Abstract
In
the early development of penal law, rehabilitation was ignrored by most of
criminal legislatures.
According
to the modern criminal policy, the comparative legislation began to treat the
guilty, not as an enemy to the society, but as uncapable of adapting himself
with the society and with the society and its rules. From this point,
Rehabilitation is adopted by most of the legislators so as to facilitate the
reform of the convict and to permit him to join his society as an effective
element.
Rehabilitation
is not codified in the Jordanian legislation , even though it is necessary to
its new and civilized criminal policy.
These
papers are prepared to show our need of recognition and regulation of
Rehabilitation by the legislative authorities in Jordan in order to be codified in
the criminal procedures law.
ملخص
عند نشوء القوانين الجزائية لم يكن نظام اعادة
الاعتبار معروفا لدى معظم المشرعين ، ولكن مع التطور الحديث للسياسة الجنائية ،
صار المشرع ينظر الى مرتكب الجريمة ، ليس على اساس انه عدو للمجتمع ينبغي قصاصه ،
ولكن على اساس انه فرد فشل في التعايش مع المجتمع وفي التأقلم مع قوانينه وانظمته
.
لذلك فأن معظم التشريعات تبنت نظام اعادة
اعتبار المحكوم عليه الذي من شأنه ان يمحو اثار العقوبة التي نجمت عن ادانته
بارتكاب جريمة ما ، والهدف من هذا النظام هو السماح للمحكوم عليه بعد ان نفذت بحقه
العقوبة ، بأن ينضم الى صفوف المجتمع مرة اخرى كعضو فعال فيه .
ان اعادة الاعتبار غير مقتنن في التشريع
الجزائي الاردني ، وهو نظام نفتقده نظرا لضرورته واهميته في اعادة اصلاح المحكوم
عليه ، وذلك في ظل تشريع حديث يطبق سياسة جنائية مستنيرة .
وهذا البحث يظهر مدى الحاجة الى ادخال نظام
اعادة الاعتبار ضمن نصوص قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني
من اجل فتح الطريق للمحكوم عليه الذي نفذت العقوبة بحقه كي ينخرط في المجتمع مرة
اخرى ، وحتى لا يبقى ماضية الاجرامي حجر
عثرة امامام عودته الى حياة اجتماعية طبيعية .
المقدمة
1. انسجاما
مع الافكار الحديثة حول العقوبة وفلسفتها، وتطبيقا لفكرة الرعاية اللاحقة للمحكوم
عليه باعتبارها من العناصر الجوهرية في السياسة الجنائية الحديثة )[1])، وانطلاقا
من مبدأ ان العقوبة غايتها هي اعادة اصلاح مرتكب الجريمة واعادة تأهيلة ؛ فإن ذلك
لن يتأتى طالما بقيت آثار هذه العقوبة تلاحق المحكوم عليه طوال حياته ، فلا بد اذن
من وضع حد للاثار السلبية التي يتركها الجزاء الجنائي الى ما بعد توقيعه على
الجاني .
2. ان
استمرار اثار العقوبة وبقاءها قائمة رغم انقضائها بالتنفيذ أو بالتقادم ، يشكل
وبالاً على من لحقت به تلك العقوبة ، فمن المعروف انه اذا حكم على شخص وادين
بارتكاب جناية او جنحة ثم وقعت عليه عقوبة ما ، فإن هذه العقوبة تتبعها عقوبات اخرى
كالعزل من الوظيفة وحرمان المحكوم عليه من حق التقدم لشغل وظيفة عامة الى غير ذلك
من الحرمان من بعض الحقوق المدنية ، ولا شك ان ذلك يؤدي الى الانتقاص من شخصية
المحكوم عليه مما يفقده مكانته الاجتماعية .
3. واذا
لم تتح للمحكوم عليه فرصة استعادة مكانته الاجتماعية بعد مرور فترة معينة على
الادانة ، فإن ذلك سيكون مدعاة لليأس بالنسبة له وربما دفعه يأسه هذا الى الانزلاق
مرة اخرى ، والعودة الى الجريمة طالما ان الابواب قد اقفلت في وجهه ، لذا ومن اجل
الحيلولة بين المحكوم عليه وبين هذا المصير فلا بد من ان يعطى فرصة لاستعادة
اعتباره شريطة ان يثبت صلاحيته لذلك وان يبدى استعدادا للاندماد ثانية في المجتمع )[sup][2][/sup]) .
4. ان
انقضاء العقوبة بمعناه الكامل لا يجب ان يقف عند حدود تنفيذها او عند حدود سقوطها
بالتقادم ، بل يجب ايضا ان يمتد الى المستقبل فيشمل ايضا انقضاء الاثار المترتبه
على هذه العقوبة ، وهذا الامر لا يمكن ان يتحقق الا بوجود نص في القانون يمحو
العقوبة واثارها معا – ضمن شروط معينة بطبيعة الحال – مما يترتب عليه اعادة اعتبار
من لحقت به تلك العقوبة نتيجة الحكم عليه بالادانة ، وهذا يعني انه وباعادة اعتبار
المحكوم عليه فان العقوبة الرئيسية تكون قد انقضت وانقصت معها العقوبات الفرعية
التي نجمت عنها)[sup][3][/sup]).
5. ولا
يخفى على احد انه ومع غياب نظام اعادة الاعتبار فان العقوبة المحكوم بها تنقضي
بالتنفيذ او بالتقادم ، لكن آثارها تبقى قائمة وتصبح كالقيد الثقيل الذي يحيط
بالمحكوم عليه ويشده لان يبقى في الجانب الاخر للمجتمع وهو جانب غير الشرفاء ،
فيصبح الحكم بالادانة وكأنه لعنة تلاحق من لحق به ، ويبقيه موصوما بالعار حتى اخر
العمر فلا يتمكن من الاندماج ثانية في الهيئة الاجتماعية التي هو احد
اعضائها. " وهذا الوضع شاذ ولا يتفق
مع منطق علاج الجاني واصلاحه ، لان خروج المحكوم عليه من السجن الى مجتمع يرفضه
ويسد ابواب العيش الشريف في وجهه ، سيزيده حقدا ويملؤه موجدة ، ويدفعه للامعان في
طريق الجريمة )[sup][4][/sup]).
6. ان
الله تعالى يقبل التوبة ، اذن فليس بكثير
على المشرع – وهو بشر – ان يقبل التوبة ممن ضل الطريق في يوم من الايام ، لذا
فان التشريع الجزائي في اي بلد عليه ان يأخذ بالحسبان ان من وقعت عليه عقوبة نتيجة
لحكم قضائي ونفذت بحه تلك العقوبة او انقضت بالتقادم لا بد له من ان يستفيد من
نظام اعادة الاعتبار وذلك بأن تمحي عنه كل اثار العقوبة التي كابدها ، لانه
وبتنفيذه للعقوبة تلك ، يكون قد ادى دينه نحو المجتمع .فالفرد بارتكابه للجريمة
تنشأ بينه وبين المجتمع " علاقة اشبه بعلاقة مديونية بمقتضاها يصبح المجرم
مدينا للمجتمع بدين اخلاقي لا يستطيع وفاءه الا بالجزاء الجنائي" )[sup][5][/sup]). وحين
يوفي المجرم دينه الاخلاقي هذا فلا مبرر ابدا لان يدفع دينا اضافيا وهو حرمانه مدى
العمر من ان يحيا الحياة الطبيعية التي يحياها المواطن العادي وان يحرم من الحقوق
المدنية التي يتمتع بها جميع افراد المجتمع خاصة اذا ما ابدى المحكوم عليه
استعدادا لذلك بحسن السيرة والسلوك ، اذ ليس من العدل ان يظل المحكوم عليه محروما
من هذه الحقوق طالما انه قد نال جزاءه عن مخالفته لاحكام القانون بتحمل عبء
العقوبة المقضي بها عليه)[sup][6][/sup]).
7. ولا
شك ان وجود اعادة الاعتبار في اي تشريع جزائي هو ادعى للعدالة كما بينا وهو ايضا
اقرب الى المنطق لانه لا يعقل ان يبقى مرتكب الجريمة بعد ادانته والحكم عليه بعقوبة
ما موصوفا بوصف المجرم الى مالا نهاية طالما ان العقوبة قد نفذت بحقه)[sup][7][/sup]). هذا
بالاضافة الى ميزة اخرى يحققها وجود اعادة الاعتبار وهي تشجيع ومساعدة المحكوم
عليه لكي يسلك الطريق القويم ويمارس حياته العادية كمواطن صالح متحرر من كل خوف او
قلق على مستقبله وعلى سمعته ، مما يؤدي به حتما الى الابتعاد عن طريق الجريمة )[sup][8][/sup]).
8. وتأخذ
الغالبية العظمى من التشريعات الجزائية بنظام اعادة الاعتبار)[sup][9][/sup]) وهو نظام
قديم يرجع في نشأته الى الرومان الذين عرفوا نظاما هو نوع من اعادة الاعتبار
وكانوا يطلقون عليه اسم Restitution in integrum)[10])
9. وفي
التشريع الفرنسي القديم فان نظام اعادة الاعتبار كان نوعا من العفو يصدر عن ولي
الامر الذي كان يرسل رسائل الى الحكام في الاقاليم تسمى (Lettres
de Rehabilitation) وكانت بمثابة
عفو عن المحكوم عليه )[sup][11][/sup]). ثم ادخل نظام اعادة الاعتبار في قانون العقوبات
الفرنسي الصادر سنة 1791م حيث نص عليه كحق مقرر للمحكوم عليه . وبعد ذلك بسنوات
ادراج نظام اعادة الاعتبار في قانون تحقيق الجنايات الصادر سنة 1808 بعد ان عدلت
نصوصه تعديلا من شأنه جعل هذا النظام في متناول عدد اكبر من المحكوم عليهم لكي
يستفيدوا منه .
10. ويعتبر
نظام اعادة الاعتبار فيما مضى عملا تشترك فيه السلطتان الادارية والقضائية ، حيث
كان رئيس الدولة يمنح اعادة الاعتبار بعد مطالعة راي غرفة الاتهام ، وبمقتضى قانون
14 آب سنة 1885 صار هذا النظام قضائيا ومن اختصاص محكمة الاستئناف دون غيرها وفي
عام 1899 ادخل نوع آخر من اعادة الاعتبار في التشريع الفرنسي وهو نظام اعادة
الاعتبار القانوني)[sup][12][/sup]) . ويندرج
اعادة الاعتبار في المواد من 782 وحتى المادة 799 ، من قانون الاجراءات الفرنسي
المعمول به حاليا والصادر سنة 1957.
11. وانتقل
نظام اعادة الاعتبار من فرنسا الى التشريعات الاخرى في اوروبا وفي العالم العربي ،
وفي وقتنا الحاضر فان اغلب التشريعات تأخذ بهذا النظام ومن ضمنها معظم تشريعات
الدول العربية ، الا ان التشريع الجزائي الاردني جاء خلوا من اعادة الاعتبار مما
يشكل ثغرة كبيرة لا بد من تلافيها وذلك بادخال تعديل على نصوص قانون العقوبات لادراج
نظام اعادة الاعتبار ضمن نصوصه ، ولعل هذا ما دفعني الى عمل هذه الدراسة من اجل
القاء بعض الضوء على هذا النظام الحساس ، والتعريف به وبيان جدواه وانواعه والاثار
المترتبة على الاخذ به ثم وضع بعض التوصيات والمقترحات المتعلقة بهذا الموضوع من
اجل تلافي الكثير من المشاكل العملية الناجمة عن غياب اعادة الاعتبار في التشريع
الجزائي الاردني .
12. وعلى
هذا الاساس فان الدراسة في هذا البحث سوف تعرض لاعادة الاعتبار كما هو كائن في بعض
التشريعات ، واستلهام ما يجب ان يكون عليه هذا النظام في التشريع الاردني وسوف
اقسم الموضوع الى اربعة فصول على النحو التالي :
الفصل الاول :
ما هية اعادة اعتبار – التعريف به والتفرقة بينه وبين بعض الانظمة
المشابهة له .
الفصل الثاني : انواع اعادة الاعتبار .
اعادة الاعتبار القضائي و اعادة
الاعتبار القانوني
الفصل الثالث : اثار اعادة الاعتبار والغاؤه .
الفصل الرابع : ما يجري عليه العمل في الاردن في غياب اعادة
الاعتبار .
واخيرا :
خاتمة : وتتضمن مقترحات وتوصيات .
الفصل
الاول
ماهية
اعادة الاعتبار
تعريف :
13- هو
وسيلة قانونية الغرض منها محو آثار الحكم القاضي بالادانة وكل ما نتج عنه من حرمان
من التمتع ببعض الحقوق المدنية ، فيصبح المحكوم عليه ابتداء من تاريخ اعادة
اعتباره في مركز من لم تسبق ادانته)[sup][13][/sup]).
14- يرمى
هذا النظام الى ان يعاد الى الفرد وضعه القانوني والاجتماعي الذي فقده على اثر
ادانته والحكم عليه بسبب ارتكابه جناية او جنحة وذلك وفق شروط محددة يقررها
القانون)[sup][14][/sup]). وهدفه هو " التخفيف من الاثار الاجتماعية
للاحكام الجزائية والتي تقف صحيفة السوابق فيها عائقا ضد المحكوم عليه في ان يشق طريقة العادي لكسب معاشه
")[sup][15][/sup]). ذلك ان
بعض العقوبات تستتبع عقوبات اخرى تبعية كالعزل من الوظيفة او عدم قبول المحكوم
عليه في وظيفة معينة الى غير ذلك من الحرمان من بعض الحقوق المدنية )[sup][16][/sup]) ، فإذا
استمرت آثار هذه العقوبات التبعية ، فمن شأن ذلك عزل المحكوم عليه عن مجتمعه مما
يرتب صعوبة اندماجه في المجتمع ؛ ولهذا السبب فان الكثير من التشريعات ، فتحت له
باب اعادة اعتباره حتى يتسنى له استعادة حقوقه وذلك عن طريق محو اثار الحكم
الجزائي حين تتحقق الشروط اللازمة لذلك.
15 -
وبامعان النظر في هذا النظام ، نجد انه لا ينصب على العقوبة لانها قد نفذت او
انقضت بالتقادم ، ولكنه يصيب الاثار المترتبة على هذه العقوبة فيزيلها عن عاتق
المحكوم عليه)[sup][17][/sup]) ، ويحرره
بذلك من كل ما يحول دون عودته واندماجه في مجتمعه . ذلك ان نظام اعادة الاعتبار
يستهدف في المقام الاول اعادة تأهيل المحكوم عليه طالما انه قد ثبت – وفقا لمعايير
معينة – زوال خطورته الاجرامية ، فلا يعود هناك داع لاستمرار اثار الحكم الجزائي
التي يقصد منها توقي الخطورة الاجرامية لمرتكب الجريمة وعلى هذا الاساس فان اعادة
الاعتبار هي بمثابة اعتراف اجتماعي بصلاح المحكوم عليه وعدوله عن سبيل الاجرام)[sup][18][/sup]). وحتى
نقدم صورة اوضح لاعادة الاعتبار يجب التفرقة بين هذا النظام وبين بعض الانظمة الاخرى
القريبة الشبه به وهي العفو العام ، اعادة المحاكمة ، اعادة الاعتبار التجاري
واعادة الاعتبار التأديبي في اربعة مباحث متتالية .
المبحث
الاول
اعادة
الاعتبار والعفو العام
16 -
العفو العام هو عمل من اعمال السلطة التشريعية يكون الهدف منه محو الجريمة فلا
يبقي لها اثرا ، اذ انه يمحو عن الفعل الجرمي المشمول به صفته الجنائية وذلك
بتعطيل نص التجريم الذي ينطبق على ذلك الفعل)[sup][19][/sup]).
17 -
والعفو العام قد يصدر بعد رفع الدعوى الجزائية بالنسبة للجريمة المشمولة به ،
عندئذ يكون العفو العام سببا من اسباب انقضاء الدعوى فلا يجوز تحريكها مرة اخرى عن
نفس الجريمة)[sup][20][/sup]) كما قد
يصدر العفو العام بعد رفع الدعوى الجزائية وبعد صدور حكم بات بالادانة ، فتكون
الدعوى والحالة هذه قد انقضت بصدور الحكم البات ويكون العفو العام سببا لاسقاط
العقوبة ، ذلك ان العفو العام يزيل حالة الاجرام من اساسها ويسقط بالتالي كل عقوبة
اصلية كانت ام فرعية)[sup][21][/sup]) وسواء صدر
العفو العام قبل الحكم ام بعده فانه وفي الحالتين يمحو كل ما وقع قبله فهو يمحو
الجريمة ويسقط الدعوى ويزيل العقوبة،ولا يعتبر مرتكب الجريمة المستفيد من العفو
العام وكأنه ارتكب جريمة قط )[sup][22][/sup]). "
وهو تدبير عام ملحوظ فيه الجرم لا شخص مرتكبه اذ لا يمنح لشخص أو اشخاص معنيين
بأسمائهم بل يمنح من اجل طائفة من الجرائم ارتكبت في ظروف معينة او في فترة معينة
من الزمن )[sup][23][/sup]).
18 -
وبمقارنة العفو العام مع اعادة الاعتبار نجد ان كليهما يؤثر على الحكم الصادر
بالادانة فيمحوه ويزيل كل اثر له :
ولكنهما يختلفان في ان اعادة الاعتبار يتجه الى المستقبل فقط فلا اثر له
على العقوبة التي انقضت بالتنفيذ وانما هو يصيب اثار تلك العقوبة واثار الادانة
فقط اما العفو العام فهو ينسحب الى الماضي ويمحو الجريمة لانه يزيل " حالة
الاجرام من اساسها)[sup][24][/sup]). والغرض
من اعادة الاعتبار هو مكافأة المحكوم عليه على حسن سلوكه ومساعدته على الاندماج
ثانية في المجتمع اما العفو العام فهو عادة تدبير سياسي غرضه " تسكين الخواطر واسبال ذيول النسيان على
بعض الحوادث ")[sup][25][/sup]) . واعادة
الاعتبار هو حق لكامل محكوم عليه اذا توافرت شروط تطبيقه بينما العفو العام هو
منحة من السلطة العامة كما ان نظام اعادة الاعتبار لا يتصور تطبيقه الا بعد صدور
حكم نهائي بعقوبة وبعد تنفيذ هذه العقوبة وانقضائها بالتقادم ، اما العفو العام
فلا يستلزم صدور حكم نهائي لانه قد يصدر قبل الحكم البات )[sup][26][/sup]).
المبحث
الثاني
اعادة
الاعتبار واعادة المحاكمة
19 -
من المعلوم انه حين يصدر الحكم ويصبح باتا – باستنفاذه طرق الطعن المقررة او بفوات
ميعاد الطعن فيه – فان هذا الحكم يحوز قوة الامر المقضي به Laforce de la chose jugeè، ولا يجوز بتاتا اعادة عرض نفس الموضوع على اية محكمة اخرى)[sup][27][/sup]) والقاضي
الذي اصدر الحكم لا يجوز له ان يعود الى البحث فيما قضي فيه : لان الدعوى قد خرجت
من حوزته واستنفذ فيها ولايته فلا سبيل الى ان ينظر فيها من جديد " )[sup][28][/sup]) . ويكون
الحكم البات حجة على القاضي الذي اصدره وحجة على القضاء وحجة على اطراف الدعوى
جميعهم .
20 - ولكن وفي بعض الحالات فانه يجوز اعادة المحاكمة
اذا شاب حكم الادانة الذي اصبح نهائيا عيب من العيوب ضمن حالات محددة اوردها
المشرع على سبيل الحصر)[sup][29][/sup]) . واعادة
المحاكمة هي احدى الطرق الاستثنائية للطعن في حكم صدر بالادانة وحاز قوة الامر المقضي
به ولكن اكتشف فيما بعد ان الحكم المذكور معيب بسبب خطأ قضائي او بسبب وقائع جديدة
لم تعرض امام محكمة الموضوع التي اصدرت حكم الادانة ، اما اعادة الاعتبار فانه
يفترض صدور حكم صحيح بالادانة كما يفترض تنفيذ العقوبة المقضي بها ولكن وبعد مرور
فترة من الزمن على انقضاء العقوبة فانه يجوز ازالة اثار العقوبة بأعادة الاعتبار
الى المحكوم عليه وهكذا فاننا نجد بأن كلا من اعادة الاعتبار واعادة المحاكمة يقوم
كل منهما على اساس مختلف تماما ، فالهدف من اعادة المحاكمة هو الغاء حكم قضائي
شابه عيب ما اما اعادة الاعتبار فيهدف الى الغاء اثار العقوبة المترتبة على حكم
قضائي صحيح)[sup][30][/sup]).
المبحث
الثالث
اعادة
الاعتبار التجاري
21 -
ورد النص على اعادة الاعتبار التجاري في المواد من 466 – 476 من قانون التجارة
الاردني رقم 12 لسنة 1966 ، وهو يعطي للتاجر الذي اشهر افلاسه الحق في اعادة
اعتباره – كتاجر – شريطة ان لا يكون افلاسه تقصيرا او احتياليا ، ذلك ان هذا النوع
من الافلاس يعتبر من جرائم القانون العام التي يعود اختصاص النظر فيها الى المحاكم
الجزائية)[sup][31][/sup]) . وعلى هذا الاساس فان التاجر الذي يثبت ارتكابه
لجريمة افلاس تقصيري او احتيالي يعد مرتكبا لجريمة تسجل له كسابقه في العود بعد
ادانته وعندئذ فانه لن يتمكن من رد اعتباره التجاري ، ذلك ان قانون التجارة يشترط
في المادة /475 ان يعاد اعتباره الجزائي حتى يتمكن من استعادة اعتباره التجاري)[sup][32][/sup]). وفي الحقيقة فان نص هذه المادة يثير الاستغراب
لانه يشترط لاعادة اعتبار التاجر المفلس احتياليا ان يعاد اعتباره الجزائي اولا ،
مع العلم بأن اعادة الاعتبار الجزائي لا وجود له في قانون الجزاء الاردني ، فيكون
المشرع بهذا النص قد علق امر اعادة الاعتبار التجاري على حدوث امر غير ممكن تحقيقه
لانه غير وارد اصلا ،ونرى ان المشرع الاردني لو كان قد نص على نظام اعادة الاعتبار
الجزائي في قانون العقوبات ، لما كان هذا التناقض ولا وجدت المادة / 475 المذكور
مجالا لانطباقها .
22 - واذا اعلن افلاس التاجر
( في غير حالات الافلاس التقصيري او
الاحتيالي ) فان قانون التجارة جعل من حق هذا التاجر استعادة اعتباره اما بقوة
القانون او عن طريق حكم قضائي .
23 - فبالنسبة لاعادة
الاعتبار القانوني للتاجر المفلس ، فان هذا الاخير يستعيد اعتباره حكما بعد مرور
عشر سنوات على اعلان الافلاس وبدون ان يقوم بأية معاملة اذا لم يكن مقصرا او
محتالا ( المادة 466/1 من قانون التجارة ) كذلك فان هذا التاجر يعاد اعتباره حكما
اذا اوفى جميع المبالغ المترتبة عليه من راس المال وفائدة ونفقات ( المادة 467/1
من قانون التجارة ))[sup][33][/sup]).
24 - اما بالنسبة لاعادة
الاعتبار التجاري عن طريق القضاء ، فان ذلك جائز بالنسبة للتاجر المفلس المعروف
بأمانته اذا قدم طلبا بذلك الى النائب العام في منطقة المحكمة التي اصدرت حكم
الافلاس ، ويقوم النائب العام باحالة الطلب مع جميع الاوراق المتعلقة بالموضوع
مصحوبة براية معللا الى المحكمة التي تدرس القضية ثم تصدر حكمها في جلسة علنية بعد
ان تكون قد اتخذت ما تراه مناسبا من اجراءات للتثبت من ان التاجر المفلس جدير باعادة
اعتباره او العكس ، فتقتضي باعادة الاعتبار في الحالة الاولى او تقتضي برد الطلب
الى صاحبه في الحالة الثانية وفي هذه الحالة الاخيرة وهي حالة رفض الحكم برد
اعتباره فان التاجر المفلس لا يستطيع ان يتقدم بطلب جديد لاعادة اعتباره قبل مرور
سنة على تاريخ رد طلبه الاول ( المادة 474/1 من قانون التجارة )([sup][34])[/sup].
25 - ومما ينبغي ملاحظته هو
ان اعادة الاعتبار التجاري يختلف كليا عن اعادة الاعتبار الجزائي ، فالاول يكون
الغرض منه ان يعاد اعتبار التاجر المفلس لكي يتمكن من العودة لممارسة مهنته وهي
التجارة وذلك على اساس ان الثقة التجارية الواجب توفرها فيه قد عادت اليه فيعاد
اعتباره ، اما بالنسبة لاعادة الاعتبار الجزائي فهو ذو معنى اشمل واوسع لانه
يتجاوز حدود التجارة والتجار لكي يشمل كل من ارتكب جناية او جنحة وادين عليه
بعقوبة لتلك الجريمة ، وهو يأخذ بعدا اجتماعيا ويهدف الى مساعدة المحكوم عليه بمحو
اثار العقوبة التي صدرت بحقه حتى يتمكن من استعادة حقوقه ومكانته الاجتماعية التي
فقدها بسبب الادانة )[sup][35][/sup]).
المبحث
الرابع
اعادة
الاعتبار التأديبي
26 -
هناك نوع اخر من اعادة الاعتبار وهو ما يسمى La
Rehabilitation Disciplinairè
، وترجمتها الى العربية هي اعادة الاعتبار التأديبي وقد عرفته فرنسا منذ اواخر
القرن الماضي ويستفيد منه بعض الموظفين الذين فصلوا من الخدمة بسبب مخالفة تأديبية
ارتكبوها ، وطبقا لهذا النظام فانه يجوز للموظف ان يقدم طلبا الى القضاء من اجل
اعادة اعتباره بعد انقضاء فترة زمنية من تاريخ القرار التأديبي الذي تضمن عزله من
وظيفته ، فاذا حكم القضاء باعادة اعتباره فانه يجوز قبوله من جديدة في الوظائف
العامة او في الهيئات التي حرم من الاندماج فيها نتيجة للقرار التأديبي الذي صدر
بحقه )[sup][36][/sup]) ، ولكن
اعادة اعتباره لا يعني ان يتولد له الحق في استعادة وظيفته طالما ان قرار عزله كان
صحيحا حيث صدوره .
27 - بعد هذا العرض الذي
بينا فيه ما هية اعادة الاعتبار ولمحة تاريخية عن هذا النظام ثم فرقنا بينه وبين
النظم المشابهة له فاننا ننتقل الان لدراسة انواع اعادة الاعتبار الجزائي .
الفصل الثاني
انواع
اعادة الاعتبار
لمحة عامة :-
28 - مر نظام اعادة الاعتبار
بمراحل عديدة حتى استقر على ما هو عليه الان ، ففي الدول التي ظهر فيها هذا النظام
، كان الملوك يقومون باصدار صكوك باعادة الاعتبار بالنسبة للمحكوم عليهم بأحكم جزائية
، ثم انتقل هذا الحق الى الهيئات الادارية فأصبحت هي المختصة باعادة الاعتبار وذلك
عن طريق اتباع اجراءات شكلية معينة ذات طابع علني حتى يحاط الناس علما بزوال اثر الحكم الجزائي ، بعد ذلك اصبح
امر اعادة الاعتبار ليس من اختصاص السلطة الادارية وحدها بل ايضا من اختصاص السلطة
القضائية ، وكان راي هذه الاخيرة استشاريا فقط وغير ملزم للسلطة التنفيذية التي
كان لها الكلمة الاخيرة في ان تقرر اعادة اعتبار المحكوم عليه او ان ترفض ذلك ،
واخيرا استقر الامر في يد السلطة القضائية ، واصبح من غير الجائز لاي جهة غيرها ان
تقرر اعادة الاعتبار )[sup][37][/sup]) ، ثم راى
المشرع ان يوجد نوعا اخر من اعادة الاعتبار يترتب بقوة القانون دون حاجة لاستصدار
حكم قضائي بذلك وهو ما يسمى باعادة الاعتبار القانوني .
29 - وهكذا فاننا نجد ان
اعادة الاعتبار قد مر بمراحل ثلاث حتى استقر على ما هو عليه الان : مرحلة اعادة الاعتبار الاداري ، مرحلة اعادة
الاعتبار القضائي واخيرا اعادة الاعتبار القانوني )[sup][38][/sup]) ، وفي
التشريعات المعاصرة نجد انها في معظمها تجمع بين اعادة الاعتبار بواسطة القضاء
واعادة الاعتبار بقوة القانون )[sup][39][/sup]) ، ولكل من
هذين الاسلوبين شروط وللمحكوم عليه ان يستعيد اعتباره عن اي من الطريقين "
فقد يلجأ الى الطريق القضائي فيجاب الى طلبه وقد يخفق لعدم تحقق القضاء من حسن
سيره ، فيرد اليه اعتباره بحكم القانون متى مضت المدة المقررة ، وكذلك الشأن اذا
لم يلجأ الى الطريق القضائي اصلا )[sup][40][/sup]).
30 - وفي مجال المفاضلة بين
نوعي اعادة الاعتبار ، نجد ان نظام اعادة الاعتبار القضائي لا يلقى اعتراضا من احد
في حين ان اعادة الاعتبار القانوني هو محل اعتراض البعض لانه يفترض افتراضا لا
يقبل اثبات عكسه حسن سير المحكوم عليه بمجرد مرور مدة زمنية معينة دون ان يدان
خلالها بارتكاب جناية او جنحة ، او حتى مع ارتكابه لها اذا نجح في اخفاء ما ارتكبه
، ولا شك ان ذلك سوف يسمح لشخص يعيش في حياة غير شريفة ويسلك سلوكا غير قويم
باستعادة اعتباره ، بينما في حالة اعادة الاعتبار القضائي فان الامر مختلف لان
القضاء سوف لن يحكم به الا بعد ان تقتنع المحكمة ، عن طريق البينات وعن طريق البحث
والاستقصاء والتثبت مما يعرض عليها من بيانات بأن سلوك المحكوم عليه الذي يطلب
اعادة اعتباره يدل على الاستقامه ، الا فان المحكمة سوف ترفض الطلب ، وبناء على
هذا الراي فان المؤتمر الدولي الثاني عشر لقانون العقوبات المنعقد في لاهاي سنة
1950 قد اوصى بأنه ( لكي يتحقق الغرض من اعادة الاعتبار يجب ان يكون اساسه فحص
حالة الطالب ، فلا يستعاد اعتباره بناء على قواعد مجرده ) )[sup][41][/sup])
31 - اما
الراي الغالب فانه يحبذ الاخذ بنظام اعادة الاعتبار القانوني الى جانب نظام اعادة
الاعتبار القضائي ، لان اعادة الاعتبار بقوة القانون هو نظام ( لا يخلو من فائدة
فهو يغني الكثير ممن يحرصون على اخفاء ماضيهم عن التعرض لكشف هذا الماضي اذا لجأوا
للطريق القضائي وما يستلزمه من تحقيقات هي بذاتها كفيلة بكشف المستور من امرهم ) )[sup][42][/sup]) .
32 - وحتى نستطيع ان نكون فكرة عن نوعي اعادة
الاعتبار فاننا سوف نقوم بدراسة كل نوع على حده ، وفي مبحث مستقل ، حتى يمكننا ان
نستخلص مزايا كل نظام واهميته .
0
In
the early development of penal law, rehabilitation was ignrored by most of
criminal legislatures.
According
to the modern criminal policy, the comparative legislation began to treat the
guilty, not as an enemy to the society, but as uncapable of adapting himself
with the society and with the society and its rules. From this point,
Rehabilitation is adopted by most of the legislators so as to facilitate the
reform of the convict and to permit him to join his society as an effective
element.
Rehabilitation
is not codified in the Jordanian legislation , even though it is necessary to
its new and civilized criminal policy.
These
papers are prepared to show our need of recognition and regulation of
Rehabilitation by the legislative authorities in Jordan in order to be codified in
the criminal procedures law.
ملخص
عند نشوء القوانين الجزائية لم يكن نظام اعادة
الاعتبار معروفا لدى معظم المشرعين ، ولكن مع التطور الحديث للسياسة الجنائية ،
صار المشرع ينظر الى مرتكب الجريمة ، ليس على اساس انه عدو للمجتمع ينبغي قصاصه ،
ولكن على اساس انه فرد فشل في التعايش مع المجتمع وفي التأقلم مع قوانينه وانظمته
.
لذلك فأن معظم التشريعات تبنت نظام اعادة
اعتبار المحكوم عليه الذي من شأنه ان يمحو اثار العقوبة التي نجمت عن ادانته
بارتكاب جريمة ما ، والهدف من هذا النظام هو السماح للمحكوم عليه بعد ان نفذت بحقه
العقوبة ، بأن ينضم الى صفوف المجتمع مرة اخرى كعضو فعال فيه .
ان اعادة الاعتبار غير مقتنن في التشريع
الجزائي الاردني ، وهو نظام نفتقده نظرا لضرورته واهميته في اعادة اصلاح المحكوم
عليه ، وذلك في ظل تشريع حديث يطبق سياسة جنائية مستنيرة .
وهذا البحث يظهر مدى الحاجة الى ادخال نظام
اعادة الاعتبار ضمن نصوص قانون العقوبات وقانون اصول المحاكمات الجزائية الاردني
من اجل فتح الطريق للمحكوم عليه الذي نفذت العقوبة بحقه كي ينخرط في المجتمع مرة
اخرى ، وحتى لا يبقى ماضية الاجرامي حجر
عثرة امامام عودته الى حياة اجتماعية طبيعية .
المقدمة
1. انسجاما
مع الافكار الحديثة حول العقوبة وفلسفتها، وتطبيقا لفكرة الرعاية اللاحقة للمحكوم
عليه باعتبارها من العناصر الجوهرية في السياسة الجنائية الحديثة )[1])، وانطلاقا
من مبدأ ان العقوبة غايتها هي اعادة اصلاح مرتكب الجريمة واعادة تأهيلة ؛ فإن ذلك
لن يتأتى طالما بقيت آثار هذه العقوبة تلاحق المحكوم عليه طوال حياته ، فلا بد اذن
من وضع حد للاثار السلبية التي يتركها الجزاء الجنائي الى ما بعد توقيعه على
الجاني .
2. ان
استمرار اثار العقوبة وبقاءها قائمة رغم انقضائها بالتنفيذ أو بالتقادم ، يشكل
وبالاً على من لحقت به تلك العقوبة ، فمن المعروف انه اذا حكم على شخص وادين
بارتكاب جناية او جنحة ثم وقعت عليه عقوبة ما ، فإن هذه العقوبة تتبعها عقوبات اخرى
كالعزل من الوظيفة وحرمان المحكوم عليه من حق التقدم لشغل وظيفة عامة الى غير ذلك
من الحرمان من بعض الحقوق المدنية ، ولا شك ان ذلك يؤدي الى الانتقاص من شخصية
المحكوم عليه مما يفقده مكانته الاجتماعية .
3. واذا
لم تتح للمحكوم عليه فرصة استعادة مكانته الاجتماعية بعد مرور فترة معينة على
الادانة ، فإن ذلك سيكون مدعاة لليأس بالنسبة له وربما دفعه يأسه هذا الى الانزلاق
مرة اخرى ، والعودة الى الجريمة طالما ان الابواب قد اقفلت في وجهه ، لذا ومن اجل
الحيلولة بين المحكوم عليه وبين هذا المصير فلا بد من ان يعطى فرصة لاستعادة
اعتباره شريطة ان يثبت صلاحيته لذلك وان يبدى استعدادا للاندماد ثانية في المجتمع )[sup][2][/sup]) .
4. ان
انقضاء العقوبة بمعناه الكامل لا يجب ان يقف عند حدود تنفيذها او عند حدود سقوطها
بالتقادم ، بل يجب ايضا ان يمتد الى المستقبل فيشمل ايضا انقضاء الاثار المترتبه
على هذه العقوبة ، وهذا الامر لا يمكن ان يتحقق الا بوجود نص في القانون يمحو
العقوبة واثارها معا – ضمن شروط معينة بطبيعة الحال – مما يترتب عليه اعادة اعتبار
من لحقت به تلك العقوبة نتيجة الحكم عليه بالادانة ، وهذا يعني انه وباعادة اعتبار
المحكوم عليه فان العقوبة الرئيسية تكون قد انقضت وانقصت معها العقوبات الفرعية
التي نجمت عنها)[sup][3][/sup]).
5. ولا
يخفى على احد انه ومع غياب نظام اعادة الاعتبار فان العقوبة المحكوم بها تنقضي
بالتنفيذ او بالتقادم ، لكن آثارها تبقى قائمة وتصبح كالقيد الثقيل الذي يحيط
بالمحكوم عليه ويشده لان يبقى في الجانب الاخر للمجتمع وهو جانب غير الشرفاء ،
فيصبح الحكم بالادانة وكأنه لعنة تلاحق من لحق به ، ويبقيه موصوما بالعار حتى اخر
العمر فلا يتمكن من الاندماج ثانية في الهيئة الاجتماعية التي هو احد
اعضائها. " وهذا الوضع شاذ ولا يتفق
مع منطق علاج الجاني واصلاحه ، لان خروج المحكوم عليه من السجن الى مجتمع يرفضه
ويسد ابواب العيش الشريف في وجهه ، سيزيده حقدا ويملؤه موجدة ، ويدفعه للامعان في
طريق الجريمة )[sup][4][/sup]).
6. ان
الله تعالى يقبل التوبة ، اذن فليس بكثير
على المشرع – وهو بشر – ان يقبل التوبة ممن ضل الطريق في يوم من الايام ، لذا
فان التشريع الجزائي في اي بلد عليه ان يأخذ بالحسبان ان من وقعت عليه عقوبة نتيجة
لحكم قضائي ونفذت بحه تلك العقوبة او انقضت بالتقادم لا بد له من ان يستفيد من
نظام اعادة الاعتبار وذلك بأن تمحي عنه كل اثار العقوبة التي كابدها ، لانه
وبتنفيذه للعقوبة تلك ، يكون قد ادى دينه نحو المجتمع .فالفرد بارتكابه للجريمة
تنشأ بينه وبين المجتمع " علاقة اشبه بعلاقة مديونية بمقتضاها يصبح المجرم
مدينا للمجتمع بدين اخلاقي لا يستطيع وفاءه الا بالجزاء الجنائي" )[sup][5][/sup]). وحين
يوفي المجرم دينه الاخلاقي هذا فلا مبرر ابدا لان يدفع دينا اضافيا وهو حرمانه مدى
العمر من ان يحيا الحياة الطبيعية التي يحياها المواطن العادي وان يحرم من الحقوق
المدنية التي يتمتع بها جميع افراد المجتمع خاصة اذا ما ابدى المحكوم عليه
استعدادا لذلك بحسن السيرة والسلوك ، اذ ليس من العدل ان يظل المحكوم عليه محروما
من هذه الحقوق طالما انه قد نال جزاءه عن مخالفته لاحكام القانون بتحمل عبء
العقوبة المقضي بها عليه)[sup][6][/sup]).
7. ولا
شك ان وجود اعادة الاعتبار في اي تشريع جزائي هو ادعى للعدالة كما بينا وهو ايضا
اقرب الى المنطق لانه لا يعقل ان يبقى مرتكب الجريمة بعد ادانته والحكم عليه بعقوبة
ما موصوفا بوصف المجرم الى مالا نهاية طالما ان العقوبة قد نفذت بحقه)[sup][7][/sup]). هذا
بالاضافة الى ميزة اخرى يحققها وجود اعادة الاعتبار وهي تشجيع ومساعدة المحكوم
عليه لكي يسلك الطريق القويم ويمارس حياته العادية كمواطن صالح متحرر من كل خوف او
قلق على مستقبله وعلى سمعته ، مما يؤدي به حتما الى الابتعاد عن طريق الجريمة )[sup][8][/sup]).
8. وتأخذ
الغالبية العظمى من التشريعات الجزائية بنظام اعادة الاعتبار)[sup][9][/sup]) وهو نظام
قديم يرجع في نشأته الى الرومان الذين عرفوا نظاما هو نوع من اعادة الاعتبار
وكانوا يطلقون عليه اسم Restitution in integrum)[10])
9. وفي
التشريع الفرنسي القديم فان نظام اعادة الاعتبار كان نوعا من العفو يصدر عن ولي
الامر الذي كان يرسل رسائل الى الحكام في الاقاليم تسمى (Lettres
de Rehabilitation) وكانت بمثابة
عفو عن المحكوم عليه )[sup][11][/sup]). ثم ادخل نظام اعادة الاعتبار في قانون العقوبات
الفرنسي الصادر سنة 1791م حيث نص عليه كحق مقرر للمحكوم عليه . وبعد ذلك بسنوات
ادراج نظام اعادة الاعتبار في قانون تحقيق الجنايات الصادر سنة 1808 بعد ان عدلت
نصوصه تعديلا من شأنه جعل هذا النظام في متناول عدد اكبر من المحكوم عليهم لكي
يستفيدوا منه .
10. ويعتبر
نظام اعادة الاعتبار فيما مضى عملا تشترك فيه السلطتان الادارية والقضائية ، حيث
كان رئيس الدولة يمنح اعادة الاعتبار بعد مطالعة راي غرفة الاتهام ، وبمقتضى قانون
14 آب سنة 1885 صار هذا النظام قضائيا ومن اختصاص محكمة الاستئناف دون غيرها وفي
عام 1899 ادخل نوع آخر من اعادة الاعتبار في التشريع الفرنسي وهو نظام اعادة
الاعتبار القانوني)[sup][12][/sup]) . ويندرج
اعادة الاعتبار في المواد من 782 وحتى المادة 799 ، من قانون الاجراءات الفرنسي
المعمول به حاليا والصادر سنة 1957.
11. وانتقل
نظام اعادة الاعتبار من فرنسا الى التشريعات الاخرى في اوروبا وفي العالم العربي ،
وفي وقتنا الحاضر فان اغلب التشريعات تأخذ بهذا النظام ومن ضمنها معظم تشريعات
الدول العربية ، الا ان التشريع الجزائي الاردني جاء خلوا من اعادة الاعتبار مما
يشكل ثغرة كبيرة لا بد من تلافيها وذلك بادخال تعديل على نصوص قانون العقوبات لادراج
نظام اعادة الاعتبار ضمن نصوصه ، ولعل هذا ما دفعني الى عمل هذه الدراسة من اجل
القاء بعض الضوء على هذا النظام الحساس ، والتعريف به وبيان جدواه وانواعه والاثار
المترتبة على الاخذ به ثم وضع بعض التوصيات والمقترحات المتعلقة بهذا الموضوع من
اجل تلافي الكثير من المشاكل العملية الناجمة عن غياب اعادة الاعتبار في التشريع
الجزائي الاردني .
12. وعلى
هذا الاساس فان الدراسة في هذا البحث سوف تعرض لاعادة الاعتبار كما هو كائن في بعض
التشريعات ، واستلهام ما يجب ان يكون عليه هذا النظام في التشريع الاردني وسوف
اقسم الموضوع الى اربعة فصول على النحو التالي :
الفصل الاول :
ما هية اعادة اعتبار – التعريف به والتفرقة بينه وبين بعض الانظمة
المشابهة له .
الفصل الثاني : انواع اعادة الاعتبار .
اعادة الاعتبار القضائي و اعادة
الاعتبار القانوني
الفصل الثالث : اثار اعادة الاعتبار والغاؤه .
الفصل الرابع : ما يجري عليه العمل في الاردن في غياب اعادة
الاعتبار .
واخيرا :
خاتمة : وتتضمن مقترحات وتوصيات .
الفصل
الاول
ماهية
اعادة الاعتبار
تعريف :
13- هو
وسيلة قانونية الغرض منها محو آثار الحكم القاضي بالادانة وكل ما نتج عنه من حرمان
من التمتع ببعض الحقوق المدنية ، فيصبح المحكوم عليه ابتداء من تاريخ اعادة
اعتباره في مركز من لم تسبق ادانته)[sup][13][/sup]).
14- يرمى
هذا النظام الى ان يعاد الى الفرد وضعه القانوني والاجتماعي الذي فقده على اثر
ادانته والحكم عليه بسبب ارتكابه جناية او جنحة وذلك وفق شروط محددة يقررها
القانون)[sup][14][/sup]). وهدفه هو " التخفيف من الاثار الاجتماعية
للاحكام الجزائية والتي تقف صحيفة السوابق فيها عائقا ضد المحكوم عليه في ان يشق طريقة العادي لكسب معاشه
")[sup][15][/sup]). ذلك ان
بعض العقوبات تستتبع عقوبات اخرى تبعية كالعزل من الوظيفة او عدم قبول المحكوم
عليه في وظيفة معينة الى غير ذلك من الحرمان من بعض الحقوق المدنية )[sup][16][/sup]) ، فإذا
استمرت آثار هذه العقوبات التبعية ، فمن شأن ذلك عزل المحكوم عليه عن مجتمعه مما
يرتب صعوبة اندماجه في المجتمع ؛ ولهذا السبب فان الكثير من التشريعات ، فتحت له
باب اعادة اعتباره حتى يتسنى له استعادة حقوقه وذلك عن طريق محو اثار الحكم
الجزائي حين تتحقق الشروط اللازمة لذلك.
15 -
وبامعان النظر في هذا النظام ، نجد انه لا ينصب على العقوبة لانها قد نفذت او
انقضت بالتقادم ، ولكنه يصيب الاثار المترتبة على هذه العقوبة فيزيلها عن عاتق
المحكوم عليه)[sup][17][/sup]) ، ويحرره
بذلك من كل ما يحول دون عودته واندماجه في مجتمعه . ذلك ان نظام اعادة الاعتبار
يستهدف في المقام الاول اعادة تأهيل المحكوم عليه طالما انه قد ثبت – وفقا لمعايير
معينة – زوال خطورته الاجرامية ، فلا يعود هناك داع لاستمرار اثار الحكم الجزائي
التي يقصد منها توقي الخطورة الاجرامية لمرتكب الجريمة وعلى هذا الاساس فان اعادة
الاعتبار هي بمثابة اعتراف اجتماعي بصلاح المحكوم عليه وعدوله عن سبيل الاجرام)[sup][18][/sup]). وحتى
نقدم صورة اوضح لاعادة الاعتبار يجب التفرقة بين هذا النظام وبين بعض الانظمة الاخرى
القريبة الشبه به وهي العفو العام ، اعادة المحاكمة ، اعادة الاعتبار التجاري
واعادة الاعتبار التأديبي في اربعة مباحث متتالية .
المبحث
الاول
اعادة
الاعتبار والعفو العام
16 -
العفو العام هو عمل من اعمال السلطة التشريعية يكون الهدف منه محو الجريمة فلا
يبقي لها اثرا ، اذ انه يمحو عن الفعل الجرمي المشمول به صفته الجنائية وذلك
بتعطيل نص التجريم الذي ينطبق على ذلك الفعل)[sup][19][/sup]).
17 -
والعفو العام قد يصدر بعد رفع الدعوى الجزائية بالنسبة للجريمة المشمولة به ،
عندئذ يكون العفو العام سببا من اسباب انقضاء الدعوى فلا يجوز تحريكها مرة اخرى عن
نفس الجريمة)[sup][20][/sup]) كما قد
يصدر العفو العام بعد رفع الدعوى الجزائية وبعد صدور حكم بات بالادانة ، فتكون
الدعوى والحالة هذه قد انقضت بصدور الحكم البات ويكون العفو العام سببا لاسقاط
العقوبة ، ذلك ان العفو العام يزيل حالة الاجرام من اساسها ويسقط بالتالي كل عقوبة
اصلية كانت ام فرعية)[sup][21][/sup]) وسواء صدر
العفو العام قبل الحكم ام بعده فانه وفي الحالتين يمحو كل ما وقع قبله فهو يمحو
الجريمة ويسقط الدعوى ويزيل العقوبة،ولا يعتبر مرتكب الجريمة المستفيد من العفو
العام وكأنه ارتكب جريمة قط )[sup][22][/sup]). "
وهو تدبير عام ملحوظ فيه الجرم لا شخص مرتكبه اذ لا يمنح لشخص أو اشخاص معنيين
بأسمائهم بل يمنح من اجل طائفة من الجرائم ارتكبت في ظروف معينة او في فترة معينة
من الزمن )[sup][23][/sup]).
18 -
وبمقارنة العفو العام مع اعادة الاعتبار نجد ان كليهما يؤثر على الحكم الصادر
بالادانة فيمحوه ويزيل كل اثر له :
ولكنهما يختلفان في ان اعادة الاعتبار يتجه الى المستقبل فقط فلا اثر له
على العقوبة التي انقضت بالتنفيذ وانما هو يصيب اثار تلك العقوبة واثار الادانة
فقط اما العفو العام فهو ينسحب الى الماضي ويمحو الجريمة لانه يزيل " حالة
الاجرام من اساسها)[sup][24][/sup]). والغرض
من اعادة الاعتبار هو مكافأة المحكوم عليه على حسن سلوكه ومساعدته على الاندماج
ثانية في المجتمع اما العفو العام فهو عادة تدبير سياسي غرضه " تسكين الخواطر واسبال ذيول النسيان على
بعض الحوادث ")[sup][25][/sup]) . واعادة
الاعتبار هو حق لكامل محكوم عليه اذا توافرت شروط تطبيقه بينما العفو العام هو
منحة من السلطة العامة كما ان نظام اعادة الاعتبار لا يتصور تطبيقه الا بعد صدور
حكم نهائي بعقوبة وبعد تنفيذ هذه العقوبة وانقضائها بالتقادم ، اما العفو العام
فلا يستلزم صدور حكم نهائي لانه قد يصدر قبل الحكم البات )[sup][26][/sup]).
المبحث
الثاني
اعادة
الاعتبار واعادة المحاكمة
19 -
من المعلوم انه حين يصدر الحكم ويصبح باتا – باستنفاذه طرق الطعن المقررة او بفوات
ميعاد الطعن فيه – فان هذا الحكم يحوز قوة الامر المقضي به Laforce de la chose jugeè، ولا يجوز بتاتا اعادة عرض نفس الموضوع على اية محكمة اخرى)[sup][27][/sup]) والقاضي
الذي اصدر الحكم لا يجوز له ان يعود الى البحث فيما قضي فيه : لان الدعوى قد خرجت
من حوزته واستنفذ فيها ولايته فلا سبيل الى ان ينظر فيها من جديد " )[sup][28][/sup]) . ويكون
الحكم البات حجة على القاضي الذي اصدره وحجة على القضاء وحجة على اطراف الدعوى
جميعهم .
20 - ولكن وفي بعض الحالات فانه يجوز اعادة المحاكمة
اذا شاب حكم الادانة الذي اصبح نهائيا عيب من العيوب ضمن حالات محددة اوردها
المشرع على سبيل الحصر)[sup][29][/sup]) . واعادة
المحاكمة هي احدى الطرق الاستثنائية للطعن في حكم صدر بالادانة وحاز قوة الامر المقضي
به ولكن اكتشف فيما بعد ان الحكم المذكور معيب بسبب خطأ قضائي او بسبب وقائع جديدة
لم تعرض امام محكمة الموضوع التي اصدرت حكم الادانة ، اما اعادة الاعتبار فانه
يفترض صدور حكم صحيح بالادانة كما يفترض تنفيذ العقوبة المقضي بها ولكن وبعد مرور
فترة من الزمن على انقضاء العقوبة فانه يجوز ازالة اثار العقوبة بأعادة الاعتبار
الى المحكوم عليه وهكذا فاننا نجد بأن كلا من اعادة الاعتبار واعادة المحاكمة يقوم
كل منهما على اساس مختلف تماما ، فالهدف من اعادة المحاكمة هو الغاء حكم قضائي
شابه عيب ما اما اعادة الاعتبار فيهدف الى الغاء اثار العقوبة المترتبة على حكم
قضائي صحيح)[sup][30][/sup]).
المبحث
الثالث
اعادة
الاعتبار التجاري
21 -
ورد النص على اعادة الاعتبار التجاري في المواد من 466 – 476 من قانون التجارة
الاردني رقم 12 لسنة 1966 ، وهو يعطي للتاجر الذي اشهر افلاسه الحق في اعادة
اعتباره – كتاجر – شريطة ان لا يكون افلاسه تقصيرا او احتياليا ، ذلك ان هذا النوع
من الافلاس يعتبر من جرائم القانون العام التي يعود اختصاص النظر فيها الى المحاكم
الجزائية)[sup][31][/sup]) . وعلى هذا الاساس فان التاجر الذي يثبت ارتكابه
لجريمة افلاس تقصيري او احتيالي يعد مرتكبا لجريمة تسجل له كسابقه في العود بعد
ادانته وعندئذ فانه لن يتمكن من رد اعتباره التجاري ، ذلك ان قانون التجارة يشترط
في المادة /475 ان يعاد اعتباره الجزائي حتى يتمكن من استعادة اعتباره التجاري)[sup][32][/sup]). وفي الحقيقة فان نص هذه المادة يثير الاستغراب
لانه يشترط لاعادة اعتبار التاجر المفلس احتياليا ان يعاد اعتباره الجزائي اولا ،
مع العلم بأن اعادة الاعتبار الجزائي لا وجود له في قانون الجزاء الاردني ، فيكون
المشرع بهذا النص قد علق امر اعادة الاعتبار التجاري على حدوث امر غير ممكن تحقيقه
لانه غير وارد اصلا ،ونرى ان المشرع الاردني لو كان قد نص على نظام اعادة الاعتبار
الجزائي في قانون العقوبات ، لما كان هذا التناقض ولا وجدت المادة / 475 المذكور
مجالا لانطباقها .
22 - واذا اعلن افلاس التاجر
( في غير حالات الافلاس التقصيري او
الاحتيالي ) فان قانون التجارة جعل من حق هذا التاجر استعادة اعتباره اما بقوة
القانون او عن طريق حكم قضائي .
23 - فبالنسبة لاعادة
الاعتبار القانوني للتاجر المفلس ، فان هذا الاخير يستعيد اعتباره حكما بعد مرور
عشر سنوات على اعلان الافلاس وبدون ان يقوم بأية معاملة اذا لم يكن مقصرا او
محتالا ( المادة 466/1 من قانون التجارة ) كذلك فان هذا التاجر يعاد اعتباره حكما
اذا اوفى جميع المبالغ المترتبة عليه من راس المال وفائدة ونفقات ( المادة 467/1
من قانون التجارة ))[sup][33][/sup]).
24 - اما بالنسبة لاعادة
الاعتبار التجاري عن طريق القضاء ، فان ذلك جائز بالنسبة للتاجر المفلس المعروف
بأمانته اذا قدم طلبا بذلك الى النائب العام في منطقة المحكمة التي اصدرت حكم
الافلاس ، ويقوم النائب العام باحالة الطلب مع جميع الاوراق المتعلقة بالموضوع
مصحوبة براية معللا الى المحكمة التي تدرس القضية ثم تصدر حكمها في جلسة علنية بعد
ان تكون قد اتخذت ما تراه مناسبا من اجراءات للتثبت من ان التاجر المفلس جدير باعادة
اعتباره او العكس ، فتقتضي باعادة الاعتبار في الحالة الاولى او تقتضي برد الطلب
الى صاحبه في الحالة الثانية وفي هذه الحالة الاخيرة وهي حالة رفض الحكم برد
اعتباره فان التاجر المفلس لا يستطيع ان يتقدم بطلب جديد لاعادة اعتباره قبل مرور
سنة على تاريخ رد طلبه الاول ( المادة 474/1 من قانون التجارة )([sup][34])[/sup].
25 - ومما ينبغي ملاحظته هو
ان اعادة الاعتبار التجاري يختلف كليا عن اعادة الاعتبار الجزائي ، فالاول يكون
الغرض منه ان يعاد اعتبار التاجر المفلس لكي يتمكن من العودة لممارسة مهنته وهي
التجارة وذلك على اساس ان الثقة التجارية الواجب توفرها فيه قد عادت اليه فيعاد
اعتباره ، اما بالنسبة لاعادة الاعتبار الجزائي فهو ذو معنى اشمل واوسع لانه
يتجاوز حدود التجارة والتجار لكي يشمل كل من ارتكب جناية او جنحة وادين عليه
بعقوبة لتلك الجريمة ، وهو يأخذ بعدا اجتماعيا ويهدف الى مساعدة المحكوم عليه بمحو
اثار العقوبة التي صدرت بحقه حتى يتمكن من استعادة حقوقه ومكانته الاجتماعية التي
فقدها بسبب الادانة )[sup][35][/sup]).
المبحث
الرابع
اعادة
الاعتبار التأديبي
26 -
هناك نوع اخر من اعادة الاعتبار وهو ما يسمى La
Rehabilitation Disciplinairè
، وترجمتها الى العربية هي اعادة الاعتبار التأديبي وقد عرفته فرنسا منذ اواخر
القرن الماضي ويستفيد منه بعض الموظفين الذين فصلوا من الخدمة بسبب مخالفة تأديبية
ارتكبوها ، وطبقا لهذا النظام فانه يجوز للموظف ان يقدم طلبا الى القضاء من اجل
اعادة اعتباره بعد انقضاء فترة زمنية من تاريخ القرار التأديبي الذي تضمن عزله من
وظيفته ، فاذا حكم القضاء باعادة اعتباره فانه يجوز قبوله من جديدة في الوظائف
العامة او في الهيئات التي حرم من الاندماج فيها نتيجة للقرار التأديبي الذي صدر
بحقه )[sup][36][/sup]) ، ولكن
اعادة اعتباره لا يعني ان يتولد له الحق في استعادة وظيفته طالما ان قرار عزله كان
صحيحا حيث صدوره .
27 - بعد هذا العرض الذي
بينا فيه ما هية اعادة الاعتبار ولمحة تاريخية عن هذا النظام ثم فرقنا بينه وبين
النظم المشابهة له فاننا ننتقل الان لدراسة انواع اعادة الاعتبار الجزائي .
الفصل الثاني
انواع
اعادة الاعتبار
لمحة عامة :-
28 - مر نظام اعادة الاعتبار
بمراحل عديدة حتى استقر على ما هو عليه الان ، ففي الدول التي ظهر فيها هذا النظام
، كان الملوك يقومون باصدار صكوك باعادة الاعتبار بالنسبة للمحكوم عليهم بأحكم جزائية
، ثم انتقل هذا الحق الى الهيئات الادارية فأصبحت هي المختصة باعادة الاعتبار وذلك
عن طريق اتباع اجراءات شكلية معينة ذات طابع علني حتى يحاط الناس علما بزوال اثر الحكم الجزائي ، بعد ذلك اصبح
امر اعادة الاعتبار ليس من اختصاص السلطة الادارية وحدها بل ايضا من اختصاص السلطة
القضائية ، وكان راي هذه الاخيرة استشاريا فقط وغير ملزم للسلطة التنفيذية التي
كان لها الكلمة الاخيرة في ان تقرر اعادة اعتبار المحكوم عليه او ان ترفض ذلك ،
واخيرا استقر الامر في يد السلطة القضائية ، واصبح من غير الجائز لاي جهة غيرها ان
تقرر اعادة الاعتبار )[sup][37][/sup]) ، ثم راى
المشرع ان يوجد نوعا اخر من اعادة الاعتبار يترتب بقوة القانون دون حاجة لاستصدار
حكم قضائي بذلك وهو ما يسمى باعادة الاعتبار القانوني .
29 - وهكذا فاننا نجد ان
اعادة الاعتبار قد مر بمراحل ثلاث حتى استقر على ما هو عليه الان : مرحلة اعادة الاعتبار الاداري ، مرحلة اعادة
الاعتبار القضائي واخيرا اعادة الاعتبار القانوني )[sup][38][/sup]) ، وفي
التشريعات المعاصرة نجد انها في معظمها تجمع بين اعادة الاعتبار بواسطة القضاء
واعادة الاعتبار بقوة القانون )[sup][39][/sup]) ، ولكل من
هذين الاسلوبين شروط وللمحكوم عليه ان يستعيد اعتباره عن اي من الطريقين "
فقد يلجأ الى الطريق القضائي فيجاب الى طلبه وقد يخفق لعدم تحقق القضاء من حسن
سيره ، فيرد اليه اعتباره بحكم القانون متى مضت المدة المقررة ، وكذلك الشأن اذا
لم يلجأ الى الطريق القضائي اصلا )[sup][40][/sup]).
30 - وفي مجال المفاضلة بين
نوعي اعادة الاعتبار ، نجد ان نظام اعادة الاعتبار القضائي لا يلقى اعتراضا من احد
في حين ان اعادة الاعتبار القانوني هو محل اعتراض البعض لانه يفترض افتراضا لا
يقبل اثبات عكسه حسن سير المحكوم عليه بمجرد مرور مدة زمنية معينة دون ان يدان
خلالها بارتكاب جناية او جنحة ، او حتى مع ارتكابه لها اذا نجح في اخفاء ما ارتكبه
، ولا شك ان ذلك سوف يسمح لشخص يعيش في حياة غير شريفة ويسلك سلوكا غير قويم
باستعادة اعتباره ، بينما في حالة اعادة الاعتبار القضائي فان الامر مختلف لان
القضاء سوف لن يحكم به الا بعد ان تقتنع المحكمة ، عن طريق البينات وعن طريق البحث
والاستقصاء والتثبت مما يعرض عليها من بيانات بأن سلوك المحكوم عليه الذي يطلب
اعادة اعتباره يدل على الاستقامه ، الا فان المحكمة سوف ترفض الطلب ، وبناء على
هذا الراي فان المؤتمر الدولي الثاني عشر لقانون العقوبات المنعقد في لاهاي سنة
1950 قد اوصى بأنه ( لكي يتحقق الغرض من اعادة الاعتبار يجب ان يكون اساسه فحص
حالة الطالب ، فلا يستعاد اعتباره بناء على قواعد مجرده ) )[sup][41][/sup])
31 - اما
الراي الغالب فانه يحبذ الاخذ بنظام اعادة الاعتبار القانوني الى جانب نظام اعادة
الاعتبار القضائي ، لان اعادة الاعتبار بقوة القانون هو نظام ( لا يخلو من فائدة
فهو يغني الكثير ممن يحرصون على اخفاء ماضيهم عن التعرض لكشف هذا الماضي اذا لجأوا
للطريق القضائي وما يستلزمه من تحقيقات هي بذاتها كفيلة بكشف المستور من امرهم ) )[sup][42][/sup]) .
32 - وحتى نستطيع ان نكون فكرة عن نوعي اعادة
الاعتبار فاننا سوف نقوم بدراسة كل نوع على حده ، وفي مبحث مستقل ، حتى يمكننا ان
نستخلص مزايا كل نظام واهميته .
0