اتفاق التحكيم
وقراءة فى بعض المشكلات العملية
صابــر عمــار
المحامى بالنقض والإدارية والدستورية العليا
المحكم المقيد بغرفة التجارة الدولية بباريس
المحكم المقيد بغرفة التحكيم لدول الخليج ـ المنامة
محاضرة القيت اليوم بنقابة المحامين
مايو 2006
الجزء الأول
اتفــاق التحكيــم
مقدمــة:
التحكيم طبقاً لما استقرت محكمتنا الدستورية العليا على تعريفه بأنه
"عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باخيتارهما أو بتفويض منهما
وفقا لشروط يحددنها ليفصل في النزاع بقرار يقطع دابر الخصومة، وبعد أن يدلى كل منهما
بوجهة نظره من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وبذلك يكون التحكيم عملا إرادياً، ركيزته
أتفاق خاص، مبناه اتجاه ارادة المحتكمين إلى ولوج هذا الطريق لفض الخصومات بدلاً من
القضاء العادي، ومقتضاه حجب المحاكم عن نظر المسائل التي يتناولها. استثناء من اصل
خضوعها لولايتها."
(الدعوى الدستورية
155/ 20 ق دستورية 13/1/ 2002 الجريدة الرسمية العدد 4 (تابع) فـي 24/1/2002).
ويتضح من عبارات المحكمة الدستورية العليا إن الإرادة هي العمود الفقري
للتحكيم، فهو يقوم على احترام إرادة طرفي التحكيم بإفساح الحرية لهما لتنظيمه بالكيفية
التي تناسبهما "فالحرية هي عماد نظام التحكيم" (اتفاق التحكيم – د. ناريمان
عبد القادر – ط 96 ص 136) وكانت محكمة النقض قد عرفته بأنه "طريق استثنائي لفض
الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور
حتما على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم" (نقض 16 / 2 /
71 سنة 22 ص 179 ـ منشور بـ التعليق على قانون المرافعات ـ الديناصورى وعكاز ـ ط 7
ص 1506 ، 1507)0
وقد صدر القانون 27/94 الخاص بالتحكيم في المواد المدنية والتجارية، ونظم
في الباب الثاني فيه اتفاق التحكيم على النحو الذي سنراه تفصيلا وسنعرض له من خلال
عرضنا للنقاط التالية: تعريفه، صوره، شروط صحته، الآثار المترتبة عليه، ثم انتهاء الاتفاق
ونعرض لمسائلة هامة وهى استقلال شرط التحكيم، والقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم0
أولاً
تعريف اتفاق التحكيم
1) تعريف اتفاق
التحكيم طبقالاتفاقية نيويورك 1958:
قضت المادة الثانية من الاتفاقية
" أ) تعترف كل
دولة متعاقده بالاتفاق المكتوب الذى يلتزم بمقتضاه الاطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أوبعض
المنازعات الناشئة أو التى تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير
التعاقدية المتعلقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم0
ب) يقصد " باتفاق التحكيم " شرط التحكيم فى عقد أو اتفاق التحكيم
الموقع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذى تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات 0
ج) على محكمة الدولة المتعاقدة التى يطرح أمامهانزاع حول موضوع كان محل
اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد فى هذه المادة _ أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم
الىالتحكيم وذلك مالم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له أو غير قابل
للتطبيق 0
2) التعريف طبقا للقانون
النموذجى المعد بمعرفة لجنةالتحكيم التجارى الدولى ) بصيغته التى اعتمدتها لجنة الأمم
المتحدة للقانون التجارى الدولى فى 21حزيران / يونيه 1985
اليونيسترال ):
1"ـ "اتفاق
التحكيم" هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات
المحددة التى نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير
تعاقدية ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم فى صورة شرط تحكيم وارد فى عقد أو صورة اتفاق
منفصل.
2ـ يجب أن يكون اتفاق
التحكيم مكتوبا ـ ويعتبر الاتفاق مكتوبا إذا ورد فى وثيقة موقعة من الطرفين أو فى تبادل
رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال السلكى واللاسلكى تكون بمثابة
سجل للاتفاق أو فى تبادل لبيانات الادعاء والدفاع يقول فيه أحد الطرفين بوجود اتفاق
ولا ينكره الطرف الآخر وتعتبر الاشارة فى عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط للتحكيم بمثابة
اتفاق تحكيم شريطة أن يكون العقد وأن تكون الاشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءا
من العقد"
3)التعريفات المحلية
"
أ) تعريف محكمة النقض المصرية
"التحكيم طريق
إستثنائى لفض الخصومات قوامه الخروج على طريق التقاضى العادية فهو مقصور على ما تنصرف
إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم، يستوى فى ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم
فى نزاع معين بوثيقة خاصة أو إنصراف إلى جميع المنازعات التى تنشأ عن تنفيذ عقد معين
فلا يمتد نطاق التحكيم إلى عقد لم تنصرف إرادة الطرفين إلى فض النزاع بشأنه عن طريق
التحكيم، أو إلى إتفاق لاحق له ما لم يكن بينهما رباط لا ينفصم بحيث لا يستكمل - دون
الجمع بينهما - اتفاق، أو يفض مع الفصل بينهما خلاف ."
[الفقرة رقم 2 من الطعن
رقم 52 سنة قضائية 60 - تاريخ الجلسة 27 / 02 / 1994]
ب)تعريف المحكمة الدستورية العليا :
الاصل فى التحكيم هو عرض نزاع معن بين طرفين على محكم من الاغيار يعين
باختيارهما او بتفويض منهما او على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم فى النزاع بقرار
يكون نائيا عن شبهة الممالأة مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة فى جوانبها التى
احالها الطرفان اليه بعد ان يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضى
الرئيسية ولا يجوز بحال ان يكون التحكيم اجباريا يذعن اليه احد الطرفين انفاذا لقاعدة
قانونية او محتملا ذلك ان التحكيم مصدره الاتفاق اذ يحدد طرفاه - وفقا لاحكامه - نطاق
الحقوق المتنازع عليها بينهما او المسائل الخلافية التى يمكن ان تعرض لهما واليه ترتد
السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها ويلتزم المحتكمون بالنزول على
القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذا كاملا وفقا لفحواه ليؤولالتحكيم الى وسيلة فنية لها
طبيع قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من اطرافها وركيزته اتفاق
خاص يستمد منه سلطاتهم ولا يتولون مهامهم بالتالى باسناد من الدولة .
[ الطعن رقم 104 سنة
قضائية 20دستورية- تاريخ الجلسة 3/7/1999]
كما قضت فى حكم آخر :
" الاصل فى التحكيم
- على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الاغيار
يعين باختيارهما او بتفويض منهما او على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم فى ذلك
النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة فى
جوانبها التى احالها الطرفان اليه بعد ان يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيليا من خلال
ضمانات التقاضى الرئيسية . ولا يجوز بحال ان يكون التحكيم اجباريا يذعن اليه احد الطرفين
انفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها وذلك سواء كان موضوع الحكيم
نزاعا قائما او محتملا ذلك ان التحكيم مصدره الاتفاق اذ يحدد طرفاه - وفقا لاحكامه
- نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما او المسائل الخلافية التى يمكن ان تعرض لهما واليت
ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها وهما يستمدان من اتفاقهما
على التحكيم التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذا كاملا وفقا لفحواه
ليؤول التحكيم الى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل
اهتمام من اطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد الحكام منه سلطانهم ولا تولون مهامهم بالتالى
باسناد من الدولة وبهذه المثابة فان التحكيم يعتبر نظاما بديلا عن القضاء فلا يجتمعان
ذلك ان مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من اصل خضوعها
لولايتها ."
الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 84 سنة قضائية 19 دستورية - تاريخ الجلسة
06 / 11 / 1999)
ج) تعريف المادة 10 من قانون التحكيم:
اتفاق بمقتضاه يعهد طرفي منازعة عقدية أو غير عقدية بموجب أرادتها الحرة
قبل نشوء المنازعة أو بعدها، إلى شخص يحددانه للفصل في هذه المنازعة بحكم، بدلا من
اللجوء إلى قضاء الدولة، وهو ما تكلفت به المادة العاشرة من القانون 27 لسنة 94 (۱)
وهو بموجب كونه اتفاق ـ أي عقد ـ يلزم فيه كافه شروط التعاقد سواء كانت
شروط صحة من رضاء صحيح ومحل مشروع وممكن وسبب مشروع بالإضافة إلى الشروط الموضوعية
الخاصة (مادة 11 من قانون 27/94) وشروط شكلية (مادة 12 من القانون 27/94) .
ثانياً
صور اتفاق التحكيم
أشارت المادة العاشرة إلى صور ثلاث يمكن لاتفاق التحكيم إن يتجسد في إحداهم
بالإضافة إلى ما ورد بالمادة (12) وهى:
(1) شرط التحكيم
المقصود به إن يرد في شكل شرط في عقد من العقود يقضى بأن أي نزاع حول إعمال
أو تفسير أو تنفيذ العقد أو أ حد شروطه يتم تسويته عن طريق التحكيم وهذا بالطبيعي يقتضى
أن تكون العلاقة عقدية وان يكون الشرط سابقا على قيام المنازعة.
(2) مشارطة التحكيم
أن يبرم طرفا العقد وثيقة مستقلة سواء كانت العلاقة الأصلية علاقة تعاقدية
أو غيـر تعاقدية، يتفق فيها على تسوية المنازعة التي يحددانها عن طريق التحكيم.
ويتصور أن تكون مشارطة التحكيم سابقة على نشوء المنازعة أو بعد نشوئها.
(3) الإحالة إلى وثيقة
أخرى تتضمن شرط تحكيم
يشترط أن تكون الإحالة واضحة وأن يكون شرط التحكيم الوارد في هذه الوثيقة
– المحال إليها – جزء من الإتفاق المبرم بين الطرفين(۱) .
(4) المراسلات المتبادلة
إذا تضمنت اتفاق تحكيم
عرفت المادة (12) من قانون التحكيم المصري شكلا رابعا من أشكال الاتفاق
علي التحكيم وهو الاتفاق المكتوب الذي تضمنه محرر موقع بين الطرفين إذا تضمنه ما يتبادله
الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة0
ثالثا
شروط صحة اتفاق التحكيم
إذا كنا قد انتهينا إلى أننا بصدد اتفاق أي عقد، فمن ثم فهو يخضع للشروط
اللازمة لصحة العقد من ضرورة توافر الرضا القانونى الصحيح، المحل المشروع والسبب، هى
شروط عامة لازمة لصحة أي اتفاق أو عقد، أغرق الفقه المدنى فى دراستها فنحيل إليها منعاً
من التكرار والإطالة.
ونكتفي فى هذا المجال بأن نعرض للشروط الشكلية التى أشارت إليها المادة
(12) من قانون التحكيم، وإلى الشروط الموضوعية التحكيمية التى جاءت بها المادة
(11).
(1) الشروط الشكلية:
استلزمت المادة (12) أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا، وحسنا فعل المشرع المصري،
ليس فقط اتساقا مع أحكام القانون النموذجي"اليونيسترال 1985" والذي كان المرجع
الرئيسي للتشريع المصري وغيره من تشريعات التحكيم في الدول المختلفة، وإنما أيضا لما
يترتب على وجود هذا الشرط ـ على النحو الذي سنعرض له في حينه ـ من سلب لاختصاص قضاء
الدولة، بالتالي يجب أن يكون الشرط واضحا في التعبير عن إرادة الطرفين ولا يترك لوسائل
الإثبات البديلة، وإنما استلزم المشرع الكتابة ورتب جزاء البطلان على تخلف هذا الشرط،
ويستوي فى ذلك أن تكون الكتابة ثابتة في ورقة عرفية أو رسمية.
والكتابة بهذا الشكل شرط للانعقاد وليس شرط للإثبات (۱)0
ويقصد بالكتابة هنا كل ما من شأنه أن يكشف عن أن إرادة الطرفين قد اتجهت
إلى "التحكيم" سواء كانت في مراسلات أو برقيات أو خطابات، سواء بالبريد العادي
أو أي من وسائل الإتصال الحديثة كالإنترنت مثلا أو الفاكس أو غيرها..
ولكن تثور بعض الأسئلة(۲) في إطار الصياغة التي جاءت بها المادة
(12) حيث أشارت إلى محرر "وقعه الطرفان" فماذا إذا جاء المحرر غير موقع مثل
اتفاق الطرفين على اللجوء إلى التحكيم أمام المحكمة وأثبت هذا الاتفاق بمحضر الجلسة،
وهو لا يوقع من الطرفين. أو إذا جاء الاتفاق في "إقرار" موقع من أحد الأطراف
دون الطرف الآخر، كذلك ما هو الموقف بالنسبة لوسائل الاتصال الأخرى كالفاكس والبريد
الاليكتروني فهى رسائل غير موقعة ممن صدرت عنه، فماذا لو أنكرها...
ونذهب مع ما ذهب إليه الأساتذة د. مصطفى الجمال ود. عكاشه عبد العال. فيما
انتهيا إليه من أن "الكتابة مطلوبة لوجود الاتفاق، فاذا لم توجد كتابة أصلا أو
في صوره مستخرج من الفاكس أو الكمبيوتر، امتنع اثبات التحكيم من الاصل، ولا يجوز الالتجاء
إلى توجيه اليمين أو الاستعانة بالبينة فى هذه الحالة.
.... وانه إذا ما وجدت
كتابة لا تتمتع بالحجية لعدم توقيعها ممن صدرت عنه أو لكونها مجرد صور تستخرج من الفاكس
أو الكمبيوتر، فإنه يمكن الالتجاء إلى وسائل الإثبات الأخرى غير الكتابة لإثبات نسبة
هذه الكتابة الى من يفترض صدورها عنه.
.... أن المشرع قد
وسع من مفهوم الشكل الكتابى اللازم لوجود اتفاق التحكيم فجعله شاملا لبعض حالات وجود
مبدأ الثبوت بالكتابة، وعلى هذا النحو إذا ما توفر مبدأ الثبوت بالكتابة لمن يتمسك
به أمكن استكمال متطلبات الاثبات عن طريق وسائل الاثبات الاخرى.
فإذا ما استكمل الاثبات عن طريق وسيلة من هذه الوسائل كان مبدأ الثبوت
بالكتابة كافيا لتوفير الشكل المطلوب، أما إذا لم يتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة فلا
يجوز الالتجاء إلى وسائل الإثبات الاخرى المساوية أصلا للكتابة كاليمين مثلا.."
(۳)
(2) الشروط الموضوعية
الخاصة:
قضت المادة (11) من قانون التحكيم بأنه "لا يجوز الاتفاق على التحكيم
الا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه، ولا يجوز التحكيم في المسائل
التي لا يجوز فيها الصلح".
وهنا نعرض للأهلية التي استلزمها المشرع لصحة اتفاق التحكيم وهي أهلية
التصرف بالنسبة للشخص الطبيعي ثم للشخص الاعتباري.
(1) الأهليـــــــــة
:
(أ) أهلية التحكيم
للشخص الطبيعي:
استلزمت المادة المشار إليها أن يكون لدى أطراف التحكيم أهلية التصرف ويرجع
في ذلك الى قانون
الدولة التي ينتمي اليها الاطراف بجنسيتهم عملا بأحكام القانون المدني
المصري المادة 11 "الحالة
المدنية للاشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون اليها بجنسيتهم
000" وتأخذ معظم
الدول العربية بقانون الجنسية.
وأهلية التصرف لا تثبت إلا لمن يصل سن الرشد ولم يكن محجوزا عليه لجنون
أو عته أو سفه أو ذو غفله.
مع الوضع في الاعتبار أحكام المادة 61 من المرسوم بفانون 119/52 الخاص
بالولاية على المال التي
يجعل للقاصر أهلية التصرف فيما يسلم إليه أو يوضع تحت أمرته لاغراض النفقة،
أو الماده 63 التي
تجعل لمن يبلغ 16 من عمره اهلا للتصرف فيما يكسبه من عمله من أجر.
وتثور المشكلة في مدى جواز الاعتراف بالاهلية الخاصة بالتحكيم للمأذون
له بالتجارة عملا بالمادة 57
من قانون الولاية على المال، اتجه اغلب الفقه الى عدم الاعتراف له بالاهلية
بالاتفاق على التحكيم نظرا
لان الاتفاق على التحكيم يحتاج الى اهلية خاصة ولا تكفي أهلية التقاضي
(1) في حين يرى د0مصطفى
الجمال ود0عكاشه عبد العال أن الفقـه يتجاهل منطق النصوص والواقع على حد
سواء فمن ناحية
النصوص تفرق بين حق التصرف فيما يلزم التصرف فيه للقيام بالادارة او الاتجار
وبين التصرف في
الكسب الناشئ عن الادارة او التجارة فهو لا يحتاج الى اذن للتصرف فيه،
في حين ان الثاني لا يجوز
التصرف فيه الا في حدود النفقة فقط.
ومن ناحية ثانية أن قبول التحكيم لا يعني التصرف الا اذا كان تحكيما بالصلح،
اما باقي التحكيم فيفترض
أن المحكم ملتزم بأحكام القانون ولا تتنازل الاطراف عما تعتقد انه حق لها،
ومن ثم فأهلية التحكيم هنا
ترتبط بأهلية التقاضي (۱) الا فيما يتعلق بالتحكيم بالصلح.
وأخيرا ان مقتضى الاعتراف للقاصر المأذون له بالتعاقد والتصرف في إطار
معين
يقتضي ان تعترف له ايضا بالحق في الاتفاق على التحكيم في كل ما يتعلق
بالعقود التى هو أهلا لإبرامها وفقا للإذن الممنوح له.
ب) أهلية التحكيم للشخص المعنوي:
ما يسري على الشخص الطبيعي يسري على الشخص المعنوي من أن يكون لديه أهلية
التصرف أي لديه
القدرة على التصرف في الحقوق التي يكتسبها ، ومن ثم يتعين أن يستوفي الشخص
المعنوي الشروط
التي يتطلبها القانون لاكتساب الشخصية كالقيد في التجاري، وبالنسبة للشركات
الأجنبية فإنها تخضع
لقانون البلد الذي يوجد به مركزها الرئيسي.
ورغم وضوح نص المادة الأولى من قانون التحكيم في سريانه على كل تحكيم بين
أطراف من أشخاص
القانون العام أو القانون الخاص، فقد صدرت أحكام من مجلس الدولة وكذا فتاوى
صادرة من قسم الفتوى
أشارت إلى عدم جواز التحكيم في العقد الإداري مسايرا بذلك الاتجاه السائد
قبل صدور القانون 27/94
" لا يكفى أن
تصدق السلطة التشريعية على العقد الادارى الذى يتضمن شرط التحكيم لأن هذا العمل لا
يعد قانونا من حيث الموضوع" (المحكمة الادارية العليا ـ ط3049/22
ق ـ فى 20 /2/ 90)
وكانت محكمة القضاء الادارى قد قضت "لا يجوز سلب اختصاص محاكم القضاء
الإدارى بنظر منازعات
هذا العقد بموجب نص فيه يسند هذا الاختصاص إلى هيئة التحكيم ويتعين الالتفات
عن هذا النص العقدى
وإعمال أحكام القانون التى أناطت الاختصاص بذلك الى مجلس الدولة دون غيره
"(الدعوى 5429/42
ق فى 30/1/1991) (۲)
الأمر الذي دعى المشرع إلى إصدار القانون 9 لسنة 97 بإضافة فقرة إلى نص
المادة الأولى مقتضاها
"وبالنسبة إلى
منازعات العقود الإدارية يكون الإتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى
إختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك".
وإزاء وضوح النص، فيشترط موافقة الوزير المختص على الاتفاق لصحة إتفاق
التحكيم، أو من له سلطة
الوزير بالنسبة للأشخاص الإعتبارية العامة، ولم يسمح القانون بالتفويض
في ذلك.
(2) قابلية المنازعة
للتحكيم :
استلزمت المادة 11 من قانون التحكيم أن يكون التحكيم في المسائل الجائز
الصلح فيها وهو شرط
موضوعي خاص ولمعرفة المسائل التي يجوز فيها التصالح و ترشدنا المادة
551 من القانون المدني
"لا يجوز الصلح
في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على المصالح
المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائمً0
وبالبناء على ما تقدم لا يجوز التحكيم في مسائل الأهلية والحالة المدنية
والأمور المتعلقة بصحة الزواج
أو إثبات النسب، كما لا يجوز التصالح في الجرائم الجنائية كقاعدة عامة
مع مراعاة أن القانون قد أتاح
الصلح في بعض الجرائم الجنائية مثل التهرب الضريبي والتهرب الجمركي وبعض
جرائم قانون البنوك
الجديد.
(3) تحديد موضوع النزاع
المعروض على التحكيم:
أشارت المادة 30 / 1 من قانون التحكيم إلى ضرورة تحديد المسائل محل النزاع
فى اتفاق التحكيم، وإلا كان الأتفاق باطلاً.
(4) جزاء تخلف شرط
من شروط صحة اتفاق التحكيم:
اذا تخلف شرط من شروط التحكيم السالف الأشارة اليها كان الأتفاق باطلاً
، وجاز الطعن عليه بدعوى البطلان المنصوص عليها فى المادة 53 من قانون التحكيم .
رابعا
أثار اتفاق التحكيم
يترتب على انعقاد اتفاق التحكيم ـ أيا كانت الصورة التي تم عليها إحالته
إلى التحكيم ـ انحسار ولاية القضاء وأن المحتكمين ملتزمين بحدود ما تم الاتفاق عليه
من حيث الموضوع والأشخاص.
(أ) انحسار ولاية القضاء:
عملا بأحكام المادة (13/1) "يجب على المحكمة التى يرفع اليها نزاع
يوجد بشأنه اتفاق تحكيم ان تحكم بعدم قبول الدعوى ، إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل ابدائه
أي طلب أو دفاع فى الدعوى".
ويتضح من الصياغة التي اعتمدها المشرع أن الالتزام بعدم الالتجاء إلى القضاء
هو التزام لا يتعلق بالنظام العام، بمعنى أن المحكمة لا تقضي فيه من تلقاء نفسه وإنما
يتعين أن يدفع به المدعي عليه قبل إبداء أى طلب أو دفاع الدعوى، باعتبار أن ذلك – الاتفاق
على التحكيم – استثناء من الأصل العام في حرية الألتجاء إلى القضاء وبالتالي يكون لكل
منهما النزول عن حقه بإرادته وحدها، وهذا النزول كما يمكن أن يكون صريحا يمكن كذلك
أن يكون ضمنياً (۱)
وقد شايع المشرع الاتجاه الذي كان غالبا في الفقه المصري وكذا محكمة النقض
المصرية (نقض 6/1/76 مشار اليه فى مؤلف د0 مشار اليه فى مؤلف د0مصطفى الجمال ـ ص
519 (هامش 2) في ظل قانون المرافعات والذي انتهى الى ان الدفع بالاتفاق على التحكيم
ليس الا دفعا بعدم الاختصاص وانما هو دفع بعدم القبول ، وإن كان هذا الرأي لا يخلو
أيضا من الملاحظات و أهمها أن الدفع بعدم القبول بطبيعته دفع موضوعي، أي يجوز إبداءه
أيا كانت المرحلة التي مر بها النزاع, وقد رأى المشرع في المادة 13/1 غير ذلك..!!!
و يترتب علي إبداء الدفع ـ في موعده ـ انحسار ولاية القضاء عن نظر هذا
النزاع.
ب) ولاية الهيئة التحكيمية:
يتقيد المحكمون عند نظر دعوى التحكيم بالوثيقة التي يوقعها الطرفان والتي
تتضمن كافة ما اتفقا عليه, ومن ثم فهذا هو الاطار الذي يلتزم المحكمون به سواء من حيث
الاطراف ـ كقاعدة عامة ـ أو من حيث الموضوع, وتدق المشكلة اذا كان شرط التحكيم تم بناء
على وثائق متبادلة بين الاطراف سواء كانت مرحله التفاوض او حتى بعد التعاقد، فهل يمكن
ان يعتمد عليها ايضا في تحديد اطار التحكيم.؟
لا مجال أمامنا إلا أخذ هذه الوثائق المتبادلة فى الاعتبار عند إعمال قواعد
التفسير بحثاً عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين .
ويجدر الإشارة فى حكم المادة 53 من قانون التحكيم والتى جرى نصها
"لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :
"إذا فصل التحكيم
فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء
الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا
يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها" .
وقراءة فى بعض المشكلات العملية
صابــر عمــار
المحامى بالنقض والإدارية والدستورية العليا
المحكم المقيد بغرفة التجارة الدولية بباريس
المحكم المقيد بغرفة التحكيم لدول الخليج ـ المنامة
محاضرة القيت اليوم بنقابة المحامين
مايو 2006
الجزء الأول
اتفــاق التحكيــم
مقدمــة:
التحكيم طبقاً لما استقرت محكمتنا الدستورية العليا على تعريفه بأنه
"عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باخيتارهما أو بتفويض منهما
وفقا لشروط يحددنها ليفصل في النزاع بقرار يقطع دابر الخصومة، وبعد أن يدلى كل منهما
بوجهة نظره من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وبذلك يكون التحكيم عملا إرادياً، ركيزته
أتفاق خاص، مبناه اتجاه ارادة المحتكمين إلى ولوج هذا الطريق لفض الخصومات بدلاً من
القضاء العادي، ومقتضاه حجب المحاكم عن نظر المسائل التي يتناولها. استثناء من اصل
خضوعها لولايتها."
(الدعوى الدستورية
155/ 20 ق دستورية 13/1/ 2002 الجريدة الرسمية العدد 4 (تابع) فـي 24/1/2002).
ويتضح من عبارات المحكمة الدستورية العليا إن الإرادة هي العمود الفقري
للتحكيم، فهو يقوم على احترام إرادة طرفي التحكيم بإفساح الحرية لهما لتنظيمه بالكيفية
التي تناسبهما "فالحرية هي عماد نظام التحكيم" (اتفاق التحكيم – د. ناريمان
عبد القادر – ط 96 ص 136) وكانت محكمة النقض قد عرفته بأنه "طريق استثنائي لفض
الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات، ومن ثم فهو مقصور
حتما على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم" (نقض 16 / 2 /
71 سنة 22 ص 179 ـ منشور بـ التعليق على قانون المرافعات ـ الديناصورى وعكاز ـ ط 7
ص 1506 ، 1507)0
وقد صدر القانون 27/94 الخاص بالتحكيم في المواد المدنية والتجارية، ونظم
في الباب الثاني فيه اتفاق التحكيم على النحو الذي سنراه تفصيلا وسنعرض له من خلال
عرضنا للنقاط التالية: تعريفه، صوره، شروط صحته، الآثار المترتبة عليه، ثم انتهاء الاتفاق
ونعرض لمسائلة هامة وهى استقلال شرط التحكيم، والقانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم0
أولاً
تعريف اتفاق التحكيم
1) تعريف اتفاق
التحكيم طبقالاتفاقية نيويورك 1958:
قضت المادة الثانية من الاتفاقية
" أ) تعترف كل
دولة متعاقده بالاتفاق المكتوب الذى يلتزم بمقتضاه الاطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل أوبعض
المنازعات الناشئة أو التى تنشأ بينهم بشأن موضوع من روابط القانون التعاقدية أو غير
التعاقدية المتعلقة بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم0
ب) يقصد " باتفاق التحكيم " شرط التحكيم فى عقد أو اتفاق التحكيم
الموقع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذى تضمنته الخطابات المتبادلة أو البرقيات 0
ج) على محكمة الدولة المتعاقدة التى يطرح أمامهانزاع حول موضوع كان محل
اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد فى هذه المادة _ أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم
الىالتحكيم وذلك مالم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل أو لا أثر له أو غير قابل
للتطبيق 0
2) التعريف طبقا للقانون
النموذجى المعد بمعرفة لجنةالتحكيم التجارى الدولى ) بصيغته التى اعتمدتها لجنة الأمم
المتحدة للقانون التجارى الدولى فى 21حزيران / يونيه 1985
اليونيسترال ):
1"ـ "اتفاق
التحكيم" هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات
المحددة التى نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة تعاقدية كانت أو غير
تعاقدية ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم فى صورة شرط تحكيم وارد فى عقد أو صورة اتفاق
منفصل.
2ـ يجب أن يكون اتفاق
التحكيم مكتوبا ـ ويعتبر الاتفاق مكتوبا إذا ورد فى وثيقة موقعة من الطرفين أو فى تبادل
رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال السلكى واللاسلكى تكون بمثابة
سجل للاتفاق أو فى تبادل لبيانات الادعاء والدفاع يقول فيه أحد الطرفين بوجود اتفاق
ولا ينكره الطرف الآخر وتعتبر الاشارة فى عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط للتحكيم بمثابة
اتفاق تحكيم شريطة أن يكون العقد وأن تكون الاشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءا
من العقد"
3)التعريفات المحلية
"
أ) تعريف محكمة النقض المصرية
"التحكيم طريق
إستثنائى لفض الخصومات قوامه الخروج على طريق التقاضى العادية فهو مقصور على ما تنصرف
إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم، يستوى فى ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم
فى نزاع معين بوثيقة خاصة أو إنصراف إلى جميع المنازعات التى تنشأ عن تنفيذ عقد معين
فلا يمتد نطاق التحكيم إلى عقد لم تنصرف إرادة الطرفين إلى فض النزاع بشأنه عن طريق
التحكيم، أو إلى إتفاق لاحق له ما لم يكن بينهما رباط لا ينفصم بحيث لا يستكمل - دون
الجمع بينهما - اتفاق، أو يفض مع الفصل بينهما خلاف ."
[الفقرة رقم 2 من الطعن
رقم 52 سنة قضائية 60 - تاريخ الجلسة 27 / 02 / 1994]
ب)تعريف المحكمة الدستورية العليا :
الاصل فى التحكيم هو عرض نزاع معن بين طرفين على محكم من الاغيار يعين
باختيارهما او بتفويض منهما او على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم فى النزاع بقرار
يكون نائيا عن شبهة الممالأة مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة فى جوانبها التى
احالها الطرفان اليه بعد ان يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضى
الرئيسية ولا يجوز بحال ان يكون التحكيم اجباريا يذعن اليه احد الطرفين انفاذا لقاعدة
قانونية او محتملا ذلك ان التحكيم مصدره الاتفاق اذ يحدد طرفاه - وفقا لاحكامه - نطاق
الحقوق المتنازع عليها بينهما او المسائل الخلافية التى يمكن ان تعرض لهما واليه ترتد
السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها ويلتزم المحتكمون بالنزول على
القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذا كاملا وفقا لفحواه ليؤولالتحكيم الى وسيلة فنية لها
طبيع قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل اهتمام من اطرافها وركيزته اتفاق
خاص يستمد منه سلطاتهم ولا يتولون مهامهم بالتالى باسناد من الدولة .
[ الطعن رقم 104 سنة
قضائية 20دستورية- تاريخ الجلسة 3/7/1999]
كما قضت فى حكم آخر :
" الاصل فى التحكيم
- على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الاغيار
يعين باختيارهما او بتفويض منهما او على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم فى ذلك
النزاع بقرار يكون نائيا عن شبهة الممالأة مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة فى
جوانبها التى احالها الطرفان اليه بعد ان يدلى كل منهما بوجهة نظره تفصيليا من خلال
ضمانات التقاضى الرئيسية . ولا يجوز بحال ان يكون التحكيم اجباريا يذعن اليه احد الطرفين
انفاذا لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها وذلك سواء كان موضوع الحكيم
نزاعا قائما او محتملا ذلك ان التحكيم مصدره الاتفاق اذ يحدد طرفاه - وفقا لاحكامه
- نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما او المسائل الخلافية التى يمكن ان تعرض لهما واليت
ترتد السلطة الكاملة التى يباشرها المحكمون عند البت فيها وهما يستمدان من اتفاقهما
على التحكيم التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذا كاملا وفقا لفحواه
ليؤول التحكيم الى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل فى نزاع مبناه علاقة محل
اهتمام من اطرافها وركيزته اتفاق خاص يستمد الحكام منه سلطانهم ولا تولون مهامهم بالتالى
باسناد من الدولة وبهذه المثابة فان التحكيم يعتبر نظاما بديلا عن القضاء فلا يجتمعان
ذلك ان مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التى انصب عليها استثناء من اصل خضوعها
لولايتها ."
الفقرة رقم 3 من الطعن رقم 84 سنة قضائية 19 دستورية - تاريخ الجلسة
06 / 11 / 1999)
ج) تعريف المادة 10 من قانون التحكيم:
اتفاق بمقتضاه يعهد طرفي منازعة عقدية أو غير عقدية بموجب أرادتها الحرة
قبل نشوء المنازعة أو بعدها، إلى شخص يحددانه للفصل في هذه المنازعة بحكم، بدلا من
اللجوء إلى قضاء الدولة، وهو ما تكلفت به المادة العاشرة من القانون 27 لسنة 94 (۱)
وهو بموجب كونه اتفاق ـ أي عقد ـ يلزم فيه كافه شروط التعاقد سواء كانت
شروط صحة من رضاء صحيح ومحل مشروع وممكن وسبب مشروع بالإضافة إلى الشروط الموضوعية
الخاصة (مادة 11 من قانون 27/94) وشروط شكلية (مادة 12 من القانون 27/94) .
ثانياً
صور اتفاق التحكيم
أشارت المادة العاشرة إلى صور ثلاث يمكن لاتفاق التحكيم إن يتجسد في إحداهم
بالإضافة إلى ما ورد بالمادة (12) وهى:
(1) شرط التحكيم
المقصود به إن يرد في شكل شرط في عقد من العقود يقضى بأن أي نزاع حول إعمال
أو تفسير أو تنفيذ العقد أو أ حد شروطه يتم تسويته عن طريق التحكيم وهذا بالطبيعي يقتضى
أن تكون العلاقة عقدية وان يكون الشرط سابقا على قيام المنازعة.
(2) مشارطة التحكيم
أن يبرم طرفا العقد وثيقة مستقلة سواء كانت العلاقة الأصلية علاقة تعاقدية
أو غيـر تعاقدية، يتفق فيها على تسوية المنازعة التي يحددانها عن طريق التحكيم.
ويتصور أن تكون مشارطة التحكيم سابقة على نشوء المنازعة أو بعد نشوئها.
(3) الإحالة إلى وثيقة
أخرى تتضمن شرط تحكيم
يشترط أن تكون الإحالة واضحة وأن يكون شرط التحكيم الوارد في هذه الوثيقة
– المحال إليها – جزء من الإتفاق المبرم بين الطرفين(۱) .
(4) المراسلات المتبادلة
إذا تضمنت اتفاق تحكيم
عرفت المادة (12) من قانون التحكيم المصري شكلا رابعا من أشكال الاتفاق
علي التحكيم وهو الاتفاق المكتوب الذي تضمنه محرر موقع بين الطرفين إذا تضمنه ما يتبادله
الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة0
ثالثا
شروط صحة اتفاق التحكيم
إذا كنا قد انتهينا إلى أننا بصدد اتفاق أي عقد، فمن ثم فهو يخضع للشروط
اللازمة لصحة العقد من ضرورة توافر الرضا القانونى الصحيح، المحل المشروع والسبب، هى
شروط عامة لازمة لصحة أي اتفاق أو عقد، أغرق الفقه المدنى فى دراستها فنحيل إليها منعاً
من التكرار والإطالة.
ونكتفي فى هذا المجال بأن نعرض للشروط الشكلية التى أشارت إليها المادة
(12) من قانون التحكيم، وإلى الشروط الموضوعية التحكيمية التى جاءت بها المادة
(11).
(1) الشروط الشكلية:
استلزمت المادة (12) أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا، وحسنا فعل المشرع المصري،
ليس فقط اتساقا مع أحكام القانون النموذجي"اليونيسترال 1985" والذي كان المرجع
الرئيسي للتشريع المصري وغيره من تشريعات التحكيم في الدول المختلفة، وإنما أيضا لما
يترتب على وجود هذا الشرط ـ على النحو الذي سنعرض له في حينه ـ من سلب لاختصاص قضاء
الدولة، بالتالي يجب أن يكون الشرط واضحا في التعبير عن إرادة الطرفين ولا يترك لوسائل
الإثبات البديلة، وإنما استلزم المشرع الكتابة ورتب جزاء البطلان على تخلف هذا الشرط،
ويستوي فى ذلك أن تكون الكتابة ثابتة في ورقة عرفية أو رسمية.
والكتابة بهذا الشكل شرط للانعقاد وليس شرط للإثبات (۱)0
ويقصد بالكتابة هنا كل ما من شأنه أن يكشف عن أن إرادة الطرفين قد اتجهت
إلى "التحكيم" سواء كانت في مراسلات أو برقيات أو خطابات، سواء بالبريد العادي
أو أي من وسائل الإتصال الحديثة كالإنترنت مثلا أو الفاكس أو غيرها..
ولكن تثور بعض الأسئلة(۲) في إطار الصياغة التي جاءت بها المادة
(12) حيث أشارت إلى محرر "وقعه الطرفان" فماذا إذا جاء المحرر غير موقع مثل
اتفاق الطرفين على اللجوء إلى التحكيم أمام المحكمة وأثبت هذا الاتفاق بمحضر الجلسة،
وهو لا يوقع من الطرفين. أو إذا جاء الاتفاق في "إقرار" موقع من أحد الأطراف
دون الطرف الآخر، كذلك ما هو الموقف بالنسبة لوسائل الاتصال الأخرى كالفاكس والبريد
الاليكتروني فهى رسائل غير موقعة ممن صدرت عنه، فماذا لو أنكرها...
ونذهب مع ما ذهب إليه الأساتذة د. مصطفى الجمال ود. عكاشه عبد العال. فيما
انتهيا إليه من أن "الكتابة مطلوبة لوجود الاتفاق، فاذا لم توجد كتابة أصلا أو
في صوره مستخرج من الفاكس أو الكمبيوتر، امتنع اثبات التحكيم من الاصل، ولا يجوز الالتجاء
إلى توجيه اليمين أو الاستعانة بالبينة فى هذه الحالة.
.... وانه إذا ما وجدت
كتابة لا تتمتع بالحجية لعدم توقيعها ممن صدرت عنه أو لكونها مجرد صور تستخرج من الفاكس
أو الكمبيوتر، فإنه يمكن الالتجاء إلى وسائل الإثبات الأخرى غير الكتابة لإثبات نسبة
هذه الكتابة الى من يفترض صدورها عنه.
.... أن المشرع قد
وسع من مفهوم الشكل الكتابى اللازم لوجود اتفاق التحكيم فجعله شاملا لبعض حالات وجود
مبدأ الثبوت بالكتابة، وعلى هذا النحو إذا ما توفر مبدأ الثبوت بالكتابة لمن يتمسك
به أمكن استكمال متطلبات الاثبات عن طريق وسائل الاثبات الاخرى.
فإذا ما استكمل الاثبات عن طريق وسيلة من هذه الوسائل كان مبدأ الثبوت
بالكتابة كافيا لتوفير الشكل المطلوب، أما إذا لم يتوافر مبدأ الثبوت بالكتابة فلا
يجوز الالتجاء إلى وسائل الإثبات الاخرى المساوية أصلا للكتابة كاليمين مثلا.."
(۳)
(2) الشروط الموضوعية
الخاصة:
قضت المادة (11) من قانون التحكيم بأنه "لا يجوز الاتفاق على التحكيم
الا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه، ولا يجوز التحكيم في المسائل
التي لا يجوز فيها الصلح".
وهنا نعرض للأهلية التي استلزمها المشرع لصحة اتفاق التحكيم وهي أهلية
التصرف بالنسبة للشخص الطبيعي ثم للشخص الاعتباري.
(1) الأهليـــــــــة
:
(أ) أهلية التحكيم
للشخص الطبيعي:
استلزمت المادة المشار إليها أن يكون لدى أطراف التحكيم أهلية التصرف ويرجع
في ذلك الى قانون
الدولة التي ينتمي اليها الاطراف بجنسيتهم عملا بأحكام القانون المدني
المصري المادة 11 "الحالة
المدنية للاشخاص وأهليتهم يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون اليها بجنسيتهم
000" وتأخذ معظم
الدول العربية بقانون الجنسية.
وأهلية التصرف لا تثبت إلا لمن يصل سن الرشد ولم يكن محجوزا عليه لجنون
أو عته أو سفه أو ذو غفله.
مع الوضع في الاعتبار أحكام المادة 61 من المرسوم بفانون 119/52 الخاص
بالولاية على المال التي
يجعل للقاصر أهلية التصرف فيما يسلم إليه أو يوضع تحت أمرته لاغراض النفقة،
أو الماده 63 التي
تجعل لمن يبلغ 16 من عمره اهلا للتصرف فيما يكسبه من عمله من أجر.
وتثور المشكلة في مدى جواز الاعتراف بالاهلية الخاصة بالتحكيم للمأذون
له بالتجارة عملا بالمادة 57
من قانون الولاية على المال، اتجه اغلب الفقه الى عدم الاعتراف له بالاهلية
بالاتفاق على التحكيم نظرا
لان الاتفاق على التحكيم يحتاج الى اهلية خاصة ولا تكفي أهلية التقاضي
(1) في حين يرى د0مصطفى
الجمال ود0عكاشه عبد العال أن الفقـه يتجاهل منطق النصوص والواقع على حد
سواء فمن ناحية
النصوص تفرق بين حق التصرف فيما يلزم التصرف فيه للقيام بالادارة او الاتجار
وبين التصرف في
الكسب الناشئ عن الادارة او التجارة فهو لا يحتاج الى اذن للتصرف فيه،
في حين ان الثاني لا يجوز
التصرف فيه الا في حدود النفقة فقط.
ومن ناحية ثانية أن قبول التحكيم لا يعني التصرف الا اذا كان تحكيما بالصلح،
اما باقي التحكيم فيفترض
أن المحكم ملتزم بأحكام القانون ولا تتنازل الاطراف عما تعتقد انه حق لها،
ومن ثم فأهلية التحكيم هنا
ترتبط بأهلية التقاضي (۱) الا فيما يتعلق بالتحكيم بالصلح.
وأخيرا ان مقتضى الاعتراف للقاصر المأذون له بالتعاقد والتصرف في إطار
معين
يقتضي ان تعترف له ايضا بالحق في الاتفاق على التحكيم في كل ما يتعلق
بالعقود التى هو أهلا لإبرامها وفقا للإذن الممنوح له.
ب) أهلية التحكيم للشخص المعنوي:
ما يسري على الشخص الطبيعي يسري على الشخص المعنوي من أن يكون لديه أهلية
التصرف أي لديه
القدرة على التصرف في الحقوق التي يكتسبها ، ومن ثم يتعين أن يستوفي الشخص
المعنوي الشروط
التي يتطلبها القانون لاكتساب الشخصية كالقيد في التجاري، وبالنسبة للشركات
الأجنبية فإنها تخضع
لقانون البلد الذي يوجد به مركزها الرئيسي.
ورغم وضوح نص المادة الأولى من قانون التحكيم في سريانه على كل تحكيم بين
أطراف من أشخاص
القانون العام أو القانون الخاص، فقد صدرت أحكام من مجلس الدولة وكذا فتاوى
صادرة من قسم الفتوى
أشارت إلى عدم جواز التحكيم في العقد الإداري مسايرا بذلك الاتجاه السائد
قبل صدور القانون 27/94
" لا يكفى أن
تصدق السلطة التشريعية على العقد الادارى الذى يتضمن شرط التحكيم لأن هذا العمل لا
يعد قانونا من حيث الموضوع" (المحكمة الادارية العليا ـ ط3049/22
ق ـ فى 20 /2/ 90)
وكانت محكمة القضاء الادارى قد قضت "لا يجوز سلب اختصاص محاكم القضاء
الإدارى بنظر منازعات
هذا العقد بموجب نص فيه يسند هذا الاختصاص إلى هيئة التحكيم ويتعين الالتفات
عن هذا النص العقدى
وإعمال أحكام القانون التى أناطت الاختصاص بذلك الى مجلس الدولة دون غيره
"(الدعوى 5429/42
ق فى 30/1/1991) (۲)
الأمر الذي دعى المشرع إلى إصدار القانون 9 لسنة 97 بإضافة فقرة إلى نص
المادة الأولى مقتضاها
"وبالنسبة إلى
منازعات العقود الإدارية يكون الإتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى
إختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض في ذلك".
وإزاء وضوح النص، فيشترط موافقة الوزير المختص على الاتفاق لصحة إتفاق
التحكيم، أو من له سلطة
الوزير بالنسبة للأشخاص الإعتبارية العامة، ولم يسمح القانون بالتفويض
في ذلك.
(2) قابلية المنازعة
للتحكيم :
استلزمت المادة 11 من قانون التحكيم أن يكون التحكيم في المسائل الجائز
الصلح فيها وهو شرط
موضوعي خاص ولمعرفة المسائل التي يجوز فيها التصالح و ترشدنا المادة
551 من القانون المدني
"لا يجوز الصلح
في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام ولكن يجوز الصلح على المصالح
المالية التي تترتب على الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب إحدى الجرائمً0
وبالبناء على ما تقدم لا يجوز التحكيم في مسائل الأهلية والحالة المدنية
والأمور المتعلقة بصحة الزواج
أو إثبات النسب، كما لا يجوز التصالح في الجرائم الجنائية كقاعدة عامة
مع مراعاة أن القانون قد أتاح
الصلح في بعض الجرائم الجنائية مثل التهرب الضريبي والتهرب الجمركي وبعض
جرائم قانون البنوك
الجديد.
(3) تحديد موضوع النزاع
المعروض على التحكيم:
أشارت المادة 30 / 1 من قانون التحكيم إلى ضرورة تحديد المسائل محل النزاع
فى اتفاق التحكيم، وإلا كان الأتفاق باطلاً.
(4) جزاء تخلف شرط
من شروط صحة اتفاق التحكيم:
اذا تخلف شرط من شروط التحكيم السالف الأشارة اليها كان الأتفاق باطلاً
، وجاز الطعن عليه بدعوى البطلان المنصوص عليها فى المادة 53 من قانون التحكيم .
رابعا
أثار اتفاق التحكيم
يترتب على انعقاد اتفاق التحكيم ـ أيا كانت الصورة التي تم عليها إحالته
إلى التحكيم ـ انحسار ولاية القضاء وأن المحتكمين ملتزمين بحدود ما تم الاتفاق عليه
من حيث الموضوع والأشخاص.
(أ) انحسار ولاية القضاء:
عملا بأحكام المادة (13/1) "يجب على المحكمة التى يرفع اليها نزاع
يوجد بشأنه اتفاق تحكيم ان تحكم بعدم قبول الدعوى ، إذا دفع المدعي عليه بذلك قبل ابدائه
أي طلب أو دفاع فى الدعوى".
ويتضح من الصياغة التي اعتمدها المشرع أن الالتزام بعدم الالتجاء إلى القضاء
هو التزام لا يتعلق بالنظام العام، بمعنى أن المحكمة لا تقضي فيه من تلقاء نفسه وإنما
يتعين أن يدفع به المدعي عليه قبل إبداء أى طلب أو دفاع الدعوى، باعتبار أن ذلك – الاتفاق
على التحكيم – استثناء من الأصل العام في حرية الألتجاء إلى القضاء وبالتالي يكون لكل
منهما النزول عن حقه بإرادته وحدها، وهذا النزول كما يمكن أن يكون صريحا يمكن كذلك
أن يكون ضمنياً (۱)
وقد شايع المشرع الاتجاه الذي كان غالبا في الفقه المصري وكذا محكمة النقض
المصرية (نقض 6/1/76 مشار اليه فى مؤلف د0 مشار اليه فى مؤلف د0مصطفى الجمال ـ ص
519 (هامش 2) في ظل قانون المرافعات والذي انتهى الى ان الدفع بالاتفاق على التحكيم
ليس الا دفعا بعدم الاختصاص وانما هو دفع بعدم القبول ، وإن كان هذا الرأي لا يخلو
أيضا من الملاحظات و أهمها أن الدفع بعدم القبول بطبيعته دفع موضوعي، أي يجوز إبداءه
أيا كانت المرحلة التي مر بها النزاع, وقد رأى المشرع في المادة 13/1 غير ذلك..!!!
و يترتب علي إبداء الدفع ـ في موعده ـ انحسار ولاية القضاء عن نظر هذا
النزاع.
ب) ولاية الهيئة التحكيمية:
يتقيد المحكمون عند نظر دعوى التحكيم بالوثيقة التي يوقعها الطرفان والتي
تتضمن كافة ما اتفقا عليه, ومن ثم فهذا هو الاطار الذي يلتزم المحكمون به سواء من حيث
الاطراف ـ كقاعدة عامة ـ أو من حيث الموضوع, وتدق المشكلة اذا كان شرط التحكيم تم بناء
على وثائق متبادلة بين الاطراف سواء كانت مرحله التفاوض او حتى بعد التعاقد، فهل يمكن
ان يعتمد عليها ايضا في تحديد اطار التحكيم.؟
لا مجال أمامنا إلا أخذ هذه الوثائق المتبادلة فى الاعتبار عند إعمال قواعد
التفسير بحثاً عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين .
ويجدر الإشارة فى حكم المادة 53 من قانون التحكيم والتى جرى نصها
"لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا فى الأحوال الآتية :
"إذا فصل التحكيم
فى مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء
الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له فلا
يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها" .