضواً في المعاهدة
الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وبروتوكولها المتعلق
بالتعاون
الإقليمي في مكافحة التلوث بالنفط والمواد الأخرى الضارة في حالات الطوارئ
الصادرين في 14/2/1984م بمدينة جدة ، لم يوفق في اتخاذ التدابير القانونية
والتشريعات المناسبة لمنع التلوث البحري لمياه السودان وبيئته البحرية ،
فلا يكفي
انضمام السودان إلى هذه المعاهدة وبرتكولها المشار إليه ، الذي صدر
لمكافحة
التلوث إذ لا بد من إصدار تشريعات تفصيلية من شأنها حماية بيئة البحر
الأحمر
والمحافظة عليها بحيث يقف الكافة على الضوابط والقواعد القانونية النافذة
في
السودان والتي يمكن قانوناً تطبيقها كقواعد قانونية على ملاك ناقلات النفط
وغيرها
من السفن البحرية في حالة وقوع أي مخالفة أو جناية أو ارتكاب أي فعل تقصيري
يؤثر
على سلامة البيئة البحرية.
ولعله من مظاهر اهتمام السلطات السودانية بالبيئة البحرية استجابة هيئة
الموانئ
البحرية العاجلة في عام 1996م لطلب السفينة (HorizonIII )
للمساعدة خشية ارتطام السفينة المذكورة بالشعب المرجانية بسبب
قوة التيارات البحرية والرياح لأن ماكيناتها كانت متعطلة . فلقد بادرت
الموانئ
البحرية بالمساعدة إنقاذاً للبيئة البحرية أو منعاً للتلوث البحري الذي كان
في ذلك
الوقت وشيكاً.
كما قامت السلطات
باتخاذ الإجراءات القضائية في مواجهة السفينة ميلورا في عام 1983م بسبب
تسرب بعض
الكيماويات إلى المياه الإقليمية مما أدى إلى موت عدد من الأحياء المائية
وإلى
توقف شركة الملح السودانية عن إنتاج الملح بسبب تلوث ماء البحر بالكيماويات
التي
تسربت ، ومع هذا الوعي بمخاطر التلوث البحري ، فإن القصور في التشريع في
هذا
الجانب لا يختلف حوله اثنان ، فعلى الرغم من أن قوانين السودان تحفل بعدد
كبير من
التشريعات لحماية البيئة والموارد الطبيعية كالتدابير الواردة في قوانين
نزع
وتخصيص الأراضي لاستعمال الإنسان والتدابير القانونية لحجز الغابات وإنشاء
وإعلان
المحميات الطبيعية لحماية الحياة البرية للحيوانات وتخطيط المدن وعمرانها
وحماية
التربة ومصادر المياه والثروة الحيوانية والمواد الخطرة والطاقة والتعدين
والصحة
المهنية والبيئة الثقافية وقانون مصائد الأسماك لسنة 1937م وغيرها ، إلا
أن
الجهد المبذول في مجال التشريع لحماية المياه الإقليمية والسواحل والبيئة
البحرية
من خطر التلوث أي كان مصدره ، قد جاء ناقصاً . فلقد خلا القانون البحري
سنة
1961م من أي نص حول تدابير حماية البيئة البحرية أو المياه الإقليمية أو
السواحل .
ومن جانب آخر فلقد انحصر اهتمام سلطة الميناء بالتلوث في مجرد منع رمي أو
إلغاء
الأوساخ والنفايات في الميناء ، فلقد نص على ذلك التشريع الفرعي والمعروف
باسم :
اللائحة العامة للميناء 1937م تعديل 1979م ، كما لم يعر المشرع هذا الأمر
أي قدر
من الاهتمام حينما شرع قانون هيئة الموانئ البحرية سنة 1974م ، ليس ذلك
فحسب بل
مشروع القانون البحري لسنة 1996م الذي وجد قدراً كبيراً من الدراسة
والتحليل لم
يقترح نصوصاً تعنى بأمر البيئة البحرية أو حماية المياه الإقليمية والسواحل
، إلا
بالقدر اليسير الذي جاء في المشروع قبل أن تقوم اللجنة الوزارية بمراجعته ،
مع أن
كثيراً من دول العالم قد اهتمت كثيراً بهذا الأمر فسارعت إلى الانضمام إلى
الاتفاقات الدولية لمكافحة التلوث البحري بكافة مصادره.
أما مشروع القانون البحري فلقد أوصت اللجنة الوزارية ببعض المعالجات ،
فاقترحت تضمين بعض النصوص المتعلقة بحماية البيئة البحرية ، إضافة إلى أن
المشروع
قد جاء فيه نص يقضى بإمكانية تطبيق المحاكم السودانية - في حالة غياب النص
-
أي حكم أو قاعدة في أي اتفاقية دولية وان لم تكن نافذة في السودان كلما مست
الحاجة
إلى ذلك.
ولما لم يكن السودان قد انضم إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتلوث
البحري
، لم يجد المشرع مبرراً قانونياً لتقنين الأحكام الآمرة الواردة في تلكم
الاتفاقيات لأن ذلك يتطلب - بداية - موافقة الدولة على الاتفاقية الدولية
والانضمام إليها لتتعهد الدولة بالتعهدات والالتزامات الواردة في
الاتفاقيات
الدولية ســواء بســواء مع بقية الدول الأعضاء . والأمل مرجو في مشروع
قانون إنشاء
أو تأسيس الهيئة السودانية البحرية الذي هو الآن قيد النظر بوزارة النقل
فلقد نص
مشروع القانون البحري على سلطات وصلاحيات واسعة لهذه الهيئة لاتخاذ
التدابير
والمبادرات بمشاريع قوانين لمكافحة التلوث ولحماية البيئة البحرية
والمحافظة عليها
حسبما ورد في المشروع المذكور وسوف نعرض الجوانب المتعلقة بالتلوث الواردة
في مشروع
القانون البحري لسنة 1999م بشيء من التفصيل في مكان آخر من هذه الورقة.
ويمثل قانون حماية البيئة تطوراً هاماً في مجال حماية البيئة السودانية ·
صدر هذا
القانون عملاً بأحكام المادة 90(1) من دستور السودان لسنة 1998م كأمر مؤقت
أصبح
نافذاً بعد توقيع السيد رئيس الجمهورية عليه.
وضع هذا القانون نصوصاً
جامعة وموجهات عامة لتصدر - مستقبلاً - بموجبها تشريعات قانونية أو فرعية
أو
أي تدابير قانونية أخرى لمعالجات تفصيلية للمحافظة على البيئة البحرية
والمياه
الإقليمية وسواحل السودان.
فلقد نصت المادة (4) على إلزام الأجهزة المختصة بحماية البيئة والمحافظة
عليها
وترقيتها ، فيما نصت الفقرة (هـ) من المادة (7) على الحاجة إلى تنسيق جهود
الدولة فيما يتعلق بالانضمام للاتفاقيات الدولية الخاصة بالبيئة 0 هذا نص
هام جداً
قصد منه المشرع ضمانة عدم تعارض الاختصاصات فيما يتعلق بالانضمام إلى
الاتفاقيات
الدولية ووضعها موضع التنفيذ بالسودان . لم يفوت على المشرع أن ينص على
الحاجة إلى
المراجعة الدورية للتشريعات ذات الصلة للتأكد من مدى مواكبتها وملاءمتها
للمعايير
الدولية المتعارف عليها للمحافظة على البيئة (م-7 فقره(د) ) ويضمن هذا
النص توفر
الوعي التام بالاتفاقيات الدولية في مجال سلامة البيئة ومكافحة التلوث
للبيئة
البحرية والمياه الإقليمية وعلى وجه الخصوص التلوث بالنفط بعد أن أصبح -
بحمد الله
وعونه - أهم جزء من صادرات السودان.
أما المادة ( فلقد أتاحت تطبيق الاتفاقيات الدولية التي لم تكن الدولة قد
انضمت
إليها طالما تزمع ذلك مستقبلاً وعبر هذا النص فإن السلطة المختصة التي
عرفتها
المادة (17) من هذا القانون ملزمة بتطبيق أحكام الاتفاقيات الدولية تلك
التي انضم
إليها السودان أو التي لم ينضم إليها - دونما إخلال بأي أحكام أخرى في هذا
القانون.
ولكن الالتزام بالاتفاقيات الدولية لا ينبغي أن يكون التزاماً من جانب واحد
حتى لا
تلتزم الدولة بما لم تستطع أن تلتزم به الدول الأخرى المتعاقدة علماً بأن
الالتزامات المنصوص عليها في سائر الاتفاقيات الدولية ما هي إلا التزامات
متبادلة ومنافــع
مشتركة ، فليس من صحيح القانون التشريع بمثل ما جاء في المادة (7)
المشار إليها أعلاه . ولهذا نرى ضرورة أن تسعى الدولة أولاً للانضمام ثم
تلزم نفسها بما تعاقدت وتعاهدت عليه مع شريكاتها من الدول الأخرى المتعاقدة
وتضمن
بالتالي التزام شركاتها الأعضاء سواء بسواء ، ولا بأس من الاهتداء أو
الاستئناس بأحكام الاتفاقيات الدولية التي لم ينضم إليها السودان بعد إذا
دعت
الحاجة إلى ذلك.
الاتفاقيات
الدولية
1 - ما هي
الاتفاقيات الدولية :
لا تعني هذه الورقة بالاتفاقيات الثنائية بين الدول ، فالالتزام في مثل
هذا
المعاهدات التزام تعاقدي تبرمه الدولة كشخص اعتباري ولا يتطلب مثل هذا
الالتزام
ضرورة تقنين الأحكام الآمرة في الاتفاقية أو إعلانها كاتفاقية دولية نافذة
في
السودان بعد إجازتها بواسطة السلطة التشريعية ونشر أحكامها في الجريدة
الرسمية .
ولا تعنى هذه الورقة كذلك
بالاتفاقيات الدولية التي تتعلق بالمسائل الدولية المتعلقة بسيادة دول
العالم على
أراضيها ومياهها فهذا شأن يهتم به القانون الدولي.
ونحن - بالطبع - معنيون بالاتفاقيات الدولية التجارية والفنية التي تقرر
بعض
من أحكامها التزامات محددة على الدولة المتعاقدة وأحكام أو قواعد قانونية
تسري على
الكافة تتأثر بها وجوداً وعدماً المراكز القانونية للأشخاص . مثل هذا النوع
من
الاتفاقيات يفرض على الدولة المتعاقدة أن تتخذ إجراءات قانونية لوضع
الاتفاقية
موضع التنفيذ سواء بتقنين بعض أحكامها في القوانين الوطنية أو إجازتها
بوساطة
السلطة التشريعية كاتفاقية دولة نافذة في السودان ولهذا فإن التنسيق الذي
أشار إليه قانون البيئة لسنة 2000م لأمر ضروري فلا يكفي مجرد التوقيع أو
الانضمــام دونما تنسيق يضع الاتفاقية الدولية موضع التنفيذ بحيث تسرى
أحكامها
- كلما كان ذلك متفقاً عليه كقواعد قانونية آمرة تتأثر بها مراكز الأطراف
المتنازعة - حيث نشب نزاع يتعلق بالمسائل التي تناولتها الاتفاقية وصاغتها
في قواعد قانونية أو أحكام آمرة.
2 -
الاتفاقيات الدولية لمنع ومكافحة التلوث بالنفط ومعالجة آثاره:
كما تتلوث المياه
الإقليمية والسواحل بالمواد الخطرة أو السامة والنفايات والسواقط ومياه
الصرف
الصحي وسائر مخلفات السفن البحرية ، فإن انسكاب أو اندلاق النفط من
الناقلات
يؤدي إلى تلوث ذي آثار مدمرة وكبيرة وذلك بحكم كبر حجم الكميات المنقولة
بحراً من
النفط ، فحيثما انسكب نفط من ناقلة يجب التحوط باعتبار أن الكميات
المنسكبة
- في أغلب الأحيان - كميات كبيرة ، ولهذا نجد أن الاتفاقيات الدولية في
شأن
التلوث الناتج من المواد البترولية تفرق ما بين النفط الثقيل ( المنسكب )
والمواد
البترولية الأخرى (المتسربة) من وقود السفن أو غيرها.
ولقد تنبه العالم إلى هذا الخطر منذ عام 1954م إذ انعقدت بمدينة لندن في
26/4/1954م اتفاقية دولية لمنع تلوث مياه البحر بالنفط سميت :
[Oil
Pollution 1954) International Convention for the Prevaention
of Pollution of the See by Oil(1954.
بدأ نفاذ هذه الاتفاقية
في 26/7/1958م . عدلت الاتفاقية المذكورة في عام 1962م ، 1969م ،1971م.
واستكمالا
للجهــود الدوليــة لمنــع التلوث على نحو ما تم الاتفاق عليه في
الاتفاقيات أعلاه
، فلقـد انعقدت بمدينة بروكسل ببلجيكا في 29/11/1969م اتفاقية
المسئولية المدنية عــن التلف الناتج عن التلوث بالنفط باسم :
( C L C
1969) International Convention on Civil Laibility
for Oil Pollution Damage, Brusseis
29 " Nov 1969"
.
عنيت هذه الاتفاقية
بمعايير تساعد على تقدير وتحديد التعويض الكافي والمناسب لجبر أضرار التلوث
بالنفط
وعنيت كذلك بضمانة تعويض كل من ملاك ناقلات النفط والجهات التى لحقها الضرر
من
التلوث ، كما قننت الاتفاقية مبدأ تحديد مسئولية ملاك الناقلات وحددت
وعرفت
" المحكمة المختصة " بأنها المحكمة التي وقع في دائرتها حادثة التلوث
بغض النظر عن قانون علم السفينة أو قانون جنسية الملاك كما نصت على أن
مسئولية
الملاك عن التلوث بالنفط مسئولية مطلقة strict liability
فلا يلزم لتقرير المسئولية المدنية توفر القصد أو حتى عنصر الإهمال وهذا
يتوافق مع
أحكام القواعد القانونية السودانية المتعلق بالمسئولية التقصيرية . في عام
1969م
صدر برتوكول هذه الاتفاقية باسم :
(1969) Protocol
of the International Convention on Civil Liabillity
for Oil Pollution Damage, 1969.
وللتأكيد على نتائج
الاتفاقية لمنع التلوث صدرت اتفاقية لندن للتدخل في أعالي البحار أو المياه
الدولية لمنع أو درء خطر التلوث حيثما كان وشيكاً وحالاً ولقد سميت :
International
convention relating to the
Intervention on the High seas in Cases of Oil
Pollution Casualties, 1969.
وقد صدرت هذه الاتفاقية
بغرض منع أو تقليل أو إزالة أي خطر كبير للتلوث ماثل وحال أو وشيك يهدد
سواحل
الدول المتعاقدة أو مياهها الإقليمية أو الأماكن السياحية بالبحر الإقليمي
أو
الجرف القاري للدولة أو صحة البيئة للسكان.
وتكمن أهمية هذه الاتفاقية في أنها تمنح الدولة المتعاقدة الحق القانوني
المعترف
به دولياً في القيام بأي عمليات تدخل في المياه الدولية وربما حاسب القانون
الدولي
أي دولة غير متعاقدة على مثل هذا التدخل .
وكثير من الدول التي
انضمت إلى هذه الاتفاقية قامت بإصدار تشريعات وطنية تقنن التدخل في المياه
لدولية
على الوجه المتفق عليه بموجب الاتفاقية المذكورة . واللافت للنظر أن
الاتفاقية
أتاحت للدولة المتعاقدة التدخل لإنقاذ الناقلة كإجراء تحوطي ضروري وعاجل
لحماية
سواحل الدولة ومياهها وسكانها من أي خطر وشيك من التلوث وأن لم يطلب
قبطانها
الإنقاذ حسب ما هو مقرر في القواعد القانونية المتعلقة بإنقاذ السفن.
ولضمانة تنفيذ أحكام
وقواعد المسئولية المدنية عن أضرار التلوث 1969م المذكورة أعلاه صدرت في
28/12/1971م بمدينة بروكسل اتفاقية إنشاء أو تكوين صندوق دولي للتعويض عن
أضرار
التلوث باسم بالنفط :
(Fund
1971) International Convention on the Establishment of International
fund for
the Compensation of Oil Pollution Damage, 1971.
مصادر دخل هذا الصندوق تتمثل في اشتراكات الجهات المستوردة للنفط في الدولة
المنضمة لهذه الاتفاقية . وهذا الصندوق وبجانب ما يوفره من مال للتعويض
، فإنه كذلك يدفع مبالغ لتكملة التعويض المناسب إذا ما عجز ملاك الناقلة
عن
ذلك أو لم يدفعوا التعويض كاملاً أو في الحالة التي لم يتم فيها سداد
التعويض
كاملاً بسبب أعمال مبدأ تحديد المسئولية بمبلغ أقل أو إذا كان التأمين غير
كاف
لتعويض المضرور تعويضاً كاملاً ، كذلك يضمن الصندوق السداد لمن لم يتسلم
التعويض
أصلاً أو لمن تسلم تعويضاً غير كاف بسبب أن الناقلة تعتبر - قانوناً - غير
مسئولة
عن التلف إعمالاً لأي استثناءات تعفيها من المسئولية.
والأهم من كل ذلك أن اتفاقية المسئولية المدنية عن أضرار التلوث عنيت
بمعايير
تقدير التلف الذي يلحق بالبيئة ومن بين هذه المعايير تكاليف إعادة الحال
إلى ما
كان عليه وتقدير مدى الضعف الذي أصاب البيئة البحرية من جراء حادثة التلوث
بالإضافة إلى تكلفة التدابير الوقائية للحيلولة دون حدوث مثل هذا الضرر
مستقبلاً .
وهكذا يتأكد لنا أن الاتفاقية المذكورة تساعد بطريقة عملية على تقدير
وتحديد
التعويض المناسب الذي يجبر ضرر التلوث . وتكمن أهمية اعتماد هذه الاتفاقية ،
إذ ما
انضم إليها السودان - كقانون أو اتفاقية دولية نافذة في السودان ، إن
المحاكم ولجان التحكيم سوف تقوم بتطبيق هذه المعايير كقانون نافذ في أى
منازعة حول
أضرار التلوث ومقدار التعويض الكافي أو المناسب لجبر هذه الأضرار مما يقنع
ملاك
الناقلة بقبول أي مطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أحدثتها الناقلة دونما
نزاع أو
جدل مما نشهد في مثل هذه المنازعات لا سيما إذا كانت الناقلة ترفع علم دولة
متعاقدة.
لقد أسست اتفاقيتا المسئولية المدنية 1969م ( CLC96
) وصندوق التعويضات 1971م ( Convention
1971 Fund ) المبادئ والأحكام
المتعلقة بالمسئولية المدنية عن التلف بسبب التلوث البحري ، بيد أنه قد تم
تعديل
للاتفاقيتين المذكورتين ببروتوكلين في عام 1992م وأصبح التعديل نافذاً في
30/5/1996م ومن أهم ما جاء في التعديل زيادة الحد الأعلى للتعويضات وتوسيع
نطاق أو
دائرة الاتفاقيتين الأصليتين المشار إليهما أعلاه (1969م - 1971م ) وتبعاً
لذلك
فقد أعلنت كثير من الدول انسحابها من الاتفاقيتين الأصليتين وانضمت إلى
بروتوكلي
التعديل الصادرين في 1992م ، والسودان إذا ما قرر الانضمام إلى اتفاقيات
المسئولية
المدنية وصندوق التعويضات ، نعتقد أنه من الأولى الانضمام إلى اتفاقيتي
1992م لأن
الاتفاقيتين الأصليتين قد فقدتا فعاليتهما بانسحاب عدد كبير من الدول
المتعاقدة
منهما فضلاً عن أهمية التعديل الذي أشرنا إليه أعلاه.
اتفاقية
ماريل 1973م /1978م MARPOL 1973/1978
الاتفاقية الدولية لمنع
التلوث من السفن التي انعقدت بلندن في 2/11/1973م Marpol 1973, International Convention for
the Prevention of
Pollution from ship
. تحمل هذه الاتفاقية اسم التلوث البحري Marine Pollution
· فيما كان الغرض من اتفاقية 1954م المنعقدة بلندن في 26/4/1954م منع
التلوث
بالنفط ، فإن اتفاقية ماربل 1973م /1978م تسعى لمنع التلوث من السفن من أي
مصدر كان . صدرت هذه الاتفاقية بعد خمسة ملاحق Annexes
أورد الملحق الأول عدد 26 قاعدة لمنع التلوث بسبب النفط ، والثاني تتعلق
أحكامه
بالتلوث بسبب المواد السامة السائلة Noxious Liquid Substances in Bulk .
والثالث تتعلق أحكامه بالتلوث بسبب المواد الضارة المنقولة غير
سائبة ( في أقفاص أو براميل أو خلافه ) والرابع تتعلق أحكامه بالتلوث بسبب
مياه
وأوساخ المجاري ( الصرف الصحي ) من السفن · والخامس يتعلق بالتلوث بسبب
النفايات
أو القمائم من السفن ، ولقد وافق المؤتمر الدولي المنعقد في 1997م
بالاشتراك مع
لجنة حماية البيئة البحرية علي إدخال ملحق سادس يتعلق بمنع التلوث بسبب
تلوث الجو
من السفن ، وهكذا يبين لنا أن الاتفاقية المذكورة تكاد تحصي جميع مصادر
التلوث
البحري وتضع في المقدمة التلوث بسبب انسكاب و اندلاق النفط Oil Spill
الذي وردت تدابير منعه والسيطرة عليه في الملحق الأول من الاتفاقية
المذكورة.
تنص المادة الأولى من الاتفاقية على الالتزامات العامة التي يجب أن تلتزم
بها
الدولة المتعاقدة وتنص المادة الثالثة على نطاق تطبيق الاتفاقية فأوجبت على
كل
دولة متعاقدة أن تطبق أحكام الاتفاقية على سفنها وعلى كل السفن الأخرى (
ماعدا
السفن الحربية أو المملوكة للدولة ) التي تسبب التلوث في موانئ الدولة
المتعاقدة
أو مياهها الإقليمية وسواحلها . وقد نصت الاتفاقية كذلك على حق الدولة
المتعاقدة
في محاسبة أو معاقبة السفينة التي تسبب التلوث في مياهها الإقليمية
وسواحلها .
وهذا النص يمنح الدولة المتعاقدة الاختصاص القضائي لنظر منازعات التلوث
البحري.
وعلى غرار كل الاتفاقيات الدولية نصت المادة 13 على كيفية قبول الاتفاقية
والانضمام إليها بوساطة الدولة التي ترغب في ذلك ويتم القبول عن طريق أحد
أمرين :
إما بالتوقيع بلا تحفظ حول الإجازة أو القبول أو الموافقة أو التوقيع الذي
يخضع
للإجازة أو القبول أو الانضمام أو الموافقة فيما بعد . وهذا ما تنص عليه في
تواتر
الاتفاقيات الدولية سعياً لتأكيد الرضاء الكامل بالاتفاقية وبالطريقة التي
تكفل
للدولة المتعاقدة حقها في السيادة علــى أرضهــا ومياهها والسيــادة
الكاملة
لقوانينهــا الوطنية بحسبان أن الاتفاقيات الدولية ليست تشريعاً دولياً
نافذاً في
حد ذاته في الدول المتعاقدة ، فلكل دولة الحق في اختيار الطريقة التي تضــع
فيها
الاتفاقية الدولية موضـع التنفيذ دونما مســاس بالسيادة الوطنية.
ولقد صدر بموجب الاتفاقية المذكورة بروتوكولان الأول : حول التقارير عن
الحوادث
التي تتعلق بالمواد الضارة والثاني حول التحكيم لنظر وحسم المنازعات ،
بالإضافة إلى
ملاحق الاتفاقية الخمسة المشار إليها أعلاه وإلى البروتوكولين أعلاه فلقد
صدر
بمدينة لندن في 17/2/1978م بروتوكول ماربل 1978م باسم
Protocol of 1978 Relating
to
the international Convention for the Prevention of Pollution from
ship.1978.
كما صدر ملحق بتعديلات
وإضافات لاتفاقية ماربل 1973م ، وفي عام 1990م صدرت الاتفاقية الدولية
للاستعداد
والتصدي والتعاون لمنع التلوث بالنفط باسم
The
International Convention
on Oil Pollution Preparedness, Response and Co operation 1990 .
وقد بدأ نفاذها اعتبارا
من 13/8/1995م بعد أن حصلت على النصاب القانوني بانضمام عدد خمس عشرة دولة
إليها
كما جاء في سياق أحكامها . وهى الآن مطروحة للانضمام بوساطة الدول التي لم
تنضم
إليها بعد.
هدفت هذه الإتفاقية إلي إيجاد نظام تعاوني فعال بين الدول المتعاقدة للتصدي
لحوادث
التلوث بالنفط، وتلتزم الدولة المتعاقدة أو المنضمة بتأسيس إدارة أو سلطة
وطنية
للاستعداد والتصدي بفعالية وعلى نحو عاجل لحوادث التلوث و أن تعتمد كل دولة
خطة
وطنية للطوارئ تنشأ بموجبها إدارة وطنية تقوم بتوفير المعلومات اللازمة عن
مخاطر
التلوث والتدريب اللازم وتوفير المعدات اللازمة في الموانئ وعلى سفنها
الوطنية
وذلك من أجل أن تكون الدولة المتعاقدة مستعدة وبكفاية وفاعلية للتصدي
لحوادث
التلوث بالنفط أو للاشتراك أو الإسهام مع الدول الأعضاء في الإتفاقية
لمكافحة أو
درء آثار التلوث.
اتفاقية منع التلوث البحري الناجم عن إغراق النفايات وأي مواد أخرى 1972م
والتي
تعرف باتفاقية لندن.
Prevention of
Marin Pollution by Dumping of wastes and other Matter 1972.
لا شأن لهذه
الاتفاقية بالنفط وإنما تتعلق بتلوث مياه وبيئة البحر بسبب إغراق النفايات
أو
مخلفات الصناعات في البحر، وفيما كان إغراق بعض من النفايات متاحاً عند بدء
نفاذ
الاتفاقية في عام 1975م مع الاتجاه لدفن النفايات في باطن الأرض، إلا أن
تعديلاً
جوهرياً لملاحق الاتفاقية قد تم في عام 1992م منع هذا التعديل إغراق أنواع
محددة
من النفايات أو مخلفات الصناعة والمواد المشعة أو مواد الإشعاعات الذرية أو
النووية أو مخلفات الصناعة و أوساخ و رسابة المجاري في البحر.
وقد صدر في عام 1996 بروتوكول هذه الاتفاقية في لندن (1972) ليعالج الحاجة
الماسة
إلي إغراق نفايات ومخلفات الصناعة وحرق بعض المواد إلي أن تصير رماداً في
البحر
بحسبان إن الدول المتعاقدة تسعى إلي خلق توازن ما بين الحاجة إلي الإغراق
في البحر
وما بين تلوث البحار الناجم من جراء الإغراق أو إلقاء رماد المواد المحروقة
في
البحر.
وأعتقد إن
هناك اتفاقيات دولية أخرى وقع عليها السودان لم يسعفني الوقت للوقوف على
المصادر
التي تؤكد ذلك، لعدم نشر هذه الاتفاقيات في الجريدة الرسمية ربما لأنها لم
تصبح
بعد اتفاقيات دولية نافذة في السودان بالإجراءات التشريعية المطلوبة في هذا
الخصوص.
هذا في
نظري- كل ما كان من أمر الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتلوث مياه البحر
وبيئة البحر
وموانئ السودان وسواحله، و أرى إن كلاً من ديوان النائب العام- إدارة
المعاهدات
الدولية والقانون الدولي- والمصلحة البحرية التابعة حالياً لهيئة الموانئ
البحرية
يبديان الآن همة عالية لانضمام السودان إلي اتفاقيات التلوث البحري وبعضاً
من
المعاهدات الدولية، إذ أسفر- حتى الآن- جهد المصلحة البحرية عن إنضمام
السودان إلي
معاهدة المنظمة الدولية البحرية 1948م المعروفة بإسم:
I M O Convention 1984
(International Maritime Organization).
وهذه خطوة
كبيرة وهامة لأنه عن طريق هذه المنظمة وحدها يمكن إنضمام السودان إلي
الاتفاقيات الدولية
الفنية التي ترعاها وتبادر بها المنظمة البحرية العالمية المذكورة. كما
انضم
السودان إلي معاهدة سلامة الأرواح في البحر المعروفة باسم (SOLAS Convention 1974 (Safety of Lives at Sea) و
اتفاقية خطوط الحمولة لسنة 1974م المعروفة باسم(Load
Lines Convention1974) واتفاقية معايير تدريب وتأهيل
البحارة في السفن لسنة 1928
المعروفة باسم: (1978
International Convention on Standards of Training and Certification of
Watch
keeping and Seafarers) و اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة
لسنة 1988م المعروفة باسم(International
Convention for Suppression of
Unlawful Acts,1988 ) و بروتوكول قمع الأعمال غير المشروعة
المعروف باسم:(Suppression
of Unlawful Acts Protocol1988) التي انضم إليها وإلي بروتوكولها
عن طريق وزارة الداخلية (ولقد أستقيت هذه المعلومات عن انضمام السودان
للاتفاقيات
أعلاه من سجلات المصلحة البحرية ببورتسودان.
والحقيقة لم أقف حتى تاريخ إعداد هذه الورقة-
على إجراءات التصديق على
الاتفاقيات المذكورة وإجازتها بوساطة سلطة التشريع حتى تصبح اتفاقيات دولية
نافذة
في السودان كالتفصيل الذي أوردناه فيما سبق من هذه الورقة.
الوضع القانوني
الراهن
لما لم يكن السودان عضواً في اتفاقيات التلوث
التي وردت تفاصيله أعلاه ولما
لم يكن في السودان تشريع خاص بالتلوث فإن نظرة المحكمة السودانية إلي حوادث
التلوث
لا تخرج عن أحد أمرين:
1-
إما أن يكون الحادث جناية وفقاً لما يمكن
إثباته أمام
المحكمة حول قصد الناقلة في إحداث التلوث أو تركها لفعل مانع للتلوث أو كان
سلوكها
سلوكاً طائشاً ففي هذه الحالة يمكن توقيع الجزاء المنصوص عليه في القانون
الجنائي
لسنة 1991م جنباً إلي جنب مع الحكم بتعويض المضرور بما يجبر الضرر الذي لحق
به.
2-
إما إن كان الحادث قد وقع بلا عمد أو طيش فإن
القانون
السوداني ينظر إليه كفعل تقصيري ويوجب على فاعله تعويض المضرور مدنياً.
وقد اشتمل القانون السوداني (قانون المعاملات
لسنة 1984م) على معايير و أسس
واضحة تساعد المحكمة بتقدير التعويض الجابر لضرر المضرور سواء كانت محكمة
جنائية
أو مدنية. والفعل التقصيري يوجب للمضرور التعويض ولا يشترط توفر أي قصد أو
إهمال
أو عدم رعاية أي واجب تجاه المضرور وهذا ما يتوافق مع إتفاقية المسئولية
المدنية
(1969) والإتفاقية المعدلة (1992م) التي نصت على إن مسئولية الناقلة عن
التلوث
البحري مطلقة (Strict
Liability).
نضيف إلي
ذلك التدابير القانونية المنصوص عليها في قانون مصائد الأسماك والعقوبات
الواردة
فيه علماً بان هذا القانون قانون جزائي ليس معنياً بالمسئولية المدنية
والتعويضات
المستحقة بموجبها. لكن لكل هذا لا يكفي لدرء خطر التلوث البحري الذي تتضافر
جهود
دول العالم جميعها لمكافحته والتقليل من أضراره فلابد من جهد دولي جاد يسهم
فيه
السودان بكل ما يملك من قدرات وإمكانيات وبسواحله ومياهه الإقليمية إضافة
إلي أنه
الآن دولة مصدرة للنفظ.
وبالتالي
يمكن القول إنه لا يوجد فراغ قانوني يحكم حوادث التلوث البحري ولكن طموحنا
أن تصدر
الدولة قوانين محددة تضبط مسائل و منازعات التلوث البحري بأحكام وقواعد
قانونية
تتوافق مع الاتفاقيات الدولية بعد أن ينضم إليها السودان وذلك لنحقق
التوحيد
المنشود دولياً في القوانين البحرية التي تتعلق بصناعة النقل البحري
والملاحة
البحرية وقانون البحار.
مشروع القانون
البحري
أدرك السودان الحاجة إلي تشريع قانون بحري منذ 1961م حيث صدر القانون
البحري لسنة
1961م متزامناً مع تأسيس شركة للناقل البحري الوطني- شركة الخطوط البحرية
السودانية. وقد قامت حكومة الحكم الثنائي في عام 1951م بإصدار قانون نقل
البضائع
بالحبر لسنة 1951م الذي تبنى قواعد لاهاي لسنة 1921 (معاهدة بروكسل 1924)
ليتكامل
مع قانون نقل البضائع بالبحر لسنة 1924 الإنجليزي و الذي صدر تأكيداً
لإلتزام
إنجلترا بإتفاقية بروكسل لتوحيد بعض القواعد المتعلقة بسندات الشحن1924.
ومع هذا
الوعي المبكر بأهمية التشريع في مجالات القانون البحري، لم يدخل السودان
التعديلات
المطلوبة في القانونين المشار إليهما لمواكبة التطور الدولي في هذا المجال.
ولأن
أحكام هذين القانونين قد أصبحت غير قادرة على مواكبة القواعد القانونية
الموحدة في
مجالات القانون البحري ولأن كثيراً من أحكامها قد تجاوزها الزمن فقد قامت
وزارة
النقل بالتعاون مع ديوان النائب العام وكل من هيئة الموانئ البحرية و
الخطوط
البحرية السودانية بطرح مسودة القانون البحري لسنة 1996م والتي أعيدت صياغتها
في المشروع المقدم من وزارة النقل.
اهتدى
المشروع بكثير من قوانين دول العالم المواكبة للتطور الذي شهده هذا المجال
واستأنس
بعدد غير قليل من الاتفاقيات الدولية التي لم ينضم إليها السودان. وفي
مجال
البيئة البحرية والتلوث بذلك بعض الجهد والذي نرجو أن نشير إليه بما يلي:
1- أفسح المشروع المجال لتطبيق أحكام
الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي لم ينضم إليها السودان وذلك عن طريق ما
نص
عليه حول تطبيق العرف السائد. وبالتالي يمكن –بعد إجازة هذا المشروع- تطبيق
بعض
أحكام الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتلوث في حالات غياب النص وكلما مست
الحاجة إلي
ذلك ريثما تتم خطوات الإنضمام إلي هذه الاتفاقيات وصيرورتها اتفاقيات دولية
نافذة
في السودان.
2- خول المشروع المصلحة البحرية الحالية- والتي
أقترح المشروع ضرورة إصدار قانون بتأسيسها كهيئة مستقلة قبل إجازة مشروع
القانون
البحري أو بالتزامن معه- سلطة مراقبة و وضع الأسس وإتخاذ التدابير اللازمة
لحماية
البيئة البحرية بالتشاور مع الجهات المختصة. ولعلي لا أكون مخطئاً إن قلت
إن
مقترحات مشروع قانون إنشاء وتأسيس الهيئة البحرية السودانية مواد كاملة عن
ماهية
التدابير والأسس وكيفية المراقبة لحماية البيئة البحرية ومياه السودان
الإقليمية
والجرف القاري وسواحله.
3- أتاح المشروع الحجز التحفظي-قبل إقامة
الدعوى- على السفينة البحرية بسبب الضرر التي تلحقه بالبيئة أو الشريط
الساحي أو
المصالح المتصلة بها أو التدابير المتخذة لتفادي أو تقليل أو إزالة هذا
الضرر
والتعويض عن هذا الضرر وتكاليف التدابير المعقولة المتخذة فعلاً أو التي
يتعين
إتخاذها لإعادة البيئة إلي ما كانت عليه والخسارة التي يتكبدها أو يرجح أن
يتكبدها
الغير بشأن هذا الضرر.
ومصدر هذا
النص هو مشروع الاتفاقية الدولية بشأن حجز السفن التي طرحت في المؤتمر
الدبلوماسي
المعني بحجز السفن الذي أقامته الأمم المتحدة بجنيف بسويسرا والذي شارك فيه
السودان. ولقد كان لسفارة السودان بسويسرا دور بارز في التحضير لمشاركة
السودان في
هذا المؤتمر.
ويلاحظ إن نص هذا المقترح مماثل للنص الذي ورد في هذا الشأن من الاتفاقية
الدولية
للمسئولية المدنية فإذا ما أشتمل القانون البحري المرتقب على النص المقترح،
يكون
السودان قد اهتدى بضوابط ومعايير الاتفاقية المشار إليها في كل ما يتعلق
بالأضرار
الناجمة منه، فضلاً عن إن المقترح يوفر سنداً قانونياً مهماً لحجز السفينة
البحرية
لضمانة أي ضرر تلحقه بالبيئة السودانية، وطبقاً لأحكام اتفاقية حجز السفن
بروكسل
لحجز السفن البحرية 1952 النافذة منذ عام 1952 في كثير من دول العالم فإن
الاختصاص
القضائي في نظر الدعوى اللاحقة للحجز التحفظي الذي تنص عليه الاتفاقية
متروك
لقوانين الدول المتعاقدة.
فإذا ما رأى
السودان الإنضمام إلي اتفاقية المسئولية المدنية المعدلة (1992 CLC) و
اتفاقية الصندوق التابعة لها (Fund
Convention) فإنه بذلك يكون قد سبق
وقنن جزءاً هاماً من الأحكام القانونية يتفق مع الاتفاقيتين المذكورتين
اللتين لا
تتعارض معظم أحكامها مع القانون السوداني.
و ما تجدر الملاحظة فيه إن المشروع السوداني قد قنن حكماً كاملاً من أحكام
مشروع
الاتفاقية الدولية بشأن حجز السفن قبل صيرورة المشروع المذكور اتفاقية
دولية نافذة
وقد كان ذلك- في تقديرنا – حرصاً من الدولة على حماية البيئة البحرية ومياه
السودان وسواحله ولسد النقص الملحوظ في هذا المجال.
4- إدراكاً من المشرع
لمخاطر جنوح السفن بسبب الشعب المرجانية المنتشرة حول مداخل الموانئ
السودانية نص
المشروع على سريان أحكام فصل إنقاذ السفن البحرية- وهو فصل من فصول
المشروع- على
إجراءات إنقاذ البيئة البحرية مفسحاً المجال لتدخل السلطة السودانية لإنقاذ
البيئة
السودانية كما كان الخطر على البيئة محدقاً بسبب أي خطر ماثل يهدد بجنوح أو
غرق
السفينة بحمولتها من المواد الخطرة أو النفط أو خلافها وبذلك يوسع المشروع
في
أسباب إنقاذ السفينة فيضيف إليها سبب إنقاذ البيئة البحرية جنباً إلي جنب
مع إنقاذ
جسم السفينة والبضاعة وبحارتها. وهذا نص جديد استحدثه المشرع ليسد به النقض
الكبير
في التشريع في مجال البيئة البحرية. علماً بأن السودان لم يكن عضواً في
اتفاقية
إنقاذ السفن البحرية لسنة 1910م.
5- وتأكيد لما سبق لقد
أشتمل المشروع على النص التالي: " إذا كانت السفينة في وضع يهدد بخطر
البيئة
البحرية فإن امتناع ربان السفينة عن الموافقة على الإنقاذ أو سداد المكافأة
للأشخاص الذين أسهموا في أعمال الإنقاذ يعتبر في معنى الفقرة (3) أعلاه
امتناعاً
غير مقبول". و يبدو لنظري إن النص أعلاه يوافق تماماً اتفاقية التدخل
(لندن)
إذ يخول للسلطة المختصة في السودان حق التدخل لإملاء الإنقاذ على ربان
السفينة إذا
كان في تقديرها إن خطر التلوث خطر ماثل أو وشيك.
6- أضاف المشرع تحت فصل التأمين
البحري- التأمين ضد المسئولية وهذه تساعد وتستكمل الجهد مع إتفاق الصندوق
1992م.
ولما سبق
يمكن القول إن المشروع بجانب ما ورد من نصوص في قانون المعاملات لسنة 1984م
حول
أحكام المسئولية التقصيرية- قد عالج كثيراً من القصور في تشريعات حماية
البيئة
البحرية الذي أشرنا إليه في صدر هذه الورقة. ويحدونا أمل كبير. بعد أن يقوم
السودان بدراسة التلوث البحري ثم الإنضمام إليها على ضوء دراستها تفصيلياً-
أن
يفرد السودان تشريعاً جامعاً يعنى بحماية البيئة البحرية والمياه الإقليمية
والجرف
القاري من جميع مخاطر التلوث التي نراها محدقة بالبيئة السودانية بسبب
إنتشار
الشعب المرجانية ونشاط حركة صادرات البترول السوداني.
التوصيات
1- إجازة مسودة القانون
البحري لسنة 1999م.
2- إجازة قانون تأسيس
الهيئة البحرية كهيئة مستقلة تمثل السيادة السودانية في كل ما يتعلق
بنشاطات صناعة
النقل البحري والملاحة البحرية بوجه عام وقانون البحار.
3- دراسة اتفاقية التلوث-
ماربل 1973م / 1978م، المسئولية المدنية (1992
CLC)
وصندوق التعويضات (Fund
Convention 1992) دراسة
تحليلية من أجل إتخاذ القرار السوداني سواء أكان بالانضمام إليها أم لا
وذلك على ضوء
حاجة السودان إلي الانضمام إلي هذه الاتفاقيات وإمكانياته وقدراته على
الوفاء
بالتعهدات والالتزامات التي أبرمت من أجلها الاتفاقية.
4- تفعيل عضوية السودان في
الاتفاقية الإقليمية على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن وعلى وجه الخصوص
بروتوكول
الاتفاقية المذكورة المتعلق بالتعاون الإقليمي لمكافحة التلوث بالنفط
وبمواد ضارة
أخرى في حالات الطوارئ وذلك بإصدار التشريعات المطلوبة وتأهيل السلطة أو
الجهة
الوطنية المعنية بتطبيق الإتفاقية وبروتوكولها المشار إليها وذلك بتوفير
المال
اللازم والمعادت وخلافه.
5- توجيه الجهات ذات الإختصاص
بتنفيذ الخطة القومية لمكافحة الحالات الطارئة لتسرب النفط في سواحل
السودان Oil
Spill
Contingency (Plan ( N O SC P.)
العاجلة لمكافحة إنسكاب أو إندلاق النفط لانها وفي الوقت الحاضر تساعد
كثيراً في
إيجاد حلول ومعالجات لمنازعات التلوث االبحري وذلك إلي حين اكتمال
التشريعات
والتدابير القانونية في مجال مكافحة التلوث.
6-
تكون لجنة أو مجلس للتنسيق فيما بين الجهات ذات الاختصاص لدراسة وتحليل
الاتفاقيات
الدولية كافة والفنية التي تصدرها المنظمة البحرية العالمية والتجارية التي
تشرف
عليها الأمم المتحدة أو أي مجموعة دولية إذا حازت الاتفاقيات على النصاب
القانوني
لاعتماد نفاذ الاتفاقية الدولية وعلى وجه الخصوص كل ما يجد من بروتوكولات
لاتفاقيات التلوث وحماية البيئة. وتقرر اللجنة جدوى الانضمام إلي تلكم
الاتفاقيات
ومتابعة إجراءات تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي وافق أو قبل السودان
الانضمام
إليها وذلك بلا مساس بالصلاحيات القانونية و الفنية لوزارة العدل.
7- على ضوء انضمام السودان
إلي اتفاقيات التلوث النافذة في غالبية الدول، نوصي بإصدار تشريع او
تشريعات قانونية
مستقلة لحماية البيئة البحرية من التلوث تستقى نصوصه من الاتفاقيات الدولية
التي
انضم السودان ومن العرف البحري السائد حيثما كان ثابتاً ومستقراً فمثلاً
هذا
التشريع يؤكد تنفيذ إلتزامات السودان المتعاقد عليها في الاتفاقيات الدولية
ويفرد
نصوصاً واضحة وخاصة بالتدابير القانونية المطلوبة لحماية البيئة البحرية من
التلوث
والمحافظة عليها.
مراجعة الاتفاقيات الدولية التي وقع أو انضم إليها السودان للتأكد من أنها
قد صارت
اتفاقيات دولية نافذة في السودان حتى يمكن قانوناً تطبيق أحكامها كقانون
وذلك
بوساطة كل من وزارة النقل والخارجية والتجارة الخارجية و وزارة العدل وبعض
ذوي
الخبرة.